بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب معرفة المعاد / المجلد التاسع / القسم الخامس: اقسام الشفعاء یوم القیامة، الشفاعة للمؤمن المذنب

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

شفاعة‌ الائمّة‌ المعصومين‌ عليهم‌ السلام‌ يوم‌ القيامة‌

 في‌ « دعوات‌ الراونديّ » عن‌ سماعة‌ بن‌ مهران‌، قال‌:

 قَالَ أَبُو الحَسَنِ عَلَيهِ السَّلاَمُ: إذَا كَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ إلی اللَهِ فَقُلْ: اللَهُمَّ إنِّي‌ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَعَلِي‌ٍّ، فَإنَّ لَهُمَا عِنْدَكَ شَأْنَاً مِنَ الشَّأْنِ، وَقَدْراً مِنَ القَدْرِ، فَبِحَقِّ ذَلِكَ الشَّأْنِ وَذَلِكَ القَدْرِ أَنْ تُصَلَّي‌ علی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَنْ تَفْعَلَ بِي‌ كَذَا وَكَذَا.

 فَإنَّهُ إذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ لَمْ يَبْقَ مَلَكُ مُقَرَّبٌ وَلاَ نَبِي‌ٌّ مُرْسَلٌ وَلاَ مُؤْمِنٌ مُمْتَحَنٌ إلاَّ وَهُوَ يَحْتَاجُ إلَيْهِمَا فِي‌ ذَلِكَ اليَوْمِ. [1]

 وروي‌ أحمد بن‌ محمّد البرقيّ في‌ « المحاسن‌ » عن‌ أبيه‌، عن‌سعدان‌ ابن‌ مسلم‌، عن‌ معاوية‌ بن‌ وهب‌، قَالَ:

 سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَهِ (الصَّادِق‌) عَلَيهِ السَّلاَمُ عَنْ قَوْلِ اللَهِ تَبَارَكَ وَتعالی‌: «لاَ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَن‌ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـ'نُ وَقَالَ صَوَ ' بًا»، قَالَ: نَحْنُ ـوَاللَهِـ المَأذُونُ لَهُمْ فِي‌ ذَلِكَ اليَوْمِ وَالقَائِلُونَ صَوَاباً.

 قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَمَا تَقُولُونَ إذَا تَكَلَّمْتُمْ؟

 قَالَ: نُمَجِّدُ رَبَّنَا، وَنُصَلِّي‌ علی نَبِيِّنَا، وَنَشْفَعُ لِشِيعَتِنَا، فَلاَ يَرُدُّنَا رَبُّنَا. [2]

 وقد نقل‌ مولّف‌ « كنز جامع‌ الفوائد » هذه‌ الرواية‌ بإسناده‌ عن‌ سعدان‌، كما روي‌ نظيرها في‌ المضمون‌ عن‌ الإمام‌ الكاظم‌ عليه‌ السلام‌. [3]

 وروي‌ البرقيّ في‌ « المحاسن‌ » بنفس‌ السند السابق‌، قال‌:

 قُلْتُ لاِبِي‌ عَبْدِ اللَهِ عَلَيهِ السَّلاَمُ: قَوْلُهُ: «مَن‌ ذَا الَّذِي‌ يَشْفَعُ عِندَهُ و´ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ». ( أي‌ مَن‌ هُم‌؟).

 قَالَ: نَحْنُ أُولَئِكَ الشَّافِعُونَ. [4]

 وأورد العيّاشيّ هذه‌ الرواية‌ في‌ تفسيره‌ عن‌ معاوية‌ بن‌ عمّار. [5]

 وفي‌ « مناقب‌ ابن‌ شهرآشوب‌ » عن‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ في‌ تفسير آية‌:

 «وَبَـشِّـرِ الَّذِينَ ءَامَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِـدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ»؛ [6] قَالَ وَلاَيَةُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلَيهِ السَّلاَمُ.

 وَيُقَالُ: «أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ» قَالَ: شَفَاعَةُ النَّبِي‌ِّ.

 «وَالَّذِي‌ جَاءَ بِالصِّدْقِ»: [7] شَفَاعَةُ علی عَلَيهِ السَّلاَمُ؛ «أُولَـ'ئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ»:[8] شَفَاعَةُ الاَئِمَّةِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ. [9]

 كما ورد في‌ « المناقب‌ » عن‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ ] قال‌ [:

 إنِّي‌ لاَشْفَعُ يَوْمَ القِيَامَةِ فَأُشَفَّعُ؛ وَيَشْفَعُ علی فَيُشَفَّعُ؛ وَيَشْفَعُ أَهْلُ بَيْتِي‌ فَيُشَفَّعُونَ. [10]

 وقد نقش‌ الصاحب‌ بن‌ عباد علی خاتمه‌:

 شَفِيعُ إسْمَاعِيلَ فِي‌ الآخِرَةِ                  مُحَمَّـدٌ وَالعِتْـرَةُ الطَّاهِـرَةُ [11]

 ومن‌ الاشعار الواردة‌ في‌ خطاب‌ أهل‌ البيت‌ والثناء عليهم‌:

 أَعْطَـاكُمُ اللَهُ مَا لَمْ يُعْطِهِ أَحَـداً               حَتَّي‌ دُعِيتُمْ لِعِظْـمِ الفَضْلِ أَرْبَابَا

 أَشْبَاحُكُمْ كُنَّ فِي‌ بَدْوِ الظِّلاَلِ لَهُ                         دُونَ البَـرِيَّةِ خُـدَّامـاً وَحُجَّـابَا

 وَأَنْتُـمُ الكَلِمَـاتُ اللآي‌ لَقَّـنَـهَا                   جِبْـرِيلُ آدَمَ عِنْدَ الذَّنْـبِ إذْ تَابَا

 وَأَنْتُمُ قِبْلَةُ الدِّيـنِ الَّتِي‌ جُعِلَـتْ                لِلقَاصِدِينَ إلی الرَّحْمَنِ مِحْرَابَا [12]

 الرجوع الي الفهرس

شفاعة‌ الملائكة‌ يوم‌ القيامة‌

 ومن‌ جملة‌ الشفعاء يوم‌ القيامة‌: الملائكة‌؛ قال‌ تعالی‌:

 وَكَمْ مِّن‌ مَّلَكٍ فِي‌ السَّمَـ'وَ ' تِ لاَ تُغْنِي‌ شَفَـ'عَتُهُمْ شَيْـًا إِلاَّ مِن‌ بَعْدِ أَن‌ يَأْذَنَ اللَهُ لِمَن‌ يَشَآءُ وَيَرْضَي‌'´. [13]

 وقال‌ تعالی‌: يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشَّفَـ'عَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـ'نُ وَرَضِيَ لَهُ و قَوْلاً * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِْلْمًا. [14]

 وتدلّ هاتان‌ الآيتان‌ علی شفاعة‌ الملائكة‌ والآية‌ الثانية‌ أعمّ دلالة‌ من‌ الملائكة‌ والانبياء والاولياء، شأنها في‌ ذلك‌ شأن‌ الآيتين‌ اللتين‌ أوردناهما سابقاً للدلالة‌ علی شفاعة‌ الانبياء والائمّة‌، حيث‌ كانت‌ دلالتهما أعمّ من‌ شفاعة‌ الانبياء والائمّة‌ والملائكة‌؛ وهما:

 1 ـ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَـ'نُ وَلَدًا سُبْحَـ'نَهُ و بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ و بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَي‌' وَهُم‌ مِّن‌ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ.

 2 ـ وَلاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن‌ دُونِهِ الشَّفَـ'عَةَ إِلاَّ مَن‌ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.

 وعليه‌، فجميع‌ هذه‌ الآيات‌، سواءً ما ورد منها علی نحو الخصوص‌ أم‌ العموم‌ تدلّ علی شفاعة‌ الملائكة‌.

 شفاعة‌ الشهداء يوم‌ القيامة‌

 ومن‌ جملة‌ الشفعاء: الشهداء الذين‌ يشهدون‌ علی الاعمال‌، والذين‌ كان‌ لهم‌ وقوف‌ واطّلاع‌ وهيمنة‌ علی أعمال‌ الإنسان‌، سواءً في‌ مرحلة‌ تحمّل‌ الشهادة‌ أم‌ في‌ مرحلة‌ أدائها.

 والشهادة‌ هنا ليست‌ بمعني‌ الاستشهاد في‌ ساحة‌ القتال‌. إذ أوردنا تفصيلاً في‌ بحث‌ الشهادة‌ علی الاعمال‌ أ نّه‌ وفقاً لآية‌:

 وَلاَ يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن‌ دُونِهِ الشَّفَـ'عَةَ إِلاَّ مَن‌ شَهِدَ بَالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. [15]

 فمن‌ يشهد بالحقّ، ويمتلك‌ علماً واطّلاعاً ملكوتيّاً علی بواطن‌ الاعمال‌، سيكون‌ يوم‌ القيامة‌ في‌ طائفة‌ الشفعاء.

