|
|
الصفحة السابقة
بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد للَّه ربّ العالمين ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم وصلَّي الله علی محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله علی أعدائهم أجمعين من الآن إلی قيام يوم الدين
قال الله الحكيم في كتابه الكريم: وَالضُّحَي' * وَالَّيْلِ إِذَا سَجَي' * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَی' * وَلَلاْخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الاْولَي' * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَی'. [1] يقول مؤلّف « تفسير بيان السعادة »: ومعني هذه الآية أنّ الله تعالی سرعان ما سيعطيك في الدنيا حتّي يحصل لك مقام الرضا، أو حتّي ترضي. ولهذه الجهة فقد فُسِّر المُعطي بمقام الشفاعة الكبري وقد جاء في الرواية أنّ هذه الآية هي أرجي آية في القرآن الكريم. وجاء عن الإمام الصادق عليه السلام أ نّه قال: رِضَا جَدِّي صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أَنْ لاَ يَبْقَي فِي النَّارِ مُوَحِّدٌ. [2] وهذه هي نفس رسول الله في سعتها وإحاطتها وشموليّتها بحيث تجعل جميع الانبياء والصدّيقين والشهداء والصالحين من جميع الاُمم يفتقرون إلی إفاضة النور من تلك النفس المقدّسة، وتجعلهم ينتفعون به ويقفون أمامه حامدين، وتجعله حائزاً للمقام المحمود. ماه فرو ماند از جمال محمّد سرو نباشد به اعتدال محمّد قدرِ فلك را كمال ومنزلتي نيست در نظر قدر با كمال محمّد وعدة ديدار هر كسي به قيامت ليلة أسْرَي شبِ وصال محمّد آدم ونوح وخليل وموسي وعيسي آمده مجموع در ظِلال محمّد عرصة گيتي مَجال همّت او نيست روز قيامت، نگَر مَجال محمّد و آنهمه پيرايه بسته جنّتِ فردوس بو كه قبولش كند بَلال محمّد همچو زمين خواهد آسمانكه بيفتد تا بدهد بوسه بر نعال محمّد شمس وقمر در زمين حشر نتابد نور نتابد، مگر جمال محمّد شايد اگر آفتاب وماه نتابند پيش دو ابروي چون هلال محمّد چشم مرا تا به خواب ديد جمالش خواب نميگيرد از خيال محمّد سعدي اگر عاشقي كني وجواني عشق محمّد بس است وآل محمّد [3] وقد أوردنا سابقاً عن « تفسير فرات بن إبراهيم » عن بشربن شريح البصريّ، قال: قلتُ لمحمّد بن عليّ ( الباقر ) عليه السلام: أَيَّةُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَهِ أَرْجَي؟ قال: ما يقول فيها قومك؟ قال، قلتُ: يقولون: يَـ'عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَي'´ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَهِ. [4] قال: لَكِنَّا أَهْلَ البَيْتِ لاَ نَقُولُ ذَلِكَ. قال: قلتُ: فَأيّ شَيء تقولون فيها؟ قال، نَقُولُ: «وَلَسُوفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي'». [5] الشَّفَاعَةُ، وَاللَهِ الشَّفَاعَةُ، وَاللَهِ الشَّفَاعَةُ! [6] تجلّي رسول الله ومقاماته في القيامةوينبغي أن نري الآن السبب الذي صارت به آية: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي' ـ وليس آية: يَـ'عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَي'´ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَهِ ـ أرجي آية في القرآن، وأن نري السبب في كون النهي عن القنوط واليأس من رحمة الله نهياً عن القنوط من رحمة الله التكوينيّة بشهادة مورد الآيات وموضوع بيانها، كما في الآية: وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الّضّآلُّونَ؛ [7] والآية: إِنَّه و لاَ يَايْـَسُ مِن رُّوْحِ اللَهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَـ'فِرُونَ. [8] أمّا في الآيات مورد البحث: قُلْ يَـ'عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَي'´ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَهِ إِنَّ اللَهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ و هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُو´ا إِلَي' رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ * وَاتَّبِعُو´ا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَبِّكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ، [9] فقد ورد النهي عن القنوطاليأس من الرحمة التشريعيّة. والمراد من النهي هو النهي عن القنوط من غفران الله وشمول رحمته للذنوب والمعاصي التي ارتكبها العباد، بقرينة جملة « أسْرَفُوا علی أنفُسِهِم » الظاهرة في أنّ القنوط واليأس مسبّبان عن المعصية. فَلِمَ لَمْ تُعدّ هذه الآية أرجي آية وأدعاها لترعرع براعم الامل في أعماق قلوب العاصين، مع أنّ مغفرة الله سبحانه وتعالی قد شملت جميع العاصين بلا استثناء؟ السرّ في ذلك هو أنّ النهي عن القنوط الوارد في هذه الآية قد جاء بعد وعد الله تعالی بغفرانه جميع الذنوب الذي أعقبه الامر بالإنابة والإسلام واتّباع العمل الصالح. ومن هنا فالآية تدلّ علی أنّ من غير اللائق بالعبد المذنب الذي أسرف علی نفسه أن يقنط من رحمة الله تعالی ما دامت التوبة والإنابة والإسلام والعمل الصالح في متناول يده. فهذه الرحمة الإلهيّة ـ إذاً ـ ليست رحمة مطلقة، بل هي رحمة مقيّدة قد أمر الله سبحانه عباده بالتمسّك بها وبإعداد الارضيّة المناسبة لنيلهم المغفرة من خلال التوبة والإسلام والعمل الصالح. تفسير آية: «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي'»أمّا في آية إعطاء الله تعالی نبيّه حتّي يرضي، فإن هذا الرضا يمثّل الرحمة المطلقة العامّة التي منّ بها الله تعالی دون قيد أو شرط علی نبيّه الكريم الذي بعثه رحمة للعالمين. وهو وعد قد بعث السرور والبهجة في نفس رسول الله وأقرّ عينيه وطيّب خاطره. وبيان ذلك أنّ هذه الآية وردت في مقام الامتنان، إذ إنّ الوعد الذي قُطع لرسول الله صلّي الله عليه وآله لم يُقطع نظير له لايّ مخلوق سواه. ونلحظ في هذا المجال أنّ عطاء الله تعالی كان مطلقاً، وكان رضا رسولالله مطلقاً أيضاً. أمّا بلحاظ الإعطاء، فقد منّ الله تعالی بنظيره علی بعض عباده في الجنّة من خلال قوله تعالی: لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ؛ [10] وقوله: لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ. [11] وتبيّن الآية الاخيرة أنّ ما خلق الله تعالی لاصحاب الجنة يفوق مشيئتهم، إذ إنّ مشيئة الإنسان تتعلّق بما يخطر علی قلبه من أُمور الخير والسعادة. كما ويستفاد من الآية أنّ في الجنّة أموراً لم تخطر علی قلب بشر، وأشياءً أعلي ذروةً من أن تنالها خطرات فكر الإنسان وهواجسه: فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ. [12] وإذا تقرّر أن يمنّ الله علی المؤمنين من أصحاب العمل الصالح بهذه الاُمور التي تفوق الحدّ والتقدير، فلا ريب أنّ ما سيمنحه لرسوله الكريم في مقام الامتنان سيكون أسمي وأعظم وأوسع من ذلك، وهذا هو شأن عطاء الحقّ جلّ وعزّ. أمّا شأن رضا رسول الله صلّي الله عليه وآله، فنحن نعلم بأ نّه ليس رضا بأمر الله ومقدّراته وبما قسمه الله له، لانّ مثل هذا الرضا القائم علی أساس مالكيّة الحقّ وغناه المطلق هو ممّا لابدّ للعبد الخاضع للحقّ أن يتحلّي به، لانّ العبد لا يملك أمام ذلك الغني إلاّ الفقر والفاقة، فينبغي علی النبيّ إذاً أن يرضي بما يعطيه ربّه، سواءً قلّ ذلك العطاء أم كثر؛ وعليه أن يرضي بما قدّر له الله تعالی، سواءً أوجب ذلك سروره أم حزنه. بل إنّ الرضا المذكور، باعتبار وقوعه مقابل عطاء الحقّ تعالی، يفيد معني آخر نظير رضا الفقير بما يزيل فقره، ورضا الجائع بما يسدّ جوعه، وذلك هو الرضا بعطاء الحقّ تعالی دونما تحديد. استنباط الشفاعة الكبري من سورة البيّنةوقد وعد الله تعالی طائفة من عباده بعطاء يماثل هذا العطاء، كما جاء في قوله تعالی: إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـ'لِحَـ'تِ أُولَـ'ئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّـ'تُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاْنْهَـ'رُ خَـ'لِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَهُ عَنهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَ ' لِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ. [13] وإذا كان الجزاء في حقّ المؤمنين علی هذا النحو، وكان رضاهم به رضاً بلاقيد ولا شرط، فما ظنّك بما يتعلّق برسول الله صلّي الله عليه وآله، مع لحاظ أن آية فَتَرْضَي' قد وردت في مقام الامتنان والاختصاص! من المحتّم أن يكون الامر أعلي مقاماً ممّا ورد في شأن المؤمنين، وأوسع وأعظم. ونعلم من جهة أُخري أنّ الله سبحانه وصف رسوله الكريم فقال: بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ. [14] فصادق بكلامه علی مراتب رحمة النبيّ، وشهد برأفته بالمؤمنين. فكيف ـ والحال هذه ـ سيرضي رسول الله صلّي الله عليه وآله ويطيّب خاطره بالتنعّم في نعيم الجنّة، والانشغال بالتنزّه في جِنانها مسروراً محبوراً، وكيف يتلذّذ بأنواع لذائذ الجنان السرمديّة؛ بينما ترزح طائفة من المؤمنين مغلولة في دركات السعير، ممتحنةً في طبقات جهنّم، مع اعتراف أُولئك المؤمنين بربوبيّة الحقّ تعالی، وإقرارهم برسالة نبيّه المصطفي وبما جاء به من عند ربّه، بسبب ذنوب قد ارتكبوها عند غلبة الجهل عليهم وبسبب اتّباعهم النفس الامّارة وسقوطهم في حبائل الشيطان، وتدنّسهم في خاتمة المطاف بتلك الذنوب، دون أن يطرأ عليهم عناد ولا استكبار لاجحود ولامبارزة لذات الحقّ القدسيّة! ونجد في أنفسنا بالوجدان أ نّنا حين ننظر إلی الايّام التي سلفتْ من أعمارنا، ونتأمّل في تقصيرنا عن الارتقاء في الكمالات، وننحو باللائمّة علی أنفسنا في هذا التقصير والتفريط، ونوبّخها علی عدم جدّها في السعي، ثمّ نلتفت إلی جهلها آنذاك، وإلي غرور الشباب ونقصان التجارب لديها حينذاك، عندها سيخمد لهيب ما استعر في نفوسنا وما اضطرم فيها من سَوْرة اللوم والتوبيخ، بتأثير الرحمة الناقصة التي أودعها الخالق في وجودها وادّخرها في فطرتنا. فكيف سيكون الامر فيما يتعلّق برحمة الربّ الرحيم الرؤوف في موقفٍ لايكبو بالإنسان إلاّ جهله وضعفه، وفي مقامٍ تتجلّي فيه كرامة رسوله الاكرم ونبيّه المكرّم الذي نعته بالرحمة والرأفة بالمؤمنين، ويأتي فيه المؤمن المبتلي الذي قد أنشب الموت براثنه فيه عند احتضاره بسبب وَبال أفعاله، وشاهد بأُمّ عينيه المحن وتجرّع الغصص حتّي بلغ هذا الموقف الاخير من مواقف يوم القيامة. أفيمكن أن يكون ظهور الرحمة والرضا المطلقينِ من هذا النبيّ المبعوث رحمةً للعالمين شيئاً غير الشفاعة الكبري للمؤمنين؟ روي عليّ بن إبراهيم في تفسيره، بسنده المتّصل عن المفضّلبن عمر، أنّه سمع أبا عبد الله ( الصادق ) عليه السلام يقول في قول الله: وَأَشْرَقَتِ الاْرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا. [15] قال: رَبُّ الاَرْضِ إمَامُ الاَرْضِ. قُلْتُ: فَإذَا خَرَجَ يَكُونَ مَاذَا؟ قَالَ: إذاً يَسْتَغْنِي النَّاسُ عَنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ وَنُورِ القَمَرِ، وَيَجْتَزِؤُونَ بِنُورِ الإمام. [16] الوسيلة هي منبر رسول الله ذو الالف درجةوورد كذلك في « تفسير علی بن إبراهيم » عن أبيه، عن عبداللهبن المغيرة، عن ابن سنان، عن أبي عبدالله ( الصادق ) عليه السلام، قال: كَانَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ يَقُولُ: إذَا سَـأَلْتُمُ اللَهَ فَاسْـأَلُوا لِيَ الوَسِيلَةَ. فسألنا النبيّ صلّي الله عليه وآله عن الوسيلة؛ فقال: هي درجتي في الجنّة، وهي ألف مرقاة جوهر، [17] إلی مرقاة زبرجد، إلی مرقاة لؤلؤة، إلی مرقاة ذهب. فيؤتي بها يوم القيامة حتّي تُنصب مع درجة النبيّين، فهي في درجة النبيّين كالقمر بين الكواكب، فلايبقي يومئذٍ نبيّ ولاشهيد ولا صدّيق إلاّ قال: طوبي لمن كانت هذه درجته! فينادي المنادي، ويسمع النداء جميع النبيّين والصدّيقين والشهداء والمؤمنين: هذه درجة محمّد صلّي الله عليه وآله. فقال رسول الله صلّي الله عليه وآله: فأقبلُ يومئذٍ متّزراً بريطة [18] من نور، علی تاج الملك وإكليل الكرامة، وعليّبن أبيطالب أمامي وبيده لوائي وهو لواء الحمد، مكتوب عليه: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَهِ، المُفْلِحُونَ هُمُ الفَائِزُونَ بِاللَهِ. فإذا مررنا بالنبيّين قالوا: هذان مَلَكان لم نعرفهما ولم نرهما، وإذا مررنا بالملائكة قالوا: هذان نبيّان مرسلان، حتّي أعلو الدرجة وعليّ يتبعني، فإذا صرتُ في أعلي الدرجة منها وعليّ أسفل مني بيده لوائي، فلا يبقي يومئذٍ نبيٌّ ولامؤمن إلاّ رفعوا رؤوسهم إلی يقولون: طوبي لهذين العبدينِ ما أكرمهما علی الله! فينادي المنادي يسمع النبيّون وجميع الخلائق: هذا حبيبي محمّد، وهذا وليّي علی بن أبي طالب؛ طوبي لمن أحبّه، وويلٌ لمن أبغضه وكذب عليه. ثمّ قال رسول الله صلّي الله عليه وآله: يا علی! فلا يبقي يومئذٍ في مشهد القيامة أحد يحبّك إلاّ استروح إلی هذا الكلام وابيضّ وجهه وفرح قلبه؛ ولا يبقي أحد ممّن عاداك ونصب لك حرباً أو جحد لك حقّاً إلاّ اسودّ وجهه واضطربت قدماه. فبينا أنا كذلك إذا ملكان قد أقبلا إليّ، أمّا أحدهما فرضوان خازن الجنّة، وأمّا الآخر فمالك خازن النار، فيدنو رضوان ويسلّم علی ويقول: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَهِ؛ فأردّ عليه وأقول: أيّها الملك الطيّب الريح، الحسن الوجه، الكريم علی ربّه، مَن أنت؟ فيقول: أنا رضوان خازن الجنّة، أمرني ربّي أن آتيك بمفاتيح الجنّة فخُذها يا مُحَمَّدُ! فأقول: قد قبلتُ ذلك من ربّي، فله الحمد علی ما أنعم به عَلَيَّ، ادفعها إلی أخي علی بْنِ أَبِي طَالِب، فيدفعها إلی علی ويرجع رضوان؛ ثمّ يدنو مالك خازن النار فيسلّم ويقول: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا حَبِيبَ اللَهِ؛ فأقول له: وعليك السلام أيّها المَلَك، ما أنكر رؤيتك وأقبح وجهك! مَن أنت؟ فيقول: أنا مالك خازن النار، أمرني ربّي أن آتيك بمفاتيح النار. فأقول: قد قبلتُ ذلك من ربّي، فله الحمد علی ما أنعم به علی وفضّلني به، ادفعها إلی أخي عليّبن أبيطالب! فيدفعها إليه. ثمّ يرجع مالك، فيقبل علی ومعه مفاتيح الجنّة ومقاليد النار حتّي يقعد علی عجزة جهنّم ويأخذ زمامها بيده، وقد علا زفيرها، واشتدّ حرّها، وكثر تطاير شررها، فتنادي جهنّم: يا علی! جُزني، فقد أطفأ نورُك لهبي. فيقول علی لها: ذَري هذا وليّي، وخُذي هذا عدوّي؛ فلجهنّم يومئذٍ أشدّ مطاوعةً لعليّ من غُلام أحدكم لصاحبه؛ فإن شاء يذهب بها يمنة، وإن شاء يذهب بها يسرة؛ ولجهنّم يومئذٍ أشدّ مطاوعةً لعليّ من جميع الخلائق وَذَلِكَ أَنَّ عَلِيَّاً عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَوْمَئِذٍ قَسِيمُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ. [19] ونقل الشيخ الصدوق هذه الرواية في « معاني الاخبار » و « الامالي » عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسي، عن العبّاسبن معروف ( عن عبداللهبن المغيرة ـ « معاني الاخبار ») عن أبيحفص العبديّ، عن أبي هارون العبديّ، عن أبي سعيد الخدريّ، عن رسولالله صلّيالله عليه وآله.[20] كما رواه الصفّار في « بصائر الدرجات » عن أحمدبن محمّد، عن العبّاس بن معروف، عن عبدالله بن المغيرة، عن أبيهارون العبديّ، عن أبي سعيد الخدريّ، عن رسول الله صلّي الله عليه وآله. [21] ويتّضح من روايتَي الصدوق في « معاني الاخبار » و « الامالي » ومن رواية الصفّار في « بصائر الدرجات » عن أبي سعيد الخدريّ، أنّ هذه الرواية قد رويت عن أبي سعيد الخدريّ، عن رسول الله صلّي الله عليه وآله؛ بَيدَ أنّ رواية علی بن إبراهيم التي رواها عن الإمام الصادق عليه السلام تتضمّن جملة « فسألنا النبيّ » وهي راجعة إلی أمير المؤمنين عليه السلام أو إلی أحد الصحابة الذين رووها عن رسول الله. مواقف كلّ واحد من الانبياء والائمّة يوم القيامةوجاء في « تفسير علی بن إبراهيم » في ذيل الآية: فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ،[22] عن أبيه إبراهيم، عن سليمان الديلميّ، عن أبيبصير، عن أبي عبدالله ( الصادق ) عليه السلام، قال: إذا كان يوم القيامة دُعي محمّد فيُكسي حُلّة ورديّة، ثمّ يُقام عن يمين العرش؛ ثمّ يُدعي بإبراهيم فيُكسي حلّة بيضاء فيقام عن يسار العرش؛ ثمّ يُدعي بعليّ أميرالمؤمنين فيُكسي حلّة ورديّة فيُقام عن يمين النبيّ، ثمّ يُدعي بإسماعيل فيُكسي حلّة بيضاء فيقام عند يسار إبراهيم، ثمّ يُدعي بالحسن فيُكسي حلّة وردية فيُقام عن يمين أميرالمؤمنين، ثمّ يُدعي بالحسين فيُكسي حلّة ورديّة فيُقام عن يمين الحسن، ثمّ يُدعي بالائمّة فيُكسون حللاً ورديّة فيقام كلّ واحد عن يمين صاحبه، ثمّ يدعي بالشيعة، فيقومون أمامهم، ثمّ يُدعي بفاطمة عليه السلام ونسائها من ذرّيّتها وشيعتها فيدخلون الجنّة بغير حساب، ثمّ ينادي منادٍ من بطنان العرش من قبل ربّ العزّة والاُفق الاعلي؛ نِعم الاب أبوك يا محمّد وهو إبراهيم، ونِعم الاخ أخوك وهو عليّبن أبي طالب، ونِعم السِّبطان سبطاك وهما الحسن والحسين، ونِعم الجنين جنينُك وهو مُحسن، ونعم الائمّة الراشدون ذرّيّتك وهم فلان وفلان، ونِعم الشيعة شيعتك. أَلاَ إنَّ مُحَمَّداً وَوَصِيَّهُ وَسِبْطَيْهِ وَالاَئِمَّةَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ هُمُ الفَائَزُونَ! ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِمْ إلی الجَنَّةِ؛ وَذَلِكَ قَوْلُهُ: «فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ». [23] لواء الحمد يوم القيامة في يد أمير المؤمنين عليه السلاميقول العيّاشيّ في تفسيره: عن يحيي بن مساور: قلتُ ( للإمام الصادق عليه السلام ): حدّثني في عليّ حديثاً؛ فقال: أشرحه لك أم أجمعه؟ قلتُ: بل اجمعه! فقال: علی بابُ هدي، مَن تقدّمه كان كافراً، ومن تخلّف عنه كان كافراً. قلتُ: زِدني! قال: إذاكان يوم القيامة نُصب منبر عن يمين العرش له أربع وعشرون مرقاة، فيأتي عليّ وبيده اللواء حتّي يركبه ويعرض الخلائق عليه، فمَن عرفه دخل الجنّة، ومَن أنكره دخل النار. قلتُ له: توجدنيه من كتاب الله؟ قال: نعم؛ أما تقرأ هذه الآية، يقول تبارك وتعالی: «فَسَيَري اللَهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُوْمِنُونَ». هُوَ وَاللَهِ علی بْنُ أَبِي طَالِبٍ. [24] كما روي العيّاشيّ نظير هذه الرواية بسند آخر عن محمّد بن حسّان الكوفي، عن محمّد بن جعفر، عن أبيه عليه السلام. [25] وروي في « تفسير فرات بن إبراهيم » عن عبيد بن كثير، معنعناً عن أبي هريرة، أنّ رسول الله صلّي الله عليه وآله قال: أَتَانِي جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ: أُبَشِّرُكَ يَا مُحَمَّدُ بِمَا تَجُوزُ علی الصِّرَاطِ؟ قَالَ، قَلْتُ لَهُ: بَلَي! قَالَ: تَجُوزُ بِنُورِ اللَهِ، وَيَجُوزُ علی عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِنُورِكَ، وَنُورُكَ مِنْ نُورِ اللَهِ! وَيَجُوزُ أُمَّتُكَ بِنُورِ علی عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَنُورُ علی مِنْ نُورِكَ، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَهِ لَهُ مَعَ علی عَلَيهِ السَّلاَمُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ. [26] وعلي أيّة حال، فقد جاء في الاحاديث التي أوردناها في هذا المجال في شـأن الوسـيلة، أنّ الوسـيلة منبر في الجنّة مختصّ برسـولالله وأميرالمؤمنين والائمّة عليهم السلام. والاحاديث في الباب متضافرة، إلاّ أ نّنا استشهدنا بعددٍ منها كأمثلة. مواصفات لواء الحمد في يوم القيامةوهناك أحاديث أُخري في أنّ لواء الحمد يوم القيامة في يد أميرالمؤمنين علی عليه السلام. ونورد فيما يلي عدّة نماذج من هذه الاحاديث: يروي الشيخ الصدوق في « الامالي » عن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقانيّ، عن الحسن بن عليّ العدويّ، عن الحسين بن أحمد الطفاويّ، عن قيسبن الربيع، عن سعد بن الخفّاف، عن عطيّة العوفيّ الكوفيّ، عن مخدوجبن زيد الذهليّ، أنّ رسول الله صلّي الله عليه وآله آخي بين المسلمين، ثمّ قال: يا علی! أنت أخي، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسي غير أ نّه لا نبيَّ بعدي؛ أما علمتَ يا علی أ نّه أوّل مَن يُدعي به يوم القيامة يُدعي بي، فأقوم عن يمين العرش فأُكسي حلّة خضراء من حلل الجنّة، ثمّ يُدعي بأبينا إبراهيم عليه السلام فيقوم عن يمين العرش في ظلّه فيُكسي حلّة خضراء من حلل الجنّة، ثمّ يُدعي بالنبيّين بعضهم علی أثر بعض، فيقومون سماطينِ عن يمين العرش في ظلّه ويُكسون حللاً خضراً من حلل الجنّة؛ ألا وإنّي أُخبرك يا علی أنّ أُمَّتي أوّل الاُمم يُحاسبون يوم القيامة. ثمّ أُبشّرك يا عليّ أنّ أوّل من يُدعي يوم القيامة يُدعي بك، هذا لقرابتك منّي ومنزلتك عندي، فيدفع إليك لوائي وهو لواء الحمد، فتسير به بين السماطينِ، وأنّ آدم وجميع مَن خَلَق الله يستظلّون بظلّ لوائي يوم القيامة وطوله مسيرة ألف سنة، سنانه [27] ياقوتة حمراء، قصبه فضّة بيضاء، زجّه [28] دُرّة خضراء، له ثلاث ذوائب من نور: ذؤابة في المشرق، وذؤابة في المغرب، وذؤابة في وسط الدنيا، مكتوب عليها ثلاثة أسطر، الاوّل: بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، والآخر: الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، والثالث: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَهِ؛ طول كلّ سطر مسيرة ألف سنة وعرضه مسيرة ألف سنة؛ فتسير باللواء والحسن عن يمينك والحسين عن يسارك حتّي تقف بيني وبين إبراهيم في ظلّ العرش، فتُكسي حلّة خضراء من حلل الجنّة، ثمّ ينادي منادٍ من عند العرش: نِعم الاب أبوك إبراهيم، ونِعم الاخ أخوك عليّ. ألا وإنّي أُبشّرك ياعليّ إنّك تُدعي إذا دُعيتُ، وتُكسي إذا كُسيتُ، وتُحيّا إذا حُيّيتُ. [29] ويروي الصدوق في « عيون أخبار الرضا » عن أبيه، عن الحسنبن أحمد المالكيّ، عن أبيه، عن إبراهيم بن أبي محمود، عن أبيالحسن الرضا عليه السلام، عن آبائه، عن أميرالمؤمنين عليهم السلام، قال: قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: يَا عَلِيُّ! أَنْتَ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ وَبِيَدِكَ لِوَائِي، وَهُوَ لِوَاءُ الحَمْدِ، وَهُوَ سَبْعُونَ شُقَّةٌ، الشُّقَّةُ مِنْهُ أَوْسَعُ مِنَ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ. [30] وروي في « علل الشرايع » بسنده المتّصل عن أميرالمؤمنين عليه السلام، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: أَنْتَ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ! فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَهِ! أَدْخُلَها قَبْلَكَ؟! قَالَ: نَعَمْ، لاِ نَّكَ صَاحِبُ لِوَائِي فِي الدُّنْيَا، وَصَاحِبُ اللِّوَاءِ هُوَ المُتَقَدَّمُ. ثُمَّ قَالَ: يَا علی! كَأَ نِّي بِكَ وَقَدْ دَخَلْتَ الجَنَّةَ وَبِيَدِكَ لِوَائِي وَهُوَ لِوَاءُ الحَمْدِ تَحْتَهُ آدَمُ فَمَنْ دُونَهُ. [31] أجل، وحاصل ما تفيده طائفة من الاخبار هو أنّ النبيّ الاكرم هو صاحب الوسيلة ولواء الحمد يوم القيامة، وأنّ الوسيلة هي منبر كبير ذو ألف مرقاة، ما بين المرقاة والمرقاة حَضَر الفَرَس الجواد، وأنّ كلّ مرقاة من جوهر خاصّ يختلف عن جوهر المرقاة الاُخري؛ وأنّ الرسول الاكرم يرقي منبر الوسيلة حتّي يقف في ذروته، ويقف أميرالمؤمنين أدني منه بمرقاة. وأنّ هذا المنبر منصوب مقابل عرش الله عزّ وجلّ، وأنّ الانبياء يتوزّعون علی درجات المنبر كلاّ حسب درجته، بينما يتوزّع الصدّيقون والصالحون والشهداء علی درجاته، وأنّ مَن حاز درجة أعلي في القُرب يقف علی مرقاة تعلو مرقاة من يليه درجةً في القُرب. ويقف سائر الناس من أصناف المؤمنين أسفل المنبر في العرصات ( وهي أرض فسيحة مستوية ) ويحتشد الخلائق من الاوّلين والآخرين حول المنبر يتطاولون ناظرين إلی رسول الله، كما يرفع الانبياء الواقفون علی درجات منبر الوسيلة في درجاتهم المعيّنة أبصارهم تلقاء رسول الله، فتحار أعينهم من سطوع نور طلعته وطلعة وصيّه وخليفته بلا فصل وحامل لوائه في التوحيد: أميرالمؤمنين علی بن أبي طالب عليه السلام، ذلك النور المتوهّج الشبيه بنور البدر ليلة تمامه، نور يخطف الافئدة وينعش الارواح ويلفت إليه قلوب الانبياء والصدّيقين، ثمّ يأتي جبرئيل: الملك المقرّب من ملائكة السماوات بلواء الحمد فيضعه في يد رسول الله، فيسلّمه رسول الله إلی أميرالمؤمنين عليه السلام الواقف أدني منه بمرقاة، وهو لواء الحمد الذي يطبق مشرق العالم ومغربه، لانّ طوله مسيرة ألف سنة؛ وسنانه من الياقوت الاحمر، وزجّه من الدرّ الاخضر، وقصبه من الفضّة البيضاء، مكتوب علی ذوائبه الثلاث: بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد للّه ربّ العالمين، ولا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله. معني الوسيلة ولواء الحمد في يوم القيامةوينبغي أن نري الآن ما معني الوسيلة واللواء؟ ولماذا يقف الرسول الاكرم علی ذروته ويقف أميرالمؤمنين أدني منه بمرقاة؟ ولِمَ سُمّي ذلك المنبر بالوسيلة؟ ولِمَ سُمّي ذلك اللواء بلواء الحمد؟ ولِمَ لَمْ يُدعي بلواء التكبير، أو لواء التسبيح، أو لواء التهليل؟ ولِمَ يسلّم رسول الله ذلك اللواء لاميرالمؤمنين؟ ولماذا يتوزّع الانبياء علی درجات المنبر ويقف كلّ منهم في درجة معيّنة؟ ولماذا يحتشد جميع المؤمنين في عرصات القيامة حول ذلك المنبر، وهم يسمّرون أنظارهم علی رسول الله وخليفته؟ هذه مجموعة من الحقائق ينبغي تسليط الضوء عليها. يُطلق لفظ الوسيلة علی ما يستعين به المرء علی بلوغ مقصده؛ وربّما كانت الالف مرقاة تعبيراً عن الحجب الالف التي تحجب النفس عن مقام المعرفة المطلقة للحقّ تعالی، أو عن أسماء الحقّ المقدّسة التي يبلغ عددها ألف اسم. ولقد تخطّي رسول الله صلّي الله عليه وآله جميع الحُجب واستقرّ في الحجاب الاخير ( وهو الحجاب الاقرب )، بحيث لم يعد يوجد شيء متصوّر بينه وبين الذات القدسيّة للحقّ عزّ وجلّ، وبحيث نهل رويّاً من جميع أسماء وصفات الله جلّ وعلا، وفني في تلك الاسماء وتحقّق بحقيقتها، ثمّ فني في الاسم الاعظم للذات الاحديّة، وهو مقام العبوديّة المطلقة والولاية الكلّيّة الإلهيّة. أمّا سائر الانبياء فهم أدني درجة من رسولالله ومن أميرالمؤمنين، حيث فني كلّ منهم في أحد أسماء الحقّ تعالی، فاستقرّ في تلك الدرجة. ولمّا كانت درجات منبر الوسيلة تزداد شمولاً كلّما قربت من الذروة، فإنّ من فني من الانبياء في الاسماء الكلّيّة سيقف في درجة أعلي، وصولاً إلی اسم العليم والقدير والحي واسم الله الاكمل والاشمل من جميع الاسماء الاُخري، وهي معدودة من أُصول الاسماء الإلهيّة. وعليه فيمكن القول إنّ هذا المنبر مخروطيّ الشكل، يحتشد علی درجته الاُولي ( وهي قاعدة المخروط ) كثير من الخلائق، من الانبياء والصدّيقين والشهداء؛ أمّا الدرجة التي تعلوها وتقلّ عنها مساحة وتزيد عليها قدرةً وعظمة وحياة، فيقف عليها عدد أقلّ. وهكذا تزداد القدرة والعلم والحياة كلّما رقينا درجات المنبر، بينما يقلّ عدد الواقفين علی تلك الدرجات وصولاً إلی الدرجة الاخيرة في ذروة المنبر، حيث يتعذّر وجود سعة غير سعة رسول الله، إذ هناك نقطة واحدة فقط هي نُقْطَةُ الوَحْدَةِ بَيْنَ قَوْسَي الاَحَدِيَّةِ وَالوَاحِدِيَّةِ. أمّا من جهة العلم والقدرة والحياة، فهي مجمع أنواع العلم والقدرة والحياة، والمفيضة لهذه الاسماء والصفات الكلّيّة الإلهيّة علی جميع المخروط وعلي جميع عالم المُلك والملكوت. وهناك مقام غيب الغيوب والكنز المخفيّ وعالم العماء وسرّ الهُويّة، وتحقّق اسم هو ومبدأ تحقّق الولاية والظهور. وأمّا المرقاة الاسفل منها، فهي أوّل نقطة ظهور وتجلّي الاسماء والصفات وعالم الولاية الكلّيّة الإلهيّة، وهي المقام المقدّس لمولي الموالي أميرالمؤمنين الذي يكتسب ـبواسطة رسولاللهـ من الذات القدسيّة للحضرة الاحديّة، ويفيضه علی عالم الملك والملكوت. ويمثّل وجود رسول الله عدسةً مجهريّة صغيرة ينعكس من خلالها النور وصور الاجرام السماويّة علی عدسة أكبر منها تمثّل محلّ الظهور والتجلّي. فعليّ عليه السلام ـ إذاً ـ هو ظهور رسول الله، بينما يمثل رسولالله باطن هذا الظاهر. كما أنّ أميرالمؤمنين الواقف علی درجة أدني من الذروة بمرقاة يكتسب حقيقة العلم والحياة والقدرة من مقام بين بين، أي بين الذات والاسم ( وهو موضع حقيقة رسول الله ). فأميرالمؤمنين ـ من ثمّ ـ يجسّد أوّل تجلّ للولاية واقع بين البطون والظهور، ويفيض تلك الولاية علی جميع الانبياء والاولياء، وهؤلاء يفيضون بدورهم علی من يقف أدني منهم، وصولاً إلی جميع الخلائق الحافّين بمنبر الوسيلة، وأُولئك يفيضون بالواسطة إلی مَن في النار وإلي الواقفين علی مبعدة من منبر الوسيلة. وليست أفضليّة خاتم النبيّين وخليفته خاتم الوصيّين وشرف مقامهما أمراً اعتباريّاً صوريّاً، بل هي أمر متحقّق بواسطة السعة الوجوديّة والقرب الذاتيّ وكشف الحجب النورانيّة، وبواسطة تخطّي جميع الاسماء والصفات من خلال المجاهدة والرياضة القائميّن علی أساس العلم والمشيئة الازليّة الإلهيّة. أمّاكون هذه الوسيلة وهذا اللواء يماثلان سائر المنابر والالوية المعهودة في هذا العالم، أو هما معني صرف تشبيه مجرّد من باب تشبيه المعقول بالمحسوس، فقد مرّ بحث ذلك مفصّلاً في باب صراط جهنّم الذي يقود إلی الجنّة، [32] حيث علمنا أ نّهما لا يماثلان المنابر والالوية المادّيّة، كما علمنا أنّ الميزان والصراط لا يشبهان الموازين والجسور المادّيّة، كما أ نّهما ليسا معني مجرّداً وتشبيهاً وكناية من باب تشبيه المعقول بالمحسوس، بل إنّ الميزان والصراط موجودان حقيقة، وإنّ الوسيلة واللواء موجودان حقيقة، كلّ ما في الامر أ نّها متناسبة مع ذلك العالم، لانّ المنبر واللواء المعهودين هما في عالم الصورة، أمّا إذا تخطينا عالم الصورة، فليس ثمّة عنوان للمنبر ولا للواء يميّزان أحدهما عن الآخر. وستتجسّد حقيقة هذه الوسيلة وحقيقة هذا اللواء في صور تتناسب مع ذلك العالم وتنسجم معه. وعلينا أن لا ننسي تناسب تحقّق وجودها مع ذلك العالم، وبغير ذلك فإنّ إشكالات كثرة سترد في هذا المجال. وعلي سبيل المثال، فقد جاء في باب الوسيلة في رواية « تفسيرعليّ ابنإبراهيم » ـ كما مرّـ عبارة: حَتَّي يَقْعُدَ علی عُجْزَةِ جَهَنَّمَ وَيَأْخُذَ زِمَامَهَا بِيَدِهِ، وَقَدْ عَلاَ زَفِيرُهَا... إلی قوله: فَإنْ شَاءَ يَذْهَبُ بِهَا يَمْنَةً، وَإنْ شَاءَ يَذْهَبُ بِهَا يَسْرَةً. وحاصل المطلب أنّ جهنّم يُجاء بها يوم القيامة، كما في القرآن الكريم: وَجِاي´ءَ يَوْمَئِِذٍ بِجَهَنَّمَ. [33] ويكون لجهنّم لجام وزمام، فيستوي علی أميرالمؤمنين علی ظهرها ويُمسك بيده زمامها، فإن شاء ذهبَ بها يميناً، وإن شاء ساقها شمالاً، فتبتلع أعداء الله ورسوله وأعداء مقام الولاية. وليس في أمر المجيء بجهنّم وإمساك عليّ بزمامها شكّ، ولكن هل هي مثل الرواحل الدنيويّة كالناقة والبغل، ليمتطيها علی ويمسك بلجامها كما في الانعام الدنيويّة؟ من المسلّم أنّ الامر ليس علی هذا النحو، بل تلك الراحلة وظهرها ولجامها وحركتها يميناً وشمالاً متناسبة بأجمعها مع ذلك العالم. وكما أنّ ذلك العالم مغاير لهذا العالم، إذ هناك غيب وهنا شهود، وهناك باطن وهنا ظاهر؛ فإنّ الامر ينسحب كذلك علی جميع موجودات ذلك العالم وأحكامه، فهي متناسبة مع ذلك العالم ومنسجمة معه. وقد جاء في بحث الشفاعة: فَيَأْتِي دَارَ الرَّحْمَنِ وَهِيَ عَدْنُ وَإنَّ بَابَهَا سَعَتُهُ بُعْدَ مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ فَيُحَرِّكُ حَلْقَةً مِنَ الحَلَقِ فَيُقَالُ: مَنْ هَذَا! ـوَهُوَ أَعْلَمُ بِهِـ فَيَقُولُ: أَنَا مُحَمَّدٌ! فَيُقَالُ: افْتَحُوا لَهُ! قَالَ: فَيُفْتَحُ لِي. قَالَ: فَإذَا نَظَرْتُ إلی رَبِّي مَجَّدْتُهُ تَمْجِيداً لَمْ يُمَجِّدْهُ أَحَدٌ كَانَ قَبْلِي وَلاَ يُمَجِّدُهُ أَحَدٌ كَانَ بَعْدِي. إلی أَنْ يَقُولُ: ثُمَّ يُؤْتَي بِنَا فَيَجْلِسُ علی العَرْشِ رَبُّنَا. [34] من الكفر أن تُحمَل بعض الالفاظ في المعارف الإلهيّة علی معناها الظاهريّوليس من ريب في اشتمال هذه العبارات علی قدر كبير من الحقائق. ولكن، أيمكن الجمود علی ظاهر هذه العبارات، والقول ـ من ثمّ ـ بأنّ بيتالله يماثل البيوت الدنيويّة أو هو أكبر منها؟ وبأنّ حلقة بابه كحلقات البيوت؟ وبأنّ الله موجود في بيته، وأ نّه ينادي: مَن الطارق؟ وبأنّ نظررسولالله يقع علی الله؟ أفهل الله جسم له صورة؟ وهل يشبه هذا النظر ما هو معهود عندنا! وهل يجلس الله علی عرش سلطانه وحكومته؟ وهل يناظر عرشه هذه العروش؟ وهل يماثل جلوسه جلوس غيره؟ ليس الامر علی هذا النحو، ولا يمكن أن يكون كذلك، لانّ ذلك يستلزم محدوديّة الله وتعيّنه وتجسيمه؛ وَتعالی اللَهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوَّاً كَبِيرَاً. ليس الله موجوداً في بيته، وليس عرشه مثل عروش هذا العالم، بل عالم المشيئة والإرادة هو عرش الله تعالی، كما أنّ جلوسه هو استيلاؤه وإحاطته. ويحصل نظر رسول الله بالباطن والملكوت إلی حقيقة ذات ما لا اسم له ولارسم. أمّا حلقة الباب فكناية عن تمسّك النبيّ بصفة الرحمة والعطف والغفران، لانّ للّه أسماءً يُعدّ كلّ منها بمنزلة حلقة، فإن دُعي أحدها، فُتح للداعي من تلك الجهة. قُلِ ادْعُوا اللَهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَـ'نَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الاْسْمَآءُ الْحُسْنَي'. [35] ولهذا لم يجد المرحوم المجلسيّ رضوان الله عليه مع شدّة جموده في باب المعارف الإلهيّة، بداً من أن يقول في ذيل هذه الرواية: « فإذا نظرتُ إلی ربّي » أي إلی عرشه، أو إلی كرامته، أو إلی نور من أنوار عظمته. والجلوس علی العرش كناية عن ظهور الحكم والامر من عند العرش و « تكلّم الله » عبارة عن خلق الكلام هناك. [36] وعلي أيّة حال، فإنّه ينبغي رفع اليد عن الجمود علی المعاني الظاهريّة في جميع المعارف، ولا اختصاص في هذا الامر بذات الله وأسمائه، وذلك أوّلاً: لانّ الالفاظ وُضعت للمعاني الكلّيّة. وثانياً: لانّ الرواية الواردة عن رسول الله صلّي الله عليه وآله: إنَّا مَعَاشِرَ الاَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُكَلِّمَ النَّاسَ علی قَدْرِ عُقُولِهِمْ،[37] تفتح لنا أبواباً من المعارف، لا نّها تحرّرنا ـ من جهةـ من الجمود ومن حمل الالفاظ في المعارف الإلهيّة علی المعاني المادّيّة والطبيعيّة. ولا تسمح لنا ـمن جهة أُخريـ بحمل تلك الاُمور علی المعاني الصرفة كلّيّاً. وعلينا أن نعدّ تلك الاُمور معانٍ متصوّرة بما يناسب ذلك العالم. والآن وقد اتّضحت هذه المطالب، يتبيّن أنّ الوسيلة هي حقّاً منبر ذو ألف مرقاة، إلاّ أ نّه منبر ذو درجات يتناسب مع ذلك العالم. كما أنّ اللواء هو عَلَم ذو سنان وزجّ وقصبة وذؤابة، إلاّ أ نّه متناسب كذلك مع ذلك العالم. جعلنا الله بحقّ محمّد وآله الطاهرين من المنضوين تحت ذلك اللواء كي نراه ونتأمّله. علّة تسليم لواء الحمد إلی رسول الله وأمير المؤمنين عليهما السلاموهذا اللواء يُسلَّم في الوهلة الاُولي بِيَدِ رسولِ الله، وهو لواء الحمد، لانّ المقام المحمود ـ كما قلناـ مختصّ به صلّي الله عليه وآله، وهو المقام الذي يبلغه حمد كلّ حامد لكلّ محمود. وقد ذكرنا سابقاً أنّ العباد المخلَصين دون غيرهم يمكنهم حمد الذات القدسيّة بمقتضي قوله تعالی: سُبْحَـ'نَ اللَهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلاَّ عِبَادَ اللَهِ الْمُخْلَصِينَ. [38] ذلك أنّ حمد باقي الخلائق يقترن بالتسبيح والتنزيه والتقديس، أمّا العباد المخلَصون الذين تخطّوا جميع شوائب الغرور والعُجب والانانيّة، وعلموا أنّ وجودهم ملك مطلق للحضرة الاحديّة، والذين أفنوا وجودهم ودكّوه في ذات الله القدسيّة، فلم يعودوا يرون لانفسهم وجوداً مقابل وجوده عزّ وجلّ، والذين اكتسبت وجوداتهم سعة وجوده تعالی، فإنّهم هم الذين يحمدونه سبحانه كما يليق بشأنه. لكنّ درجة المخلَصين هذه التي حازها الانبياء وكثير من أولياء الله الذين بلغوا درجة الخلوص، تمثّل نهاية السفر الاوّل من الاسفار الاربعة إلی الله تعالی، وهو سفر غايته الله تعالی، كما أ نّه ليس سفراً لامتناهياً. أمّا المقام المحمود فهو مقام آخر أعلي من هذا المقام وأسمي، وهو عبارة عن إكمال الاسفار الاربعة، وإكمال السفر الرابع وهو السفر في الخلق بالحقّ، حيث إنّ السالك يري آنذاك الله تعالی في كلّ موجود من الموجودات، ويسير في عالم الكثرات بنور الله عزّ وجلّ. بَيدَ أنّ البقاء بالله ليس علی درجة واحدة لدي جميع الافراد، فالبعض يمتلك هذا البقاء محدوداً