|
|
القراءات المتواترة ، و الآحاد ، و الشاذةويقول السيوطيّ: « اعلم أنّ القاضي جلال الدين البُلقينيّ قال: القراءة تنقسم إلی متواتر وآحاد وشاذّ. فالمتواتر: القراءات السبعة المشهورة. و الآحاد: قراءات الثلاثة التي هي تمام العشر، ويلحق بها قراءة الصحابة. و الشاذّ: قراءات التابعين كالاعمش ويحيي بن وثّاب و ابن جُبير ونحوهم. وهذا الكلام فيه نظرٌ يُعرَف ممّا سنذكره. وأحسن من تكلّم في هذا النوع إمام القرّاء في زمانه، شيخ شيوخنا أبو الخير بن الجزريّ. قال في أوّل كتابه «النَّشْر»: كلّ قراءةٍ وافقت العربيّة ولو بوجهٍ، ووافقتْ أحد المصاحف العثمانيّة ولو احتمالاً، وصحّ سندها، فهي القراءة الصحيحة التي لا يجوز ردّها ولا يحلُّ إنكارها، بل هي من الاحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووجبعلی الناس قبولها، سواء كانت عن الائمّة السبعة، أم عن العشرة، أم عن غيرهم من الائمّة المقبولين. ومتي اختلّ ركنٌ من هذه الاركان الثلاثة، أُطلِق عليها ضعيفة أو شاذّة أو باطلة، سواء كانت عن السبعة أو عمّن هو أكبر منهم. هذا هو الصحيح عند أئمّة التحقيق من السَّلف والخلف، صرّح بذلك الدانيّ، و مكّيّ، و المهدويّ، و أبو شامة، وهو مذهب السلف الذي لايُعرف عن أحدٍ منهم خلافه ».[1] روایات: إن القرآن نزل بحرف واحد علی نبی واحدوقد أنكر صاحب « الجواهر » رحمة الله عليه تواتر القراءات السبعة وقال بأنّ القرآن إنّما نزل بحرفٍ واحدعلی النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم، وذلـك هو القرآن فحسـب. أمّـا باقي القراءات فهي اجتهـاد القرّاء وأساتيد العربيّة في القرآن. ويقول في كتاب الصلاة من « الجواهر »: لا يُقال ( في الاعتراضعلی نظرنا ): إنّه بعد أن كلّف بقراءة القرآن مثلاً في الصـلاة، فلا يجزيه إلاّ قراءة ما هو معلـومٌ أ نّه قرآن أو كالمعلوم، وهو لا يحصل إلاّ بالقراءات السبع، للإجماع في « جامع المقاصد » وعن « الغَرِيَّة» و«الروض» علی تواترها. كما عن « مجمع البرهان » نفي الخلاف فيه المؤيّد بالتتبّع، ضرورة مشهوريّة وصفها به في الكتب الاُصوليّة والفقهيّة. بل في « المدارك » عن جدّه[2] أ نّه أفرد بعض محقّقي القرّاء كتاباً في أسماء الرجال الذين نقلوا هذه القراءات في كلّ طبقة، وهم يزيدون عمّا يعتبر في التواتر، مضافاً إلی قضاء العادة بالتواتر في مثله لجميع كيفيّاته، فتوفّر الدواعيعلی نقله من المقرّ والمنكِر، وإلی معروفيّة تشاغلهم به في السلف الاوّل، حتّي أ نّهم كما قيل ضبطوه حرفاً حرفاً، بل لعلّ هذه السبعة هي المرادة من قوله صلّي الله عليه وآله: نَزَلَ القُرْآنُ عَلَی سَبْعَةِ أحْرُفٍ، كما يوفي إلیه ( الحديثُ ) المرويّ عن « خصال الصدوق ». و ( السبب الآخر ) لانّ الهيئة ( في كلّ كلمة ) جزء اللفظ المركّب منها ومن المادّة، فعدم تواترها يقضي بعدم تواتر بعض القرآن. أو ( أن يقول أحد بوجوب القراءة في الصلاة بإحدي القراءات ) العشر، لدعوي الشهيد في « الذكري » تواترها أيضاً، وهو لا يقصر عن نقل الإجماع بخبر الواحد كما اعترف به في « جامع المقاصد »، وإن ناقشه بعضُهم بأنّ شهادته غير كافية، لاشتراط التواتر في القرآن الذي يجب ثبوته بالعلم، ولا يكفي الظنّ، فلا يُقاسعلی الإجماع. نعم، يجوز ذلك له، لإن كان التواتر ثابتاً عنده، ولو سُلّم عدم تواتر الجميع، فقد أجمع قدماء العامّة ومن تكلّم في المقام من الشيعة ـ كما عن الفاضل التونيّ في « وافية الاُصول » علی عدم جواز القراءة بغيرها وإن لم يخرج عن قانون اللغة العربيّة. وفي « مفتاح الكرامة »: أنّ أصحابنا متّفقونعلی عدم جـواز العمل بغير السـبع أو العشر إلاّ شاذّ منهم. والاكثرعلی عدم العمل بغير السبع. ثمّ يشرع صاحب « الجواهر » بذكر أدلّة المطالب السالفة الذكر، ثمّ يبدأ بالإجابةعلی هذا الإشكال بأربعة أجوبة مفصّلة، حتّي يصل إلی قوله: بل لعلّ المعلوم عندنا خلافه، ضرورة معروفيّة مذهبنا بِأَنَّ القُرْآنَ نَزَلَ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ عَلَی نَبِيٍّ وَاحِدٍ، والاختلاف فيه من الرواة، كما اعترف به غير واحدٍ من الاساطين. قال الشيخ ( الطوسيّ ) فيما حكي من « تبيانه »: إنّ المعروف من مذهب الإماميّة والتطلّع في أخبارهم ورواياتهم أنّ القرآن نزل بحرفٍ واحدعلی نبيٍّ واحد، غير أ نّهم أجمعواعلی جواز القراءة، فإنّ الإنسان مخيّر بأيّ قراءة شاء، وكرهوا تجويد قراءةٍ بعينها. وقال الطبرسيّ فيما حكي عن « مجمعه »: الظاهر من مذهب الإماميّة أ نّهم أجمعواعلی القراءة المتداولة، وكرهوا تجريد قراءة مفردة، والشائع في أخبارهم أنّ القرآن نزل بحرفٍ واحد. وقال الاُستاذ الاكبر [3] في حاشية « المدارك »: ولا يخفي أنّ القراءة عندنا نزلت بحرفٍ واحد، والاختلاف جاء من قبل الرواية، فالمتواتر... إلی آخر ما نقلناه عنه سابقاً. وقال الباقر عليه السلام في خبر زُرارة: إنَّ القُرْآنَ وَاحِدٌ نَزَلَ مِنْ عِنْدِ الوَاحِدِ، وَلَكِنَّ الاخْتِلاَفَ يَجِيءُ مِنْ قِبَلِ الرُّوَاةِ. وقال الصادق عليه السلام في صحيح الفُضَيل لمّا قال له: إنّ الناس يقولون إنَّ القُرْآنَ عَلَی سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، ] قال: [ كَذِبَ أَعْدَاءُ اللَهِ، وَلَكِنَّهُ نَزَلَ عَلَی حَرْفٍ وَاحِدٍ مِنْ عِنْدِ الوَاحِدِ. ومثله خبر زرارة. وقال أيضاً في صحيح المُعلّي بن خُنَيس لربيعة الرأي: إنْ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ لاَ يَقْرَأُ عَلَی قِرَاءَتِنَا فَهُوَ ضَالٌّ. فقال ربيعة الرأي: ضَالٌّ؟ فقال: نعم. ثـمّ قال أبو عبد الله عليه السـلام: أَمَّا نَحْنُ فَنَقْـرَأُ عَلَی قِرَاءَةِ أُبَيٍّ. إنکار صاحب «الجواهر» و آیة الله الخوئی تواتر القرآءات السبعثمّ يستمرّ الشيخ صاحب « الجواهر » في كلامه، فيبحث في أمر عدم تواتر القراءات بالتفصيل، حتّي يصل إلی قوله: « فإنّ مَن مارس كلماتهم عَلِمَ أن ليس قراءتهم إلاّ باجتهادهم وما يستحسنوه بأنظارهم، كما يومي إلیه ما في كتب القراءة مِن عدّهم قراءة النبيّ صلّي الله عليه وآله وعليّ وأهل البيت عليهم السلام في مقابلة قراءاتهم، ومن هنا سمّوهم المتبحّرين، وما ذاك إلاّ لانّ أحدهم كان إذا برع وتمهّر، شرع للناس طريقاً في القراءة لا يُعرَف إلاّ من قِبَله، ولم يردعلی طريقةٍ مسلوكة ومذهبٍ متواتر محدود، وإلاّ لم يختصّ به، بل كان من الواجب بمقتضي العادة أن يعلم المعاصر له بما تواتر إلیه، لاتّحاد الفنّ وعدم البعد عن المأخذ، ومن المستبعد جدّاً أنّا نطّلععلی التواتر وبعضهم لا يطّلععلی ما تواتر إلی الآخر » الكلام.[4] ثمّ يختتم صاحب « الجواهر » كلامه بعد تفصيلٍ ما، وهو ـ كما نلاحظ مصرّعلی عدم التواتر. وقد اقتفي آية الله الخوئيّ مدّ ظلّه، أُستاذنا المكرّم في علم أُصول الفقه، في كتابه تفسير « البيان » أثر المرحوم صاحب « الجواهر »، فأورد بحثاً مفصّلاً تحت عنوان نظرةٌ في القراءات، وأورد ترجمة كلّ واحدٍ من القرّاء العشرة، ثمّ أبطل تواتر هذه القراءات بخمسة أدلّة: الاوّل: عدم تواترها لنا من زمن القرّاء. الثاني: عدم التواتر في الطريق الذي أخذوا تلك القراءات بواسطته عن رسول الله. الثالث: انقطاع أسانيد التواتر في أشخاص القرّاء، إذعلی فرض تحقّق التواتر قبلاً وبعداً، فإنّ راوي القراءة ينحصر بهم في طبقتهم، فتكون خبر آحاد. الرابع: احتجاج كلّ قاري بصحّة قراءته، وإعراضه عن قراءة غيره. والخامس: إنكار جملة من المحقّقين أمر تواتر القراءات. ثمّ إنّه يتصدّي بعد بيان مفصّل وكلام مبسوط لبيان أدلّة مَن يدّعي تواتر القراءات فيقوم بالردّعلی تلك الادلّة، فيقول: «( الدليل ) الرابع ( من أدلّة هذه الجماعة ) أنّ القراءات لو لم تكن متواترة، لكان بعض القرآن غير متواتر، مثل مَلِكِ و مَـ'لِكِ ونحوهما، فإنّ تخصيص أحدهما تحكّم باطل ». ثمّ يقوم بالردّعلی هذا الدليل بعدّة وجوه، فيقول في الوجه الثاني: « إنّ الاختلاف في القراءة إنّما يكون سبباً لالتباس ما هو القرآن بغيره، وعدم تميّزه من حيث المادّة أو من حيث الإعراب، وهذا لا يُنافي تواتر أصل القرآن؛ فَالمَادَّةُ مُتَوَاتِرَةٌ وَإنِ اخْتُلِفَ فِي هَيْئَتِهَا أَو فِي إعْرَابِهَا. وَإحْدَي الكَيْفِيَّتَيْن أَوْ الكَيْفِيَّاتِ، مِنَ القُرْآنِ قَطْعاً وَإِن لَمْ تُعْلَمْ بِخُصُوصِهَا. وعَلَي الجُمْلَةِ تَوَاتُرُ القُرْآنِ لاَ يَسْتَلْزِمُ تَوَاتُرَ القِرَاءَاتِ». [5] وسنقوم في هذا المجال بحول الله وقوّته بإثبات تواتر القراءات السبع أو العشر، وبأنّ ما ورد في « الجواهر » وتفسير « البيان » من اتّجاه لم يكن منحيً كاملاً. إذ إنّ الإحاطة والعلم بتواتر القراءات، يستلزم تتبّع كتب السير والتواريخ والقراءة والرجال، وإنّ هذه المسألة ليست مسألة فقهيّة محضة، ليُحكم بعدم التواتر بصورة جازمة استناداًعلی روايةٍ معيّنة. وسنذكر في هذا الشأن من القرائن والشواهد المسلّمة ما يبيّن أنّ القراءات السبع ليست استنباطاً أو اجتهاداً للقرّاء، بل هي ناشئة من السماع والرواية، وإنّ فقهاءنا رضوان الله عليهم مُجمعونعلی تواتر قراءة القرّاء السبعة وسماعهم بواسطة عن رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم. إنّ حفص الذي يروي عن عاصم، يقرأ في سورة الفرقان: يَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا[6] بإشباع كسرة الهاء في فِيهِ، مع أ نّه يعلم أنّ عدم الإشباع هو الصحيح لموافقته لقواعد العربيّة، وأ نّه لو قرأ يَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا لما كان قد خالف القواعد، بَيدَ أ نّه لم يقرأعلی هذا النحو، لانّ سماعه كان مع الإشباع. كما أ نّه قرأ هاء الضمير في سورة الفتح: بِمَا عَـ'هَدَ عَلَيْهُ اللَهَ؛[7] وفي سورة الكهف: وَمَا´ أنسَـ'نِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَـ'نُ،[8] بالضمّة، مع أ نّه يعلم جيّداً أنّ كسرة الهاء في عَلَيْهُ وأَنسَـ'نِيهُ جائزة، لكنّه لم يقرأعلی النحو الاخير، لانّ سماعه وروايته كانتعلی النحو الاوّل. أمّا في سائر مواضع القرآن فقد قرأ فِيهِ بلا أشباع، وقرأ عَلَيْهِ و أَنسَـ'نِيهِ بكسر الهاء، مع كثرة الموارد التي وردت فيها، أمّا هذه المواضع الثلاثة فقط فقد قرأهاعلی النحو السالف. ولو لم يكن اجتهاده هكذا، لكان ينبغي أن يقرأعلی نحوٍ واحد في جميع المواضع، ولا يقتصرعلی هذه المواضع فقط. ونظير هذه الموارد ـ كما سيأتي بيانه من الكثرة بحيث يستعصيعلی الإحصاء والحصر. فكيف يُتصوّر ـ والامر كذلك القول بأنّ الاختلاف قد نشأ من آراء ونظريّات القرّاء أنفسهم؟! کلام العلامة فی استناد القراءات إلی السماع و الروایةلقد طرح الحقير خلال محاوراتي مع أُستاذي سماحة آية الله العلاّمة الطباطبائيّ رضوان الله عليه أسئلة في خصوص تواتر قراءة القرّاء السبعة، وقد أجاب العلاّمةعلی تلك الاسئلة. وقد سجّلت تلك المحاوراتعلی شريط مسجّل، ثمّ نشرت بعد ارتحاله ضمن عدّة أبحاث بمناسبة ذكري ارتحاله، باسم « الشمس الساطعة »، وإجمال تلك الاجوبة كالتإلی: يُعزي اختلاف القراءات إلی الرواية، أي أنّ القرّاء قد رووا ذلك النحو من القراءة عن رسول الله. وهكذا بالنسبة إلی قراءة عاصم التي هي القراءة الدائرة في القرآن، حيث يروي عاصم عن أمير المؤمنين بواسطة واحدة. وقضيّة اختلاف القراءات من الاُمور المهمّة في تأريخ القرآن، ويستنتج من ذلك أنّ الامر لم يكن بحيث إنّ القرّاء كانوا يسمعون القراءة من رسول الله بذاته، ثمّ يروونها، بل إنّ عدداً كبيراً ( في حدود سبعين أو ثمانين نفراً أو أكثر ) قد وجد في زمن رسول الله من حاملي القرآن الذين كانوا يتلون القرآن ويتعلّمونه ثمّ يعلّمونه للناس وينشرونه بينهم. فإن صادفهم إشكال في أمرٍ ما، استفسروا عنه من النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله فيجيبهم عليه. والخلاصة، فإنّ قراءات القرّاء لم تكن قراءات سمعها القرّاء من رسول الله فقرأوا بها، كما أ نّها لم تكن قراءات أبتدعها القرّاء من عند أنفسهم، بل إنّ المسلمين رأوا حملة القرآن ينحون في قراءاتهم هذا النحو، وإنّ أُولئك الحملة قد أخذوا عن النبيّ الاكرم، فاستقرّ في نفوسهم أنّ هذه القراءة من القاري الفلانيّ أو الصحابيّ الفلانيّ هي قراءة مسندة إلی النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم. وحسب قول المؤرّخين، فإنّ الرسول الاكرم كان يقرأ القرآن بحرفَين أو أكثر، ولذلك فإنّ اختلاف القراءات عائد إلی اختلاف قراءة رسول الله ذاته. ولقد كان جبرائيل يأتي إلی رسول الله مرّة كلّ عام، فيعارضه بما نزل من القرآن منذ أوّل الوحي إلی ذلك الوقت، ويجدّد له الوحي، وكان النبيّ يُعارض كتّاب الوحي بنفس الطريقة التي قرأ بها جبرئيل مؤخّراً، وكان كتّاب الوحي ينشرون ذلك بين الناس. وكان هذا الوحي يختلف في نتيجة الامر عن الوحي السابق. وبذلك فإنّ العلّة في اختلاف القراءات تستند إلی أصل اختلاف قراءة جبرئيل خلال السنوات العديدة. وكان يمكن أن يقرأ الرسول الاكرم القرآن لفردٍ معيّن، كأُبيّ بن كعب علی نحوٍ في سنة، ثمّ يقرأه عليهعلی نحوٍ آخر في السنة التي تليها، وهكذا. والامر كذلك فعلاً، إذ نُقلت عدّة أنواع من القراءة عن كلّ واحد من القرّاء. وعلي سبيل المثال، فإنّ أُبيّ كان يقرأ في هذه السنةعلی نحوٍ معين، ويقرأ في السنة التي تليهاعلی نحوٍ آخر. والبعض يقولون أنّ ذلك الامر هو العلّة في اختلاف القراءات. إنّ أُبيّ مضافاً إلی اختلافه في القراءة مع باقي القرّاء، فإنّ هناك اختلافاً بين قراءاته نفسه. و لعاصم تلميذان ينقل كلٌّ منهما عنه القرآن من أوّله إلی آخره، وهما مختلفان بينهما في القراءة. فالتلميذ الاوّل يروي عن عاصم قراءة معيّنة، والتلميذ الثاني يروي عنه أيضاً قراءة أُخري مختلفة. والامر ينطبق كذلكعلی أُبيّ وعبد الله بن مسعود وابن عبّاس. ولا يمكن أبداً القول بأنّ مثل القرّاء السبعة مثل النحويّين من أمثال سيبويه والكسائيّ وغيرهما الذين يختلفون في القواعد التي في أيديهم، فيقرأ أحدهم بيتاً من الشعرعلی نحوٍ ما، ويقرأه الآخرعلی نحوٍ آخر، فإنّ أُبيّ بن كعب وزيد بن ثابت وسائر القرّاء كانوا عرباً من أهل اللغة ومن المطّلعينعلی علم النحو والادب والعربيّة، فهم يقرأون حسب لغتهم الاُمّ والقواعد التي ينتهجونها. كلاّ، لا يمكن الصيرورة إلی هذا القول، لانّ اختلاف القراءات لم يكن نابعاً من اختلاف الاجتهاد ووجهات النظر. بل كان اختلاف أُولئك القرّاء في الرواية، أي الرواية التي يسندونها إلی رسول الله. ولدينا روايات مثلاً في مَـ'لِكِ يَوْمِ الدِّينِ تقول بأنّ رسول الله كان يقرأ مَلِكِ، كما كان يقرأ مَـ'لِكِ. وهو أمر يستند إلی كون كلتا الروايتين متواترةً. إذ لو لم تكن كلتا كيفيَّتَي القراءة للكلمة متواترتَين ـ كأن تكون رواية مَـ'لِكِ غير متواترة فإنّ رواية مَلَكِ ستكون غير متواترة أيضاً. فمن أين سنحصلعلی إلیقين بأنّ إحدي هاتين القراءتَين هي من القرآن حتماً؟ إذ سيُحتمل أنّ القرآن قد نزلعلی كيفيّة أُخري لم تصلنا. أدلة تواتر القراءات، و دلیل قراءة القراءوينبغي العلم بأنّ القراءات المتواترة هي القراءات السبع التي تُعزي إلی القرّاء السبعة، مثل عاصم الذي يروي عن أمير المؤمنين عليه السلام بواسطةٍ واحدة، وابن كثير الذي أخذ عن الصحابيّ عبد الله بن السائب ونافع الذي روي القرآن عن التابعين أمثال أبي جعفر؛ وهي قراءات تصل إلی رسول الله بوسائط قليلة. أمّا القراءات الشاذّة فهي القراءات التي أخذها الاساتيذ عن القرّاء، فاتّخذوها قراءة لانفسهم. والقراءات الشاذّة كثيرة، ومنها ثلاث قراءات معروفة هي: قراءة أبي جعفر، وقراءة يعقوب، وقراءة خَلف، تصبح مع القراءات السبع المتواترة: القراءات العشر، وهي القراءات المعروفة. إلاّ أنّ هناك ـ غير هذه القراءات الثلاث الشاذّة روايات أُخري تنقل أنواعاً أُخري من القراءات، وهي تدعي بالقراءات الشاذّة غير المعروفة. وهناك طبعاً مَن يعتبر هذه الروايات الثلاث الشاذّة، أو بعضاً منها، روايات متواترة، وعلي هذا القول يكون مجموع روايات القراءات المتواترة أكثر من سبع روايات. [9] هذا هو محصـل المطـالب التي ذكـرها سـماحة الاُسـتاذ العلاّمة رضوان الله تعالی عليه؛ أمّا قول سماحة آية الله الخوئيّ في التفسير بأنّ القرآن عبارة عن مادّة، وأنّ الهيئة والإعراب هي كيفيّة تلك المادّة، وأنّ عدم تواتر الهيئة لايُلحق ضرراً بتواتر القرآن، فينطويعلی إشكال واضح، وهو أنّ القرآن عبارة عن مجموع المادّة والهيئة، أي ما يُسمع عند التكلّم. وأنّ الهيئة والمادّة يشكّلان أمراً واحداً يستحيل تجزئته. أمّا ما ينفصل عن بعضه، ففي الكتابة، حيث يُكتب الإعراب في اللغة العربيّة منفصلاً، مثل لفظ ملك التي إن تُرك بلا إعراب، لامكن أن يدّعي أحد بأنّ المادّة متواترة وأنّ إعرابها الذي يجعلها في هيئة مَلِكِ أو مَـ'لِكِ ليس متواتراً. أمّا عند التلفّظ، فإنّ فصل هذين الاثنين عن بعضهما محال؛ وأنّ المادّة كما يُحكي عنها بالتواتر أو بخبر الآحاد، فإنّ الإعراب والكيفيّة سيُحكي عنهما لزوماً ومُقارناً مع المادّة بالتواتر أو بخبر الآحاد. شواهد و أدلة انحصار طریق القراءة فی السماع و الروایةوسنقوم هنا، بحول الله وقوّته، بإثبات تواتر القراءات السبعة ورواية قرّائها عن طريق السماع والرواية فقط، بدون الاجتهاد والاستنباط، وذلك بعدّة أدلّة، ونذكر حقيقة مصادر القرّاء، لتتّضح حقيقة تواتر القرآن بما هو قرآن بلحاظ الهيئة والمادّة. الدليل الاوّل: كلام أساطين وأعاظم علماء فنّ القراءة والمجتهدين ذوي الخبرة: يقول العلاّمة الحلّيّ رضوان الله عليه، وهو أعظم علماء الشيعة، بل أعلم علماء الإسلام، في كتاب « تذكرة الفقهاء »: يَجِبُ أَنْ يُقْرَأَ بِالمُتَوَاتِرِ مِنَ القِرَاءَاتِ؛ وَهِيَ السَّبْعَةُ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ بِالشَّوَاذِّ؛ إلی أن يصل إلی قوله: وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ مُصْحَفُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلاَ أُبَيٍّ وَلاَ غَيْرَهُمَا. وعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ بِالجَوَازِ إذَا اتَّصَلَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ. وَهُوَ غَلَطٌ؛ لاِنَّ غَيْرَ المُتَوَاتِرِ لَيْسَ بِقُرْآنٍ انتهي. [10] ومع كلام هذا الرجل الجليل، فإنّ أمثال الجَزَريّ الذين يحاولون إسقاط القراءات السبع عن تواترها إنّما يحاولون محالاً. يقول السيوطيّ في « الإتقان »: وَقَالَ ] ابْنُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكيّ [ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ سَأَلَهُ ابْنُ الجَزَرِيِّ: القِرَاءَاتُ السَّبْعُ الَّتِي اقْتَصَرَ عَلَيْهَا الشَّاطِبيُّ وَالثَّلاَثُ الَّتِي هِيَ قِرَاءَةُ أَبِي جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبَ وَخَلْفٍ، مُتَوَاتِرَةٌ مَعْلُومَةٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ. وَكُلُّ حَرْفٍ انْفَرَدَ بِهِ واحِدٌ مِنَ العَشْرَةِ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَ نَّهُ مُنَزَّلٌ عَلَی رَسُولِ اللَهِ صَلَّي اللَهُ عَلَيْهِ ] وَ آلِهِ [ وَسَلَّمَ. لاَ يُكَابِرُ فِي شَيءٍ مِنْ ذَلِكَ إلاَّ جَاهِلٌ. [11] الدليل الثاني: إنّ العلماء قالوا: إنّ القراءة سُنّة واجبة الاتّباع، ينحصر دليلها في السماع والرواية، وليس للنظر والاجتهاد دخل في ذلك. وقد جاء في مقدّمة « مجمع البيان » أ نّه كان جائزاً في صدر الإسلام أن يُقرأ المعني الواحد بعدّة ألفاظ مترادفة، مثل هَلُمَّ وأقْبِلْ وتَعَالَ، بَيدَ أ نّهم كانوا مقيّدين بالسماع، ولم يكن مجازاً لاحد منهم أن يغيّر اللفظ بمشيئته ويستعمل اللفظ المرادف، بل كانوا يسعون إلی جعل قراءتهم مطابقةً لما يصلهم عن رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم، وكانوا يسمعون أحياناً لفظين مختلفين، فيعتمدون عليهما معاً. وكان باقي القرّاء يعتمدونعلی السماع أيضاً. ومن جملة الشواهدعلی هذا الامر، أنّ قواعد العربيّة تجيز في بعض الموارد كلا اللفظين، بَيدَ أ نّهم لم يكونوا يختارون القراءة التي تعجبهم، بل كانوا ينظرون إلی الرواية والنقل عن رسول الله فيتبعونهما. وفي قواعد العربيّة أنّ ياء آخر الكلمة إذا وقعت بعد حرف ساكن، يجب أن تفتح، كما في: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَهِ رَبِّ الْعَـ'لَمِينَ، [12] حيث إنّ إلیاء في مَحْيَايَ تُقرأ مفتوحةً لوقوعها بعد الالف الساكنة. أمّا لو لم تعقب حرفاً ساكناً، جاز قراءتها بالسكون أو الفتحة، مثل ياء لفظ مَمَاتِي التي يجوز قراءتها بالسكون أو بالفتحة. بَيدَ أنّ القرّاء ـ مع وجود هذا الاختيار لم يختاروا السكون أو الفتحة، بل تقيّدوا بالسماع، فقرأوا بأجمعهم بالسكون في كلماتٍّ مثل: لِي، و مَسَّنِي، و عَهْدِي وأمثالها التي تبلغ مواردها 566 مورداً، وقرأوا بالاتّفاق بالفتح في 18 مورداً، وفي الموارد الاُخري التي يبلغ عددها 212 مورداً، فقد قرأ بعضهم بالسكون ورَفَضَ الفتح، وقرأ البعض بالفتح ورفض السكون، ولم يقرأ أيّ قاري بكلا الوجهين، لانّ سماعه كانعلی نحوٍ واحد. أمّا بالنسبة لنا، فيجوز أن نتابع أحد القرّاء في قراءته بأحد هذين النحوين فيما يتعلّق بالموارد البالغة 212 مورداً. أمّا في الموارد الاُخري التي قرأ فيها جميع القرّاء بالسكون، فإنّ علينا القراءة بالسكون، ولا يجوز لنا القراءة بالفتح. ولا يمكننا ـ علی سبيل المثال ـ أن نقرأ الآية المباركة: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الاْرْضِ خَلِيفَةً [13]. بفتح ياء إِنِّي، لانّ القرّاء لم يقرأوهاعلی هذا النحو،علی الرغم من أنّ قواعد العربيّة تجيز قراءة إلیاء الواقعة بعد حرف متحرّكعلی وجهين. ومن جملة الشواهد الحيّةعلی كلامنا، إلیاء الزائدة في نظائر يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ؛[14] وَإلیلِ إِذَا يَسْرِ [15]؛ وَإِيَّـ'يَ فَاتَّقُونِ؛[16] حيث لا يجوز وفقاً لقراءة عاصم ( في القراءة المتداولة المشهورة ) قراءة إلیاء غير المكتوبة، سواء في الوقف أو الوصل. وينبغي في آية لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [17] أن يُقرأ لفظ دِينِ بكسر النون عند الوصل، و دِينِي بإظهار إلیاء عند الوقف. أمّا الآخرون ( غير عاصم ) من أمثال نافع، و ابن كثير و أبي عمرو فقد قرأوا في سورة القمر إلَی الدَّاعِي بدلاً من إلَی الدَّاعِ؛[18] وقرأوا في نفس السورة يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ بلا ياء. وهم بالتأكيد لم ينسوا، وليس هناك سبب يحدوهم إلی ذلك إلاّ أن يكونوا قد سمعوا في المورد الاوّل تلك القراءة، وفي المورد الثاني هذه، فكانوا مقيّدين بالسماع. الدليل الثالث: إنّ جميع النحويّين والاُدباء متّفقون فيما يتعلّق ببعض الكلمات، بإمكان قراءتها في الجمل التي وردت فيها بقراءتين، أمّا القرّاء فقد قرأوهاعلی نحوٍ واحد. فمثلاً كلمة مُصَدِّقُّ في الآية المباركة: وَلَمَّا جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ،[19] يقرأها القرّاء مرفوعةعلی أ نّها صفة إلی رسول، بينما يقول في « مجمع البيان » بأ نّه يحسن نصب مصدّقعلی الحال، إلاّ أ نّه لا يجوز في القراءة إلاّ الرفع، لانّ القراءة سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ. كما أنّ رفع كلمة مُصَدِّقٌ في القراءة ليس بسبب مراعاة رسم الخطّ، إذ إنّ القرّاء قرأواعلی نحوٍ واحد في كلماتٍ لا يتفاوت رسم الخطّ فيها في حالَتي النصب والرفع، مثل: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً[20] التي قرأها جميع القرّاء بالنصبعلی الحال، مع أنّ بإمكانهم قراءتها بالرفععلی أ نّها خبر ثانٍ لـ تِلْكَ. الدليل الرابع: يُجمع علماء العربيّةعلی أنّ القرآن الكريم هو الركيزة الاساسيّة لقواعد اللغة العربيّة، وأ نّها الركن الاساس الذي يقوم عليه النحو والصرف والمعاني والبيان والاشتقاق وسائر فنون العربيّة. ويمكن الاستشهاد بعبارة من القرآنٍ لتأييد مطلب ما، في حال كون تلك العبارة قد نُقلت عن النبيّ بالرواية والسماع، وليس اعتماداًعلی القياس والقاعدة، وإلاّ لزم الدور، إذ سيكون الاستشهاد بالقرآن متوقّفاًعلی قاعدة وقانون أهل اللغة، وهذه القاعدة وهذا القانون متوقّفان بدورهماعلی أصالة القرآن، وهو دور صريح. وبناءًعلی ذلك، فإنّ الادلّة والشواهد التي ذكرها القرّاء وتلامذتهم وأتباعهم لإثبات إدّعاءاتهم ودحض