 وتبعاً للنفي‌ والإثبات‌ في‌ عبارة‌: إِلاَّ مَن‌ شَهِدَ بِالْحَقِّ، فينبغي‌ للشفعاء أن‌ يكونوا من‌ الشهداء. وكلّ ما هنالك‌ أنّ بإمكان‌ كلّ امري‌ أن‌ يشهد بقدر سعة‌ اطّلاعه‌ الملكوتيّ علی بواطن‌ الاعمال‌، كما بإمكانه‌ أن‌ يشفع‌ لمن‌ اطّلع‌ علی بواطن‌ أعمالهم‌ وحقائقها.

 الرجوع الي الفهرس

شفاعة‌ المؤمنين‌ يوم‌ القيامة‌

 ويستنتج‌ من‌ هذا المطلب‌ أنّ المؤمنين‌ هم‌ من‌ الشفعاء، لانّ الله‌ تعالی‌ قد أخبر عن‌ لحوقهم‌ بالشهداء في‌ يوم‌ القيامة‌:

 وَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَهِ وَرُسُلِهِ أُولَـ'ئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ. [16]

 كما تستنتج‌ شفاعة‌ المؤمنين‌ من‌ الآيات‌ التالية‌ أيضاً:

 وَمَا أَضَلَّنَآ إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ * فَمَا لَنَا مِن‌ شَـ'فِعِينَ * وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ * فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِن‌ الْمُؤْمِنِينَ. [17]

 وهذا الكلام‌ للضالّين‌ أصحاب‌ النار، وقد ذكره‌ الله‌ تعالی‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌، حيث‌ إنّهم‌ سيدركون‌ في‌ ذلك‌ الموقف‌ هذا المعني‌ المتمثّل‌ في‌ وجود صديق‌ حميم‌ يمكنه‌ إسداء النفع‌ للبعض‌، لا نّه‌ يقول‌: فَمَا لَنَا. أي‌ أ نّه‌ يدلّ ضمنيّاً علی أنّ للآخرين‌ أصدقاء. كما أنّ ذلك‌ النفع‌ وتلك‌ الشفاعة‌ موجودة‌ للآخرين‌ وغير موجودة‌ بالنسبة‌ لنا. فالشفاعة‌ من‌ قبل‌ المؤمنين‌ ـ إذاًـ موجودة‌، وينبغي‌ أن‌ تكون‌ تلك‌ الشفاعة‌ للمؤمنين‌ أيضاً.

روي‌ الكلينيّ في‌ « الكافي‌ » بإسناده‌ المتّصل‌ عن‌ عبدالحميد الوابشيّ، عن‌ أبي‌ جعفر ( الباقر ) عليه‌ السلام‌، قال‌: قلتُ له‌: إنّ لنا جاراً ينتهك‌ المحارم‌ كلّها، حتّي‌ أ نّه‌ ليترك‌ الصلاةَ فضلاً عن‌ غيرها.

 فقال‌: سبحان‌ الله‌، وأعظم‌ ذلك‌. ألا أخبركم‌ بمن‌ هو شرٌّ منه‌؟

 قلتُ: بلي‌.

 قال‌: الناصبُ لنا شرٌّ منه‌. أَمَا إنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يُذْكَرُ عِنْدَهُ أَهْلُ البَيْتِ فَيَرِقُّ لِذِكْرِنَا، إلاَّ مَسَحَتِ المَلاَئِكَةُ ظَهْرَهُ وَغُفِرَ لَهُ ذُنُوبَهُ كُلُّهَا، إلاَّ أَنْ يَجِي‌ءَ بِذَنْبٍ يُخْرِجُهُ مِنَ الإيمَانِ. وَإنَّ الشَّفَاعَةَ لَمَقْبُولَةٌ وَمَا تُقْبَلُ فِي‌ نَاصِبٍ. وَإنَّ المُؤْمِنَ لَيَشْفَعُ لجَارِهِ وَمَا لَهُ حَسَنَةٌ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! جَارِي‌ كَانَ يَكُفُّ عَنِي‌ الاَذَي‌، فَيُشَفَّعُ فِيهِ. فَيَقُولُ اللَهُ تَبَارَكَ وَتعالی‌: أَنَا رَبُّكَ وَأَنَا أَحَقُّ مَنْ كَافَي‌ عَنْكَ؛ فَيُدْخِلُهُ الجَنَّةَ وَمَا لَهُ مِنْ حَسَنَةٍ؛ وَإنَّ أَدْنَي‌ المُؤْمِنِينَ شَفَاعَةً لَيَشْفَعُ لِثَلاَثِينَ إنْسَاناً، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ أَهْلُ النَّارِ: «فَمَا لَنَا مِن‌ شَـ'فِعِينَ وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ». [18]

 وروي‌ الصدوق‌ في‌ « الخصال‌ » عن‌ أبيه‌، عن‌ الحِميريّ، عن‌ هارون‌، عن‌ مسعدة‌بن‌ صدقة‌، عن‌ أبي‌ عبد الله‌ ( الصادق‌ ) عليه‌ السلام‌، عن‌ آبائه‌، عن‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌، قَالَ:

 قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: ثَلاَثَةٌ يَشْفَعُونَ إلی اللَهِ عَزَّ وَجلَّ فَيُشَفَّعُونَ: الاَنْبِيَاءُ ثُمَّ العُلَمَاءُ ثُمَّ الشُّهَدَاءُ. [19]

 كما روي‌ في‌ « الخصال‌ » في‌ حديث‌ الاربعمائة‌ عن‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ قَالَ: لاَ تَعْنُونَا فِي‌ الطَّلَبِ وَالشَّفَاعَةِ لَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فِيمَا قَدَّمْتُمْ؛ ] وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ [: لَنَا شَفَاعَةٌ وَلاِهْلِ مَوَدَّتِنَا شَفَاعَةٌ. [20]

 وروي‌ في‌ « علل‌ الشرايع‌ » بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ أبي‌ بصير، عن‌ أبي‌ عبدالله‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ قال‌:

 وَاللَهِ شِيعَتُنَا مِنْ نُورِ اللَهِ خُلِقُوا، وَإلَيْهِ يَعُودُونَ؛ وَاللَهِ إنَّكُمْ لَمُلْحَقُونَ بِنَا يَوْمَ القِيَامَةِ، وَإنَّا لَنَشْفَعُ فَنُشَفَّعُ! وَوَاللَهِ إنَّكُمُ لَتَشْفَعُونَ فَتُشفَّعُونَ! وَمَا مِنْ رَجُلٍ مِنْكُمْ إلاَّ وَسَتُرْفَعُ لَهُ نَارٌ عَنْ شِمَالِهِ وَجَنَّةٌ عَنْ يَمِينِهِ، فَيُدْخِلُ أَحِبَّاءَهُ الجَنَّةَ وَأَعْدَاءَهُ النَّارَ. [21]

 وروي‌ المرحوم‌ الصدوق‌ في‌ « ثواب‌ الاعمال‌ » عن‌ أبيه‌، عن‌ سعد، عن‌ ابن‌ عيسي‌، عن‌ محمّد بن‌ خالد، عن‌ النضر، عن‌ يحيي‌ الحلبيّ، عن‌ أبي‌ المغرا، عن‌ أبي‌ بصير، عن‌ علی الصائغ‌، قَالَ: قَالَ أَبُوعَبْدِاللَهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: إنَّ المُؤْمِنَ لَيَشْفَعُ لِحَمِيمِهِ إلاَّ أَنْ يَكُونَ نَاصِباً؛ وَلَوْ أَنَّ نَاصِباً شَفَعَ لَهُ كُلُّ نَبِي‌ٍّ مُرْسَلٍ وَمَلَكٍ مُقَرَّبٍ مَا شُفِّعُوا. [22]

 وروي‌ البرقيّ في‌ « المحاسن‌ » عن‌ ابن‌ محبوب‌، عن‌ أبان‌، عن‌ أسد ابن‌ إسماعيل‌، عن‌ جابر بن‌ يزيد قال‌:

 قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: يَا جَابِرُ! لاَ تَسْتَعِنْ بِعَدُوِّنَا فِي‌ حَاجَةٍ! وَلاَ تَسْتَعْطِهِ! وَلاَ تَسْأَلْهُ شَرْبَةَ مَاءٍ! إنَّهُ لَيَمُرُّ بِهِ المُؤْمِنُ فِي‌ النَّارِ فَيَقُولُ: يَا مُؤْمِنُ أَلَسْتُ فَعَلْتُ بِكَ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَسْتَحْيِي‌ مِنْهُ فَيَسْتَنْقِذُهُ مِنَ النَّارِ؛ فَإنَّمَا سُمِّي‌َ المُؤْمِنُ مُؤْمِناً لاِ نَّهُ يُؤْمِنُ علی اللَهِ فَيُؤْمِنُ أَمَانَهُ. [23]

 وروي‌ الصدوق‌ في‌ « علل‌ الشرايع‌ » عن‌ أبيه‌، عن‌ أحمد بن‌ إدريس‌، عن‌ حنان‌ قال‌:

 سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: لاَ تَسْأَلُوهُمْ فَتُكَلِّفُونَا قَضَاءَ حَوَائِجِهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ. [24]

 وروي‌ أيضاً بنفس‌ السند، قال‌:

 قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيهِ السَّلاَمُ: لاَ تَسْأَلُوهُمْ الحَوَائِجَ فَتَكُونُوا لَهُمُ الوَسِيلَةَ إلی رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ القِيَامَةِ. [25]

 وروي‌ في‌ كتاب‌ « التمحيص‌ » عن‌ الإمام‌ موسي‌ الكاظم‌ عليه‌ السلام‌، قَالَ:

 كَانَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لاَ تَسْتَخِفُّوا بِفُقَرَاءِ شِيعَةِ علی وَعِتْرَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ، فَإنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ لَيَشْفَعُ لِمِثْلِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ. [26]

 وروي‌ الصدوق‌ في‌ كتاب‌ « صفات‌ الشيعة‌ » عن‌ عمّار الساباطيّ، عن‌ أبي‌عبدالله‌ ( الصادق‌ ) عليه‌ السلام‌ قَالَ: لِكُلِّ مُؤْمِنٍ خَمْسُ سَاعَاتٍ يَوْمَ القِيَامَةِ يَشْفَعُ فِيهَا. [27]

 قال‌ المرحوم‌ الصدوق‌ في‌ « الاعتقادات‌ »:

 وَقَالَ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: لاَ شَفِيعَ أَنْجَحُ مِنَ التَّوْبَةِ؛ وَالشَّفَاعَةُ لِلاَنْبِيَاءِ وَالاَوْصِيَاءِ وَالمُؤْمِنِينَ وَالمَلاَئِكَةِ؛ وَفِي‌ المُؤْمِنِينَ مَنْ يَشْفَعُ مِثْلَ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ؛ وَأَقَلُّ المُؤْمِنِينَ شَفَاعَةً مَنْ يَشْفَعُ لِثَلاَثِينَ إنْسَاناً. وَالشَّفَاعَةُ لاَ تَكُونُ لاِهْلِ الشَّكِّ وَالشِّرْكِ، وَلاَ لاِهْلِ الكُفْرِ وَالجُحُودِ، بَلْ يَكُونُ لِلمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ. [28]

 وأورد ابن‌ شـهرآشوب‌ في‌ « المناقب‌ » عن‌ الإمام‌ الباقر عليه‌ السلام‌ في‌تفسير قوله‌ تعالی‌: وَتَرَي‌' كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَي‌'´ إِلَي‌'كِتَـ'بِهَا.[29]

 قَالَ: ذَاكَ النَّبِي‌ُّ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَعَلِي‌ٌّ؛ يَقُومُ علی كُومٍ قَدْ عَلاَ علی الخَلاَئِقِ فَيَشْفَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا علی اشْفَعْ؛ فَيَشْفَعُ الرَّجُلُ فِي‌ القَبِيلَةِ؛ وَيَشْفَعُ الرَّجُلُ لاِهْلِ البَيْتِ؛ وَيَشْفَعُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلَيْنِ علی قَدْرِ عَمَلِهِ؛ فَذَلِكَ المَقَامُ المَحْمُودُ. [30]

 الرجوع الي الفهرس

شفاعة‌ المؤمنين‌ لقبائلهم‌ وأهليهم‌ وذويهم‌

 وقال‌ الشيخ‌ الطبرسي‌ّ في‌ ذيل‌ الآية‌ «فَمَا تَنفَعَهُمْ شَفَـ'عَةُ الشَّـ'فِعِينَ»:[31]

 وَعَنِ الحَسَنِ عَنْ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَقُولُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ: أَيّ رَبِّ! عَبْدُكَ فُلاَنٌ سَقَانِي‌ شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ فِي‌ الدُّنْيَا فَشَفِّعْنِي‌ فِيهِ! فَيقُولُ: اذْهَبْ فَأَخْرِجْهُ مِنَ النَّارِ! فَيَذْهَبُ فَيَتَجَسَّسُ فِي‌ النَّارِ حَتَّي‌ يُخْرِجَهُ مِنْهَا.

 وَقَالَ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: إنَّ مِنْ أُمَّتِي‌ مَنْ سَيُدْخِلُ اللَهُ الجَنَّةَ بِشَفَاعَتِهِ أَكْثَرَ مِنْ مُضَرَ. [32]

 وقال‌ الشيخ‌ المفيد في‌ « الاختصاص‌ »:

 رُوِي‌َ عَنْ أَبِي‌ عَبْدِ اللَهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: مَا مِن‌ أَهْلِ بَيْتٍ يَدْخُلُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إلی الجَنَّةِ إلاَّ دَخَلُوا أَجْمَعِينَ الجَنَّةَ. قِيلَ: وَكَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: يِشْفَعُ فِيهِمْ فَيُشَفَّعُ، حَتَّي‌ يَبْقَي‌ الخَادِمُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ! خُوَيْدِمَتِي‌ قَدْ كَانَتْ تَقِينِي‌ الحَرَّ وَالقَرَّ، فَيُشَفَّعُ فِيهَا. [33]

 وروي‌ العيّاشيّ في‌ تفسيره‌ قريباً من‌ هذا المضمون‌ بسنده‌ عن‌أبان‌ ابن‌تغلب‌، عن‌ أبي‌ عبد الله‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌. [34]

 الرجوع الي الفهرس

شفاعة‌ القرآن‌ والرحم‌ يوم‌ القيامة‌

 عدّت‌ بعض‌ الروايات‌ القرآن‌ والامانة‌ والرَّحِم‌ من‌ الشفعاء في‌ يوم‌ القيامة‌. وقد روي‌ الديلميّ في‌ « الفردوس‌ » عن‌ أبي‌ هريرة‌، أنّ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ قال‌:

 الشُّفَعَاءُ خَمْسَةٌ: القُرآنُ وَالرَّحِمُ وَالاَمَانَةُ وَنَبِيُّكُمْ وَأَهْلُ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ. [35]

 وقد تحدّثنا بالتفصيل‌ عن‌ شفاعة‌ النبي‌ّ وأهل‌ بيته‌، وينبغيّ أن‌ نري‌ الآن‌ كيف‌ أنّ الاُمور الثلاثة‌ الاُخري‌ هي‌ من‌ زمرة‌ الشفعاء.

 أمّا في‌ القرآن‌، فقد ورد:

 وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَـ'بَ تِبْيَـ'نًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًي‌ وَرَحْمَةً وَبُشْرَي‌' لِلْمُسْلِمِينَ. [36]

 فيتّضح‌ أنّ القرآن‌ هو كتاب‌ الرحمة‌، ومن‌ يكون‌ مع‌ القرآن‌ ويعمل‌ به‌، فسيحظي‌ برحمة‌ الله‌ تعالی‌.

 ومن‌ جهة‌ أُخري‌ فقد جاء: يَوْمَ لاَ يُغْنِي‌ مَوْليً عَن‌ مَّوْليً شَيْـًا وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ * إِلاَّ مَن‌ رَّحِمَ اللَهُ، [37] ويتبيّن‌ منه‌ أنّ من‌ تصيبه‌ رحمة‌ الله‌، فسينال‌ الشفاعة‌.

 ومن‌ ضمّ الآية‌ الاُولي‌ إلی الثانية‌ يتبيّن‌ أنّ القرآن‌ يجسّد الرحمة‌ وأ نّه‌ هو الشافع‌ والمعين‌ يوم‌ القيامة‌ للعاملين‌ به‌.

 وقد بحثنا بما يكفي‌ خلال‌ بحث‌ الشهادة‌ علی الاعمال‌ ( في‌ المجلس‌ التاسع‌ والاربعين‌، الجزء السابع‌ ) في‌ أمر شهادة‌ القرآن‌، وأوردنا رواية‌ عن‌ « الكافي‌ » بسنده‌ عن‌ سعد الخفّاف‌، عن‌ الإمام‌ الباقر عليه‌ السلام‌ تتضمّن‌ مطالب‌ صريحة‌ وشيّقة‌ بشأن‌ شهادة‌ القرآن‌ وشفاعته‌، ومن‌ جملتها قوله‌:

 ثُمَّ يَشْفَعُ فَيُشَفَّعُ، وَيَسْأَلُ فَيُعْطَي‌؛ وهي‌ رواية‌ حافلة‌ بالمعاني‌ التي‌ يفيد كلّ منها مطالب‌ أُخري‌ جديدة‌.

 وما أفدنا به‌ في‌ بحث‌ المعاد، هو أنّ تلك‌ الطائفة‌ من‌ المعاني‌ المشتركة‌ لفظيّاً مع‌ المعاني‌ الموجودة‌ في‌ الافراد الاحياء، كالامر والنهي‌ والنفع‌ والشفاعة‌ والشهادة‌ وغيرها، تتمثّل‌ في‌ عالم‌ البرزخ‌ في‌ صور مثاليّة‌ متناسبة‌ معها، كما تتجسّد في‌ عالم‌ الحشر والقيامة‌ في‌ حقائقها.

