بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب الشمس الساطعة / القسم السابع: تشکیک الوجود، نفور قلوب الکافرین من ذکر التوحید، الاشکال فی التشکیک، النفس جسمانیة الحد...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

في‌ تشكيك‌ الوجود و وحدة‌ العرفاء

   العلاّمة‌:  لقد كان‌ المرحوم‌ الحاج‌ الشيخ‌ محمد حسين‌ الاصبهاني‌ الكمباني‌ قد قال‌ في‌ تلك‌ المراسلات‌ بتشكيك‌ الوجود، فسار في‌ هذا الامر وفق‌ مذاق‌ الفلاسفة‌ كالمرحوم‌ صدر المتألّهين‌ و الحكيم‌ السبزواري‌ و غيرهما. و هذا التوحيد لا يستلزم‌ إشكالاً، لان‌ تشكيك‌ الوجود الذي‌ يقول‌ به‌ الفعلويّون‌:

 الفَهلَوِيُّونَ الوُجُودَ عِندَهُمْ                       حَقِيقَةٌ ذَاتُ تَشَكُّكٍ تَعُمْ

 مَرَاتِبًا غِنيً وَ فَقْراً تَخْتَلِفْ                      كَالنُّورِ حَيثُمَا تَقوَّي‌ وَ ضَعِفْ

 قد جعل‌ فيه‌ أصل‌ الوجود ذا درجات‌ و مراتب‌، بحيث‌ تتفاوت‌ كلّ درجة‌ و مرتبة‌ أعلي‌ عن‌ المرتبة‌ الادني‌ شدّةً و ضعفاً و كثرةً و قلّة‌ و قوّةً و ضعفاً و أمثال‌ ذلك‌. أي‌ ان‌ الوجود الواحد في‌ نفس‌ حال‌ كونه‌ واحداً بسيطاً، فانّ له‌ مراتب‌ ترتقي‌ منجهة‌ الی أعلي‌ المراتب‌، و تنزل‌ من‌ جهة‌ متدرجّة‌ حتي‌ تصل‌ الی أدني‌ المراتب‌، و تتوزّع‌ باقي‌ المراتب‌ بين‌ هاتين‌ الدرجتين‌ العليا و الدنيا بحسب‌ اختلاف‌ درجاتها و مراتبها، و بحيث‌ انّنا كلّما ارتقينا الی الاعلي‌ فان‌ الوجود سيكون‌ أقوي‌ و أشدّ و أوسع‌، و بالعكس‌ فكلّما هبطنا الی الاسفل‌ فانّ الوجود سيكون‌ أضعف‌ و أضيق‌، بحيث‌ ستحتوي‌ كل‌ مرتبة‌ من‌ المراتب‌ العليا علی كمال‌ الدرجات‌ الادني‌ منها، و لا عكس‌؛ كمثل‌ النور الذي‌ له‌ ـ في‌ عين‌ وحدة‌ مفهومه‌ و بساطة‌ حقيقته‌ ـ سلسلة‌ ممتدّة‌ طويلة‌، بحيث‌ انّ درجتها العليا في‌ الشمس‌ و الدنيا في‌ ظلمات‌ الارض‌، و هناك‌ بين‌ هاتين‌ الدرجتين‌ مراتب‌ مختلفة‌ و متفاوتة‌ من‌ النور في‌ هذا السلسلة‌ النوريّة‌. بحيث‌ انّ في‌ الشمس‌ نوراً أعلي‌، ثم‌ في‌ الادني‌ منها نوراً أضعف‌ و أبعد و أقلّ سوطعاً و أبهت‌ إشراقاً، و هكذا في‌ الدرجة‌ الاسف‌ أضعف‌ و أضعف‌. فيصبح‌ النور علی هذا الموال‌ ضعيفاً و بعيداً و ضيّقاً و باهتاً، وصولاً الی آخر درجة‌ من‌ النور بلحاظ‌ الضعف‌ و القلّة‌ و النقص‌.

 و يمكن‌ ـ عموماً ـ وصف‌ التفاوت‌ بين‌ هذه‌ المراتب‌ و تقسيمه‌ علی أساس‌ الكمال‌ و النقص‌، فكلّ مرتبة‌ أعلي‌ ستحتوي‌ علی كمال‌ الدرجة‌ الادني‌ منها، وصولاً الی معدن‌ النور حيث‌ النور هناك‌ علی أكمل‌ وجه‌ و أتمّه‌، و لا عكس‌ في‌ الامر، اي‌ ان‌ كلّ مرتبة‌ من‌ المراتب‌ الادني‌ لا تحتوي‌ علی المرتبة‌ الاعلي‌ منها و لا تضمّ كمال‌ تلك‌ الدرجة‌، وصولاً الی أضعف‌ درجة‌ من‌ النور و هي‌ الظلّ الضعيف‌ الباهت‌ الذي‌ يمثّل‌ الحدّ الاخير من‌ مراتب‌ النور.

 فمع‌ انّ مفهوم‌ النور الحسّي‌ واحد، و مع‌ انّ النور الحسّي‌ بسيط‌ أيضاً، ولكن‌ باعتبار انّ أساس‌ التفاوت‌ هو نفسه‌ أساس‌ الإشتراك‌، و انّ كلّ درجة‌ في‌ هذه‌ السلسلة‌ الطويلة‌ و في‌ هذا العمود النوري‌ الطويل‌، تختلف‌ مع‌ سائر الدرجات‌ و تتميز عنها بحقيقة‌ نفس‌ النور لا بشي‌ءٍ آخر، لذا يجب‌ القول‌ انّ للنور مشكّكة‌، أي‌ انّه‌ ـ في‌ عين‌ الوحدة‌ في‌ الذات‌ ـ يمتلك‌ مراتب‌ و درجات‌ مختلفة‌ بالنورانيّة‌ في‌ تلك‌ الذات‌.

 و هكذا فانّ أعلي‌ المراتب‌ في‌ النور المعنوي‌ و الوجود وجود الباري‌ تعالي‌ شأنه‌، فهو الواجب‌ و اللامتناهي‌ بلحاظ‌ الشدّة‌ و القدرة‌ و القوة‌ و السعدة‌ و التقدّم‌ و الكمال‌.

 و بغضّ النظر عنه‌، فانّنا كلّما هبطنا الی الاسفل‌ فانّ هناك‌ في‌ المرذاتب‌ المختلفة‌ موجودات‌ عقلانيّة‌ نورانيّة‌ و نفوس‌ قويّة‌، حتّي‌ الی عالم‌ الامثال‌ و الصور و عالم‌ المادّة‌ و الطبيعة‌ الاضعف‌ وجوداً من‌ جميع‌ العوالم‌ و المراتب‌، و خصوصاً الهيولي‌ و المادّة‌ الاوّلية‌ و هي‌ نفس‌ القابلية‌ المحضة‌، التي‌ تقع‌ في‌ المرتبة‌ السفلي‌ في‌ جميع‌ الكمالات‌.

 و باعتبار انّ صفات‌ و أسماء الواجب‌ تعالي‌ غير متناهية‌، و انّها في‌ قمّة‌ هذه‌ السلسلة‌، فانّه‌ يمكن‌ افتراض‌ انّ لها العينيّة‌ مع‌ ذات‌ الواجب‌ القدسيّة‌، و أنّها موجودة‌ في‌ الدرجة‌ العليا من‌ القوّة‌ و السعة‌ و الشدّة‌ و الكمال‌ علی نحو العينيّة‌ و البساطة‌ و الوحدة‌. هذا هو كلام‌ المرحوم‌ الشيخ‌ محمّد حسين‌ و صدر المتألّهين‌ و شيخ‌ الإشراق‌ شهاب‌ الدين‌ السهروردي‌ و نظائرهم‌ من‌ أجلّة‌ الاعلام‌.

 التلميذ:  انّ الامر لن‌ ينتهي‌ بمسألة‌ التشكيك‌ في‌ الوجود، و الإشكال‌ لن‌ يُحلّ، لانّها أولاً تستلزم‌ التركيب‌ في‌ الدرجة‌ العليا التي‌ يعدوّنها الذات‌ الواجبة‌، لانّ خصوص‌ تلك‌ الدرجة‌ إن‌ كانت‌ لها العينيّة‌ مع‌ الاسماء و الصفات‌ الإلهيّة‌ ـ و جلي‌ُّ ان‌ كلاّ من‌ الاسماء و الصفات‌ ليس‌ صِرف‌ المفهوم‌ بما هو مفهوم‌، بل‌ له‌ مصداق‌ خارجي‌ ينطبق‌ عليه‌ ـ فانّ جميع‌ هذه‌ الاسماء و الصفات‌ في‌ هذه‌ الحال‌ يجب‌ ان‌ تتحقّق‌ بحدودها في‌ الذات‌، و هذا يستلزم‌ التركيب‌، و هو نفس‌ إشكال‌ التثليث‌.

 و ثانياً:  انّ أصل‌ فرضيّة‌ التشكيك‌ في‌ الوجود موضع‌ تأمّل‌ و إشكال‌؛ لانّنا إن‌ وضعنا ذات‌ الواجب‌ تعالي‌ في‌ هذه‌ الفرضيّة‌ مرتبةً عليا، و اعتبرنا انّ باقي‌ المراتب‌ هي‌ مراتب‌ الممكنات‌ حسب‌ اختلاف‌ درجاتها في‌ القُرب‌ و البعد، فستكون‌ ذات‌ الواجب‌ قد حُدّت‌ آنذاك‌ بحدود الممكنات‌، و ستكون‌ ـ بالطبع‌ ـ قد تقيّدت‌ و تعيّنت‌ في‌ الوجود الی مصافّ حدود الممكنات‌. ذلك‌ لانّ ذات‌ الواجب‌ و جميع‌ الممكنات‌ تشترك‌ ـ حسب‌ الفرض‌ ـ في‌ أصل‌ حقيقة‌ الوجود، فما يميّزها عن‌ بعضها هو انيّتها و ماهيّتها، و هكذا فانّ ذات‌ الوجود الواجب‌ التي‌ ماهيّتها في‌ هذا الفرض‌ هي‌ انيّتها، ستكون‌ محدودة‌ بحدّ الدرجة‌ العليا من‌ الممكنات‌، و ستكون‌ مجاورةً لذلك‌ الممكن‌؛ غاية‌ الامر انّ ذلك‌ الوجود الواجب‌ سيتميّز و يتشخّص‌ بالشدّة‌ و الضعف‌ و الوجوب‌ و الإمكان‌، و هذا لا يرفع‌ معني‌ التحديد، فيكون‌ الوجود الواجب‌ محدوداً بوجود الممكن‌ و في‌ حدّ الوجود الممكن‌.

و نعلم‌ انّ ذات‌ الواجب‌، أي‌ وجود واجب‌ الوجود له‌ صرافة‌ و محوضة‌، اي‌ أنّ وحدته‌ وحدة‌ بالصَّرافة‌ لا وحدة‌ عدديّة‌، و في‌ هذه‌ الحال‌ فانّ  كلّما فرضته‌ في‌ الوجود كان‌ داخلاً فيه‌،  و الاّ خرجت‌ من‌ الصّرافة‌ الصرفة‌ و المحوضة‌ المحضة‌، فكيف‌ يمكن‌ ـ مع‌ فرض‌ صرافة‌ الوجود الحقّ ـ اعتبار نفس‌ الوجود الحقّ ذا منزلة‌ و مرتبة‌؟ و كيف‌ يمكن‌ وضع‌ درجته‌ أعلي‌ الدرجات‌، في‌ حين‌ انّ تصوّر مُحوضة‌ تلك‌ الدرجة‌ يشمل‌ جميع‌ المراتب‌ و الدرجات‌ و يجعلها بأجمعها مندكّة‌ فيه‌؟

 و تبعاً لذلك‌ فكيف‌ يُتصوّر وجود آخر عند افتراض‌ صرافة‌ الوجود الحقّ؟ حيث‌ ان‌ برهان‌ الصدّيقين‌ قائم‌ علی هذا الاساس‌.

 العلاّمة‌:  انّ سلسلة‌ الموجودات‌ في‌ مراتب‌ الوجود ـ علی افتراض‌ مسألة‌ التشكيك‌ في‌ الوجود ـ ليست‌ عرضيّة‌ لتقع‌ مرتبة‌ كلّ منها في‌ حدّ المرتبة‌ الاخري‌ و تجاورها، لتصبح‌ كلّ مرتبة‌ عُليا في‌ النتيجة‌ محدودة‌ و متعيّنة‌ بالنسبة‌ للمرتبة‌ الادني‌ منها. بل‌ ان‌ سلسلة‌ المراتب‌ طوليّة‌ و واقعة‌ بأجمعها في‌ سلسلة‌ العلل‌ و المعلولات‌ بالنسبة‌ الی بعضها، فكل‌ مرتبة‌ عليا هي‌ علّة‌ للمرتبة‌ الادني‌ منها؛ و كلّ مرتبة‌ دنيا هي‌ معلول‌ للمرتبة‌ التي‌ فوقها. و من‌ ثَمّ، و باعتبار امتلاك‌ العلّة‌ لجميع‌ كمالات‌ معلولها ـ و لا عكس‌ ـ فانّ جميع‌ مراتب‌ سلسلة‌ الوجود التشكيليّة‌ تمتلك‌ جميع‌ كمالات‌ المراتب‌ الواقعة‌ أدني‌ منها، و لا عكس‌ في‌ الامر.

 لذا فانّنا اذا ما نظرنا الی أيّ حلقة‌ من‌ حلقات‌ هذه‌ السلسلة‌ الطوليّد، فانّها ستكون‌ ممتلكة‌ لكمالات‌ الدرجة‌ الواقعة‌ أدني‌ منها، و ستكون‌ تلك‌ الحلقة‌ الدنيا ـ بدورها ـ ممتلكة‌ لكمالات‌ الحلقة‌ الادني‌ منها؛ وصولاً الی آخر حلقة‌ وجوديّة‌ في‌ مراتب‌ النزول‌.

