|
|
الصفحة السابقةكيفيّة ارتحال العلاّمة الطباطبائي و تشييعه و دفنهثمّ انّه رقد في المستشفي للعلاج لمدّة أسبوع، و كان في اليوم الاخير فاقداً للوعي تماماً، حتّي كان صباح يوم الاحد الثامن عشر من شهر محرّم الحرام لسنة ألف و أربعمائة و اثنتان هجرية قبل حلول الظهر بثلاث ساعات، حيث ارتحل الی الفِناء الابدي و خلع رداء البدن الرثّ و ارتدي خلعة الحياة الخالدة. [1] داديم به يك جلوة رويت دل و دين را تسليم تو كرديم همان را و همين را ما سير نخواهيم شُد از وصل تو آري لب تشنه قناعت نكند ماء معين را ميديد اگر چشم ترا لعل سليمان ميداد در اوّل نظر از دست نگين را در دائرة تاجوران راه ندارد هر سر كه نسائيده بپاي توجبينرا[2] وَ حَيَاةِ أشْوَاقِي إِلَيْكَ وَ تُرْبَةِ الصَّبْرِ الجَمِيلِ مَا استَحْسَنَتْ عَيْنِي سِوَالَ وَ مَا صَبَوْتُ الی خَلِيلِ [3] قَلوبِي يُحَدِّتُنِي بِأَنَّكَ مُتْلِفِي رُوحِي فِدَاكَ عَرَفْتَ أَمْ لَمْ تَعْرِفِ مَالِي سِوَي رُوحِي وَ بَاذِلُ نَفْسِهِ فِي حُبِّ مَنْ يَهْوَاهُ لَيْسَ بِمُسْرِفِ يَا مَانِعِي طِيبَ المَنَامِ وَ مَا نِحِي ثَوْبَ السقَامِ بِهِ وَ وَجْدِي المُتْلِفِ وَ حَيَاتِكُمْ وَ حَيَاتِكُمْ قَسَماً وَ فِي عُمْرِي بِغَيْرِ حَيَاتِكُمْ لَمْ أَحْلِفِ لَوْ أَنَّ رُوحِي فِي يَدِي وَ وَهَبْتُهَا لِمُبَشِّري بِقُدُومِكُمْ لَمْ أُنصِفِ [4] و الخلاصة، و باعتبار اختيار هذا الحقير الإقامة في المشهد المقدّس للرضا عليه السلام، و حطّه رحال الفاقة والحاجة عند الاعتاب المحروسة بالملائكة لهذا الإمام الهمام، فانّي لم أكن بالطبع في بلدة قم المقدّسة عند ارتحال هذا الاستاذ الجليل؛ لذا فقد دفعني العشق و الشوق في ذكري و تأبين هذا الاستاذ الذي له علی الحقير حقّ الحياة حقّاً، لادوّن في هذه الايّام التي عشت فيها في ذاكره علی الدوام، المطالب المحرّرة التي تخطر علی البال، في هذه السطور، بعنوان «مهرتابان = الشمس الساطعة» و هي رسالة في تأبين و ذكري تلك الشمس المتوهجّة للعلم و المعرفة، لاقدّمها لطلاّب البصيرة و عشّاق لقاء الحضرة الاحديّة، كي لا يكفّوا. ـ بمطالعتها ـ عن الطلب، و ليسيروا هذا الدرب الی غايته ببذل كلّ سعي وجهد و كدّ، و ليجعلوا هدفهم معرفة الذات الاحديّة بالفناء في ذلك الإسم. و أُهدي ثواب هذه الرسالة ـ ان نالت القبول ـ الی تلك الروح النيّرة ـ لمصدر العلم و التقوي. و لله الحمد و له الشكر فقد انتهي القسم الاوّل من الرسالة، و الذي استغرقت كتابته عشرين يوماً، في ليلة أربعين ذلك الفقيد السعيد المصادفة لليلة ارتحال الرسول الاكرم خاتم النبيّين صلّي الله عليه و آله وسلّم: الثامن و العشرين من شهر صفر الخير لسنة ألف و أربعمائة و اثنتين هجريّة. و لَهُ الحَمْدُ فِي الاُولَي و الآخِرَةِ وَ آخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحزمْدُ لِلَهِ رَبِّ العَالَمِينَ وَ سَلاَمٌ علی المُرْسَلِينَ وَ خَاتَمِ النَّبِييّنَ مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَ علی أَوْلِيَائِهِ المُقَرَّبِينَ. اللَهُمَّ أَعْلِ دَرَجَةَ الاُسْتَاذِ الاَكْرَمِ وَاحْشُرْهُ مَعَ مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الْمَعْصُومِينَ وَ أَفِضْ عَلَيْنَا مِن بَرَكَاتِهِ وَ لاَ تَكِلْنَا الی أَنفُسِنَا طَرْفَةِ عَيْنٍ أَبَداً فِي الدُّنيَا وَ الآخِرَةِ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. كَتَبَهُ بِيُمْنَاهُ الدَّاثِرَةِ، العَبْدُ المِسْكِينُ السَّيِّدُ مُحَمَّدُ الحُسَيْنِ الحُسَيْنِيّ الطِّهْرَانِيّ! عَفي اللَهُ عَنْهُ وَ عَنْ وَالِدَيْهِ.
بسم الله الرحمن الرحيم. أفضل التحيّات الوافرة و الصلوات الزاكية علی رسول الله خاتم النبيّين محمّد بن عبدالله، حامل لواء الحمد و الحائز لمقام الشفاعة الكبري، و المتصدّر لركب الانبياء الاوّلين و الآخرين في مقام قرب الحضرة الاحديّة، و علی وصيّه الامجد خاتم الوصيّين و يعسوب الدين أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب، و علی أولاده الاحد عشر الاماجد المجدّين، و خاصّة قطب دائرة الإمكان صاحب العصر و الزمان الحجة بن الحسن العسكري واسطة الفيض الالهي و منبع إفاضة أنوار الملكوت علی عالم الناسوت عجّل الله فرجه الشريف، فهو الحامل لاعباء الولاية الكليّة الالهيّة، و الجاذب لارواح الصدّيقين و المقرّبين الی أقصي درجات القرب و الكمال. و أفضل الالطاف الخفيّة الالهيّة و الرحمات المنزلة القدسيّة علی الروح الطاهرة للاستاذ الاعظم آية الله المكرّم الفيد السعيد المرتحل قريباً: سماحة الاستاذ العلاّمة الطباطبائيّ رحمة الله عليه رحمةً واسعة، و أسكنه الله في دار القدس و الرفيق الاعلي، و أفاض علينا من بركاته بمحمّد و آله. و باعتبار أنّ المرحوم الاستاذ كان له مجلس طافح بالفيض باستمرار و حاوٍ لجميع أنواع الفوائد، و انّ هذا الحقير كان يغتنم منذ سابق الايّام الآثار المترشّحة من هذا المجلس فيدوّنها و يسجّلها، و خاصّة في مدّة الاشهر الاربعة من صفر المظفّر الی جمادي الاولي لسنة ألف و أربعمائة هجريّة، التي كان ذلك المخدوم المعظّم مقيماً خلالها في طهران، و كنت آنذاك أفيد من آثار مجلسه أغلب الايّام لساعة أو ساعتين، و أدوّن ملاحظات حول موارد الاسئلة و الاجوبة، فقد بدا لي الآن أن أجمع بعض تك الاسئلة و الاجوبة التي يمكن وضعها في متناول أيدي العموم. و باعتبار ان الاسئلة كانت للحقير و الاجوبة كانت لسماحته، لذا أقوم بتدوينها و تقديمها لاصحاب البصيرة بعنوان « محاورات التلميذ و العلاّمة ». و بِيَدِهِ أَزِمَّةُ الاُمور وَ بِهِ أستَعِينُ وَ لاَ حَوْلَ وَ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ براللَهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.
