|
|
الصفحة السابقةطريق تشخيص الإ سرائيليّات عن الروايات المعتبرة صحّة سند الروايةو هذه الروايات تشخّص و تعيّن من قبل العالم و المجتهد الفقيه البصير بواسطة علم الدراية و الرجال، بالاستعانة بعلم أُصول الفقه و البحث عن كيفيّة حجّية الخبر، و البحث عن التعادل و الترجيح، و كيفيّة تقديم بعض الروايات علي بعضها الآخر؛ فالفقيه و المتبحّر المتخصّص في هذا الفنّ يفهم بمجرّد رؤية الرواية أهذا الحديث مقبول أم مرفوض؟ من الإسرائيليّات هو أو من غيرها؟ و كما قلنا فنيبغي لرواي هذا النمط من الاحاديث إمّا أن يكون سنيّاً وضّاعاً و كذّاباً، لاسنيّاً موثّقاً (لانّ الرجل السنّيّ المذهب إن كان عادلاً أو ثقة في مذهبه فإنّ روايته مقبولة عند الشيعد)، أو أن يكون مجهول الحال، أو إن كان شيعيّاً فينبغي أن يكون غير موثّق و لم يشهد رجال علم الحديث علي صدقه. و في كلّ من هذها لصور و الحالات فإنّ الرواية تُعدّ ضعيفة السند و يُعدّ راويها ضعيفاً، و تُعتبر الرواية غير صالحة للاخذ بها، لانّ لاشخص الامين و العادل و الموثّق ـ طبق فرضنا ـ لا يكذب متعمّداً علي النبيّ و الإمام. و المتكفّل بتشخيص هويّة و شخصيّة و مذهب و اسم و عنوان الرواة و أوضاعهم واحداً واحداً هو علم الرجال؛ و قد كتب المجتهد الخبير و الفقيه البصير: المرحوم آية الله الحاجّ الشيخ عبدالهل المامقانيّ تغمّده الله برحمته كتاباً جري طبعه في ثلاثة أجزاء ضخمة، يُعدّ من أشمل و أنفع كتب الرجال من حيث المجموع من زمن النجاشيّ و الشيخ الطوسيّ و الكشيّ و العلاّمة الحلّيّ إلي زماننا الحاضر، و سمّاه: «تنقيح المقال في علم الرجال». [1] و نورد في هذا المجال عدداً من الروايات المرويّة في شأن خلق آدم، من «نهج البلاغة» و «قصص العلماء» و «تفسير العيّاشيّ»، ممّا يعدّ سنادها في أعلي درجات الاعتبار، لتّضح كم كان خلط مؤلّف كتاب «خلقت انسان» (= خلق الإنسان) مبحثَ الإسرائيليّات مع المقولة التي نحن بصددها مثيراً للعجب و الاستغراب. لكأنّه فَهِم الرواية الإسرائيليّة علي أنّه الرواية التي توافق مضمون مطالب التوراة، و هو فهم خاطي و غير صائب، لانّ الكثير من مطالب التوراة توافق القرآن، أفيمكن رفع اليد عنها؟! كما أنّ كثيراً من روايات العامّة تتّفق و رواياتنا الصحيحة مفاداً و مضموناً، و لا تختلف في المحتوي،.فيمكن الإغماض عنها جميعاً؟! كلاّ بالطبع، فهذا نهج خاطي لا يقرّه العقل وا لعلم، بل ينبغي تمييز الصحيح عن السقيم، ليؤخذ بالصحيح و يُعرض عن السقيم. فإذا ورد في التوراة أنّ الله واحد، و أنّ موسي نبيُّ بالحقّ، أفعلينا أن نخالفه و نقول إنّ الآلهة اثنان، و موسي نبيٌّ كاذب؟! لا شكّ أبداً أنّ هذا الامر غير وارد إطلاقاً لا بالنسبة إلي التوراة و لا إلي أيّ كتاب آخر أو بحث و مطلب علميّ. خطبة «نهج البلاغة» في خلقة آدم من الطينأمّا رواية «نهج البلاغة»، فالخطبة الاُولي التي وصف فيها أميرالمؤمنين عليه السلام أوّل الخلق، فيقول بشأن صفة خلق آدم عليهالسلام: ثُمَّ جَمَعَ سُبحَانَهُ مِن حَزْنِ الارْضِ وَ سَهْلِهَا وَ عَذْبِهَا وَ سَبَخِهَا تُرْبَةً سَنَّهَا بِالمَاءِ حَتَّي خَلَصَتْ؛ وَ لاَطَهَا بِالبَلَّةِ حَتَّي لَزُبَتْ. فَجَبَلز مِنْهَا صُورَةً ذَاتَ أَحْنَاءٍ وَ وُصُولٍ؛ وَ أَعْضَاءٍ وَ فُصُولٍ. أَجْمَدَهَا حَتَّي اسْتَمْسَكَتْ؛ وَ أَصْلَدَهَا حَتَّي صَلْصَلَتْ، لِوَقْتٍ مَعْدُودٍ وَ أَمَدٍ مَعْلُومٍ. ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ فَمَثُلَتْ إنسَاناً ذَا أَذْهَانٍ يُجِيلُهَا، وَ فِكْرٍ يَتَصَرَّفُ بِهَا، وَ جَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا، وَ أَدَوَاتٍ يُقَلَّبُهَا، وَ مَعْرِفَةً يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الحَقِّ وَ البَاطِلِ، وَ الاَذْوَاقِ وَالمَشَامِّ وَ الاَلْوَانِ وَ الاَجْنَاسِ. مَعْجُوناً بِطِينَةِ الاَلْوَانِ المَخْتَلِفَةِ وَ الاَشْبَاهِ المُؤْتَلِفَةِ وَ الاَضْدَادِ المُتَعادِيَةِ وَ الاَخْلاَطِ المُتَبَايِنَةِ مِنَ الحَرِّ وَالبَرْدِ وَالبَلَّةِ وَالجُمُودِ ـ الخطبة. [2] و «نهج البلاغة» هو كلام معدن الحِكَم و العلم و باب مدينة العلم و الحكمة أفضل الكتب علي الإطلاق بعد القرآن الكريم، كلّ خطبة و عبارة فيه تكفي لوحدها في الدلالة علي صدوره عن مدرسة الوحي و العصمة و اليقين. و أمّا رواية «قصص الانبياء»، فيروي بإسناده عن الشيخ الصدوق، عن أبيه، عن سعد، عن ابن يزيد، عن ابن أبي عُمير، عن هشام بن سالم، عن الصادق عليه السلام أنّه قال: كَانَتِ المَلاَئِكَةُ تَمُرُّ بِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ـ أَي بُصُورَتِهِ وَ هُوَ مُلْقَي فِي الجَنَّةِ مِنْ طِينٍ ـ فَتَقُولُ: لاَمْرٍ مَا خُلِقْتَ؟! [3] و كتاب « قصص الانبياء » للقطب الراونديّ، أي الشيخ و الإمام قطب الدين أبي الحسين بن سعيد بن هبة الله بن حسن الراونديّ المتوفّي سنة 573 هجريّة. و هذا الرجل من أساطين و فحول علماء الشيعة و من أعاظم الرواة و أكابر الثقات السابقين، و باعتبار أنّ سلسلة سند روايته إلي المعصوم في هذا الحديث كانت صحيحة بأجمعها، فإنّ هذه الرواية تعدّ من الصحاح، و لا شكّ في إسنادها إلي المعصوم و في حجّيّتها. [4] و إن لم يكن «قصص الانبياء» هذا لهذا الرجل الجليل، فهو بلا شكّ للسيّد الاجلّ الاكرم الافخم السيّد ضياء الدين أبي الرضا فضل الله الراونديّ أحد تلامذة أبي عليّ ابن الشيخ الطوسيّ، و هو من أعيان و أعلام علماء الشيعة و الموثّقين الذين نزلوا راوند كاشان فاتّخذوها محطَّ رحالهم و دار سكناهم و إقامتهم. و قد ذكر المرحوم السيّد جلال الدين المحدّث الارمويّ ترجمته مفصّلاً في مجموعة أشعار له طُبعت ملحقة بكتاب «نَقْض» (= النَقْض)، و نقل قصصاً من تبحّره و تضلّعه في العلوم و الادب و العربيّة. فإن كانت قصص الانبياء المذكورة من تأليفاته أيضاً فإنّها ستكون كذلك في ذروة الإتقان، و ستكون الرواية الواردة في موضوعنا صحيحة السند. و أمّا رواية العيّاشيّ عن سلمان الفارسيّ فهي أنّه قال: إنَّ اللَهَ لَمَّا خَلَقَ آدَمَ فَكَانَ أَوَّلَ مَا خَلَقَ عَيْنَاهُ؛ فَجَعَلز يَنْظُرُ إلَي جَسَدِهِ كَيْفَ يُخْلَقُ؟ فَلَمَّا حَانَتْ وَ لَمْ يَتَبَالَغِ الخَلْقُ فِي رِجْلَيْهِ، أَرَادَ القِيَامِ فَلَمْ يَقْدِرْ. وَ هُوَ قَوْلُ اللَهِ: «خُلِقَ الإنسَانُ عَجُولاً». [5] وَ إنَّ اللَهَ لَمَّا خَلَقَ آدَمَ وَ نَفَخَ فِيهِ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ تَنَاوَلَ عُنْقُوداً فَأَكَلَهُ. [6] و مع أنّ هذه الرواية مرسلة حسب اصطلاح أهل الحديث، لكنّ رواية العيّاشيّ لها في تفسيره يعدّ مهمّاً، فالعيّاشيّ أحد العلماء الكبار و من المفسّرين ذوي المنزلة العظيمة، حاز منتهي الثقة و الاطمئنان، حتّي قدّمه بعض العلماء في الفضل و المنزلة علي محمّد بن يعقوب الكلينيّ صاحب «الكافي». إنّ الروايات الواردة في موضوعنا كثيرة، لكنّنا آثرنا ذكر هذا العدد من الروايات المعتبرة سنداً و دلالة ليتّضح عدم ارتباط مسألة الإسرائيليّات بما نحن بصدده. ضعف استدلال كتاب «خلقت انسان» بآيات القرآنو كانت هذه نكات مهمّة يلزم بيانها و التذكير بها لمطالعي كتاب «خلقت إنسان» (= خلق الإنسان)، و إلاّ فإنّ أخطاءً كثيرة أُخري وردت في مطاوي الكتاب المذكور، من جملتها استنباطه وجود أب و أُمّ لآدم من لفظ خَلْق في الآيات: خَلَقَ الاْنسَنَ مِن صَلْصَـلٍ. [7] و: خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ. [8] و: إِنِّي خَـ'لِقٌ بَشَرًا مّـِن طِينٍ. [9] اعتبر فيها كلمة خلق بمعني إيجاد شيء من شيء آخر، لا بمعني الإيجاد و الإنشاء الابتدائيّ. [10] و من قبيل استفادته لهذا المعني من لفظ صِهْر في الآية: وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ و نَسَبًا وَ صِهْرًا وَ كَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا. [11] حيث استفاد من كلمة صِهْر أنّ تحقّق هذا المعني في آدم أبي البشر نفسه يستلزم رابطة مصاهرته و ارتباطه مع أناس من معاصريه. [12] و كذلك الاتّهام الذي وجّهه للعلاّمة الاُستاذ قدّس الله سرّه، و نسب إليه في البحث و التوضيح الإضافيّ أنّه قال في المقالة مورد البحث، و بالإرجاع إلي تفسير الجزء الثامن بخصوص الآية 11، من السورة 7: الاعراف الشريفة، و لاجل إزالة الدلول التكامليّ الجلي لتلك الآية: إنّ حرف ثمّ في الآية 11 من سورة الاعراف ليس حرف عطف ترتيبيّ يفيد التراخي، بل هو بمعني الواو و العطف الكلاميّ. [13] و تمثّل هذه العبارات الاخيرة خطأً محضاً بيّناً، و أمراً لا يليق نسبته لمثل عبارات الاُستاذ. فما ذكره العلاّمة قدّس الله سرّه في الجزء الثامن في تفسير الآية المباركة: وَ لَقَدْ خَلَقْنَـ'كُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَـ'كُم ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَئِكَةِ اسْجُدُوا لاَدَمَ. دلالة «ثمّ» في الآية علي التراخي عند العلاّ مة الطباطبائيّإنّ ثمّ هنا بمعني التراخي الحقيقيّ، و علي هذا فالانتقال في الخطاب من العموم إلي الخصوص، أعني من قوله: خَلَقْنَـ'كُمْ وَ صَوَّرَنَـ'كُم إلي قوله: ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَئِكَةِ اسْجُدُوا لاِدَمَ؛ و هو خطاب بخصوص آدم، أي أنّ الخطاب انتقل من جميع بني آدم إلي الملائكة و ذلك لبيان حقيقتين: الاُولي: أنّ السجدة التي أمر الله بها الملائكة كانت لجميع بني آدم، أي للنشأة الإنسانيّة و إن كان آدم عليه السلام خصوصاً هو القبلة المنصوبة للسجدة، فهو عليه السلام في أمر السجدة كان مثالاً يمثّل به الإنسانيّة مناب أفراد الإنسان علي كثرتهم، لا مسجوداً له من جهة شخصه، كالكعبة المجعولة قبلة يتوجّه إليها في العبادات و تمثّل بها ناحية الربوبيّة. ثمّ أورد العلاّمة لإثبات هذا المدّعي ثلاثة أدلّة من آيات القرآن الكريم قد تناولها بالتفصيل. الثانية: أنّ خلق آدم عليه السلام كان خلقاً للجميع؛ ثمّ يورد لإثبات هذا المدّعي آيتين من القرآن بعنوان دليل، و آيتين تأييد و إشعار، ثمّ يقول في خاتمة بحثه و تفسيره: و للمفسّرين في هذه الآية أقوال مختلفة؛ قال في «مجمع البيان»: ثمّ ذكر سبحانه نعمته في ابتداء الخق فقال: وَ لَقَدْ خَلَقْنَكُم ثُمَّ صَوَّرْنَـ'كُم. قال الاخفش. ثُمَّ ها هنا في معني الواو؛ و قال الزَّجَّاج: و هذا خطأ لا يجوّزه الخليل و سيبويه و جميع مَن يُوثق بعلمه، إنّما ثمّ للشيء الذي يكون بعد المذكور قبله لا غير. ثمّ ذكر العلاّمة بعد نقل هذا القول: العلّة التي أوردها الزجّاج لكلامه من أنّ عرب الجاهليّة يقولون: فعلنا بكم كذا و كذا، و هم يعنون أسلافهم. و قد جاء في القرآن أيضاً: وَ إِذْ أَخَذْنَا مِثَـ'قَكُمْ وَ رَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ،[14] و كان الخطاب هنا ليهود زمان النبيّ بما فعله الله بأسلافهم من يهود النبيّ موسي، و علي هذا فإنّ ثمّ ليست بمعني الواو، و هي من هذا الطريق تعني التراخي؛ كان هذا كلام الزجّاج. [15] و قد رفض العلاّمة لدليلين دليل الزجّاج علي صحّة استعمال أمثال هذا الخطاب لإفادة معني التراخي، لا أن يكون قد أثبت معني الواو للفظ ثمّ. أي أنّه يقول: إنّ ثمّ لها معني التراخي، و قد استعملت للتراخي للحقيقتين اللتين بيّنهما العلاّمة، لا للعلّة التي ذكرها الزجّاج. فالعلاّمة في ردّه علي الزجّاج لم يردّه في اعتبار ثمّ دالّة علي التراخي ليثبت بذلك كلام الاخفش الذي عدّها بمعني الواو، بل إنّه ردّ علي تعليل