|
|
الصفحة السابقةمؤلّفات العلاّمة الطباطبائي قدّس الله تربتهو من مؤلّفات العلاّمة الاخري كتاب «توحيد ـ التوحيد»، و يشتمل علی رسائل ثلاث: 1 ـ «رساله در توحيد = رسالة في التوحيد» 2 ـ «رساله در أسماء الله سبحانه = رسالة في أسماء الله سبحانه » 3 ـ «رساله در أفعال الله سبحانه = رسالة في أفعال الله سبحانه». و قد جري جمع هذا الكتاب و تحريره مع «رساله وسائط = رسالة الوسائط» و كتاب «إنسان = الإنسان» الذي يشتمل بدوره علی ثلاث رسائل: 1 ـ «الإنسان قبل الدنيا». 2 ـ «الإنسان في الدنيا» 3 ـ «الإنسان بعد الدنيا»، في مجلّد واحد يُعرف بإسم «هفت رساله = الرسائل السبع». و من مؤلّفاته الاخري رسالة «الولاية»، يبرهن فيها علی السير الاخير للإنسان في ساحة الحضرة الاحديّة و فنائه في الذات و حيازته لمقام العبوديّة؛ و منها رسالة «النبوّة و الإمامة»، و مجموع هذه الرسائل تسع رسائل، و هي بأجمعها عربيّة و خطبة لم تطبع لحدّ الآن، و قد سألته كراراً طبعها، فكان يوكل ذلك الی دورة مطالعة و تجديد نظر. و من كتبه الاخري كتاب «شيعه در اسلام = الشيعة في الإسلام»، و كتاب «قرآن در اسلام = القرآن في الاسلام» و كتاب «وَحي يا شعور مرموز = الوحي أو الشعور المُبهم». و كان العلاّمة الطباطبائي يعتقد بأنّ الإسلام الحقيقي لم يصل الی اوربا و أمريكا». لانّ جميع المستشرقين الذين قدموا الی الاراضي الاسلاميّة من هناك للتحقيق في الاسلام، كانوا يتردّدّون بأجمعهم علی أهل السنّة و علی الممالك التي يقطنها العامّة، سواءً في أفريقيا و مصر، أو في سوريا و لبنان و الحجاز و باكستان، و خاصّة استفادتهم من تواريخ أهل السنّة الموجودة في المكتبات المعتبرة، كتاريخ الطبري و تاريخ ابن كثير و سيرة ابن هشام و تفاسيرهم، و من كتب الحديث كصحيح البخاري و الترمذي و النسائي و ابن ماجة و ابن داود و موطّا مالك و غيرها، و عدّهم ايّاها مصادر معرفة الاسلام، و تقديمهم الإسلام للعالم من نافذة و وجهة نظر العامّة بشكل عام؛ و علی هذا الاساس فانّهم يعدّون الشيعة فرقة منشقّة عن الإسلام، و من ثمّ فلم يعطفوا أنظارهم علی المصادر التحقيقيّة من تفاسير الشيعة و تواريخهم و كتبهم في الحديث و الفلسفة و الكلام. و تبعاً لذلك فلم يُقدّم الشيعة الی العالم مع انّهم يمثّلون الفرقة الوحيدة المجليّة للإسلام الصحيح الحقيقي، و مع انّ التشيّع هو حقيقة اتّباع سُنّة رسول الله المتجليّد في الولاية، فالشيعة هم الغرفة الوحيدة التي حذت حذو رسول الله و جسّدت الاسلام في نفسها قولاً و عملاً. و نظراً لكثرة مواضع النقد و التزييف و الغشّ و التحريف في تواريخ العامّة و كتبهم، و لوجود مطالب في تلك الكتب منسوبة الی رسول الله مع انّها دون شأن مقام النبوّة، و باعتبار نفيهم العصمة أيضاً عن رسول الله، فإنّ الاسلام لم يتجلّ للغرب في سيمائه و ملامحه الحقيقية ليسبّب اتّجاههم و نزوعهم اليه. امّا لدي الشيعد فقد كان الامر معكوساً، اذ ان أرجاء كتبهم تعتبر رسول الله معصوماً مصوناً عن الخطأ و الذنب و الزلل، و لا تنسب الی النبيّ أموراً دون شأن مقامه. و علاوة علی ذلك فانّ الشيعة يعدّون الائمّة الطاهرين معصومين جديرين باخلافة، خلافاً لكتب العامّة من التفاسير و التواريخ و كتب الحديث الشحونة بأجمعها بجواز ولاية غير المعصوم، بل ولاية الإمام الجائر، بل وجوب طاعته. و علی هذا الاساس فقد تبدّلت خلافة رسول الله المنزّهة المطهرّة الی امبراطوريّة عظيمة ثماثل امبراطوريتي ايران و الروم، و ارتكب خلفاء بني اميّة و نبي العبّاس تحت نقاب خلافة رسول الله جميع الفجائع و القبائح، ممّا سبّب عدم توجّه الاوربيين صوب الاسلام. امّا لو علم هؤلاء و أدركوا بانّ هذه السيرة كانت خلاف سُنّة رسول الله، و ان الاسلام الحقيقي انّما جاء لتقويض ركائز أمثال هذه الحكومات، لانضمّوا اليه حتماً. محادثات العلاّمة الطباطبائي مع هنري كوربين المتخصّص في دراسة الشيعةو لقد كانت لقاءات العلاّمة الطباطبائي و محادثاته مع«هنري كوربين» تحصل علی الرغم من المشقّات و المتاعب الكثيرة التي كان يتحمّلها، حيث كان العلاّمة مجبراً علی السفر من قم الی طهران بسيّارات الباص العاديّة، و ذلك من أجل تعريف حقيقة الشيعة و تقديم الملامح الحقيقية للولاية، و من أجل ايصال حقيقة التشيّع و سماته و غير ذلك. و كان هذا العمل في واقع الامر خدمة كبيرة، فقد كان هنري كوربين نفسه علاوة علی تسجيله للمطالب بشكل كامل و نشره لها في اوربا و تقديمه لحقيقة التشيّع ـ يدافع عن الشيعة و يقف الی جانبهم بحزم في الخطب و المؤتمرات، و كان في صدد تعريفهم في باريس علی نحوٍ كامل. عقيدة هنري كوربين في الإمام المهدي أرواحنا فداهو كان كوربين يعتقد انّ المذهب الوحيد في الدنيا الذي بقي حيّاً أصيلاً دون أن يطرأ عليه الموت هو مذهب الشيعد، لقول هذا المذهب بوجود الإمام الحيّ، و لإرسالة أساس عقيدته علی هذا المبني، فهو حيّ دوماً اعتماداً علی المهديّ قائم آل محمّد: محمّد بن الحسن العسكريّ. فقد مات دين الكلمييّن بوفاة النبيّ موسي، و مات دين أتباع عيسي بعروجه، و مات دين سائر طبقات المسلمين بارتحال النبيّ محمّد، لكنّ الشيعة يعتقدون انّ صاحب زمانهم و إمامهم و صاحب ولايتهم المتّصل بعالم المعني و الإلهامات السماويّة هيّ، لذا فانّ مذهب الشيعة هو المذهب الحيّ الوحيد. و كان كوربين قريباً جدّاً من التشيّع، [1] وكان لقاؤه بالعلاّمة و حديثه معه و تعرّفه علی هذه الحقائق، و بالاخصّ أصالة الاعتقاد بالمهدي عليه السلام قد أوجد لديه تحوّلاً شديداً. يقول العلاّمة: و كان غالباً ما يقرأ أدعية الصحيفة المهدويّة فيبكي. و لقد بدأ تعرّف كوربين علی العلاّمة الطباطبائيّ و محادثاته معه سنة ألف و ثلاثمائة و ثمان وس بعين هجريّة، و دامت محادثاتهما لما يزيد عن العشرين عاماً. و لقد تشرّف هذا الحقير بالحضور عند الاستاذ العلاّمة في مشهد المقدّسة يوم الجمعة 18 شعبان المعظّم لسنة ألف و ثلاثمائة و تسع و تسعين هجريّة، فدارت ذلك اليوم مذاكرات في شأن كوربين، و قد دوّنت كلام العلاّمة في شأنه و أقدّمها هنا للقرّاء الكرام: قال العلاّمة: لقد توفّي المسيو هنري كوربين الاستاذ المختص في دراسات الشيعة في جامعة السوربون[2] منذ شهر أو شهرين تقريباً، وك انت له مجالس عديدة معنا حول التحقيق في مذهب الشيعة. و كان رجلاً منصفاً سليم النفس، و كان يعتقد بأنّ مذهب الشيعة ـ من بينجميع مذاهب