مقدّمةبسم الله الرحمن الرحيم العلاّمة: لقد كان لرسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم أُنس و علاقة شديدة بالقرآن الكريم، بحيث كان من دأبه إذا ما تلي لديه أحدٌ آيةً من القرآن الكريم، أن يقرأ ـ صلوات الله و سلامه عليه ـ الآبة التي تليها، و كان من جهة أخري منبعاً للرحمة و المودّة. و حصل أن جاء الی أميرالمؤمنين عليه السلام شخص مهدور الدم كان النبيّ قد أهدر دمه لجناية أو جريمة ارتكبها، فتوسّل اليه قائلاً: يا عليّ! ما أفعل ليعفو عنّي رسول الله؟ فأجاب أميرالمؤمنين عليه السلام: امثل لديه صلوات الله عليه و اتلُ هذه الآية: تَاللَهِ لَقدْ ءَاثَرَكَ اللَهُ علَلَيْنَا وَ إِن كُنَّا لَخَـ'طِئِينَ. ففعل الرجل ذلك، فقرأ رسول الله فوراً و بم تأمّل الآية التي تليها: لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. فكانت هذه الآية بمثابة حكم العفو عن ذلك الشخص. [5] في تفسير آية: عَبَسَ وَ تَوَلَّي' أَن جَآءَهُ الاْعْمَيالتلميذ: ورد في بعض تفاسير العامّة انّ فاعل فعل ( عَبَسَ وَ تَوَلَّي' أَن جَآءَهُ الاْعْمَي ) يرجع الی رسول الله؛ و أن الخطاب في ( وَ مَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّي' أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَي' أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَي' فَأَنتَ لَهُ و تَصزدَّي' وَ مَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّي' وَ أَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَي' وَ هُوَ يَخْشَي' فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّي ) مُوجّه اليه. و باعتبار عنوان المؤاخذة فانّه يتّضح ان ذلك العبوس و التولّي صدر من النبيّ. العلاّمة: ليس الامر كذلك؛ و ذلك أوّلاً: لان نظير هذه الخطابات كثير في القرآن الكريم، حيث ان عنوان المؤاخذة و الخطاب موجّه الی رسول الله بينما من المسلّم انه لم يكن فاعل ذلك الفعل. كالآية 68 من السورة 6: الانعام: وَ إِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي´ ءَايَـ'تِنَا فَأَعْرِضْ عَنهُمْ حَتَّي يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِه وَ إِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَـ'نُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَي مَعَ الْقَوْمِ الظَّـ'لِمِينَ. و ذلك لانّنا اذا قارنّا و قسنا هذه الآية بالآية 140، من السورة 4: النساء: وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُم فِي الْكِتَـ'بِ أَن إِذَا سَمِعْتُمو ءَايَـ'تِ اللَهِ يُكْفَرُ بِهَا وَ يُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّي يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثلُهُم إِنَّ اللَهَ جَامِعُ الْمُنَـ'فِقِينَ وَ الْكَـ'فِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا. فَسيتّضح جيداً انّ الآية الثانية ناظرة الی الاولي، و قد صُرّح فيها انّ حكماً كهذا قد سبق أن نزل في كتاب الله. و لانّ الخطاب في الآية الثانية موجّه للمؤمنين، فيتّضح ان الخطاب في الاولي كان للمؤمنين أيضاً، حيث تبيّن الآية الثانية أمر نزوله و تدلّ علی نزول مثل هذا الحكم، بالرغم من ان الخطاب في ظاهر لحن الكلام موجّه للرسول الاكرم و مبيّن بصيغد المخاطب المفرد. و العلّة في مجيء الله بالحكم للمؤمنين و أفراد الناس و توجيهه الخطاب لرسول الله في الظاهر واضحة، لانّ النبيّ مأمور بإبلاغ جميع الامّة، فالناس يكلّفون من خلال نفس الرسول صلوات الله و سلامه عليه. لذا فقد كانت هذه الخطابات و التكاليف تُحمل علی رسول الله. و هذا المعني شائع في عرف أهل اللغة و محاوراتهم و في البلاغة و الفصاحة الادبيّة، حيث يوجّه السلطان في كثير من الموارد خطابه للوزير، في حين انّ جميع جهات التكليف متعلّقة بالرعيّة. و لدينا في الآية 44، من السورة 16: النمل: وَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لَلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمو وَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ. حيث يتجلّي في هذه الآية انّ الاحكام و التكاليف تنزل الی الناس حقّاً، و انّ رسول الله واسطة و نافذة لإلقاء هذه الاحكام و الخطابات للناس. امّا ذلك الذي كان يُسارع الی الكفر بآيات الله و يستهزي بها، فهو الوليد بن المغيرة الذي يذكر الله قصّته في سورة المدّثر: ذَرْنِي وَ مَن خَلْقُت وَحِيدًا وَ جَعَلْتُ لَهُ و مَمْدُودًا وَ بَنِينَ شُهُودا وَ مَهَّدْتُ لَهُ و تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَن أَزِيدَ كَلآ إِنَّهُ و كَانَ لاِيَـ'تِنَا عَنِيدًا سَأُرْهِقُهُ و صَعُودًا إِنَّهُ فَكَّرَ وَ قَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِن هَـ'ذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤثَرْ إِنْ هَـ'ذَآ إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ وَ مَآ أَدْرَيـ'كَ مَا سَقَرَ لاَ تُبْقِي وَ لاَ تَذَرُ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ. [6] بلي، لقد لفظ الوليد [7] أمثال كلمات الكفر هذه، و دعي القرآن بالسحر القويّ الذي يؤثر، و لقد تحلّق الوليد و أبوجهل و رفقاؤهم حول بعضهم يهزأون بالقرآن، فلمّا نزلت آية (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ) قال أبوجهل لقريش: ثكلتكم أمّهاتكم! أتسمعون ابن أبي كبشة (يقصد رسول الله) يخبركم انّ خزنة النار تسعة عشر و أنتم الدُّهم[8] الشجعان: أفيغجز كلّ كلّ عشرة منكم أن يبطشوا برجلٍ من خزنة جهنّم؟ فقال أبو الاسود (بن أسيد بن كلدة) الجمحي: أنا أكفيكم سبعة عشر، عشرة علی ظهري و سبعة علی بطني،فاكفوني أنتم اثنين! و هكذا فانّ الله سبحانه يذكر في سورة الانعام و سورة النساء الكفر و الاستهزاء والخوض في الآيات الذي كان يصدر من الوليد و أصحابه، فيقول للمؤمنين: لا تجلسوا مع أمثال هؤلاء الفاسقين و لا تُصغوا الی أقوالهم الكافرة. و قد ورد هذا الحكم في سورة الانعام علی هيئة خطاب، و من الجليّ ان المسلمين هم المقصودن به، كما ورد في سورة النساء في هيئة خطاب يذكّر بالحكم الوارد في سورة الانعام، و من البيّن انّ سورة النساء نزلت بعد سورة الانعام، حيث انّ القرآن يذكر الخطاب الواحد الی المسلمين في سورة الانعام في هيئة خطاب الی رسول الله، و يبيّنه في سورة النساء في هيئة خطاب لجميع المسلمين،. و ثانياً: فانّ الله تعالي يقول بعد عدّة آيات: قُتِلَ الإنسَـ'نُ مَا أَكْفَرَهُ مِن أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَةُ و فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَمَاتَهُ و فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُ كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَآ أَمَرَهُ و يتّفق جميع مفسّري و الشيعة و العامّة علی انّ ظاهر هذا اللعن من الله راجع الی ذلك الذي عبس و تولّي؛ أي راجع في ظاهر سياق عبارة الآية الی فاعل (عَبَسَ وَ تَوَلَّي) الذي كفر و لم يُطع أمرَ الله أبداً. و هذا النحو من الخطاب ليس راجعاً الی رسول الله أبداً، و هذه الحقيقة مكشوفة من مطالعة الخطابات القرآنية لرسول الله؛ لذا فانّ نفس مفسرّي العامّة الذين اعتبروا رسول الله فاعلاً ل (عَبَسَ وَ تَوَلَّي)، أُجبِرُوا هنا علی رفع اليد عن هذا الظهور، فادّعوا انّ هذه الفقرات لا تعود الی النبيّ، و انّها نزلت في موقع آخر، ثمّ اتّحد هذا الجزء أن من السورة معاً بعد ذلك. و من الواضح انّ ادّعاءً كهذا لا يمثّل الاّ حطّاً للقرآن من درجة بلاغته، و هو أمر نشأ عن إرجاع ضمير (عَبَسَ وَ تَوَلَّي) الی رسول الله. و ثالثاً: انّ جميع الشيعة و العامّة تتّفقون علی انّ سورة (ن و القلم) و هي من السور العتائق،[9] قد نزلت مع باقي العتائق في مكّة، و خاصةً بأنّ سورة (ن و القلم) قد نزلت بعد سورة العلق و سورة المدثّر و سورة المزمّل، و ذلك في بداية بعثة رسول الله؛ حيث يمتدح الله نبيّه في هذه السورة بآية: وَ إِنَّكَ لَعَلَي' خُلُقٍ عَظِيمٍ [10]، و يقدّمه للعالم بذلك الوصف. و كانت هذه هي أخلاق النبيّ بدء البعثة، فكيف يُتصوّر ان يبدر من النبيّ مثل ذلك العمل بعد البعثة و بعد مرور زمنٍ ينبغي فيه ـ حسب الطبيعة و العادة ـ أن تصبح الاخلاق أرفع و أسمي؟! فيعبس النبيّ و يتولّي بمجرّد رؤية شخص أعمي مؤمن قتّقٍ (و هو ابن أمّ مكتوم) استحالةٍ لرؤساء قريش للإسلام، و استجلاباً لقلوب المترفين و المستكبرين من العرب؟! انّنا لم نعهد أخلاقاً كهذه ليس فقط من نبيّ الإسلام، بل من سائر أنبياء الله و أوليائه، بل من سائر طبقات المؤمنين المتّقين الملتزمين! و الذي أعلمه انّ فاعل (عَبَسَ وَ تَوَلَّي) كان عثمان بن عفّان الذي عبيس و تولّي و أشاح بوجهه عند مجيء ابن اُمّ مكتوم الاعمي عند رسول الله؛ و الروايات تشهد علی هذا المعني أيضاً، اذ ورد فيها انّه: كان رجلاً من بني أميّة؛ انتهي كلام العلاّمة. المراد بالسور الطوال و المئين و المفصّل في القرآن الكريمالتلميذ: يقول في كتاب الصلوة من «الجواهر»، بـ «استحباب قراءة السورة بعد الحمد في النوافل»: روي الكليني بسنده الی سَعد الإسكاف أنّه قال: قالَ رسولُ اللَهِ صلّي الله عليه وآله: أُعطِيتُ السُّوَرَ الطِّوَالَ مَكَانَ التَّورَاةِ، وَالسُّنَنَ مَكَانَ الإنجِيلِ، وَالمَثَانِيَ مَكَانَ الزَّبُورِ؛ وَ فُضِّلْتُ بِالمُفَصَّلِ ثَمَانٌ وَ سِتُّونَ سُورَةً؛ وَ هُوَ مُهَيْمِنٌ علی سَائِرِ الكُتُبِ. فما المراد من السور الطوال، و السنن، و المثاني، و المفصّل في هذه الرواية؟ العلاّمة: المراد من السور الطوال السور الطويلة السبع في بداية القرآن، حيث دعاها رسول الله صلّي الله عليه وآله طوالاً، و هي عبارة عن: البقرة، آل عمران، النساء، المائدة، الانعام، الاعراف و يونس؛ بيد ان عثمان قدّم الانفال و التوبة علی يونس عند جمع القرآن، لانّ عثمان لا يعدّ سورة التوبة التي ليس فيها (بسم الله الرحمن الرحيم) سورة، بل يعدّها من متمّمات سورة الانفال، لذا فانّ هاتين السورتين كانتا حسب رأية سورة واحدة تعدّ من السور الطوال. و حين اعتُرض علی عثمان بأن رسول الله كان قد جعل سورة يونس بعد سورة الاعراف و عدّها من السور الطوال، لم يكن لديه من جواب الاّ أن يقول بأنه لم يكن يعلم بفعل رسول الله هذا. و أمّا السنن التي وردت في هذه الرواية، فلم أشاهدها في موضع ما، وما ورد في بعض الروايات كان بلفظ المئين، أي السور التي في حدود مائة آية، و ربّما كان لفظ «السنن» في هذه الرواية تصحيفاً للفظ «المئين». [11] والمشهور انّهم يقسّمون القرآن الی ثلاثة أقسام: السور الطوال، السور المئين، السور المفصّلات؛ غاية الامر انّهم يدعون سورة النبأ (عمّ يتساءلون) الی آخر القرآن بـ « السور القصار »، أيضاً. المراد بالمثاني و المتشابه في القرآن الكريمو أمّا المثاني فلا أذكر أنّها أُطلعت علی بعض سور القرآن، لانّ ثني يثني من الانثناء و الرجوع. و باعتبار انّ الكثير من آيات القرآن ناظر الی البعض الآخر من الآيات، فكأنّ هذه الآيات قد كرّرت مرّتين،الاولي معني نفس الآية،و الثانية النظر الذي لها الی الآية الاخري. كما ان تلك الآية الاخري قد ذُكرت مرّتين، الاولي نفس الآية، و الثانية هذه الآية الاخري الراجعة لها و التي تصرّح بمعناها في نفسها. و باعتبار انّ جميع الآيات ناظرة الی بعضها، وانّ كلّ آية متضمّنة لمعني الآية الاخري، فانه يمكن دعوة جميع القرآن بالمثاني [12] حيث ورد في الآية 23، من السورة 39: الزمر. اللَهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ[13] كِتَـ'بًا مُّتَشَبَـ'بِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ الی ذِكْرِ اللَهِ ذَ'لِكَ هُدَي اللَهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَ مَن يُضْلِلِ اللَهُ فَمَا لَهُ و مِنْ هَادٍ. حيث أطلق لفظ المثاني في هذه الآية المباركة علی جميع الكتاب المنزل و أحسن الحديث، و هو القرآن. و امّا المتشابه المذكور في هذه الآية فبمعني يشبه بعضُه بعضاً،.ي انّ جميع هذه الكتاب من سنخ واحد، و جميعه يشبه جميعه؛ و هذا المعني غير المتشابه الذي جاء في مقابل الحُكم في الآية المباركة الواردة في السورة 3: آل عمران. هُوَ الَّذِي´ أَنزَلَ علَيْكَ الْكِتَـ'بَ مِنْهُ ءَايَـ'تٌ مُّحْكَمَـ'تٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَـ'بِ وَ أُخَرَ مُتَشَبِـ'هَتٌ. لانّ المُحكم هو الذي له معنيً واضح بيّن، أمّا المتشابه فليس كذلك، بل يحتاج الی تأويل و تفسير. في الحروف المقطّعة لاوائل السورالتلميذ: هل اتّضح حتّي الآن المعني الحقيقي للحروف المقطّعة الواردة في أوائل بعض السور مثل: ال´م´ و ح´م´ و غيرها، بحيث يمكن للمرء تفسيرها بشكل مطمئن؟ العلاّمة: يمكن القول إجمالاً انّ لهذه الحروف نوعاً من الإرتباط الخاصّ مع المطالب الواردة في تلك السور؛ و لذلك فانّ السور المشتركة في الحروف المقطّعة في أوائلها تبحث و تتحدّث عن سنخ واحد من المطالب؛ فقد وردت سور ألف لام ميم (ال´م´) في ستئة موارد من القرآن الكريم: 1 ـ السورة 2: البقرة: ال´م´ ذَلِكَ الْكِتَـ'بُ لاَ رَيبَ فِيهِ هُديً لِّلْمُتَّقِينَ. 2 ـ السورة 3: آل عمران: ال´م´ اللَهُ لآ إِلَـ'هَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. 3 ـ السورة 29: العنكبوت: ال´م´ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُو´ا أَن يَقُولُو´ا ءَامَنَّا وَ هُمْ لاَ يُفْتَنُونَ. 4 ـ السورة 30: الروم: ال´م´ غُلِبَتِ الرُّومُ فِي´ أَدْنَي الاْرْضِ وَ هُم مِّن غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. 