الزجّاج في استعمال ثمّ للتراخي، ليثبت بكلامه ـ ببيان تلكما الحقيقتَين ـ استعمال ثمّ في التراخي. و ما أورده العلاّمة في الجزء السادس عشر في شأن هذه الآية هو: و ربّما استدلّ بقوله في سورة الاعراف: وَ لَقَدْ خَلَقْنَـ'كُم ثُمَّ صَوَّرْنَـ'كُم ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَئِكَةِ اسْجُدُوا لاَدَمَ بناء علي أنّ ثُمَّ تدلّ علي التراخي الزمانيّ، و يلزم أن يكون للنوع الإنسانيّ وجود قبل خلق آدم لتؤمر الملائكة بالسجود له. و فيه أنّ ثُمَّ في الآية للترتيب الكلاميّ، و هو كثير الورود في كلامه تعالي، علي أنّ هناك معني آخر «ثُمَّ» للترتيب الحقيقيّ! أشرنا إليه في تفسير الآية في الجزء الثامن من الكتاب. [16] و قد اتّضح بما أوردنا من بيان للحقيقة، و شرح لقول العلاّمة في كلام الموضعين حجم الخطأ الذي ارتكبه مؤلّف «خلقت انسان» في نسبته للعلاّمة صرف ثُمَّ و سلخها عن معني التراخي و اعتبارها بمعني الواو. و يبدو بنظر الحقير أنّه علي الظاهر لم يفهم معني كلام الاُستاذ و مقصوده قبل أن يتصدّي للردّ عليه؛ فأجدر بالمرء التحرّز عن الخوض في فنّ لا يمتلك مفاتحه و فنونه، لانّ البحث و التحليل و النقد و الاجتهاد و إظهار النظر في علم لا تخصّص للمرء فيه و لا مهارة لن يفضي بصاحبه عن القصد إلاّ بُعداً، كمن سار في مفازة علي غير هدي. لقد استلفت نظر الحقير قبل أربعين سنة كتاب ما، فطالعته بدقّة حتّي أتيتُ علي آخره فهالني أنّ كاتبه، و هو امرؤٌ طيّب حقّاً و ليس بمُغرض، و قد بذل اهتماماً بالغاً ليطرح لطلبة الجامعة، و للمجتمع الإسلاميّ موضوعاً مهمّاً، و كان اسنتباطه للمطلب صحيحاً، و كتابه غير خال من فائدة؛ إلاّ أنّه قد ارتكب في كتابه أخطاء و هفوات بيّنة و واضحة. و كنت أُتابع ذلك الوقت تحصيلي في الحوزة العلميّة المقدّسة في قم، فأخذت الكتاب إلي الاستاذ العلاّمة و ذكرتُ له أمره، فكتب رسالة أرسلها للمؤلّف بشأن بعض هذه الاخطاء. و لم يكن للحقير توقّف في قم بعد تلك الرسالة، فقد سددت الرحال لإكمال الحصيل لارض الغري، النجف الاشرف للإفادة من جوار و كنف مولي الموحّدين أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، و لم يتّضح لي بعد ذلك ما كان جواب الرسالة، لكنّي سمعت أنّ تلك الموارد قد تمّ إصلاحها في طبعات الكتاب اللاحقة. و كان ذلك الكتاب يبحث حول سيرة الانبياء و الهدف الغائيّ في تكامل البشر، و تنظيم أمر دعوتهم و هدايتهم؛ ثمّ كتب في خاتمة الكتاب بحثاً عن القيامة مع الاستفادة من آيات القرآن الكريم. و لقد شكّلت العلوم الطبيعيّة المرتكز الاساس لابحاث الكتاب، و خاصّة في بحثه النهائيّ عن القيامة، حيث استند إلي بحث المادّة و بقائها و آثارها و خواصّها المحيّرة للعقول. ثمّ واصل المؤلّف بحثه عن إثبات بقاء المادّة حسب قانون لافوازيه، و عن تبدّل أشكال الطاقة مع حفظ أصلها حسب القانون الاول للثرمو ديناميك، و عن استحالة نشوء وجودحيّ من مادّة غير حيّد، حتّي أنّه استخلص من قانون لامارك و داروين علامات للقيامة، و اتّخذ من قانون لافوازيه طليعة بشارة لها ضدّ المادّيّين الطبيعيّين الذين ينكرون الخالق. أخطأ مؤلّف كتاب «راه طي شده» في بعض مطالبهلكنّ هذا البحث قد تضمّن إشكالات مهمّة عدّة: الاوّل: الاعتقاد بأصالة المادّة و الالتفات الشديد إلي آثارها، لدرجة يصرّح معها في كثير من الموارد أنّه: علي فرض إنكار الروح و بقائها فإنّ مطلبنا لن يتأثّر أو يتزعزع، بل سيبقي له أهمّيّيته و قيمته. و في الحقيقة فإنّ كلامه كان بحثاً عن سيرة الانبياء و حاصل أتعابهم و مجاهداتهم في إيصال البشريّة إلي الكمال، و في وجود المعاد و يوم الجزاء، لكنّ هذا البحث لم يَعْدُ عَن كونه بحثاً فيزيائيّاً و ميكانيكيّاً فقط، لم يتخطّ هذا الإطار المعيّن إلي خاتمته، ثمّ ينتهي بالاعتراف بالنتائج الحاصلة من هذه المادّة و علائقها العميقة الدقيقة. الثاني: إنكار الروح المجرّدة، و بشكل عامّ إنكار جميع المجرّدات، فلم يأتِ في كتابه بذكر لِمَلَك مقرّب و لا لذكر العالم العلويّ!