في محيط وجوده وضمن دائرة أفكاره وآرائه وعلومه، ثمّ يزداد الامر لدي الافراد، حتّي نصل إلی رسولالله صلّيالله عليه وآله، فنلحظ أ نّه كان مع كلّ موجود، أي أ نّه كان مع جميع ما سوي الله من عالم المُلك والملكوت، من العقول والارواح والنفوس العلويّة والسفليّة وموجودات عالم الصورة وعالم الطبع، بل كان حقيقة تلك الموجودات أوّلاً وبالذات، ثمّ طرأ الوجود علی تلك الموجودات ثانياً وبالعرض. وهذا هو المقام المحمود. وقد سبق أن نوّهنا بأنّ هذا المقام هو مقام يرجع إليه كلّ حمد من كلّ حامد موجّه إلی كلّ محمود. أي أ نّنا لو شممنا وردةً فحمدناها، فإنّ حقيقة الحمد سترجع إلی رسول الله. أي أنّ حقيقة وجود الورد وجمال الورد ورائحته الزكيّة وطراوته هي بأجمعها رسول الله صلّي الله عليه وآله. ولو أطرينا بلبلاً أو شمساً أو قمراً، أو امتدحنا جمال العالم المملوء طراوةً وعشقاً وبهجة، والمكتظّ علماً وحياة وقدرة، لعاد جميع مدحنا إلی رسولالله صلّيالله عليه وآله الذي يجسّد حقيقة تلك الاُمور. إنّ وجود النبيّ ونفسه الواسعة من الشمول والإحاطة بحيث إنّه مع كلّ موجود من الملكوت والباطن ومن الملك والظاهر، وهذا هو مقام الولاية الكلّيّة الذي نعتقد به في أئمّتنا عليهم السلام. ولو كنّا في شرق العالم أو غربه؛ في سهوله أو جباله؛ أحراراً أو مكبّلين في أعماق السجون، ثمّ ندبنا الإمام وناديناه، لادرك نداءنا وردّ علينا. ولا يمكن تصوّر هذا المعني إلاّ إذا كان الإمام مُقارناً لوجودنا، وكان له المعيّة مع وجود جميع الموجودات. فهو آنذاك سيكون معنا وأقربَ إلينا من أنفسنا، لا نّنا حين نشير إلی أنفسنا، فإنّنا سنشير إلی الإمام أوّلاً وبالذات، ثمّ إلی ذواتنا ثانياً وبالعَرَض. إنّ الإمام مع كلّ قطرة مطر تهطل من السماء، وكلّ ذرّة تلمع في ضوء الشمس، وكلّ مدرة ملقاة علی الارض، وكلّ كوكب ونجم، وصولاً إلی المجموعة الشمسيّة والمجرّات. وهكذا الامر بالنسبة إلی سيطرة الإمام وإحاطته النفسيّة بعالم البقاء بالله تعالی، وهذا هو معني الولاية التكوينيّة. وهو مقـام لم يبلغه أيّ نبيّ من الانبياء، حتّي شيخ النبيّين: نوح، وحتّي حامل لواء التوحيد: إبراهيم. وأوّل من حاز هذا المقام، ونال ـبإذن الله ونورهـ مثل هذه السيطرة علی عالم البقاء هو الوجود المقدّس لخاتم الانبياء والمرسلين محمّد، ويليه تلميذه الاوحد في نهجه: علی بن أبي طالب، الذي اختصّ بلقب إمرة المؤمنين. ولذا، فقد تسلّم لواء الحمد من يد رسول الله. ثمّ تسلسل ذلك المقام العظيم والولاية الكبري في سبطي رسول الله: الحسن والحسين، وفي التسعة من ذرّيّة الحسين، الواحد تلو الآخر، انتهاءً بِقَائِم آلِ مُحَمَّدٍ: الحُجَّةِ بْنِ الحَسَنِ العَسْكَرِيِّ أرواحنا فداه، حيث ينحصر قطب دائرة الإمكان ومحور الولاية التكوينيّة والتشريعيّة في ذاته المقدّسة. ولو كنتم في منزلكم فقلتم: يا صاحب الزمان! لكان معكم. ولو كنتم في المسجد أو في الصحراء، في الجوّ أو البحر، غافلين أو منتبهين، في حال العبادة أو التجارة، وفي كلّ حال، فإنّه معكم حقّاً، ليس بالمعيّة العلميّة فقط، بل بالمعيّة الحقّة الحقيقيّة. وهذا باب من المعارف الإلهيّة فُتح ببركة رسول الله في آله وأُمّته، وهو باب لم يسبق فتحه في الاُمم السالفة التي لم تستطع أن تذهب إلی أبعد ممّا وصل إليه أنبياءهم من الدرجة العلميّة والعرفانيّة. ولم يكن السير في هذا السبيل ميسوراً لاُولئكم الانبياء، وهو ـ من باب أولي ـ غير ميسور علی أُمم أولئكم الانبياء. أمّا في أُمّة خاتم النبيّين فقد فتح هذا الباب والسـبيل، فاقتحـم هؤلاءالاعلام منهل عالم التشريع والبقاء من خلال الخلوص والعبوديّة والمجاهدة، وأشبهت سعتهم الوجوديّة سعة رسول الله، فكانوا مع كلّ موجود من الموجودات. أمّا الآن، وقد اتّضح هذا المطلب، فقد استبان لنا سبب تسمية ذلك اللواء بلواء الحمد، لانّ التكبير: اللَهُ أَكْبَرُ، والتسبيح: سُبْحَانَ اللَهِ،التهليل: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَهُ، وسائر الاذكار الاُخري تفتقر إلی مثل هذه السعة في عالم البقاء. ويمكن نتيجة لذلك أن يكون الحائز علی ذلك المقام غيرممتلك لمقام الحمد. وقد علمنا لماذا صار عليّ بن أبي طالب هو الحامل للواء الحمد، إذ أُفيض عليه من رسول الله، فأضحي صاحب مقام الولاية الكبري، ذلك المقام الذي توارثه الائمّة الواحد عن الآخر. وقد علمنا أيضاً سبب انضواء الانبياء تحت لواء الحمد المحمّديّ والعلويّ، وذلك لعدم بلوغ أيّ منهم لهذا المقام، فصار أملهم في فيوضات رحمة الحضرة السبحانيّة منحصراً من خلال محمّد وعليّ. وعلمنا سـبب تحلّق المؤمنين ( من غير الشـهداء والصـدّيقين والصالحين ) حول المنبر، لا نّهم لم يتخطّوا الحجب النورانيّة، ولعجزهم عن إفناء أنفسهم في أحد أسماء الحقّ تعالی. كما تبيّن لنا سبب كتابة بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ ولاَ إلَهَ إِلاَّ اللَهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَهِ علی لواء الحمد؛ لانّ لهذا اللواء هيمنة علی جميع العوالم، فهو يعطي ـباسم رحمانيّة الحقّ ورحيميّتهـ كلّ موجود احتياجاته الوجوديّة، ويحقّق حمد الله في كلّ موجود ذي حُسن ( وكلّ الموجودات ذوات حُسن )، ويُعلن نداء وحدانيّة الله ورسالة نبيّه في جميع العوالم. كانت هذه جهات مستنبطة من لواء الحمد، ولربّما سيخطر في ذهن القاري الكريم، إثر التفكّر والتأمّل والتدبّر في المعارف الإلهيّة، مطالبُ أُخري غيرها تجعله يتمتّع بتلك المعارف الإلهيّة؛ رَزَقَنَا اللَهُ وَإيَّاكُمْ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ، وَلَعْنَة اللَهِ علی أَعْدَائِهِمْ أَجْمَعِينَ. اي ختم پيمبران مرسل حلواي پَسين ومِلح اوّل اي خاك تو توتياي بينش روشن به تو چشم آفرينش اي سَيّد بارگاه كَونَين نَسّابة شهر قاب قَوسَيْن اي صدر نشين عقل وجان هم محراب زمين وآسمان هم اي شش جهت از تو خيره مانده بر هفت فلك، جَنبِيَه [39] رانده سر خيل توئي وجمله خيلاند مقصود توئي همه طُفَيلاند سلطان سرير كايناتي شاهنشه كشور حياتي اي كُنْيه ونام تو مُؤيّد بُو القاسم وأحمد ومُحَمّد [40] صَلَواتُ اللَهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَحَمَلَةِ عَرْشِهِ وَجَمِيعِ خَلْقِهِ مِنْ أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ علی سَيِّدِنَا وَنِبِيِّنَا أَصْلِ الوُجُودِ، وَعَيْنِ الشَّاهِدِ وَالمَشْهُودِ، أَوَّلِ الاَوَائِلِ وَأَدَلِّ الدَّلاَئِلِ، وَمَبْدَأَ الاَنْوَارِ الاَزَلِيّ، وَمُنْتَهَي العُرُوجِ الكَمَالِيَّ، غَايَةِ الغَايَاتِ، المُتَعَيِّنِ بِالنَّشَئَاتِ، أَبِ الاَكْوَانِ بِفَاعِلِيَّةٍ، وَأُمِّ الإمْكَانِ بِقَابِلِيَّةٍ، المَثَلِ الاَعْلَي الإلهيِّ، هَيُولَي العَوَالِمِ الغَيْرِ المُتَنَاهِي، رُوحِ الاَرْوَاحِ وَنُورِ الاَشْبَاحِ، فَالِقِ إصْبَاحِ الغَيْبِ، رَافِعِ ظُلْمَةِ الرَّيْبِ، مَحْتِدِ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ، رَحْمَةٍ لِلْعَالَمِينَ، سَيِّدِنَا فِي الُوجُودِ، صَاحِبِ لِوَاءِ الحَمْدِ وَالمَقَامِ المَحْمُودِ، المُبْرَقَعِ بِالعِمَاءِ، حَبِيبِ اللَهِ مُحَمَّدٍ المُصْطَفَي صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ (وَآلِهِ) وَسَلَّمَ. ارجاعات [1] ـ الآيات 1 إلی 5، من السورة 93: الضحي. [2] ـ «تفسير بيان السعادة» ج 2، ص 316، الطبعة الحجريّة. [3] ـ «كلّيات سعدي» ص 20، المواعظ، طبعة فروغي. يقول: «تضاءل القمر أمام جمال محمّد، وعجز شجر السرو أن يمتلك قامةً باعتدال قامته. وحاشا أن يمتلك الفَلَك قدراً يُضاهي كمالاً ومنزلةً قدر النبيّ محمّد. لقد وُعد كلّ امري باللقاء يوم القيامة، أمّا محمّد فكانت ليلةُ الاءسراء ليلةَ وصاله. ولقد احتشد آدم ونوح والخليل وموسي وعيسي بأجمعهم تحت فَيء محمّد. وضاقت عرصة الوجود عن استغراق مجال همّته، فتطلّع يوم القيامة إلی مدي همّته! بل قُل إنّ جنّة الفردوس ازدانت بكلّ هذه الزينة، من أجل أن يقبلها بلال محمّد. لقد أرادت السماء أن تسقط فتماثل الارض، من أجل أن تطبع قُبلة علی نعاله. ولن يشعّ الشمس والقمر نوراً في أرض المحشر، إذ لن يضيء يومئذٍ إلاّ جمال محمّد. وأجدر بالشمس والقمر أن ينكسفا فلا يُضيئا أمام هلالي حاجبي محمّد. وحين لاح جماله في المنام لعيني، فقد فارقها النوم من خياله. فإن شئتَ يا «سعدي» أن تعشق وتتصابي، فلا تتعدّ عشق محمّد وآل محمّد!». [4] ـ الآية 53، من السورة 39: الزمر. [5] ـ الآية 5، من السورة 93: الضحي. [6] ـ «تفسير فرات بن إبراهيم» ص 215؛ و«بحار الانوار» ج 8، ص 57. [7] ـ الآية 56، من السورة 15: الحجر. [8] ـ الآية 87، من السورة 12: يوسف. [9] ـ الآيات 53 إلی 55، من السورة 39: الزمر. [10] ـ الآية 22، من السورة 42: الشوري. [11] ـ الآية 35، من السورة 50: ق. [12] ـ الآية 17، من السورة 32: السجدة. [13] ـ الآيتان 7 و 8، من السورة 98: البيّنة. [14] ـ الآية 128، من السورة 9: التوبة. [15] ـ الآية 69، من السورة 39: الزمر. [16] ـ «تفسير القمّيّ» ص 581. [17] ـ لعلَّ المراد بالجوهر هنا الياقوت، أو جوهر آخر لم يصرّح به. [18] ـ الريطة: كلّ ملاءة ليست بلفقتين. [19] ـ «بحار الانوار» ج 7، ص 326 و 327؛ وأصل الرواية في «تفسير القمّيّ» ص 644 و 645. [20] ـ «معاني الاخبار» ص 116 و 117، باب معني الوسيلة، طبعة الحيدريّة؛ و«أمالي الصدوق» ص 71 و 72. [21] ـ «بصائر الدرجات» الباب الثامن عشر من الجزء الثامن، ص 122 و 123. [22] ـ الآية 185، من السورة 3: آل عمران. [23] ـ «تفسير القمّيّ» ص 116 و 117. ووردت في هذه النسخة المطبوعة بلفظ «يُدعي بإسماعيل فيُكسي حلّة بيضاء فيُقام عن يمين أميرالمؤمنين عليه السلام» أمّا في نسخة المجلسيّ من «تفسير القمّيّ» التي نقل عنها في «بحار الانوار» ج 7، ص 328، الطبعة الحروفيّة، فقد أوردها بلفظ، «يُدعي بإسماعيل فيُكسي حلّة بيضاء فيُقام عند يسار إبراهيم». ويغلب الظنّ أنّ نسخة المجلسيّ أصحّ. [24] ـ «بحار الانوار» ج 7، ص 330، نقلاً عن «تفسير العيّاشيّ» الطبعة الحروفيّة. [25] ـ «بحار الانوار» ص 331، الطبعة الحروفيّة. [26] ـ «تفسير فرات» ص 104 و 105. [27] ـ السنان: حديدة مدبّبة في رأس الرمح. [28] ـ الزجّ: حديدة في أسفل السنان، من شأنها تثبيته. [29] ـ «أمالي الصدوق» المجلس 52؛ وفي الطبعة الحجريّة: ص 195؛ و«بحار الانوار» ج 8، ص 1 و 2. [30] ـ «بحار الانوار» ج 8، ص 4، عن «عيون أخبار الرضا». [31] ـ «بحار الانوار» ج 8، ص 6، عن «علل الشرايع». [32] ـ انظر «معرفة المعاد» ج 8، المجلس 53. [33] ـ الآية 23، من السورة 89: الفجر. [34] ـ انظر «معرفة المعاد» ج 9، المجلس الحادي والستّون؛ الرواية الواردة عن «تفسير العيّاشيّ»؛ وقد روي المرحوم المجلسيّ هذه الرواية في «البحار» ج 8، ص 45 إلی 47، الطبعة الحروفيّة، بنفس اللفظ الذي أوردناه. أمّا أصل الرواية في «تفسير العيّاشيّ» ج 2، ص 310 إلی 313 فقد ورد بلفظ: «فنجلس علی عرش ربّنا». [35] ـ الآية 110، من السورة 17: الاءسراء. [36] ـ «بحار الانوار» ج 8، ص 47، الطبعة الحروفيّة. [37] ـ «أُصول الكافي» ج 1، ص 23؛ و«تحف العقول» ص 37؛ و«بحار الانوار» في الطبعة القديمة (الكمبانيّ): ص 41 (الروضة)؛ وفي الطبعة الحروفيّة: ج 77، ص 140، عن «تحف العقول». [38] ـ الآيتان 159 و 160، من السورة 37: الصافات. [39] ـ جنبيه: في «لغت نامه دهخدا»: اسم سلاح يُدعي «جمدر»، كما يُدعي في بلاد الهند «كنار» ـ انتهي. وهو علی وزن تثنيه. [40] ـ للشاعر حكيم النظاميّ. يقول: «يا خاتم الانبياء والمرسلين، ويا حلاوة الاوّل ومِلح الآخر!. يا من غدا تراب أقدامك كحل العيون، لقد أضاء بك الوجود وقرّت عينه. يا سيّد الكونين والعالمينِ، ويا نسّابة مدينة قاب قوسينِ. أيّها المتصدّر للعقل والروح معاً، ويا محراب الارض والسماء معاً. يا من حارت فيك الجهات الستّ، ويا من سُقتَ بسلاحك الافلاك السبعة. أنت الطليعة ومَن عداك تابع؛ أنت المقصد وكلّ من سواك متطفلّ. أنت السلطان المتربّع علی عرش الكائنات، والملك المتوّج في دولة الوجود والحياة. يا مَن كُنيّت بأبي القاسم المؤيّد، ودُعيتَ بأحمد ومحمّد». |
|
|