5 ـ السورة 31: لقمان: ال´م´ تِلْكَ ءَايَاتُ الْكِتَـ'بِ الْحَكِيمِ. 6 ـ السورة 32: السجدة: ال´م´ تَنزيلُ الْكِتـ'بِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَـ'لَمِينَ. و في هذه السور الستّ المباركة ـ كما هو ملاحظ ـ جاءت سورتا آل عمران و البقرة متعاقبتين، كما تعاقبت السور الاربع: العنكبوت، الروم، لقمان و السجدة. ثمّ انّ سور حاميم (ح´م´) التي تدعي بالحواميم، هي سبع سور: 1 ـ السورة 40: المؤمن: ح´م´ تَنزِيلُ الْكِتَـ'بِ مِنَ اللَهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ؛ و تُدعي هذها لسورة أيضاً بسورة غافر. 2 ـ السورة 41: السجدة: ح´م´ تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؛ تدعي هذه السورة أيضاً بسورة فصّلت. 3 ـ السورة 42: الشوري: ح´م´ ع´س´ق´ كَذَلِكَ يُوحِي´ إِلَيْكَ وَ الی الَّذِينَ مِن قَبلِكَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. 4 ـ السورة 43: الزخرف: ح´م´ وَالْكِتَـ'بِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلَنْـ'هُ قُرْءَانًا عَرَبِيًا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. 5 ـ السورة 44: الدخان: ح´م´ وَالْكِتَـ'بِ الْمُبِينِ إِنَّآ أَنزَلْنَـ'هُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَـ'رَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ. 6 ـ السورة 45: الجاثية: ح´م´ تَنزِيلُ الْكِتَـ'بِ مِنَ اللَهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. 7 ـ السورة 46: الاحقاف: ح´م´ تَنزِيلٌ الْكِتَـ'بِ مِنَ اللَهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. و جميع السور التي تبدأ ب (حم) من سنخ واحد و تحتوي مضموناً و مطلباً واحداً. ثمّ ان سور المسبّحات التي تبدأ بـ ( يُسَبِّحُ وَ سَبَّحَ) خمس سور: سورة الحديد، الحشر، الصفّ، الجمعة و التغابن. و ليست سورة الاعلي التي تبدأ بفعل الامر (سَبِّحْ) من المسبّحات مع انّ ذلك ورد في الرواية؛ فقد عُيّن في رواية معتبرة انّ المسبّحات هي تلك السور الخمس. و ورد في الرواية انّ رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم كان يقرأ المسبّحات قبل أن يرقد، و انّه سُئل عن ذلك فقال: إنَّ فيهنّ آيةً أفضلُ من ألفِ آيةٍ. كما ورد في الرواية انّ من قرأ المسبّحات ليلاً قبل أن ينام، لا يموت حتّي يري الرسول الاكرم صلّي الله عليه وآله فيُريه محلّه و مقامه في الجنّة. في أنّ رسول الله صلّي الله عليه وآله كان بنفسه معجزةالتلميذ: انّ من العجيب انّ رسول الله مع كونه أميّاً لايكتب الآيات بنفسه، فقد كان يقرأ هذه السور و سائر السور بعد نزولها دون أن يزيد أو ينقص فيها كلمةً أو حرفاً واحداً. و من الجليّ ان النبيّ كان يستدعي كتّاب الوحي بمجرّد نزوله فيُملي عليه فيكتبون، و لم يُشاهد طيلة عمره و هو يمسك قلماً بيده فيكتب شيئاً. أفيمكن ـ أساساً ـ أن يُدعي ذلك شدّة قوّة الحافظة؟ أشوهد نظير هذا الامر في جميع أعصار البشريّد! أيمكن لمتحدّث و خطيب ـ مهما كان من أمهر خطباء العالم و أكثرهم حفظاً ـ دون أن يدوّن خطابه أو يسجّله بمسجّل الصوت، أن يُعيد بعد خطبته عين العبارات التي أنشأها خلال الخطابة والحديث لمدّة دقيقتين دون أن يقدّم أو يؤخّر و لا أن يزيد أو ينقص فيها حرفاً واحداً؟ انّ هذا بنفسه معزجد عجيبة بيّند في غاية الغرابة! العلاّمة: بلي، الامر كما تقولون! فلقد كان رسول الله يقرأ آيات القرآن دون أن يزيد أو ينقص و لا أن يقدّم أو يؤخّر فيها حرفاً، و كان حافظر القرآن كثيراً ما يصحّون ما حفظوه عند رسول الله. و ناهيك عن القرآن، فلقد كان النبيّ يذكر عند الحاجة عين العبارات التي قالها قبل سنين، فكأنّه قال تلك العبارات تلك الساعة. و حصل عند ارتحاله أن انت فاطمد سلام الله عليها في غاية التأثّر و الحزن، تبكي و تقول: واسؤ أتاه! واسوأة أبي! (و في تعبيرنا نحن الناطقين بالفارسية قد تصاعد منها نداء و واويلاه). فقال لها النبيّ... يا فاطمة، انّ النبيّ لا يُدعي عليه بالويل، و لكن قولي كما قال أبوك علی ابراهيم: القَلْبُ يَحْزُنُ وَالعَيْنُ تَدْفَعُ وَ لاَ نَقذولُ إِلاَّ حَقّاً وَ إِنَّا بِكَ يَا إبرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ. [14] فتأمّلوا كيف انّ النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم عند سكرات الموت و قد غلب عليه المرض من كلّ جانب، و قد ثقل حاله و انقلب؛ يُعيد في تلك الحال الشديدة نفس العبارات التي قالها قبل سنوات في وفاة ابراهيم، فما أعجبها من معجزة. بلي، هذه هي الإحاطة بالملكوت، و السيطرة علی عالم المعني؛ و لا علاقة لذلك بقوّة الحافظة المادّية، اي بقوّة الحافظة الموجودة في البدن و المتعلّقة به، بالرغم من ان أساس قوّة الحافظة مجرّد. التلميذ: شتّان بين كلامكم في المناقشة الدقيقة لرسول الله في شدّد محضة الذي توفّي به حتّي لجملةٍ عاديّد واحدة، و بيانكم لحكايته عن متن الحقيقة، و بين قول عُمَر: قَدْ غَلَبَهُ الوَجَعُ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَهْجُرُ! العلاّمة: انّ السور التي تبدأ بألف لام راء (الر´) في القرآن ستّ سور: 1 ـ السورة 10: يونس: ال´ر تِلْكَ ءَايَاتُ الْكِتَـ'بِ الْحَكِيمِ. 2 ـ السورة 11: هود: الر´: كِتَـ'بٌ أُحْكِمَتْ ءَايَـ'تُهُ و ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُن حَكِيمٍ خَبِيرٍ. 3 ـ السورة 12: يوسف: الر´ تِلْكَ ءَايَـ'تُ الْكِتَـ'بِ الْمُبِينِ. 4 ـ السورة 13: الرعد: ال´م´ر تِلْكَ ءَايَـ'تُ الْكِتَـ'بِ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقّ وَ لَـ'كِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ. 5 ـ السورة 14: ابراهيم: ال´ر كِتَـ'بٌ أَنزَلْنَـ'هُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَـ'تِ الی النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ الی صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ. 6 ـ السورة 15: الحجر: ال´ر´ تِلْكَ ءَايَـ'تُ الْكِتَـ'بِ وَ قُرْءَانٍ مُّبِينٍ. و هذه السور متعاقبة و تمتلك بأجمعها لحناً خاصّاً و لجمة مميّزة. و السور المبتدأة ب طا سين (طس´) ثلاث سور: 1 ـ السورة 26: الشعراء: ط´سم´ تِلْكَ ءَايَـ'تُ الْكِتَـ'بِ الْمُبِينِ. 2 ـ السورة 27: النمل: ط´س تِلْكَ ءَايَـ'تُ الْقُرْءَانِ وَ كِتَـ'بٍ مُّبِينٍ. 