العالم ـ هو المذهب الحيّ! الفعّال المتحرّك، و انّ باقي المذاهب قد أنهت مدّة حياتها دونما استثناء، و انّها تفتقد حالة التكامل و الترقّب. فالكليميّون لا يقولون بإمام و وليّ حيّ، و هكذا الامر بالنسبة للمسيحيّين و الزردشتيّين، فليس لهم استناد الی مبدأ للمياة، فاكتفوا ـ لذلك ـ بالعمل بالتوراة و الإنجيل و زند وافستا، و هم يتحرّون تكاملهم في إطار هذه الحدود فقط، كما انّ جميع فرق أهل السنّة تعتبر تكاملها في ظلّ القرآن و السنّة، أمّا الشيعة فدينهم دين الحركة و الحياة، لانّهم يعتقدون بوجوب وجود إمام و قائد حيّ للامّة، و انّ تكامل الإنسان انّما يحصل بالوصول الی مقامه المقدّس، لذا فهم لا يدّخرون وسعاً في هذا المجال عن أيّ تحرّك و بحث و عشق. وي قول: قلت يوماً لكوربين: انّ جمع الارضي و الامكنة بلا استثناء هي أمكنة للعبادة في الدين الاسلامي، فإن شاء امرؤ الصلاة أو تلاوة القرآن او السجود أو الدعاء، فإنّ بإمكانه القيام بهذه الاعمال أينما كان، فقد قال رسول الله: جُعِلَتْ لِيَ الارضُ مَسْجِداً وَ طَهُوراً؛ امّا في الدين المسيحي فليس الامر كذلك، إذ ينبغي أن تُقام العبادة في الكنيسة فقط، و في وقت معيّن؛ أمّا العبادة في غير الكنيسة فباطلة. فإن اعترت أحد المسيحيين حالة في منتصف الليل في محلّ نومه في منزله ـ مثلاً ـ فأراد أن يدعو ربّه، فماذا سيفعل؟ أعليه أن يصبر الی يوم الاحد حيث تفتح الكنيسة، ليذهب هناك فيحضر الدعاء هناك!! انّ هذا يعني قطع علاقة العبد بربّه! فأجاب كوربين: نعم! هذا الإشكال موجود في الدين المسيحي؛ و الحمدلله فإنّ الدين الإسلامي قد حفظ علاقة المخلوق بخالقه في جميع الاوقات و الامكنة و الحالات. و قال (العلاّمة): لو اعترت الإنسان المحتاج في الدين الاسلاميّ المقدّس حالة فانّه يدعو الله وفق تلك الحال و الحاجة، لان لله أسماءً حُسني كالغفور و الرحيم و الرازق و المنتقم و غيرها، فيعمد الإنسان ـ وفق حاجته و رغبته ـ الی دعاء الله و ندائه بأيّ واحد يراه مناسباً من هذه الاسماء، فإن أراد أن يغفر اللهل ه و يتجاوز عن ذنبه ـ مثلاً ـ فعليه أن يستفيد من اسم الغفور و الغفّار و غافر الذنب. أمّا في الدين المسيحي فليس لله أسماء حسني، بل له فقط لفظ الله و الإله و الاب. لذا فإن اعترتكم حالة ـ مثلاً ـ فأردتم أن تدعو الله و تناجوه و تذكروه بأسمائه و صفاته تطلبوا حاجتكم منه بإسم خاص، فما الذي ستفعلونه يا تري؟ فأجاب: انني أقرأ في مناجاتي الصحيفة المهدوية للمهدي عليه السلام. يقول العلاّمة: و كان كوربين يقرأ كراراً الصحيفة السجّادية للسجّاد عليه السلام فيبكي. و لقد نشرتُ محاورات العلاّمة الطباطبائي مع كوربين بلغاتٍ أربع: الفارسية، العربية، الفرنسية و الانجليزيّة، كما نشرت أوّل دورة منها بالفارسية بإسم «مكتب تشيّع = منهج التشيّع» الدورة السنوية الثانية، ثمّ أعيد طبعها. و قد نشرت و تنشر حالياً كتب للعلامة مثل كتاب «شيعه = الشيعة»، و كتاب « رسالت تشيّع در دنياي امروز[3] = رسالة التشيّع في العالم المعاصر» و كتاب « پرسشهاي اسلامي = مسائل إسلاميّة»، و كتاب «اسلام و انسان معاصر = الإسلام و الإنسان المعاصر». كما انّ من مؤلّفاته الاخري كتاب «حكومت در اسلام = نظام الحكم في الاسلام» بالفارسيّة، و قد تُرجم الی اللغة العربيّة؛ و له أيضاً رسالة عربيّة في باب نظام الحكم في الاسلام بإسم «الحكومة في الاسلام»، و رسالة في الإعجاز، و رسالة عربيّة بإسم «عليّ و الفلسفة الالهيّة» و قد ترجمت هذه الاخيرة الی الفارسيّة. و له حواش نفيسة علی كتاب «الاسفار الاربعة» لملاّ صدرا وردت في هيئة تعليقات في طبعة الاسفار الاخيرة التي نشرت في تسعة مجلّدات؛ و له أيضاً حاشية علی «كفاية الاصول». و من مؤلّفاته الاخري كتاب «سنن النبيّ» الذي جري طبعه و نشره مع إضافات لاحد الفضلاء؛[4] و له عدّة رسائل في الاعتباريّات و البرهان و المغالطة و التحليل و التركيب و المشتقّ و غير ذلك، لم تُطبع حتّي الآن. المنهج العرفاني و الاخلاقيّ للعلاّمة الطباطبائيامّا المنهج العرفاني للاستاذ: آنچه ميدانم از آن يار بگويم يا نه و آنچه بنهفته ز أغيار بگويم يا نه دارم أسرار بسي در دل و در جان مخفيّ اندكي ز آنههمه بسيار بگويم يا نه سخني را كه در آن بار بگفتم با تو هست اجازت كه در اين بار بگويم يا نه معني حُسن گل و صورت عشق بلبل همه در گوش دل خار بگويم يا نه وصف آنكسي كه در اين كوچه و اين بازار است در سر كوچه و بازار بگويم يا نه [5] فما الذي أقوله فيمن اقترن عمري و حياتي و نفسي به؟ إن كنتُ عارفاً بالله، أو عارفاً بالنبيّ، أو عارفاً بالإمام، فانّ ذلك كلّه ببركة رحمته و لطفه. اي انّ اللهت عالي حين منّ علينا به، فقد منّ علينا بكلّ شيء؛ و لقد كان كلّ شيء، كان طويلاً شامخاً و كان قصيراً، فصيراً في عين شموخه، و كان في الحضيض و النزول في عين أوجه و ارتفاعه. كان رفيقاً سمحاً معنا نحن الطلبة العجولين الوقحين المتطاولين، كمثل أب طويل القامة ينحني فيأخذ بيد الطفل و يُسايره في مشيه. كان الاستاذ معنا علی هذه الحال، فقد كان يُماشينا و يُساير كلاّ منّا و يربّيه وفق ذوقه و تبعاً لاختلاف شدّته وحدّته و سرعته و بُطته. و مع انّ الاسرار الإلهيّة كانت موّاجة في قلبه المضاء، فقد كان له سيماء و ملاح باشّة طَلْقَة، و كان واهناً مضمحلاّ صامتاً، و كان صوته هادئاً، و كان دوماً في حال تفكير و تأمّل، و قد يحصل أن ترتسم ابتسامة لطيفة علی شفتيه. [6] بحسن خلق و وفا كس بيار ما نرسد تو را در اين سخن انكار كار ما نرسد اگر چه حسن فروشان به جلوه آمدهاند كسي به حسن و ملاحت بيار ما نرسد بحقّ صحبت ديرين كه هيچ محرم راز به يار يك جهت حقگزار ما نرسد هزار نقش بر آید زکِلک صُنع و یکی بدلپذیری نقش نگار ما نرسد هزار نقد به بازار كائنات آرند يكي به سكّه صاحب عيار ما نرسد دريغ قافلة عمر كانچنان رفتند كه گردشان بهواي ديار ما نرسد[7] بلي، أيّها الاستاذ العزيز، يجب ان نتمثّل بعدك بالجملة التي قالها الإمام السجّاد عليها حين وقف علی قبر أبيه: أمَّا الدُّنيَا فَبَعْدَكَ مُظْلِمَةٌ؛ وَ أمَّا الآخِرَةُ فَبِنُورِ وَجْهِكَ مُشرِقَةٌ. لقد كان هذا الرجل عالماً من العظمة، و كان يجلس علی الارض في جانب ساحة المدرسة كما يفعل الطلبة الصغار، و يأتي الی المدرسة الفيضيّة قرب الغروب، فيصلّي حين تُقام الصلاة مقتدياً ـ شأن سائر الطلبة ـ بالمرحوم آية الله