 أمّا في‌ شأن‌ شفاعة‌ الامانة‌، فقد جاء في‌ القرآن‌ الكريم‌:

 إِنَّا عَرَضْنَا الاْمَانَةَ علی السَّمَـ'وَ ' تِ وَالاْرْضَ وَالْجِبَالَ فَأَبَيْنَ أَن‌ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنسـ'نُ إِنَّهُ و كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً * لِيُعَذِّبَ اللَهُ الْمُنَـ'فِقِينَ وَالْمُنَـ'فِقَـ'تِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَـ'تِ وَيَتُوبَ اللَهُ علی الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـ'تِ وَكَانَ اللَهُ غَفُورًا رَّحِيمًا. [38]

 وكما هو ملاحظ‌ من‌ هذه‌ الآيات‌، فإنّ الهدف‌ من‌ عرض‌ الامانة‌ علی السماوات‌ والارض‌ والجبال‌، وقبول‌ حملها من‌ قبل‌ الإنسان‌ في‌ نهاية‌ المطاف‌، هو تعذيب‌ المنافقين‌ والمشركين‌ وقبول‌ توبة‌ المؤمنين‌. ومن‌ الواضح‌ أنّ توبة‌ الله‌ هي‌ الشفاعة‌ نفسها.

 ومن‌ هنا فإنّ « الامانة‌ » هي‌ شفيع‌ الإنسان‌. ومن‌ الواضح‌ أنّ المراد بالامانة‌ هنا هو الولاية‌ التي‌ عجزت‌ السماوات‌ والارض‌ والجبال‌ عن‌ حملها وأشفقن‌ منها، حيث‌ أُريد من‌ الامانة‌: الامانة‌ الخاصّة‌.

 أمّا عن‌ شفاعة‌ الرحم‌ في‌ يوم‌ القيامة‌، فقد ورد في‌ القرآن‌ الكريم‌:

 خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي‌ سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ و كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَهِ الْعَظِيمِ * وَلاَ يَحُضُّ عَلَي‌' طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَـ'هُنَا حَمِيمٌ. [39]

 وهي‌ آيات‌ تتحدّث‌ عمّن‌ يُعطَون‌ كتابهم‌ بشمالهم‌، كنايةً عن‌ جانب‌ الشقاء، حيث‌ يتطرّق‌ من‌ خلال‌ عدّة‌ آيات‌ إلی ذكر أحوالهم‌ وتأسّفهم‌ علی ما فرط‌ منهم‌. ثمّ يصل‌ إلی هذه‌ الآيات‌ التي‌ تخاطب‌ ملائكة‌ العذاب‌.

 والحَميم‌ عبارة‌ عن‌ الرَّحِم‌ القريب‌، كالاب‌ والاُمّ والاخ‌ وأمثالهم‌. ومن‌ هنا يُفهم‌ من‌ هذه‌ الآية‌ أن‌ ليس‌ من‌ حميم‌ ولا رَحم‌ قريب‌ لغير المؤمن‌ والمتعدّي‌ علی الحقوق‌، ولا من‌ معين‌ يشفع‌ له‌ في‌ فكّ أغلاله‌ وسلاسله‌؛ ولو كان‌ مؤمناً وغير معتد، لاغاثه‌ الحميم‌ وشفع‌ له‌ بكلّ تأكيد.

 الرجوع الي الفهرس

شفاعة‌ الاعمال‌ الصالحة‌ يوم‌ القيامة‌

 ومن‌ جملة‌ الشفعاء: العمل‌ الصالح‌ الذي‌ يعين‌ الفرد بذاته‌ ويوجب‌ غفران‌ خطاياه‌ وذنوبه‌:

 إِلاَّ مَن‌ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَـ'لِحًا فَأُولَـ'ئِكَ يُبَدِّلُ اللَهُ سَيّـَاتِهِمْ حَسَنَـ'تٍ وَكَانَ اللَهُ غَفُورًا رَّحِيمًا. [40]

 ومن‌ الواضح‌ أنّ الشفاعة‌ هي‌ تبديل‌ السيّئة‌ حسنةً. وقد أوردنا في‌ هذا البحث‌ أنّ حقيقة‌ الشفاعة‌ تتمثّل‌ في‌ تبديل‌ السيّئة‌ حسنة‌ بواسطة‌ القُرب‌ بين‌ الشافع‌ والمشفوع‌ له‌. والرواية‌ السابقة‌ عن‌ سعد الخفّاف‌ في‌ شفاعة‌ القرآن‌ تعطي‌ معني‌ عامّاً في‌ شفاعة‌ الاعمال‌ الحسنة‌ الصالحة‌.

 ونلحظ‌ في‌ هذا المجال‌ في‌ الاخبار والآثار قصصاً عجيبة‌ في‌ غفران‌ الذنوب‌ بواسطة‌ عمل‌ حسن‌، كالرحمة‌ بالاتباع‌ والمرؤوسين‌، والعفو عن‌ المذنبين‌، والعطف‌ علی الايتام‌ وذوي‌ القلوب‌ المنكسرة‌ والمرضي‌، وإطعام‌ الجياع‌، وسقي‌ العطشي‌ وغير ذلك‌؛ أي‌ تلك‌ الاعمال‌ التي‌ يقوم‌ بها المرء دون‌ انتظار لجزاء أو أجر، بل‌ يقوم‌ بها ممحّضةً خالصة‌ للّه‌ تعالی‌، سواء كانت‌ إحياءً لنفس‌ أم‌ دفعاً لظلم‌ وحيف‌.

 وهذه‌ الاعمال‌ النابعة‌ عن‌ صفاء الباطن‌، والمستورة‌ التي‌ لايطّلع‌ عليها أحد، والتي‌ تقع‌ في‌ موضعها المناسب‌، هي‌ بمثابة‌ الصاعقة‌ التي‌ تُحرق‌ بيدر الذنوب‌، وكالنور الإلهيّ الذي‌ يخترق‌ الحجب‌ النفسانيّة‌ في‌ سرعة‌ وتأثير ونفع‌ لا حدّ لتصوّرها، وخاصةً لسالكي‌ طريق‌ الله‌ تعالی‌، إذ كثيراً ما يحصل‌ للمحجوبين‌ الذين‌ قضوا مدّة‌ طويلة‌ في‌ الهجران‌، أن‌ ينالوا مقامات‌ ودرجات‌ من‌ خلال‌ نهوض‌ في‌ جوّ الشتاء القارس‌ لتقديم‌ قدح‌ من‌ الماء للاُمّ، ومن‌ خلال‌ تمريضها عند المرض‌ والابتلاء، ومن‌ خلال‌ تحمّل‌ أذاها وكلامها القارص‌.

 وقد ورد في‌ كتب‌ الاخلاق‌ مطالب‌ ناجعة‌ لرفع‌ القبض‌ ولحصول‌ الانفتاح‌ المعنويّ لدي‌ السالك‌، تتلخّص‌ في‌ عيادة‌ المرضي‌، وبخاصّةٍ الفقراء منهم‌ والمنكسرة‌ قلوبهم‌.

 وأنشد الشيخ‌ سعدي‌ الشيرازيّ في‌ هذا الشأن‌:

 يكي‌ در بيابان‌ سگي‌ تشنه‌ يافت                ‌ برون‌ از رمق‌ در حياتش‌ نيافت‌

 كُلَه‌ دَلْو كرد آن‌ پسنديده‌ كيش‌                    چو حبل‌ اندر آن‌ بست‌ دستار خويش‌

 به‌ خدمت‌ ميان‌ بست‌ وبازو گشاد                سگِ ناتوان‌ را دمي‌ آب‌ داد

 خبر داد پيغمبر از حال‌ مَرد              كه‌ داور گناهان‌ ازو عفو كرد

 تو با خلق‌ نيكي‌ كن‌ اي‌ نيكبخت‌                 كه‌ فردا نگيرد خدا بر تو سخت‌

 چو تمكين‌ وجاهَت‌ بود بر دوام‌                    مكن‌ زور بر ضعف‌ درويش‌ عام‌

 نصـيحت‌ شـنو مردم‌ دور بين                      ‌ نپاشند در هيچ‌ دل‌ تخم‌ كين‌ [41]

 أمّا في‌ بيان‌ أنّ صَدَقَة‌ السِّرِّ تُطْفِي‌ُ غَضَبَ الرَّبِّ، وفي‌ بيان‌ صلة‌ الرحم‌ وآثارها، سواء في‌ ذلك‌ الآثار الوضعيّة‌ أم‌ التشريعيّة‌، فهناك‌ مطالب‌ تثير العجب‌، بَيدَ أنّ تفصيلها يخرج‌ بنا عن‌ دائرة‌ البحث‌.

 والسلام‌ عليكم‌ ورحمة‌ الله‌ وبركاته‌.