، بل أنكر تصريحاً و تلميحاً عالم المعاني مقابل عالما لمادّة، و أنكر العالما لعلويّ! مقابل العالم السفليّ، و لم يميّز الروح عن الجسد، [17] و اعتبر الدعاء و التوسّل لغواً لا تأثير له، و الصحّة و السلامة مكفولة برعاية التعاليم الصحّيّة و الطبّيّة، سواء توسّل المريض بمريم أم بأبي الفضل العبّاس عليهما السلام أم لم يتوسّل. [18] والثالث: اعتباره علم الحكمة و الفلسفة بشكل عامّ باطلاً لا فائدة ترتجي منه، و عدّ انتشارها في البلاد الإسلاميّة زمن الخلفاء العبّاسيّين ناشئاً من العداء لمدرسة أهل البيت عيهم السلام و محاولة جعلها سدّاً أمامهم. [19] و العجيب أنّه عدّ الحكمة بمعني الفلسفة اليونانيّة! و فسّر الحديث المروي عن الصادق عليه السلام: الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤمِنِ بمعني مُضِلَّة المؤمن. و قال: والظاهر أنّ قول الصادق: الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤمِنِ كان في شأن هذه الفلسفة أو الحكمة اليونانيّة. و قال في الهامش: إنّ البعض قد ترجم ضَالَّة المُؤْمِن بمعني الشيء المفقود الذي يبحث عنه المؤمن، و ذلك دفاعاً منهم عن الحكمة اليونانيّة. [20] كما يقول في مكان آخر: لقد سِرنا منذ القدم الاوّل علي طريق المتاهة فوصل بنا الامر إلي السقوط في ضائقة كهذه! و لقد صدق إمامُنا حين قال: الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ. [21] الرابع: نسبته مطالب غير صحيحة للفلاسفة و الفقهاء المسلمين نتجت حسب رأيه إثر تماسّ و تلاقح الافكار الفلسفيّد لحكماء اليونان الكبار مع أفكارهم و آرائهم. حتّي يصل إلي القول (علي لسانهم): ينبغي تقصّي منشأ أبس حركة أو أثر حاصل في الاشياء أو الاشخاص في مشيئة العالم العلويّ، و بواسطة الارواح اللطيفة من جنّ و مَلَك و غيره. فالسحب ترعد من لفح سياط الملائكة، و قوس قزح هو قوس أميرالمؤمنين، و الزلزلة و الصاعقة و السيل و القحط ليست إلاّت بلاءً سماويّاً ينزل لتأديب العصاة، فإن تاب الناس و أقلعوا و رفعوا الايدي مبتهلين متضرّعين بالدعاء فستتكاثف السحب بقدرة قادر و ستنهمر أمطار الرحمة. أمّا سبب الامراض و الاوبئة فهو غضب الله أو انتقام الجنّ للاضرار التي لحقت بهم، و السبيل إلي علاجها بشرب الماء الذي تُمتم عليه بدعاءٍ ما، أو بالطلاسم و التماثم، أو بتسخير الارواح! [22] الخامس: الاهتمام و العناية التامّة بمدرسة الغرب و العلماء الاُوروبيّين و علماء المسائل التجريبيّة و الطبيعيّة و الميكانيكيّة، و تجاهل علماء و فقهاء الإسلام و ذكرهم باسم المشايخ، و في صفّ القسسة،[23] و تقديمهم علي أنّهم أفراد جامدون قصير و النظر ضحلو الافكار؛ و التناسي الكلّيّ لخدمات نوابغ العلم و العلماء الحقيقيّين الذين غاصوا في متون الفكر و المعرفة؛ و الانشداد إلي مختبر فلان الفرنسيّ أو محلّ تجارب فلان الإنجليزيّ. و كان من بين مطالبه: «أنّ التقدّم العلميّ لم يجعل العالم المختصّ بالطبيعة موحّداً عمليّاً فقط، بل إنّه صار يدرك الصفات الثبوتيّة للّه أفضل بكثير من أمثال العلاّمة الحلّيّ و الشيخ مرتضي الانصاريّ؛ صحيح أنّه لا يتلفّظ ب الله اكبر، لكنّ فهمه لعظمة الدنيا و سعتها، أي عن صنع الله، و إدراكه للقدرة الموجودة حتّي داخل الذرّة الواحدة، يعادل ملايين المرّات ما افترضوه استناداً علي الهيئة اليونانيّة». [24] نقد العلاّمة الطباطبائيّ لكتاب «راه طي شده» ( = الطريق المطويّ»و ما يحضرني الآن أنّ العلاّمة قدّس الله نفسه.