بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة المعاد / المجلد الخامس / القسم الثالث: کلمة لا اله الا الله حصن، نور الله و وجهه مشهود یوم القیامة، القلب السلی...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

الدرس‌ التاسع‌ والعشرون‌:

 المعاد هو العود إلي‌ الله‌ وشهود وجه‌ الله‌ تعالي‌

بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه‌ ربّ العالمين‌ ولا حول‌ ولا قوّة‌ إلاّ بالله‌ العلی‌ّ العظيم‌

وصلَّي‌ الله‌ علی‌ محمّد وآله‌ الطاهرين‌

ولعنة‌ الله‌ علی‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلي‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

 قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 وَبَشِّرِ الصَّـ'بِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَـ'بَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ قَالُو´ا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنآ إِلَيْهِ رَ ' جِعُونَ. [1]

 المعاد يعني‌ العود والرجوع‌ إلي‌ الله‌ تعالي‌، أو زمان‌ العود، أو محلّ العود إليه‌ تعالي‌، لانـّه‌ من‌ مادّة‌ عَادَ يعودُ بمعني‌ الرجوع‌. ومن‌ ثمّ فإنّ المعني‌ المطابق‌ للمعاد ليس‌ جزاء الاعمال‌ والاجر علیها.

 أجل‌، إنّ ما يستلزمه‌ الرجوع‌ والعودة‌ إلي‌ الله‌ تعالي‌، وظهور قدرة‌ الله‌ وعظمته‌ ومعرفته‌ وتوحيده‌، هو انكشاف‌ الاعمال‌ والآثار المترتّبة‌ علیها من‌ الجنّة‌ والنار: كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ. [2]

 ومن‌ هنا فإنّ المعاد هو الرجوع‌ إلي‌ الله‌، ولابدّ للاءنسان‌ أن‌ يعود إلي‌ مبدأه‌؛ ومن‌ الطبيعي‌ّ أنّ الحقائق‌ ستنكشف‌ للاءنسان‌ في‌ هذا الرجوع‌، تلك‌ الحقائق‌ التي‌ كانت‌ خافية‌ علیه‌ في‌ هذا العالم‌، فقد كانت‌ سلسلة‌ العلل‌ والمعلولات‌ والاسباب‌ والمسبّبات‌ قد حبست‌ الإنسان‌ في‌ أغلال‌ التعيّن‌ والتقيّد، فلم‌ تدعه‌ يشاهد جمال‌ الاحديّة‌ واضحاً جليّاً في‌ الموجودات‌ بأسرها.

 إنّ الافكار التي‌ تغلب‌ علی‌ الإنسان‌ في‌ عالم‌ الحسّ والمحسوسات‌ هذا، وغرائزه‌ التي‌ تخرج‌ عن‌ حدّ الاعتدال‌، كالشهوة‌ والغضب‌ والوهم‌، تُغرقه‌ في‌ عالمٍ من‌ الوهم‌ والخيال‌ يفصله‌ عن‌ إدراك‌ الحقيقة‌، إذ إنّ هذا الوهم‌ والخيال‌ معاكس‌ للحقيقة‌ ومخالف‌ لها.

 وعندما يعزم‌ علی‌ السفر ويشدّ رحاله‌، فإنّ هذه‌ التخيّلات‌ والاوهام‌ ستحترق‌ وتزول‌، وتنكشف‌ له‌ تلك‌ الحقائق‌.

 فهذه‌ التخيّلات‌ هي‌ أوهام‌ هذا العالم‌ الذي‌ نشأت‌ فيه‌ خلافاً لاصالة‌ الواقع‌، وكان‌ لها جانب‌ وجه‌ الخلق‌؛ أمّا تلك‌ الحقائق‌ فترجع‌ إلي‌ ذلك‌ العالم‌ ولها جانب‌ وجه‌ الله‌. علی‌ أنّ حقيقة‌ الموجودات‌ واحدة‌ لا أكثر، لانّ التشخّص‌ ملازم‌ للوحدة‌. فكلّ شخص‌ من‌ الموجودات‌ والاشياء واحد، وجانبا وجه‌ الخلق‌ ووجه‌ الله‌ اعتباران‌ لا ينافيان‌ تشخّص‌ تلك‌ الاشياء. ولانّ أحدهما ظاهر فإنّ الآخر خافٍ كامن‌، اللهم‌ إلاّ للافراد الذين‌ وصلوا إلي‌ مقام‌ جمع‌ الجمع‌ وصاروا يحفظون‌ الباطن‌ والظاهر بملاك‌ الباطن‌ والظاهر تماماً.

 وعلی‌ كلّ حال‌ فإنّ الإنسان‌ ينظر حيناً إلي‌ الموجودات‌ في‌ هذا العالم‌ بنظر الاستقلال‌، ويري‌ أنّ كلاّ منها مؤثّر وفاعل‌؛ وينظر حيناً آخر إليها علی‌ أنـّها قائمة‌ بالله‌ تعالي‌، وأنّ الله‌ قيّوم‌ علیها؛ وأن‌ لا موجود قيّوماً في‌ العوالم‌ كلّها إلاّ الله‌. فهذا هو وجه‌ الله‌ ووجه‌ الربّ الوارد في‌ قوله‌:

 وَيَبْقَي‌' وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَـ'لِ وَالإكْرَامِ.

 ومادام‌ الإنسان‌ في‌ هذه‌ الدنيا أسير هوي‌ النفس‌ الامّارة‌ والآمال‌ البعيدة‌ والخيالات‌ الباطلة‌ والافكار الشيطانيّة‌، فإنّ هذه‌ الاشياء ستمنع‌ ظهور وجه‌ الربّ له‌، وتحول‌ بينه‌ وبين‌ إدراك‌ حقيقة‌ الامر.

 الرجوع الي الفهرس

الروايات‌ الواردة‌ في‌ إمكان‌ القضاء علی‌ حجاب‌ الظنّ ورؤية‌ وجه‌ الله‌ تعالي‌

 يقول‌ الإمام‌ السجّاد زين‌ العابدين‌ علیه‌ السلام‌ في‌ دعاء أبي‌ حمزة‌ الثمالي‌ّ:

 وَأَنَّ الرَّاحِلَ إِلَيْكَ قَرِيبُ الْمَسَافَةِ، وَأَنـَّكَ لاَ تَحْتَجِبُ عَنْ خَلْقِكَ إلاَّ أَنْ تَحْجُبَهُمُ الاْعْمَالُ [3] دُونَكَ. [4]

 إنّ تلك‌ الحقائق‌ ستكون‌ مكشوفة‌ للافراد الذين‌ يسيرون‌ في‌ صراط‌ مستقيم‌ بقدم‌ راسخة‌ بحثاً عن‌ معرفة‌ الله‌، وقيامتهم‌ ستكون‌ ظاهرة‌ لهم‌ في‌ الدنيا، وجميع‌ العوالم‌ التي‌ يطويها سائر أفراد البشر بعد الموت‌ عالماً بعد آخر، يطوونها هم‌ في‌ هذه‌ الدنيا.

 وعلی‌ هذا الاساس‌ رُوي‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ قوله‌: مُوتُوا قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا.[5]

 وروي‌ كذلك‌ عنه‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌:

 أَوْلِيَائِي‌ تَحْتَ قُبَابِي‌ لاَ يَعْرِفُهُمْ غَيْرِي‌.[6]

 كما ورد أيضاً:

 رَأَيْتُ رَبِّي‌ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ بَيْنِي‌ وَبَيْنَهُ حِجَابٌ إِلاَّ مِنْ حِجَابِ يَاقُوتَةٍ بَيْضَاءَ فِي‌ رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ. [7]

 وورد عن‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ أنـّه‌ قال‌:

 لَوْ كُشِفَ لِيَ الْغِطَاءُ مَا ازْدَدْتُ يَقِيناً.

 وروي‌ عنه‌ علیه‌ السلام‌ أنـّه‌ كان‌ يقول‌ في‌دعائه‌ قاضي‌َ الحاجات‌: اَللَهُمَّ أَرِنِي‌ الاْشْيَاءَ كَمَا هِيَ.[8]

 وروي‌ أنّ عيسي‌ ابن‌ مريم‌ علی‌ نبيّنا وآله‌ وعلیه‌ السلام‌ كان‌ يقول‌:

 لَنْ يَلِجَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ مَنْ لَمْ يُولَدْ مَرَّتَيْنِ.[9]

 

 ومن‌ الجلي‌ّ أنّ المراد بالولادة‌ الاُخري‌، إماتة‌ نفسه‌ من‌ الدنيا ومن‌ غيرالله‌ ومن‌ الوجه‌ الخلقي‌ّ للاشياء، والحياة‌ بالله‌ والوجه‌ الربّي‌ّ للاشياء.

 وورد في‌ الحديث‌ القدسي‌ّ أنّ الله‌ عزّ وجلّ يخاطب‌ نبيّه‌ داود علی‌ نبيّنا وآله‌ وعلیه‌ السلام‌ قائلاً:

 يَا دَاوُدُ أَبْلِغ‌ أَهْلَ الاْرْضِ أَنـِّي‌ حَبِيبٌ لِمَنْ أَحَبَّنِي‌، وَجَلِيسٌ لِمَنْ جَالَسَنِي‌، وَمُؤْنِسٌ لِمَنْ أَنَسَ بِذِكْرِي‌، وَصَاحِبٌ لِمَنْ صَاحَبَنِي‌، وَمُخْتَارٌ لِمَنِ اخْتَارَنِي‌، وَمُطِيعٌ لِمَنْ أَطَاعَنِي‌، مَا أَحَبَّنِي‌ عَبْدٌ أَعْلَمُ ذَلِكَ يَقِيناً مِنْ قَلْبِهِ إِلاَّ قَبِلْتُهُ لِنَفْسِي‌، وَأَحْبَبْتُهُ حُبَّاً لاَ يَتَقَدَّمُهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِي‌.

 مَنْ طَلَبَنِي‌ بِالْحَقِّ وَجَدَنِي‌، وَمَنْ طَلَبَ غَيْرِي‌ لَمْ يَجِدْنِي‌.

 فَارْفُضُوا يَا أَهْلَ الاْرْضِ مَا أَنْتُمْ علیهِ مِنْ غُرُورِهَا، وَهَلُمُّوا إِلَي‌ كَرَامَتِي‌ وَمُصَاحَبَتِي‌ وَمُجَالَسَتِي‌، وَآنِسُوا بِي‌ أُآنِسْكُمْ وَأُسَارِعُ إِلَي‌ مَحَبَّتِكُمْ. [10]

 ونقل‌ المرحوم‌ العلاّمة‌ الحاجّ الملاّ مهدي‌ النراقي‌ّ أعلی‌ الله‌ تعالي‌ مقامه‌ الشريف‌ في‌ «جامع‌ السعادات‌» فقال‌:

 قَالَ علیهِ السَّلاَمُ: إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَي‌ شَراباً لاِوْلِيَائِهِ إذَا شَرِبُوا سَكَرُوا، وَإِذَا سَكَرُوا طَرِبُوا، وَإِذَا طَرِبُوا طَابُوا، وَإِذَا طَابُوا ذَابُوا، وَإِذَا ذَابُوا خَلَصُوا، وَإِذَا خَلَصُوا طَلَبُوا، وَإِذَا طَلَبُوا وَجَدُوا، وَإِذَا وَجَدُوا وَصَلُوا، وَإِذَا وَصَلُوا اتَّصَلُوا، وَإِذَا اتَّصَلُوا لاَ فَرْقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ حَبِيبِهِمْ. [11]

 الرجوع الي الفهرس

في‌ معني‌ كَلِمَةُ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَهُ حِصْنِي‌، فَمَنْ دَخَلَ حِصْنِي‌ أَمِنَ مِنْ عَذَابِي‌

 وروي‌ الصدوق‌ في‌ «معاني‌ الاخبار» عن‌ محمّد بن‌ موسي‌بن‌ المتوكّل‌، عن‌ أبي‌ الحسين‌ محمّد بن‌ جعفر الاسدي‌ّ، عن‌ محمّد بن‌ الحسين‌ الصوفي‌ّ، عن‌ يوسف‌ بن‌ عقيل‌، عن‌ إسحاق‌ بن‌ راهويه‌ قال‌:

 لمّا وافي‌ أبو الحسن‌ الرضا علیه‌ السلام‌ نيسابور وأراد أن‌ يخرج‌ منها إلي‌ المأمون‌، اجتمع‌ إليه‌ أصحاب‌ الحديث‌ فقالوا له‌: يا ابن‌ رسولِالله‌! ترحلُ عنّا ولا تحدّثنا بحديث‌ فنستفيده‌ منك‌؟

 وكان‌ قد قعد في‌ العُمارية‌، فأطلع‌ رأسه‌ وقال‌:

 سمعتُ أبي‌ موسي‌ بن‌ جعفر يقول‌: سمعتُ أبي‌ جعفر بن‌ محمّد يقول‌: سمعتُ أبي‌ محمّد بن‌ علی‌ّ يقول‌: سمعتُ أبي‌ علی‌ّ بن‌ الحسين‌ يقول‌: سمعتُ أبي‌ الحسين‌ بن‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ يقول‌: سمعتُ أبي‌ أميرالمؤمنين‌ علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علیهم‌ السلام‌ يقول‌: سمعتُ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیه‌ وآله‌ يقول‌: سمعتُ جبرئيل‌ علیه‌ السلام‌ يقول‌:

 سَمِعْتُ اللَهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: «لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَهُ حِصْنِي‌، فَمَنْ دَخَلَ حِصْنِي‌ أَمِنَ ] مِنْ [ عَذَابِي‌».