 فإن‌ فرضنا ـ مثلاً ـ سلسلة‌ تشكيكيّة‌ ذات‌ عشر درجات‌، فانّ الدرجة‌ الاولي‌، و هي‌ السفلي‌، ستمتلك‌ درجة‌ واحدة‌ من‌ الكمال‌، و ستمتلك‌ الدرجة‌ الثانية‌ التي‌ تعلوها درجتين‌ من‌ الكمال‌. فيتّضح‌ ـ و الحال‌ هذه‌ ـ انّ عدد اثنين‌ يمتلك‌ كمال‌ العدد واحد و لا عكس‌؛ كما ستمتلك‌ الدرجة‌ الثالثة‌ كمال‌ الثانية‌، اي‌ ان‌ جميع‌ ما يمتلكه‌ العدد اثنين‌ من‌ الشدّة‌ و الكثرة‌ و القرب‌ و القوّة‌ و غيرها سيكون‌ موجوداً في‌ العدد ثلاثة‌.

 و لذلك‌، و مع‌ افتراض‌ كلّ حلقة‌ من‌ حلقات‌ هذه‌ السلسلة‌، فان‌ جميع‌ المراتب‌ الادني‌ منها ستكون‌ موجودة‌ فيها بالفعل‌، و لا معني‌ بعدُ في‌ هذه‌ الحال‌ لمحدوديّتها بحدود الادني‌ منها.

 و باعتبار وقوع‌ ذات‌ الواجب‌ جلّ و عزّ في‌ أ علی درجة‌ من‌ سلسلة‌ المراتب‌، فانّ جميع‌ كمالات‌ الدرجات‌ السفلي‌ ستكون‌ موجودة‌ فيها بالفعل‌، و لن‌ يوجد هناك‌ من‌ كمال‌ ـ اذاً ـ في‌ أيّ مرتبة‌ من‌ المراتب‌، الاّ و كان‌ موجوداً في‌ ذات‌ الواجب‌.

 أمّا  وحدة‌ العرفاء  فلا منافاة‌ لها مع‌ التشكيك‌ في‌ الوجود، بل‌ انّها تنظر الی الوجود نظراً أعمق‌ و أدقّ. ذلك‌ لان‌ الموجودات‌ الإمكانيّة‌، في‌ التشكيك‌ الذي‌ يقول‌ به‌ الفلاسفة‌، تمتلك‌ وجوداً حقيقيّاً. غاية‌ الامر انّه‌ وجود إمكاني‌ افتقاريّ بحيث‌ انّ كلاّ منها معلول‌ للوجود الذي‌ يعلوه‌، وصولاً الی ذات‌ الوجاب‌ جلّ و عزّ. لذا فانّ جميع‌ الموجودات‌ هي‌ معلولات‌ لذات‌ الحقّ و تدلّيات‌ بعظمته‌ و كبريائه‌.

 امّا في‌ نظر العرفاء، فانّ الوجود مختصّ بذات‌ الحقّ، و باقي‌ الوجودات‌ الإمكانيّة‌ بأجمعها ظلّ و في‌ء للوجود الحقّ، و هي‌ نفس‌ الظهور لا غير، كما انّ نسبة‌ الوجود اليها نسبة‌ مجازيّة‌، فيقال‌ عنها انّها موجودة‌ بالاعتبار.

 و هذا النظر لا يتنافي‌ مع‌ نظر الفلاسفة‌، غاية‌ الامر انّ الموجودات‌ تُلاحظ‌ فيه‌ بنظر أدقّ و أعمق‌. و يمكن‌ في‌ الحقيقة‌ اعتبار نظر العرفاء حاكماً علی نظر الفلاسفة‌.

   التلميذ:  صحيحٌ انّ الوجود له‌ صرافة‌، و ان‌ جميع‌ مراتب‌ الوجود في‌ السلسلة‌ التشكيليّة‌ داخلة‌ في‌ تلك‌ السلسلة‌ و مندكّة‌ بأجمعها في‌ مصداق‌ الوجود الصرف‌، لكنّ وجود ذات‌ الحقّ جلّ و عزّ ـ بدوره‌ ـ ممتلك‌ للصّرافة‌، و لا يمكن‌ اعتباره‌ معرّي‌ من‌ الصرافة‌ و المحوضة‌، لذا فان‌ الصرافة‌ في‌ ذات‌ الواجب‌ تتباين‌ مع‌ التشكيك‌، و ذلك‌ لانّ نفس‌ تصوّر صرافة‌ الوجود في‌ ذات‌ الواجب‌ ينفي‌ عن‌ الغير كلَّ نوع‌ من‌ الوجود و لو كان‌ علی نحو المعلوليّة‌. فالصرافة‌ ـ اصولاً ـ لا تنسجم‌ مع‌ الغيريّة‌، و امتلاك‌ ذات‌ الحق‌ لجميع‌ كمالات‌ المعلولات‌ لامنافاة‌ له‌ مع‌ التغاير في‌ الجملة‌ و لو علی نحو الشدّة‌ و الضعف‌؛ و التغاير مباين‌ للصرافة‌ في‌ وجود الحقّ.

 امّا دقّة‌ نظر العرفاء فتتنافي‌ مع‌ صحّة‌ نظر الفلاسفة‌، لانّ نظر الفيلسوف‌ انّما هو في‌ مرحلة‌ خاصّة‌ من‌ الدقّة‌؛ اما نظر العارف‌ فيتخطّي‌ هذه‌ المرحلة‌ ثم‌ يعدّها باطلة‌. ذلك‌ لان‌ العارف‌ لا يمكنه‌ ـ مع‌ وجود رؤية‌ وحدة‌ الحقّ و ملاحظة‌ الصرافة‌ في‌ وجوده‌ ـ أن‌ يري‌ غيره‌؛ كما انّ فرض‌ الغير له‌ مُجانبة‌ للصواب‌، فهو يشاهد جميع‌ الموجودات‌ أنواراً و ظلالاً و نِسَب‌ و اعتبارات‌ لذات‌ الحقّ.

 و بطبيعية‌ الحال‌ فانّ حقيقة‌ الوجود في‌ نظر العارف‌ هذا (و هو التوحيد المحض‌) مختصّة‌ بذات‌ الحقّ، و لن‌ يلزم‌ من‌ ذلك‌ اشكال‌ لزوم‌ تعدّد القدماء، و لا إشكال‌ منافاة‌ صرافة‌ الوجود مع‌ وجود الغير، أي‌ مع‌ وجود الممكنات‌.

 و ستكتب‌ الآيتان‌ المباركتان‌:  مَا يَكُونُ مِن‌ نَّجْوَي‌ ثَلَـ'ثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَ لاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادرسُهُمْ وَ لاَ أَدْنَي‌ مِن‌ ذَلِكَ وَ لآ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا. [1]

 وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. [2]

 معناهما الجليّ؛ إذ عند افتراض‌ وحدة‌ العرفاء، فانّ معيّة‌ الحقّ لجميع‌ الموجودات‌ ستكون‌ معيّة‌ حقيقيّة‌، كمعيّة‌ الشاخص‌ و الظلّ، و معيّة‌ القائم‌ و ما يقوم‌ به‌، و لن‌ يستلزم‌ ذلك‌ الوحدة‌ العدديّة‌ لذات‌ الحقّ أبداً، لانّ ذات‌ الحقّ التي‌ وحدتها وحدة‌ بالصرافة‌ ـ لا وحدة‌ عدديّة‌ ـ ستكون‌ لها المعيّة‌ مع‌ جميع‌ الموجودات‌، و ستكون‌ موجودة‌ مع‌ كلّ ثلاثة‌ نفر، و مع‌ كلّ أربعة‌ نفر، و خسمة‌ نفر، و أقلّ و أكثر، دون‌ أن‌ يُضاف‌ الی عددهم‌ واحد.

 أمّا في‌ صورة‌ التثليث‌ فانّهم‌ قد عدّوا الحقّ تعالي‌ واحداً عدديّاً علی نحو الجزم‌؛ و بناءً علی التغاير و التباين‌ الوجودي‌ للاسماء و الصفات‌ مع‌ ذات‌ الحقّ علی نحو تغاير العلّة‌ و المعلولي‌، فانّ التغابن‌ و التباين‌ العددي‌ سيطرأ في‌ نهاية‌ الامر.

 فإن‌ شئنا عدم‌ القول‌ بأيّ نوع‌ من‌ الوحدة‌ العدديّة‌ لذات‌ الحقّ، فانّ علينا اعتبار وحدته‌ وحدة‌ بالصِّرافة‌، و آنذاك‌ فلن‌ يُتصوّر غيرٌ له‌ و لو علی نحو الوجود المعلول‌، بل‌ ستكون‌ جميع‌ الموجودات‌ طُرّاً مظاهره‌ و أسماءه‌ و جَلَوات‌ ذاته‌ القدسيّة‌، و ستكون‌ نسبة‌ وجودها نسبة‌ مجازيّة‌ و اعتباريّة‌ محضة‌.

 العلاّمة‌:  انّ استدلالكم‌ هذا سيكون‌ تامّاً و مُثمراً حين‌ تضيفون‌ الی هذه‌ المقدّمات‌ مقدّمة‌ أخري‌، و هي‌ أنّكم‌ تعتبرون‌ الوجود واحداً بالشَّخص‌.

 فذلك‌ الوجود بالصرافة‌، الواحد في‌ التشخّص‌، سيكون‌ آنذاك‌ مختصّاً بذات‌ الحقّ، و ستكون‌ جميع‌ الموجودات‌ في‌ الارض‌ و السماء و عالم‌ المُلك‌ و الملكوت‌ مظاهَره‌ و تجليّاته‌، فلا وجود لها ـ من‌ ثَمّ ـ بنفسها؛ و ستكون‌ نسبة‌ الوجود اليها بالعرض‌ و المجاز.

 ذلك‌ لانّه‌ ما يجرِ اثبات‌ تشخّص‌ الوجود، فانّ نفس‌ كونه‌ واحداً بالصرافة‌ لن‌ يكون‌ كافياً لإثبات‌ هذا المهمّ، لانّ الوجود الواحد بالصرافة‌ إن‌ أمكن‌ أن‌ يكون‌ له‌ في‌ التحقّق‌ عدّة‌ تحقّقات‌؛ كتحقّق‌ الواجب‌ و تحقّق‌ الممكن‌؛ فإنّ اثبات‌ الوحدة‌ له‌ آنذاك‌ سيكون‌ عسيراً، اللهمّ الاّ بضمّ ضميمة‌ خارجيّة‌، و هي‌ انّ كلّ وجود واحد بالصرافة‌، يجب‌ أن‌ يكون‌ حتماً واحداً في‌ التشخصّ، و آنذاك‌، و علی أساس‌ التشخّص‌ الواحد للوجود، فانّ اثبات‌ الوحدة‌ و آثار الوحدة‌ سيكون‌ أمراً ممكناً.

 و لقد دوّنّا في‌ قديم‌ الايّام‌ رسالة‌ بالعربيّة‌ في‌ الولاية‌، و أثبتنا فيها تشخّص‌ الوجود، أي‌ انّ الوجود مساوق‌ للتشخّص‌، و لذلك‌ فانّ هناك‌ في‌ الخارج‌ شخص‌ واحد للوجود فحسب‌، و من‌ المحال‌ أن‌ يتحقّق‌ اكثر من‌ تشخّص‌ واحد. ذلك‌ لانّنا إن‌ قلنا بالتشكيك‌، فانّ لدينا في‌ الحقيقة‌ وجوداً واحداً مشكّكاً، و سيكون‌ للوجود آنذاك‌ مراتب‌ مختلفة‌ بحيث‌ تتناسب‌ كلّ مرتبد منها مع‌ المراتب‌ الاخري‌، و لكن‌ بأي‌ كيفيئة‌ ستكون‌ مع‌ المراحل‌ الاخري‌؟

 علينا القول‌ في‌ النهاية‌ انّ وجود واجب‌ الوجود هو ذلك‌ الوجود الشديد العلوي‌ الغنيّ التميّز عن‌ باقي‌ الموجودات‌ بالغَناء و الشدّة‌ و القوّة‌؛ لكنّ مجرد قولنا عنه‌ انّه‌ متميّز سيُخرجه‌ من‌ الصرّافة‌ و التشخّص‌.

 و قولنا بأنّ وجود الله‌ وجود بالصرافة‌ لن‌ يترك‌ حدّاً لموجود، و لا وجوداً لموجود، و هذا المعني‌ يستلزم‌ التشخّص‌؛ اي‌ انّه‌ ليس‌ هناك‌ في‌ عالم‌ الوجود الاّ شخص‌ واحد واحد من‌ الوجود لا أكثر.

 و هكذا فانّ الوحدة‌ الشخصيّة‌ (بمعين‌ التشخّص‌) مهما افترضناها علی نحوٍ ما، فانّها لن‌ تنسجم‌ مع‌ الكثرة‌؛ اذ انّ الوحدة‌ الشخصيّة‌ تنصبّ في‌ خصوصيّة‌ الشخص‌، امّا الكثرة‌ فتنسجم‌ مع‌ الوحدات‌ الاخري‌، كالوحدات‌ النوعية‌ ـ مثلاً، أو لربّما مع‌ الوحدة‌ التشكيكيّة‌ و نظائرها، امّا الوحدة‌ بمعني‌ الشخص‌ الواحد فلا تنسجم‌ معها.

 فإن‌ كانت‌ حقيقة‌ الحقّ تبارك‌ و تعالي‌ شخصاً واحداً. و موجوداً واحداً شخصيّاً قائماً بالشخص‌، فلا تصوّر هناك‌ ـ من‌ ثمّ ـ لوجود الكثرة‌.