الحاج السيّد محمد تقي الخونساري. آداب و أخلاق العلاّمة الطباطبائي و كيفيّة تواضعه و خشوعهو كان في غاية التواضع و الادب، و ذا سعي بليغ في حفظ الآداب، و قد قلتُ مراراً في محضره: انّ هذا الحدّ من أدبكم و رعايتكم يجعلنا نتخطّي الادب، فأستلفكم بالله أن تراعوا حالنا! و لم يُشاهد العلاّمة منذ أربعين سنة و حتّي زمننا هذا و هو يجلس متّكئاً علی وسادد في مجلسٍ ما، فقد كان يجلس أمام القادمين بأدب، و بفاصلة قليلة عن الجدار، بحيث يكون أوطأ مجلساً من الضيف القادم. و لقد كنت تلميذاً له، و كنت أتردّد علی منزله كثيراً، فأحاول ـ مراعاةً للادب ـ أن أجلس أدني منه، و لكن هيهات! فقد كان ينهض و يقول: إنّ علينا ـ اذاً ـ ان نجلس في العتبة أو خارج الغرفة! و قد حصل حين قدمتُ الی مشهد قبل عدّة سنوات فذهبتُ الی منزله لزيارته، فشاهدته جالساً علی فراش (و كان الطبيب قد أوصي أن لا يجلس علی الارض الصلبه لضعف قلبه) فنهض عن الفراش و دعاني للجلوس عليه فاشنعتُ، و هكذا بقينا واقفين بُرهة، ثم قال أخيراً: اجلسوا فإنّ عليّ أن أقول شيئاً. فجلستُ طاعةً و تأدّباً، و جلس هو علی الارض، ثم قال: انّ ما أردتُ قوله هو: انّ الفراش ألين مجلساً! و لم يحصل أبدا أن يدعني العلاّتمة أقتدي به في الصلاة منذ زمن دراستنا في قم حيث كنت أتردّد علی منزله كثيراً، و بقيت هذه الحسرة في قلبي في.نّني لم أدرك الصلاة معه جماعةً؛ و دام الامر علی ذلك منذ ذلك الحين الی الآن، حتّي تشرّف العلاّمة بالمجيء الی مشهد في شهر شعبان لهذه السنة، [8] فحلّ علينا في منزلنا، و قد خصّصنا له غرفة المكتبة ليمكنه مطالعة أيّ كتاب يشاء. ثم حان وقت صلاة المغرب، فبسطتُ سجّادة له و لاحد مرافقيه (و كان يتعاهده و يمرّضه) ثمّ غادرتُ الغرفة و في نيّتي العودة اليها بعد انشغاله في الصلاة للإقتداء به، إذ كنتُ أعلم أنّه لن يوافق علی إمامة الصلاة ما دمتُ في الغرفة. ثم انقضي ربع ساعة عن المغرب فسمعتُ صوتاً، و كان ذلك الصديق المرافق له يُناديني، و حين جئت اليه قال: انّ العلاّمة جالس ينتظركم لتصلّوا. قلتُ: انّني أصلّي مُقتدياً! قال (العلاّمة): نحن مقتدون! فقلت: أرجوكم أن تتفضّلوا بإقامة الصلاة. فردّ: انّ لنا هذا الرجاء! قلتُ: لقد رجوتكم أربعين سنة لاصلّي معكم مرّة واحدة فلم يتحقّق ذلك، فتفضّلوا بالقبول. أجاب بإبتسامة مليحة: فلتكن سنة أخري فوق تلك السنين الاربعين! و حقّاً فلم أكن أري في نفسي القدرة علی التقدّم عليه و الصلاة ليقتدي بي، و غمرتني حالة من الخجل و الحياء الشديد. ثمّ رأيتُ في النهاية انّه جالس في إصرار و ثبات لا يتنازل بوجهٍ من الوجوه، و رأيتُ انصرافي الی غرفة أخري و صلاتي منفرداً أمراً غير صائب بعد استدعائه لي. فقلتُ: انّني مولاكم بالطبع، إن أمرتموني أطعتُ! قال: أمّا الامر فلستُ آمر بشيء، لكنّ هذا هو رجائي! فنهضتُ وصليّت المغرب، و صلّي العلاّمة مقتدياً؛ و هكذا فانّني بعد أربعين سنة، لم أعجز فقط عن الإقتداء به في الصلاة، بل و سقطتُ الليلةَ في مثل هذا الفخّ. يعلم الله ان منظر طلعته و تلك الحال من الحياء و الخجل الذي اقترن في سيمائه بالرجاء، كان يُخجل النسيم اللطيف، و يُيب ـ لشدّته و بأسه ـ الحجر و الجماد. خُلُقٌ يُخْجِلُ النَّسِيمَ مِنَ اللُّطْفِ وَ بأسٌ يَذُوبُ مِنْهُ الجَمَادُ جَلَّ مَعْنَاكَ أَنْ يُحِيطَ بِهِ الشِّعْرُ وَ يُحْصِي صِفَاتِهِ النُّقَادُ [9] المنهج، العرفاني للعلاّمة الطباطبائيكان المنهج العرفاني للاستاذ هو منهج أستاذه المنقطع النظير المرحوم آية الحقّ سيّد العارفين الحاج الميرزا علی أقاي القاضي؛ و كان في اسلوب التربية ـ بدوره ـ يُحاكي مسلك أستاذه السيّد أحمد الكربلائي الطهراني، و قد احتذي الاخير بدوره حذو مسلك استاذه المرحوم آية الحقّ الآخوند الملاّ حسين قلي الدرجزيني الهمداني رضوان الله عليهم أجمعين؛ و هو معرفة النفس المتلازم مع معرفة الربّ؛ و هناك روايات كثيرة تدلّل علی هذا الاصل. و يحصل ذلك بعد العبور من عالم المثال و الصورة، و بعد تخطّي عالم النفس فَعِنْدَ الفَنَاءِ عَنِ النَّفسِ بِمَراتِبِهَا يَحْصَلُ البَقَاءُ بِالرَّبِّ؛ حيث سيكون تجلّي سلطان المعرفة حين لا يبقي في السالك أي أثر من الآثار النفسانيّة. و من الشروط المهمّة لحصول هذا المعني: المراقبة؛ ففي كلّ مرحلة من المراحل و منزلٍ من المنازل يجب حفظ آداب و شروط تلك المرحلة و ذلك المنزل بما في الكلمة من معني؛ و الاّ فانّ الإيتان بالعبادات و الاعمال اللامزمة سيكون مع انعدام المراقبة عديمَ الفائدة، و في حكم تناول المريض للدواء مع عدم الوقاية و الحميّة، و مع استعمال الاطعمة الضارّة. و تلخّص كليّات المراقبة التي تتفاوت جزئيّاتها و تفاصيلها باختلاف المنازل، في أشياء خمسة: صمت و جوع و سهر و عزلت و ذكري بدوام نا تمامان جهان را كند اين پنج تمام [10] و كان المرحوم الاستاذ يبجّل كثيراً عالمين من علماء الإسلام و يُشيد بمقامهما بإعظام، الاوّل السيّد الاجلّ عليّ! بن طاووس أعلي الله تعالي مقامه الشريف، و كان يولي أهميّة لكتابه «الإقبال»، و كان يدعوه سيّد أهل المراقبة. و الثاني السيّد مهدي بحر العلوم أعلي الله تعالي مقامه؛ و كان يمتدح كثيراً طريقته في العيش و سلوكه العلميّ و العمليّ و مراقباته. و كان ينقل كراراً أمر تشرّفه و السيّد ابن طاووس بلقاء إمام العصر أرواحنا فداه؛ و كان مُعجباً بانعدام هوي النفس ليدهما، و بأمر مجاهداتهما في سبيل نيل المقصود، و بكيفيّة معيشتهما و سعيهما و اهتمامهما بتحصيل رضا الله تعالي، و كان ينظر الهيما نظر تجليل و تكريم و إعظام. و كان يُعني به «رسالة السير و السلوك» المنسوبة لبحرالعلوم و يُوصي بقرائتها، و قام لعدّة مرّات ببيانها و شرحها و تبسيطها ببعض التفصيل للرفقاء الخاصّين من الطلبة المتحمّسين و المتحرّرين، من طلاّب الحقّ و لقاء الله. و كان يعدّ كتاب « طهارة الأعراق» لابن مسكويه أفضل كتاب أخلاقي في المختصرات؛ و كتاب «جامع السعادات» للحاج الملاّ مهدي النراقي أفضلها في المتوسّطات؛ و كتاب «إحياء الاحياء» للملاّ محسن الفيض الكاشاني أفضلها في المطوّلات. و كان يقول: انّ ما ورد في كتاب «روضات الجنّات» في ترجمة حال الخواجه نصيرالدين الطوسي من انّه اقتبس كتاب «اخلاق ناصري» من كتاب «طهارة الأعراق»، و انّ ابن مسكويه أخذه عن علماء الهند، ليس صحيحاً؛ لانّ ابن مسكويه كان معاصراً لابي علی بن سينا، و