 قال‌: فَلَمَّا مَرَّت‌ الرَّاحلةُ نَادانَا: بِشُرُوطِهَا وَأَنَا مِنْ شُرُوطِهَا.

 ثمّ يقول‌ الصدوق‌: وقد أخرجت‌ ما رويته‌ في‌ هذا المعني‌ من‌ الاخبار في‌ كتاب‌ «التوحيد». [12]

 ومن‌ الطبيعي‌ّ أنّ البحث‌ في‌ هذا الحديث‌ المبارك‌ المعروف‌ بحديث‌ سلسلة‌ الذهب‌ بحث‌ طويل‌ سواء من‌ جهة‌ صحّة‌ السند أم‌ من‌ جهة‌ المعاني‌ والفوائد التي‌ تُستخرج‌ منه‌، ونكتفي‌ بالإشارة‌ إليه‌ قائلين‌: إنّ المراد بـ«لاإله‌ إلاّ الله‌ حصني‌» هو معني‌ التوحيد، حيث‌ إنّ من‌ ورد وادي‌ التوحيد أمن‌ من‌ عذاب‌ الله‌ تعالي‌؛ ووادي‌ التوحيد هو نفس‌ الارتباط‌ بوجه‌ الله‌ الذي‌ انكشف‌ له‌، فصار ينظر إلي‌ العالم‌ كلّه‌ بنظر التوحيد.

 إذ لم‌ يرد في‌ الرواية‌ تعبير: مَن‌ قال‌ لا إله‌ إلاّ الله‌، بل‌ ورد نفس‌ لاإله‌ إلاّ الله‌، أي‌ حقيقة‌ معني‌ التوحيد وعالمه‌. فما يصون‌ الإنسان‌ من‌ العذاب‌ هو نفس‌ التوحيد لا التفوّه‌ به‌، مع‌ أنّ آثاراً تترتّب‌ علی‌ النطق‌ به‌ لامحالة‌.

 وما ورد في‌ سند آخر لهذه‌ الرواية‌ من‌ أنّ:

 كَلِمَةُ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَهُ حِصْنِي‌.

 لا ينافي‌ هذا المعني‌، لانّ الكلمة‌ تعني‌ الموجود والشي‌ء والعالم‌، والاشياء جميعها هي‌ كلمات‌ الله‌ تعالي‌؛ ومن‌ رأي‌ الموجودات‌ برمّتها وعدّها كلمة‌ الله‌ وكلامه‌، فقد نظر إليها ـبطبيعة‌ الحال‌ـ من‌ جانب‌ وجه‌ الله‌.

 ولمّا تعذّر الوصول‌ إلي‌ مقام‌ التوحيد وانكشافه‌ بالشهود العيني‌ّ والعلمي‌ّ بغير الاتّصال‌ والارتباط‌ بالولاية‌ التي‌ هي‌ طريق‌ وسبيل‌ وعلامة‌ ودلالة‌ ذي‌ الآية‌، أي‌: حقيقة‌ الذات‌ والاسماء والصفات‌، فقد بيّن‌ الإمام‌ الرضا علیه‌ السلام‌ ـ من‌ ثمّ ـ في‌ هذا الحديث‌ أنّ شرط‌ الوصول‌ إلي‌ مقام‌ التوحيد هو قبول‌ الولاية‌.

 وحصيلة‌ القول‌ فإذا تجاوزنا هذه‌ الجماعة‌ والفئة‌ التي‌ صار نور الحضرة‌ الاحديّة‌ مشهوداً لها في‌ الدنيا، والتي‌ وصلت‌ إلي‌ مقام‌ وجه‌ الله‌، فإنّ باقي‌ الافراد الذين‌ أسرهم‌ هوي‌ النفس‌، قد أطبق‌ علی‌ بصيرتهم‌ وران‌ علی‌ قلوبهم‌ حجابٌ من‌ الاوهام‌ والخيالات‌ صوّر لهم‌ باطلاً، والباطل‌ حقّاً.

 الرجوع الي الفهرس

نور الله‌ تعالي‌ ووجهه‌ مشهودان‌ للجميع‌ يوم‌ القيامة‌

 فهم‌ حين‌ يرحلون‌ عن‌ هذه‌ الدنيا إلي‌ حيث‌ عالم‌ الحقيقة‌ والحقّ المحض‌، وإلي‌ حيث‌ تتجلّي‌ الحقيقة‌ وتظهر، وحيث‌ هناك‌ محلّ وموطن‌ ظهور قدرة‌ الله‌ وعلمه‌ وقيّوميّته‌ وإرادته‌ ومشيئته‌، وأخيراً محلّ عالم‌ التوحيد، فسيكون‌ مشهوداً لهم‌ هناك‌ أنّ هذه‌ الدنيا التي‌ عاشوها لم‌يكن‌ فيها شي‌ء غير الله‌ وآثاره‌ وظهوراته‌، وأنّ جميع‌ عالم‌ الإمكان‌ والوجود كان‌ قائماً بالله‌ سبحانه‌، وأنـّه‌ لم‌ يكن‌ هناك‌ موجود أصيل‌ ومستقلّ، تعتمد علیه‌ الموجودات‌ وترتبط‌ به‌ غير الذات‌ المقدّسة‌ للحضرة‌ الاحديّة‌. إلاّ أنـّهم‌ لم‌ يدركوا هذه‌ الحقيقة‌ في‌ الدنيا، وسيدركونها حقّ الإدراك‌ في‌ القيامة‌.

 سيسألهم‌ الله‌ تعالي‌ حين‌ يمثلون‌ بين‌ يديه‌: لماذا كنتم‌ مشركين‌ في‌ الدنيا، ولِمَ عددتم‌ غيري‌ مؤثّراً وفاعلاً؟ ولِمَ كنتم‌ في‌ كلّ حال‌ وفي‌ كلّ حركة‌ وسكنة‌ تجعلون‌ غيري‌ شريكاً لي‌ وتعتقدون‌ به‌؟

 وحيث‌ استنارت‌ نواظرهم‌ في‌ ذلك‌ العالم‌ ورأوا جمال‌ الاحديّة‌ في‌ الموجودات‌ جميعها، ولم‌ يروا مؤثّراً غير الله‌، وشاهدوا أنّ كافّة‌ أُولئك‌ المعبودين‌ الذين‌ عبدوهم‌ في‌ الدنيا دون‌ الله‌ سبحانه‌ كانوا باطلاً ووهماً وسراباً وخيالاً، فقد قالوا يا إلهنا، لم‌ نعبد غيرك‌ في‌ الدنيا: ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ * مِن‌ دُونِ اللَهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَل‌ لَّمْ نَكُن‌ نَّدْعُوا مِن‌ قَبْلُ شَيئْاً كَذَ ' لِكَ يُضِلُّ اللَهُ الْكَـ'فِرِينَ. [13]

 وجوابهم‌ هذا «ضلّوا عنّا» ليس‌ مفاده‌ أنـّهم‌ موجودون‌ ومختفون‌ عن‌ أنظارنا، بل‌ مفاده‌ أنـّهم‌ ضلّوا وفنوا وانعدموا.

 ثمّ ارتقوا فقالوا: بَل‌ لَّمْ نَكُن‌ نَّدْعُوا مِن‌ قَبْلُ شَيْئًا؛ لم‌ نعبد في‌ الدنيا أساساً غير الله‌ تعالي‌.

 أي‌ أنّ العبادة‌ التي‌ كنّا نقوم‌ بها متعلّقة‌ بالله‌ تعالي‌، إذ لم‌ يكن‌ غيرالله‌ من‌ شي‌ء، ولم‌ يكن‌ من‌ شي‌ء نعبده‌ غير الله‌ وأسمائه‌ وصفاته‌. ولقد كانت‌ عبادتنا التي‌ فعلناها متعلّقة‌ بالله‌ تعالي‌ علی‌ الرغم‌ من‌ أنّ حجاباً كان‌ يغطّي‌ أبصارنا فلا يدعنا نميّز الحقّ أو نري‌ ذلك‌ الجمال‌ الخالد في‌ الموجودات‌ قاطبة‌، وعلی‌ الرغم‌ من‌ أنـّنا كنّا نضع‌ مقابل‌ الله‌ تعالي‌ صفحة‌ من‌ التخيّلات‌ والافكار الواهية‌ فنعبدها ونجعلها معبودنا.

 كَذَ ' لِكَ يُضِلُّ اللَهُ الْكَـ'فِرِينَ.

 الرجوع الي الفهرس

المعبودون‌ ينكرون‌ يوم‌ القيامة‌ عبادة‌ المشركين‌ لهم‌

 أَي‌: أنّ أُولئك‌ الذين‌ يريدون‌ ستر وجه‌ الحقّ سيضلّون‌ مسيرهم‌ بواسطة‌ أفكارهم‌، وسيكون‌ الحقّ لديهم‌ مختفياً والباطل‌ متجلّياً في‌ صورة‌ الاصالة‌ والحقيقة‌ والواقع‌، وذنبهم‌ أنـّهم‌ لم‌ يميّزوا بين‌ الحقّ والباطل‌، وإلاّ فليس‌ هناك‌ موجود أصيل‌ تتعلّق‌ به‌ العبادة‌ حقّاً غير الله‌ تعالي‌.

 وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم‌ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ * فَكَفَي‌' بِاللَهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن‌ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَـ'فِلِينَ * هُنَالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ وَرُدُّو´ا إِلَي‌ اللَهِ مَوْلَـ'هُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم‌ مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ. [14]

 وهي‌ آية‌ في‌ غاية‌ العجب‌.

 ذلك‌ أنّ الإنسان‌ يرضي‌ بموجودات‌ معيّنة‌ في‌ الدنيا بصفتها مؤثّرة‌، ويستعين‌ بها لقضاء حوائجه‌ ورفع‌ فاقته‌، وينظر إليها نظراً استقلاليّاً؛ وهو الشركٌ بالله‌ تعالي‌، سواءً كان‌ شركاً جليّاً أم‌ شركاً خفيّاً. لانـّه‌ لامؤثّر غيرالله‌ سبحانه‌؛ فهو تعالي‌ يقول‌: إنّنا سنحضرهم‌ جميعاً ونحضر معهم‌ الافراد الذين‌ أطاعوهم‌ وعبدوهم‌، لكنّهم‌ لن‌ يستطيعوا أن‌ يقتربوا في‌ ذلك‌ العالم‌ من‌ أُولئك‌ المعبودين‌، فقد كان‌ ذلك‌ القرب‌ مختصّاً بعالم‌ الدنيا، حيث‌ كان‌ بعضهم‌ يقضي‌ حاجات‌ البعض‌ الآخر، وحيث‌ كانوا يتوسّلون‌ بأُولئك‌ الشركاء في‌الشدائد والمحن‌، ويسألونهم‌ رفع‌ فاقتهم‌ وحاجتهم‌.