شار في رسالته بإجمال ـ و كانت في حدود الصفحتين ـ إلي بعض المطالب التي ذكرناها، و ورد في جملتها أنّ الحكمة قد وردت في القرآن الكريم، و تعني المعرفة المتعالية و البناء الشامخ للفكر الواقعيّ طبقاً لإدراكات الإنسان الحقيقيّة؛ و قد امتدح الله تعالي نبيّه في موارد عديدة بأنّه و هبه الحِكْمَة، و لم يعدُ معناها في الروايات عن هذا المفهوم. و أمّا ضَالَّة فمن مادّة ضَلَّ يَضِلُّ ضَلاَلاَ بمعني الضياع، و هي فعل لازم ثلاثيّ مجرّد، و متعدّيه بمعني الإضلال: أَضَلَّ يُضِلُّ إضْلاَلاً من باب إفعال ثلاثيّ مزيد. و علي هذا فإنّ ضَالَّةُ المُؤمِن تعني أنّ علم الحكمة المفقود الوحيد للمؤمن، يشهد علي هذا المطلب تتمّة الحديث: أَيْنَمَا وَجَدَهَا أَخَذَهَا، كالشخص الذي أضاع شيئاً فهو يبحث عنه، أينما بصر به أخذه. [25] و أمّا ما نسبتَ من رعد الغيوم جزّاء لفح سياط المَلك، و تسمية قوس الله [26] بقوس أميرالمؤمنين و نظير هذه المسائل، فإنّ نسبة هذه المسائل إلي الفلاسفة المسلمين أمرٌ غريب جدّاً؛ و في أيدينا الآن جميع كتب الفلاسفة المسلمين من الطراز الاوّل مثل ابن سينا و الفارابيّ و صدر المتألّهين الشيرازيّ، و من الطراز الثاني كابن رُشد و بهمنيار و الخواجة نصيرالدين الطوسيّ، لكنّنا لم نَر و لم نسمع عن أحدهم شيئاً كهذا. و أمّا إثبات عالم المجرّدات، و الروح المجرّدة، فلا ينافي حقيقة المادّة و آثارها، فلا بينونة و لا افتراق بينهما؛ فللمجرّدات تأثير في المادّيّات هو عينه حكومة القوّة و أثرها في المادّة، لا فرق بينهما في هذا الامر؛ و عالم المجرّدات هو في باطن و في طول عالم المادّة، لا في ظاهره و في عرضه. فمع وجود جميع الآثار التي تذكر للمادّة، و التي لا ينكر الحكماء و الفلاسفة أيّاً منها، فإنّ العالما لعلويّ من المجرّدات و البسائط، و أخيراً من الصفات و الاسماء، و ذات الباري تعالي شأنه الذي لا شبهة في تجرّده تبعا لقول الموحّدين مقابل المادّيّين، كلّها موجودة مع المادّة و الطبيعة، و لا يمكن تعقّل الانفكاك بينهما ـ انتهي ما بقي في ذاكرتنا من ردّ العلاّمة بعد مرور هذا الزمن الطويل. لقد كان المراد أنّ الإاًنسان حين يمتلك مهارة و تخصّصاً في فن معيّن، فإنّ عليه الاجتهاد في ذلك الفنّ فقط، و لا حقّ له في الدلالة في الفنون الاُخري بإظهار النظر و الحكم؛ و في غير هذه الحالة فإنّ مثل هذه الاخطأء و الهفوات ستكون من نصيبه. و قد نشرت إحدي المجلاّت أخيراً مقالة باسم «بسط و قبض تئوريك شريعت» ( = انبساط و انقباض نظريّة الشريعة)، و عنونتها باسم «نظرية تكامل معرفت ديني» ( = نظرية تكامل المعرفة الدينيّة). [27] و هذه المقالة مليئة بالاخطاء و العثرات، نشير فيما يلي إلي مواضع الخطأ حسب نظرنا:...... ارجاعات [1] ـ يقول في «الذريعة إلي تصانيف الشيعة» ج 4، ص 466، رقم 2070: و هذا الكتاب من أكثر الكتب المؤلّفة في الرجال تفصيلاً، و فيه ترجمة جميع الصحابة والتابعين و سائر أصحاب الائمّة و غيرهم من الرواة إلي القرن الرابع مع عدد من العلماء و المحدّثين، يقع في ثلاثة مجلّدات كبيرة، و قد وُلد مؤلّفه سنة 1290 و توفّي من 1351 هجريّ قمريّ ـ انتهي. أقول: كتاب «منهج المقال في أحوال الرجال» هو كتاب «الرجال الكبير» من تأليف الميرزا محمّد الاستراباديّ، و قد كتب العلاّمة الوحيد البهبهانيّ حاشية عليه. و كتاب «منتهي المقال في أحوال الرجال» هو كتاب رجال بوعلي، و مؤلّفه بوعلي: محمّد بن إسماعيل، المولود سنة 1159 و المتوفّي سنة 1215 أو 1216، و منهجه فيه أن يذكر أوّلاً نظر كتاب «منهج المقال» ثمّ حاشية الوحيد البهبهانيّ، ثمّ إن لاحت له فوائد عليه ذكرها، و بالطبع فهذا الكتاب أشدّ اختصاراً من كتاب «الرجال الكبير» لكنّه لم يورد فيه المجاهيل. و كتاب «توضيح المقال في علم الرجال» تأليف الملاّ عليّ الرازيّ، ذكرت فيه المشتركات و كثير من الفوائد. و كتاب «روضات الجنّات في أحوال العلماء و السادات» تأليف