له كتاب في الفلسفة و هو من الفلسفة اليونانيّة مائة في المائة و لا علاقة له بالفلسفة الهنديّة أبداً، كما انّ كتابه في الاخلاق «طهارة الأعراق» لاينسجم مع الذوق الهندي أبداً. و أمّا النراقي [11] فهو من الفقهاء و العرفاء و الفلاسفة من الطراز الاوّل، و ممّن يعزّ نظيره في شموله الفكري و تبحرّه في العلوم الرياضيّة و الهيئة؛ و له مقام رفيع في الاخلاق. و ممّا لا ينقضي له العجب انّ هذا الرجل لم يُعرف حتّي الآن، فبقي مجهولاً مع هذه الكمالات والمقامات العديدة، و قد طُبع بضع مصنّفاته أخيراً، و تقرّر أن تُطبع باقي آثاره الجليلة. و امّا الفيض فهو أشهر من الشمس، و كتابه «المحجّة البيضاء» الذي كتبه في إحياء «إحياء العلوم» يُعدّ في طائفة أنفس كتب الشيعة رضوان الله عليهم أجمعين. و الخلاصة فقد كان الفرق الواضح بين العلاّمة الطباطبائي و بين الآخرين، هو انّ أخلاقيّاته كانت ناشئة من رشحات الباطن و بصيرة الضمير، و استقرار حقيقة السير و السلوك في أعماق الذهن و القلب، و افتراق عالم الحقيقة و الوقايعّد عن عالم المجاز و الاعتبار، و بلوغ حقائق العوالم الملكوتيّة؛ و في الحقيقة فانّه كان قد تنازل عن مقامه المعنوي الی عالم الصورة و عالم الطبع و البدن، و جعل معاشرته و ذهابه و مجيئه و تنظيم سائر أموره علی ذلك الاساس. امّا المسلك الاخلاقي لغيره فكان ناشئاً عن تصحيح الظاهر و رعاية الامور الشرعيّة و المراقبات البدنيّة، حيث كانوا ـ بهذه الوسيلة ـ في صدد إنارة نافذة من الباطن، ليتجلّيّ سبيلٌ الی قرب الحضرة الاحديّة؛ رحم الله الماضين منهم أجمعين. و كان للاستاذ العلاّمة روح لطيف، و ذوق رفيع، و لطافة خاصّه به، [12] و كان يجبّ الاشعار العربيّة، و أشعار ابن الفارض و خاصّة شعره في «نظم السلوك «المعروف بـ «التائيّة الكبري». و كان يمتدح من الاشعار الفارسيّة ديوان حافظ الشيرازي، و كان يقرأ للاصدقاء أحياناً و بصوتٍ هادي، غزلاً من الاشعار العرفانيّة الفارسيّة أو العربيّد. و كان كثيراً ما يستشهد بهذه الاشعار في أنّ علی السالك أن يصرف همّه و غمّه الی الله مباشرةً، و أن لا يكون في صدد طلب فضيلة أو تكاثر، بل يجب أن يكون همّه في الله تعالي، و أن يكون زاده في طريقه ذلّ العبوديّة، و دليله المحبّة. و كان يقول: لقد فعل الشاعر في إظهار سبيل الفناء عجباً! رَوَتْ لِي أحَادِيثَ الغَرَامِ صَبَابَةً بِإسنادِهَا عَن جِيرَةِ العَلَمِ الفَرْدِ وَحَدَّثَنِي مَرُّ النَّسِيمِ عِنِ الصَّبَا عَنِ الدَّوْحِ عَنو وَادِي الغَضَي عَنْ رُبَي نَجْدِ عَنِ الدَّمْعِ عَن عَيْنِي القَرِيحِ عَنِ الجَوَي عَنِا لحُزْنِ عَنْ قَلْبِي الجَرِيحِ عَنِ الوَجْدِ بِأَنَّ غَرَامِي وَالهَوَي قَدْ تَحَالَفَا علی تَلَفِي حَتَّي أُوَسَدَّ فِي لَحْدِي [13] القريحة و الذوق العشري للعلاّمة؛ و قصائده و غزليّاتهو كان للعلاّمة قريحة شعريّة، و له أشعار غزليّة عرفانيّة نضرة ينشدها بوجدٍ و اندماج، و الشوق و العشق يغمرانه؛ و نورد هنا أحد هذه الاشعار الغزليّة كمثال: مهر خوبان دل و دين از همه بي پَروا برد رُخ شَطرنج نبرد آنچه رخ زيبا برد تو مپندار كه مجنون سر خود مجنون گشت از سَمَك تا به سهايش كشش ليلي برد من به سر چشمة خورشيد نه خود بردم راه ذرّهاي بودم و مِهر تو مرا بالا برد من خَس بيسر و پايم كه به سيل افتادم او كه ميرفت مرا هم به دل دريا برد جام صهبا ز كجا بود مگر دست كه بود كه درين بزم بگرديد و دل شيدا برد خم ابروي تو بود و كف مينوي تو بود كه بيك جلوه ز من نام و نشان يكجا برد خودت آموختيم مِهر خودت سوختيم با برافروخته روئي كه قرار از ما برد همه ياران به سر راه تو بوديم ولي خم ابروت مرا ديد و ز من يَغما برد همه دل باخته بوديم و هراسان كه غمت همه را پشت سر انداخت و مرا تنها برد [14] تواضع العلاّمة الطباطبائي في مقابل المعصومين عليهم السلامو كان للاستاذ محبّة و وله خاصّين بالائمّة الطاهرين صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين، فإذا ذُكر أحدهم أمامه، كان إظهار التواضع و الادب في ملامحه مشهوداً؛ و كان له إجلال خاص لإمام العصر أرواحنا فداه. و كان يعدّ منزلة رسول الله و الائمّة و الصّديقة الكبري و مقامهم فوق التصوّر، و كان له تجاههم نوع من الخضوع و الخشوع الحقيقي و الوجداني. و كان يعتبر مقامهم و منزلتهم ملكوتيان، و كان له اطّلاع و وقوف كامل علی سيرتهم و تاريخهم، و كان يُسئل عنهم في كثير من المطالب، فيُجيب ببيان و تفصيل، لكأنّه قد طالع تلك السيرة اليومَ، أو لكأنّه مستقرّ في مصدر الوحي و التشريع، فهو يستمد منه و يُفيض علی هذا العالم. و كان دأبه في الصيف، و منذ قديم الايّام، أن يتشرّف بزيارة ثامن الائمّة عليه السلام، فيقضي فصل الصيف هناك. و كان يقدّم تلك الارض المقدّسة علی سائر الامكنة، الاّ عند وجود محذورٍ ما. و كان عند حلوله في تلك الارض المقدّسة يتشرّف كلّ ليلة بالذهاب الی الحرم المطهّر، و كانت له حالة من التضرّع و الرجاء. و مهما كانوا يلحّون عليه بالسكني في ضواحي مشهد و خارجاً عنها، كمثل «طرقبة» و «جاغرق»، لعذوبة الماء و ملائمة الهواء هناك، ثمّ المجيء منها للزيارة أحياناً، فانّه لم يكن يقبل بذلك مطلقاً، و كان يقول: انّني لن أتحوّل عن هلجأي عند الإمام الثامن. [15] و كان العلاّمة يمتاز بخضوع و خشوع جمّ أمام القرآن الكريم، و كان غالباً ما يتلو آيات القرآن عن حفظ، و يُشير الی مواضع الآيات في السور المختلفة؛ كما كان يتلو الآيات التي تتعلّق بتلك الآية، و كانت جلسات البحوث القرآنيّة لذلك الفقيد السعيد شيّقة للغاية و غزيرة المحتوي. أمّا وضع معيشة فقد كان ينتمي ـ كما يتّضح من شجرة نسبه ـ الی عائلة محترمة و معروفة و وجيهة في آذربيجان، و كان مصدر معيشته و أخيه منذ الصغر منحصراً في أرض زراعيّة في قرية «شاد آباد» في تبريز، انتقلت اليهما إرثاً من أسلافهما. و كما يتّضح من كتاباته زمن توطّنه في تبريز و إقدامه علی العمل بالزراعة لكسب لقمة العيش، فانّ تلك الرسائل الخطيّة (كتاب «توحيد» و كتاب «الإنسان» و رسالة «الوسائط» و رسالة «الولاية») قد أُلّفت في «شاد آباد». و كان العلاّمة يقول: «لقد كان هذا المِلك لمدّة مائتين و سبعين عاماً ملكاً مطلقاً لآبائنا و أجدادنا»؛ و كانت الوسيلة الوحيدة للعيش منحصرة في الزراعة، فإن تعرّض ذلك المِلك للغصب أو الإعتداء، اختلّت بسببه جميع اُمور العلاّمة