 أمّا في‌ ذلك‌ العالم‌، عالم‌ الحقيقة‌، حيث‌ لا مؤثّر إلاّ الله‌ تعالي‌، فإنّ الشركاء لا يمكنهم‌ أن‌ يرتبطوا بهم‌ ذلك‌ الارتباط‌ الذي‌ كان‌ لهم‌ في‌ الدنيا وفي‌ عالم‌ المجاز والبُطلان‌، لذا فإنّهم‌ يفترقون‌ ويبتعدون‌ بعضهم‌ عن‌ بعض‌.

 ثمّ إنّهم‌ يقولون‌ لشركائهم‌ الذين‌ اتّخذوهم‌ لانفسهم‌: لقد عبدناكم‌ في‌ الدنيا، فأعينونا اليوم‌! إنّ تلك‌ العبادات‌ والادعية‌ والطاعات‌، وذلك‌ التواضع‌ والمدح‌ والثناء لكم‌ هناك‌ يوجب‌ علیكم‌ مساعدتنا هنا!

 فيجيبهم‌ شركاؤهم‌: أذا ما كنتم‌ إيّانا تعبدون‌! ولم‌ نكن‌ نحن‌ الذين‌ كنتم‌ تعبدون‌ وتطيعون‌؛ أنـّكم‌ لم‌ تعبدوا واقعنا وحقيقتنا، بل‌ عبدتم‌ خيالكم‌ ووهمكم‌! والله‌ شاهدٌ بيننا وبينكم‌ أنّ ما نقوله‌ هو الحقّ، وأنـّنا لم‌نكن‌ نعلم‌ بعبادتكم‌ إيّانا. هنالك‌ يظهر لكلّ نفس‌ جميع‌ ما اجترحت‌ في‌ الدنيا ورُدّوا إلي‌ المولي‌ الحقيقي‌ّ الواقعي‌ّ، وسيدرك‌ الجميع‌ أنّ هذا النحو من‌ العبادات‌ التي‌ مارسوها لغير الله‌ كانت‌ باطلة‌ وخاطئة‌ كلّها. ولقد تبدّل‌ العالم‌، فلم‌ تعد تنفعهم‌ هذه‌ الاعمال‌ وهؤلاء الشركاء شيئاً:

 وَرُدُّو´ا إِلَي‌ اللَهِ مَوْلَـ'هُمُ الْحَقِّ.

 فأُولئك‌ الموالي‌ والافراد الذين‌ كانوا يطيعونهم‌ في‌ الدنيا ويعتقدون‌ أنـّهم‌ أنّ لهم‌ عنوان‌ الاولويّة‌ وحقّ المولويّة‌ علیهم‌، كانوا باطلاً بأجمعهم‌، وقد ضلّوا وضاعوا قاطبة‌، وتجلّي‌ لهم‌ المولي‌ الحقّ هذا اليوم‌، وظهر لهم‌ مشهوداً بجميع‌ قدرته‌ وعظمته‌.

 وَضَلَّ عَنْهُم‌ مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ

 لقد ضلّ عنهم‌ ما كانوا يفترونه‌ علی‌ الله‌، وما كانوا يسرقون‌ من‌ قدرته‌ وعظمته‌ وعلمه‌ فينسبونه‌ إلي‌ هؤلاء الارباب‌ المتفرّقين‌ وموالي‌ الباطل‌ ويطيعونهم‌ فيه‌. ضلّ كلّه‌ عنهم‌، لانّ العلم‌ متعلّق‌ بالله‌ تعالي‌ وحده‌، فنسبته‌ إلي‌ الموالي‌ الآخرين‌ خطأ؛ والقدرة‌ مختصّة‌ بالله‌ الاحد، ونسبتها إلي‌ موالي‌ الباطل‌ خطأ.

 الرجوع الي الفهرس

المشركون‌ يقولون‌ يوم‌ القيامة‌: لقد كنّا نعبد الله‌ تعالي‌

 وسيظهر لهم‌ ذلك‌ اليوم‌ ويرون‌ رأي‌ العين‌ بعد عمر قضوه‌ في‌ العبادة‌ أنـّهم‌ قد عبدوا الوهم‌ فقط‌ وأطاعوا غير الله‌ سبحانه‌ وتعالي‌ وأنّ حقيقة‌ العبادة‌ قد عادت‌ إلي‌ مرجع‌ العبادة‌ وهو الله‌ سبحانه‌. وأنّ ذنبهم‌ كان‌ توهمّه‌ ـوهو الله‌ الذي‌ لا شريك‌ له‌، ذو الذات‌ اللامتناهية‌ والحياة‌ اللامتناهية‌ والعلم‌ اللامتناهي‌ والقدرة‌ اللامتناهية‌ـ مقيّداً محدوداً. فَلِمَ حَدّدوا ذلك‌ اللامتناهي‌ وحبسوه‌ في‌ هذه‌ النوافذ الصغيرة‌؟ ولِمَ رجوا تلك‌ الذات‌ المقدّسة‌ والاسماء الجماليّة‌ والجلاليّة‌ التي‌ لا تتناهي‌ بصورة‌ ذات‌ وأسماء معيّنة‌ ومقيّدة‌؟ ذنبهم‌ في‌ تحديده‌ وتقييده‌، لا في‌ أصل‌ عبادته‌.

 وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآءِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ * قَالَ الَّذِينَ حَقَّ علیهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَـ'´ؤُلآءَ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَـ'هُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَآ إِلَيَكَ مَا كَانُو´ا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ. [15]

 وسيناديهم‌ الله‌ يوم‌ القيامة‌: أين‌ تلك‌ الموجودات‌ التي‌ كنتم‌ تزعمون‌ في‌ الدنيا أنـّهم‌ شركائي‌؟ أي‌: أنـّه‌ يقول‌ لهم‌: إنّني‌ لم‌ أجعل‌ لنفسي‌ شريكاً في‌ فعلی‌، وليس‌ لي‌ شريك‌ حقيقي‌ّ، فشركائي‌ هؤلاء هم‌ أوهامكم‌ وتصوّراتكم‌!

 لقد أوجد هذا الوهم‌ والخيال‌ شركاء لي‌ في‌ ذاتي‌ وحياتي‌ وعلمي‌ وقدرتي‌ وسائر صفاتي‌، فعكفتم‌ علی‌ عبادتهم‌، فأين‌ هم‌؟

 هذا هو نداء الله‌ لهم‌.

 لقد كان‌ أُولئكم‌ يجرّون‌ الناس‌ إلي‌ المعاصي‌ والذنوب‌، ويسوقونهم‌ معهم‌ إلي‌ جهنّم‌، وها هي‌ قد حقّت‌ علیهم‌ كلمة‌ عذاب‌ الله‌، فهم‌ يقولون‌: ربّنا هؤلاء الذين‌ أغوينا، أغويناهم‌ كما غوينا، تبرّأنا إليك‌ من‌ عبادتهم‌ التي‌ كانوا يعبدوننا بها، فهم‌ لم‌ يعبدونا قطّ.

 هذا مع‌ أنـّنا نعلم‌ أنـّهم‌ قد عبدوهم‌، عبدوهم‌ جميعاً مقابل‌ الله‌ تعالي‌، لكنّ حقيقة‌ العبادة‌ ترجع‌ إلي‌ الله‌ سبحانه‌، أمّا تلك‌ العبادة‌ التي‌ كانوا يعبدونها بواسطة‌ إغوائهم‌ إيّاهم‌، فلم‌ تكن‌ إلاّ خيالاً ووهماً.

 آنجا كه‌ دستگاهِ حقيقت‌ شود پديد              شرمنده‌ رهروي‌ كه‌ عمل‌ بر مجاز كرد [16]

 والخلاصة‌، فعندما يتجلّي‌ نور الخالق‌ عزّ وجلّ ويسطع‌ في‌ ذلك‌ العالم‌، وتنكشف‌ الحقائق‌: وَأَشْرَقَتِ الاْرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا، وحينما تضي‌ء الارض‌ وتشرق‌ بنور ربّها وتتخلّي‌ عن‌ ظلماتها وتتألّق‌ الحقائق‌ فسيكون‌ مشهوداً أنّ أفراد البشر في‌ الدنيا حيثما كانوا يتحرّكون‌ وأي‌ّ هدف‌ كانوا يرومون‌، فإنّه‌ ليس‌ هناك‌ غير الله‌ من‌ شي‌ء، حتّي‌ أنّ عبادة‌ المشركين‌ كانت‌ في‌ الحقيقة‌ للّه‌ تعالي‌. فما هو ذنبهم‌ يا تري‌؟

 ذنبهم‌ هو أنّ الإله‌ الذي‌ كان‌ ينبغي‌ علیهم‌ عبادته‌ والنظر إليه‌ بعينٍ مُبصرة‌، والتطلّع‌ إلي‌ جماله‌ في‌ الموجودات‌ جميعها؛ وعدّه‌ مؤثّراً، قد حبسوه‌ في‌ حدود التعيّن‌. فَلِمَ فعلوا ذلك‌؟ ولِمَ شاهدوا تلك‌ القدرة‌ العظيمة‌ والعلم‌ العظيم‌ والحياة‌ العظيمة‌ في‌ زيد وعمرو، وفي‌ الشمس‌ والقمر، وفي‌ الاب‌ والاُمّ والرئيس‌ والحاكم‌، وفي‌ المال‌ والجاه‌ والاعتبار؟ إنّ أُولئكم‌ ليسواربّاً، فَلِمَ عبدتموهم‌ وأطعتموهم‌؟

 إنّ القدرة‌ والعلم‌ اللتين‌ كنتم‌ تشاهدونها فيهم‌ في‌ الدنيا كانت‌ متعلّقة‌ بالله‌ تعالي‌، فليس‌ لاحد قدرة‌ في‌ ساحة‌ الله‌ تعالي‌ وفي‌ مقابله‌ سبحانه‌؛ فلِمَ نسبتم‌ قدرته‌ تلك‌ إلي‌ الموجودات‌ المتعيّنة‌ المقيّدة‌؟ ولبئس‌ ما فعلتم‌. فالتعيّن‌ والتقيّد سراب‌، والباطل‌ لا يلبث‌ أن‌ يزول‌ ويتبدّد فليس‌ له‌ هنا أثر.

 وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ.

 كان‌ ذلك‌ التعيّن‌ هو افتراؤهم‌ علی‌ الله‌ تعالي‌، وها هم‌ يرون‌ اليوم‌ أنّ أُولئكم‌ ضلّوا وتلاشوا في‌ ديار العدم‌.

 إنْ هِيَ إِلآ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَءَابَاؤُكُم‌ مَّآ أَنْزَلَ اللَهُ بِهَا مِن‌ سُلْطَـ'نٍ إِن‌ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَي‌ الاْنفُسُ وَلَقَدْ جَآءَهُمْ مِّن‌ رَّبِّهِمُ الْهُدي‌'´. [17]

 الرجوع الي الفهرس

المشركون‌ عبدوا الوجه‌ الخلقي‌ّ لا الوجه‌ الإلهي‌ّ

 إنّ ذنب‌ المشركين‌ هو أنـّهم‌ عبدوا جانب‌ الوجه‌ الخلقي‌ّ للموجودات‌ وغفلوا عن‌ جانب‌ الوجه‌ الإلهي‌ّ، مع‌ أنـّنا قلنا إنّ جانب‌ الوجه‌ الإلهي‌ّ هو الحقيقي‌ّ، وإنّ جانب‌ الوجه‌ الخلقي‌ّ هو السراب‌ والوهم‌.

 وهكذا فإنّ أسفهم‌ وحسرتهم‌ أنـّهم‌ عاشوا عمراً في‌ الدنيا ولم‌يفتحوا أعينهم‌ ليروا الله‌ تعالي‌. لقد رأوا الله‌ صغيراً منكسراً مهشّماً، كنور الشمس‌ والقمر المتكسّر علی‌ أمواج‌ البحر، كلٌّ قد حدّق‌ في‌ قسمٍ منه‌ فتخيّل‌ أنـّه‌ الشمس‌ والقمر.

 إنّ هذه‌ الخيالات‌ والاوهام‌ خاطئة‌، وهي‌ ثرثرة‌ في‌ الكلام‌، وتمريج‌ في‌ القلوب‌؛ لا تدع‌ أذهاننا تهدأ وتصفو عمّا يكدّرها كي‌ تتجلّي‌ الشمس‌ والقمر في‌ الذهن‌ كما هو حقّها من‌ التجلّي‌، ولينال‌ قلب‌ الإنسان‌ وسرّه‌ مقام‌ مشاهدة‌ الجمال‌ الحقيقي‌ّ للّه‌ كما ينبغي‌ له‌.