3 ـ السورة 28: القصص: طس´م´ تِلْكَ ءَايَـ'تُ الْكِتَـ'بِ الْمُبِينِ. و لهذه السور أيضاً لهجة خاصّة، و هي سور متعاقبة كذلك. و السورة 7: الاعراف مبتلاة بألف لام ميم صاد (ال´م´ي´)، و لها لحن و لهجة السور التي تبدأ بألف لام ميم و لحن و لهجة سورة صاد (ص´)، و هي ـ لذلك ـ تمتلك مميّزاتهما معاً. و ذلك لانّ الحروف المقطّعة في أوائل سور القرآن ـ كما سبق القول ـ لها اشارة مُحملة و سرّيّة الی جميع المطالب الواردة في تلك السورة؛ فهي لإمتلاكها (ال´م´) تشترك مع السور المبتدأة ب (ال´م´) في لحنها و لهجتها، و لإمتلاكها (ص) تشترك مع سورة ص´ في لحنها و لهجتها. و السورة 19: مريم المبدوّة ب (كاف هاء ياء عين صاد) ك´هع´ص´) لها.سلوب و لجهة خاصّان. و السورة 50: ق لها هيئة خاصّة مشخّصة في جميع القرآن؛ و كذلك الامر في سورة (طه) و ياسين (ي´س)، علی الرغم من انّ الكثير يعدّون طه حرفاً واحداً و يعتبرونه من أسماء رسول الله، كما آنّهم قالوا انّ يَس كلمة واحدة من.سماء رسول الله، تشهد علی ذلك الآية 130، من السورة 37: الصافّات، حيث ورد فيها: سَلَـ'مٌ عَلَي'د آلِ يَاسِينَ. و (إل) مخفّف (آل)؛ و قد قِئت بلفظ (آل ياسين) في قراءة شاذّة لهذه الآية. فيمكن القول ـ اذاً ـ انّ الياء في سورة يس حرف نداء، و السين من أسماء رسول الله؛ كما يمكن القول بأنّ الياء و السين حرفان، شأنهما شأن سائر الحروف القرآنيّة المقطّعد؛ يمثلان اشارة و رمزاً للمطالب المنطوية في هذه السورة. و لا منافاة لذلك مع كون هذه الإشارة و الرمز نوع إسم و علاقة لرسول الله. كما انّ الحرفين في سورة ط´ه (الطاء و الهاء) هما ـ علاوة علی إشارتهما الی محتوي السورة ـ نوع إسم و علامة لرسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم. كما انّ السورة 42: الشوري المبدوءة ب (حاء ميم عين سين قاف) (حم´ عَسَق´) يمكن ان تمتلك مزايا و لهجة السور الحواميم المبدوءة ب (حمّ)، و من لجهة سورة مريم التي وردت العين في مقطّعاتها، و من لهجة سورة ي´س التي ورد فيها السين، و من لهجة سورة ق كذلك. و عموماً، فلانّ هذه الحروف المقطّة تُخبر عن محتوي جميع السورة اجمالاً، فانّ هذه السور يجب ان تناقش وفق حساب و نظر دقيقين، لاستنتاج هذه المطالب من مقارنة كلّ سورة مع سور المجموعة (التي تشترك معها في الحروف المقطّعة) و مع سائر السور؛ و علی الرغم من ان هذا التفحّص و المناقشة في غاية الدقّة و الصعوبة، الاّت انها ستتمخّض عن نتائج هامّة، من بينها إعجاز القرآن في هذه اللجهات المختلفة، و ربط هذه الحروف مع المطالب المندرجة في سور القرآن الكريم؛ و الحمد لله ربّ العالمين. التلميذ: ما المراد بالاحقاف في هذه الآية المباركة الواردة في السورة 46: الاحقاف؟ وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أنذَرَ قَوْمَهُ بِالاَحْقَافِ وَ قَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَ مِن خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُم عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. العلاّمة: هي القري الواقعة بين أرض العراق و أرض اليمن، التي دعا فيها النبيّ هود قومَ عاد فلم يستجيبوا له، فأهلكهم الله بريح السموم، و قد فنيت تلك الديار و تلاشت بأجمعها فلم يبق منها شيء حاليّاً. في تفسير آية: خَلَقَ سَبْعَ سَمَواتٍ وَ مِن الاْرْضِ مِثْلَهُنَّالتلميذ: ورد في الآية الاخيرة من سورة الطلاق: اللَهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَـْواتٍ وَ مِنَ الاْرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الاْمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَهَ علی كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَ أَنَّ اللَهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا.[15] فما المراد من هذه الفقرة ( وَ مِنَ الاْرْضِ مِثْلَهُنَّ )؟ و كيف خُلق من الارض مثل السماوات السبع؟ العلاّمة: ورد تفسير خلق الله من الارض مثل السماوات السبع علی نحوين، الاوّل: انّ الله خلق الارض سبعاً كما خلق السماوات سبعاً؛ و هكذا فانّ لدينا سبع سماوات و سبع أرضين. الثاني: انّ ما خلقه من الارض موجود مثل السماوات السبع، و هو الإنسان؛ و قد نُسب هذا النحو من التفسير ـ ظاهراً ـ الی ابن عبّاس. فباعتبار انّه قيل بأنّ في الإنسان سبعاً شداداً موجودة مع جميع قواه، و انّها بأجمعها مسخّرة للإنسان؛ لذا يمكن القول بأنّ الإنسان الذي له سبع سماوات منطوية بأجمعها في وجوده، قد خُلق من الارض. و يبدو هذا التفسير بعيداً بحسب الظاهر، مع انّ التعبير عن الإنسان بـ ( وَ مَن فِي الاْرْضِ ) ليس مستبعداً، لان أصل خلقه أن ينبت من الارض، ثم انّه ينمو بعد نباته منها فيصل الی مقام التجرّد الروحي و النفسي: وَاللَهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الاْروضِ نَبَاتًا. [16] و علی كلّ حال، فانّ التفسير الاوّل يبدو أقرب الی النظر، و الشواهد من الروايات و الادعية تدلّ عليه أيضاً. التلميذ: تقولون في رسالة «المعاد» (الإنسان بعد الدنيا) في الآية المباركة: يَوْمَ تُبَدَّلُ الاْرْضُ غَيْرَ الاْرْضِ وَالسَّمَواتُ وَ بَرَزُوا لِلَهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ. [17] جاء في «تفسير القميّ» عن الإمام السجّاد عليه السلام في قوله تعالي يَوْمَ تُبَدَّلُ الاْرْضَ غَيْرَ الاْرْضِ قال: يَعْنِي بِأَرْضٍ لَمْ تُكْتَسَبْ عَلَيْهَا الذُّنُوبُ، بَارِزَةً لَيْسَ عَلَيْهَا جِبَالٌ وَ لاَ نَبَاتٌ كَمَا دَحَـ'هَا أَوَّلَ مَرَّةٍ؛ وَ يُعِيدُ عَرْشَهُ علی الْمَاءِ كَمَا كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، مُسْتَقِلاً بِعَظَمَتِهِ وَ قُدْرَتِهِ. و بعد بيان هذا المطلب تقولون في الحاشية: قَووله (مُسْتَقِلاّ بِعَظَمَتِهِ وَ قُدْرَتِهِ) تَفْسيرٌ لِكَوْنِ عَرْشِهِ علی المَاءِ؛ وَ لَهُ شَوَاهِدُ مِنَ الكِتَابِ تَدُلُّ علی أَنَّ المَاءَ إشَارَةٌ الی مَنْبَعِ كُلِّ حَيَوةٍ وَ قُدْرَةٍ وَ عَظَمَةٍ، إن تُحْيَي نُقُوشُ الخِلْقَدِ ظَهَرَتِ المْوجُودَاتُ؛ وَ إذَا انْمَحَتْ عَادَ العَرْشُ علی المَاءِ. فهل المراد من الماء الوجود المنبسط؟ العلاّمة: جاء ذلك في القرآن، و لا يمكن قول شيّ علی نحو الجزم، و حسب ظاهر الآية فانّ ما يمثل القدرة الإلهيّة و العرش الإلهيّ، و الحاكم و الغالب الآن، قد كان الماء ـ أي القدرة و الحيوة ـ ينجز عمله ذلك اليوم أيضاً بدلاً من هذه الموجودات الحاليّد. أمّا بأي صورة كانت حقيقة القدرة و الحيوة تلك! لا نعلم ذلك. و علی كلّ حال، فانّ سياق الآية يبيّن انّ هناك حقيقة واسعة كانت واقعة في الوهلة الاولي تحت حكومة عرش الله بدل العالم، و انّ عرش الله كان حاكماً عليها؛ ثمّ وجدت بعد ذلك هذه الصور و النقوش من تلك الحقيقة الواسعة، ثم انّ هذه النقوش تمّحي و تزول بدورها، فيعود العالم ثانية الی تلك الحقيقة الواسعة دون صور و نقوش. فهل انّ تلك الحقيقة الواسعد هي النفس الرحمانيّة، أو الفيض المقدّس، أو الوجود المنبسط، أو نور نبيّك يا جابر؟ الاحتمالات في ذلك مختلفة. التلميذ: هل الاحتمالات مختلفة، ام انّ العبارات مختلفة لكن حقيقتها أمر واحد؟ العلاّمة: الاحتمالات مختلفة بالنسبة لنا؛ انّ قائل العبارات يعلم ما الخبر؛ و لكن ما الذي نعرفه نحن المساكين، و ما الذي نعلمه عن الكتاب؟ في تفسير آية: فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وز ظَـ'هِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُالتلميذ: تقولون في رسالة «المعاد» في تفسير الآية الشريفة: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَ ظَـ'هِرُهُ مِن قَبْلِهِ الْعَذَابُ. [18] «و هذا السور و الحجاب شيء واحد له ظاهر و باطن؛ غاية الامر انّ رحمة الله للذين استقّروا في باطنه بالفوز و الفلاح، و انّ عذابه للذين هلكوا في ظاهره؛ كأنّ أبصارهم لو عبرت الظاهر و وصلت الی الباطن لوصلوا الی نعمة الله و نعيمه، و لضمّتهم و اكتنفتهم الرحمة الإلهيّة، و كأنّه ليس أمام المؤمنين و الكفّار الاّت شيء واحد يختلف في جهة إدراكهم له كما انّ الامر في الدنيا كان علی هذا النحو أيضاً، و ذلك الشيء هو السبيل الذي يطوونه الی الله تعالي. فالمؤمنون يطوونه بالجادّة الصحيحة و هي الصراط المستقيم؛ و غير المؤمنين يسلكون سبيل المتاهة و الإنحراف. و لهذه الجهة فان الله سبحانه يقول قبل آية الاعراف: وَ نَادَي' أَصْحَـ'بُ الْجَنَّةِ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَهِ علی الظَّـ'لِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَهِ وَ يَبْغُونَهَا عِوَجًا وَ هُم بِالاَخِرَةِ كَـ'فِرُون. [19] فالسبيل الی الله ـ اذاً ـ واحد لا أكثر، و هو طريق الی الله في اتّجاهه، و السالك الی الله يطوي ذلك السبيل بإستقامة، و غير السالك الی الله يطويه بانحرافٍ و اعوجاج. و قد ورد هذا المعني كراراً في القرآن الكريم تصريحاً و تلميحاً. يقول سُبحانه: يَعْلَمُونَ ظَـ'هِرًا مِّنَ الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ هُمْ عَنِ الاْخِرَةِ هُمْ غَـ'فِلُونَ. [20] و يقول: أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي´ أَنفُسِهِم مَّا خَلَقَ اللَهُ السَّمَواتِ وَ الاْرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَ أَجَلٍ مُسَمًّي. [21] الی ان تصلون الی قولكم: و من أبلغ الآيات الواردة في هذا الباب، قوله سبحانه و تعالي: أَلَمْ تَرَ الی الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَهِ كُفْرًا وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ البَوَارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَ بِئْسَ الْقَرَارُ. [22] إذ مرّ سابقاً انّ المراد بالنعمة هو الولاية، و الولاية هي السبيل الی الله تعالي؛ و مقابل هذا السبيل الكفر، و هو دار البوار و الهلاك و الاصطلاء بنار جهنّم، و الاستقرار في ذلك المكان غير المناسب. فغاية سير الكافرين ـ اذاً ـ البوار و الهلاك، و هو جمودهم علی الظاهر و إعراضهم عن الباطن؛ و جليّ انّ الظاهر زائل و فانٍ، و انّ الباطن ثابت و دائم. فلماذا عددتم هذه الآية من أبلغ الآيات الواردة في هذا الباب؟ في أنّ الولاية هي المراد بالنعمة حيثما وردت في القرآن الكريمالعلاّمة: لقد وردت في القرآن الكريم عدّة آيات تتناول كلمة النعمة، و يستفاد من الآيات ان المراد بالنعمة هو الولاية، أي ولاية أهل البيت، بمعني الطريق الذي سلكه أهل البيت تجاه الخالق و سبيلهم الی الله تعالي، و هو مقام العبودية المَحضة. و هذه الآية احدي هذه الآيات، فقد أشير فيها الی تبديل النعمة بالكفر، و الورود في جهنّم و الاستقرار في النار. فحقيقة النعمة ـ اذاً ـ هي الصراط المستقيم و أقصر مسافة يسلكها العبد تجاه ربّه فينال مقام العبودية المكلقة المحضة؛ و تبديل هذه النعمة كفراً يمثّل تبديل هذا الصراط المستقيم بانتهاج سبيل معوجة و منحرة تشطّ عنا لمقصد و تهوي في النار في العاقبة. و لربّما كانت الآية الواردة في سورة التكاثر: ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئذٍ عَنِ النَّعِيمِ أكثر صراحد و بلاغة من هذه الآية، حيث انّها تقوم علی نحوٍ عجيب و غريب بانتزاع جهاز الكثرة و بالدعوة الی عالم الوحدة، كما تقوم في الوقت نفسه بالاستفسار من الإنسان عن النعيم و مؤاخذته بشأنه. بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَـ'نِ الرَّحِيمِ أَلْهَـ'كُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّي زُرْتُمُ المَقَابِرَ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوفَ تَعْلَمُونَ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليَقِينِ ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئذٍ عَنِ النَّعِيمِ. و قد نقل في التفسير ذيل هذه السورة عن الإمام الصادق عليه السلام انّه قال بأن المراد بالنعيم ليس ما ندعوه نحن بالخبز و الجبن و أمثال ذلك، بل المراد به مراحل العبوديّة و الإخلاص في التوحيد و سبيل الولاية. فحين التقي الإمام الصادق أباحنيفة في مجلس ما، سأله: ما النعيم عندك يا نعمان؟ فقال أبوحنيفة: القوت من الطعام و الماء البارد. فقال (الإمام): لئن أوقفك الله يوم القيامة بين يديه حتّي يسألك عن كلّ أكلةٍ أكلتَها و شربةٍ شربتَها ليطولنّ وقوفك بين يديه. قال: فما النعيم جُعلت فداك! قال: نحن أهل البيت النعيم الذي أنعم الله بنا علی العباد... الحديث. أي انّ الناس سيُسئلون عن المدي الذي جعلوا فيه طريقهم في السلوك الی الله مقارباً لطريق و نهج و سيرة أئمّتهم، و عن القدر الذي امتلكوه من مقام العبودية المحضة المطلقة. و المراد بجنّة النعيم الواردة فيالقرآن نفس الجنّة، أي جنّة الولاية، و هي جنّة المخلَصين و المقرّبين من أولياء الله و الواصلين الی مقام التوحيد الذاتي، المندكّين في العوالم الربوبيّة و صفات الجمال و الجلال الإلهيّة؛ جنّة اولئك الذين تناسوا تماماً شوائبهم الوجوديّد و سلّموا وجودهم بأجمعه الی الحقّ تعالي. و بوجود جميع هذه الشواهد و القرائن الحاقيّة الداخلية و العارضة الخارجيّة، فقد اعتبرنا النعمة كناية عن الولاية، بالرغم من انّ المراد بها ـ بحسب الظاهر ـ مُطلق النعمة؛ فالمراد في الحقيقة يجب ان يكون نعمة الولاية. و بالطبع فاننا لا نريد في هذا التفسير، أي تفسير النعمة بالولاية، أن نحصل علی هذا المعني بضمّ الروايات الواردة، بل نريد أن نستفيد ذلك من نفس الآيات و الشواهد الموجودة فيها. لاحظوا أنّه بعد أن عدّ التكاثر مُلهياً بصورة عامّة، و انّه عدئه ـ عند حصول علم اليقين و عين اليقين ـ جحيماً و ناراً محرقة؛ فانّه يجعل ـ بقرينة المقابلة ـ النعيم الذي هو مقام التوحيد المتجلّي في العبد، و المعبَّر عنه بالعبوديّة المحضة، أكبر رأسمال و ثروة تستحقّ السؤال و المؤاخذة؛ بحيث ينبغي صرف النظر عن التكاثر و العودة الی النعيم و هو النظرة التوحيديّة و