 الرجوع الي الفهرس

 

 

الدرس‌ الثالث‌ والستّون‌:

 المشمولون‌ بالشفاعة‌

 

بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد للَّه‌ ربّ العالمين‌ ولا حول‌ ولا قوّة‌ إلاّ بالله‌ العلي‌ّ العظيم‌

وصلَّي‌ الله‌ علی محمّد وآله‌ الطاهرين‌

ولعنة‌ الله‌ علی أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلی قيام‌ يوم‌ الدين‌

 

الآيات‌ الواردة‌ في‌ انحصار الشفاعة‌ بأصحاب‌ اليمين‌

 قال‌ الله‌ الحكيم‌ في‌ كتابه‌ الكريم‌:

 وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَي‌' وَهُم‌ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ. [42]

 نهدف‌ في‌ هذا البحث‌ بحول‌ الله‌ وقوّته‌ إلی التعرّف‌ علی النفوس‌ التي‌ تشملها الشفاعة‌ والإجابة‌ علی التساؤلات‌ التالية‌:

 هل‌ تشمل‌ الشفاعة‌ جميع‌ أصحاب‌ النار، أن‌ تختصّ ببعض‌ المجرمين‌ دون‌ البعض‌ الآخر؟ وما هي‌ الشرائط‌ التي‌ ينبغي‌ تحقّقها فيهم‌، لتؤثّر في‌ قبول‌ الشفاعة‌ في‌ حقّهم‌ إثباتاً أو نفياً؟ أي‌: ما هي‌ المراحل‌ التي‌ ينبغي‌ عليهم‌ تخطّيها لتتحقّق‌ في‌ شأنهم‌ شفاعة‌ الشافعين‌؟

 ليس‌ في‌ الآيات‌ والروايات‌ من‌ تصريح‌ بحتميّة‌ شمول‌ الشفاعة‌ لطائفة‌ معيّنة‌، ليكون‌ ذلك‌ مدعاة‌ لجرأة‌ البعض‌ من‌ ذوي‌ الفهم‌ الضئيل‌، وتشجيعاً لهم‌ علی ارتكاب‌ المعاصي‌، لاعتمادهم‌ علی تلك‌ الشفاعة‌.

 ومن‌ جهة‌ أُخري‌، فإنّ الوعد بالشفاعة‌ قد ورد مُجملاً، من‌ أجل‌ أن‌ لايتسرّب‌ اليأس‌ من‌ رحمة‌ الحقّ تعالی‌ إلی نفوس‌ المذنبين‌، فيظنّون‌ أنّ النار مثواهم‌ لا محالة‌، بسبب‌ ذنوبهم‌. وقد ورد أنّ رحمة‌ الحقّ الواسعة‌ غياثٌ للمستغيثين‌، وأنّ الارتباط‌ بالله‌ وبأولياء الدين‌ باعث‌ علی الاتّصال‌ بالمبدأ اتّصالاً لا انفكاك‌ له‌، ممّا يسـتدعي‌ الفوز بالشـفاعة‌ والنجاة‌ من‌ العذاب‌.

 وحالة‌ الوقوف‌ بين‌ الخوف‌ والرجاء، تعبّر عن‌ أساس‌ دينيّ حيويّ مسلّم‌ يدعو إلی الرشد والتكامل‌، وهي‌ حالة‌ مشجّعة‌ علی نيل‌ الدرجات‌ والمقامات‌.

 إذ لو تقرر أن‌ يكون‌ المرء في‌ خوف‌ دائم‌، وقد أُغلقت‌ في‌ وجهه‌ سبل‌ الامل‌ في‌ بلوغ‌ الكمال‌ والفوز بالدرجات‌، لآل‌ إلی الهلاك‌، ولهدّه‌ الضغط‌ النفسيّ الشديد، ولضاعت‌ جميع‌ الثروات‌ الإلهيّة‌ المودعة‌ فيه‌، ولفقد القدرة‌ علی التقدّم‌ خطوةً واحدة‌ نحو مرحلة‌ الفعليّة‌ والكمال‌ النسبيّين‌.

 أمّا لو تقرر أن‌ يعيش‌ المرء في‌ أمل‌ ورجاء مستمرّين‌، لاعاقه‌ الغرور النفسانيّ عن‌ تحمل‌ متاعب‌ الحركة‌ صوب‌ الكمال‌، ولجعله‌ يخلد إلی الراحة‌ والدعة‌؛ ولجرّه‌ التجرّي‌ في‌ الذنوب‌ وهتك‌ الحرمات‌ الإلهيّة‌ إلی مستنقع‌ الفساد والسقوط‌، ولضاعت‌ فيه‌ جميع‌ الثروات‌ الإلهيّة‌، واختنقت‌ في‌ وجوده‌ نطفة‌ القابليّة‌ للكمال‌ منذ الوهلة‌ الاُولي‌.

 أمّا الحال‌ التي‌ طرحها الإسلام‌ فهي‌ حال‌ بَيْن‌ بَيْن‌ التي‌ هي‌ بين‌ الخوف‌ والرجاء، وبين‌ الامل‌ في‌ الشفاعة‌ والخوف‌ من‌ العذاب‌؛ فيعش‌ الإنسان‌ حالة‌ الرجاء في‌ الرحمة‌ والخوف‌ من‌ السطوة‌ والغضب‌، ويتناوبه‌ شعوران‌ مقترنان‌ كتوأمين‌ ولدا من‌ رَحِم‌ واحد، فصارا مترافقين‌ في‌ حديثهما وحركاتهما. وهذان‌ الشعوران‌ يبعثان‌ الإنسان‌ علی الحركة‌، ويقودانه‌ قُدماً لإيصال‌ قواه‌ وقابليّاته‌ إلی فعليّتها في‌ مراحل‌ الكمال‌.

 وقد جري‌ التعامل‌ مع‌ الشفاعة‌ علی ضوء هذا الاساس‌ العامّ؛ أي‌ أنّ الخطابات‌ الشرعيّة‌ قد وردت‌ علی نحو يعجز معه‌ أيّ شخص‌ علی القطع‌ بأ نّه‌ من‌ المشمولين‌ بالشفاعة‌، أو بأنّ الشفاعة‌ لن‌ تناله‌.

 أجل‌، فقد وردت‌ في‌ الآيات‌ والروايات‌ إشارات‌ عامّة‌ تشير إلی أنّ شرط‌ الشفاعة‌ هو الإيمان‌ بالله‌ وبرسوله‌ وبأوصياء رسول‌ الله‌ وأوليائه‌، وأن‌ لاشفاعة‌ للكفّار والمشركين‌ والمنافقين‌.

 ونشرع‌ الآن‌ في‌ البحث‌ في‌ دلالة‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ الكريمة‌، ثمّ نعرّج‌ علی الروايات‌ الواردة‌ عن‌ المعصومين‌.

 تدلّ الآية‌ التي‌ تصدّرت‌ البحث‌ علی أنّ الشفاعة‌ مختصّة‌ بمن‌ يرتضيه‌ الله‌ تعالی‌. فما هو المراد من‌ الارتضاء؛ أهو ارتضاء في‌ الذات‌ والفطرة‌، أو ارتضاء في‌ العقيدة‌ والدين‌، أو في‌ السيرة‌ والعمل‌ والسلوك‌؟

 الآيات‌ القرآنيّة‌ الواردة‌ في‌ الشفاعة‌

 كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلاَّ أَصْحَـ'بَ الْيَمِينَ * فِي‌ جَنـَّـ'تٍ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي‌ سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلّـِينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكَنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَآنءِضِينَ * كُنَّا نُكَذّ ِبُّ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّي‌'´ أَتَي'نَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَـ'عَةُ الشَّـ'فِعِينَ. [43]

 تفيد هذه‌ الآيات‌ بأنّ جميع‌ النفوس‌ مرهونة‌ بأعمالها، وأنّ الذنوب‌ والخطايا التي‌ ترتكبها النفوس‌ في‌ الحياة‌ الدنيا ستكبّل‌ تلك‌ النفوس‌ وتقيّدها بقيود الاسر والمسكنة‌ والذلّ، وبأنّ أصحاب‌ اليمين‌ مستثنون‌ من‌ هذا الاسر والارتهان‌، لا نّهم‌ قد تحرّروا منه‌ وفكّوا عنهم‌ عواقب‌ الاعمال‌ السيّئة‌، فاستقرّوا في‌ جنان‌ الخلد.

 وتدل‌ الآيات‌ في‌ الوقت‌ نفسه‌ علی أن‌ المجرمين‌ الممتحنين‌ في‌ جهنّم‌ ليسوا محجوبين‌، بل‌ لهم‌ كلام‌ ومحاورة‌ مع‌ أصحاب‌ اليمين‌، حيث‌ يسألهم‌ الاخيرون‌ عمّا أدخلهم‌ النار، فيجيبون‌ بأنّ صفاتهم‌ سلكت‌ بهم‌ سبيل‌ الحجيم‌. وأحبطت‌ شفاعة‌ الشافعين‌ في‌ حقّهم‌.

 ويتضمّن‌ مفاد هذا الحوار أنّ أصحاب‌ اليمين‌ ( الذين‌ لم‌ يدخلوا النار ) قد جُنّبوا النار لعدم‌ اتّصافهم‌ بتلك‌ الصفات‌ التي‌ تحول‌ دون‌ تحقّق‌ الشفاعة‌ في‌ حامليها.