 إنّ المعاد يعني‌ الاطّلاع‌ علی‌ عظمة‌ الله‌ وقدرته‌ وعلمه‌ وحياته‌ اللامتناهية‌، اطّلاعاً يشبه‌ ما كان‌ مشهوداً لنا إجمالاً في‌ العالم‌ الذي‌ يسبق‌ عالم‌ الطبع‌ والمادّة‌، وهو عالم‌ بدئنا، وإنّ عودتنا ستكون‌ إلي‌ ذلك‌ العالم‌ الذي‌ كانت‌ بداية‌ خلقنا منه‌.

 لابدّ لنا من‌ الرحيل‌، ونيل‌ مقام‌ لقاء الربّ جلّ وعلا وشهوده‌ تفصيلاً، حيث‌ إنّ الفرق‌ بين‌ التوحيد البدائي‌ّ والنهائي‌ّ يتمثّل‌ في‌ الإجمال‌ والتفصيل‌ فحسب‌. هذه‌ هي‌ حقيقة‌ المعاد، إذ إنّ الظاهر والباطن‌ شي‌ء واحد هناك‌؛ الظاهر عنوان‌ الباطن‌، وليس‌ الباطن‌ إلاّ الجانب‌ المرآتي‌ّ والآيتي‌ّ للظاهر. والوجه‌ الخلقي‌ّ والوجه‌ الربّي‌ّ هناك‌ شي‌ء واحد، وسلسلة‌ العلل‌ والاسباب‌ في‌ عين‌ إتقانها مندكّة‌ وفانية‌ في‌ وجه‌ الله‌ تعالي‌.

 إنّ كلّ شي‌ء له‌ ظهور في‌ عالمه‌ الخاصّ وفي‌ الكينونة‌؛ فعنوان‌ الباطن‌ هو عنوان‌ الغيبة‌، لانّ الظاهر فاقد لشي‌ء بالنسبة‌ إلي‌ شي‌ء آخر. ومن‌ ثمّ فإنّ الظاهر والباطن‌ شيئان‌ مختلفان‌ عن‌ بعضهما.

 أمّا لو كان‌ الشي‌ء غير مخفي‌ّ عن‌ الشي‌ء الآخر، فهذا هو عين‌ البروز، وهذا البروز هو عين‌ الظهور.

 إنّ الإنسان‌ في‌ الدنيا أسير حجاب‌ الوهم‌، يري‌ هذا العالم‌ مرتبطاً بسلسلة‌ علل‌ وأسباب‌ مستقلّة‌، ويراه‌ مفكّكاً مجزّءاً، فهو يبحث‌ عن‌ أثر مستقلّ لكلّ جزء. وهذه‌ الرؤية‌ والمشاهدة‌ هي‌ التي‌ أوجدت‌ الظاهر مقابل‌ الواقع‌، كما أوجدت‌ الوجه‌ الخلقي‌ّ مقابل‌ الوجه‌ الربّي‌ّ.

 الرجوع الي الفهرس

علم‌ الله‌ وقدرته‌ مشهودان‌ للجميع‌ يوم‌ القيامة‌

أمّا لو زالت‌ سلسلة‌ الاسباب‌ هذه‌، وصار بطلانها مشهوداً للعيان‌، وصار تأثير علّة‌ العلل‌ والإله‌ الفرد الواحد مُشاهداً للموجودات‌ جميعها كشعاع‌ الشمس‌ في‌ المرايا المختلفة‌، فسيكون‌ الظاهر هناك‌ عين‌ الباطن‌، وسيكون‌ الغيب‌ والشهادة‌ هناك‌ واحداً، ولن‌ يكون‌ شي‌ء مختفياً عن‌ شي‌ء.

 إنّ الافراد الذين‌ يحضرون‌ في‌ الحشر يشاهدون‌ أنّ الله‌ تعالي‌ مطّلع‌ خبير بأحوالهم‌ وأفعالهم‌؛ وهو مطّلع‌ وخبير هنا أيضاً، بَيدَ أنّ هذا المعني‌ مبهم‌ مستغلق‌ لا يدركه‌ جُلّ الناس‌، وسيفهمونه‌ ويدركونه‌ هناك‌.

 وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا. [18]

 يَوْمَ هُم‌ بَـ'رِزُونَ لاَ يَخْفَي‌' علی‌ اللَهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ. [19]

 ليس‌ هناك‌ من‌ حجاب‌، فالحجاب‌ والستر متعلّقان‌ بعالم‌ الخيال‌ والوهم‌، والحجاب‌ مرتبط‌ بعالم‌ وجه‌ الخلق‌.

 وعندما يضمحلّ جانب‌ الوجه‌ الخلقي‌ّ وينقضي‌، ويظهر جانب‌ الوجه‌ الإلهي‌ّ والوجه‌ الربّي‌ّ للموجودات‌ ويكون‌ الإنسان‌ في‌ عالم‌ مشرق‌ بنور الله‌، ذا علم‌ واطّلاع‌ علی‌ بواطن‌ الاشياء، فليس‌ هناك‌ عندئذٍ من‌ شي‌ء مخفي‌ّ مستور.

 فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ. [20]

 بصرك‌ حادّ نافذ يري‌ جيّداً، ينفذ إلي‌ الباطن‌ ويشـاهد الاسـرار والغيب‌، البصر الحديدي‌ّ يعني‌ البصر الحادّ العالِم‌ بالباطن‌ علماً ذا قبس‌ ملكوتي‌ّ، وعلماً حقيقته‌ الارتباط‌ بالله‌ سبحانه‌.

 يَوْمَ تُبْلَي‌ السَّرَآئِرُ. [21]

 وهو يومٌ تنكشف‌ فيه‌ الخفيّات‌ والنوايا الكامنة‌، وتتّضح‌ فيه‌ الافكار والعقائد، لانّ هذه‌ النظرة‌ التي‌ نظر بها الإنسان‌ في‌ هذه‌ الدنيا إلي‌ الموجودات‌ ويري‌ كلاّ منها مستقلاّ متباعداً مجزّءاً لا يرتبط‌ بالبعض‌ الآخر وبالله‌، هي‌ نظرة‌ ومشاهدة‌ كامنة‌ ومخفيّة‌ في‌ باطن‌ أفكاره‌. أمّا في‌ ذلك‌ اليوم‌ فإنّ هذه‌ المخفيّات‌ ستظهر وتنكشف‌، لانّ العالم‌ عالم‌ القلب‌، عالم‌ قلب‌ الظاهر إلي‌ الباطن‌، ولانّ اليوم‌ يوم‌ ظهور البواطن‌.

 أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي‌ الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي‌ الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُم‌ بِهِمْ يُوْمَنءِذٍ لَخَبِيرٌ. [22]

 ألا يعلم‌ الإنسان‌ أنـّه‌ إذا انشقّت‌ القبور وألقت‌ ما فيها (وظهر ما في‌ القلوب‌ من‌ العقائد الفاسدة‌ والنوايا الباطلة‌ والاغراض‌ السقيمة‌)، وإذا حُصِّلَ ما في‌ الصدور فتجلّي‌ من‌ الظلمة‌ والخفاء والكمون‌ وصار جليّاً للعيان‌؛ ألا يعلم‌ أنّ الله‌ يومئذٍ خبير وعلیم‌ بهم‌؟

 الرجوع الي الفهرس

القلب‌ السليم‌ قلبٌ ليس‌ فيه‌ إلاّ الله‌ تعالي‌

 يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَي‌ اللَهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ. [23]

 فما هي‌ سلامة‌ القلب‌؟ هي‌ أن‌ لا يكون‌ فيه‌ سوي‌ الله‌ تعالي‌. فإذا وجد سوي‌ الله‌ تعالي‌ في‌ قلب‌ الإنسان‌ بأي‌ّ قدرٍ كان‌، كان‌ ذلك‌ القلب‌ سقيماً مريضاً.

 يروي‌ الكليني‌ّ في‌ «الكافي‌» عن‌ علی‌ّ بن‌ إبراهيم‌ بإسناده‌ المتّصل‌ عن‌ سفيان‌بن‌ عُيينة‌، عن‌ الإمام‌ الصادق‌ علیه‌ السلام‌: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ «إِلاَّ مَنْ أَتَي‌ اللَهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ» قال‌: الْقَلْبُ السَّلِيمُ الَّذِي‌ يَلْقَي‌ رَبَّهُ وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ سِوَاهُ.

 قَالَ: وَكُلُّ قَلْبٍ فِيهِ شِرْكٌ أَوْ شَكٌّ فَهُوَ سَاقِطٌ: وَإِنَّمَا أَرَادُوا الزُّهْدَ فِي‌ الدُّنْيَا لِتَفْرُغَ قُلُوبُهُمْ لِلآخِرَةِ. [24]

 القلب‌ الفارغ‌ هو القلب‌ المهيّأ لطلوع‌ نور توحيد الله‌ تعالي‌، وهو محلّ إشعاع‌ الانوار الإلهيّة‌ والتجلّيات‌ السبحانيّة‌.

 چو تافت‌ بر دل‌ من‌ پرتو جمال‌ حبيب‌                        بديد ديدة‌ جان‌ حُسن‌ بر كمال‌ حبيب‌

 چه‌ التفات‌ به‌ ذات‌ كائنات‌ كند                     كسي‌ كه‌ يافت‌ دمي‌ لذّت‌ وصال‌ حبيب‌

 به‌ دام‌ و دانة‌ عالم‌ كجا فرود آيد                   دلي‌ كه‌ گشت‌ گرفتار زلف‌ و خال‌ حبيب‌

 خيال‌ مُلك‌ دو عالم‌ نياورد به‌ خيال                ‌ سَري‌ كه‌ نيست‌ دمي‌ خالي‌ از خيال‌ حبيب‌ [25]

 درون‌ من‌ نه‌ چنان‌ از حبيب‌ مملوّ شد                       كه‌ گر حبيب‌ در آيد بود مجالِ حبيب‌

 حبيب‌ را نتوان‌ يافت‌ در دو كون‌ مثال             ‌ اگر چه‌ هر دو جهان‌ هست‌ بر مثالِ حبيب‌

 بدان‌ صفت‌ دل‌ و جان‌ از حبيب‌ پُر شده‌ است             ‌ كه‌ از حبيب‌ ندارم‌ نظر به‌ حال‌ حبيب‌

 چه‌ احتياج‌ بود ديده‌ را به‌ حُسن‌ برون‌                       چو در درون‌ متجلّي‌ شود جمال‌ حبيب‌

 ز مشرق‌ دلت‌ اي‌ مغربي‌ چه‌ كرد طلوع‌                     هزار بَدْر برفت‌ از نظر هلال‌ حبيب‌ [26]

 وروي‌ في‌ كتاب‌ «أسرار الصلاة‌» للشهيد الثاني‌ أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ قال‌:

 قَلْبُ الْمُؤْمِنِ أَجْرَدُ فِيهِ سِرَاجٌ يَزْهَرُ؛ وَ قَلْبُ الْكَافِرِ أَسْوَدُ مَنْكُوسٌ. [27]

 و قال‌ أيضاً:

 لَوْلاَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ يَحُومُونَ علی‌ قُلُوبِ بَنِي‌ آدَمَ لَنَظَرُوا إِلَي‌ الْمَلَكُوتِ. [28]

 و ما أبدع‌ إنشاد الحكيم‌ السنائي‌ّ حين‌ يقول‌:

 دل‌ ان‌ كس‌ كه‌ گشت‌ بر تَنْ شاه‌                 بود آسوده‌ مُلك‌ از او و سپاه‌

 بد بود تَنْ چو دل‌ تَباه‌ بود               ظلمِ لشگر ز ضعفِ شاه‌ بود

 اين‌ چنين‌ پُر خَلَل‌ دلي‌ كه‌ تو راست             ‌ دَدْ و ديوند با تو زين‌ دل‌ راست‌

 پارة‌ گوشت‌ نام‌ دل‌ كردي‌               دل‌ تحقيق‌ را بهل‌ كردي‌

 اينكه‌ دل‌ نام‌ كرده‌اي‌ به‌ مجاز                      رو به‌ پيش‌ سگان‌ كوي‌ انداز

 از تن‌ و نفس‌ و عقل‌ و جان‌ بگذر                  در رهِ او دِلي‌ بدست‌ آور

 آن‌ چنان‌ دل‌ كه‌ وقت‌ پيچا پيچ                     ‌ اندر او جز خدا نباشد هيچ‌

 دل‌ يكي‌ منظريست‌ ربّاني‌             خانة‌ ديو را چه‌ دل‌ خواني‌[29]

 از درِ نفس‌ تا به‌ كعبة‌ دل‌               عاشقان‌ را هزار و يك‌ منزل‌ [30]

 الرجوع الي الفهرس

الافراد الذين‌ مكّنوا غير الله‌ من‌ قلوبهم‌ ابتلوا بالعذاب‌

 إنّ من‌ يرحل‌ عن‌ الدنيا بقلب‌ غير سليم‌، هو مريض‌ بشتّي‌ أنواع‌ الامراض‌ الباطنيّة‌، كالشكّ والشرك‌ والحسد والرياء والخدعة‌ وحبّ الجاه‌ وحبّ المال‌، فهذه‌ الامراض‌ ستكون‌ مانعاً من‌ تجلّي‌ الجمال‌ الإلهي‌ّ في‌ القلب‌. وعلیه‌ إخراجها من‌ قلبه‌، وهو أمر عسير شاقّ.