 و هذا الكلام‌ كلام‌ تامّ، لانّ الوجود عين‌ التشخّص‌، و لان‌ الله‌ ليس‌ له‌ وحدة‌ جنسيّة‌ أو نوعية‌ أو صنفيّة‌ و أمثال‌ ذلك‌، بل‌ هو شخص‌  لَيْسَ فِي‌ الدَّارِ غَيْرَهُ دَيَّارُ.

  و لقد أقام‌ القرآن‌ الكريم‌ الحجّة‌ و الدليل‌ البرهان‌ في‌ الردّ علی التثليث‌؛ فَلِمَ  ـ يا تري‌ ـ يقول‌:  لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَهَ ثَالِثُ ثَلَـ'ثَةٍ.  و لِمَ يقول‌:  لاَ تَقُولُوا ثَلَـ'ثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ.

 انّ القرآن‌ حين‌ يهدّد جميع‌ النصاري‌ علی هذا النحو بأنّكم‌ كافرون‌، فانّ ذلك‌ علی أساس‌ منطق‌ انّ الذات‌ الواحدة‌ الشخصيّة‌ للباري‌ تعالي‌ لا تتميّز و لا تتعيّن‌ بأيٍّ من‌ مراتب‌ الكثرة‌.

 الرجوع الي الفهرس

وجود الذات‌ القدسيّة‌ للحقّ تعالي‌ واحد شخصي‌ّ

 بلي‌، ان‌ الوجود واحد شخصيّ، و حسب‌ قول‌ العرفاء بالله‌ فهو تشخّص‌ واحد، و آنذاك‌ فانّ الوجود المشاهَد في‌ الموجودات‌ في‌ الحقيقة‌ وجود الحقّ لا وجودها نفسها، إذ انّها لا تمتلك‌ وجوداً. فهذه‌ الارض‌، وهذه‌ السماء، و الإنسان‌ و الحيوان‌ و جميع‌ الكثرات‌ الملاحظة‌ انّما وجودها في‌ الحقيقة‌ هو الحقّ الذي‌ هو واحد، لا وجود الاشياء التي‌ تظهر الكثرات‌، إذ ليس‌ هناك‌ الاّ وجود واحد شخصيّ فحسب‌، و لا كثرات‌ هناك‌ في‌ البين‌. كما انّ نسبة‌ الوجود الی الكثرات‌ نسبة‌ مجازيّة‌ و واسطة‌ في‌ مقام‌ العروض‌.

 التلميذ:  ما أجلي‌ بيان‌ آيات‌ القران‌ الكريم‌ لمسألة‌ التوحيد؛ لكأنّ القرآن‌ قد جاء لتعريف‌ الحقّ تعالي‌ و شؤونه‌، و هو حقّاً كتابٌ في‌ درس‌ التوحيد.

 الرجوع الي الفهرس

سبب‌ نفور الكفّار و اشمئزاز قلوبهم‌ من‌ ذكر توحيد الحقّ تعالي‌

 و انّه‌ لممّا يُثير العجب‌ كثيراً هروب‌ الناس‌ من‌ توحيد الحقّ تعالي‌، و محاولتهم‌ ـ ما أمكنهم‌ ـ جرّ الله‌ الی عالم‌ الكثرات‌، و محاولتهم‌ تدنيس‌ أذياله‌ بلوث‌ غبار الكثرة‌، سبحانه‌ و تعالي‌. فما أبعدهم‌ عن‌ وحدة‌ الحقّ تعالي‌ و أشد هجرانهم‌ لها! فهم‌ حيثما ورد ذكر لهذا المعني‌ شمّروا عن‌ سواعدهم‌ للدفاع‌. و ما أكثر صبّهم‌ لعالم‌ الكثرات‌! فهم‌ يحاولون‌ إضفاء تلك‌ الصبغة‌ علی الله‌ أيضاً. أفذلك‌ بسبب‌ سنخيّتهم‌ مع‌ عالم‌ الكثرات‌ وطنهم‌ المألوف‌؟

 وَ إِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي‌ الْقُرْءَانِ وَحْدَهُ وَلَّوا عَلَي‌' أَدبَـ'رِهِمْ نُفُورًا. [3]

 وَ إِذَا ذُكِرَ اللَهُ وَحْدَهُ أَشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالاَخِرَةِ. [4]

 ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ  إِذَا دُعِيَ اللَهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ. [5]

 الرجوع الي الفهرس

في‌ معني‌ الآية‌ الكريمة‌:  ألَهَـ'كُمْ التَّكَاثُرُ حَتَّي‌ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ

 العلاّمة‌:  و أعجب‌ من‌ هذه‌ الآيات‌، تلك‌ الواردة‌ في‌ سورة‌ التكاثر:

 بِسْمِ اللَهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلْهَـ'كُمُ التَّكَاثُرُ  حَتَّي‌ زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ  كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ  ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ  كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ  لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ  ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ  ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ.[6]

  و لقد تخطّي‌ القرآن‌ في‌ بعض‌ المراحلِ الصراحةَ و الإجهار، لكن‌ حالاتنا القلبيّة‌ ـ مع‌ ذلك‌ ـ علی نحوٍ يجعلها لا ترضخ‌ و لا تقرّ، فتأوّل‌ ذلك‌ علی نحوٍ آخر. لقد جعلكم‌ تكاثركم‌ غافلين‌ عن‌ مشاهدة‌ جمال‌ الحقّ و الوحدة‌ المطلقة‌، و صرفكم‌ عن‌ ذلك‌ حتّي‌ هويتم‌ في‌ قبوركم‌.

 كلاّ، ستعلمون‌ قريباً، ثمّ كلاّ ستعلمون‌ بأن‌ ليس‌ الامر كذلك‌ (بأنّ للكثرات‌ حقيقة‌ و حكياة‌ عن‌ الاصالة‌).

 كلاّ لو تعلمون‌ علم‌ اليقين‌ (و تقفون‌ علی حقيقة‌ الامر) لترونّ (هذه‌ الكثرات‌) جحيماً و ناراً محرقة‌! ثمّ سوف‌ تعلمون‌ تلك‌ النار بحقيقة‌ اليقين‌، ثمّ لتُسألنَّ عن‌ النعيم‌ و هو الولاية‌ و سبيل‌ قُرب‌ العبد الی مولاه‌. لتسألنّ كم‌ أزحتم‌ عنكم‌ حجاب‌ الكثرة‌ جانباً، و كم‌ خطوتم‌ في‌ وادي‌ التوحيد؟

 و قد فُسّرت‌ هذه‌ الآيات‌ علی نحوِين‌:

 الاوّل‌: انّ ذلك‌ الامر (أي‌ التكاثر) كان‌ زمن‌ الجاهليّة‌ ثم‌ استمرّ زمن‌ الاسلام‌؛ فكان‌ الاعراب‌ و القبائل‌ يتفاخرون‌ بينهم‌ فيعدّون‌ شجعانهم‌ و أعلام‌ قبائلهم‌، و كانت‌ كلّ طائفة‌ لها عدد أكبر من‌ الشجعان‌ تتفوّق‌ في‌ هذه‌ المفاخرة‌، حتّي‌ وصل‌ الامر بهم‌، حين‌ يحسّون‌ بأنّهم‌ سيُغلبون‌ في‌ المفاخرة‌، الی عدّ أمواتهم‌، فكانوا يذهبون‌ الی المقابر فيعدّدون‌ أموات‌ كلّ قبيلة‌ بأسمائهم‌ و مميّزاتهم‌، فيُضيفون‌ عدد أمواتهم‌ الی الاحياء. فكانوا يقولون‌ مثلاً ـ انّ الابطال‌ و المشهورين‌ فينا أربعون‌ نفراً، ثلاثون‌ منهم‌ أحياء، و عشرة‌ منهم‌ أموات‌.

 الثاني‌: انّ معناها انّ هذه‌ الكثرات‌، و سعيكم‌ الی التكاثر، و نظركم‌ الی الكثرة‌ قد شغلكم‌ بأنفسكم‌ و منعكم‌ و حجزكم‌ ـ الی حين‌ موتكم‌ ـ عن‌ لقاء الحقّ و مشاهدته‌. اي‌ انّكم‌ في‌ اتّباعِ مستمر للكثرات‌ ما دمتم‌ أحياء، حتّي‌ يدرككم‌ الموت‌ فتموتون‌.

 التلميذ:  انّ هذا التكاثر مطلق‌، فهو لا ينحصر في‌ التكاثر في‌ الاموال‌ و الاولاد، بل‌ يشمل‌ التكاثر في‌ الخيرات‌ و التكاثر في‌ العلم‌، في‌ علم‌ الفقه‌ و الاصول‌ و الحديث‌ و سائر العلوم‌ و الفنون‌. و عموماً فانّ كلّ تكاثر يحجب‌ الإنسان‌ عن‌ لقاء الله‌ و وحدة‌ حضرة‌ عزّ جلاله‌، سيعدّ تكاثراً بأجمعه‌، و باعثاً علی انشغال‌ الإنسان‌ به‌ و صرفه‌ عن‌ الله‌. فهذه‌ الكثرات‌ تحجز الإنسان‌ و تمنعه‌ من‌ المتابعة‌ و التقصّي‌ لاكتشاف‌ وحدة‌ الحقّ.

 انّ الإنسان‌ يبحث‌ عن‌ العلم‌ باستمرار، و يحبّ معرفة‌ غيره‌ قبل‌ معرفة‌ نفسه‌، و يحب‌ التعرّف‌ علی العالم‌ و علی الجماعات‌، و التعرّف‌ علی الارض‌ و الزمن‌ و السماء و النجوم‌ و الكواكب‌، فيقرأ هذا الكتاب‌ و ذلك‌ فلا يرتوي‌،  حَتَّي‌ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ. فهو غافل‌ عن‌ النعيم‌، غافل‌ عمّا هناك‌ في‌ لقاء الله‌، فلا يعلم‌ ماذا هناك‌، و ما هي‌ الثروات‌ التي‌ خسرها بواسطة‌ حجاب‌ الكثرات‌. ثم‌ يفلس‌ من‌ الحقيقة‌، فقد كان‌ علی الدوام‌ في‌ صدد جمع‌ المجاز، معرضاً عن‌ الحقّ و مشيحاً بوجهه‌ عنه‌، مائلاً الی الكثرات‌. فهذا الحسّ في‌ السعي‌ وراء الكثرة‌ و في‌ مشاهدة‌ الكثرة‌ و التكاثر في‌ العلم‌ موجود في‌ الإنسان‌ حتّي‌ يموت‌ فيرد قبره‌ و يطوي‌ ملفّ حياته‌.

 العلاّمة‌:  بلي‌، لهذه‌ الآية‌ اطلاق‌، فجميع‌ أنواع‌ التكاثر تحجز الانسان‌ و تحجبه‌ عن‌ مقام‌ طلب‌ الوحدة‌ و البحث‌ عن‌ الله‌. و هذا التفسير أفضل‌ من‌ ذلك‌ الاوّل‌ الذي‌ لم‌ يحظَ بكثير قبول‌.

 و امّا بشأن‌ المباحثة‌ التي‌ دارت‌ في‌ المكاتبات‌ والمراسلات‌ المتبادلة‌ بين‌ العالمين‌ الجليلين‌ السيّد احمد الكربلائي‌ و الحاج‌ الشيخ‌ محمد حسين‌ الاصبهاني‌ رضوان‌ الله‌ عليهما في‌ مسألة‌ التشكيك‌ في‌ الوجود و الوحدة‌ في‌ الوجود، فانّ المرحوم‌ الحاج‌ الشيخ‌ لم‌ يقتنع‌ في‌ النهاية‌ بالمطالب‌ العرفانيّد للمرحوم‌ السيّد، فتصدّي‌ أحد تلامذة‌ المرحوم‌ القاضي‌، و اسمه‌ السيد حسن‌ الكشميري‌، و هو من‌ دوره‌ الحاج‌ الشيخ‌ علی محمد البروجرديّ و السيد حسن‌ المقسطي‌ و تلك‌ الجماعة‌ من‌ تلامذة‌ المرحوم‌ القاضي‌؛ تصدّي‌ لمحاورة‌ المرحوم‌ الشيخ‌ محمد حسين‌ و التباحث‌ معه‌، فتابع‌ البحث‌ علی أساس‌ استدلالات‌ و براهين‌ المرحوم‌ السيد أحمد حتّي‌ ألزم‌ الحاج‌ الشيخ‌ بالقبول‌.

 و قد حصل‌ في‌ الايّام‌ التي‌ كنت‌ فيها في‌ النجف‌ الاشرف‌ اكتسب‌ من‌ فيض‌ استاذي‌ المرحوم‌ القاضي‌ رضوان‌ الله‌ عليه‌، أن‌ تشرّفت‌ بزيارة‌  عليّ بن‌ جعفر رضوان‌ الله‌ عليه‌ في‌ حال‌ خَلْسة‌، بحيث‌ كأنّه‌ قد اقترب‌ منّي‌ حتّي‌ أحسستُ بالهواء الملاصق‌ لبدنه‌ و سمعتُ تردّد أنفاسه‌، فقال‌ لي‌: انّ مسألة‌ الوحدة‌ من‌ بين‌ الاصول‌ المسلّمة‌ و الاوّليّة‌ عندنا أهل‌ البيت‌!