 وباعتبار أنّ الله‌ تعالی‌ قد حرّر نفوس‌ أصحاب‌ اليمين‌ من‌ رهن‌ الذنوب‌ والمعاصي‌، وجنبّهم‌ من‌ أن‌ يكونوا في‌ عداد المجرمين‌ الذين‌ حرموا من‌ الشفاعة‌ ممّن‌ استقرّ بهم‌ المطاف‌ في‌ نار جهنّم‌، فيتّضح‌ أنّ تحرّر أصحاب‌ اليمين‌ من‌ ارتهان‌ الذنوب‌ وخلاصهم‌ من‌ أسرها قد حصل‌ بواسطة‌ الشفاعة‌، فيتسنتج‌ من‌ ذلك‌ أنّ أصحاب‌ اليمين‌ هم‌ الذين‌ تحقّقت‌ الشفاعة‌ في‌ حقّهم‌.

 ونحصل‌ من‌ خلال‌ هذه‌ الآيات‌ بالدلالة‌ الالتزاميّة‌ ـبمقابلة‌ المجرمين‌ الذين‌ حُرموا من‌ الشفاعة‌ بسبب‌ صفاتهم‌ـ علی صفات‌ أصحاب‌ اليمين‌ الاربع‌.

 وبيان‌ ذلك‌، أنّ هذه‌ الآيات‌ قد وردت‌ في‌ سورة‌ المدّثّر، ويستفاد من‌ مضمون‌ آيات‌ السورة‌ أ نّها نزلت‌ في‌ مكّة‌ أوائل‌ بعثة‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌، وقبل‌ أن‌ يستقرّ تشريع‌ الصلاة‌ والزكاة‌ علی هذه‌ الكيفيّة‌ التي‌ نعهدها اليوم‌. فكان‌ المراد بالصلاة‌ الواردة‌ في‌ هذه‌ الآيات‌ في‌ قول‌ المجرمين‌ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصلِّينَ هو مطلق‌ التوجّه‌ إلی الله‌ تعالی‌، والخضوع‌ والخشوع‌ في‌ مقام‌ العبوديّة‌ أمام‌ ساحته‌ المقدّسة‌ جلّ وعزّ؛ والمراد بإطعام‌ المسكين‌ هو مطلق‌ الإنفاق‌ علی الفقراء والمساكين‌ في‌ سبيل‌ الله‌ تعالی‌. كما كان‌ المراد من‌ الخوض‌ والانغمار في‌ الاُمور الدنيويّة‌ هو خوض‌ ملاهي‌ الدنيا وزخارفها والانشغال‌ بزينتها التي‌ تصرف‌ الإنسان‌ عن‌ الآخرة‌ وتلهيه‌ عن‌ التفكير بيوم‌ الجزاء. أو أنّ المراد بالخوض‌ هو التشدّد في‌ الطعن‌ في‌ آيات‌ الله‌ تعالی‌، تلك‌ الآيات‌ التي‌ يؤدّي‌ الالتفات‌ إليها إلی تذكير الإنسان‌ بيوم‌ الجزاء، وإلي‌ تحريك‌ الناس‌ من‌ خلال‌ البشارة‌ والإنذار، والوعد والوعيد.

 ومن‌ الجليّ أنّ المراد من‌ بالتكذيب‌ بيوم‌ الدين‌ هو عدم‌ الإقرار والاعتراف‌ بالمعاد وعودة‌ الإنسان‌ إلی مكان‌ الخلود الابديّ والوقوف‌ في‌ موقف‌ القيامة‌.

 ومن‌ الواضح‌ أنّ الاتّصاف‌ بهذه‌ الصفات‌ الاربع‌، وهي‌ ترك‌ الصلاة‌ وترك‌ الإنفاق‌ في‌ سبيل‌ الله‌، والانغمار في‌ الملاهي‌ والمناهي‌، أو التمادي‌ في‌ الطعن‌ والتكذيب‌ بآيات‌ الله‌ عزّ وجلّ، والتكذيب‌ بيوم‌ الحساب‌ والجزاء. ممّا يهدم‌ أركان‌ الدين‌ ويقوّض‌ أُسسه‌.

 أمّا التحلّي‌ بما يقابلها من‌ صفات‌، أي‌ بإقامة‌ الصلاة‌ للّه‌ تعالی‌، والإنفاق‌ في‌ سبيله‌، والاقتداء بأولياء الدين‌ في‌ الإعراض‌ عن‌ الاُمور الاعتباريّة‌ وفي‌ توجيه‌ اهتمامهم‌ إلی يوم‌ لقاء الله‌ تعالی‌، فهي‌ أُمور تقوم‌ عليها أُصول‌ الدين‌ وترتكز عليها أُسسه‌، لانّ الدين‌ هو عبارة‌ عن‌ الاقتداء بالهداة‌ إلی طريق‌ الله‌ الذين‌ يصرفون‌ الإنسان‌ عن‌ فكرة‌ خلود الحياة‌ الدنيويّة‌، ويلفتون‌ نظره‌ إلی عالم‌ الآخرة‌ ويهدونه‌ إلی لقاء الحقّ المعبود وزيارة‌ المعبود بالحقّ. وهاتان‌ الجهتان‌ تمثّلان‌ الصفتين‌ اللتين‌ وردتا في‌ الآية‌ الكريمة‌ وهما صفتا ترك‌ الخوض‌ في‌ الاُمور الدنيويّة‌ والتصديق‌ بيوم‌ القيامة‌؛ وهما ـفي‌ النتيجة‌ـ صفتان‌ تبعثان‌ علی الالتفات‌ التامّ إلی الله‌ المتعال‌ من‌ مقام‌ عبوديّته‌، والسعي‌ في‌ قضاء حوائج‌ الناس‌ الذين‌ يمثّلون‌ مخلوقات‌ الله‌ المرتبطة‌ به‌؛ ويتجسّدان‌ في‌ إقامة‌ الصلاة‌، والانفاق‌ في‌ سبيل‌ الله‌ عزّ وجلّ.

 الرجوع الي الفهرس

اختصاص‌ الشفاعة‌ بالمؤمن‌ المذنب‌

 ومن‌ هنا فإنّ قوام‌ الدين‌ وأساسه‌ في‌ جهتي‌ العلم‌ والعمل‌، والعقيدة‌ والسلوك‌، مرتبطان‌ بهذه‌ الجهات‌ الاربع‌؛ كما أنّ هذه‌ الجهات‌ تستلزم‌ بقيّة‌ أركان‌ الدين‌، كالتوحيد والنبوّة‌.

 ولذا، فأصحاب‌ اليمين‌ المنزّهين‌ في‌ دينهم‌ وعقيدتهم‌ هم‌ الذين‌ سيحظون‌ بالشفاعة‌ يوم‌ القيامة‌. ولو تحلّي‌ أصحاب‌ اليمين‌ ـمضافاً إلی عقيدتهم‌ـ بأعمال‌ صالحة‌ وسيرة‌ حسنة‌ حميدة‌، لاستغنوا يوم‌ القيامة‌ عن‌ شفاعة‌ الشافعين‌؛ أمّا لو لم‌ تكن‌ أعمالهم‌ مرضيّة‌ من‌ قِبل‌ الحقّ تعالی‌، فسيفتقرون‌ لتلك‌ الشفاعة‌، لا نّها مختصّة‌ بالمذنبين‌ من‌ أصحاب‌ اليمين‌.

 ونتسأءل‌: أيّ صنف‌ من‌ المذنبين‌ ستناله‌ الشفاعة‌؟ الإجابة‌: أ نّهم‌ من‌ أصحاب‌ الكبائر، لا من‌ أصحاب‌ الصغائر، لانّ من‌ يجتنب‌ الكبائر فإنّ ذنوبه‌ الصغيرة‌ ستُكَفَّر وتُغفَر تلقائيّاً، فلا يعود بحاجة‌ إلی الشفاعة‌.

 إِن‌ تَجْتَنِبُوا كَبَآنءِرَ مَا تَنْهْونَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيّـَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم‌ مُّدْخَلاً كَرِيمًا. [44]

 وكما قلنا، فإنّ أصحاب‌ الذنوب‌ غير المغفورة‌ الذين‌ يحتاجون‌ الشفاعة‌ في‌ يوم‌ القيامة‌ هم‌ أصحاب‌ الكبائر، لا نّهم‌ لو كانوا من‌ أصحاب‌ الصغائر، لكان‌ اجتنابهم‌ الكبائر موجباً لغفران‌ تلك‌ الصغائر ومحوها.

 تَرْكُ الكَبِيَرةِ مُكَفِّرٌ لِلصَّغِيرَةِ. ومن‌ هنا يتبيّن‌ جليّاً أنّ الشفاعة‌ مختصّة‌ بمرتكبي‌ الكبائر من‌ أصحاب‌ اليمين‌؛ وقد نقلت‌ أحاديث‌ الفريقين‌ (الشيعة‌ والعامّة‌ ) عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌، أ نّه‌ قال‌:

 إنَّمَا شَفَاعَتِي‌ لاِهْلِ الكَبَائِرِ مِن‌ أُمَّتِي‌، فَأَمَّا المُحْسِنُونَ فَمَا عَلَيْهِم‌ مِن‌ سَبِيلٍ.