وإضعاف ما يدّعيه خصومهم، من الادلّة الواردة في كتب القراءات والكتب التفسيريّة، قد جاءت تأييداً للمسموعات ودعماً للعلّة بعد الوقوع، وليس دعماً للآيات وتصحيحاً للإعراب وهيئات القراءة وكيفيّاتها. إنّ علم النحو والعربيّة هو المُعينعلی حفظ القرآن من خطر زوال العربيّة، وتصحيحاً لقواعد العربيّة الكاشفة عن أصالة القرآن ومتانته، حيث إنّنا حين نعلم كيفيّة الاداء الصحيح لكلمةٍ ما في العربيّة، وحين نعلم أنّ القرآن قد نزل بالعربيّة الصحيحة، فإنّنا سنميّز الصحيح من السقيم. أمّا لو كانت الكلمة العربيّة الصحيحة الخالصة تُقرأعلی نحوين، فإنّ علينا في إثبات قرآنيّتها أن نتمسّك بالنقل والسماع، وليس بالاجتهاد والنظر. فمثلاً بالنسبة إلی لفظ قَدَر، قال اللغويّون بأ نّه يجيءعلی نحوين؛ بفتح الدال وسكونها. بَيدَ أ نّه مع كون كِلا النحوين صحيحاً في اللغة والادب، فإنّ بعض القرّاء قرأ آية عَلَی الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ[21] بفتح (قَدَر)، بينما قرأها البعض الآخر (قَدْر) بسكون الدال. أمّا آية جِئتَ عَلَي' قَدَرٍ، وآية إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ،[22] وآية: وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ،[23] فقد قرأ فيها جميع القرّاء بالفتح، بينما قرأوا بأجمعهم في آية: قَدْ جَعَلَ اللَهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [24] بالسكون. ومع فرض كون القرّاء مختارين في قراءة القرآن وفي انتخاب واحدٍ من هذين الوجهَين، فكيف يُتصوّر أنّ جميع القرّاء يختارون وجهاً واحداً دون غيره؟ إنّ هذا ليس إلاّ التقيّد عند القراءة بالسماع والنقل. مواصفات قراءة عاصم فی النقل و السماعالدليل الخامس: من الشواهد والادلّة التي يمكن إقامتهاعلی انحصار طريق القراءة في الرواية، هو أنّنا نشاهد أنّ القرّاء قد عملوا وفق القاعدة والميزان المشهور المتعارف في قراءة جميع الكلمات، لكنّهم تخلّفوا عن القاعدة المشهورة في خصوص بعض الكلمات، وعملوا ـ دونما سبب وعلّة خلاف المشهور في العربيّة، مع علمهم جيّداً بذلك المشهور. فعلي سبيل المثال، جاء في سورة يوسف أنّ إخوته قالوا لابيهم: قَالُوا يَـ'´أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَي' يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ و لَنَـ'صِحُونَ.[25] فالنونَين في كلمة لاَ تَأْمَنَّا ينبغي ألاّ تُدغمان وفقاً للقاعدة العربيّة، وأن تُقرأ الكلمة بفكّ الإدغام، أي أن تُقرأ لاَ تَأْمَنُنَا، وذلك لا نّها ستُفْسّر اشتباهاً بمعني لاَ تَأْمَنَّا التي هي صيغة نهي، أي يجب ألاّ تأتمننا. بَيدَ أنّ حفص الذي يروي عن عاصم، قد رواها بالإدغام، وقرأها بالإشمام رفعاً للاشتباه والخطأ. والإشمام عبارة عن ضمّ الشفتين كمن يريد التلفّظ بالضمّة ـ وهو إشارة إلی أنّ الحركة المحذوفة من النون هي الضمّة دون أن يُظهِر أثر لهذه الضمّة في التلفّظ. ولهذا، صاروا يضعونعلی الميم ( بما يقترب بعض الشيء من النون ) علامةً للإشمام هي مضلّع لوزيّ الشكل أجوف، وذلك في المصاحف التي طُبعت مؤخّراً، وهي أفضل المصاحف التي طُبعت حتّي الآن بلحاظ رسم الخطّ، فتصبح الكلمة: (لاَ تَأْمَنَّا). أيمكن أن يُعزي عمل حفص هنا إلی شيء غير التعبّد الصرف مقابل السماع؟ وكمثل قول قوم فرعون له في إمهال موسي وأخيه: قَالُو´ا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ[26]، التي وردت في سورتَي الاعراف والشعراء، حيث قرأ حفص أرْجِهْ بسكون الهاء، بينما ينبغي في جميع القرآن، وفقاً للمشهور، أن يكسر الضمير وتشبع الكسرة لتُلفظ أَرْجِهِي، لكنّه لم يفعل. ونظير أَرْجِهْ، خطاب النبيّ سليمان للهدهد بأ نّه سيكتب رسالة لملكة سبأ، وأنّعلی الهدهد أن يُلقها إلیهم ثمّ يتولّي فينظر ردّ فعلهم. اذْهَب بِّكِتَـ'بِي هَـ'ذَا فَأَلْقِهْ إلیهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ. [27] حيث قرأ حفص في هذه الآية أيضاً لفظ فَأَلْقِهْ بسكون الهاء، مع أنّ عليه ـ وفقاً للمشهور أن يقرأه أَلْقِهِي. وحفص هذا، قد قرأ نظائر هذين الموردين في جميع القرآن بإشباع كسرة الهاء متابعةً للمشهور. فهل يمكن حمل عملهعلی شيء غير التمسّك بالسماع؟ ولقد قرأ حفص آية: وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ،[28] فلم يُشبع الضمّةعلی هاء الضمير في يَرْضَهُ بحيث تُسمع الكلمة عند التلفّظ يَرْضَهُو؛ إلاّ أنّ عدم إشباع ضمّة الضمير ينحصر في هذا المورد دون سواه. وقد ذكرنا مؤخّراً أنّ حفص أشبع كسرة هاء الضمير في: يَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا [29] بحيث صار يُسمع عند التلفّظ فِيهِي، كما أ نّه ضمّ هاء الضمير في عَلَيْهُ في الآية: وَمَنْ أَوْفَي' بِمَا عَـ'هَدَ عَلَيْهُ اللَهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا، [30] أجل، يتّضح ممّا قلناه أنّ أحداً إذا شاء أن يقرأ في هذه الموارد وفقاً للقراءة المشهورة، كأن يقرأ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ بكسر الهاء، أو يَخْلُدْ فِيهِ بدون إشباع للكسرة، أو يَرْضَهُ بإشباع ضمّة الضمير، وأمثال ذلك من القراءات، بنيّة قراءة القرآن تبعاً لقراءة حفص، فإنّه سيكون قد أخطأ في قراءته، وهذا فقط تابع إلی التعبّد بالسماع. ويمكن من خلال ذلك إدراك أنّ ما أفتي به بعض الفقهاء الاعلام في العصر الاخير في قوله: « الاقوي عدم وجوب متابعة القراءات السبع، بل يكفي في ذلك القراءة حسب قانون العربيّة، ولو خالف في الحركات والإعراب للقرّاء السبعة » يمثّل قولاً غير صائب، إذ سيمكننا في هذه الحال أن نقرأ وفق ما نشاء، كأن نقرأ: إِنِّي جَاِعلٌ فِي الاْرْضِ خَلِيفَةً بفتح ياء إِنِّي لتصبح إِنِّيَ؛ أو أن نقرأ بقراءة: تِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةٌ أو بقراءة: وَلَمّا جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِنَ اللَهِ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ. فهل سيبقي من القرآن شيء في مثل هذه الحالة، أم أنّ قراءتنا ستكون قرآناً جديداً؟! وعلي هذا الاساس، فإنّ مَن قالوا: « يجوز قراءة القرآن وفقاً للروايات والقراءات الشاذّة غير المتواترة » قد اشترطوا أن تكون القراءة تبعا لقراءة أحد القرّاء المعروفين، وأن تثبت تلك القراءة بسند صحيح. وبغضّ النظر عن ذلك، فإنّ هذه القراءة ـ أساساً قراءةٌ غير صحيحة، لا نّها ليست قرآناً، إذ القرآن عبارة عمّا أوحاه جبرائيل إلی النبيّ الاكرم، وهو عبارة عن مادّة وهيئة. فإن نحن غيّرنا القرآن بمشيئتنا وفقاً للقواعد العربيّة، فإنّنا لن نكون قد قرأنا قرآناً. فمن الممكن أن يُفتي فقيهٌ ما بكفاية القراءة المغلوطة في الصلاة، كأن يقول بأنّ ترك القراءة في الصلاة سهواً لايُبطلها. ولكن هل بإمكانه أن يُفتي بأنّ القراءة المغلوطة هي قراءة للقرآن؟ التواتر فی القراء السبعة متحقق فی کلا الجانبینأجل، فقد اتّضح ممّا أوردنا في هذا المجال عدم صحّة كلام « جواهر الكلام » وتفسير « البيان » في إصرارهماعلی عدم تواتر القراءات. وقد استفدنا كثيراً من هذه المطالب من كلام المرحوم آية الله الشعرانيّ رضوان الله عليه؛[31] كما أ نّنا سنورد فيما يلي مطالباً منه مع توضيحات لنا حول عدم تماميّة التواتر بين القرّاء وبين رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم من جهة، وبيننا وبين القرّاء من جهة أُخري؛ وفي شخص القرّاء من جهة ثالثة، حيث يصبح آنذاك من أخبار الآحاد ـ الذي جري الاستدلال به في تفسير « البيان » فنقول: إنّ التواتر قد يختصّ أحياناً بطائفة معيّنة أو بأهل مدينة خاصّة، أو يختصّ بمحلّةٍ واحدة أو بفردٍ واحد دون أن يعلم عنه الآخرون شيئاً. وعلي سبيل المثال، فإنّ الشيخ الطوسيّ كان متأخّراً عن الشيخ التلعكبريّ مسلّماً بالتواتر، وهو أمر يعلمه علماء الرجال فقط؛ كما أنّ الإسكندر المقدونيّ قد عاش قبل النبيّ عيسيعلی نبيّنا وآله وعليه السلام، وهذا التواتر ثابت عند المؤرّخين. وأنّ مقبرة البقيع تقع في شرق المدينة المنوّرة، ويقع قبر مالك بن أنس في مدخلها، وهو أمر مشهور بالتواتر لدي أهل المدينة، وقبور علماء وأعلام كلّ مدينة هي أمر ثابت بالتواتر لسكنة المدينة، كما أنّ نسب أفراد كلّ عائلة معلوم بالتواتر لديهم. ولقد سمعتُ في طهران من بعض أساتذتِي ـ الذين لا يُعلم عنهم التواطؤعلی الكذب، ولا يمكنهم ذلك بأنّ أُستاذ الحكماء الميرزا أبا الحسن جِلوه قُدّس سرّه كان يرجّح حكمة ابن سيناعلی الملاّ صدرا؛ وأنّ المرحوم الحكيم المحقّق آقا محمّد رضا القمشئيّ كان يرجّح فلسفة الملاّ صدرا، وهذا الامر متواتر لدينا، وليس لدي عامّة الناس. إنّ التواتر ليس أمراً مشهوراً للعامّة، وليس أمراً يعلمه الجميع. وإنّ كلّ واحد من القرّاء السبعة كانت قراءته عن النبيّ الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم وأصحابه متواترة لديه، وإنّه تعلّم القرآن حسب نقل كلّ واحد من مشايخه وأساتذته المتعدّدين الذين لا يحتمل تواطؤهمعلی الكذب، وكانت قراءته موافقة لمصحف مدينته أو لمصحف مدينة أُخري، والذي كان متواتراً بدوره. وبعد بيان هذه المقدّمة، نقول: إنّ تواتر قراءة القرّاء السبعة قد تحقّق في الجانبين: من جانب القرّاء وصولاً إلی رسول الله؛ ومن جانبنا وصولاً إلی القرّاء. أمّا من الجانب الاوّل الذي اعتمد فيه القرّاء السبعةعلی التواتر، فيثبت بعدّة أدلّة: الدليل الاوّل: أنّ كلّ واحد من القرّاء كان قد اختار قراءته التي كانت متواترة لديه، ولم يختر أحدٌ منهم قراءة الآخر. ولو أ نّهم عملوا وفقاً لروايات الآحاد واكتفوا بها، للزم أن يقبلوا بجميع تلك القراءات. ولو قال أحد: إنّ عدم قبولهم بقراءات بعضهم نابع من عدم ثقتهم ببعضهم، لكان كلاماً جزافاً