السيّد محمّد باقر الخوانساريّ المولود سنة 1226 و المتوفّي سنة 1313 ه ق. علي ما ذكره صاحب «الذريعة» و قد قال الشيخ الحرّ العامليّ في كتاب «أمل الآمل» ج 2، ص 370، الفائدة العاشرة: اعلم أنّ هذا الكتاب يليق أن يكون متمّماً للكتاب الكبير في الرجال لميزرا علي الاستراباديّ المشتمل علي ما في «الخلاصة» للعلاّمة، و «الفهرست» و «الرجال» للشيخ، و «الفهرست» للنجاشيّ، و كتاب الكّشيّ، و ابن داود، و غيرهم و قد اشتمل علي أكثر من سبعة آلاف اسم و أكثر من ستّة آلاف و ستمائة كتاب و رسالة. و كتاب «بهجة المقال في شرح زبدة المقال» للحاجّ ملاّ علي العيلياريّ التبريزيّ المتوفّي سنة 1327 ه. ق. [2] ـ «نهج البلاغة» الخطبة الاُولي، و في طبعة مصر بتعليقة الشيخ محمّد عبده: ج 1، ص 20 و 21. [3] ـ «بحار الانوار» ج 11، ص 113، حديث 33، الطبعة الحروفيّة، و هذا الحديث موجود أيضاً في «قصص الانبياء» الخطّيّ. [4] ـ يقول العلاّمة الخبير و المحدِّث الكبير الحاجّ الشيخ آغا بزرگ الطهرانيّ في «الذريعة» ج 17، ص 105، رقم 574 بشأن «قصص الانبياء»: لقطب الدين هبة الله الراونديّ. و نقل عنه فارس في «سعدا لسعود». و نسبه صاحب «الرياض» و كذلك في «بحار الانوار» نقلاً عن كتاب السيّد ابن طاووس «النجوم» و «فلاح السائل» للسيّد فضل الله أبي الرضا الراونديّ تلميذ أبي عليّ، و لكن لتعدّده فهناك إمكان أن يكون لكلٍّ من هذين الجليلين تأليف مستقلّ باسم «قصص الانبياء»، والله العالم ـ انتهي موضوع الحاجة. [5] ـ نقل العيّاشي في هذه الرواية عن سلمان، و كذا في رواية العيّاشيّ في التفسير و الشيخ في «الامالي» (بحسب نقل تفسير «البرهان» ج 1، ص 599، الطبعة الحجريّة) عن هشام بن سالم، و جاء فيها: خُلِقَ الاْنْسَانُ عَجُولاً؛ و لكنّ الذي في القرآن هو: خُلِقَ الاْءِنسَـ'نُ مِن عَجَلٍ «صدر الآية 37، من السورة 21: الانبياء) و: وَ كَانَ الاْءِنسَـ'نَ عَجُولاً (ذيل الآية 11، من السورة 17: الاءسراء). [6] ـ «بحار الانوار» ج 11، ص 118 و 119، الحديث رقم 49. [7] ـ الآية 14، من السورة 55: الرحمن. [8] ـ الآية 1، من السورة 4: النساء. [9] ـ الآية 71، من السورة 38: ص. [10] ـ «خلقت انسان» ص 111. [11] ـ الآية 54، من السورة 25: الفرقان. [12] ـ «خلقت انسان» ص 121. [13] ـ «خلقت انسان» ص 185، البحث و التوضيح الاءضافيّ. [14] ـ الآية 63، من السورة 2: البقرة. [15] ـ «الميزان في تفسير القرآن» ج 8، ص 18 إلي 20. [16] ـ «الميزان في تفسير القرآن» ج 16، ص 274. [17] ـ يقول في نفس الكتاب، ص 109: و باختصار فإنّ جميع المنازعات التي كانت بين العلماء السابقين بشأن الجسم و الذات و المادّة و الروح تختم هنا بأن: لا شيء هناك إلاّت الطاقة؛ فمقدار الطاقة الكلّيّة الموجودة في الدنيا، أو بعبارة أُخري: المقدار الكلّيّ للدنيا ثابت لا يزول ـ انتهي. و هذا القول هو عين مقولة المادّيّين، فهم لا يقولون شيئاً أبعد منه؛ و الحكيم الاءلهيّ هو الذي يمكنه هنا إبطال كلامهم، و إلاّ فإنّ عالم الفيزياء و عالم الطبيعة سيتوقّفان هنا لا محالة، و سيحنيان الرؤوس خاضعين شاءا أم أبيا، و ينبغي العلم أنّ دراسة الحكمة و الفلسفة من الضروريّات للاستدلال علي التوحيد و البرهان العقليّ. [18] ـ كتاب «راه طي شده» ( = الطريق المطويّ) ص 92. [19] ـ «راه طي شده» ص 60. [20] ـ كتاب «راه طي شده» ( = الطريق المطويّ) ص 59، الطبعة الاُولي، سنة 1327 هجريّ شمسيّ. [21] ـ «راه طي شده» ص 64. [22] ـ «راه طي شده» ( = الطريق المطوي» ص 59. [23] ـ «راه طي شده» ص 48، و لكن أيّ دين؟ دين القسسة و المشايخ؟ الدين المحرّف لمن يقولون بالطبيعة و ماوراء الطبيعة! أُولئك الذين يمزجون الدين بالافكار القديمة و يتبعون العلوم و الفلسفة اليونانيّة الخاطئة، و يصرّون علي إظهاره في قالب سلسلة من الطقوس و التشريفات والمراسم و المظاهر القديمة المندثرة ـ إلي آخره. [24] ـ «راه طي شده» ( = الطريق المطويّ) ص 53. و يقول أيضاً: إنّ العالِم المعاصر المتخصّص بالميكروبات هو أيضاً من فقهاء الدين في تصوّر دقائق الطبيعة و اللطافة التي صنعتها يد خالقها، فهم لا يقولون كلّ يوم خمس مرّات سبحان الله 33 مرّة، لكنّهم يعتبرون جهاز الخلقة منظّماً محفوظاً من الخطأ بحيث يمكنهم بمحاسبات أرقام صغيرة معدودة أن يخبروا عن وقائع حدثت قبل لايين السنين، أو عن مصير آلاف السنين المقبلة. فلانّهم عرفوا المصنوع أدقّ و أكمل منّا، فمن المسلّم أنّهم يمكن أن يعبدوا الصانع أفضل منّا و يقتربوا منه أكثر ـ انتهي. و ينبغي علي هذا القول أن يكون أمثال ابن أبي العوجاء و عبدالله بن المقفّع و علماء الفيزياء الشيوعيّون في الاتّحاد السوفييتيّ (السابق) الذين ينكرون الله هم حقيقة أهل التوحيد. كلاّ، فالامر ليس كذلك، فما دام هؤلاء لم يعتبروا عالم المادّة بجميع آثاره تحت إرادة و قيوميّة إله عالم ذي شعور حيّ بسيط أزليّ أبديّ فرد واحد أحد صمد قيّوم، فهم مشركون كفّار بلا أدني شكّ أو ريب. [25] ـ أورد الشيخ هادي كاشف الغطاء في «مستدرك نهج البلاغة» ص 158 أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤمِنِ، وَالسَّعِيدُ مَنو وَعَظَ بِغَيْرِهِ، و ما ورد في نفس «نهج البلاغة» هو: الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ؛ فَخُذِ الحِكْمَةَ وَ لَوْ مِنو أَهولِ النَّفَاقِ. و في «تحف العقول» بهذه العبارة: فَلْيَطْلُبْهَا وَ لَوْ فِي أَيْدِي أَهْلِ الشَّرِّ ـ انتهي ما جاء في «المستدرك». و روي المجلسيّ رضوان الله عليه في «بحار الانوار» ج 2، ص 99 الطبعة الحروفيّة، عن «الاماليّ» للشيخ بسنده المتّص عن أميرالمؤمنين عليه السلام، عن رسول الله صلّي الله عليه وآله قال: كَلِمَةُ الحِكْمَةِ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ، فَحَيْثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقذ بِهَا. قال أميرالمؤمنين عليه السلام: خُذِ الحِكْمَةَ أَنَّي كَانَتْ فَإنَّ الحِكْمَةَ تَكُونُ فِي صَدْرٍ المُنَافِقِ فَتَلَجْلَجُ فِي صَدْرِهِ حَتَّي تَخْرُجَ فَتَسكُنَ إلَي صَوَاحِبِهَا فِي صَدْرِ المُؤْمِن. («نهج البلاغة» باب الحِكَم، ص 154، طبعة مصر بتعليقة الشيخ محمّد عبده)، و ضبطها في «البحار» فَتَتَخَلَّجُ، أي: تَضْطَرِبُ. قال أميرالمؤمنين عليه السلام: الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤمِنِ؛ فَخُذِ الحِكْمَةَ وَ لَوْ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ («نهج البلاغة» باب الحكم، ص 154). و قال الراغب الاصفهانيّ في «المحاضرات» ج 1، ص 50: قال الرسول الاكرم صلّي الله عليه (وآله) و سلّم: الحِكْمَةُ ضَالَّةُ المُؤْمِنِ، أيْنَمَا وَجَدَهَا قَيَّدَهَا. و قال أيضاً: خُذِ الحِكْمَةَ مِمَّنْ تَسْمَعَهَا مِنْهُ، فَرُبَّ رَمْيَةٍ مِنْ غَيْرِ رَامٍ، وز حِكْمَةٍ مِنْ غَيْرِ حَكِيمٍ. و قال أيضاً: لاَ يَمْنَعَنَّكَ ضَعَةُ القَائِلِ عَنِ الاسْتِمَاعِ إلَيْهِ؛ فَرُبَ فَمٍ كَرِيهٍ مَجَّ عِلْماً ذَكِيًّاً، وَ تِبْرٍ صَافٍ فِي صَخْرٍ جَاسٍ. و قال في «سفينة البحار» ج 2، ص 34: و قال عيسي عليه السلام: لاَ تَضَعُوا الحِكْمَةَ فِي غَيْرِ أَهْلِهَا فَتَظْلِمُوهَا! وَ لاَ تَمْنَعُوهَا أَهولَهَا فَتَظْلِمُوهُمْ! وَ كُنْ كَالطَّبِيبِ الحَاذِقِ يَضَعُ دَوَاءَهُ حَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَنْفَعُ. [26] ـ ورد في الرواية: لا تقلْ قَوْسُ قَزَح فإن قُزَح اسم الشيطان، و لكن قُل قَوْسُ اللَهِ. [27] ـ مجلّة (كيهان فرهنگي» ( = العالم الثقافيّة) رقم التسلسل 50 إلي 52، أُرديبهشت ماه 1367 و تيرماه 1367 شمسيّة، رقم 2 و رقم 4. |
|
|