|
|
الصفحة السابقةتحمّل العلاّمة الطباطبائي و صبره في الشدائد و المحنذلك لانّ العلاّمة، مع امتلاكه مقاماً فقهيّاً و علميّاً، و مع تأهّله لمقام المرجعيّة، فإنّه لم يكن يمتلك مجالاً و حالاً لتدوين رسالة و فنوي و استفتاء، و ذلك لإهتمامه بالامور العلمية و بتربية الطلاّب في الامور المعنويّة و الاخلاف و تصحيح العقيدة، و بسبب الدفاع عن حصن الاسلام و رحمن التشيّع، و كان قد تعمّد في جعل مسيره منذ البداية في غير هذا السبيل و الطريق. و باعتبار انّ هذا الامور كانت مسدودة كلّياً من جهة، و لانّه لم يكن ليقبل مطلقاً باستلام سهم الإمام من جهة أخري؛ فقد استبان ان وضع معيشته و حياته عند فقدان عوائد الفلاحة و الزراعة سيكون أدني من وضع طالبٍ بسيط، لانّ ذلك الطالب يفيد من سهم الإمام علی أقلّ تقدير إن لم يصله راتب من المدينة أو القرية. و بالطبع فقد كانت عوائد الزراعة تلك ـ حال وصولها ـ كافية فقط لتمشية اُمور المعاشي الضروريّة، و في حدّها الادني. علی انّ رجال العلم و المعرفة كانوا مبتلين بهذا المحذور منذ قديم الايّام، فقد عاش المرحوم آية الله الشيخ جواد البلاغي النجفي (الذي كان فخر الإسلام، و الذي أنارت علومه و مؤلّفاته دنيا المعرفة) في النجف الاشرف في بيت محقّر يفترش فيه حصيراً، و كان مُجبراً علی بيع بيته السكني من أجل طبع كتبه في مواجهة الماديّين و الطبيعيين و اليهود والمسيحيّين، و كانت حقّاً مدعاةً لفخر العالم الإسلامي و مباهاته. و لقد كان أستاذ أستاذنا: المرحوم القاضي رضوان الله عليه يرزح في النجف الاشرف تحت ضائقة معيشيّة مع وجود ثقل عائلته الكبيرة، بحيث صارت قصصه مضرباً للامثال بالنسبة لنا. فلم يكن له في بيته غير حصير من سعف النخيل؛ و ما أكثر الليالي التي قضاها في ظلام دامس لعدم وجود مصباح أو لعدم تيسّر النفط! كما انّ المرحوم آية الله العلاّمة الحاج الشيخ اقا بزرگ الطهراني لم يمتلك أي وسيلة للعيش، و لم يكن لاحد اطّلاع علی حاله. و لقد خدم العلم و الإسلام مائة سنة، و قد ترك مجاهداته القيّمة و اثاره النفيسة المنقطعة النظير تذكاراً منه، فهي اليوم مورد إفادة جميع أهل التحقيق و التتبّع، و محور مراجعات الكتّاب و المؤلّفين. و لقد كان هذا الرجل منهمكاً ليل نهار في الكتابة و السعي الدؤوب وجمع الوثائق و الاسناد المخطوطة، و كانت داره أشبه بدار طالب عاديّ بسيط، بل و أدني من ذلك، و كانت الشدائد التي تحمّلها تفوق التصوّر. كما عاش العلاّمة الاميني صاحب «الغدير» الی ما قبل اشتهاره في ضنك عيش، حتّي انّه وجه مشكلات لطبع الدورة الاولي من «الغدير». و يمثّل هذا خللا كبيراً في الجهاز الديني الحالي بلحاظ كيفيّة إدارة الامور الماليّة؛ فلماذا ـ يا تري ـ يجب أن يقضي بعض الافراد حياتهم في فروع خاصّة كالفلسفة و العرفان و الكلام و التفسير والحديث و التاريخ والرجال و غيرها، و مع وجود ثروات فقهيّة فيّاضة، فيتوجّب عليهم ـ بسبب إعانة الاسلام، و لحاجة المجتمع لهذه العلوم، و لسدّ مواضع الضعف و الخلل، و بسبب حراسة حمس المذهب و الدفاع عنه ـ أن يُحرموا حتّي من حياةٍ بسيطةٍ عاديّة، و أن يواجهوا آلاف المشاكل من أجل تمشية اُمور معاشهم و حفظ حيثيتّهم و كرامتهم. فتبخل ميزانيّة صندوق المسلمين التي تُرسل الی الحوزات بعنوان سهم الإمام، عن الالتفات الی أمثال هؤلاء الافراد؛ و يكون القبول بسهم الإمام لامثال هؤلاء من قبل المتصدّين للامر موجباً لقبول ذلّ الإسخفاف و التحقير والتسليم أمام جهاز الإرادة. و يُمتنع عن منح الإجازة و تصديق مقام اجتهاد و فقاهة أفراد أجلاّ ذوي مزايا أخلاقيّة و روحية، علاوة علی الجوانب العلميّة، لانّه يتلازم مع إقرار شخصيتهم و استقلال أمورهم، ثم تُمنح إجازات طويلة و مطوّلة و ملقّبة بألقاب و آداب لافراد أمّيين مجترئين غير محتاطين، بعنوان جباية و جمع سهم الإمام؛ و ذلك لئلاّ يتزحزح مركز الحكم عن مقرّه، ول ئلاّ يحصل خلل في ممك إدّعاء العلم و الاعلميّة و الفقه و لافقهيّة و الورع و الاورعيّة، بوصوله بيد أفراد غير مؤهلّين هم في المزايا الروحيّة مالاخلاقيّة أوطاً من المستوي العادي للناس. فيا للاسف من هذه السيرة الرديّة المردية المبيدة للعلم و العلماء و الفقه و الفقهاء. و حين يُقال لهم: بأيّ دليل؟ و بأيّ آية و بأيّ رواية تقولون بأنّ علی المقلّد أن يدفع سهم الإمام بيد المرجع أو نائبه أو خصوص الإمام؟ في أيّ كتاب فقهٍ و خبر و تفسير شاهدتم مثل هذا المطلب؟ ما هذه السنن و البدع التي تُرسونها؟ فانّهم سيقولون: قاله فلان و فلان. فلماذا صرتم ـ و أنتم تدعون الإجتهاد ـ مقلّدين بصورة محضة لفلانٍ و فن في هذا الامر فقط؟. لقد كان للعلاّمة الاستاذ معيشة بسيطة جدّاً خالية من الترف، و في الحدّ الادني من الضرورات المعيشيّة، و كان يأتي مرّة كلّ أُسبوعين للإلتقاء بذلك المستشرق الفرنسي، لا لشيء الاّ للدفاع عن الدين و نشر التفافة الإسلاميّة، و كان يلقي في إيابه و ذهابه هذا نَصَباً. هذا هو الوضع المعيشي لفيسلوف شرقيّ، بل للفيلسفوف العالمي الاوحد؛ علماً بأننا لم نُزح الستار كما ينبغي عنا لوضع الداخلي لذلك الرجل الجليل، لانّنا نعتقد انّ البحث في أمثال هذه الامور لا يليق بمقام الشرف و العزّة. هذه هي حياة أولياء الله. صَبَرُوا أيَّاماً قليلةً، أعقَبَتْهُمْ رَاحَةً طَوِيلَةً.[1] و لقد كانت صفات و نعوت المتّقين التي يتحدّث عنها مولي الموالي أميرالمؤمنين عليه السلام في خطبة همّام، مشهودةً و محسوسةً و ملموسةً و ممسوسة في هذا الرجل المتألّه: أَرَادَتْهُمُ الدُّنيَا فَلَمْ يُرِيدُوهَا؛ وَ أَسَرَتْهُمْ فَفَدُوا أنْفُسَهُمو مِنْهَا. [2] هذه هي حياة المتحرّرين الطلقاءئ من أسر النفس الامّارة، المحلّقين في حريم القضاء و المشيئة الإلهيّة، و المفوّضين الی عالم التفويض و التسليم و الرضا و لَكَمْ كان أستادنا يُسعد بهذا الشعر: منم كه شهرة شهرم بعشق ورزيدن منم كه ديده نيالودهام به بد ديدن به مي پرستي از آن نقش خود بر آب زدم كه تا خراب كنم نقش خود پرستيدن وفا كنيم و ملامت كشيم و خوش باشيم كه در شريعت ما كافري است رنجيدن به پير ميكده گفاتم كه چيست راه نجات بخواست جام مي و گفت راز پوشيدن [3] و آنذاك فقد تحقّق فيه ـ مع هذه المشكلات و الاعتراضات ـ عالَمٌ من العظمة و الوقار و السكينة و الهدوء. و