المعيشيّة و تعرّض لضائقة ماليّة. ارجاعات [1] ـ أوردت مجلّة ّ«جوانان امروز = الشباب المعاصر» في الصفحة (52) من العدد (821) بتاريخ 24 آبان 1361 ه ش، و هو العدد الخاص بالذكري السنويّة لارتحال العلاّمة الطباطبائي، ضمن لقاء من نجله الاكبر: السيد عبدالباقي حفظه الله، مطلباً نقله عن العلاّمة حول هنري كوربين، ننقله عنه هنا، قال: التفت إلی أبي يوماً دون أن أسأله شيئاً فقال في بشاشة و نشاط خاصّين: لقد آمن هذا البروفسور بالإسلام، الاّ انّه يستحيي من اعلان إيمانه شفاهاً! و ما إن مرّت عدّة أيّام علی مقولة أبي، حتّي تحدّث البروفسور يوماً في أحد المؤتمرات في الخارج حديثاً أثار بسببه الضجّة، فلقد أورد حديثاً حماسيّاً ساخناً عن صاحب العصر و الزمان عجّل الله تعالي فَرَجه، قال فيه: «لقد كدتُ أخسر منصبي التحقيقي لاجل البحث في الاسلام و الوصول إلی هذا الحقائق. أي أنني أو شكت أن أُعزل عن هذا المنصب من قبل الكنيسة.» و قد سرّ أبي جدّاً حين اطّلع علی هذا الامر و سُعد بذلك و قال: ألم أقل انّ البروفسور كوربين هذا مؤمن بالإسلام الاّ انّه يستحيي أن يعترف بذلك صراحةً؟ [2] ـ Henry Corbin Professeur aL Ecole des Hou ta Es Etudes (Sorbonne). Etudes 9) [3] ـ كتاب «شيعة = الشيعة» عبارة عن محاورات العلاّمة مع كوربين في سنة 1338 ه؛ و كتاب «رسالت تشيّع در دنياي امروز = رسالة التشيّع في العالم المعاصر» عبارة عن محاوراتهما في سنتي 1339 و 1340 ه. [4] ـ و اسمه: الحاج الشيخ هادي الفقيهي؛ زاده الله هدايةً وفقهاً. [5] ـ «ديوان مغربي» ص 119. يقول: أأفوهُ ـ أم لا ـ بما أعرف عن ذيّاك الجبيب؟ أأبوح ـ أم لا ـ بما استتر عن الاغراب؟ لقد كمن في قلبي و روحي الكثير من الاسرار؛ أفصرّح ـ أم لا ـ منها بغيضٍ من فيض؟ أتُجيزني ـ أم لا ـ لاقول هذه المرّة حديثي الذي حَدَّثْتُكَه في تلك؟ أأهمسُ ـ أم لا ـ في أذن قلب الشوكة بمعني حُسن الوردة و صفة عشق العندليب؟ أفأذكر ـ أم لا ـ في السوق و الطريق وصفَ ذلك الذي (آياتُهُ) في السوق و الطريق! [6] ـ نقل سماحة حجّة الاسلام السيد أحمد الرضوي دام عزّه انّ المرحوم آية الله الآخوند الملاّ علی الهمداني رحمة الله عليه كان يقول: لقد كنّا نري المرحوم آية الحقّ آية الله العلاّمة الطباطبائي رضوان الله عليه ساكتاً منقبضاً دون أن يرشح عنه شي، و كان يتحاشي الظهور باستمرار. حتّي كانت ليلة كنت فيها في محلّ خارج مدينة مشهد المقدّسة مع آية الله الميلاني و المرحوم الحاج السيد محمد ضيا بري و العلامّة الطباطبائي و عدّة نفر آخرين، فحصل مطلب بالمناسبة بحيث تحدّث العلاّمة بشأنه لساعتين كاملتين، فبسط القول و فصّله بحيث قلتُ بعد إكمال كلامه: لقد قرأتُ في أعمال ليلة الجمعة ـ ظاهراً ـ انّ من قام بالعمل الفلاني، أنعم الله عليه بكنز من مالٍ أو علم. و لم أكن لابغي مالاً، فقمتُ بذلك العمل ليُنعم الله عليّ! بكنز العلم؛ و لله الحمد و الشكر فقد نلتُ الليلةَ مرادي و وجدتُ كنز العلم. [7] ـ «ديوان حافظ» طبع پژمان، حرف الدال، ص 80 يقول: ليس لحسن خلق حبيبنا و وفائه من نظير؛ فلا يليقتنّ بك إنكار فعلنا بحديثك. و لقد تجلّي أرباب الملاحة لعرض محاسنهم، لكنّ أحداً لم يُضاهي حبيبنا ملاحةً و حُسناً. فبحقّ عِشرتنا القديمة أُقسم أن ليس مِن مثيلٍ لحبيبنا المحقّ للحقّ، الصريح بلا مواربة. يحترح قلم الصُنع كلّ آن ألف صورةٍ و صورة، لكن أحدها لن يُحاذي صورة معشوقنا في استهواء القلوب. و مع انّهم يأتون لسوق الكائنات بالآف النقود (و أرباب الحسن)، لكنّ أحدها لن يعادل نقد حبيبنا الخالص الصِرف. فيا للاسي فقد رحلت قافلةُ العمر بحيث لن يخطُر ـ من ثَمّ ـ غبارُها علی هوي ديارنا! [8] ـ أي شهر شعبان الاخير المنصرم، و الذي صادف في سنة ألف و أربعمائة و واحد هجريّة. [9] ـ «سفينة البحار» ج 1، ص 437؛ عن صفيّ الدين الحلّيّ تلميذ المحقّق الحلّي، ضمن قصيدة أنشأها في مدح أميرالمؤمنين عليه السلام. [10] ـ يقول: صمتٌ و جوعٌ و سَهَرٌ و عُزلةٌ و ذِكرٌ دائم؛ فهذه الخمسة ستجعل عدم الكاملين في العالم كاملين. الروايات الواردة في ضرورة مراعاة هذه الامور الخمسة لا تُحصي، و نورد هنا رواية واحدة وردت في «مصباح الشريعة» فقد ورد في الباب (28) من ذلك الكتاب: قَالَ الصَّادقُ عَليه السلام: لاَ رَاحَةَ لِمُؤمِنٍ إلاَّ عِندَ لِقَاءِ اللهِ تَعالَي، وَ مَا سِوَي ذَلِكَ فَفِي أرْبَعَةِ أشيَاءَ: صَمْتٌ تَعْرِفُ بِهِ حَالَ قَلْبِكَ وَ نَفْسِكَ فِيمَا يَكُونُ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ بَارِئِكَ، وَ خَلْوَةٌ تَنْجُو بِهَا مِنْ آفَاتِ الزَّمَانِ ظَاهِراً وَ بَاطِنَاً، وَ جُوعٌ تُمِيتُ بِهِ الشَّهَواتِ وَ الوَسْوَاسَ، وَ سَهَرٌ تُنَوِّرُ بِهِ قَلْبَكَ وَ تُصَفِّي بِهِ طَبْعَكَ وَ تُزَكِيّ بِهِ رُوحَكَ. و قد جري هنا ذكر أربعة أشياء غير دوام الذكر؛ و من البيّن و الجليّ انّ دوام الذكر من أهم المقاصد. [11] ـ الحاج الملاّ مهدي النراقي أحد النفر الخمسة المسمّين ب «مهدي»، الذين عاشوا في عصرٍ واحد و عدّوا في أقطار العالم من أعلام الشيعة و أساطينهم، حيث اشتهروا بالمهادي الخمسة، و هم عبارة عن: السيد مهدي بحرالعلوم، و السيّد مهدي القزوينيّ و الحاج الملاّ مهدي النراقي، و الحاج الميرزا مهدي الشهرستاني، و السيّد مهدي الخراساني الشهيد و المرحوم الحاج الملاّ مهدي النراقي هو جدّ الاعلي من جهة الامّ، أي انّه أب جدّة جدّة الحقير لامئة، لذا فانّ ابنه الحاج الملاّ أحمد هو خال جدّتنا العليا، و ابنه الحاج الملاّ محمد هو ابن خال جدّتنا العليا. [12] ـ نقل سماحة حجّة الإسلام الحاج السيد محمد علی نجل آية الله الميلاني قصّة عن إحاطة و سيطرة سماحة العلاّمة علی الشعر الفارسي، تثير العجب حقّاً، قال: كنتُ يوماً مع سماحة العلاّمة الطباطبائي و صهريه: «آقاي القدّوسي و «أقاي» المناقبي، و نحن قادمينبسيّارة شخصيّة من سبزوار إلی مشهد، فتقرّر القيام بمطاردة شعريّة، فكنّا نحن الثلاثة في جانب و العلاّمة لوحده في جانب، فلم نستطع ثلاثتنا الفوز عليه، بل كان العلاّمة يتفوّق علينا ليس ببيت واحدٍ من الشعر، بل كان يورد عدّة أبيات بالترتيب بعنوان شاهد. و حقّاً فقد دُهشنا من تسلّطه في الشعر و الادب. انتهي. و كما سنري لاحقاً، فقد كانت للعلاّمة قريحة شعريّة راقية و ذوق متين رفيع، و قد طُبعت أشعار العلاّمة التالية في جريدة «آستان قدس» في مشهد، السنة الثانية، العدد (549)، يوم الاربعاء 15 ربيع الثاني 1410 ه، الموافق 24 آبان 1368 شمسي. و مع الاسف فقد تخيّلوا هذا اليوم ـ حسب التقويم الشمسي ـ هو الذكري السنوية لرحيل العلاّمة الطباطبائي، فعُدَّ يوم ذكري ارتحاله حسب السنة الشمسيّة خلافاً لجميع الموازين الشرعيّة. فيوم ارتحال العلاّمة هو الثامن عشر من المحرّم، لا الخامس عشر من ربيع الثاني، فتأمّل و افهم! لكنّ ضلال الإنسان يجرّه إلی هذه المواضع. خشت اوّل چون نهد معمار كج تا ثريّا ميرود ديوار كج* و الخلاصة فالاشعار هي كالتالي: دامن از انديشة باطل بكش دست از آلودگي دل بكش كار چنان كن كه در اين تيره خاك دامن عصمت نكني چاك چاك يا به دل انديشة جانان ميار يا به زبان نام دل و جان ميار پيش نياور سخن گنج را ور نه فراموش نما رنج را يا منگر سوي بتان تيز تيز يا قدم دل بِكش از رستخيز روي بتان گر چه سراسر خوش است كشتة آنيم كه عاشق كُش است عشق بلند آمد و دلبر غيور در أدب آويز، رها كن غرور چرخ بدين سلسله پا در گِل است عقل بدين مرحله لا يعقِل است جان و جسد سوخته زين مرهمند مُلك و مَلَك سوختة اين غمند.** و هذه الابيات بعض قصيدته، و قد ذُكرت بتمامها في مجلّة «كيهان فرهنگي» السنة السادسة، شهر آبان 1368 ش، العدد 8، ص 9. يقول: * إن وَضَع البنّا ء الطابوقةَ الاولي معوّجة، كان الجدار مائلاً و لو ارتفع إلی الثريّا! ** يقول: نَخّ أذيالكَ عن الفكر الباطل، و تَنحَّ عن أدران القلب جانباً. و اعمل في هذه الارض القائمة بحيث تحفظ ثوب العصمة عنا لتشقّق و التصدّع. فإمّا لا تُخطرنّ في قلبك خيال الحبيب، أو لا تُخرنّ علی لسانك اسمه. و لا تخوضنّ في حديث الكنز، و الاّ نسيتَ المحنة و الالم و امّا لا تحدّقنّ صوب الاحباب، أو تراجع بأقدام قلبك عن القيامة. و مع انّ طلقة الحبيب تفيض أرجاؤها حُسناً، لكنّنا قتلي لقاتل العشّاق ذلك. لقد تصاعد العشق، و خاطف القلب غيور، فتعلَّقْ بالادب، و دَعْ عنك الغرور. لقد تعثّرت في الطين خُطي عجلة الزمان، و صار العقل في هذه المرحلة لا يعقل. الجسد و الروح محترقان بهذا المرهم، و المُلك و المَلَك مشتعلان بهذا الغمّ. [13] ـ و قد أورد هذه الاشعار أيضاً في «الميزان» ج 1، ص 379. [14] ـ يقول: لقد صادر حبّ الاطياب ـ دون مبالاة ـ قلوب الجميع و دينهم؛ و لن يكسب رخّ الشطرنج مغلوبٌ للطلعة الفاتنة. و لم تحسبنّ مجنون ليلي جُنّ من تلقاء نفسه، فقد ساقته جذبة ليلي من السَمَك إلی السُّها. و لم أسر في طريق منبع الشمس بنفسي؟ فلقد كنت ذرّة فسما بي حبّك إلی الذُّري. كنتُ قشّة ضائعة حين سقطتُ في السيل، فانحدر بي في مسيره إلی قلب اليمّ. و من أين ـ تري ـ جاءت كأس الصهباء، و في يد مَن؟ فقد دارت في هذا الحفل و انتهبت القلب الواله. و كانت استدارةُ حاجبك و كفّك القادمد من الفردوس. مَن سلبني في جلوةٍ واحدة إسمي و عنواني. لقد علّمتني الحبَّ بنفسك، و أحرقتني بنفسك بطلعة و ضّاءة متوهجّة صادرت مني قراري. كنتُ في طريقك مع الاصحاب جميعاً، لكنّ استدارة حاجبك لمحتني فتركتني سليباً. و لقد كنّا جمعياً مدلّهين خائفين، لكنّ غمّك خلّف الجميعَ و خطفني لوحدي! و أحد الاشعار البديعة الرائقة لسماحة الاستاذ أشعار «پروانه و بلبل = الفَراشة و البلبل» أنشدها عند عودته من تبريز: از دل آنروز كه من زادهام داغ بدل بوده و دل دادهام تا به ره افتادهام از كودكي هيچ نياسوده دلم اندكي شهر و ده و سينه و دريا و كوه گشتم و بگذشتم و دل در ستوه رحل بهر جاي كه ميافكنم روز دگر خيمة خود ميكَنم شاهد مقصود نديدم دمي هيچ نديدم خوشي و خرّمي چرخ نگرديد بكامم دمي قرعه نيفتاد بنامم دَمي از كف و از كاسة گردون دون بردهام و ريختهام اشك و خون من كه نبودم به رهش خار راه كوشش وي را ننمودم تباه جرم من اينست كه آزادهام در رقمِ تيره دلي، سادهام دوش بياد دل ويران شدم چون خط ايّام پريشان شدم عاقبتم سينة غم تنگ شد پاي شكيبائي من لنگ شد شمع بدستي و بدست دگر ساغر و مينا، شدم از در بدر نيم شبم از خانه گريزان شدم گاهِ سحر سوي گلستان شدم گاهِ بهار و شب مهتاب بود خرگه و گُل بود و لب آب بود جشن به دو شيوة سرو و سمن كرده پر از غلغله صحن و چمن بر سر هر بوته گلي گل زند پاي سخن زيور و سنبل زند نغزْ نسيمي كه ز خاور وزد خود لب گل، گل لب نسرين گزد رقص كنان نسترن و ياسمن چنگ زنان، چنگ زنان چمن تازه عروسان چمن گرم ناز پرده در افتاده برون جسته راز مرغ سحر هر چه بدل راز داشت چون نِي بي خويش در آواز داشت چون بغنوديم بيك كُنج باغ شيشه و پروانه و جام و چراغ ليك دلم چون خُم مي جوش داشت شاهد اندوه در آغوش داشت بسته لب و ديده و گوش از جهان گرم سر از تابش سوز نهان چشم و لبي را كه ز غم بسته بود گريه گهي خنده گهي ميگشود ديدم و پروانه به گرد چراغ گردد و بزمي است دگر سوي باغ ليك سراسر همه خاموشي است جلوه گه راز، فراموشي است در دو سر باغ دو تا جان فروش اين بطواف آمده آن در خروش عالم پروانه همه راز بود عالم بلبل همه آواز بود گفت به پروانة خاموش، هَزار هان تو هم از سينه نوائي بيار با دل پر سوز ترا تب سزاست در جلوي ناز نيازت رواست گفت به مرغ سحر آرام شو بستة دامي، برو و رام شو راستي، ار عاشق دل رفتهاي اين همه از بهر چه آشفتهاي گفت مرا يار بدينسان كند بيخود و بيتاب و پريشان كند گفت بگو زنده چرا ماندهاي تخم وفا گر به دل افشاندهاي صاعقة عشق به هر جا فتاد نام و نشان سوخته بر بداد داد يا به دل انديشه جانان ميار يا به زبان نام و دل و جان ميار پيش نياور سخن گنج را ور نه فراموش نما رنج را فارغ ازين پند چو پروانه گشت از دل و جان بيخود و بيگانه گشت خويش بر آتش زد و خاموش شد رخت برون بُرد و فراموش شد و ترجمة القصيدة كما يلي: كانت الحرقة في قلبي المتيّم منذ صميم ذلك اليوم الذي ولدت فيه. و منذ أن درجتُ في طفوليّتي، لم يجد قلبي طعم الراحة و لو قليلاً. طفتُ المدينة و القرية و الصحراء و البحر و الجبل و عبرتُها، لكنّ القلب كان متعباً مسكيناً. و كنتُ أنّي صططتُ رحالي!