 وقد نقل‌ أُستاذنا العلاّمة‌ الطباطبائيّ مُدّ ظلّه‌ العالي‌ عن‌ تفسير « الدرّ المنثور » قوله‌: أخرج‌ الحاكم‌ وصحّحه‌، والبيهقي‌ّ في‌ « البعث‌ » عن‌ جابر، أنّ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ تلا قول‌ الله‌: «وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَي‌'»، فَقَالَ: إنَّ شَفَاعَتِي‌ لاِهْلِ الكَبَائِرِ مِن‌ أُمَّتِي‌. [45]

 وبطبيعة‌ الحال‌ فإنّ المراد بالمحسنين‌ هم‌ مجتنبو الكبائر لامجتنبو الصغائر، وهذا الاستنتاج‌ ناشي‌ من‌ تقابل‌ المحسنين‌ مع‌ أهل‌ الكبائر في‌ كلام‌ الرسول‌ الاكرم‌.

 ومن‌ جهة‌ أُخري‌، وكما سلف‌ البيان‌ في‌ بحث‌ صحيفة‌ الاعمال‌، فإنّ المراد بأصحاب‌ اليمين‌ ـ وهم‌ أصحاب‌ الميمنة‌ في‌ قبال‌ أصحاب‌ الشمال‌ وأصحاب‌ المشأمة‌ـ هم‌ الذين‌ تصلهم‌ صحائف‌ أعمالهم‌ من‌ جهة‌ اليمين‌، كناية‌ عن‌ جانب‌ السعادة‌ وإمام‌ الحقّ؛ ولا يعني‌ أنّ أصحاب‌ اليمين‌ يُعطون‌ صحائفهم‌ في‌ أيمانهم‌، إذ يقول‌ تعالی‌: أُوتِيَ كِتَـ'بَهُ و بِيَمِينِهِ، ولايقول‌: أُوتي‌ كتابه‌ في‌ يمينه‌، أو إلی يمينه‌. والباء هنا للسببيّة‌، أي‌ أنّ صحيفة‌ العمل‌ تصل‌ إلی أصحاب‌ اليمين‌ بسبب‌ اليمين‌؛ والمراد به‌ إمام‌ الحقّ، كما ورد في‌ القرآن‌ الكريم‌:

 يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمـ'مِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَـ'بَهُ و بِيَمِينِهِ فَأُولَـ'ئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَـ'بَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً. [46]

 وتفيد الآية‌ بوضوح‌ أنّ المراد باليمين‌ هو الإمام‌ بالحقّ، نظراً لتفريع‌ فَمَن‌ أُوتِيَ كِتَـ'بَهُ و بِيَمِينِهِ علی جملة‌ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَـ'مِهِمْ؛ فيكون‌ أصحاب‌ اليمين‌ هم‌ أتباع‌ إمام‌ الحقّ، وهذه‌ المسألة‌ هي‌ ذات‌ مسألة‌ الولاية‌ الواردة‌ في‌ الاخبار المتضافرة‌.

 أمّا تسمية‌ أصحاب‌ اليمين‌ بهذا الاسم‌، فراجع‌ إلی ارتضائهم‌ في‌ الدين‌، وهو عائد إلی تواجد الصفات‌ الاربع‌ المذكورة‌ فيهم‌.

 الشفاعة‌ مختصّة‌ بأصحاب‌ اليمين‌ من‌ المبتلين‌ بالذنوب‌ الكبيرة‌

 وعليه‌، فالشفاعة‌ مختصّة‌ بمرتكبي‌ الكبائر من‌ أهل‌ الولاية‌ وأتباع‌ الإمام‌ بالحقّ. ويمكننا الاستدلال‌ علی صفات‌ وخصائص‌ المشمولين‌ بالشفاعة‌ في‌ يوم‌ القيامة‌ بموردين‌ قرآنيّين‌ آخرين‌:

 المورد الاوّل‌، آية‌: وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَي‌'. [47]

 حيث‌ جاء الارتضاء ـ كما هو ملاحظ ‌ـ بصيغة‌ الإطلاق‌ دون‌ تقييد بسلوك‌ معيّن‌. أي‌ أن‌ يكون‌ المشمول‌ بالشفاعة‌ وعقيدته‌ ودينه‌ مورداً للارتضاء من‌ قبل‌ الحقّ تعالی‌، ولو كانت‌ سيرته‌ غير مرضيّة‌.

 خلافاً للآية‌ الكريمة‌ الواردة‌ في‌ الشافعين‌: يَؤْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشَّفَـ'عَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـ'نُ وَرَضِيَ لَهُ و قَوْلاً، [48] التي‌ نشاهد أ نّها قد قَيَّدتْ ارتضاء الشافع‌ ـ مضافاً إلی إذن‌ الله‌ تعالی‌ـ بارتضاء قوله‌ من‌ قِبل‌ الله‌ تعالی‌.

 أمّا في‌ الآية‌ مورد البحث‌ التي‌ تتحدّث‌ عن‌ المشمولين‌ بالشفاعة‌، فليس‌ فيها قيد أو شرط‌ من‌ ذلك‌. وندرك‌ من‌ خلال‌ ذلك‌ أنّ السلامة‌ في‌ القول‌ والسلوك‌ غير مشترطة‌ في‌ المشمولين‌ بالشفاعة‌؛ إذ لو كانوا صادقين‌ في‌ القول‌ والعمل‌، وكانت‌ أفعالهم‌ مرضيّة‌ حميدة‌ شأنها في‌ ذلك‌ شأن‌ دينهم‌ وعقيدتهم‌، لما كان‌ هناك‌ حاجة‌ لشفاعتهم‌، لا نّهم‌ سيدخلون‌ الجنّة‌ حينئذٍ بلاشفاعة‌؛ ويشهد علی ذلك‌ قوله‌ تعالی‌: وَلاَ يَرْضَي‌' لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن‌ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ و لَكُمْ؛ [49] حيث‌ نلاحظ‌ في‌ هذا المجال‌ أيضاً أنّ الشكر ( الذي‌ هو الإيمان‌ بقرينة‌ مقابلته‌ للكفر ) قد وقع‌ مورداً للارتضاء دون‌ العمل‌ والسلوك‌.

 ولدينا ـ من‌ جهة‌ أُخري‌ ـ قوله‌ تعالی‌: فَإِنَّ اللَهَ لاَ يَرْضَي‌' عَنِ الْقَوْمِ الْفَـ'سِقِينَ؛ [50] حيث‌ إنّ هذا الفسق‌، إن‌ كان‌ فسقاً في‌ الدين‌ والعقيدة‌، أي‌ التنكّب‌ عن‌ العقيدة‌ المنزّهة‌ والانحراف‌ عن‌ الدين‌ الحقّ، فإنّه‌ لاينافي‌ بحثنا هذا، لانّ الفسّاق‌ في‌ العقيدة‌ والمذهب‌ غير مشمولين‌ بالشفاعة‌.

 أمّا لو كان‌ المراد بهذا الفسق‌ هو الفسق‌ العلميّ، أي‌ ارتكاب‌ الذنوب‌ والكبائر، فإنّه‌ سيتبدّل‌ من‌ خلال‌ الشفاعة‌ إلی حسنات‌، وسينتفي‌ ذلك‌ الفسق‌ ويتلاشي‌، لانّ من‌ ثمرات‌ الشفاعة‌ تبديلها السيّئات‌ حسناتٍ، وهو أمر يرتضيه‌ الحقّ تعالی‌.

 فتكون‌ النتيجة‌ أنّ الشفاعة‌ إنّما تتحقّق‌ فيمن‌ يُرتضي‌ دينه‌ وعقيدته‌ لكن‌ سلوكه‌ غير مرضيّ؛ وهو قولنا بأنّ المراد بالمشمولين‌ بالشفاعة‌ هم‌ مرتكبو الكبائر من‌ أصحاب‌ اليمين‌.

 المورد الثاني‌: بضمّ مجموعة‌ من‌ الآيات‌ إلی بعضها وصولاً إلی هذه‌ الحقيقة‌.

 فقد جاء في‌ القرآن‌ الكريم‌:

 يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إلی الرَّحْمَـ'نِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَي‌' جَهَنَّمَ وِرْدًا * لاَّ يَمْلِكُونَ الشَّفَـ'عَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحَمَـ'نِ عَهْدًا. [51]

 فالشفاعة‌ هنا ـ باعتبار وقوعها مصدراً مبنيّاً للمفعول‌ـ هي‌ الشفاعة‌ للمجرمين‌ لاشفاعة‌ المجرمين‌ لغيرهم‌، فينتج‌ من‌ ذلك‌ أنّ مستحقّ الشفاعة‌ من‌ المجرمين‌ هو من‌ اتّخذ عند الرحمن‌ عهداً. إذ ليس‌ كلّ مجرم‌ كافراً. فلايمكن‌ الجزم‌ بدخول‌ كلّ مجرم‌ في‌ النار، بدليل‌ الآية‌ القرآنيّة‌ الاُخري‌:

 إِنَّهُ مَن‌ يَأْتِ رَبَّهُ و مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ و جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَي‌' * وَمَن‌ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّـ'لِحَـ'تِ فَأُولَـ'ئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَـ'تُ الْعُلَي‌'. [52]

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ «بحار الانوار» الطبعة‌ الحروفية‌، ج‌ 8، ص‌ 59، عن‌ دعوات‌ الراونديّ.