النزوع الی الوحدة. كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ. و يُستفاد من نفس الآية في حدّ نفسها انّ النعيم أمر قيّم و نفيس جداً، بل من أنفس و أثمن مهام عالم الخلقة و أهدافه؛ و كما قال الإمام عليه السلام فانّ السؤال من حقيقة وجود الإنسان عن جميع نعم الله التي رآها و استخدمها من اوّل عمره الی آخره يبدو بعيداً جداً ـ بحسب الظاهر ـ عن مفاد نفس الآية. اي انّ علی أفراد البشر أن يفتّشوا في الدنيا ـ من بين جميع المواهب التي منّ الله تعالي عليهم بها ـ عن تلك النعمة الحقيقيّة الواقعيّة، و هي الولاية التي تمثّل الارتباط بين عالم الخلقة و ذات الله سبحانه، بين المخلوق و الخالف، بين الحادث و القديم، بين ممكن الوجود و واجب الوجود؛ و أن يكدّوا و يسعوا للحصول عليها، فإن نالوها فذلك أهدي سبيلاً، و الاّ فذلك الإضلال. انّ جميع الناس يعيشون في الدنيا و يتعاشرون و ينكحون و يَطْعَمون و يستريحون و ينامون و يعملون في الاشغال المختلفة كالزراعة و الفلاحة و التجارة و الصناعة؛ الاّ انّ طائفة منهم ينظرون الی ظاهر هذه الامور فقط و يعرضون عن باطنها، و اولئك هم الذين: بدّلوا نعمة الله كفراً. و هناك طائفة تبحث عن تلك الحقيقة الواحدة من بين هذه الامور المتكاثرة و الكثيرة، و هذا هو النعيم. في تفسير آية: مَتَـ'عًا لَّكُمْ وَ لاِنعَـ'مِكُمْالتلميذ: ورد في سورة عبس: وَ فَـ'كِهَةً وَ أَبًّا مَّتَعًا لَّكُمْ وَ لاِنْعَـ'مِكُمْ. [23] الاعتراضات الموجّهة الی أبي بكر، إذ كيف لم يفهم معني الابّ مع انّه أعرب العرباء؟ و الابّ عبارة عن العلف الذي يُقدّم للحيوانات، كلابرسيم و غيره ممّا تألفه الحيوانات عادةً، و ربّما أُخذ أوسع من ذلك قدراً ما، فاستُعمل في طعام الإنسان و طعام الحيوانات و هو العلف غالباً. و من البيّن في سورة عبس انّ جملة ( مَتَّعًا لَّكُمْ وَ لاِنَعَـ'مِكُمْ ) تفسير لجملة ( وَ فَـ'كِهَةً وَ أبًّا ) تبعاً للفّ و النشر المرتبّ؛ لان معني الفاكهة واضح، و لاننا نعلم من جهة انّ الفاكهة ليست متاعاً للانعام، بل هي متاع للإنسان خاصّد. لذا فانّ ( مَتَعًا لَّكُمْ ) تقع تفسيريّة لـ ( وَ فَـ'كِهَةً )؛ و ستكون جملة ( وَ لاِنعَـ'مِكُم ) بالطبع تفسيراً ل ( وَ أبًّا )؛ فيتضّح ـ من ثَمّ ـ انّ الاب علف الحيوانات و مرعاها. امّا في سورة النازعات فان جملة ( مَتَعًا لَّكُمْ وَ لاِنَعمِكُم ) تفسير لجملة ( أخْرَجَ مِنهَا مَآءَهَا وَ مَرْعَـهَا ) لا علی نحو اللفّ و النشر المرتّب أو المشوّش، بل هي تفسير ـ اجمالاً ـ لكون الله قد قدّر الماء و المرعي الذي ينمو من الارض و جاء في الرواية عن أميرالمومنين عليه السلام انّ جملة (مَتَعًا لَّكُمْ وَ لانعَـ'مِكُمْ ) جملة تفسيريّة للّتي سبقتها ( وَ فَـ'كِهَةً وَ أَبًا)؛ لذا فانّ معني الابّ سيتّضح انّه طعام للانعام، و هو العلف الذي ترعاه. [24] و جاء نظير هذه الجملة ( مَتَـ'عًا لَّكُمْ وَ لاِنْعَـ'كُمْ ) في سورة النازعات: أَخْرَجَ مِنهَا مَآءَهَا وَ مَرْعَـ'هَا وَالْجِبَالَ أَرْسَهَا مَتَـ'عًا لَّكُمْ وَ لاِنْعَـ'مِكُمْ. [25] من انّ من الجليّ في هذه الآية عدم صواب اعتبار جملة ( مَتَـ'عًا لَّكُمْ وَ لاِنْعَـ'مِكُمْ ) تفسيريّة لجملة ( وَالْجِبَالَ أَرْسَـ'هَا )؛ فَهل سيُلحق عدم إمكان عدّ الجملة تفسيريّة هنا ضرراً بعدّ الجملة تفسيريّة في سورة عبس؟ العلاّمة: امّا بشأن الآية الواردة في سورة عبس، فقد ورد في الرواية انّ أبابكر سُئل عن الاب فلم يمكنه الإجابة، و هو أمرٌ عُدّ من بين متاعاً لكم و متاعاً لانعامكم. فالمرعي في اللغة بمعني الرِعي بالكسرة، و هو النبات؛ و لا اختصاص له بعلف الحيوانات، أو هو مصدر ميميّ بنفس المعني. أمّا جملة (وَ الْجِبَالَ أَرْسَـ'هَا ) فهي جملة استطراديّة جاءت واقعة بين الجملة المفسِّرة و الجملة والمفسَّرة لبيان إحكام الارض الذي يحول بينها و بين المَيَدان و التمايل و التناثر. فهذه الارض قد حفظها بالجبال الراسيات الثابتات، ليمكنها منح النبات و الماء خارجاً، ليصبحا متاعاً لكم و لانعامكم. هذا ما يبدو في النظر والله أعلم. ارجاعات [1] ـ هذا و قد أجلت مراسم إلی اليوم التالي لاءبلاغ الاعلام و الاخيار من سائر المدن و لمشاركتهم، فشيّعت جنازته يوم التاسع عشر من المحرّم لساعتين قبل الذظهر، و ذلك من مسجد الإماالدفن م الحسن المجتبي إلی الصحن المطهّر للسيّدة المعصومد سلام الله عليها، بحضور مختلف طبقات الناس و آلاف الطلبة الذين غرقوا في حزن و ألم عميقين؛ و صلّي عليه سماحة آية الله العظمي الحاج السيّد محمّد رضا الكلبايكاني قدّس سرّه، ثم دفن قرب قبر المرحوم آية الله الحائري اليزدي إلی جهة الرأس من القبر المطهّر للسيدة المعصومة، فكان قبره حسب مشيئة الله المتعال مجاوراً لقبر المرحوم والد الحقير: آية الله الحاج السيّد محمّد صادق الطهراني، بحيث لايفصل بينهما قبر آخر، الاّ ان قبر المرحوم الوالد مقدّم عليه و في جهة القبلة بالنسبة له، رحمة الله عليهما رحمةً واسعة. هذا و قد جري نصب لوحة حجريّة عند فرار سماحة أستاذنا الاكرم آية الله العلاّمة الطباطبائي قدئس الله نفسه بعد سبع سنين من ارتحاله نُقشت عليها العبارات التالية و بهذا الترتيب: إنّا لله و إنّا اليه راجعون رَوْضَةٌ مِن رِيَاضِ الجَنَّةِ ادْخُلُوا بِسَلاَمٍ ءَامِنِينَ ارتحلَ إلی مَثوي الكرامةِ و السرور فخرُ الإسلام و المسلمينَ الراقي إلی ذُري الحقايق القرآنيّة مؤسسُ نشرِ آُصول المعارفِ الإلهيّة في الحوزةِ العلميّد الإماميّة بقم. صاحبُ التفسير العظيم «الميزان»، المرتقي إلی جنّة الذات، العلاّمة الحاج السيّد محمّد حسين الطباطبائي قدّس سرّه و قد لبّي نداء «يا أيّتها النّفس المطئنّة ارجعي إلی ربّك راضيّةً مرضيّةً» صبيحة الثامن عشر من محرّم 1402 ه حُشر مع الذين أنعم الله عليهم. و قد جري صورة لشمائل الاستاذ المباركد فوق القبر جهة الرأس، و كُتبتُ أسفلها هذه الجملة للاستاذ: «تشيّع حقيقت پيروي از سُنّت رسول خدا كه در ولايت متجلّي ميباشد». (و ترجمتها: «التشيّع يمثّل حقيقة اتّباع سُنّة رسول الله المتجلّية في الولاية») العلاّمة السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ قدّس سرّه (إهداء المركز التفتافي للعلامّة الطباطبائي ـ طهران ـ و صفنارد قديم). امّا بنظر الحقير، فانّ هذه الكتابة ليست معرّفة لشخصيّة و حقيقة سماحته، و كان الاجدر أن تُحرّر العبارة بهذه الالفاظ و هذا الشكل: إنَّا لِلَهِ وَ إنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ رَوضَةٌ مِن رِيَاضِ الجَنَّة ادْخلُوهَا بِسَلاَمٍ ءَامِنِينَ قد خلع بدنه العنصريّ مُحيي الإسلام و مشيّد الدين الراقي إلی ذري الحقائق القرآنيّة مؤسّس نشر أصول المعارف الإلهيّة بقم في الحوزة المقدّسة العلميّة صاحب «الميزان