 الرجوع الي الفهرس

الإشكال‌ الوارد علی تشكيك‌ الوجود

    التلميذ:  يجب‌ ان‌ يتّضح‌ هذا الامر في‌ نهاية‌ الامر، هل‌ انّ مسألة‌ التشكيك‌ في‌ الوجود، و مسألة‌ الوحدة‌ في‌ الوجود نظريّتان‌ متضادّتان‌، أم‌ انّ لكليهما حقيقة‌، لكن‌ الثانية‌ أعلي‌ من‌ الاولي‌ و أكمل‌؟

 الرجوع الي الفهرس

في‌ بيان‌ موضوع‌ تشكيك‌ الوجود و موضوع‌ وحدة‌ العرفاء بالله‌

 فأهل‌ التوحيد يقولون‌: انّ الذات‌ القدسيئة‌ لواجب‌ الوجود لا تحمل‌ اسماً و لا رسماً و لا تتّخذ لنفسها أيَّ تعيّن‌، و انّ وجودها وجود بالصِّرافة‌، و أن‌ لا سبيل‌ في‌ هذا الامر لايّ وحدة‌ عدديّة‌. لذا فإنّنا إن‌ جعلناها متعيّنة‌ بأي‌ نحو من‌ أنحاء التعيّن‌، فانّ هذا التعيّن‌ سيسبّب‌ التميّز و يخرجها من‌ الصرافة‌. و أهل‌ التشكيك‌ يقولون‌: انّ ذات‌ واجب‌ الوجود هي‌ الدرجة‌ العليا من‌ الوجود، و ما يميّزها عن‌ باقي‌ الموجودات‌، علوّها و كونها أشرف‌ و أقوي‌ و أشدّ، لانّنا بعد أن‌ قلنا بأنّ الوجود الواجب‌ و الوجود الممكن‌ كلاهما من‌ سنخ‌ الوجود البسيط‌ البحث‌، و انّ ميزتهما عين‌ وجودهما، و أن‌ ليس‌ هناك‌ من‌ شي‌ء خارج‌ عن‌ وجودهما؛ فانّ هذا الإنفصال‌ و الإثنينيّة‌ لكلّ مرتبة‌ من‌ مراتب‌ سلسلة‌ الوجود ـ سواءً في‌ ذلك‌ اذا لحظنا الواجب‌ مع‌ الممكنات‌، أو ممكناً أقوي‌ مع‌ ممكنٍ أضعف‌ ـ انّما هو ـ في‌ كلّ الاحوال‌ ـ بواسطة‌ نفس‌ الوجود. و هذا من‌ خواص‌ الحقائق‌ المشكّكة‌ ففي‌ نفس‌ الوقت‌ الذي‌ يتفاوت‌ فيه‌ بعض‌ أفرادها عن‌ البعض‌ الآخر، فانّ هذا التفاوت‌ انّما وجود بواسطة‌ تلك‌ الحقيقة‌ المشكّكة‌، و ليس‌ من‌ ضمّ أمر عدميّ أو ماهويّ أو خارجيّ.

 و علی هذا الاساس‌ فانّ الحقيقة‌ الواجبة‌ ستكون‌ منفصلة‌ عن‌ باقي‌ المراتب‌، و ذات‌ تميّز و انفصال‌ و حدّ. فما ان‌ نقول‌: كبير و صغير، و غنيّ و ضعيف‌، و مرتبة‌ أعلي‌ و مرتبة‌ أدني‌؛ فانّها ستكون‌ هي‌ الحدود التي‌ تجعل‌ واجب‌ الوجود ـ من‌ خلال‌ هذه‌ المفاهيم‌ المتلكة‌ بلا ريب‌ لمصاديق‌ خارجيّد و المنطبقة‌ علی تلك‌ المصاديق‌ ـ منفصلة‌ عن‌ جميع‌ سلسلة‌ الممكنات‌. و باعتبار انّ هذا الانفصال‌ يحصل‌ بجهة‌ الوجود، لذا فانّ الوجود الواجب‌ سيمتلك‌ تعيّناً و حدّاً.

 و من‌ الجليّ بالطبع‌ انّنا كلّما ارتقينا الی الاعلي‌، فان‌ المراتب‌ العالية‌ ستكون‌ حائزة‌ علی نحوٍ أفضل‌ علی كمالات‌ الدرجات‌ و المراتب‌ الادني‌ منها في‌ الوجود، الاّ ان‌ حيازة‌ الكمال‌ لن‌ توجب‌ العينيّة‌ معسائر المراتب‌، و لن‌ توجب‌ في‌ نهاية‌ المطاف‌ التشخّص‌ في‌ الوجود. فهذا القدر من‌ التميّز و الانفصال‌ سيكون‌ موجباً للتحديد والتعيّن‌، و بالنتيجة‌ فانّه‌ سيُخرج‌ الدرجة‌ العليا من‌ الصّرافة‌، و سيخلع‌ رداء العدد علی حضرة‌ الحقّ جلّ و علا. بينما قد جري‌ اثبات‌ انّ وجوده‌ بالصرافة‌، و انّ سعته‌ و إحاطته‌ الوجوديّة‌ قد جعلت‌ جميع‌ الوجودات‌ مضمحلّة‌ و مندكّة‌ و فانية‌، كما ورد في‌ الدعاء و كما تدلّ الرواية‌ بأنّه‌:  وَاحِدٌ لاَ بِعَدَدٍ، قَائِمٌ لاَ بِعَمَدٍ.

   العلاّمة‌:  انّ الدرجة‌ العليا من‌ الوجود في‌ مسألة‌ التشكيك‌ في‌ الوجود، التي‌ لها الافضليّة‌ علی جميع‌ المراتب‌  قوّدً و شدّةً و كثرةً  و في‌ الجهات‌ الاخري‌، و المستقرّد في‌ جهة‌ العلّة‌ بحيث‌ انّ باقي‌ الموجودات‌ معلولات‌ لها؛ لا منافاة‌ فها مع‌ الصرافة‌ في‌ الوجود، بل‌ هي‌ حائزة‌ لذلك‌ المعني‌ في‌ الصرافة‌. و ذلك‌ لانّ هذه‌ السلسلة‌ المشكّكة‌ من‌ الوجود تسير ـ حسب‌ الفرض‌ ـمن‌ الضعف‌ الی الكمال‌، فكلّ درجة‌ سفلي‌ معلولة‌ للّتي‌ فوقها، و كلّ درجة‌ عليا علّة‌ للدرجة‌ الاسفل‌ منها. و باعتبار ثبوت‌ انّ المعلول‌ حاضر بتمام‌ وجوده‌ ـ دون‌ جهات‌ نقصانه‌ من‌ الحدود العدميّة‌ و الماهويّة‌ ـ في‌ العلّة‌، و انّ العلّة‌ لها علمٌٍ حضوريّ بمعلولها. لذا فانّ واجب‌ الوجود (و هو غاية‌ الغايات‌ و مبدأ المبادي‌) هو العلّة‌ الفاعلة‌ و العلّة‌ الغائي´ة‌ لجميع‌ مراتب‌ سلسلة‌ الوجود، و ممتلك‌ في‌ هذه‌ الحال‌ لجميع‌ كمالات‌ و انّيّات‌ و تحقّقات‌ المراتب‌ الادني‌ منه‌. ولذلك‌ فلن‌ يوجد شي‌ء من‌ الكمال‌ في‌ أيّ من‌ المراتب‌ الاّ و كان‌ موجوداً في‌ ذات‌ واجب‌ الوجود، و هذا هو معني‌ الصرافة‌ في‌ الوجود. فالدرجة‌ العليا من‌ الوجود، علی النحو الذي‌ قيل‌، لا منافاة‌ لها و يجب‌ أن‌ لا يكون‌ لهامنافاة‌ مع‌ الصرافة‌ في‌ الوجود.

 و إذا ما عددنا مراحل‌ الوجود واحدةً فواحدة‌، فانّ كلّ كمال‌ سفليّ موجود لدي‌ العلويّ، لكنّ الكمال‌ العلويّ غير موجود في‌ السفليّ، كما انّ كمال‌ ذلك‌ العلوي‌ موجود لدي‌ الاعلي‌ منه‌، و لا عكس‌ في‌ الامر.

 كما انّ الاعلي‌ منه‌ علی هذا النحو أيضاً، أي‌ انّ الاعلي‌ له‌ كمال‌ العلوي‌الادني‌ منه‌، و لا عكس‌. و هكذا ترتفع‌ السلسلة‌ علی هذا الترتيب‌، فكلّ درجة‌ عليا لها كمال‌ الدرجة‌ الادني‌ منها و لا عكس‌، وصولاً الی الدرجة‌ العليا التي‌ لا شي‌ء أعلي‌ منها. اذا انّ هذه‌ السلسلة‌ لا يمكن‌ ان‌ ترتفع‌ بلا نهاية‌، باعتبار استحالة‌ التسلسل‌، فلابدّ ـ اذاً ـ أن‌ تنتهي‌ الی فوق‌ لا شي‌ء فوقه‌. و آنذاك‌ فانّ ذلك‌ الفوق‌ له‌ جميع‌ كمالات‌ و تحقّقات‌ الدرجات‌ الادني‌ منه‌ طُرّاً، الاّ انّ أيّاً من‌ الدرجات‌ الادني‌ بكثرتها و تعدّدها ليس‌ لها كمال‌ تلك‌ الدرجة‌ العليا.

 و هذا التحقّق‌ لجميع‌ الكمالات‌ في‌ تلك‌ المرتبة‌ هو معني‌ الصرافة‌ في‌ الوجود. باعتبار انّنا معهما افترضنا من‌ وجودٍ و كمال‌ و شدّة‌ و غني‌ و قوّة‌ و سائر أفحاء الكمالات‌، فهو موجود هناك‌، لانّها علّة‌ بالفرض‌، و العلّة‌ ممتلكة‌ لجميع‌ كمالات‌ المعلوم‌.

 و يجب‌ ألاّ يُقال‌ انّ تلك‌ الدرجة‌ العليا من‌ الكمال‌، بالرغم‌ من‌ امتلاكها لكمال‌ ما دونها، الاّ انّه‌ لا تمتلك‌ عين‌ ما دونها، لذا فانّها ستكون‌ محدودة‌ بهذا الحدّ؛ ذلك‌ لانّ ما دونها ليس‌ شيئاً غير الكمال‌. و نحن‌ نعلم‌ انّ الحدود العدميّة‌ و و الماهويّة‌ للدرجات‌ السفلي‌ ليست‌ شيئاً و ليست‌ وجوداً، فهي‌ أمور عدميّة‌؛ و انّ كلّ ما يضمّه‌ الادني‌ في‌ إطاره‌ من‌ نفس‌ التحقّق‌ و الوجود و الآثار الوجوديّة‌، فهو موجود بأجمعه‌ في‌ الاعلي‌.

 فالادني‌ ـ اذاً ـ مرتبة‌ من‌ الكمال‌ الوجوديّ نقول‌ عنها: غنيّ، شديد، كثير، قريب‌، مقدّم‌ و غير ذلك‌ من‌ التعابير المختلفة‌، و جميعها ـ لا بحدودها العدميّة‌ و الماهويّة‌ ـ موجودة‌ بالفعل‌ في‌ المرتبة‌ العليا. و للمرتبة‌ العليا علم‌ حضور بها،.ي‌ انّها في‌ اطار قدرتها و سلطتها و في‌ قبضتها، و مثال‌ النور الذي‌ ضربوه‌ يوضح‌ المطلب‌ تقريباً.

 فحين‌ تصل‌ سلسلة‌ نور الشمس‌ منها الی الارض‌، فانّنا لو افترضنا انّ هناك‌ مائة‌ درجة‌ لها، فسيكون‌ لدينا علی الارض‌ نور بدرجة‌ واحدة‌، و أعلي‌ منها بدرجتين‌، و أعلي‌ بثلاث‌ درجات‌، و أعلي‌ بأربع‌ درجات‌ و خمس‌ وست‌، و هكذا ترتفع‌ الدرجات‌ حتّي‌ تصل‌ الشمس‌ التي‌ افتُرض‌ نورها مائة‌ درجة‌.

 و هكذا تمتلك‌ كلّ واحدة‌ من‌ هذه‌ الطبقات‌ النوريّة‌ في‌ الطريق‌ نور الدرجات‌ الادني‌ منها و لا عكس‌؛ امّا في‌ الدرجة‌ المائة‌ التي‌ هي‌ أعلي‌ الدرجات‌ فلن‌ يكون‌ من‌ نورٍ إلاّ و كان‌ موجوداً هناك‌، و سيكون‌ هناك‌ منبع‌ النور و كمال‌ النور. فهناك‌ ـ اذاً ـ سلسلة‌ مراتب‌ بعضها فوق‌ بعض‌ تشكّل‌ تلك‌ المراتب‌ النوريّة‌، بحيث‌ انّ كلّ طبقة‌ عليا هي‌ علّة‌ لظهور الطبقة‌ الادني‌؛ و بحيث‌ انّ الطبقة‌ السفلي‌ فاقدة‌ لجميع‌ كمالات‌ الدرجات‌ العليا، و الطبقة‌ العليا التي‌ تعلو الجميع‌ ممتلكة‌ لجميع‌ كمالات‌ مادونها.

 و من‌ ثَمّ سيكون‌ معني‌ درجة‌ واحدة‌ ممثّلاً لدرجة‌ واحدة‌ من‌ الكمال‌، و معني‌ درجتين‌ أي‌ درجتين‌ من‌ الكمال‌، و معني‌ مائة‌: مائة‌ درجة‌ من‌ الكمال‌، و هي‌ الدرجة‌ التي‌ تنطوي‌ فيها و توجد جميع‌ كمالات‌ المراتب‌ المائة‌، و هذا هو معني‌ الصرافة‌.

 معني‌ الصرافة‌ هو أن‌ لا يكون‌ للحيثية‌ و الجهات‌ تقيّداً؛ و لاننا نلحظ‌ أنّ الدرجة‌ العليا (أي‌ الدرجة‌ المائة‌) ليس‌ فيها تقييد للحيثيّة‌ و الجهات‌ بأيّ وجه‌ من‌ الوجوه‌؛ فلا منافاة‌ لها ـ من‌ ثَمّ ـ مع‌ الصرافة‌، بل‌ هي‌ الصرافة‌ عينها.

 و هذا المثال‌ للمراتب‌ النوريّة‌ الحسيّد مثال‌ حَسَن‌ للغاية‌ لتقريب‌ المطلب‌، و هذا المثال‌ للنور الحسيّ عنوان‌ للنور الواقعيّ الحقيقيّ الذي‌ يمثّل‌ حقيقة‌ الوجود.

 الرجوع الي الفهرس

بيانٌ شاف‌ حول‌ تشكيك‌ الوجود و وحدة‌ الوجود

 التلميذ:  انّ المراتب‌ الكثيرة‌ للوجود في‌ قضيّة تشكيك‌ الوجود تمتللا أصالةً و وجوداً واقعياً؛ و قد أوجب‌ الوجود الواحد حقيقةً مع‌ نفس‌ الوجود المشترك‌ بين‌ جميع‌ المراتب‌، اختلافَ المراتب‌. و لذلك‌ فقد اكتسبت‌ حقيقةُ الوجود اختلافاً حقيقتاً  بالشدّة‌ و الضعف‌ و التقدّم‌ و التأخّر  و غير ذلك‌. و تبعاً لذلك‌ فانّ هذا الوجود الواحد المشكّك‌ له‌ أفراد يمثّلون‌ أشخاصاً مختلفين‌ من‌ الوجود؛ و مفهوماً الوجود و الموجود صادقان‌ علی هؤلاء الافراد.

 علی انّ أصل‌ طبيعة‌ الوجود الخارجي‌ الواحد و البسيط‌ الذي‌ شكّل‌ هذه‌ السلسلة‌ من‌ الوجود، له‌ وحدة‌ بالصرافة‌ بلا ريب‌، إذ ليس‌ من‌ شي‌ء آخر مقابله‌، ليُعنَون‌ بعنوان‌ العَد لهذه‌ الجهة‌، و هذه‌ الطبيعة‌ الخارجيّة‌ علی نحوٍ بحيث‌ انّ كلّما فرضت‌ له‌ ثانياً عاد أوّلاً و كلمّا فرضته‌ خارجاً عنه‌ كان‌ داخلاً فيه‌، لانّه‌ صِرف‌، و معني‌ الصرف‌ هكذا.

 و أمّا الدرجة‌ العليا من‌ الوجود التي‌ فُرضت‌ واجباً، فانّها مع‌ كونها بلا شكّ ممتلكة‌ لجميع‌ كمالات‌ الدرجات‌ الادني‌ منها، و مع‌ أنّ جميع‌ المراتب‌ ـ مع‌ اسقاط‌ الحدود العدميّة‌ و الماهويّة‌ ـ موجودة‌ هناك‌ بالفعل‌؛ الاّ انّ هناك‌ بلا ريب‌ شيئاً من‌ البين‌ قد منح‌ تلك‌ الدرجَة‌ العليا امتيازاً عن‌ الدرجات‌ الاخري‌، و ليس‌ ذلك‌ الاّ الإسم‌ و عنوان‌ الغيريّة‌ الذي‌ جعل‌ ذلك‌ الوجود متميّزاً عن‌ وجود المراتب‌ السفلي‌، أو الذي‌ ميّز تلك‌ المرتبة‌ من‌ الوجود عن‌ المراتب‌ السفلي‌. بحيث‌ انّه‌ بالرغم‌ من‌ انّ الوجودات‌ السفلي‌ موجودة‌ فيها بدون‌ حدود، الاّ انّها خارجة‌ عنها مع‌ وجود هذه‌ الحدود؛ و نفس‌ هذا الخروج‌ يستلزم‌ حدّاً و فاصلة‌ يفصلان‌ هذين‌ الاثنين‌ عن‌ بعضهما، و هو ما يُنافي‌ الصرافة‌. لذا فانّه‌ لا يمكن‌ افتراض‌ عددٍ ما مقابل‌ الصرافة‌، الاّ أنّنا قد أوردنا عنوان‌ العَدد هنا.

 و بالرغم‌ من‌ انّ هذا الوجود يحتلّ مكاناً عالياً و يتمتّع‌ بجانب‌ العليّة‌، الاّ انّ هناك‌ في‌ نهاية‌ الامر عدداً موجوداً بين‌ العلّة‌ و المعلول‌؛ و نفس‌ انطواء المعلول‌ ـ بإسقاط‌ حدوده‌ ـ في‌ العلّة‌ لن‌ يوجب‌ اتّحادَ و وحدةَ المعلول‌ و المعلول‌.

 و لانّنا ـ بلا شكّ ـ يجب‌ أن‌ نعتبر ذات‌ الواجب‌ واحدة‌ بالصرافة‌، فلا مفرّ من‌ أن‌ نعتبر ما ينطبق‌ عليه‌ عنوان‌ الوجود وجوداً له‌ صرافة‌، و شخصاً واحداً يضمّ جميع‌ الموجودات‌ و الممكنات‌. و بعبارة‌ أوضح‌: أن‌ نعتبره‌ وجوداً شخصيّاً هو عين‌ الوجوب‌، بحيث‌ تكون‌ جميع‌ الممكنات‌ مَظاهر و مَجالي‌ و مرائي‌ له‌، لا أن‌ يكون‌ لها وجود بأنفسها. أمّا تبعاً لمسألة‌ الوحدة‌ فانّ هذا المعني‌ متحقّق‌، و ذلك‌ أوّلاً: لانئه‌ قد أُثبت‌ أنّ الوجود يساوق‌ التشخّص‌، و لانّ الوجود واحد، فالتشخّص‌ ـ إذاً ـ واحد، و هو الله‌ تعالي‌ شأنه‌ العزيز.

 و هذا الوجود الشخصي‌ له‌ صرافة‌، إذ لا شي‌ء خارجاً عنه‌ ليكون‌ معدوداً بعنوان‌ العدد، و جميع‌ الموجودات‌ هي‌ مرايا و آيات‌ له‌، لا وجود لها بأنفسها، و نسبة‌ الوجود و الموجود اليها نسبة‌ مجازيّة‌ و اعتباريّة‌، فقد دُمغَ علی جبين‌ الجميع‌ بختم‌ الفقر و العدم‌ و الفاقة‌ و الحاجة‌.

 و من‌ ثَمّ، فليس‌ الاعتقاد بتشكيك‌ الوجود معرّفاً للتوحيد الخالص‌، إذ يستلزم‌ في‌ نهاية‌ المطاف‌ حدّاً و عدداً في‌ ذات‌ الواجب‌، مهما كان‌ هذا الحدّ و العدد خفيّاً و لطيفاً.

 الرجوع الي الفهرس

في‌ حقيقة‌ توحيد الحقّ تعالي‌ و تقدّس‌

 امّا تبعاً لوحدة‌ العرفاء بالله‌ و التلامذة‌ الذين‌ درسوا في‌ مدرسة‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ «نهج‌ البلاغة‌» و غيره‌، و في‌ مدرسة‌ دقائق‌ كلام‌ الصادقين‌ عليهما السلام‌، للذين‌ كانا مفسّرين‌ للقرآن‌ الكريم‌ في‌ التوحيد؛ فلا رونقَ هناك‌ لمذهب‌ التشكيك‌ في‌ الوجود، بل‌ انّ أصول‌ تلك‌ الوحدة‌ و أساسها تهدم‌ ذلك‌ المذهب‌ و تشيده‌ تبعاً للتوحيد.

 قُلْ هُوز اللَهُ أَحَدٌ  اللَهُ الصَّمَدُ  لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ  وَ لَمْ يَكُن‌ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ. [7]

 هُوَ الاْوَّلُ وَ الاْخِرُ وَ الظَّـ'هِرُ وَ البَاطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. [8]

 لم‌ تُبقِ غِيرتُه‌ فِي‌ العالم‌ غَيْرًا؛

 كُلُّمَا فِي‌ الكَوْنِ وَ هُمْ أَوْ خَيَال‌                أَوْ عُكُوسٌ فِي‌ المَرَايَا أَوْ ظِلاَل‌

 نشاني‌ داده‌اند از خرابات‌               كه‌ التوحيد إسقاط‌ الإضافات‌

 وجود اندر همه‌ اشياء ساري‌ است‌                تعيّن‌ها امور اعتباري‌ است‌ [9]

 العلاّمة‌:  نحن‌ أيضاً نحفظ‌ من‌ هذه‌ الاشعار، الاّ ان‌ الامر ـ للاسف‌ ـ لا يستقيم‌ بالشعر. و بطبيعة‌ الحال‌ فانّه‌ لا يمكن‌ القول‌ في‌ الوجود بأنّ له‌ أشخاصاًمختلفين‌، فتعدّد الاشعاص‌ في‌ الوجود، و وجود كلّ شخص‌ من‌ أشخاص‌ الوجود في‌ هويّة‌ الوجود المطلقة‌ هما أمرٌ لا يمكن‌ القبول‌ به‌؛ و إذا ما كان‌ قبول‌ القول‌ بتشكيك‌ الوجود يستلزم‌ قبول‌ أشخاص‌ متعدّدين‌ للوجود، فانّه‌ سيكون‌ أمراً غير مقبول‌. و يبدو في‌! ذلك‌ التقريب‌ الذي‌ دوّنته‌ سابقاً في‌ رسالة‌ «ولايت‌ = الولاية‌» كأنّ صرافة‌ الوجود لم‌ تكن‌ تتنافي‌ مع‌ فرض‌ درجة‌ عليا للوجود، و هو كلام‌ جئنابه‌ في‌ خصوص‌ المراتب‌، بهدف‌ اثبات‌ تشكيك‌ الوجود؛ كأنّ الموضوع‌ هو انّنا اذا ما افترضنا وجود و شئنا افتراض‌ وجود آخر، فانّ هذا الوجود الاوّل‌ أدني‌ من‌ الوجود الثاني‌ و مشمول‌ فيه‌، و مهما احتوي‌ فهو لذلك‌ الثاني‌. و في‌ المرحلة‌ الثانية‌ فانّ الامر سيدور بين‌ الفرض‌ الثاني‌ و.

 الفرض‌ الثالث‌ و سيأتي‌ هذا الكلام‌ بنفسه‌ هناك‌ مع‌ احدي‌ المراتب‌ التي‌ تعلو المرتبة‌ الاولي‌؛ و آنذاك‌ تتصاعد المراتب‌ شيئاً فشيئاً حتي‌ تصل‌ الی مرتبة‌ لا مرتبةَ فوقها، فيجب‌ ان‌ تكون‌ تلك‌ المرتبة‌ هي‌ واجب‌ الوجود. و في‌ النتيجة‌ فانّ مراتباً من‌ الوجود ستُفترض‌ بحيث‌ ان‌ تلك‌ المرتبة‌ العالية‌ التي‌ هي‌ أعلي‌ المراتب‌ ستكون‌ مرتبةً واجبة‌، فإن‌ فرضنا الصرافة‌، فانّنا يجب‌ ان‌ نفترضها هناك‌، و هذا هو قول‌ القائلين‌ بالتشكيك‌ في‌ الوجود.

 و بالطبع‌ فانّ هذا المعني‌ ليس‌ كافياً لوحده‌ لإثبات‌ تشكيك‌ الوجود و اثبات‌ الصرافة‌، فهي‌ احدي‌ النظريّات‌. الاّ اننا حين‌ قلنا أعلي‌ المراتب‌، فانّنا قد جئنابها ـ بذلك‌ ـ في‌ الصفّ، و هو صفّ من‌ الوجود ترتقي‌ درجاته‌ درجة‌ درجة‌ الی الاعلي‌ حتي‌ تصل‌ الی حيث‌ يكون‌ أعلي‌ هذه‌ المراتب‌ حتماً و قهراً، فليس‌ لدينا أعلي‌ من‌ ذلك‌ الاعلي‌.

 هذه‌ هي‌ طبيعد المسألة‌، و بالطبع‌ فان‌ الدرجة‌ العليا سيكون‌ لها صرافة‌ لانّها حائزة‌ علی جميع‌ الكمالات‌.

 وَ لاَ يَشُّذُّ عَنْ حِيطَةِ كَيْنُونَتِهِ وَ تَحَقُّقِهِ وُجُودٌ، و كلُّما فَرَضْتَهُ مِمَّا فِيهِ شَائِبَةُ الوُجُودِ وَالكَمَالِ مَوْجُودٌ تَحْتَ عُنْوَانِ تَشَخُّصِهِ وَ تَحَقُّقِهِ.

 و هي‌ بالطبع‌ مسألة‌ دقيقة‌ يجب‌ التأمّل‌ فيها و إعمال‌ النظر أكثر، و سأفكّر فيها إن‌ شاء الله‌ تعالي‌.

 التلميذ:  هل‌ انّ انتزاع‌ المفاهيم‌ المتكثّرة‌ من‌ الذات‌ القدسيّة‌ للحقّ جلّ و علا أمر ممكن‌؟ إن‌ كان‌ ممكناً، فبأيّ اعتبارٍ و لحاظ‌؟ و إن‌ تعذّر فما كيفيّة‌ ظهور أسماء و صفات‌ الحقّ جلّ و علا؟ و هل‌ انّ الاسماء و الصفات‌ (و هي‌ مفاهيم‌ لها مصاديق‌ خارجيّة‌ بلا شكّ) لها المعيّة‌ و العينيّة‌ مع‌ الذات‌ القدسيّة‌ للحقّ، ام‌ أنّها في‌ مرتبة‌ متأخّرة‌ عن‌ الذات‌ و معدودة‌ من‌ تعيّنات‌ الذات‌؟

 ذلك‌ لانّنا نعلم‌ انّ انتزاع‌ المفاهيم‌ الكثيرة‌ من‌ الذات‌ الواحدة‌ البسيطة‌ من‌ جميع‌ الجهات‌ أمرٌ محال‌، بسبب‌ انّ مصداق‌ الهويّة‌ و الخارجيّة‌ مفهوم‌؛ لذا فانّ تعدّد المفاهيم‌ سيوجب‌ تعدّد المصاديق‌ بالملازمة‌. فكيف‌ ـ إذاً ـ سيتصوّر انتزاع‌ مفاهيم‌ كثيرة‌ من‌ مصداقٍ واحد في‌ حين‌ انّ المصداق‌ هو الهويئة‌ الخارجيّة‌ للمفهوم‌؟ و هذه‌ هي‌ الطريقة‌ التي‌ انتهجها المرحوم‌ صدر المتألّهين‌ و المرحوم‌ الحاج‌ السبزواري‌ (ره‌).