هنا يتجلّي لنا جيداً ملامح حياة أئمّتنا المعصومين؛ لانّ أمثال الطباطبائي يمكن أن يكونوا آية و ممثّلاً و دليلاً علی تلك الارواح الطاهرة، و أن يحكوا ـ لصقلهم و تلالؤهم كالمرآة ـ عن تلك الذوات الطاهرة؛ و لانّهم الآيات الإلهيّة و الحُحج الربّانيّة. سبب هجرة العلاّمة الطباطبائي من تبريز الی قمو لهذا السبب كانت هجرة العلاّمة الطباطبائي الی قم، و تحمّله لجميع هذه المشكلات، و ابتعاده عن وطنه المألوف؛ و ذلك لإحياء أمر المعنويّة، و لاداء الرسالة الإلهيّة في نشر الدين و إبلاغه، و في تنمية أفكار الطّلاب و تصحيح العقائد الحقّة، و الدلالة علی الطريق السويّ لتهذيب النفس، و تزكية الاخلاق، و طهارة السرّ، و التشرّف بلقاء الله، و الإرتباط مع عالم المعني. حيث قال ذلك الفقيد السعيد: «حين قدمتُ من تبريز الی قم و بدأتُ درس «الاسفار»، اجتماعا لطلاّب في حلقة الدرس، وكان ما يقرب من مائة نفر يحضرون مجلس الدرس. فأمر آية الله البروجردي رحمة الله عليه أوّلاً بقطع راتب الطلاّب الذينيحضرون درس «الاسفار». و علی هذا الاساس فقد تحيرّت حين بلغني الخبر أن: يا الهي ما العمل؟ فإن قُطع راتب الطلاّب، فما الذي سيفعله هؤلاء الضعفاء الحال الذين قدموا من المدن البعيدة، و الذين لا مصدر لهم للعيش الاّ الراتب الشهريّ. و إن أنا تركتُ تدريس «الاسفار» لاجل راتب الطلبة الشهري، فانّ ذلك يعني توجيه ضربة الی المستوي العلمي و العقائدي للطلبة. و هكذا بقيتُ في حيرة من أمري؛ ثمّ حصل يوماً أن كنتُ جالساً في الغرفة في منزلي و أنا في حيرتي، فأردتُ الالتفات ـ و أنا جالسٌ تحت الكرسيّ [4] ـ فوقع نظري علی ديوان حافظ، و كان موضوعاً علی الكرسي، فرفعتُه و تفألّتُ به لمعرفة ما العمل، هل أترك تدريس الاسفار أم لا! فخرج هذا الغزل: من نه آن رندم كه ترك شاهد و ساغر كنم محتسب داند كه من اين كارها كمتر كنم من كه عيب توبهكاران كرده باشم بارها توبه از مي وقت گل ديوانه باشم گر كنم چون صبا مجموعة گل را به آب لطف شست كج دلم خوان گر نظر بر صفحة دفتر كنم عشق دُردانه است و مَن غوّاص و دريا ميكده سر فرو بردم در آنجا تا كجا سر بر كنم لاله ساغر گير و نرگس مست و بر ما نام فسق داوري دارم بسي يا ربّ كرا داور كنم باز كش يكدم عنان اي ترك شهر آشوب من تا ز اشك و چهر، راهت پر زر و گوهر كنم من كه از ياقوت و لعلِ اشك دارم گنجها كي نظر در فيض خورشيد بلند اختر كنم عهد و پيمان فلك را نيست چندان اعتبار عهد با پيمانه بندم شرط با ساغر كنم من كه دارم در گدائي گنج سلطاني بدست كي طمع در گردش گردونِ دون پرور كنم گر چه گردآلودِ فقرم شرم باد از همّتم گز به آب چشمه خورشيد دامن تر كنم عاشقا را گر در آتش ميپسندد لطف دوست تنگ چشمم گر نظر در چشمة كوثر كنم دوش لعلش عشوهاي ميداد حافظ را ولي من نه آنم كز وي اين افسانها باور كنم [5] و الخلاصة فقد رأيتُ أنّه غزل عجيب، فقد كان هذا الغزل يُفهم انّ تدريس «الاسفار» ضروري، و انّ تركه في حكم الكفر السلوكي. رسالة آية الله البروجردي الی العلاّمة و جوابه عليهاو ثانياً: فقد أرسل (آية الله البروجردي) ذلك اليوم أو الذي يليه خادمه الحاج أحمد الی منزلي فأبلغني رسالة بهذا المضمون: لقد كنّا زمن الشباب ندرس «الاسفار» في الحوزة العلميّة لإصبَهان عند المرحوم جهانگيرخان، الاّ اننّا كنّا عدّة نفر نذهب الی درسه خفيّةً، امّا درس «الاسفار» العلني في الحوزة الرسميّة فليس صالحاً أبداً و يجب أن يُترك! فقلت في جوابه: قل للسيّد البروجردي عنّي انّنا قد درسنا ـ نحن أيضاً ـ هذه الدروس الرسميّة و المتعارفة كالفقه و الاصول، و سيمكننا القيام بأمر التدريس و تشكيل حوزات دراسيّة فيها، و لسنا أقلّ من الآخرين في شيء! لقد جئتُ من تبريز الی قم من أجل تصحيح عقائد الطلبة علی أساس الحقّ، و لمحاربة العقائد الباطلة للماديّين و غيرهم؛ و في ذلك الزمن الذي كان سماحة آية الله يذهب مع عدّة نغز الی درس المرحوم جهانگير خفيةً، كان الطلاّب و عموم الناس مؤمنين بحمدالله و ذوي عقيدة نزيهة، فلم تكن هناك حاجة لتشكيل حوزات علنيّة للاسفار، امّا هذه الايّام فانّ أي طالب يدخل بوّابة قم، يردها مصطحباً عدّة حقائب معبّئة بالشبهات و الإشكالات. ينبغي اليوم أن يُسعف الطلبة و أن يُعَدّوا علی أساس صحيح لمحاربة الماديّين، و أن يُعلَّموا الفلسفة الإسلاميّة الحقّة؛ و نحن لن نترك تدريس «الاسفار». الاّ انّنا نعتبر آية الله حاكم الشرع، فإن حَكَمَ بترك «الاسفار» لاتّخذت المسألة وجهاً آخر.» قال العلاّمة: «و لم يتعرّض لنا آية الله البروجردي بشيء بعد هذه الرسالة، فكنّا مشغولين بتدريس الفلسفة من «الشفاء» و «الاسفار» و غيرهما لسنين طويلة، و كان آية الله حيثما صادفناه يُبدي احتراماً كبيراً، و قد أهدي لنا ذات يوم مجلّداً من القرآن الكريم من أفضل الطبعات و أصحّها.» و الخلاصة، فما الذي أقوله عن فضائل رجل كان غريباً هنا حقّاً، فقد جاء في غَيبة، و رحل في غَيبة، فكان سرّاً مستغلقاً مختوماً لم يعرفه أحد. و لقد كان العلاّمة الطباطبائي رضوان الله عليه ملجأ و مأوي للمخلِصين من تلامذته و محبيّه، يقصدونه في نائبات الدهر، فيجدونه كالمصباح الساطع الذي يضيء السبيل و يكشف الاخطار و يفرّق الحقّ من الباطل، و يجدونه معيناً و دليلاً في كشف المسائل العلميّة و حلّ المجهولات و المبهمات. و لم تنحصر استفادة هذا الحقير من مركز فيض العلاّمة و علمه في الايّام التي انشغلت فيها بالدراسة و التحصيل في قم، الی الحدّ الذي كنت معه أعدّ نفسي مولاه و ربيب منزله، بل انّ باب المراسلات كان مفتوحاً علی الدوام بعد تشرّفي بالذهاب الی النجف الاشرف، و كانت رسائله الجذّابة عَلَماً و دليلاً علی الطريق. و لم يحصل قطّ بعد عودتي الی النجف و حتّي الآن أن رأيتُ في نفس غِنيً عن تعليمه و محضره الفيّاض الثرّ. و لقد كان يفيض الرحمة والعلم و المعرفة في كلّ مجلس تشرّفت فيه بالحضور عنده، و كان طافحاً بالوجد و السرور والتوحيد بحيث كنت أحسّ بالخجل في نفسي من شدّة الحقارة. و كنت عادةً أتشرّف بالذهاب الی قم مرّة كلّ أسبوعين، و كانت ساعات زيارته و اللقاء به قيّمة ثمينة لي جداً. اذكر أنّني كنت ليلة اكتب شرحاً علی كتاب «سير و سلوك = السير و السلوك) المنسوب به للمرحوم آية الله بحرالعلوم النجفي أعلي الله تعالي درجته، فواجهتُ مشكلةً استعصت عليّ؛ و لم يكن التليفون الآلي قد استعمل في طهران يومذاك؛ لذا توجّهت الی قم ليلاً من أجل هذا الامر الهمّ نوردتها قرب منتصف الليل؛ و بقيت الی الصباح في فندق «بلوار»، ثم ذهبتُ الی محضر الاستاذ بعد التشرّف بالذهاب للحرم المطهّر و زيارة السيّدة المعصومة سلام الله عليها، فأفدتُ من محضره الطافح بالبركة، و لم يجبني عن تلك المسألة لوحدها، بل و أجاب عن كثيرٍ من المسائل الاخري أيضاً. و كنتُ كلّما تشرّفت بلقائه أنحني لتقبيل يده، فكان يُخفيها في طيّات عبائته، و تطرأ عليه حال الحياء و الخجل ممّا كان يثير انفعالي. قلت له يوماً: اننا نقبّل يدكم للفاقة و لكسب الفيض و البركة، فلم تبخلون بذلك؟ ثمّ قلت: أتقبلون بهذه الرواية الواردة عن أميرالمؤمنين عليه السلام: مَنْ عَلَّمَنِي حَرْفاً فَقدْ صَيَّرَنِي عَبْداً. [6] أجاب: نعم، فهي رواية مشهورة، كما انّ متنها منسجم مع الموازين. فقلت: لقد علّمتموني كلّ هذه الكلمات، و صيّرتموني عبدكم كرّات و مرّات، أو ليس من أدب العبد أن يقبّل يد مولاه و يتبرّك بها؟ أجاب بابتسامةٍ مليحة: نحن جميعاً عباد الله[7].! بلي، لقد كان رحيل هذا الرجل هو الامر الذي لم يكن يخطر لنا علی بالنا، و لقد كان في رحيل هذا الرجل المتألّه موت العالَم، لانّ العلاّمة كان العالَم؛[8] علی الرغم من انّه حيّ؛ كلّ الناس الاحياء موتي و هو حيّ: العلاّمة الطباطبائي حيّ الی الابدالنَّاسُ مَوْتَي وَ أهْلُ العِلْمِ أحْيَاءُ. [9] أحِبَّايَ أَنتُمْ أحْسَنَ الدَّهْرُ أَمْ أَسَا فَكُونُوا كَمَا شِئتُمْ أَنَا ذَلِكَ الخِلُّ إِذَا كَانَ حَظِيّ الهَجْرَ مِنكُمْ وَ لَمْ يَكُن بِعَادٌ فَذَاكٌ الهَجْرُ عِندِي هُوَ الوَصْلُ وَ مَا الصَّدُ إلاَّ الوُدُّ مَا لَمْ يَكُنْ قِليً وَ أَصْعَبُ شَيءٍ غَيْرَ إعْرَاضِكُمْ سَهْلُ وَ صَبْرِيَ صَبْرٌ عَنكُمُ وَ علَيْكُمْ أَرَي أبَداً عِندِي مَرَارَتُهُ تَحْلُو أَخَذْتُمْ فُؤَادِي وَ هُوَ بَعْضِي فَمَا الَّذِي يَضُرُّكُمْ لَوْ كَانَ عِندَكُمُ الكُلُّ نَأيْتُمْ فَغَيْرَ الدَّمعِ لَمْ أَرَ وَافِياً سِوَي زَفْرَةٍ مِنْ حَرِّ نَارِ الجَوَي تَغْلُو حَدِيثَي قَدِيمٌ فِي هَوَاهَا وَ مَا لَهُ كَمَا عَلِمَتْ بَعْدٌ وَ لَيْسَ لَهَا قَبْلُ وَ حُرْمَةِ عَهْدٍ بَيْنَنَا عَنْهُ لَمْ أَحُلْ وَ عَقْدٍ بِأَيْدٍ بَيْنَنَا مَا لَهُ حَلُّ لانْتَ علی غَيْظِ النَّوَي وَ رِضَي الهَوَي لَدَيَّ وَ قَلْبِي سَاعَةً مِنْكَ مَا يَخْلُو تُرَي مُقْلَتِي يَوْماً تَرَي مَنْ أُحِبُّهُمْ وَ يَعْتِنُنِي دَهْرِي وَ يَجْتَمِعُ الشَّمْلُ وَ مَا بَرِحُوا مَعْنيً أَرَاهُمْ مَعِي فَإن نَأوْا صُورَةً فِي الذِّهْنِ قَامَ لَهُمْ شِكْلُ فَهُمْ نَصْبُ عَيْنِي ظَاهِراً حَيثُمَا سَرَوْا وَ هُمو فِي فُؤادِي بَاطِناً أَيْنَمَا حَلُّوا لَهُمْ أَبَداً مِنِّي جُنُوٌ وَ إن جَفَوا وَلِي أَبَداً مَيْلُ لَهُمْ وَ إنْ مَلُوا. [10] بلي، فلم أكن لاتصوّر في نفسي أن ترتحل أنت و أبقي بعدك لارثيك و أكتب في كراك. و ها أنت من عالم القدس ذاك و جلٌ لحال المهجورين، و أنّي لك ـ أنت الذي كنت تعينهم في عالم الطبع و الكثرة بذلك اللطف و الرحمة و الصفاء و الوفاء ـ أن تغفل عنهم في عالم التجرّد و الوحدة ذلك! پيش ازينت بيش ازين غمخواري عشّاق بود مهر ورزي تو با ما شهرة آفاق بود ياد باد آن صحبت شبها كه در زلف توام بحث سِرِّ عشق و ذكر حلقة عشّاق بود از دم صبح اَزل تا آخر شام أبد دوستي و مهر بر يك عهد و يك ميثاق بود حسن مَهرويانِ مجلس گرچه دل ميبرد و دين عشق ما در لطف طبع و خوبي اخلاق بود ساية معشوق اگر افتاد بر عاشق چه شد ما به او محتاج بوديم او به ما مشتاق بود پيش ازين كاين سقف سبز و طاق مينا بركشند منظر چشم مرا ابروي جانان طاق بود [11] في ضرورة اتّباع المراكز الحيويّة الثلاثة: العقل و القلب و الشرع«بحث عام حول العقل و القلب و الشرع» انّ كلّ فرد من أفراد البشر يجد في ذاته مركزين للإدراك و الفهم، يُدعي أحدهما بالعقل، و الآخر بالقلب و الوجدان. فالإنسان يُدرك ما يُصلحه و يفسده بقوّته العاقلة؛ و يميّز بين المحبوب و المكروه، و بين الحقّ و الباطل. كما يمكنه بواسطة القلب و الوجدان ـ اللذين يمكن تسميتهما بالفطرة و الإحساس الباطني و الإدراك الخفيّ ـ أن يجد سبيلاً لربط نفسه مع عالم الوجود، و مع علّة إيجاده و إيجاد العالم، و أن يحصل علی تجاذب بينه و بين مبدأ المبادي و غاية الغايات. و بالطبع فانّ هذين العاملين المهمّين للإدراك موجودان في كلّ إنسان، يتبع كلّ منهما وظيفته الخاصّة في أفق خاصّ للإدراك و الفهم، كما انّهما لا يتسغنيان عن أحدهما الآخر. فإن فُقد أحدهما، أُغلق في وجه الإنسان بفقده عالَمٌ من المدركات. و قد وردت آيات و روايات في ضرورة القوّة العافلة و عدم استغناء الإنسان عنها، و نكتفي هنا بذرك عدّة أمثلة من الآيات و الروايات؛ أما الآيات: أُفٍّ لَّكُم وَ لِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ. [12] و من المفروض هنا انّ المشركين قد تبعوا قلوبهم و وجدانهم بعبادتهم غير الله، فكانوا يرون أنفسهم مرتبطين بالله، غاية الامر انّهم اصيبوا بانحراف و انهيار في اسلوب التشخيص و المقارنة بسبب عدم التعقّل، فكانوا ـ بإدانتهم القوّة الفكريّة ـ يجعلون ذلك الإله متجليّاً و مقيّداً في خصوص أرباب الانواع و مظاهرها من الاصنام. صُمُّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ. [13] ذلك لانّهم لم يستفيدوا من القوّة العاقلة هنا، فمثلهم كمثل من فقد الحواسّ الباصرة و السامعة والناطقة. أَفَأنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَ لَوْ كَانُوا لاَ يَعْقِلُونَ. [14] فَبَشّـِر عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَةُ و أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَيهُمُ اللَهُ وَ أُولَئِكَ هُمْ أُولُو الاْلْبَـ'بِ. [15] لانّ من الجليّ انّ استماع الكلام ثمّ التمييز بين الحقّ و الباطل، و بين الحَسَن و الاحسن من وظائف القوي الفكريّة؛ لذا فقد دُعوا في آخر الآية بأولي الالباب و العقول. وَ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَ نِدَاءً صُمُّ بُكْمُ عُمْيٌ فَهُم لاَ يَعْقُِلُونَ. [16] ذلك لانّ الكفّار قد استحسنوا وفق عزيزتهم ديناً فساروا عليه، و لو كان عبادةً للاصنام؛ بيد انّهم لمّا لم يستعينوا بقوّتهم العاقلة، فقد قاموا علی الدوام بحرف تلك الغرائز و الإحساسات الداخليّة الی خيالات واهية و أوهام بلا أساس، فهم لا يستعملون طرفاً من قواهم الوجدانيّة تلك. و كمثل من لا يدرك من الكلام الاّ صوته و نداءه، فانّهم لا يسمعون من كلام الحقّ و حديث التوحيد شيئاً الاّ بعض المفاهيم، و لا يدركون حقيقةً ما فتستقرّ في أرواحهم، فهم في الحقيقة صمٌ و بكمٌ و عميٌ لا عقل لهم أبداً. امّاً بشأن الروايات، فقد نقل في «الكافي» عن عدّة من الاصحاب، عن أحمد بن محمّد، عن بعضهم مرفوعاً، عن الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم: إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ كَثِيرَ الصَّلَوةِ كَثِيرَ الصِّيَامِ فَلاَ تُبَاهُوا بِهِ حَتَّي تَنْظُرُواکیف عَقْلُهُ. [17] كما يروي في «الكافي» عن عدّة من الاصحاب، عن أحمد بن محمّد مرسلاً قال: قال أبو عبدالله (الصادق) عليه السلام: دِعَامَةُ الإنسان العَقْلُ الحديث[18]. و يروي في «الكافي» أيضاً، عن عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن اسماعيل بن مهران، عن بعض رجاله، عن الصادق عليه السلام قال: العَقْلُ دَلِيلُ المؤمِنِ. [19] و قد وردت آيات و روايات حول ضرورة القلب و الوجدان و عدم الإستغناء عنهما؛ أمّا الآيات: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الاْرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإنَّهَا لاَ تَعْمَي الاْبْصَـ'رُ وَلَـ'كِن تَعْمَي الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدورِ. [20] حيث انّ الخطاب موجّه للذين لهم عقلٌ و شعور، لكنّهم خنقوا قلوبهم بمتابعة هوي النفس الامّارة، و ستروا وجدانهم تحت حُجب المعصية و الذنوب، فأعموا بذلك قلوبهم. إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَي وَ لاَ تُسْمِعُ الصَّمَّ الدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ.[21] و هنا يشبّه الله سُبحانه الذين أفسدوا قوي وجدانهم و نورهم الباطني بالموتي. بل يدعوهم بالموتي حقيقةً، و يعدّهم صمّاً شأنهم الفرار، فلا يترك حديث الحقّ و الكلام المتين الصائب أثراً في آذانهم أبداً. إِنَّ اللَهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَ مَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ. [22] قَدْ يَئِسُوا مِنَ الآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الكُفَّارُ مِن أَصْحَبِ القُبُورِ. [23] أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَن هُوَ أَعْمَي. [24] كما يعدّ الله سبحانه في هذه الآيات الافراد الذين أخمدوا نور باطنهم. أغلقوا في وجوههم سبيل الآخرة، كالموتي من أصحاب القبور و كالعُميان. و هذه الآيات عائدة الی اختفاء نور القلب لا الی عدم متابعة القوّة العقليّة و الفكريّة. أمّا الروايات في هذه الباب فتفوق الحصر، و نورد عدّة منها كمثال: روي في «الكافي»، عن عليّ بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن فضّال، عن أبيه، عن أبي جميلة، عن محمّد الحلبي، عن أبي عبدالله (الصادق) عليه السلام في قوله تعالي: فِطْرَتَ اللَهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا. [25] قال: فَطَرَهُمْ علی التَّوحيد. [26] كما روي في «الكافي» عن عليّ بن ابراهيم، عن محمّد بن عيسي بن عبيد، عن يونس، عن جميل قال: سَأَلْتُ أَبَا عَبْداللَهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَن قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ «هُوَ الَّذِي´ أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ.» [27] قَالَ: هُوَ الإيمانُ. قَالَ: قُلتُ: «وَ أَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنهُ»؛ [28] قَالَ: هُوَ الإيمانُ. وَ عَن قَوْلِهِ: «وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَي» [29] قَالَ: هُوَ الإيمانُ. [30] و كذلك ورد في «الكافي» عن عليّ بن ابراهيم، عن محمّد بن عيسي، عن يونس، عن عبدالله بن مُسكان، عن أبي عبدالله (الصادق) عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ « حَنِيفًا مُّسْلِمًا » [31] قال: خَالِصاً مُخلِصاً لَيْسَ فريهِ شَيءٌ مِن عِبَادَةِ الأوْثانِ. [32] و يُلاحظ في هذه الروايات انّ جلاء القلب من صدأ أكدار الطبيعة و الهوي و الهوس، و الإيمان بالله و الفطرة التوحيديّة، هو نور الباطن الذي يمثّل منبع إدراك القلب و نزوع الوجدان الی عوالم الملكوت و الجبروت و اللاهوت. فيستفاد ـ اذاً ـ من مجموع ما ذُكر انّ كلاّ من مركزي الإدراك موجود لدي الإنسان، و انّهما ضروريان كلاهما، سواءً في ذلك مركز التفكير العقلي أو مركز الإحساس و العواطف و الشهود القلبي و الوجداني. علی انّ الشهود القلبي يؤدّي الی الإيمان و الی ارتباط حقيقة الإنسان بذات الباري تعالي شأنه، و بدونه فانّ ألف نوع من الافكار العقليّة و الفلسفيّة و الذهنيّة لن يجعله خاضعاً خاشعاً. و سيكون التزلزل الروحي و الوجداني مشهوداً حتّي بعد سلسلة استدلالات صحيحة قائمة علی أساس البرهان الصحيح و القياسات الصحيحد، لا يرتحل عن فِناء الإنسان و لا يدعه يصل الی عالم الطمأنينة و السكينة. انّ التفكير العقلي يوجب تعادل العواطف و الإحساسات الباطنية و توازنها، و يحدّ من النزعات الخياليّة و الاوهام الواهية، و يُجري ذلك الشهود و الوجدان في مساره الصحيح الصائب. فلو لم يكن التفكير العقلي موجوداً، لا نحرف ذلك الشهود عن مساره الصحيح، و لآمن بالموهومات و الخيالات، و لانجذب القلب عند مواجهة أدني شيء يجذبه اليه، و لا تُبلي بهذا الامر علی الدوام. و يمكن أن ندرك جيداً ممّا تقدّم انّ الصراع بين العقل و العشق و تقدّم أحدهما علی الآخر صراعٌ لا مبرّر له، لانّ مهمة العشق و مهمة العقل مهمّتان منفصلتان متميّزتان، بحيث انّ لكلّ منهما مساراً و مستوي خاصاً، و بحيث انّهما مكينان في الادراك في كلام الموطنين و الجهتين، و انّهما ضروريّان كلاهما، و انّ إعمال واحدٍ منهما مع إهمال الآخر و تضييعه أمر خاطي بعيد عن الصواب. و لقد دعم الشرع كلام الامرين، فهو يُعين الضعيف منهما و يدعمه، لان العقل و القلب