[2] ـ «المحاسن‌» للبرقيّ، ج‌ 1، ص‌ 183.

[3] ـ «بحار الانوار» ج‌ 8، ص‌ 41.

[4] ـ «المحاسن‌» للبرقيّ، ج‌ 1، ص‌ 183.

[5] ـ «تفسير العيّاشيّ» ج‌ 1، ص‌ 136.

[6] ـ مقطع‌ من‌ الآية‌ 2، من‌ السورة‌ 10: يونس‌.

[7] ـ صدر الآية‌ 33، من‌ السورة‌ 39: الزمر.

[8] ـ مقطع‌ من‌ الآية‌ 19، من‌ السورة‌ 57: الحديد.

[9] ـ «بحار الانوار» ج‌ 8، ص‌ 43؛ و«المناقب‌» ج‌ 1، ص‌ 352، باب‌ أ نّه‌ الساقي‌ والشفيع‌، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[10] ـ «مناقب‌ ابن‌ شهرآشوب‌» ج‌ 1، ص‌ 352، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[11] ـ «مناقب‌ ابن‌ شهرآشوب‌» ج‌ 1، ص‌ 352، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[12] ـ «المناقب‌» ج‌ 1، ص‌ 354، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[13] ـ الآية‌ 26، من‌ السورة‌ 53: النجم‌.

[14] ـ الآيتان‌ 109 و 110، من‌ السورة‌ 20: طه‌.

[15] ـ الآية‌ 86، من‌ السورة‌ 43: الزخرف‌.

[16] ـ الآية‌ 19، من‌ السورة‌ 57: الحديد.

[17] ـ الآيات‌ 99 إلی 102، من‌ السورة‌ 26: الشعراء.

[18] ـ «روضة‌ الكافي‌» ص‌ 101.

[19] ـ «الخصال‌» باب‌ الثلاثة‌، ص‌ 156، طبعة‌ حيدري‌.

[20] ـ «الخصال‌» ص‌ 614 و 624.

[21] ـ «علل‌ الشرايع‌» ص‌ 94، باب‌ العلّة‌ التي‌ من‌ أجلها يغتمّ الاءنسان‌ ويحزن‌ من‌ غيرسبب‌، ويفرح‌ ويسرّ من‌ غير سبب‌.

[22] ـ «بحار الانوار» ج‌ 8، ص‌ 41؛ و«ثواب‌ الاعمال‌ وعقاب‌ الاعمال‌» ص‌ 203، طبعة‌ مصطفوي‌.

[23] ـ «بحار الانوار» في‌ طبعة‌ الكمبانيّ: ج‌ 3، ص‌ 301، وفي‌ الطبعة‌ الحروفيّة‌: ج‌ 8، ص‌ 42: أمّا في‌ «المحاسن‌» المطبوع‌: ج‌ 1، ص‌ 185، فقد ورد بلفظ‌ «ولا تستطعمه‌» بدلاً من‌ «ولاتستعطه‌».

[24] ـ «بحار الانوار» ج‌ 8، ص‌ 55، الطبعة‌ الحروفيّة‌.

[25] ـ «بحار الانوار» ج‌ 8، ص‌ 55، الطبعة‌ الحروفيّة‌.

[26] ـ «بحار الانوار» ج‌ 8، ص‌ 59، الطبعة‌ الحروفيّة‌.

[27] ـ «بحار الانوار» ج‌ 8، ص‌ 59، الطبعة‌ الحروفيّة‌.

[28] ـ «بحار الانوار» ج‌ 8، ص‌ 58، عن‌ عقائد الصدوق‌ ص‌ 85. وقد ورد في‌ بعض‌ نسخ‌العقائد بلفظ‌ «للمذنبين‌ من‌ أهل‌ التوحيد» بدلاً من‌ «للمؤمنين‌ من‌ أهل‌ التوحيد».

[29] ـ الآية‌ 28، من‌ السورة‌ 45: الجاثية‌.

[30] ـ «مناقب‌ ابن‌ شهرآشوب‌» ج‌ 1، ص‌ 352، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[31] ـ الآية‌ 48، من‌ السورة‌ 74: المدّثّر.

[32] ـ «مجمع‌ البيان‌» ج‌ 5، ص‌ 392، طبعة‌ صيدا.

[33] ـ «بحار الانوار» ج‌ 8، ص‌ 56، عن‌ «الاختصاص‌».

[34] ـ «بحار الانوار» ج‌ 8، ص‌ 61، عن‌ «تفسير العيّاشيّ».

[35] ـ «بحار الانوار» ج‌ 8، ص‌ 43، عن‌ «تفسير العيّاشيّ».

[36] ـ الآية‌ 89، من‌ السورة‌ 16: النحل‌.

[37] ـ الآيتان‌ 41 و 42، من‌ السورة‌ 44: الدخان‌.

[38] ـ الآيتان‌ 72 و 73، من‌ السورة‌ 33: الاحزاب‌.

[39] ـ الآيات‌ 30 إلی 35، من‌ السورة‌ 69: الحاقّة‌.

[40] ـ الآية‌ 70، من‌ السورة‌ 25: الفرقان‌.

[41] ـ «كليّات‌ سعدي‌» ص‌ 79، طبعة‌ فروغي‌، «بوستان‌».

 يقول‌: «صادف‌ أحد الاشخاص‌ كلباً في‌ الصحراء قد أودي‌ به‌ العطش‌ فلم‌ يُبقِ له‌ رمقاً.

 فخلع‌ ذلك‌ الرجل‌ ذو السيرة‌ الحسنة‌ قبّعته‌ واتّخذ منها دلواً، ثمّ انتزع‌ منديله‌ فاتّخذه‌ حبلاً ربط‌ به‌ الدلو.

 ثمّ شمّر عن‌ أكمامه‌ وحسر عن‌ ذراعيه‌، فنزع‌ من‌ البئر شيئاً من‌ الماء سقي‌ به‌ الكلب‌ العاجز.

 فأخبر النبي‌ّ عن‌ حال‌ ذلك‌ الرجل‌، بأنّ الله‌ قد قضي‌ بغفران‌ ذنوبه‌.

 فأحِسنْ إلی الخلق‌ يا سعيد الحظّ، كي‌ لا يشدّد الله‌ في‌ حسابك‌ غداً.

 ومادامت‌ لك‌ الوجاهة‌ والهيمنة‌، فلا تظلمن‌ درويشاً من‌ العوام‌ لضعفه‌ وبؤسه‌.

 وأصحاب‌ النظر البعيد يسـتمعون‌ إلی النصـح‌، ولا يبـذرون‌ في‌ أي‌ّ قلب‌ بذور ï ïالضغينة‌».

 ويُعدّ الشيخ‌ المصلح‌ الدين‌ سعديّ الشيرازيّ من‌ الاُدباء والشعراء النوادر، وهو أُستاذ في‌ البلاغة‌ والفصاحة‌، وفي‌ بيان‌ المعاني‌ العميقة‌ في‌ أقصر عبارة‌.

 والشيخ‌ رجل‌ عميق‌ الفكرة‌، خبير و عالم‌ اجتماعيّ؛ أمّا قولهم‌ فيه‌ بأ نّه‌ خبير في‌ علم‌ الحكمة‌ والفلسفة‌ والعرفان‌، فهو قول‌ يفتقر إلی الدليل‌، إذ لا تفوح‌ من‌ أشعاره‌ رائحة‌ للعرفان‌. نعم‌، هو ماهر وخبير في‌ تصنّع‌ العرفان‌. ومن‌ أكبر أخطائه‌ أ نّه‌ صبّ مضامين‌ الاخبار والروايات‌ الواردة‌ عن‌ النبي‌ّ الاكرم‌ والائمّة‌ المعصومين‌ سلام‌ الله‌ عليهم‌ أجمعين‌ في‌ قوالب‌ أشعاره‌ الجميلة‌، ولم‌ يُشِرْ ـو لو بأدني‌ إشارة‌ـ إلی أنّ تلك‌ اللطائف‌ والدقائق‌ من‌ أهل‌ بيت‌ الوحي‌.

[42] ـ الآية‌ 28، من‌ السورة‌ 21: الانبياء.

[43] ـ الآيات‌ 38 إلی 48، من‌ السورة‌ 72: المدّثّر.

[44] ـ الآية‌ 31، من‌ السورة‌ 4: النساء.

[45] ـ «الميزان‌ في‌ تفسير القرآن‌» ج‌ 14، ص‌ 308.

[46] ـ الآية‌ 71، من‌ السورة‌ 17: الاءسراء.

[47] ـ الآية‌ 28، من‌ السورة‌ 21: الانبياء.

[48] ـ الآية‌ 109، من‌ السورة‌ 20: طه‌.

[49] ـ الآية‌ 7، من‌ السورة‌ 39: الزمر.

[50] ـ الآية‌ 96، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[51] ـ الآيات‌ 85 إلی 87، من‌ السورة‌ 19: مريم‌.

[52] ـ الآيتان‌ 74 و 75، من‌ السورة‌ 20: طه‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com