 و تبعاً لذلك‌ فانّ أساس‌ انتزاع‌ العالِم‌ و القادر و سائر صفات‌ الله‌ و أسمائه‌ انّما هو باعتبار تعلّقها بأفعال‌ الحقّ تعالي‌، و باعتبار وجود جانبي‌ العلم‌ و القدرة‌ في‌ فعل‌ الله‌، و لانّ الفعل‌ معلوم‌ و مقدور، فيجب‌ القول‌ ـ اذاً ـ بالملازمة‌ بانّ الله‌ عالمٌ و قدير.

 و لقد كان‌ للمرحوم‌ السيّد أحمد الكربلائي‌ الطهرانيّ إصرار علی عدم‌ عينيّة‌ الاسماء و الصفات‌ لذات‌ الحقّ المتعال‌، و كان‌ الحاج‌ الشيخ‌ محمّد حسين‌ الاصبهاني‌ يصرّ علی عينيّتها، و يعدّ انتزاع‌ مفاهيم‌ كثيرة‌ من‌ الذات‌ الواحدة‌ باعتبارات‌ معيّنة‌؛ أمراً غير محال‌.

 العلاّمة‌:  لاشكّ في‌ انّ انتزاع‌ مفاهيم‌ كثيرة‌ من‌ الذات‌ الواحدة‌ البسيطة‌ من‌ جميع‌ الجهات‌ أمر لا يمكن‌ تصوّره‌، و من‌ المسلّم‌ انّ النزاع‌ في‌ عينيّة‌ و عدم‌ عينيّة‌ الصفات‌ و الاسماء للذات‌ المقدسّة‌ الاحديّة‌ لا يشمل‌ جميع‌ الاسماء و الصفات‌، فهو لا يشمل‌ الاسماء و الصفات‌ الفعليّة‌ كالرازق‌ و الحاكم‌ و الخالف‌ و الغافر و نظائرها، بل‌ ينحصر في‌ الاسماء و الصفات‌ الذايتّة‌ كالعلم‌ و القدرة‌ و الحياة‌ و السمع‌ و البصر. و من‌ ثمّ فإنّ الصفات‌ الفعليّة‌ ستتنحّي‌ جانباً؛ و الصفات‌ الذاتية‌ مرجعها الی هذه‌ الصفات‌ الاخيرة‌ الخمس‌. و لانّنا نعلم‌ انّ السمع‌ و البصر يرجعان‌ الی العلم‌؛ فيبقي‌ ـ إذاً ـ ثلاث‌ صفات‌ ذاتية‌ فقط‌: الحياة‌ و العلم‌ و القدرة‌.

 و بالطبع‌ فانّ الكلام‌ في‌ العلم‌ الذاتي‌ و القدرة‌ الذاتيّة‌، لان‌ رجوعهما ـ بلا شك‌ ـ الی الذات‌، شأنهما في‌ ذلك‌ شأن‌ الحياد التي‌ هي‌ الاخري‌ صفة‌ ذاتيّة‌.

 و لإيضاح‌ هذا المطلب‌ نقول‌ عموماً: انّ المفاهيم‌ هي‌ مثار الكثرة‌ عموماً، و كلّ مفهوم‌ منعزل‌ و منفصل‌ ذاتاً عن‌ المفهوم‌ الآخرة‌ بالضرورة‌. فانطباق‌ كلّ مفهوم‌ علی المصداق‌ ليس‌ خالياً ـ إذاً ـ من‌ شائبة‌ التحديد، و هو أمرٌ ضروري‌ للشخص‌ المتأمّل‌. و سيكون‌ عكس‌ هذه‌ القضيّة‌ ـ من‌ ثمّ ـ علی النحو التالي‌: يجب‌ أن‌ يكون‌ انطباق‌ المفهوم‌ علی المصداق‌ غير المحدود في‌ ذاته‌ متأخراً عن‌ مرحلة‌ ذاته‌، و نحن‌ نعلم‌ من‌ جهة‌ أخري‌ انّ مرتبة‌ الحمول‌ متأخّرة‌ عن‌ مرتبة‌ الموضوع‌.

 الرجوع الي الفهرس

الذات‌ القدسيّة‌ الالهيّة‌ أعلي‌ من‌ كلّ إسم‌ و رسم‌ و تعيّن‌

 لذا فباعتبار انّ رتبة‌ ذات‌ واجب‌ الوجود غير محدودة‌، بلحاظ‌ انّ وجودها وجود بالصرافة‌؛ فانّ ذلك‌ الوجود الصرف‌ سيكون‌ أعلي‌ من‌ كلّ تعيّن‌ اسمي‌ و وصفي‌ و من‌ كلّ تقييد مفهومي‌، و حتّي‌ من‌ نفس‌ هذا الحكم‌.

 ذلك‌ لانّنا حين‌ نقول‌ أعلي‌، فانّ هذا سيكون‌ حكماً نجعله‌ لذلك‌ الموضوع‌، بينما تلك‌ الذات‌ البحتة‌ البسيطة‌ أعلي‌ و أرقي‌ من‌ أن‌ تكون‌ موضوعاً لحكمنا هذا، و من‌ أن‌ يُحمل‌ عليها هذا المحمول‌.

 فتلك‌ الحقيقة‌ المقدّسة‌ ـ اذاً ـ مُطلقة‌ من‌ كلّ تعيّن‌ يُفترض‌، حتّي‌ من‌ تعيّن‌ هذا الحكم‌ الذي‌ جعلناه‌، و من‌ هذا الإطلاق‌ الذي‌ حملناه‌ عليها.

 و يستفاد من‌ هذا انّ تلك‌ العينيّة‌ التي‌ أُثبت‌ بالبرهان‌ وجودها بين‌ الذات‌ و الصفات‌، هي‌ عينيّة‌ من‌ جهة‌ واحدة‌ فقط‌، أي‌ أنّ الذات‌ عين‌ الصفات‌، لكنّ الصفات‌ ليست‌ عين‌ الذات‌. بمعني‌ ان‌ الذات‌ ثابتة‌ بذاتها، أمّا الصفات‌ فثابتة‌ بالذات‌.

 التلميذ:  أيمكن‌ بطريق‌ دليل‌  الوَاحِدُ لاَ يَصْدُرْ مِنْهُ إِلاَّ الوَاحِدُ  (و هو دليل‌ برهاني‌ بالطبع‌) إثبات‌ انّ مفهوماً واحداً فقط‌ يمكن‌ انتزاعه‌ من‌ الذات‌ البحتة‌ البسيطة‌ الواحدة‌، و انّ انتزاع‌ مفاهيم‌ كثيرة‌ من‌ الذات‌ البسيطة‌ محال‌؟

 العلاّمة‌:  بالطبع‌ انّ ذلك‌ الدليل‌ في‌ باب‌ العلّة‌ و المعلول‌ لا في‌ باب‌ الانتزاعيّات‌، الاّ أنّ ملاك‌ ذلك‌ الاستدلال‌ و مقدّماته‌ ربّما جرت‌ هنا أيضاً، بالرغم‌ من‌ انّهم‌ لم‌ يستدلّوا بهذا الدليل‌.

  التلميذ:  هناك‌ مطلب‌ يلوح‌ كثيراً في‌ الكتب‌ العرفانيّة‌، كما انّه‌ ورد أيضاً في‌ كتب‌ الفلاسفة‌، و هو:  لاَ تِكْرَارَ فِي‌ التَّجَلِّي‌؛  فما المقصود بالتجلّي‌ في‌ هذه‌ العبارة‌؟

 العلاّمة‌:  المقصود هو التجليّ الوجودي‌، أي‌ انّ هناك‌ وجوداً واحداً في‌ التحقّق‌ الخارجي‌ للوجود، فلا يمكن‌ لوجود أن‌ يتحقّق‌ مرّتين‌. فوجود زيد واحد، و له‌ تحقّقٌ واحد، و لا يمكن‌ أن‌ يكون‌ زيد قد تحقّق‌ مرّتين‌. و لا معني‌ ـ اذاً ـ لان‌ يكون‌ زيد واحداً ثم‌ يتحقّق‌ مرّتين‌. فزيد واحد، و ليس‌ لدينا زيدبن‌، و ليس‌ لدينا أميرالمؤمنين‌ اثنين‌.

 و ليس‌ معني‌ ذلك‌ انّ وجود الشخص‌ لا يتعيّن‌ ب (أين‌) اثنتين‌، أو ب (متي‌) اثنتين‌ (أي‌ بمكانين‌ أو زمانين‌)، فذلك‌ له‌ دليل‌ آخر، لكنّ ذلك‌ لا يُدعي‌ بالتكرار في‌ التجلّي‌.

 فإن‌ امتلك‌ جوهرٌ عرضين‌، فانّ ذلك‌ لا يُدعي‌ تكراراً في‌ التجلّي‌ كأن‌ يكون‌ زيد في‌ آنٍ واحد في‌ زمانين‌، أو أن‌ يكون‌ في‌ آن‌ واحد في‌ مكانين‌، أي‌ انّ الجوهر الواحد لا يصبح‌ جوهرين‌؛ و التحقّق‌ الوجودي‌ الواحد لا يصبح‌ تحقّقين‌ وجوديّين‌، فالتحقّق‌ الوجودي‌ واحدٌ ليس‌ الاّ، و لا تكرار له‌. فالعدد واحد لا يصبح‌ العدد اثنين‌؛ و الوجود والتحقّق‌ كلاهما واحد، و التحقّق‌ الواحد لا يصبح‌ تحقّقين‌.

 و من‌ ثمّ فان‌ جميع‌ عالم‌ الكون‌ هو تجلٍّ واحد، من‌ بداية‌ عالم‌ الخلقة‌ الی انتهائه‌، فكلّ تحقّق‌ هو تحقّق‌ واحد لا تكرار له‌؛ و هو واحد مستقل‌ و هويّة‌ واحدة‌؛ و اذا ما نظرنا الی جميع‌ العالم‌ فانّ له‌ هويّةً واحدة‌ و تحقّقاً واحداً؛ و اذا ما نظرنا الی بعضه‌ فانّ له‌ هويّة‌ واحدة‌ و تحقّقاً واحداً.

 اين‌ همه‌ عكس‌ مي‌ و نقش‌ مخالف‌ كه‌ نمود             يك‌ فروغ‌ رُخ‌ ساقي‌ است‌ كه‌ در جام‌ افتاد [10]

 الرجوع الي الفهرس

في‌ حقيقة‌ معني‌ « النَّفْسُ جِسْمَانِيَّةُ الحُدُوثِ رُوحَانِيَّةُ البَقَاء»

 التليمذ: لقد جري‌ اثبات‌ موضوع‌  «النَّفْسُ جِسْمَانِيَّةُ الحُدُوثِ رَوْحَانِيَّةُ البَقَاء»،  و هو موضوع‌ قيّم‌ و متين‌ و راسخ‌، أرسيت‌ قواعده‌ و شيدت‌ علی أساس‌ الحركة‌ الجوهريّة‌ من‌ قبل‌ المرحوم‌ الآخوند رضوان‌ الله‌ عليه‌، كما تدلّ عليه‌ آيات‌ قرآنيّة‌ كريمة‌؛ فما هي‌ أفضل‌ و أوضح‌ الآيات‌ لبيان‌ هذا المعني‌؟ [11] 

 الرجوع الي الفهرس

ابتداء و أصل‌ خلقة‌ الإنسان‌ من‌ الارض‌

 العلاّمة‌: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَـ'نَ مِن‌ سُلَـ'لَةٍ مِّن‌ طِينٍ  ثُمَّ جَعَلْنَـ'هُ نُطْفَةً فِي‌ قَرَارٍ مَّكِينٍ  ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَـ'مًا فَكَسَوْنَا الْعِظَـ'مَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأنَـ'هُ خَلْقًا ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ اللَهُ أَحْسَنُ الْخَـ'لِقِينَ. [12]

  يقول‌ الله‌ تعالي‌ هنا: لقد خلقنا الإنسان‌ من‌ الطين‌ الخالص‌؛ فأصل‌ خلقة‌ الإنسان‌ ـ اذاً ـ من‌ سلالة‌ الطين‌. و جليّ انّ الطين‌ جسم‌، فحدوث‌ الإنسان‌ ـ من‌ ثمّ ـ قد بدأ من‌ الطين‌ الذي‌ هو جسم‌.

 ثم‌ بعد خلقه‌ من‌ الطين‌ جعلناه‌ (أي‌ جعلنا ذلك‌ الإنسان‌ الطينيّ) نطفة‌ و يُلاحظ‌ هنا أيضاً أنّه‌ قد تبدّل‌ الی جسم‌، لان‌ النطفة‌ جسم‌. فالطين‌ قد تبدّل‌ علی أساس‌ الحركة‌ الجوهريّة‌ الی نطفة‌، أي‌ انّ جسماً قد تبدّل‌ الی جسم‌ آخر.

 (ثمّ خلقنا النطفة‌ علقة‌)؛ أي‌ علی هيئة‌ قطعة‌ دم‌ متخثّر. و جري‌ هنا تبدّل‌ جسم‌ الی جسم‌ آخر؛ (فخلقنا العلقة‌ مضغة‌) حيث‌ جري‌ هنا أيضاً تبديل‌ جسم‌ الی جسم‌ آخر (فخلقنا المضغة‌ عظـ'ماً) و جري‌ هنا أيضاً تبديل‌ جسم‌ الی جسم‌ آخر. ثمّ انّ الله‌ كسا تلك‌ العظام‌ لحماً فقال‌ بعد ذلك‌؛ (ثمّ أنشأنـ'ه‌ خلقاً ءاخر). أي‌ اننا جعلنا هذا الإنسان‌ الجسمي‌ روحانيّاً، فتبدّلت‌ حقيقة‌ و روح‌ هذه‌ الاجسام‌ الی نفس‌ ناطقة‌ إنسانيّة‌.