و الشرع ثلاثتهم حاكون عن الحقيقة و الواقع، و لانّهم ثلاثتهم ترجمانٌ لمعنيً واحد. و هكذا فانّ من المحال أن يخالف حكمُ الشرع حكمَ العقل و الفطرد، أو أن يخالف حكمُ العقل حكمَ الفطرة و الشرع، أو أن يخالف حكمُ الفطرة حكمَ العقل و الشرع، فهذه الامور الثلاثة المهمّة كالسلسلة المتّصلة، تحافظ حلقاتها علی بعضها، و تسعي لتثبت بعضها و إقراره. شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّي بِهِ نُوحًا وَ الَّذِي أوْحَينَآ إِلَيْكَ وَ مَا وَصَّيْنَا بِهِ... إِبْرَاهِيمَ وَ مُوسَي وَ عِيسَي أَن أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لاَ تَتَفَرقُو´ا فِيهِ. [33] وَ أنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَـ'بَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَـ'بِ وَ مُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللَهُ وَ لاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُم عَمَّا جَآءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَ مِنهَاجًا. [34] ثُمَّ جَعَلْنَـ'كَ علی شَرِيعَةٍ مِّنَ الاْمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَ لاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ. [35] و روي في«الكافي» عن أبي عبدالله الاشعري، عن بعض أصحابنا، رفعهُ عن هشام بن الحكم قال: قال لي أبوالحسن موسي بن جعفر عليهما السلام:... الی أن قال: يَا هِشَامُ إِنَّ لِلَهِ علی النَّاسِ حُجَّتَيْنِ؛ حُجَّةً ظَاهِرَةً وَحُجَّةً بَاطِنَةً؛ فَأمَّا الظَّاهِرَةُ فَالرُّسُلُ وَ الانبِيَاءُ وَ الائِمَّةُ عَلَيْهِمْ السَّلاَمُ؛ وَ أَمَّا البَاطِنَةُ فَالعُقُولُ. [36] كما يروي في «الكافي» عن محمّد بن يحيي، رَفَعَهُ قال: قال أميرالمؤمنين عليه السلام: مَنِ اسْتَحْكَمَتْ لِي فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ خِصَالِ الخَيْرِ احْتَمَلْتُهُ عَلَيْهَا وَ اغْتَفَرْتُ فَقْدَ مَا سِوَاهَا؛ وَ لاَّ أغْتَفِرُ فَقْدَ عَقْلٍ وَ لاَ دِينٍ. لاِنَّ مُفَارَقَةَ الدِّينِ مُفَارَقَةُ الاَمْنِ؛ فَلاَيَتَّهنَّأُ بِحَيوةٍ مَعَ مَخَافةٍ؛ وَ فَقْدُ الحيوةِ، وَ لاَ يُقَاسُ إلاَّ بِالاَمْوَاتِ. [37] و باختصار فقد جري التأكيد في آيات القرآن الكريم و أخبار المعصومين سلام الله عليهم أجمعين علی كلّ من المواضيع الثلاثة، من تقوية العقل، و تقوية القلب، و لزوم متابعة الشرع؛ و جري في الادعية و المناجاة طلب تقويتها من الذات المقدّسة للحضرة الاحدية. يقول أميرالمؤمنين عليه السلام ضمن أدعيته في «نهج البلاغة» مخاطباً الحضرة الاحديّة: الحَمْدُ لِلَهِ الَّذِي لَمْ يُصْبِحْ بِي مَيتاً وَ لاَ سَقِيماً؛ و لاَ مُضْرُوباً علی عُرُوقِي بِسُوءٍ؛ وَ لاَ مَأخُوذاً بِأسوَا عَمَلَي، و لاَ مَقطُوعاً دَابِري؛ وَ لاَ مُرْتَدّاً عَنْ دِينِي، وَ لاَ مُنكِراً لِرَبِي، وَ لاَ مُستَوْحِشاً مِن إِيمَانِي؛ وَ لاَ مُلْتَبِاً عَقْلِي؛ وَ لاَ مُعَذَّباً بِعَذَابِ الاُمَمِ مِنْ قَبْلِي. [38] و [39] العلاّمة الطباطبائي كان أستاذاً في العقل و القلب و الشرعو لقد كان أستاذنا العلاّمة الطباطبائي قدّس الله سرّه في درجة الكمال في كلّ من هذه الامور الثلاثة، بل حاز المرتبة الاولي بين الاقران؛ امّا من جهة كمال القوّد العمليّة و الحكمة العمليّة و السير الباطني في مدارج و معارج عوالم الغيب و الملكوت، و نيل درجات المقرّبين و الصدّيقين، فإنّ شفاهه المطبقة؛ حتّي زمن حياته إذ كان يعدّ كتمان السرّ من أعظم الفرائض؛ لم تسمح لنا أن نكشف الستار في هذه المرحلة أكثر ممّا فعلنا. الاّ انّنا نقول اجمالاً كما سبق أن قلنا: انّ العلاّمة كان غائباً عن الدنيا، فقد جاء غائباً و رحل غائباً. وَ سَلَـ'مٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَ يَوْمَ يَمُوتُ وَ يَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا. [40] و أمّا من جهة الشرع، فقد كان نفسه فقيهاً متشرّعاً يعني برعاية السنن و الآداب بكلّ ما في الكلمة من معني، حتّي انّه لم يقصّر عن الإتيان بأبسط المستحبّات، و كان ينظر الی الذين جاءوا بالشرع المبين نظر إعظام و إجلال و تبجيل. و كان يعترض علی بعض الصوفيّد الذين لا يُولون الشرعَ المقدّس من الإهتمام ما هو أهله، و ينتقدهم و يعدّ نهجهم مقروناً بالخطأ، و يعتبره غير مُنتةٍ بهم الی المنزل المقصود. و كان يمتدح كثيراً هذه العبارة في «الرسالة المنسوبة الی بحرالعلوم» (و ترجمتها كما يلي): «و امّا الاستاذ العام فلا يُعرف الاّ بمصاحبته في الخلاء و الملاء و بالمعاشرة الباطنيّة و بكمال إيمان جوارحه و نفسه. و حذارِ من الإنخداع بمتابعته لظهور خوارق العادات، و بيان دقائق النكات، و اظهار الخفايا الآفاقيّة، و الخبايا الانفسيّة، و تبدّل بعض حالاته؛ لانّ الإشراف علی الخواطر و الاطّلاع علی الدقائق و العبور علی النار و الماء و طيّ الارض و الهواء و الإحضار من المستقبل و أمثالها انّما تحصل في مرتبة المكاشفة الروحيّة، و ما أكثر المنازل و المراحل التي تعقب هذه المرحلة الی المنزل المقصود، إذ الطريق بلا نهاية؛ و ما أكثر السالكين الذين اجتازوا هذه المرحلة ثم هووا بعد ذلك من الجادّة، فدخلوا وادي اللصوص و الابالسة! و ما أكثر الكفّار الذين حصلوا علی اقتدار علی كثير من الامور في هذا السبيل!». و كان كثيراً ما يشرحها لتلاميذه، و يستند عليها كراراً، و يبيّن السبب في عدم إدراك الواقع عند عدم رعاية الشرع المطهّر. و كان للاستاذ العلاّمة تواضعاً و خضوعاً جمّاً مقابل القرآن الكريم خاصّةً، و كان يحفظ الآيات القرآنية الی حدٍّ ما، و قد ولد له اثر الممارسة نوعٌ من التعشّق بالآيات، فكان يعدّ تلاوة القرآن في آناء الليل و أطراف النهار أفضل و.