في تفسير القرءان» العلاّمة ءاية الله الحاج السيّد محمّد الحسين الطباطبائي التبريزي المرتقي إلی أعلي ذروة الكمال الإنساني بتمميم أسفاره الاربعد العرفانيّد بعد فنائه في ذات الله تعالي و قد لبّي ندآء المثيب و اتئصل الحبيب بالحبيب في صبيحة يوم الثامن عشر من محرّم الحرام سنة 1402 الهجريّة القمريّة وَ إِذَا رَأَيتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَ مُلْكًا كَبِيرًا إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُم جَزَآءً وَ كَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا. [2] ـ يقول: و هبنا لحُسن طلعتك القلبَ والدين معاً، و وضعناهما في يديك! لن تنقضي لوصلك لهفتنا، و لن يُقنع ذا الماء المعين الشفاهَ الظماء إليك. كان سيُعطيك يا قوتَهُ منذ أوّل نظرة، خاتمُ سليمان لو شاهد عينيك. و هيهات أن يجد سبيلاً لدائرة ذوي التيجان، رأسٌ لم يُمرّغ جبينه علی قدميك! [3] ـ «ديوان ابن الفارض» ص 182. [4] ـ «ديوان ابن الفارض» منتخب من الاشعار من ص 151 و 152. [5] ـ الآية الاولي هي الجملة التي قالها إخوة يوسف المذنبون حين وصلوا اليه و عرفوا أنّه أخوهم، قالوها خجلاً و حياءً يسألونه العفو و الصفح عنهم (الآية 91، من السورة 12: يوسف)؛ و الآية الثانية هي الاءجابة التي أجابهم يوسف بها، فأصدر بها حكم العفو عنهم (الآية 92، من السورة 12: يوسف). [6] ـ الآيات 11 ـ 30، من السورة 74: المدّثّر. [7] ـ و لا يخفي انّه الوليد بن المغيرة أحد الرجلين العظيمين اللذين قال عنهما المشركون لِمَ لَم ينزل القرآن علی أحد هذين الرجلين. و هو غير الوليد بن عقبة بن أبي معيط الذي نزلت فيه آية النبأ. [8] ـ الدّهم: الجماعة الكثيرة. (م) [9] ـ دُعيت السور العديدة التي نزلت بداية البعثة بالعتائق، جمع العتيقة، أي السور التي تصرّم علی نزولها زمن طويل. [10] ـ الآية 4، من السورة 68: القلم. [11] ـ جاءت كلمة «السنن» في «الجواهر» طبع الحاج موسي ملفّقة؛ بيد أنّهم أثبتوا لفظ «المئين» في طبعة النجف الحروفيّة، كما جري مراجعة أصل الرواية في «الكافي» ج 2 من الاصول، ص 601، فكانت هناك أيضاً بلفظ «المئين». [12] ـ ورد في تعليقة ص 601، من ج 2 ل «أصول الكافي»، الطبعد الحروفيّة، نقلاً عن «الوافي»: السور الطُوَل كصُرَد هي السبع الاول بعد الفاتحة، علی أن تعدّ الانفال و التوبة واحدة، (لنزولهما جميعاً في مغازي النبيّ صلي الله عليه وآله و تُدعيان باقرينتين، و لذلك لم يُفصل بينهما بالبسملة) أو السابعة سورة يونس. و المثاني هي السبع التي بعد هذه السبع، سمّيت بها لانها ثنته، واحدها مثني، مثل معاني و معني؛ و قد تُطلق المثاني علی سور القرآن كلّها طوالها و قصارها. و امّا المئون فهي من «بني اسرائيل» إلی سبع سور، سمّيت بها لانّ كلاّ منها علی نحو من مائة آية، كذا في بعض التفاسير، انتهي كلام «الوافي»؛ لكنّ المعني الذي جاء به «الوافي» للمثاني ليس وافياً، لانّ ثني يثني كما في اللغة، و كما قاله العلاّمة، بمعني عطف النظر و عطف شيء علی شيء، كالثني و الحين، لا مُطلق المجيء تلواً. و الخلاصة فان الجمع بين كلام صاحب «الوافي» و بين الرواية التي نقلناها عن «الكافي» هو أن نقول: انّ السور الطوال أو الطَوْل هي السور السبع بعد الفاتحة: البقرة، آل عمران، النساء المائدة، الانعام، الاعراف، يونس، و السور المثاني هي السور السبع التي تليها؛ علی ا عتبار الانفال و التوبة سورة واحدة: الانفال ـ التوبة، هود، يوسف، الرعد، ابراهيم، الحجر، النحل. و السور المئين هي السور السبع التي تليها: الاءسراء، الكهف، مريم، طه، الانبياء، الحجّ، المؤمنون. و السور من المفصّل هي السور الثمان و الستّون التي تليها، أي من سورة النور (السورة الاربعين) إلی سورة «والشمس» و هي السورة الحادية و التسعين. و ما بقي يمثّل السور القصار، والله أعلم. [13] ـ ربّما كانت احدي الجهات التي عبّر الله سبحانه عن القرآن الكريم لاجلها بـ «أحسن الحديث» هي الجهة التي ذكرها سماحة العلاّمة قدّس الله نفسه في كتاب «قرآن در اسلام = القرآن في الإسلام» ص 61، حيث يقول: انّ القرآن هو الكتاب السماويّ! الوحيد الذي يعتبر الحياة الإنسانيّة السعيدة مقارنةً لمعيشة الإنسان الفطريّد النزيهة البعيدة عن الدنس أوّلاً. و ثانياً و خلافاً لاغلب أو لجميع المناهج التي تفصل برنامج الإنسان لعبادة ربّه، عن برنامجه في معيشته، فانّ الاسلام قد أقرّ البرنامج الديني و جعله نفسه برنامج العيش و الحياة؛ فهو يتدخّل في جميع شؤون الإنسان الفرديّة و الاجتماعيّة، و يصدر تعاليمه الموافقة للنظرة الواقعيّة (في النظرة إلی العالم ـ و في معرفة الله). فهو في الحقيقة يكل الافراد إلی العالم، و يكلّ العالم إلی الافراد، و يكلهما معاً إلی الله تعالي. [14] ـ و قد أخرج العلاّمة آية الله السيد شرف الدين العاملي رحمة الله عليه في كتاب «النّص و الاءجتهاد» الطبعة الثانية، ص 231، عن «صحيح البخاري» أبواب الجنائز، نهاية ص 154 و ص 155 من الجزء الاوّل، باب قول النبيّ صلّي الله عليه (وآله): «إنّا بك لمحزونون»، عن أنس بن مالك قال: ثمّ دخلنا عليه صلّي الله عليه (وآله) و سلّم و ابراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلّي الله عليه (وآله) و سلّم تذرفان؛ فقال له عبد الرحمن بن عوف: و أنتَ يا رسول الله؟! فقال: يا ابن عوف انّها رحمة. ثم أتبعها بأخري فقال صلّي الله عليه (وآله) و سلّم: إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزُنُ، وَ لاَ نَقُولُ إلاَّ مَا يُرْضِي رَبَّنَا، وَ إنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونونَ. [15] ـ الآية 12، من السورة 65: الطلاق. [16] ـ الآية 17، من السورة 71: نوح. [17] - الآیة 48، من السورة14: إبراهیم [18] ـ النصف الثاني من الآية 13، من السورة 57: الحديد. [19] ـ الآية 44 و 45، من السورة 7: الاعراف. [20] ـ الآية 7، من السورة 30: الروم. [21] ـ الآية 8، من السورة 30: الروم. [22] ـ الآية 28 و 29، من السورة 14: ابراهيم. [23] ـ الآيتان 31 و 32، من السورة 80: عبس. [24] ـ جاء في تفسير «الميزان» ج 20، ص 319: و في «إرشاد المفيد»: و روي أنّ أبابكر سُئل عن قول الله تعالي «وَ فَكِهَةً وَ أبَّا) فلم يعرف معني الابّ من القرآن فقال: أيّ سماء تظلّني أم أي أرض تقلّني أم كيف أصنع إن قلتُ في كتاب الله ما لا أعلم؟ أمّا الفاكهة فنعرفتها و أمّا الابّ فالله أعلم. فبلغ أميرالمؤمنين عليه السلام مقاله في ذلك فقال: سُبحان الله، أما علم أنّ الا8ب هو الكلا و المرعي؟ و انّ قوله تعالي «وَ فَـ'كِهَةً وَ أَبًّا» أعتداد من الله بانعامه علی خلقه فيما غذاهم به و خلقه لهم و لانعامه ممّا تحيي به أنفسهم و تقوم به أجسادهم.
[25]
ـ الآيات 31 ـ 33، من السورة 79: النازعات.
|
|
|