 فالمادّة‌ـ إذاً ـ تتنحّي‌ جانباً في‌ ( ثُمَّ أَنشَأنـ'هُ خَلْقًا ءَاخَرَ )، و تلك‌ المادّة‌ تتبدّل‌ الی نفس‌ مجرّدة‌.

 و بناءً علی ما يُستافد من‌ الآية‌ فانّ ما قاله‌ الحكماء القدماء «اذا ماشاء انسانٌ الظهور، فانّ وجود الجنينيّ يتحقّق‌ أولاً، فإذا وصل‌ الی مشارف‌ الإستعداد لولوج‌ الروح‌ و نفخها، فانّ الله‌ يُوجِد النفس‌ بلا فصل‌  متعلّقاً بالمادة‌ » مخالف‌ للآية‌ المباركة‌؛ فلقد كان‌ الحكماء يقولون‌ بأنّ الإنسان‌ مركّب‌ من‌ روح‌ و بدن‌، لكنّ الآية‌ لا تبيّن‌  التركيب‌، بل‌ تبيّن‌ التبديل‌ بصراحة‌. فالله‌ سبحانه‌ يقول‌ انّ الانسان‌ من‌ سلالة‌ من‌ طين‌، ثم‌ يصبح‌ كذا، ثم‌ كذا، و هكذا تسير الخلقة‌ الالهيّة‌ علی أساس‌ المسار المادّيّ خطوةً فخطوة‌، و خطوةً فخطوة‌، حتي‌ تصل‌ الی حيث‌ تقفز من‌ المادة‌ ( ثُمَّ أنشَأنَـ'هُ خَلْقًا ءَاخَرَ). إذ تتبدّل‌ المادة‌ اثر الحركة‌ الجوهريّة‌ الی موجود مجرّدة‌ و يصبح‌ الجسم‌ نفساً ناطقة‌.

 و هذه‌ الآية‌ في‌ غاية‌ الجلاء؛ الاّ انّ لدينا ـ في‌ الوقت‌ نفسه‌ ـ آياتٍ أخري‌ من‌ القرآن‌ الكريم‌ تبيّن‌ هذا المعني‌، من‌ بينها هذه‌ الآية‌:

 مِنهَا خَلَقْنَـ'كُمْ وَ فِيهَا نُعِيدُكُمْ وَ مِنهَا نُخرِجُكُمْ تَارَةً أُخرَي‌'. [13]

 فقد ورد في‌ هذه‌ الآية‌ بصراحة‌ انّنا خلقناكم‌ من‌ الارض‌؛ فبداية‌ خلقة‌ الإنسان‌ جسم‌.

 و من‌ بينها هذه‌ الآية‌:  وَاللَهُ أَنبَتَكُمْ مِّنَ الاْرْضِ نَبَاتًا. [14]

 و إنبات‌ الإنسان‌ من‌ الارض‌ دلالة‌ علی الجسميّة‌ و علی ماديّة‌ أصل‌ خلقة‌ الإنسان‌. و من‌ بينها التعبيرات‌ الاربعة‌ التي‌ عبّر بها القرآن‌ الكريم‌ عن‌ أصل‌ الخلقة‌:

 أَ ـ من‌ حَمَاءٍ مَّسْنُونٍ. [15]

 ب‌ ـ  مِن‌ صَلْصَـ'لٍ كَالْفَخَّارِ. [16]

 ت‌ ـ  مِن‌ سُلَـ'لَةٍ مّـِن‌ طِينٍ؛ [17]   وَ بَدَأَ خَلقَ الإنسَنِ مِن‌ طِينٍ. [18]

 ث‌ ـ  ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن‌ سُلَـ'لَةٍ مِّن‌ مَّآءٍ مَّهِينٍ. [19]

 أمّا  الحمأ المسنون‌  فهو الطين‌ الاسود ذو الرائحة‌ المتغيّرة‌، لانّ الحمأ بمعني‌ الطين‌ الاسود، و المسنون‌ بمعني‌ ذو الرائحة‌ الكريهة‌ أو ذو الطعم‌ الكريه‌. و علی كلّ حال‌ فانّ أصل‌ خلقة‌ الإنسان‌ كانت‌ من‌ طين‌ أسود ذي‌ رائحة‌ كريهد أو طعم‌ كريه‌.

 و أمّا  صلصلٍ كالفخّار، فالصلصال‌ هو الطين‌ المتيبّس‌ المتشقّق‌ الذي‌ اذا سير عليه‌ سُمع‌ له‌ صلصلد؛ وا لفخّار بمعني‌ الطين‌ الذي‌ طُبخ‌ بالنار. أي‌ اننا خلقنا الإنسان‌ من‌ طينٍ يابس‌ له‌ صلصلة‌ كالفخّار.

 و لدينا ستّ آيات‌ من‌ القرآن‌ الكريم‌ تدّل‌ علی ان‌ أصل‌ الإنسان‌ من‌ التراب‌، من‌ بينها هذه‌ الآية‌:

 وَ اللَهُ خَلَقَكُمْ مِّن‌ تُرَابٍ ثُمَّ مِن‌ نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا. [20]

 أو هذه‌ الآية‌:

 إِنَّ مَثَلَ عِيَسَي‌ عِندَ اللَهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ خَلَقَهُ مِن‌ تُرَابٍ. [21]

 والخلاصة‌ فانّ مجموع‌ هذه‌ الآيات‌ يُبيّن‌ انّ أصل‌ خلق‌ النفس‌ الإنسانيّة‌ كان‌ بلاشكّ من‌ جسم‌ و مادّة‌، و أنّ تلك‌ المادّة‌ التي‌ كانت‌ صلصالاً أو حمأً مسنوناً أو غيرهما، قد تحوّلت‌ اثر التطوّرات‌ و التغيّرات‌ التي‌ حصلت‌ في‌ جوهرها الی هيئة‌ نطفة‌ ثم‌ علقة‌ ثم‌ مُضغة‌؛ أو انّ الله‌ قد خلع‌ علی آدم‌ أبي‌ البشر رداء الوجود بعد أن‌ خلقه‌ من‌ تراب‌ بلفظ‌ «كُن‌» و هو نفس‌ المشيئة‌ الإلهيّة‌، و كان‌ ذلك‌ بواسطة‌ الحركة‌ الجوهريّة‌.

 أي‌ أنّ نفس‌ الجوهر متحرّك‌ في‌ كينونة‌، فقد كان‌ أوّلاً في‌ ماهيّة‌ سُلالةٍ من‌ طين‌ ـ مثلاً ـ ثم‌ تحوّل‌ بواسطة‌ الحركة‌ في‌ جوهره‌ و ذاته‌ الی عالم‌ النُطفة‌، و تبدّل‌ الی ماهيّة‌ النُطفة‌. ثم‌ تحرّكت‌ النطفة‌ في‌ جوهرها و ذاتها الی عالما لعلقة‌ فصارت‌ علقة‌ و تبدّلت‌ الی ماهيّة‌ العلقة‌، ثمّ تبدّل‌ عالم‌ العلقة‌ اثر الحركة‌ الجوهريّة‌ الی ماهيّة‌ عالم‌ المضغة‌، ثمّ تحركت‌ المضغة‌ ـ بدورها ـ بجوهرها و تبدّلت‌ الی عظام‌. ثم‌ انّ المادّة‌ بعد نموّ اللحم‌ علی العظام‌، تبدّلت‌ دفعةً واحدة‌ الی نفسٍ مجردّة‌:

 ثمّ أنشأنـ'ه‌ خَلْقًا ءَاخَرَ  فصارت‌ المادّة‌ نفساً ناطقة‌ و روحاً متعلّقة‌ بالمادّة‌، روحاً في‌ قالب‌ الجسد.

 و حين‌ ترحل‌ هذه‌ الروح‌ المجرّدة‌ عن‌ هذا العالم‌، فانّها تترك‌ المادّة‌ دفعة‌ واحدة‌ و تلقيها و تغادرها، فتبقي‌ المادّة‌ علی الارض‌ دون‌ تعلّق‌ من‌ النفس‌، فيتحقّق‌:  ثُمَّ إِنَّكُم‌ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ.

 ثم‌ انّ تلك‌ النفس‌ الناطقة‌ بعد تجرّدها من‌ المادّة‌ و بعد الموت‌، تيمّم‌ صوب‌ كمالها بواسطة‌ الحركة‌ في‌ جوهرها، فتحضر في‌ القيامة‌ بعد عبورها البرزخ‌ في‌ هيئة‌ تجرّد قيامتي‌، و ترتدي‌ قيامتيّاً، فيتحقّق‌:  ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ تُبْعَثُونَ؛  و هذه‌ الامور بأجمعها حصلت‌ بواسطة‌ الحركة‌ في‌ الجوهر. و مادام‌ الإنسان‌ مادّة‌ محضة‌، فقد كانت‌ الحركة‌ في‌ المادة‌، فلمّا استحال‌ نفساً ناطقة‌، فانّ حركته‌ الجوهريّة‌ في‌ النفس‌ الناطقة‌.

 و يمكننا تشبيه‌ تغيّرات‌ الإنسان‌ هذه‌ إثر الحركة‌ الجوهريّة‌ بالنور المنبعث‌ من‌ فتيلة‌ مصباح‌، لانّ أصل‌ هذه‌ النور من‌ الزيت‌، أو منبذور زيت‌ الخروع‌، أو من‌ الحطب‌ أو النفط‌. ثم‌ انّ ذلك‌ الزيت‌ و الخروع‌ و النفط‌ و غيرها تتبدّل‌ إثر صاف‌ء الاحتراق‌ الی شعلة‌ نورانيّة‌، و تتبدّل‌ الشغلة‌ بدورها الی غاز، و ينبعث‌ إشعاعها فيُضي‌ء ما حولها.

 الرجوع الي الفهرس

قوسا نزول‌ و صعود الإنسان‌ في‌ مدارج‌ الكمال‌

 التلميذ:  فماذا بشأن‌ قوسي‌ النزول‌ و الصعود في‌ هذه‌ الحال‌؟ إذ ورد في‌ الروايات‌ أنّ الله‌ تعالي‌ خلق‌ الارواح‌ قبل‌ أجسادها بألفي‌ عام‌؛ كماا نّ لدينا روايات‌ مختلفة‌ ذات‌ مضامين‌ آخري‌ تدلّ إجمالاً علی انّ الارواح‌ قد خُلقت‌ قبل‌ الاجساد. و لدينا ـ عموماً ـ روايات‌ تدلّ علی انّ هناك‌ عوالمَ قبل‌ عالم‌ الطبع‌ و المادّة‌، و انّ الإنسان‌ كان‌ في‌ تلك‌ العوالم‌، و كان‌ له‌ فيها محادثات‌ ثمّ انّه‌ هبط‌ من‌ تلك‌ العوالم‌، الواحد بعد الآخر، الی هذا العالم‌.

 العلاّمة‌:  انّ تلك‌ الطائفة‌ من‌ الروايات‌ لا تنافي‌ أبداً القول‌ بكون‌ أصل‌ بدء خلقة‌ الإنسان‌ جسمانيّاً، اذا انّ جميع‌ موجودات‌ عالم‌ الطبع‌ و المادة‌ و ليس‌ الإنسان‌ لوحدة‌ ـ تمتللا روحاً و ملكوتاً؛ و حقيقة‌ الروح‌ والملكوت‌ ليست‌ من‌ عالم‌ المادّة‌ و الجسم‌، بل‌ من‌ عوالم‌ عليا، الاّ انّها وجدت‌ نوعاً من‌ التعلّق‌ بالمادّة‌.

 فالنُطفة‌ لها ملكوت‌، و العلقة‌ لها ملكوت‌، و لكلَّ من‌ الحجر والشجر و الماء و الارض‌ ملكوت‌؛ و الطيور و الكواكب‌ و النجوم‌ يمتلك‌ كلُّ منها ملكوتاً و نفساً خاصّة‌ به‌.

 و هكذا فانّ جميع‌ هذه‌ الارواح‌ و عوالم‌ الملكوت‌ لا تنتمي‌ الی عالم‌ الجسم‌ والجسمانيّة‌ هذا، بل‌ الی عوالم‌ عليا؛ ثمّ نزل‌ كلّ منها ـ بحسبه‌ ـ من‌ نقطة‌ خاصة‌ و وجد نوعاً من‌ التعلّق‌ بالمادّة‌؛ و من‌ جملتها نفس‌ الإنسان‌ التي‌ تنتمي‌ الی العوالم‌ العليا المجرّدة‌. و لانّها شاهدت‌ انّ هناك‌ جهاتٍ من‌ الكمال‌ لا يمكنها الكتسابها و الحصول‌ عليها من‌ خلال‌ تجرّدها، و أنّ تلك‌ الجهات‌ موجودة‌ في‌ عوالم‌ الكثرة‌ و العوالم‌ السفلي‌، فقد هبطت‌ الی الاسفل‌ لاكتساب‌ تلك‌ الكمالات‌ الكثراتيّة‌.

 ثمّ انّهات‌ رتقي‌ الی الاعلي‌ ثانية‌ بعد كسبها إيّاها، و تنال‌ الحضور لدي‌ حضرة‌ الحقّ. فقد كانت‌ في‌ الحقيقة‌ في‌ الاعلي‌ فهبطت‌ الی الاسفل‌، ثمّ انّها تعود الی الاعلي‌. و بيان‌ ذلك‌ انّ هذه‌ الروح‌ المسكينة‌ كانت‌ في‌ الوهلة‌ الاولي‌ في‌ الاعلي‌ بحسب‌ الظاهر، ثم‌ هبطت‌ درجة‌ درجة‌ ميميّة‌ في‌ سيرها الی الاسفل‌، و لم‌ يكن‌ لها من‌ هدفٍ في‌ طيّها لهذه‌ المراحل‌ النزوليّة‌ الاّ اكتساب‌ الكثرات‌ التي‌ تتعلّق‌ بالمادّة‌ عن‌ طريق‌ الماديّة‌، و كان‌ هذا هو هدفها الوحيد.