سمي عملٍ له، و كان يمرّ علی آية فينتقل منها الی أخري ثم الی أخري و هكذا، فكان ينغمر في عالم من البهجة و المسرّد خلال تجواله في هذه الجنّات القرآنيّة. و كان العلاّمة يعيب بشدّة علی بعض المتنسّكين من ذوي الظواهر المقدّسة الذين صادروا الشرع، فانتقدوا ـ بعنوان الحماية للدين و الترويج للشرع المبين ـ جميع أصناف أولياء الله المتسكين بالمراقبة و المحاسبة، و الذين يقومون أحياناً بسجدات طويلة. و كان أوّل عملٍ لهم انتقاد و ذمّ بعض أعلام العرفان كالخواجة حافظ الشيرازي و مولانا محمّد البلخي الرومي صاحب كتاب «المثنوي». و كان العلاّمة يعدّ هذا النوع من التفكير ناشئاً من الجهل و الجمود و النزوع الی التحجّر، و هي أمور تنفر منها روح الشريعة. و كان يقول بأنّ التهجّم علی الفلسفة و العرفان ـ و هما دعامتنا عظيمتان من دعائم الشرع المبين ـ ناشي عن الجمود الفكري و الخمود الذهني، و يقول: يجي الاءستعاذة بالله من شرّ هؤلاء الجهّال، فهم الذين قصموا ظهر رسول الله، و ذلك في قوله: قَصَمَ ظَهرِي صِنفَانِ: عَالِمٌ مُتَهَتِّكٌ وَ جَاهِلٌ مَتَنَسِّكٌ.[41] كما كان العلاّمة لا يُلقي بالاً الی الذين يمتلكون قدرةً عقلية، من الذين درسوا الحكمة و الفلسفة، الاّ انّهم ضعفاء في الامور الشرعيّة؛ فكان يقول: انّ الحكمة التي تستقرّ في القلب فلا تستتبع ضرورة اتئباع الشريعة ليست بحكمة! خطبة أميرالمؤمنين عليه السلام في تفسير آية: رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَـ'رَةٌ وَ لاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَهِو علی كلّ حال، ففي النيّة ان نختم هذه الرسالة الشريفة؛ و ما أحري بنا أن نورد إحدي خطب «نهج البلاغة» التي ألقاها أميرالمؤمنين حين قرأ الآية الشريفة: رِجَالٌ لاَّ تُلهِيهِمْ تِجَـ'رَةٌ وَ لاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَهِ. [42] و ذلك في أولياء الله و المتألّهين، و في بيان خصائصهم و مميّزات أحوالهم، من أجل ختم رسالة الذكري هذه ببركة هذه الخطبة العلميّد الرفيعة من أقوال مولي الموحّدين و قائد الغرّ المحجلّين، و ليُعلم انّ جميع الآثار و الصفات قد جُمعت في الاستاذ العلاّمة الطباطبائي قدّس الله تربته الشريفة و أفاض علينا من بركاته المنيفة، لكأنّ مولي الموالي كان يحكي عنه و عن نظائره من تلامذة منهج التوحيد و مدرسة الولاية و العارفين بالحقّ. وَ مَا بَرِحَ لِلَهِ عَزَّتْ آلاؤُهُ فِي البُرْهَةِ بَعْدَ البُرْهَةِ وَ فِي أَزْمَانِ الفَتَرَاتِ عِبَادٌ نَاجَاهُمْ فِي! فِكْرِهِمْ؛ وَ كَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهِمْ؛ فَاسْتَصْبَحُوا بِنُورِ يَقْظَةٍ فِي الاَسْمَاعِ وَالابْصَارِ وَالافْئِدَةِ يُذَكِرُونَ بِأَيَّامِ اللَهِ؛ وَ يُخَوِّفُونَ مَقَامَهُ بِمَنْزِلَةِ الادِلَّةِ فِي الفَلَواتِ. مَنْ أَخَذَ القَصْدَ حَمِدُوا إِلَيْهِ طَرِيقَهُ؛ وَ بَشَّرُوهُ بِالنَّجَاةِ؛ وَ مَنْ أَخَذَ يَمِيناً وَ شِمَالاً ذَمُّوا إِلَيْهِ الطَّرِيقَ، وَ حَذَّرُوهُ مِنَ الْهَلَكَةِ؛ وَ كَانُوا كَذَلِكَ مَصَابِيحَ تِلْكَ الظُّلُمَاتِ وَ أَدِلَّةَ تِلْكَ الشُّبُهَاتِ. وَ إنَّ لِلذِّكْرِ لاَهْلاً أَخَذُوهُ مِنَ الدُّنيَا بَدَلاً، فَلَمْ تَشْغُلْهُمْ تِجَارَةٌ وَ لاَ بَيْعٌ عَنْهُ؛ يَقْطَعُونَ بِهِ أَيَّامَ الحَيَوةِ؛ وَ يَهْتِفُونَ بِالزَّوَاجِرِ عَنْ مَحَارِمِ اللَهِ فِي أَسْمَاعِ الغَافِلِينَ؛ وَ يَأْمُرُونَ بَالقِسْطِ وَ يَأتَمِرُونَ بِهِ؛ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْهُ. فَكَأنَّمَا قَطَعُوا الدُّنيَا الی الآخِرَةِ وَ هُمْ فِيهَا فَشَاهَدُوا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ، فَكَأنَّمَا اطَّلَعُوا غُيُوبَ أَهْلِ البَرْزَخِ فِي طُولِ الإقَامَةِ فِيهِ؛ وَ حَقَّقَتِ القِيَامَةُ عَليْهِمْ عِدَاتِهَا. فَكَشَفُوا غِطَاءَ ذَلِكَ لاهْلِ الدُّنيَا حَتَّي كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ مَا لاَ تَرَي النَّاسُ؛ وَ يَسْمَعُونَ مَا لاَ يَسْمَعُونَ. فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ لِعَقْلِكَ فِي مَقَاوِمِهِمُ المَحْمُودَةِ، وَ مَجَالِسِهِمُ المَشْهُودَةِ، وَ قَدْ نَشَرُوا دَوَاوِينَ أَعْمَالِهِمْ؛ وَ فَرَغُوا لِمُحَاسَبَةِ أَنفُسِهِمْ عَنْ كُلِّ صَغِيرَةٍ وَ كَبِيرَةٍ أُمِرُوا بِهَا فَقَصَّرُوا عَنْهَا، أَوْ نُهُوا عَنْهَا فَفَرَّطُوا فِيهَا، وَ حَمَلُوا ثِقْلَ أَوْزَارِهِمو ظُهورَهُمو فَضَعُفُوا عَنِ الإسْتِقْلاَلِ بِهَا، فَنَشَجُوا نَشِيجاً وَ تَجَاوَبُوا نَجِيباً، يَعِجُّونَ الی رَبِّهِمْ مِن مَقَاوِمٍ نَدَمٍ وَاعْتِرَافٍ؛ لَرَأيْتَ أعْلاَمَ هُديً وَ مَصَابِيحَ دُجيً قَدْ حَفَّتْ بِهِمُ المَلَئِكَةُ، وَ تَنَزَّلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ؛ وَ فُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَ أُعِدَّتْ لَهُمْ مَقَاعِدُ الكَرَامَاتِ فِي مَقَامٍ اطَّلَعَ اللَهُ عَلَيْهِمْ فِيهِ؛ فَرَضِي سَعْيَهُمْ؛ وَ حَمِدَ مَقَامَهُمْ؛ يَتَنَسَّمُونَ بِدُعَائِهِ رَوْحَ التَّجَاوُزِ؛ رَهَائِنُ فَاقَةٍ الی فَضْلِهِ، وَ أُسَارَي ذِلَّةٍ لِعَظَمَتِهِ؛ جَرَحَ طُولُ الاَسَي قُلُوبَهُمْ وَ طُولُ البُكَاءِ عُيُونَهُمْ. لِكُلِّ بَابِ رَغْبَةٍ الی اللَهِ مِنْهُمْ يَدٌ قَارِعَةٌ؛ يَسأَلُونَ مَنْ لاَ تَضِيقُ لَدَيْهِ المَنَادِحُ؛ وَ لاَ يَخِيبُ عَلَيْهِ الرَّاغِبُونَ، فَحَاسِبْ نَفْسَكَ لِنَفْسِكَ فَإنَّ غَيْرَهَا مِنَ الانفُسِ لَهَا حَسِيبٌ غَيْرُكَ. [43] و كانت حالات الاستاذ في السنوات العديدة من آخر عمره في غاية العجب، و كان يبدو باستمرار مفكّراً منطوياً مضمحلاً، و كانت مراقبته شديدد، و كان يندر ان يتنازل، و قد غلبت عليه في السنة الاخيرة من عمره حالة الخَلسة و الإغفاء، و كان إذا استيقظ توضّأ علی الفور و جلس مقابل القبلة بأعين مطبقة. ثمّ انّه تشرّف بزيارة المشهد المقدّس لثامن الحجج عليه الصلوة و السلام في الثالث من شهر شعبان (يوم ولادة سيّد الشهداء عليه السلام) لسنة ألف و أربعمائة و واحد هجريّة، تصحبه زوجته المكرّمة المخدّرة و أحد الطلبة المحترمين من أهل الفلسفة و السلوك كان قد صحبه لرعايته؛ فأقاموا في مشهد اثنين و عشرين يوماً. هذا و قد أقام العلاّمة في دماوند طهران في الصيف لاعتدال الجوّ فيها، و قد نقل مرّة خمل مدّة إقامته الی طهران، فأُدخل المستشفي، الاّت ان مرضه كان شديداً بحيث لم تثمر، معالجة المستشفي شيئاً. ثمّ انّه عاد أخيراً الی محلّ سكناه في بلدد قم الطيّبة، فمرّض في بيتة، و كان لا يستقبل غير الخواص من تلامذته. يقول أحد تلامذته: [44] ذهبتُ يوماً لعيادته، و كان المرض قد ثقل عليه، فشاهدتُ جميع مصابيح الغرف مضاءةً، و كان العلاّمة قد ارتدي ملابسه و عباءته و اعتمّ بعمامته، و كان يدور في الغرف في حال ابتهاج و سرور يفوق الوصف، كأنّه ينتظر قدوم أحد. و قد نُقل عن أحد فضلاء قم ـ و هو أستاذ ولدي ـ قوله: كنتُ أتردّد عصراً علی منزل العلاّمة أواخر عمره لاجلب احتياجات المنزل ـ إن وُجدت ـ أوّلاً، و لآخذ العلاّمة للتمشّي قدراً في ساحة البيت، ثانياً. فذهبتُ الی منزله يوماً فسلّمت و قلت: أتحتاجون شيئاً يا سيّدنا؟ فقال عدّة مرّات: أنا محتاج! أنا محتاج! أنا محتاج! فانتبهتُ الی انّ قصد العلامة شيء آخر، و أنّه كان يسير فيأفق آخر، ثم طُلب منّي الجلوس داخل احدي الغرف، و دخل العلاّمة تلك الغرفة أيضاً، و كان مشغولاً بقرائة أذكار و عيناه مغمضتان باستمرار لا يفتحهما، و لم أستطع معرفة الذكر الذي كان منهمكاً بقراءته؛ حتّي حان وقت صلاة المغرب، فشاهدتُ العلاّمة و قد شرع بقراءة الاذان بأعينه المغمضة دون أن يتطّلع الی السماء، ثم شرع بإقامة صلاة المغرب. ثم انّي تناولتُ من جانب الغرفة منديلاً و رقيّاً و وضعتُه علی يدي أمامه ليسجد عليه، فلم يفعل ذلك. فقلتُ في نفسي!: لعلّه لم يسجد لانّ المنديل الورقي موضوع في يدي و غير مستند الی شيء؛ فذهبتُ الی داخل المنزل و جلبتُ شيئاً مرتفعاً للسجود و وضعت تربة السجود عليه، فسجد عليه العلاّمد حتّي أتمّ صلاته. و كانت حالته تشتدّ يوماً بعد يوم، حتّي نقل الی المستشفي في قم، فقال لزوجته المكرّمة عند خروجه من المنزل: انّني لن أعود بعدُ! ارجاعات [1] ـ من فقرات خطبة همّام، و هي الخطبة 191 من «نهج البلاغة». [2] ـ من فقرات خطبة همّام، الخطبة 191 من «نهج البلاغة». [3] ـ من أشعار حافظ الشيرازي؛ «ديوان حافظ» طبع پژمان، حرف النون، ص 177 يقول: أنا الذي شُهرت في مدينتي بالتدلّه بالعشق، و الذي لم أُدنّس بنظر السوء ناظري. مَحوتُ ـ بعكوفي علی الكأس ـ اثار وجودي، لاحطّم آثار العُجب و الانانيّة. نَفِي و نصبر علی العذل و نسعد، فالامتعاض في شريعتنا ليس الاّ الكفر. سألتُ شيخ الحانة (شيخ الطريقة) ما سبيل النجاة! فدعا بالكأس مُترعةً و قال: كتمان السرّ. [4] ـ الكرسي: وسيلة للتدفئة، و هي أشبه بالمنضدة الواطئة يوضع تحتها وسيلة للتدفئة و يُبسط عليها لحاف في الشتاء و....... أنفسهم (م). [5] ـ «ديوان حافظ» طبع پژمان، حرف الميم، ص 157 يقول: لستُ بالمتخلّع اللاد أُبالي لاهجر المعشوق و الكأس، و المحتسب يعلم أنّي لا.فعل ذلك و قطّ. فإن تُتبتُ عن الخمر أو ان تفتح الورد أنا الذي لمت التائبين كراراً ـ لكنتُ إذ ذاك مجنوناً لقد غسلت الصَّبا الورد بماء اللطف (والندي)، فإن تطلّعتُ في! صفحاتِ دفترٍ فادعُني إذ ذاك سقيمَ الطباع! العشق درّةٌ، و غوّاصٌ أنا، و البحر حانة؛ و لقد غُصت و لا أعلمُ من أين سأطفوا! شقائق النعمان تمسك بالكأس، و النرجس سكري، لكنّهم يدعونني أنا فاسقاً! انّ لي تظلّماً كثيراً فمن الذي أحكّمه يا ربّ! فيا أيّها التركيّ الذي ملا المدينةَ (بُحسن) فتنةً و غوغاءً، زمّ العنان لحظةً لاملا دربك زينةً بالدمع و طلعتي الصفراء كالذهب. و كيف ـ تري ـ أطمع في فيض كوكب الشمس العالية، و لديّ كنوزٌ من ياقوت الدموع؟! ليس ثمّة اعتبار لعهد الفَلَك و الزمان، فسأعقد العهد مع الكأس و أحالف القدح. و حين أكون غنيّاً ـ أنا الشّحاذ ـ بكنز المَلِك ـ فمتي سأطمع في دوران الفَلَك ول ازمان الذي يتعاهد السفلة! و مع أنّ غبار الفقر يعلوني، الاّ انّي سأستحي من همّتي لو بلّلتُ أذيالي بماء منبع الشمس. و لو ارتضي لطفُ الحبيب النّار للعشّاق يصلونها، فسأكون قاصر النظر لئيماً لو نظرتُ إلی عين الكوثر! و لئن كان ياقوت شفتيك يغمز خفيةً لحافظ، الاّ انّني لستُ بالذي يصدّق (ثانيةً) بهذي الاساطير! [6] ـ يروي الصدوق رواية شريفة في هذا المجال في كتابه «التوحيد» ص 174، بإسناده عن أبي الحسن الموصلي، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الاحبَارِ إلی أميرِالمؤمنينَ علَيْهِ السَّلامُ فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَالمؤمِنِينز مَتَي كَانَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ لَهُ: ثَكَلَتْكَ اُمُّكَ! وَ مَتَي لَمْ يَكُنْ حَتَّي يُقَالَ: مَتَي كانَ. كَانَ رَبِّي قَبْلَ القَبلِ بِلاَ قَبْلِ وَ يُكونُ بَعْدَ البَعْدِ بِلاَ بَعْدٍ، وَ لاَ غَايَةَ وَ لاَ مُنتَهَي لِغَايَتِهِ؛ انقَطَعَتِ الغَايَاتُ عَنْهُ فَهَُ مُنتَهَي كُلِّ غَايَةٍ. فَقَالَ: يَا أَمِيرَالمؤمِنِينَ فَنَبِيُّ أَنتَ؟ فَقَالَ: وَيْلَكَ. إنَّمَا أنَا عَبْدٌ مِن عَبِيدِ مُحَمَّدٍ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ. و ينقل ابن أبي الحديد عن أميرالمؤمنين عليه السلام في آخر «شرح نهج البلاغة» ألف كلمة من المواعظ و الحِكَم في هيئة كلمات قصار. و الرقم (57) منها هو: إذَا كَانَ الآبَآءُ هُمُ السَّبَبَ فِي الحيوةِ، فَمُعَلِّموا الحِكْمَةِ وَالدِّينِ هُمُ السَّبَبُ فِي جَوْدَتِها. (طبع دار الكتب العربيّة، ج 20، ص 261). [7] ـ يذكر المحدّث القميّ في «سفينة البحار» ج 2، ص 225، عن كتاب اجازات «بحار الانوار» ص 50 و 51؛ وصيّة الشيخ محمد بن أبي جمهور الاحسائي في اجازته للشيخ ربيعة بن جُمعة في حقّ المعلّم و الاستاذ. و ينقل في حقوقه روايةً عن الرسول سيّد العالمين صلّي الله عليه و آله انّه قال: مَنْ عَلَّمَ شَخْصاً مَسْألَةً، مَلَكَ رِقَّهُ (رَقَبَتَهُ، ظ) فَقِيلَ لَهُ: أيَبِعَهُ؟ قالَ: لاَ، وَ لَكِنْ يَأمُرُهُ وَ يَنْهَاهُ. [8] ـ گر چه از هر ماتمي خيزد غمي فرق دارد ماتمي تا ماتمي اي بسا كس مُرد و كس آگه نشد مرگ او را مبدئي و مَختَمي ليك اندر مرگ مردان بزرگ عالَمي گريد براي عالَمي لاجرم در مرگ مرداني چنين گفت بايد: اي دريغا عالَمي و ترجمته: مع انّ غمّاً و حزناً يتصاعد من كلّ مأتم، الاّ انّ المآتم تختلف عن بعضها فما أكثر من ماتوا فلم يشعر بموتهم أحد، و كان موتهم البداية والنهاية! و ما أكثر من ماتوا فلم تلذع الحرقة الاّ قلب صاحبٍ أو اصحابٍ من جلسائه! أمّا في موت الرجال العظام، فإنّ العالَم يبكي لاجل العالَم. و لا جرم أن يُقال في موت أمثال هؤلاء: واحسرتاه علی العالَم! [9] ـ من «الديوان المنسوب إلی أميرالمؤمنين عليه السلام». [10] ـ منتخب من الاشعار اللاميّة لابن الفارض، ص 135 ـ 139 من ديوانه. [11] ـ «ديوان حافظ شيرازي» طبع پژمان، حرف الدال، ص 111 و 111. يقول: لقد كنتَ قبلاً شريك غم العشّاق أكثر، و كان اظهار محبّتك لنا حديث الآفاق. فتذكّر حديثي تلك الليالي مع زلفك عن سرّ العشق و عن ذكر مجلس العشّاق. لقد كانت رفقتنا و محبّتنا، منذ فجر الازل إلی آخر ليل الابد، في عهدً واحد و ميثاق. (مع انّ الازل لا أوّل له و الابد لا آخر له). و مع انّ حسن ذوي الوجوه التي تُحاكي الاقمار يسلب القلب و الدين، لكنّ عشقنا كان بلطافة الطبع و حُسن الاخلاق. فماذا سيضير لو سقط علی العاشق ظُلُّ المعشوق، فنحن له محتاجون و هو لنا مُشتاق. و قبل أن يُمدّ هذا السقف الاخضر و الطاق اللازوردي، كانت أنظاري تتطلّع لحاجبه الشبيه بالطاق. [12] ـ الآية 67، من السورة 21: الانبياء. [13] ـ ذيل الآية 171، من السورة 2: البقرة. [14] ـ ذيل الآية 42، من السورة 10: يونس. [15] ـ ذيل الآية 17، و الآية 18، من السورة 39: الزمر. [16] ـ الآية 171، من السورة 2: البقرة. [17] ـ «أصول الكافي» الطبعة الحروفيّة، ج 1، ص 26. [18] ـ «أصول الكافي» الطبعة الحروفيّة، ج 1، ص 26. [19] ـ «أصول الكافي» الطبعة الحروفيّة، ج 1، ص 26. [20] ـ الآية 46، من السورة 22: الحجّ. [21] ـ الآية 80، من السورة 27: النمل. [22] ـ ذيل الآية 22، من السورة 35: فاطر. [23] ـ ذيل الآية 13، من السورة 60: الممتحنة. [24] ـ النصف الاوّل للآية 19، من السورة 13: الرعد. [25] ـ مقطع من الآية 30، من السورة 30: الروم. [26] ـ «اُصول الكافي» الطبعد الحروفيّد، ج 2، ص 13. [27] ـ صدر الآية 4، من السورة 48: الفتح. [28] ـ مقطع من الآية 22، من السورة 58: المجادلة. [29] ـ مقطع من الآية 26، من السورة 48: الفتح. [30] ـ «اُصول الكافي» الطبعة الحروفيّة، ج 2، ص 15. [31] ـ مقطع من الآية 67، من السورة 3: آل عمران. [32] ـ «اصول الكافي» الطبعة الحروفيّة، ج 2، ص 15. [33] ـ النصف الاوّل من الآية 13، من السورة 42: الشوري. [34] ـ النصف الاوّل من الآية 48، من السورة 5: المائدة. [35] ـ الآية 18، من السورة 45: الجاثية. [36] ـ «اُصول الكافي»، کتاب العقل و الجهل، الجدیث12 [37] ـ «اُصول الكافي»، کتاب العقل و الجهل، الجدیث30 [38] - «نهج البلاغة»، ج1، الخطبة 213 [39] ـ ينقل المرحوم المجلسي رضوان الله عليه في تطابق المراحل الثلاث: الفطرة و العقل و الشرع، ضمن إذن دخول السرداب المقدّس لصاحب العصر و الزمان أرواحنا فداه و سائر الائمّة المعصومين و ذلك عن نسخة قديمد من مولّفات الاصحاب، أوّله « اللَّهُمَّ إنَّ هَذِهِ بُقعَةٌ طَهَّرْتَهَا وَ عَقْوَةٌ شَرَّفْتَهَا»، جاء فيه: فَسُبْحَانَكَ مِن إلَهٍ مَاأَرأفَكَ، وَ لاَ إلَهَ إلاَّ أنتَ مِن مَلِكٍ مَا أَعْدَلَكَ؛ حَيثُ طَابَقَ صُنْعُكَ مَا فَطَرْتَ عَلَيْهِ العُقُولَ، وَ وَافَقَ حُكْمُكَ مَا قَرَّرْتَهُ فِي المَعْقُولِ وَ الْمَنقُولِ. [40] ـ الآية 15، من السورة 19: مريم. [41] ـ و أورد الصدوق في «الخصال» باب الاءثنين، نظير هذا الكلام عن أميرالمؤمنين عليه السلام قال: قَطَعَ ظَهْرِي رَجُلاَنِ مِنَ الدُّنيَا، رَجُلٌ عَلِيمُ اللِسانِ فَاسِقٌ؛ وَ رَجُلٌ جَاهِلُ القَلْبِ نَاسِكٌ. هَذَا يَصُدُّ بِلِسَانِهِ عَنْ فِسقِهِ، وَ هَذَا بُنِسْكِهِ عَنْ جَهْلِهِ؛ فَاتَّقُوا الفَاسِقَ مِنَ العُلَمَاءِ وَالجَاهِلَ مِنَ المُتَعَبِّدِينَ أُولَئِكَ فِتْنَةُ كُلِّ مَفْتُونٍ، فَإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ سَلَّمَ يَقُولل: يَا عَلِيُّ هَلاَكُ أُمَّتِي علی يَدَي كُلِّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِسَانِ. و يروي المجلسي فِي «بحار الانوار» الطبعة الحروفيّة، ج 2، ص 111، عن «منية المريد» قال: قال أميرالمؤمنين عليه السّلام: قَصَمَ ظَهْرِي عَالِمٌ مُتَهَتِّكٌ وَجَاهِلٌ مُتَنَسِّكٌ؛ فَالجَاهِلُ يَغْشُّ النَّاسَ بِتَنَسُّكِهِ، وَالعَالِمُ يَغُرُّهُمْ بِتَهَتُّكِهِ. كما نقل في «بحار الانوار» الطبيعة الكمباني، ج 1، ص 65، عن «غوالي اللئالي» انّه روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: قَطَعَ ظَهْرِي اثْنَانِ: عَالِمٌ مُتَهَتِّكٌ وَ جَاهِلٌ مُتَنَسِّكُ؛ هَذَا يَصُدُّ النَّاسَ عَنْ عِلْمِهِ بِتَهَتُّكِهِ، وَ هَذَا يَصُدُّ النَّاسَ عَنْ نُسْكِهِ بِجَهْلِهِ. [42] ـ صدر الآية 37، من السورة 24: النور. [43] ـ «نهج البلاغة» الخطبة 220. [44] ـ و هو سماحة شيخ الفضلا العظام حجّة الاسلاما لحاج الشيخ أبوالقاسم المرندي دامت بركاته، الابن الرشيد لسماحة آية الله المرحوم الحاج الشيخ هدايت الله المرندي رضوان الله عليه، حيث شرّفنا بالحضور في منزلي في مشهد المقدّسة في اليوم الخامس من محرم الحرام لسنة 1406 ه لسوابق المودّة والمحبّة، و ضمن المذاكرات في أحوال المرحوم أستاذنا العلاّمة الطباطبائي قدئس الله تربته، أضاف: ذهبتُ لزيارته في مستشفي آية الله العظمي الكلبايكاني في قم يوم عيد الغدير الاخير له، و كان قد بقي علی ارتحاله شهر واحد، فكان راقداً علی سرير المرض، و كان واضحاً من القرائن و الشواهد أنّ أحداً لم يكن قد جاء لزيارته ذلك اليوم، فقد كان جميع الطلبة و الفضلاء مشغولين بمراسم العيد و مستلزمات ذلك اليوم. فوقفت في جانب من غرفته وحدياً حتّي جاءت ابنته، و هي زوجة المرحوم حجّة الاسلام القدّوسي فوقف جنب سريره و سلّمت عليه ـ و كان عيناه مغمضتين منذ فترة ـ و قالت: كيف حالك يا أبي العزيز؟! فأجابها فقط بكلمة: حَسَنٌ. فوقفتُ عنده قدراً ثم انصرفت إلی منزلها لرعاية أطفالها؛ ثم اني بقيت واقفاً في زاوية الغرفة مدّة، و كان قد مرّت عليه عدّة أيّام و أعينه مغمضة لا يفتحها، و كانت تماماً في هيئة أعين مريضة؛ ففتح عينيه فجأة فكانت أعينه برّاقة جدّاً في هيئة أعين عادية بشوشة، فنظر إلی، فاغتنمتُ الفرصة و قلتُ له في هيئة المزاح: أيّها السيّد! أيحضركم شيء من أشعار حافظ؟ ردّ يقول: «صلاح كار كجا و من خراب كجا» فأقرأ بقية البیت! (و ترجمته؛ شتّان بين صلاح الحال و بين خرابي قد شطّا طريقتن. فقلتُ: «ببين تفاوت ره از كجاست تا به كجا! (و ترجمته: فانظر تفاوت الدرب من أين إلی أين). فقال بنفسه: تا به كجا! (الي أين!)
ثم أغلق عينيه في هيئتهما الاولي، و لم ينطق بعدُ بشيء.
|
|
|