، أنتزعُ أوتاد خيمتي في اليوم التالي. لم ألمح الحبيب المقصود و لو لِلحظة، و لم أرَ قطّ فرحاً أو سعادة. و لم يَدُر الزمان وفق مرادي لحظة، و لا استقرّت القرعة هنيئةً بإسمي. و ما جنيتُ من قضاء الدهر الدنيّ و فِعله الاّ ذرف سخين الدموع دماً. مع أنّي لم أكن في طريقة شوكاً، و لم أهدر أدراج الرياح مساعيه. كان ذنبي انّني كنتُ حرّاً، و أنّي كنتُ في تسلسل كدر القلوب، بسيطاً ساذجاً. فتحطّمت أمس بذكري الحبيب، و صرتُ ـ كنقوش الايّام ـ شوّشاً مضطرباً. و كانت عاقبتي أن ضاق صدري، و استحالت عرجاءَ قدمُ استقامتي و صبري. صبرت طريداً أمسك شمعةً بيد، و بالاخري وردة «مينا» و مأساً. فررتُ من البيت منتصف الليل، و يمّمتُ صوب روضة الازهار سَحَراً. كان الوقت ربيعاً، و الليلة مُقمرة، الروضة مليئةً بالورد، علی حافّة الماء. و كان الاحتفال علی نهجي السرو و الفُلّ قد ملا الساحة و العشب صخباً. قد أينعت كلّ نبتة وردٍ وردةً، وازدان الحديثُ سنابلَ و زينةً. و كان نسيمٌ عليل يهبّ من الشرق فيطبق علی شفة الورد، و قد أطبق الورد علی شفة زهرة النسرين. كانت أزهار الياسمين و النسرين راقصة، و المرج في عزفٍ محموم. و كانت عرائس المرج الفتيّة منهمكة في غنجها، و قد هُتك الستار فبان السرّ جليّاً. و كان طائر السَحَر يصدح ـ كمزمارٍ فقدَ وعيه ـ بكلّ ما في القلب من أسرار. و حين رقدتُ في زاوية الحقل، و الزجاجة حولي، و الفراشةُ، والكأسُ، و المصباح. لكنّ قلبي كان كدنّ الخمر فوّاراً، فقد كان يضمّ اليه الحزنَ حبيباً. كانت شفاهي مطبقة، و أعيني مغمضة، و آذاني عن العالم صمّاء، و كنت مشغولاً بإخفاء الوجه عن الوهج اللاهب. كنت أفتح الاعين و الشفاه التي أُطبقها غمّاً، لابكي تارةً، و أضحك تارةً أخري. فرأيتُ ـ و الفراشة حائمة حول المصباح ـ حفلاً آخر في الروضة. لكنّ الصمت كان مطبقاً علی أرجاء الروضة كلّها، لانّ تجلّي السرّ ليس الاّ النسيان. و كان في طرفي الروضة عاشقين مضحّيين؛ هذه في تطوافها، و ذاك في حماسه و عنفوانه. كان عالم الفراشات مليئاً بالاسرار، و كان عالم البلابل مشحوناً بالشدو و الغناء. قال البلبل للفراشة الصامتة: حان عليك أن تصدحي و تبوحي من الصدر شيئاً. فالحرارة و الحيويّة أليق بقلبك الطافح بالحرقة؛ و اظهار الفاقة جميلٌ أمام أصحاب الدلال و الغنج. فقالت لطائر السَحَر: تمهّل و هوِّن عليك، فما أمرك الاّ بالفخّ مرهون! و حقّاً! إن كنتَ عاشقاً مدلّهاً، فممَّ كلّ هذا الاضطراب لديك؟ قال: أحالني الحبيب بهذه الحال، و صيّرني حائراً دون وعي و لا صبر. فردّت: فكيف ـ اذاً ـ بقيتَ بقيد الحياة، إن كنتَ بذرتَ في القلب بذرَ الوفاء؟! فأنّي انحطّتْ صاعقةُ العشق، أحرقت الاءسم و العنوان فكانا هباءً مثنوراً. فامّا لا تُخطِرن بقلبك ذكر الحبيب، أو لا تُخطرن علی لسانك اسمه. و لا تخوضنّ في حديث الكنز، و الاّ نسيتَ المحنةَ و الالم. و لمّا فرغت الفراشة من نُصحها، فاض بها الوله و الغُربة عن نفسها. فألقت إلی النار بالنفس فسكثت إلی الابد؛ و لملت أثوابها خارجاً فصارت نسياً منسيّاً. زهرة «مينا»: نوع من الورد وسطه أصغر اللون و أوراقه بيضاء أو زرقاء فاتحة الزُرقة (م) و قد أوردنا في نهاية هذا الكتاب احدي قصائد العلاّمة الطباطبائي في الزهد عن الدنيا و الاءلتفات الثام إلی الله المتعال. و هناك قصيدة أخري من قصائده البديعة الشيّعة في التمسّك بالإسلام و السعي و المجاهدة في طريق نيل المقصود، و عدم الاءهتمام بأمور الدنيا؛ و هي قصيدة أنشأها عند ارتحال آية الله السيّد محمّد حجّت كوه كمري؛ و هي حقّاً قصيدة جميلة جداً و بديعة. هذا و قد نُقلت هذه القصيدة في كتاب «گنجينه دانشمندان + خزانة العلماء» المجلّد الاوّل، ص 316 و 317؛ ضمن ترجمة و بيان أحوال المرحوم آية الله حُجّت رحمة الله عليه، و القصيدة بتمامها كالتالي: دريغا كه مهر هدايت برفت دريغا جهان فضيلت برفت شه علم و تقوي و همّت برفت فسوس آية الله حجّت برفت به سر خاك اين تيره ايّام را كه بشكست أركان اسلام را سپهر فضائل نگونسار شد جهان هنر همچو شب تار شد دل و ديدة علم خونبار شد بلي رستخيزي پديدار شد كه او رخت از اين دام بيرون كشيد فرو خرگه خود به هامون كشيد مهين طائر اسماني سرشت كه پرّيد از اين تيرهگون دام زشت زند نغمه در گِلستان بهشت پيامي به آنان كه افسرده هشت پيامي كه همچون سرود سروش كند جلوه هر لحظه در گوش هوش كه ياران نميپايد اين روزگار بگرديد پا بند كردار و كار مگيريد از كار و كوشش قرار مناليد از رنج تن زينهار به ويرانه در، گنج بيمار نيست گلي اندرين باغ، بي خار نيست نداريد جز كيش إسلام كيش در اين ره مناليد از نوش و نيش بكوشيد و بنهيد پائي به پيش مترسيد از قطرة خون خويش كه زيباتر از خون به پيكار نيست خود از لاله خوشتر به گلزار نيست بزرگان كه رادند و آزادهاند به حق مهر ورزيده دل دادهاند به خون خود آغشته افتادهاند بدين آرمان راه بگشادهاند به شمشير هر بند بگسستهاند به نيروي دانش دژي بستهاند مبادا كه گردون كند رامتان مبادا كه كوته كند گامتان مبادا شود تيره فرجامتان مبادا كه ننگين شود نامتان شود تيره دل، دشمن پر زكين بگيرد دژ و بشكند كاخ دين حقيقت جز آئين إسلام نيست به از نام نيكوي وي نام نيست به چيزي فضيلت جز او رام نيست جهان جز به وي هرگز آرام نيست مهين كاخ اسلام آباد باد هميشه بر و بومش آزاد باد و ترجمة الاشعار كالتالي: لقد رحل ـ يا للاسي ـ شعار الهداية، و ارتحل ـ وا أسفاه ـ عالَم الفضيلة. لقد رحل مَلَك العلم و الهمّة و التقوي، و ارتحل ـ واحسرتاه ـ آية الله حجّت. فيا لتعس هذه الايّام قد حطّمت أركان الإسلام شمس الفضيلة قد تهاوت، فأضحي عالم الفنّ ليلاً بهيماً. و بكاه قلب العلم و أعينه دماً، و حقّاً فقد حلّ يوم القيامة. فقد لملم أثوابه خارج هذه المصيدة و سوّي مع الارض سرادقه لقد كان أكبر طائر سماويّ حلّق من هذه المصيدة القبيحة المكدّرة صادحاً في روضة الجنّة، منادياً المكتئبين من أجل التحرّر نداءً هو بإنشاد المَلَك أشبه يُجلّي كلّ لحظةٍ يخطر في الاذن صحوةً أَصحبي ما من ثباتٍ لهذا الزمان، فكونوا في السلوك و العمل مقيّدين و لا يقرّنّ لكم في الجدّ و العمل قرار، و لا تدنّوا من ألم البدن، حَذَار فليس من كنز في الخرائب دونما أفعي، و لا من وردة في الروضة دونما أشواك ليس لديكم الاّ الإسلام ديناً، فم تئنّوا في هذا الدرب من زادٍ أو لذع عدوّ. و جدوّا واخطوا إلی الامام بأقدامكم، و لا تهو لكنّكم قطرات دمائكم أجمل من الدمّ في المعركة، و لا أروع من شقائق النعمان في البستان انّ الاعلام الاحرار المنزّهين عن القيود، قد تدلّهوا في حبّ الحقّ. فسقطوا مُضمّخين بدمائهم، و عبّدوا الطريق إلی هذا الهدف. فبالسيف كلَّ قيدٍ و طوقٍ صرموا، و بقوّة العلم