 ذلك‌ لانّ الإنسان‌ إن‌ امتلك‌ هذه‌ الإنسانيّة‌، و لم‌ يكن‌ له‌ شيئاً وراءها، لما أفاد من‌ هذه‌ الكثرات‌ شيئاً (أي‌ هذه‌ الكثرات‌ الصادرة‌ من‌ الإنسان‌ في‌ هذه‌ النشأة‌) و لما امتلكت‌ الروح‌ المجرّدة‌ الخارجيّة‌ أنواع‌ و أقسام‌ الاعمال‌ و الافعال‌ و الاوصاف‌.

 و لقد هبطت‌ الروح‌ الی عالم‌ الكثرات‌ هذا لتجمعها و تأخذها الی العالم‌ العلوي‌، ثم‌ انّها متي‌ شاءت‌ الهبوط‌ من‌ الاعلي‌ الی الاسفل‌ فانّها تجمعها و تصحبها معها الی الاسفل‌ فتتمّ الامر. ثم‌ انّ النفس‌ خلال‌ نزولها الی هذا العالم‌، تتّخذ لنفسها في‌ مسيرها لونَ كلّ عالَم‌ تعبر منه‌، و تصبح‌ في‌ كلّ مرحلةٍ تعبرها فردَ تلك‌ المرحلة‌. و حين‌ تصل‌ في‌ قوس‌ النزول‌ الی عالم‌ المثال‌، فانّها تمتلك‌ صورة‌، تماماً كمثل‌ أحد الموجودات‌ المثاليّة‌ و كفردٍ من‌ أفراد عالم‌ المثال‌؛ و حين‌ تصل‌ الی عالم‌ الطبع‌ و المادّة‌، فانّه‌ تصبح‌ مادّة‌ محضة‌ حقيقتها نُطفة‌، تماماً كفردٍ مادّيّ. و لقد نزلت‌ تلك‌ الروح‌ المجرّدة‌ الی حدٍّ صارت‌ معه‌ الروح‌ الآن‌ نطفةً فقط‌؛ ثم‌ انّ تلك‌ الروح‌ النطفة‌ تتبدّل‌ و تتغيّر إثر الحركة‌ الجوهريّة‌ الی صور و ماهيّات‌ مختلفة‌، حتّي‌ تقتفز مرّة‌ ثانية‌ من‌ المادّة‌ فتصبح‌ مجرّدة‌، و ذلك‌ حين‌ يحصل‌ هناك‌ اختيارٌ و روح‌ في‌ مثل‌ تلك‌ الحركة‌.

 و إذاً فما دام‌ الإنسان‌ نطفة‌، فانّ حقيقته‌ ستكون‌ قد تنزّلت‌ الی هذا الحدّ و صارت‌ نطفة‌ حقيقةً، ثم‌ انّه‌ يمرّ بتغيّرات‌ و تحوّلات‌ صوريّد، حتّي‌ يصل‌ الی أَنشَأنَـ'هُ خَلْقًا ءَاخَرَ؛  فتتحوّل‌ هذه‌ العظام‌ المكسّوة‌ باللحم‌ و تتبدّل‌ حقيقةً الی نفسٍ ناطقة‌ مجرّدة‌، ثمّ انّها تطوي‌ المراحل‌ اللاحقة‌ أيضاً. و ليس‌ الامر بحيث‌ يكون‌ الجسد منفصلاً ثم‌ تُنفخ‌ فيه‌ الروح‌، أي‌ أن‌ تكون‌ الروح‌ منفصلة‌ عن‌ الجسد، فيكونا قد اجتمعا معاً عدّة‌ أيّام‌ ثم‌ يتفرّقان‌ عن‌ بعضهما.

 انّ كمالات‌ الإنسان‌ تحصل‌ بواسطة‌ نشأة‌ الكثرة‌، فإن‌ كان‌ لم‌ يهبط‌ و لم‌ يصبح‌ مادّة‌ محضة‌ ثمّ يبدأ من‌ هنا بسيره‌ ثانية‌ الی العوالم‌ العلويّة‌، لما كان‌ له‌ من‌ كمال‌. و لمّا هبطت‌ الروح‌ من‌ الاعلي‌، فانّها لم‌ تكن‌ أكثر من‌ واحد، فلمّا هبطت‌ و بدأت‌ باكتساب‌ الفعليّات‌ و تقبّل‌ الخصائص‌ و كسب‌ الكثرات‌ فجمعتها بأجمعها و حمّلتها معها مرتقبّةً بها الی الاعلي‌.

 الرجوع الي الفهرس

في‌ بقاء الاعيان‌ الثابتة‌ عند الفناء في‌ الذات‌ الاحديّة‌

 التلميذ:  كيف‌ تصطحب‌ روح‌ الإنسان‌ الی الاعلي‌ هذه‌ المكتسبات‌ من‌ الكثرات‌؟ إذ ليس‌ العالم‌ العلوي‌ بعالم‌ الكثرات‌، و انّما الكثرة‌ و لوازما لكثرة‌ و اثار الكثرة‌ من‌ مختصّات‌ عالم‌ الكثرة‌، امّا عالم‌ الفناء فلا وجود للكثرة‌ فيه‌. ليس‌ هناك‌ من‌ زيد أو عمرو أو بكر، فهذه‌ المراحل‌ كانت‌ قبل‌ مقام‌ الفناء في‌ الله‌، امّا في‌ الفناء فلا شي‌ء هناك‌. ثمّ انّ هذه‌ الكثرات‌ ستكون‌ مقصوّرة‌ أيضاً بعد الفناء، و في‌ عالم‌ البقاء بالله‌، و سيكون‌ زيد و عمرو و بكر و اثار الكثرد و لوازمها محفوظين‌، كلاّ في‌ موضعه‌.

 انّ جميع‌ الكمالات‌ موجودة‌ في‌ عالم‌ البقاء بعد الفناء، و الشؤون‌ و الآثار موجودة‌ بأجمعها في‌ مواضعها مشخّصة‌ و معيّند و محفوظة‌، الاّ ان‌ الكمال‌ في‌ عالم‌ الفناء مختصّ بالله‌ تعالي‌، و ليس‌ من‌ شي‌ء يمتلك‌ كمالاً الاّ الله‌ سبحانه‌.

 و أساساً فما من‌ شي‌ء يمكنه‌ الورود في‌ عالم‌ الفناء لانّه‌ فناء، و لانّه‌ يمثئل‌ الذات‌ القدسيّة‌ للحضرة‌ الاحديّد. فكيف‌ ـ والحال‌ هذه‌ ـ يمكن‌ لزيد الذهاب‌ هناك‌؟ و كيف‌ سيمكنه‌ اصطحاب‌ آثار الكثرات‌ التي‌ اكتسبها من‌ العلوم‌ و المعارف‌ و الفنون‌؟

 و من‌ الجليّ انّ الكمال‌ كان‌ ملكاً لله‌ منذ البداية‌، و انّ أحداً آخر لايمتلك‌ حقّاً في‌ الكمال‌. فالناس‌ ينسبون‌ الكمال‌ لانفسهم‌ في‌ عالم‌ الكثرة‌ مجازاً، لانّ ستار الغفلة‌ و الاوهام‌ أعماهم‌ عن‌ مشاهدة‌ جمال‌ الحقّ. و سيتّضح‌ بعد هتك‌ الستار و رفع‌ الحجاب‌ أنّ الكمال‌ مختصّ بذات‌ الحقّ حقيقةً، و أنّ نسبته‌ لغير الحقّ نسبة‌ مجازيّة‌ مطلقاً، و أن‌ ليس‌ هناك‌ في‌ نفس‌ الكمال‌ (الذي‌ هو الوصول‌ الی مقام‌ الفناء في‌ الله‌) أيّاً من‌ شوائب‌ الكثرة‌، فلقد اضمحلّت‌ جميعاً و اندكّت‌ و فنيت‌، فنسبة‌ الكمال‌ المطلق‌ مختصّة‌ بالذات‌ الاحديّة‌ فحسب‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ مقطع‌ من‌ الآية‌ 7، من‌ السورة‌ 58: المجادلة‌.

[2] ـ ذيل‌ الآية‌ 4، من‌ السورة‌ 57: الحديد. و هناك‌ آيات‌ آخري‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌. لها دلالة‌ علی معيّة‌ ذات‌ الحقّ، كالآية‌ 12، من‌ السورة‌ 5:المائدة‌:  وَ قَالَ اللَهُ إِنِّي‌ مَعَكُمْ؛  وَ الآية‌ 35، من‌ السورة‌ 47: محمّد:  فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إلی السَّلْمِ وَ أَنتُمُ الاْعْلَوْنَ وَاللَهُ مَعَكُمْ؛  الاّ انّه‌ قد يُقال‌ بعدم‌ صراحتها في‌ المعيّة‌.

[3] ـ ذيل‌ الآية‌ 46، من‌ السورة‌ 17: الاءسراء.

[4] - صدر الآیة 45، من السورة 39: الزمر.

[5] - صدر الآیة 12، من السورة 40: غافر.

[6] - السورة 102، من القرآن الکریم.

[7] ـ الآيات‌ 1 ـ 4، من‌ السورة‌ 112: الاءخلاص‌.

[8] - الآیة 3، من السورة 57: الحدید.

[9] ـ ترجمة‌ البيتين‌ الثاني‌ و الثالث‌ كما يلي‌:

 لقد أشاروا في‌ (الخربات‌)،* بأنّ التوحيد إسقاط‌ الاءضافات‌

 فالوجود سارٍ في‌ جميع‌ الاشياء، و ليست‌ التعيّنات‌ الاّ اُموراً اعتباريّة‌.

 * الخربات‌: في‌ اصطلاح‌ العرفاء مقام‌ و مرتبة‌ انعدام‌ العادات‌ النفسانية‌ و الملكات‌ الحيوانيّة‌، و محلّ كسب‌ الاخلاق‌ الملكوتيّة‌. (م‌)

[10] ـ يقول‌: كلّ هذه‌ الصور للشراب‌ و النقوش‌ المختلفة‌ التي‌ يُظهرها، انّما هي‌ سطوعٌ واحد لطلعة‌ الساقي‌ و قد انعكست‌ في‌ الكأس‌.

[11] ـ لقد كان‌ قدماء الفلاسفة‌ المتألّهين‌ اليونانيين‌ و المسلمين‌ مثل‌ بوعلي‌ يعتقدون‌ بأنّ النفس‌ خُلقت‌ منذ الازل‌، فهي‌ تتعلّق‌ بالبدن‌ للقيام‌ بأفعالها. و انّ البدن‌ ليس‌ في‌ الحقيقة‌ الاّ آلة‌ لاعمال‌ النفس‌. بيد انّ صدر المتألّهين‌ أثبت‌ ـ بواسطة‌ الحركة‌ الجوهريّة‌ ـ انّ النفس‌ لا تحتاج‌ إلی البدن‌ في‌.صل‌ ماهيّتها الوجوديّة‌، و أنّها تتحقّق‌ بالبدن‌ أصولاً، و انّ الانسان‌ عبارة‌ عن‌ موجود تدريجيّ أوّله‌ مادّة‌ و آخره‌ عقل‌. فنفس‌ الآدميّ تبدأ من‌ نطفة‌ هي‌ خليّة‌ أُحاديّة‌، ثمّ تصل‌؛ بعد تكوّنها و عبورها لمراحل‌ الحسّ و الخيال‌ و الوهم‌؛ إلی مرتبة‌ العقل‌ فتصبح‌ مجرّدة‌ و تبقي‌ علی الدوام‌.

 انّ نفس‌ الإنسان‌ كمثل‌ الفراشة‌ في‌ الشرنقة‌، و كالجنين‌ في‌ الرحم‌، و كَلُبّ اللوز و الجوز الذي‌ يكون‌ بدء تكوّنه‌ ممزوجاً بالقشر؛ فهو يتكوّن‌ و يتحقّق‌ بالبدن‌، ثم‌ يتحرّك‌ في‌ مسيرته‌ التكامليّة‌ فيقي‌ مدّة‌ مع‌ البدن‌، ثم‌ انّه‌ يصبح‌ بعد البدن‌ قائماً بنفسه‌ بواسطة‌ استكمال‌ الجوهر، فيستغني‌ عن‌ البدن‌ و يتفصل‌ كمثل‌ زيت‌ اللوز و زيت‌ الجوز، أو كالفراشة‌ التي‌ تخرج‌ من‌ الشرنقة‌، أو كالحيوان‌ الذي‌ يبدّل‌ جلده‌؛ فيخلع‌ البدن‌ و يعيش‌ دون‌ مادة‌، أي‌ بدون‌ البدن‌، و يصبح‌ مجرّداً.

[12] ـ الآيات‌ 12 ـ 14، من‌ السورة‌ 23: المؤمنون‌.

[13] ـ الآية‌ 55، من‌ السورة‌ 20: طه‌.

[14] ـ الآية‌ 17، من‌ السورة‌ 71: نوح‌.

[15] ـ ذيل‌ الآية‌ 26، من‌ السورة‌ 15: الحجر.

[16] ـ ذيل‌ الآية‌ 14، من‌ السورة‌ 55: الرحمن‌.

[17] ـ ذيل‌ الآية‌ 12، من‌ السورة‌ 23: المومنون‌.

[18] ـ ذيل‌ الآية‌ 7، من‌ السورة‌ 32: السجدة‌.

[19] ـ ذيل‌ الآية‌ 8، من‌ السورة‌ 32: السجدة‌.

[20] ـ صدر الآية‌ 11، من‌ السورة‌ 35: فاطر.

[21] ـ القسم‌ الاعظم‌، من‌ الآية‌ 59، من‌ السورة‌ 3: آل‌ عمران‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com