 أفيمكن‌ ـ يا تري‌ ـ معالجة‌ هذه‌ الامراض‌ عند الاحتضار، وعند سؤال‌ منكر ونكير، وعذاب‌ القبر، وعالم‌ البرزخ‌، وفي‌ عالم‌ الحشر والسؤال‌ والحساب‌ والعَرْض‌؟

 ومن‌ كانت‌ الاباطيل‌ شغله‌ الشاغل‌ طول‌ عمره‌، ومن‌ نأي‌ عن‌ عالم‌ التجرّد ومقام‌ حقيقة‌ النفس‌، وعاش‌ في‌ عالم‌ الظلمات‌، وولع‌ بالدنيا من‌ أساسها، ومرّن‌ قلبه‌ وروحه‌ وخواطره‌ علی‌ هذا الامر، وراضها بالآمال‌ النفسانيّة‌ والظلم‌ والجناية‌ والإعراض‌ عن‌ الله‌ تعالي‌، فصارت‌ ملكاته‌ ملكات‌ حيوان‌ وسبع‌ ضارّ مفترس‌، كيف‌ تُنتزع‌ هذه‌ الملكات‌ منه‌؟ إنّكم‌ لو قلتم‌ لمن‌ كان‌ مرابياً في‌ الدنيا: تُب‌ واقلع‌ عن‌ ذنبك‌ هذا! إنّ أرباحك‌ التي‌ عادت‌ علیك‌ ليست‌ حلالاً لك‌، فإن‌ عرفت‌ أصحابها فعلیك‌ أن‌ تقسّمها بينهم‌، وإن‌ لم‌ تعرفهم‌ فستكون‌ مجهولة‌ المالك‌ وعلیك‌ إعطاءها للفقراء!

 فأنـّي‌ له‌ أن‌ يتقبّل‌ هذا الكلام‌؟ ومتي‌ سيكون‌ مستعدّاً للتوبة‌ ولردّ الاموال‌ الربويّة‌؟ لقد قضي‌ العمر لحظاته‌ وساعاته‌ مغرماً بأوساخ‌ المال‌، وفي‌ جمع‌ الدينار والدرهم‌، وتمرّس‌ علی‌ ظلم‌ المظلومين‌ وانتزاع‌ لقمة‌ العيش‌ من‌ حلقوم‌ الصغير واليتيم‌ والبائس‌، ولم‌ يتورّع‌ عن‌ بيع‌ أموال‌ الفقراء والمساكين‌ في‌ سوق‌ المزايدة‌، وعن‌ تمريغ‌ أصحابها بالتراب‌، فانعكست‌ هذه‌ الاعمال‌ الشيطانيّة‌ والبهيميّة‌ في‌ روحه‌ وأثّرت‌ فيها، حتّي‌ كأنـّها تحجّرت‌ كالصخر في‌ مسرح‌ خواطره‌. أفماءٌ هو حتّي‌ يطهّره‌ الإنسان‌ ياتري‌؟

 إنّ تحجّر هذه‌ الصفات‌ السيّئة‌ القبيحة‌ قد جعل‌ نفسه‌ كالحجر الاصمّ الصلد، وهذا التحجّر كالنقش‌ والنحت‌ في‌ الصخر، فأنـّي‌ له‌ أن‌ يزول‌ بالماء؟ إنّ علاجه‌ هو أن‌ تُقلب‌ ماهيّته‌.

 لذا يُشاهد أنّ أمثال‌ هؤلاء الافراد يضحّون‌ بأنفسهم‌ في‌ سبيل‌ الدرهم‌ والدينار، وأنـّهم‌ يصبحون‌ جشعين‌ بخلاء قساة‌، بحيث‌ لو رأوا أبناءهم‌ يجودون‌ بأنفسهم‌ أمام‌ أعينهم‌ لما كانوا مستعدّين‌ للاءنفاق‌ من‌ أجل‌ إنقاذهم‌، مع‌ ما يكنزونه‌ من‌ الثروة‌ الطائلة‌. بل‌ يضنّون‌ بالمال‌ حتّي‌ علی‌ أنفسهم‌ ولايصرفون‌ شيئاً لمعالجتها فيما إذا ابتلوا بمرض‌ أو احتضروا.

 فكيف‌ ـ والحال‌ هذه‌ ـ يُخرجون‌ هذه‌ الامراض‌؟ وما هي‌ العقبات‌ التي‌ يلزم‌ علی‌ القلب‌ طيّها ليصل‌ إلي‌ مرحلة‌ السلامة‌؟ الله‌ وحده‌ يعلم‌ ذلك‌. بَيدَ أنـّه‌ لا مفرّ من‌ طي‌ّ الطريق‌ واجتياز العقبات‌ في‌ نهاية‌ المطاف‌.

 ولا سبيل‌ للخلاص‌ إلاّ إذا تجلّي‌ نور الله‌ في‌ القلب‌، وتحرّك‌ المؤمن‌ بالفرقان‌ الإلهي‌ّ.

 ويلزم‌ هنا بيان‌ نكتة‌ معيّنة‌، وهي‌ أنّ نور الله‌ وتوحيده‌ وعظمته‌ وعلمه‌ إذا كانت‌ ظاهرة‌ للجميع‌ في‌ عوالم‌ ما بعد الموت‌، فلماذا نري‌ في‌ بعض‌ الآيات‌ أنّ المجرمين‌ محجوبون‌ ذلك‌ اليوم‌؟

 كَلآ إِنَّهُمْ عَن‌ رَّبِّهِمْ يَوْمَنءِذٍ لَمَحْجُوبُونَ.[31]

 الرجوع الي الفهرس

معني‌ تجلّي‌ توحيد الله‌ وعظمته‌ يوم‌ القيامة‌ ومحجوبيّة‌ المشركين‌

 إذا كان‌ من‌ لوازم‌ عالم‌ الآخرة‌، وهو عالم‌ المعاد، الاعتراف‌ والإقرار بقدرة‌ الله‌ ووحدته‌ وسائر أسمائه‌ الحسني‌، فماذا يعني‌ حجاب‌ الكفّار والمشركين‌؟ ونذكر المثال‌ الآتي‌ لتوضيح‌ ذلك‌:

 افرضوا أنّ هناك‌ ملكاً يعيش‌ تحت‌ ظلّ حكومته‌ جماعات‌ معيّنة‌، منهم‌ أفراد مطيعون‌ من‌ أهل‌ الصلاح‌ والنزاهة‌ يأتمرون‌ بأمره‌، وآخرون‌ من‌ أهل‌ الظلم‌ والطغيان‌ والتمرّد والتعدّي‌.

 وأذِنَ هذا الملك‌ لجميع‌ الافراد المطيعين‌ من‌ أهل‌ الصلاح‌ ودعاهم‌ إلي‌ بلاطه‌ ليوزّع‌ علیهم‌ الهدايا والصلات‌ والجوائز، فجالسهم‌ وتبسّط‌ معهم‌ في‌ الحديث‌ والمفاكهة‌، ووقّرهم‌ وكرّمهم‌ وأحاطهم‌ برعايته‌ وعنايته‌، فيكون‌ الملك‌ قد أظهر نفسه‌ لهم‌ وهم‌ جالسين‌ في‌ بلاطه‌، ناظرين‌ إلي‌ عظمته‌ وقدرته‌.

 وفي‌ ذلك‌ اليوم‌ يأمر هذا الملك‌ بالقبض‌ علی‌ الظالمين‌ والخائنين‌ والغشّاشين‌ وحَبْسهم‌، فيمتثل‌ الخدم‌ والحشم‌ أمره‌ ويبادرون‌ إلي‌ اعتقال‌ المتمرّدين‌ وتكبيلهم‌ بالاغلال‌ والسلاسل‌ ويأتون‌ بهم‌. فتكون‌ قدرة‌ الملك‌ قد ظهرت‌ لهم‌ أيضاً في‌ ذلك‌ اليوم‌، لانـّهم‌ يرون‌ أنفسهم‌ أسري‌ في‌ يده‌ وقبضته‌، فهم‌ لا يستطيعون‌ أن‌ يدّعوا إمكان‌ فرارهم‌ وخلاصهم‌ وأنَّ تحزّبهم‌ وتجمّعهم‌ سيحرّرهم‌.

 وعلی‌ كلّ حـال‌، فقد ظهـرت‌ قـدرة‌ السـلطان‌ وعظمتـه‌ لكلتا المجموعتين‌، المطيعة‌ منهما والمتمرّدة‌، ولكن‌ شتّان‌ بين‌ هذه‌ وتلك‌؟

 فأفراد المجموعة‌ الاُولي‌ منعّمون‌ يرفلون‌ في‌ الرياض‌ وتهبّ علیهم‌ النسائم‌ متمتّعين‌ بجمال‌ السلطان‌ وفي‌ كنف‌ عطفه‌ وعنايته‌، وفي‌ ظلّ إحسانه‌ وإنعامه‌. وهؤلاء في‌ السجن‌ والعذاب‌ والاغلال‌، يتلوّعون‌ في‌ أُتون‌ الحياة‌.

 أُولئك‌ تنالهم‌ المراحم‌ والعنايات‌ والالطاف‌، وهؤلاء عرضة‌ للنقم‌ والنكايات‌.

 الرجوع الي الفهرس

المؤمنون‌ والكافرون‌ في‌ معرضي‌ التجلّيات‌ الجماليّة‌ والجلاليّة‌

 أجل‌، كلّ جماعة‌ تقف‌ حيال‌ تجلّيات‌ السلطان‌، لكنّ تجلّيات‌ الجماعة‌ الاُولي‌ الجمال‌ وتجلّيات‌ الثانية‌ الجلال‌.

 الجمال‌ لطف‌ وإحسان‌، وإجلال‌ وإكرام‌، ومرحمة‌ وإنعام‌؛ بينما الجلال‌ قهر وغضب‌، وجبروت‌ وشدّة‌، وبأس‌ ونقمة‌.

 اي‌ آخر هر اوّل‌ وي‌ اوّل‌ هر آخر                     اي‌ ظاهر هر باطن‌ وي‌ باطن‌ هر ظاهر

 انوار جمال‌ تست‌ در ديدة‌ هر مؤمن              ‌ اثار جلالِ تست‌ در سينة‌ هر كافر

 قد صار لنا الطَرْف‌ في‌ حسنكم‌ واله              ‌ قد ظلّ لنا العقل‌ في‌ حسنكم‌ حائر[32]

 إنّ المؤمنين‌ حين‌ يرحلون‌ عن‌ الدنيا فإنّهم‌ في‌ مظاهر جمال‌ الحقّ جلّ وعلا علی‌ الدوام‌، يسلّم‌ بعضهم‌ علی‌ بعض‌ ويعظّم‌ بعضهم‌ بعضاً ويجلّونهم‌ ويكرمونهم‌، وقد بيّن‌ لنا القرآن‌ الكريم‌ هذه‌ الحقيقة‌ في‌ سور مختلفة‌ تبعاً للسير والمقام‌ الذي‌ كان‌ لكلّ منهم‌ في‌ الدنيا، وتبعاً لمقدار القرب‌ من‌ الله‌ تعالي‌.