و المعرفة تحصّنوا عساك لا يروضنّك الدهر، و عساك لا تقصرنّ خُطاك. و لا تدلهمنّ عاقبتُك، و لا يلحقنّ بإسمك العار! فيحتلّ العدود اللدود الحَقود حصنك، و يهدم بناء الدين الشامخ فلا حقيقة الاّ دين الاسلام، و لا إسم أحلي من اسمه الجميل فالفصيلة لا تهدأ بشيء سواه، و قرار العالم لا يقرّ الاّ به فَلْيَدُمْ بناء الاسلام الشامخ معمورا و ليدم كلُّ شبرٍ فيه حرّا [15] ـ كان من دأب هذا الحقير قبل إقامتي في مدينة مشهد المقدّسة التي انقضي عليها إلی هذا التاريخ الخامس من شهر رجب 1403 ه ثلاث سنوات و أربعة أيّام (فقد كان ورودي إلی هذه الارض المقدّسة في السادس و العشرين من جمادي الاولي لسنة 1400 ه)، أن أتشرّف خلال فصل الصيف مع جميع أولادي و عائلتي بالمجيء إلی مشهد المقدّسة فأبقي فيها لما يقرب من الشهر؛ و قد تشرّفت بالمجي صيف 1393 ه و كان آية الله الميلاني و سماحة العلاّمة آية الله الطباطبائي كلاهما علی قيد الحياة، فاستأجرت منزلاً في نهاية سوق «حاج آقا جان»، في زقاق «حمّام برق»؛ و كنتُ ـ عادةً ـ أتشرّف بالذهاب إلی الحرم المطهّر عن طريق الصحن الكبير؛ فتشرّفت يوماً بالذهاب إلی الحرم قبل الظهر بساعتين، و كانت حالتي حسنة للغاية؛ ثم انّي جئت إلی مسجد «گوهرشاد» لاداء صلاة الظهر، فصليّتها فرادي مع عدّة نفر من الرفقاء، ثم أردت الخروج من المسجد باتّجاه السوق الذي كان متّصلاً بالصحن الكبير و الذي كان يمثّل طريقي الوحيد، فقبّلتُ باب المسجد و كانت متّصلة بمحلّ حفظ الاخذية. و كانت صلاة الجماعة في مسجد «گوهرشاد» قد انتهت آنذاك فتاطر الناس للخروج من المسجد و أدّي ازدحامهم إلی تضييق الطريق. فلمّا قبّلت الباب طرق سمعي صوت لرجلٍ يقول: أيّها السيّد، انّ الخشب لا يُقَبَّل! و لم أدرك الحالة التي اعترتني اثر هذا الصوت، فقد كانت تماماً أشبه بشرارة تقدح في القلب فتُفقد الإنسان وعيه، فخرجتُ عن طوري و قلت: لماذا لا يُقَبَّل؟ لماذا لا يُقَبَّل؟ إنّ خشب الحرم يُقَبَّل، و خشب محل حفظ الاخذية في الحرم يُقَبَّل، و أحذية زوّار الحرم تُقَبَّل، و تراب أقدام زوار الحرم يُقَبَّل. و كنت أقول كلامي هذا بصوتٍ عال؛ ثمّ ألقيت بنفسي فجأةً بين الجمع و أخذتُ أمسح غبار الاحذية و تراب الارض علی وجهي باستمرار و أقول: انظر! هكذا هو يُقَبَّل! ثمّ نهضتُ فيمّمتُ صوب المنزل، فقال ذلك الرجل: ايّها السيّد، انّني لم أقل شيئاً؛ انّني لم أتفوّه بجسارةٍ ما! قلتُ: ما الذي أردتَ قوله بعدُ؟! و ما الذي أردتَ فعله بعدُ؟! ليس هذا خشباً، بل هو خشب محل حفظ الاحذية في الحرم، هنا مرقد الإمام علی بن موسي الرضا، هنا مطاف الملائكة، هنا محلّ سجود الحور و المقرّبين و الانبياء، هنا عرش الرحمن، هنا... و هنا... قال: أيّها السيّد، أنا مسلم، أنا شيعتي، و من أهل الخُمس و الزكاة؛ و لقد دفعتُ صباح اليوم حقوقي الشرعيّد إلی سماحة آية الله الميلاني. قلت: عسي الخُمس أن يُميتك! انّ الإمام ليس محتاجاً إلی فضل أموالك، و مباركٌ عليك ما لديك؛ بل ان الإمام يريد منك أدباً، فلما تفتقد الادب؟ أقسم بالله انّني لن أكفّ عنك حتّي أدخلك نار جهنّم يوم القيامة بيدي فأكفئك فيها علی وجهك. فتقدّم آنذاك أحد أصهارنا، و اسمه السيد محمود نور بخش فقال: انّني أعرف هذا الرجل، فهو من المؤمنين و كان من مريدي والدكم المرحوم! قلت: فليكن! لقد تردّدي الشيطان في جهنّم لتركه الادب. و كنت مشغولاً في تلك الحال بالحركة إلی المنزل، فدخلتُ السوق و الرجل يتبعني و يقول: «سامحني أيّها السيّد! أُقسم عليك بالله أن تعفو عنّي». حتّي وصلنا إلی داخل الصحن الكبير، فقلت له: من أكون أنا لاعفو عنك؟ انني لستُ بشيء! و جسارتك لم تكن موجّهة إلی، بل إلی الإمام الرضا، و هو أمر لا يمكن غفرانه! انّ الاعلام و الكبار من علمائنا، كأمثال العلاّمة، و امثال الشيخ الطوسي، و أمثال الخواجه نصير، و الشيخ المفيد، و الملاّ صدرا، كانوا جميعاً ممّن يقبّلون أعتاب هذا المرقد، و كان شرفهم في خضوعهم لهذه الاعتاب؛ ثم تأتون فتقولون: انّ الخشب لا يُقَبَّل! قال: لقد أخطأتُ و أنا تائب، و لن أكرّر خطأ كهذا أبداً! قلت: انّني لست مكدّراً منك في قلبي بقدر ذرّة، إن كنتَ تُبتَ حقيقةً فانّ أبواب السماء مُشرعة بوجهك! و كان الناس في الصحن الكبير في تلك الاثناء يتقاطرون صوبنا من كلّ جهة، ثمّ انّي عدتُ إلی المنزل. ثمّ انّ هذا الحقير تشرّف عصر ذلك اليوم بالذهاب إلی محضر الاستاذ الكريم المرحوم الفقيد آية الله الطباطبائي رضوان الله عليه، فدارت بيننا مذاكرات في شأن بعض الومضات التي تخطر علی القلب فتجعل الإنسان يتغرّب عن معيشته، و من جملتها هذا البيت لحافظ: برقي از منزل ليلي بدرخشيد سَحَر وَه كه با خرمن مجنون دل افكار چه كرد* فأورد العلاّمة بيانات قيّمة، فتذكّر الحقير ـ بالمناسبة ـ واقعة اليوم، فقصصتها عليه و قلت: أهي أيضاً من تلك المومضات؟ فسكت العلاّمة طويلاً، و كان مُطرقاً برأسه مفكّراً، ثم لم يقل شيئاً! و كان من دأب المرحوم آية الله الميلاني أن يجلس نهاراً في البرّاني قبل الغروب بساعة، و كان سماحة العلاّمة آية الله الطباطبائي يذهب إلی منزله في تلك الساعة فيلتقي به، ثمّ يتشرّف قرب الغروب بالذهاب إلی الحرم المطهّر، أو يحضر في صلاة الجماعة هناك، فيجلس في آخر الصفوف كطلبة عاديّ. و كان قد مرّ علی موضوع نقلي لقصّتي إلی سماحة الاستاذ ثلاثة.يّام تقريباً، حين التقيت «في مشهد أحد أصدقائي السابقين و اسمه الشيخ حسن منفرد شاه عبدالعظيمي، فقال: ذهبتُ أمس إلی منزل آية الله الميلاني، فكان العلاّمة الطباطبائي ينقل بالتفصيل قصّة أحد علماء طهران اتئفقت له في مسجد «كوهرشاد» عند خروجه و تقبيله باب محل حفظ الاحذية في المسجد، فكان العلاّمة يذرف الدموع من أوّل القصّة إلی آخرها، ثم قال ببشاشة و سرور: الحمد لله انّ هناك فعلاً بين رجال الدين أفراداً متمسّكين بالشعائر الدينيّة و إظهار الادب في ساحة قدس الائمّة الاطهار. و لم يورد العلاّمة اسم رجل الدين ذلك، الاّ انني استنتجبت من القرآئن أنّكم كنتموه، أفكان الامر كذلك؟ قلت: بلي، هذه القضية اتّفقت لي. و علمتُ آنذاك انّ سكوت العلاّمة و تفكيره كان علامة الرضا و الاءقرار لتصرّفي، حيث قام بنقل تفاصيل الحادث مقروناً بالبكاء؛ رحمةُ اللَهِ عَلَيْهِ رَحْمَةً وَاسِعَةً.
*یقول: أومض برق من منزل لیلی سحراً فآهٍ ما فعل فی بیدر مجنون لیلی و
افکار قلبه الجریح.
|
|
|