 كما أنّ الكفارّ واقعون‌ تحت‌ ظهور وبروز اسم‌ القهّار والجبّار وشديد المحال‌ وأشدّ المعاقبين‌، وتحت‌ ظهور وبروز الاسماء الجلاليّة‌. وهذا الظهور والتجلّي‌ من‌ القوّة‌ بدرجة‌ تجعل‌ شركاء المشركين‌ ينكرون‌ عبادة‌ أُولئك‌ إيّاهم‌، فيقولون‌: مَا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ.

 كما أنّ المشركين‌ يُنكرون‌ عبادتهم‌ بالنسبة‌ إلي‌ أُولئك‌، فيقولون‌:

 وَاللَهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ. [33]

 التوحيد منكشف‌ ظاهر للجميع‌، لكنّ تجلّيات‌ الجلال‌ توجب‌ حَجب‌ المشركين‌ والكفّار عن‌ تجلّيات‌ الجمال‌.

 يَوْمَ يُكْشَفُ عَن‌ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَي‌ السُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ* خَـ'شِعَةٌ أَبْصَـ'رُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَي‌ السُّجُودِ وَهُمْ سَـ'لِمُونَ. [34]

 وبغضّ النظر عن‌ هذا، فإنّ أي‌ّ عمل‌ يفعله‌ الإنسان‌ في‌ الدنيا، فإنّ عاقبته‌ ستكون‌ ملازمة‌ له‌ قريبة‌ منه‌ في‌ الآخرة‌. الكذب‌ الذي‌ يجترحه‌ هنا سيظهر هناك‌ في‌ هيئة‌ الكذب‌، والخدعة‌ والمكر والحيلة‌ التي‌ يقابل‌ بها الله‌ تعالي‌ في‌ الدنيا، ستظهر له‌ في‌ الآخرة‌ وتبرز في‌ هيئة‌ تلك‌ الافعال‌. لذا فإنّ المشركين‌ يُنكرون‌ شركهم‌ يومئذٍ ويقولون‌: وَاللَهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ.

 وذلك‌ أنّ كذبهم‌ في‌ الدنيا له‌ ظهور أمامهم‌ في‌ الآخرة‌، والايمان‌ التي‌ أقسموها كذباً سيكون‌ لها مثال‌ وظهور هناك‌، كما أنّ عدم‌ استطاعتهم‌ السجود يوم‌ القيامة‌ إنّما هو ظهور لاستنكافهم‌ عن‌ السجود في‌ الدنيا.

 ومع‌ أنّ عظمة‌ الله‌ تعالي‌ وقدرته‌ تظهر حينئذٍ، ممّا يستلزم‌ غاية‌ الخشوع‌ والتذلّل‌ والسجود، ولكنّ باعتبار انطباع‌ نفوس‌ المشركين‌ علی‌ عدم‌السجود، وعدم‌ استعدادها للسجود للمعبود تعالي‌ في‌ الدنيا، فقد تجلّت‌ هذه‌ الحالة‌ النفسيّة‌ فيهم‌ هناك‌ في‌ هيئة‌ عدم‌ القدرة‌ علی‌ السجود، فصاروا يُدْعَون‌ إلي‌ السجود فلا يستطيعون‌.

 الرجوع الي الفهرس

أثر انحرافات‌ العاصين‌ مشهود يوم‌ القيامة‌

 إنّ الافراد الذين‌ كانوا لا يسجدون‌ في‌ الدنيا ولا يصلّون‌، ولايرون‌ في‌ أنفسهم‌ الاستعداد لاءظهار العبوديّة‌ للّه‌ تعالي‌، والذين‌ تمنعهم‌ روحهم‌ المتعاليّة‌ المستكبرة‌ في‌ الدنيا من‌ الهوي‌ إلي‌ التراب‌، وتمريغ‌ الوجه‌ فيه‌ مقابل‌ مقام‌ عزّ الله‌ وعظمته‌؛ سيعجزون‌ هناك‌ أيضاً عن‌ السجود والصلاة‌ أمام‌ الله‌ تعالي‌، وعن‌ إظهار الخضوع‌ والخشوع‌ اختياراً، والإقرار والاعتراف‌ بمسكنتهم‌ قلباً، وعن‌ تعظيم‌ الله‌ تعالي‌، بالرغم‌ من‌ ظهور القدرة‌ والوحدة‌ وتجلّيهما.

 وذلك‌ أنـّهم‌ لم‌ يقرّوا في‌ هذه‌ الدنيا بوحدة‌ ذات‌ الله‌ المقدّسة‌ طائعين‌، وسيعجزون‌ هناك‌ أيضاً ـ مع‌ ظهور التوحيد وبسط‌ مقام‌ الوحدة‌ ـ عن‌ التلفّظ‌ بالشهادة‌ بالتوحيد وإجرائه‌ علی‌ ألسنتهم‌ مهما حاولوا.

 وما أورع‌ البيان‌ القرآني‌ّ لهذه‌ الحقائق‌! إذ نقرأ في‌ سورة‌ إبراهيم‌ قوله‌:

 وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَهَ غَـ'فِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّـ'لِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَومٍ تَشْخَصُ فِيهِ الاْبْصَـ'رُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي‌ رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفــِدَتُهُمْ هَوَآءٌ.[35]

 أجل‌، أفئدتهم‌ هواء خالية‌، لانـّها كانت‌ خالية‌ من‌ محبّة‌ الله‌ ومعرفته‌ في‌ هذه‌ الدنيا، نازعة‌ إلي‌ الباطل‌ الذي‌ لا أصالة‌ له‌ ولا وزن‌. هذا الباطل‌ الذي‌ سيضمحلّ هناك‌، فيبقي‌ الفؤاد خالياً فارغاً.

 وَأَنْذِرِ ألنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَآ إِلَي‌'´ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَ لَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم‌ مِّن‌ قَبْلُ مَا لَكُم‌ مِّن‌ زَوَالٍ * وَسَكَنتُمْ فِي‌ مَسَـ'كِنِ الَّذِينَ ظَلَمُو´ا أنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيَْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الاْمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَهِ مَكْرُهُمْ وَإِن‌ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَـالُ * فَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ و ´ إِنَّ اللَهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ * يَوْمَ تُبَدَّلُ الاْرْضُ غَيْرَ الاْرْضِ وَالسَّمَـ'وَ ' تُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَ ' حِدِ الْقَهَّارِ. [36]

 أجل‌، ستكون‌ الارض‌ ذلك‌ اليوم‌ نقيّة‌ لا أمت‌ فيها، منوّرة‌ بنور ربّها، أرض‌ لا يُعصي‌ الله‌ علیها. وستُقلب‌ هذه‌ الارض‌ وتنشقّ وتتخلّي‌ عن‌ أثقالها فتُلقيها خارجاً، وهناك‌ محلّ ثواب‌ الاعمال‌ وجزائها. فمن‌ عمل‌ مثقال‌ ذرّة‌ خيراً أو شرّاً، وجد عمله‌ حاضراً عنده‌ يراه‌ ويلمسه‌.

 أمّا الذين‌ ساروا في‌ الدنيا بخطوات‌ الاستقامة‌ والمصابرة‌، وبقدم‌ ثابتة‌ في‌ ساحة‌ التقوي‌ والإيمان‌ والصدق‌ ومجاهدة‌ النفس‌ الامّارة‌ وقمع‌ هذا الشيطان‌ المتمرّد بصدق‌، وحفظوا دينهم‌ في‌ الهزاهز والفتن‌، فإنّ أعمالهم‌ ونواياهم‌ ومصائبهم‌ محفوظة‌ عند الله‌ تعالي‌ وفي‌ باطن‌ عالم‌ الكون‌ هذا، وستصل‌ إليهم‌.

 أمّا الذين‌ تخيّلوا أنّ الله‌ وعالم‌ الخلقة‌ والرسل‌ والكتب‌ الإلهيّة‌ أُمور سطحيّة‌ لا طائل‌ فيها، فتعاملوا معها عابثين‌، ولم‌ يروا لانفسهم‌ مسؤوليّة‌ والتزاماً وشُغلوا في‌ هذا العالم‌ الفسيح‌ باللهو واللعب‌ جامحين‌، وتفوّهوا بكلّ ماجري‌ علی‌ ألسنتهم‌، وعملوا ما أمكنهم‌ فعله‌، وأطلقوا العنان‌ لانفسهم‌، وهتكوا المحرّمات‌ الإلهيّة‌، فإنّ أعمالهم‌ ونواياهم‌ محفوظة‌ عند الله‌ تعالي‌ أيضاً، وستلاحقهم‌ سياط‌ العدل‌.

 وقد جري‌ ذكر روايات‌ مختلفة‌ بشأن‌ السابقين‌ في‌ طريق‌ الله‌ والركبان‌ يوم‌ القيامة‌، إلاّ أنـّنا نورد هنا رواية‌ يرجع‌ سندها إلي‌ بني‌ العبّاس‌ من‌ منطلق‌ إقرار الخصم‌ بفضائل‌ أهل‌ البيت‌.

 الرجوع الي الفهرس

الركبان‌ في‌ المحشر: رسول‌ الله‌ وصالح‌ وأمير المؤمنين‌ وفاطمة‌ الزهراء

يقول‌ الشيخ‌ المفيد في‌ كتابه‌ «الامالي‌»: أخبرني‌ أبو علی‌ّ الحسن‌بن‌ علی‌ّبن‌ فضل‌ الرازي‌ّ، قال‌: حدّثنا أبو الحسن‌ علی‌ّ بن‌ أحمد بن‌ بشر العسكري‌ّ، قال‌: حدّثنا أبو إسحاق‌ محمّد بن‌ هارون‌ بن‌ عيسي‌ الهاشمي‌ّ، قال‌: حدّثنا أبو إسحاق‌ إبراهيم‌ بن‌ مهدي‌ الابلي‌ّ، قال‌: حدّثنا إسحاق‌بن‌ سليمان‌ الهاشمي‌ّ، قال‌: حدّثني‌ أبي‌، قال‌: حدّثني‌ هارون‌ الرشيد، قال‌: حدّثني‌ أبي‌ المهدي‌ّ، قال‌: حدّثني‌ المنصور أبو جعفر عبد الله‌ بن‌ محمّدبن‌ علی‌ّ، قال‌: حدّثني‌ أبي‌، عن‌ جدّي‌ علی‌ّ بن‌ عبد الله‌ بن‌ العبّاس‌، عن‌ عبدالله‌بن‌ العبّاس‌ بن‌ عبد المطّلب‌، قال‌: سمعتُ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌ وسلّم‌، قال‌: يا أيّها الناس‌ نحن‌ في‌ القيامة‌ ركبان‌ أربعة‌ ليس‌ غيرنا. فقال‌ له‌ قائل‌: بأبي‌ أنت‌ وأُمّي‌ يا رسول‌ الله‌، من‌ الرُّكبان‌؟

 قال‌: أنا علی‌ البراق‌، وأخي‌ صالح‌ علی‌ ناقة‌ الله‌ التي‌ عقرها قومه‌، وابنتي‌ فاطمة‌ علی‌ ناقتي‌ العضباء، وعلی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌ علی‌ ناقة‌ من‌ نوق‌ الجنّة‌ خِطامها من‌ لؤلؤ رطب‌، وعيناها من‌ ياقوتتين‌ حمراوين‌، وبطنها من‌ زبرجد أخضر، علیها قبّة‌ من‌ لؤلؤ بيضاء يري‌ ظاهرها من‌ باطنها، وباطنها من‌ ظاهرها، ظاهرها من‌ رحمة‌ الله‌، وباطنها من‌ عفو الله‌، إذا أقبلت‌ زفّت‌، وإذا أدبرت‌ زفّت‌، وهو أمامي‌.

 علی‌ رأسه‌ تاج‌ من‌ نور، يضي‌ء لاهل‌ الجمع‌ ذلك‌ التاج‌، له‌ سبعون‌ ركناًكلّ ركن‌ يُضي‌ء كالكوكب‌ الدرّي‌ّ في‌ أُفق‌ السماء وبيده‌ لواء الحمد، وهو ينادي‌ في‌القيامة‌: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَهِ، فلا يمرّ بملا من‌ الملائكة‌ إلاّ قالوا: نبي‌ّ مرسل‌، ولا يمرّ بنبي‌ّ مُرسل‌ إلاّ قال‌: مَلَك‌ مقرّب‌، فينادي‌ منادٍ من‌ بُطنان‌ العرش‌: يا أيّها الناس‌ ليس‌ هذا ملكاً مقرّباً، ولانبيّاً مرسلاً، ولا حامل‌ عرش‌، هذا علی‌ّ بن‌ أبي‌ طالب‌، وتجي‌ء شيعته‌ من‌ بعده‌ فينادي‌ منادٍ لشيعته‌: مَن‌ أنتم‌؟ فيقولون‌: نحن‌ العلويّون‌. فيأتيهم‌ النداء: أَيُّهَا الْعَلَوِيُّونَ. أنتم‌ آمنون‌، ادخلوا الجنّة‌ مع‌ من‌ كنتم‌ توالون‌.[37]

 الرجوع الي الفهرس

الولاية‌ الكلّيّة‌ لامير المؤمنين‌ وتحقّقه‌ بالوجه‌ الإلهي‌ّ

 أجل‌، هذا هو مقام‌ أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ الذي‌ يمسك‌ بلواء الحمد، أي‌: أنـّه‌ قد وصل‌ إلي‌ مقام‌ التوحيد والفناء في‌ ذات‌ الحضرة‌ الاحديّة‌، بحيث‌ إنّه‌ يحمد الله‌ تعالي‌ كما هو أهله‌. ولذا فإنّه‌ حقيقة‌ وجه‌ الله‌ المحيط‌ بالكون‌ والمكان‌، وهو والائمّة‌ الطاهرون‌ في‌ عالم‌ سعة‌ التجرّد وإحاطة‌ الإطلاق‌.

 ويُشير الملاّ الرومي‌ّ في‌ أشعاره‌ إلي‌ مقام‌ سعة‌ وإحاطة‌ وجهه‌ الإلهي‌ّ فيقول‌:

 تا صورتِ پيوند جهان‌ علی‌ بود                    تا نقشِ زمين‌ بود و زمان‌ بود علی‌ بود

 مسجود ملائك‌ كه‌ شد آدم‌ ز علی‌ شد                     آدم‌ چو يكي‌ قبله‌ و مسجود علی‌ بود

 هم‌ آدم‌ و هم‌ شيث‌ و هم‌ ايوب‌ و هم‌ ادريس‌             هم‌ يوسف‌ و هم‌ يونس‌ و هم‌ هود، علی‌ بود

 هم‌ موسي‌ و هم‌ عيسي‌ و هم‌ خضر و هم‌ الياس‌                  هم‌ صالح‌ پيغمبر و داود، علی‌ بود [38]

 آن‌ عارف‌ سجّاد كه‌ خاكِ درش‌ از قدر                        بر كنگرة‌ عرش‌ بر افزود علی‌ بود

 اين‌ كفر نباشد سخنِ كفر نه‌ اينست                       ‌ تا هست‌ علی‌ باشد و تا بود علی‌ بود[39]

 كما قال‌ فيه‌ علیه‌ السلام‌:

 رومي‌! نشد از سرّ علی‌، كس‌ آگاه‌              زيرا كه‌ نشد كس‌ آگه‌ از سرّ إلـ'ه‌

 يك‌ ممكن‌ و اين‌ همه‌ صفات‌ واجب‌               لا حول‌ و لا قوّة‌ إلاّ بالله‌[40]

 كما أنشد الشيخ‌ كاظم‌ الاُزري‌ّ فيه‌:

 لَمْ تَزَلْ عِنْدَهُ مَفَاتِيحُ كَشْفٍ                     قَدْ أَمَاطَتْ عَنِ الْغُيُوبِ غِطَاهَا

 وَاسْأَلِ الاْعْصُرَ الْقَدِيمَةَ عَنْهُ                   كَيْفَ كَانَتْ يَدَاهُ رُوحَ غَذَاهَا

 وَهْوَ عَلاَّمَةُ الْمَلاَئِكِ فَاسْأَلْ                     رُوحَ جِبْرِيلَ عَنْهُ كَيْفَ هَدَاهَا

 أَيَّ نَفْسٍ لاَ تَهْتَدِي‌ بِهُدَاهُ                        وَهْوَ مِنْ كُلِّ صُورَةٍ مُقْلَتَاهَا

 يَا علی حَسْبُكَ الْمِقْدَارُ لاَهُو                   تِيَّةٌ لاَ يُحَاطُ فِي‌ علیاهَا

 هِيَ قُطْبُ الْمُكَوِّنَاتِ وَلَوْلاَ                      هَا لَمَا دَارَتِ الرَّحَي‌ لَوْلاَهَا

 لَكَ نَفْسٌ مِنْ جَوْهَرِ اللُّطْفِ صِيغت‌                      جَعَلَ اللَهُ كُلَّ نَفْسٍ فِدَاهَا [41]

 الرجوع الي الفهرس
 

الدرس‌ الثلاثون‌:

 القيامة‌ ليست‌ في‌ عرض‌ عالَم‌ الزمان‌، بل‌ محيطة‌ به‌

 

بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه‌ ربّ العالمين‌ ولا حول‌ ولا قوّة‌ إلاّ بالله‌ العلی‌ّ العظيم‌

وصلَّي‌ الله‌ علی‌ محمّد وآله‌ الطاهرين‌

ولعنة‌ الله‌ علی‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلي‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَـ'وَ ' تِ وَالاْرْضِ وَمَآ أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَهَ علی‌' كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.[42]

 المعاد هو عودة‌ الإنسان‌ ورجوعه‌ إلي‌ مبدأه‌، ومن‌ لوازم‌ هذا السفر طلوع‌ نور التوحيد في‌ عالم‌ القيامة‌، وبطلان‌ سلسلة‌ الاسباب‌ والمسبّبات‌ التي‌ لها عنوان‌ الوجه‌ الخلقي‌ّ.

 المعاد عودة‌ الإنسان‌ إلي‌ الله‌ تعالي‌، وإقراره‌ واعترافه‌ بمقام‌ توحيد الله‌ وعظمته‌ ووحدانيّته‌ وصفات‌ جماله‌ وجلاله‌. ولذا فإنّ عالم‌ المعاد والقيامة‌ ليس‌ في‌ عَرْض‌ هذا العالم‌، بل‌ مُحيطٌ به‌، لانّ مقام‌ توحيد الله‌ تعالي‌ وصفاته‌ وأسمائه‌ محيط‌ بجميع‌ العوالم‌، كما أنّ إدراك‌ عالم‌ القيامة‌ وظهور النفس‌ إحاطة‌ أيضاً بهذه‌ النشأة‌ وهذا العالم‌.

 الرجوع الي الفهرس

أيّان‌ يوم‌ القيامة‌؟ وأين‌ مكانها؟

 ولعلّ الإجابة‌ علی‌ أسئلتهم‌: متي‌ تقوم‌ القيامة‌؟ وأين‌ تقوم‌؟ أتقوم‌ في‌ الارض‌ أم‌ في‌ إحدي‌ الكواكب‌ السماويّة‌؟ أين‌ المكان‌ الذي‌ أعدّ الله‌ عزّ وجلّ فيه‌ الجنّة‌ وجهنّم‌ للمؤمنين‌ والكافرين‌؟ أين‌ محلّه‌؟ ومتي‌ يحين‌ زمان‌ ذلك‌؟ قد اتّضحت‌ للبعض‌ تلقائيّاً خلال‌ المباحث‌ الاخيرة‌، ولكن‌ لابدّ لنا من‌ ذكر مقدّمة‌ لتنقيح‌ الموضوع‌ بصورة‌ كاملة‌ وبيانه‌ بوضوح‌ لاءفادة‌ الجميع‌، وسيتّضح‌ بعد هذه‌ المقدّمة‌ متي‌ سيكون‌ زمن‌ قيام‌ القيامة‌، وأين‌ مكان‌ الجنّة‌ وجهنّم‌.

 لقد كانوا يسألون‌ النبي‌ّ الاكرم‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌: متي‌ قيام‌ الساعة‌؟ ومتي‌ قيام‌ القيامة‌؟ ومتي‌ يحين‌ هذا الوعد الذي‌ تعد به‌؟ ومنذ ذلك‌ الوقت‌ كان‌ هذا السؤال‌ يتردّد في‌ أذهان‌ الناس‌ وعامّة‌ الطبقات‌.

 والمقدّمة‌ التي‌ سبق‌ الإشارة‌ إليها هي‌:

 إنّ هذا العالم‌ الذي‌ نعيش‌ فيه‌ هو عالم‌ المادّة‌ والطبع‌، أي‌: أنّ موجوداته‌ موجودات‌ مادّيّة‌، ولها طبائع‌ مختلفة‌، ومن‌ لوازم‌ عالم‌ المادّة‌ الزمان‌ والمكان‌.

 أي‌: أنـّه‌ ليس‌ هناك‌ وجود لمادّة‌ خارجة‌ عن‌ الزمان‌ والمكان‌، فهما من‌ أعراض‌ الجوهر المادّي‌ّ التي‌ لا تنفكّ عنه‌. ومن‌ ثمّ فقد دُعي‌ هذا العالم‌ بعالم‌ الطبع‌ والمادّة‌. ولدينا عالم‌ آخر ليس‌ فيه‌ مادّة‌، ولا وجود فيه‌ للطبائع‌، وهو عالم‌ المِثال‌ والبرزخ‌، حيث‌ إنّ حقيقة‌ وملكوت‌ موجوداته‌ أقوي‌ بكثير وأعجب‌ وأشرف‌ وأعلم‌ وأقدر. وبوجه‌ عامّ فهو من‌ جميع‌ الجهات‌ أقوي‌ بكثير من‌ هذا العالم‌.

 إلاّ أنّ ذلك‌ العالم‌ محيط‌ بهذا العالم‌، وهو لا يتبع‌ هذا العالم‌ بحيث‌ إذا ما انقضي‌ هذا العالم‌ وتصرّم‌، فإنّ الزمان‌ الذي‌ سيتبع‌ هذا الزمان‌ هو عالم‌ البرزخ‌ والمثال‌.

 وهناك‌ عالم‌ أعلی‌ من‌ عالم‌ المثال‌ والبرزخ‌، وهو عالم‌ النَفْس‌، حيث‌ إنّ موجوداته‌ أعجب‌ وأقوي‌ بكثير، وعلمها وقدرتها وإدراكها أكثر من‌ عالم‌ البرزخ‌. كما أنّ ذلك‌ العالم‌ لا يتبع‌ عالم‌ البرزخ‌ بحيث‌ نقول‌ إنّ زمن‌ عالم‌ البرزخ‌ حين‌ يتصرّم‌ وينقضي‌، فإنّ عالم‌ القيامة‌ سيطلع‌ آنذاك‌، لانّ عالم‌ القيامة‌ ـ أساساً ـ ليس‌ له‌ زمان‌ خاصّ، بل‌ هو فوق‌ الزمان‌، ونتيجةً لذلك‌ فإنّ عالم‌ القيامة‌ الذي‌ هو ظهور تجلّيات‌ النفس‌ محيط‌ بعالم‌ البرزخ‌. وهكذا فإنّ عالم‌ البرزخ‌ محيط‌ بهذا العالم‌، وعالم‌ القيامة‌ محيط‌ بعالم‌ البرزخ‌.

 وبناءً علی‌ ذلك‌ فإنّ عالمي‌ البرزخ‌ والقيامة‌ موجودان‌ الآن‌؛ بَيدَ أنـّه‌ ليس‌ صحيحاً أن‌ نقول‌ (الآن‌)، لانّ كلمة‌ (الآن‌) تعني‌ هذا الزمان‌، فنكون‌ بذلك‌ قد أشرنا إلي‌ عالم‌ الطبع‌ الذي‌ له‌ زمان‌. وعلینا القول‌ إنّ عالم‌ البرزخ‌ موجود، وإنّ عالم‌ القيامة‌ موجود.

 أمّا قولنا إنّ عالم‌ القيامة‌ موجود الآن‌ فهو من‌ باب‌ ضيق‌ العبارة‌، لانـّنا لانستطيع‌ استخدام‌ غير هذه‌ العبارة‌ لاءيصال‌ المعني‌ المذكور. ويمكننا فقط‌ أن‌ نقول‌ إنّ عالم‌ القيامة‌ موجود، وهو لا يتبع‌ هذا العالم‌، بل‌ محيطٌ به‌. وإذا ما استعملنا لفظ‌ (فعلاً) بدلاً من‌ لفظ‌ (الآن‌)، لواجهنا الإشكال‌ نفسه‌، لانـّها ألفاظ‌ تؤدّي‌ نفس‌ المعني‌. فهي‌ أخيراً عوالم‌ متداخلة‌، يحيط‌ أحدها بالآخر ويُسيطر علیه‌.

 إنّ هذا العالم‌ تحت‌ إشراف‌ عالم‌ البرزخ‌ وسيطرته‌، كما أنّ عالم‌ البرزخ‌ تحت‌ إشراف‌ عالم‌ القيامة‌ وسيطرته‌. ذلك‌ أنّ تلك‌ العوالم‌ لها السيطرة‌ علی‌ هذا العالم‌، فجهات‌ هذا العالم‌ جميعها تحت‌ إشراف‌ تلك‌ العوالم‌، إلاّ إذا عكسنا الامر فإنّه‌ سيختلف‌، فعالم‌ البرزخ‌ ليس‌ له‌ سيطرة‌ وإحاطة‌ بعالم‌ القيامة‌؛ وعالم‌ الطبع‌ ليس‌ له‌ سيطرة‌ وإحاطة‌ بعالم‌ البرزخ‌. كما أنّ الموجودات‌ التي‌ في‌ عالم‌ الطبع‌ والمادّة‌ ليس‌ لها سيطرة‌ علی‌ عالم‌ المثال‌ والصور الملكوتيّة‌؛ والموجودات‌ التي‌ في‌ عالم‌ المثال‌ والملكوت‌ الاسفل‌ ليس‌ لها سيطرة‌ علی‌ عالم‌ الملكوت‌ الاعلی‌ والنفس‌.


 

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ الفقرة‌ الاخيرة‌ من‌ الآية‌ 155 والآية‌ 156، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[2] ـ الفقرة‌ الاخيرة‌ من‌ الآية‌ 29، من‌ السورة‌ 7: الاعراف‌.

[3] ـ الآمَالُ (خ‌.ل‌).

[4] ـ «مرصاد العباد» ص‌ 179، 182 و 93.

[5] ـ «مرصاد العباد» ص‌ 179، 182 و 93.

[6] ـ «مرصاد العباد» ص‌ 190؛ ورسالة‌ «عشق‌ و عقل‌» وتعريبها «العشق‌ والعقل‌» ص‌ 86.

[7] ـ رسالة‌ «سـير و سـلوك‌» وتعريبها «السير والسلوك‌» المنسوبة‌ إلي‌ العلاّمة‌ بحر ï ïالعلوم‌ ص‌ 48، من‌ النسخة‌ المطبوعة‌ مع‌ حواشي‌ وتعلیقات‌ المؤلّف‌.

[8] ـ دعاء أمير المؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ المطبوع‌ مع‌ شرحه‌ بقلم‌ الحاجّ الملاّ محمّد جعفر كبوتر آهنگي‌ (بالحجم‌ الجيبي‌ّ).

[9] ـ «بحر المعارف‌» للمولي‌ عبد الصمد الهمداني‌ّ، ص‌ 103.

[10] ـ «مسكّن‌ الفؤاد» للشهيد الثاني‌، الطبعة‌ الحجريّة‌، ص‌ 16 و 17.

[11] ـ «جامع‌ السعادات‌» الطبعة‌ الحجريّة‌، ص‌ 493.

[12] ـ «معاني‌ الاخبار» ص‌ 370 و 371؛ و «عيون‌ أخبار الرضا» ص‌ 313 و 314؛ و«التوحيد» للصدوق‌، ص‌ 24 و 25. وقد وردت‌ هذه‌ الرواية‌ في‌ «أمالي‌ الشيخ‌ الطوسي‌ّ» ج‌ 2، ص‌ 201؛ و «الجواهر السنيّة‌» ص‌ 147، 156، 158، 222 و 262؛ وفي‌ القسم‌ الثاني‌ من‌ المجلّد الرابع‌ من‌ «أعيان‌ الشيعة‌» ص‌ 118 بأسانيد متنوّعة‌ واختلاف‌ في‌ المضمون‌.

[13] ـ الآيتان‌ 73 و 74، من‌ السورة‌ 40: غافر.

[14] ـ الآيات‌ 28 إلي‌ 30، من‌ السورة‌ 10: يونس‌.

[15] ـ الآيتان‌ 62 و 63، من‌ السورة‌ 28: القصص‌.

[16] ـ يقول‌: عندما يتجلّي‌ نظام‌ الحقيقة‌ فإنّ الحياء سيلفّ السالك‌ الذي‌ عمل‌ بالمَجاز.

[17] ـ الآية‌ 23، من‌ السورة‌ 53: النجم‌.

[18] ـ صدر الآية‌ 21، من‌ السورة‌ 14: إبراهيم‌.

[19] ـ النصف‌ الاوّل‌ من‌ الآية‌ 16، من‌ السورة‌ 40: غافر.

[20] ـ النصف‌ الثاني‌ من‌ الآية‌ 22، من‌ السورة‌ 50: ق‌.

[21] ـ الآية‌ 9، من‌ السورة‌ 86: الطارق‌.

[22] ـ الآيات‌ 9 إلي‌ 11، من‌ السورة‌ 100: العاديات‌.

[23] ـ الآيتان‌ 88 و 89، من‌ السورة‌ 26: الشعراء.

[24] ـ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 2، باب‌ الإخلاص‌، ص‌ 16.

[25] ـ «ديوان‌ المغربيّ» ص‌ 9 و 10.

 يقول‌: عندما أشرق‌ علی‌ قلبي‌ ضياء جمال‌ الحبيب‌، شاهدت‌ البصيرة‌ حُسن‌ كمال‌ الحبيب‌.

 وما التفات‌ امري‌ء إلي‌ ذرّات‌ الكائنات‌، إذا ذاق‌ لحظةً لذّة‌ وصال‌ الحبيب‌؟

 وأنـّي‌ سيحطّ علی‌ الحبّ المنثور علی‌ شِراك‌ العالم‌ قلب‌ صار أسير زلف‌ وخال‌ الحبيب‌!

 وهيهات‌ أن‌ تخطر صورة‌ من‌ العالمين‌ برأسٍ لم‌ يخلُ لحظةً من‌ خيال‌ الحبيب‌!

[26] ـ يقول‌: لقد طفح‌ وجداني‌ بالحبيب‌، فلم‌ يعد مجالٌ فيه‌ لحبيبٍ إلاّ إذا غادره‌ الحبيب‌!

 وأنـّي‌ للحبيب‌ مثالٌ في‌ كلا الكونينِ، ولو كان‌ كلا العالمينِ علی‌ مِثال‌ الحبيب‌!

 لقد امتلا القلب‌ والروح‌ بالحبيب‌ بحيث‌ لم‌ يَعُدْ نظري‌ الحبيبَ إلي‌ حال‌ الحبيب‌!

 فما احتياج‌ البصر إلي‌ الحُسن‌ خارجاً، و إذا تجلّي‌ في‌ الوجدان‌ جمال‌ الحبيب‌!

 فما الذي‌ طلع‌ من‌ مشرق‌ قلبك‌ يا مغربي‌ّ، فغيّبَ ألفَ بدرٍ عن‌ النظر؟ هلالُ الحبيب‌!

[27] ـ «بحار الانوار» ج‌ 15، قسم‌ الاخلاق‌، ص‌ 39.

[28] ـ «بحار الانوار» ج‌ 15، قسم‌ الاخلاق‌، ص‌ 39.

[29] ـ «حديقة‌ الحقيقة‌ وشريعة‌ الطريقة‌» لحكيم‌ السنائي‌ّ: ص‌ 284 و 285.

 يقول‌: إذا ساد قلبُ امري‌ علی‌ بدنه‌، صار المُلك‌ والجيش‌ منه‌ في‌ راحة‌ ودعة‌.

 ساء وضع‌ بدنٍ فسد قلبه‌، فظلم‌ الجيش‌ انـّما هو من‌ ضعف‌ المَلك‌ ووهنه‌.

 إنّ القلب‌ الذي‌ لديك‌ ملي‌ء بالثغرات‌، فالوحش‌ والشيطان‌ منه‌ وإيّاك‌ علی‌ حدٍّ سواء.

 أفمضغة‌ لحمٍ سمّيتها قلباً؟! لقد أعرضتَ بهذا عن‌ قلب‌ التحقيق‌!

 فاذهب‌ وألقِ إلي‌ كلاب‌ الطريق‌ ما سمّيته‌ مجازاً قلباً!

 وتخطّ البدن‌ والنفس‌ والعقل‌ والروح‌، واكتسب‌ قلباً في‌ طريقه‌ ونهجه‌.

 قلباً إذا ما واجهتْهُ المنعطفات‌ لم‌ يكن‌ فيه‌ شي‌ء سوي‌ الله‌

[30] ـ يقول‌: وإنّ للعشّاق‌ من‌ باب‌ النفس‌ إلي‌ كعبة‌ القلب‌ ألف‌ منزل‌ ومنزل‌!

[31] ـ الآية‌ 15، من‌ السورة‌ 83: المطفّفين‌.

[32] ـ يا آخر كلّ أوّل‌، ويا أوّل‌ كلّ آخر؛ يا ظاهر كلّ باطن‌ ويا باطن‌ كلّ ظاهر.

 أنوار جمالك‌ في‌ مرأي‌ كلّ مؤمن‌؛ آثار جلالك‌ في‌ صدر كلّ كافر.

 قد صار لنا الطَرْف‌... الخ‌.

[33] ـ الآية‌ 23، من‌ السورة‌ 6: الانعام‌.

[34] ـ الآيتان‌ 42 و 43، من‌ السورة‌ 68: القلم‌.

[35] ـ الآيتان‌ 42 و 43، من‌ السورة‌ 14: إبراهيم‌.

[36] ـ الآيات‌ 44 إلي‌ 48، من‌ السورة‌ 14: إبراهيم‌.

[37] ـ «أمالي‌ المفيد» ص‌ 160 و 161.

[38] ـ يقول‌: كان‌ علی‌ّ منذ أن‌ كانت‌ صورة‌ مادّة‌ العالم‌، وكان‌ علی‌ّ منذ أن‌ كان‌ للارض‌ والزمان‌ أثر.

 به‌ سجدت‌ لا´دم‌ الملائكة‌، فقد كان‌ آدم‌ كالقبلة‌، وعلی‌ّ هو الذي‌ سُجِدَ له‌.

 إنّ آدم‌ وشيثاً وأيّوب‌ وإدريس‌ ويوسف‌ ويونس‌ وهوداًكانوا علیاً.

 وإنّ موسي‌ وعيسي‌ والخضر وإلياس‌، وصالح‌ وداود كانوا علیاً.

[39] ـ يقول‌: إنّ العارف‌ السجّاد الذي‌ فاق‌ تراب‌ اعتاب‌ بابه‌ شرفات‌ العرش‌، كان‌ علیاً.

 لقد نظرتُ في‌ الآفاق‌ مليّاً، فشاهدتُ يقيناً أنّ في‌ كلّ موجود علیاً.

 وليس‌ هذا كفراً وما هو حديث‌ كفر، إذ إنّ الموجود هو علی‌ّ، والذي‌ كان‌ كان‌ علیاً.

[40] ـ يقول‌: يا رومي‌ّ! لم‌ يطّلع‌ امرؤ علی‌ كُنه‌ سرّ علی‌ّ، إذ لم‌ يطّلع‌ أحد علی‌ سرّ الإله‌.

 أممكنٌ وله‌ صفات‌ الواجب‌ هذه‌ كلّها؟ لا حول‌ ولا قوّة‌ إلاّ بالله‌!

[41] ـ «ديوان‌ الاُزْري‌ّ» والابيات‌ منتخبة‌ منه‌.

[42] ـ الآية‌ 77، من‌ السورة‌ 16: النحل‌.

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com