لا يُعقل. الدليل الثاني: أنّ أحداً لو قرأعلی مدي القرون التأريخيّة الإسلاميّة قراءةً مخالفة للقراءة المشهورة، لطُعن عليه ولتعرّض للّوم والهجوم، فإنّ حدث ذلك في زمن الرسول الاكرم صلّي الله عليه وآله وسلّم، فإنّهم كانوا يستفسرون منه، فإن أقرّ ذلك زال الطعن واللوم، وإلاّ فإنّهم كانوا يُرجِعُونه إلی القراءة المشهورة، حتّي لو كان من القرّاء المشهورين من أمثال أُبيّ بن كعب. وعليه، فالقراءة الشاذّة التي لا يعدّها الناس، كانت مرفوضةً حتّي لو قرأ بها أحد القرّاء المشهورين. ولم يكن يُكتفي بقول القاري وحده بأ نّه سمع من النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم. [32] الدليل الثالث: أنّ عبد الله بن مسعود وحُذيفة وبعض الصحابة الآخرين قد طلبوا من عثمان إزالة القراءات الشاذّة، وسوق الامّة إلی القراءات المشهورة، فاستجاب عثمان لطلبهم، فأحرق جميع المصاحف الاُخري. وهذا العمل دليلعلی أنّ القراءات الشاذّة المنقولة بخبر واحد كانت تبدو في النظر شنيعة وقبيحة، أمّا القراءات المتواترة المشهورة فمطلوبة مستحسنة. غاية الامر، أنّ اعتراضهمعلی عثمان لا نّه، أولاً: أحرق المصاحف، وهو هتك لحرمة القرآن، وثانياً: أضاع بهذا العمل مع القراءات الشاذّة كثيراً من القراءات المتواترة، كقراءة ابن مسعود، وقراءة أُبيّ بن كعب، وهو خسارة عظيمة. الدليل الرابع: أنّ قراءة السـبعة تنتهي إلی أحد صـحابة رسـول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم وقرّاء زمن النبيّ، من أمثال أُبيّ وابن عبّاس و ابن مسعود وأمثالهم. ونحن نري في نفس الوقت من أصحاب رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم هؤلاء قراءات أُخري منقولة برواية واحدة؛ وقد ذكرت هذه القراءات في التفاسير وقيل عنها بأ نّها لم تكن من القرّاء وإنّ أحداً لم يقبل بها. ونستخلص من ذلك أنّ القراءات التي نقلت بالتواتر عن أُبيّ وابن عبّاس وابن مسعود كانت قراءات مقبولة، وأنّ القراءات التي نقلت بأخبار الآحاد لم تُقبل. فإن كان عمل القرّاء قائماًعلی قبول كلّ قراءة ولو نقلت بأخبار الآحاد، للزم من ذلك أن تُقبل جميع تلك القراءات، وتصبح قراءات رسميّة. اتفاق علماء الشیعة و العامة علی تواتر القرآنوأمّا من الجانب الثاني، وهو وصول قراءة القرّاء إلینا بالتواتر، فنقول: لقد كانت قراءات القرّاء السبعة هي القراءات المشهورة والمتداولة منذ زمن القرّاء السبعة وإلی عصرنا هذا. وجميع المسلمين، من الشيعة والعامّة والخوارج، في شرق العالم وغربه يقرأون القرآن ويحفظونه تبعاً لإحدي هذه القراءات. وقد تخصّص جمع من العلماء في فنّ حفظ القراءات؛ ومن المحال، مع حضور واطّلاع الناس في أرجاء العالم، أن تكون القراءات المنسوبة إلی أُولئك القرّاء في الكتب المتداولة مُفتراةً ومختلَقة. فقد ذكر الدانيّ والشاطبيّ والجزريّ كلاّ في كتابه[33] قراءة كلّ واحد من القرّاء السبعة وغيرهم. ومع أنّ مؤلِّف الكتاب شخص واحد، إلاّ أنّ شاهد صدقه أنّ آلافاً من العلمـاء بالقراءات قد عدّوا هذه الكتب كتبـاً معتبـرة. والتواتر يتحقّق بلحاظ كثرة الشهود، من غير ضرورة لكثرة المؤلِّفين. وقد رُويـتْ في هـذه الكتـب قراءات عـن الحسـن البصـريّ وابن مُحيصِن وأمثالهما، لكنّ هذه القراءات تفتقر إلی آلاف الشهود الذين شهدوا لصالح القراءات السبع ولمن يشهدواعلی هذه القراءات، لا نّها لم تكن قراءات متداولة. ولذلك، فإنّ القراءات السبع متواترة بالنسبة لنا، وقراءاتهم أخبار آحاد. ولو نقل امرؤ في زمننا هذا، في حضور جمع من العلماء المطّلعينعلی أقوال الشيخ الانصاريّ مطلباً عن كتاب تقريرات الشيخ، فكان هذا النقل في حضور هؤلاء متواتراً. أمّا لو نقل أحد مطلباً عن عالم غير مشهور في حضور هؤلاء العلماء، ولم يكن لهم علم بأقواله، لكان هذا النقل من أخبار الآحاد. ولو قيل بأنّ طرق قراءات القرّاء السبعة المذكورة في كتب القراءة، كانت بأجمعها بطريق الآحاد؛ فنقول في إجابته: إنّ إسناد القراءة هو للتبرّك، شأنه شأن الإسناد الذي يذكره علماء عصرنا للكتب المتواترة من أمثال « الكافي » و « التهذيب ». وأحد القرّاء الذين لم يشترطوا التواتر هو الجزريّ، وقد تعرّض للانتقادعلی هذا الرأي، ومن جملة من اعترض عليه تلميذه: أبو القاسم النُوَيريّ في شرح « طيّبة النشر »، حيث قال بأنّ عدم اشتراط التواتر هو قول مُبتكر يخالف إجماع الفقهاء والمحدِّثين وغيرهم، لانّ القرآن لدي جمهور أئمّة المذاهب الاربعة عبارة عمّا بين الدفّتين الذي ثبت لنا بالنقل المتواتر. وقد صرّح بهذا المطلب طائفة من الاعلام من أمثال: ابن عبد البرّ، و ابن عطيّة والنـوويّ والزَّركَشـيّ والسُّـبْكيّ والإسـنَويّ و الاذرِعيّ، كما أجمع عليه القرّاء، ولم يخالفه من المتأخّرين سوي المكّيّ. كما قال مؤلّف كتاب « إتحافُ فضلاء البشر »: وحاصل الامر أنّ قراءة القرّاء السبعة أمرٌ متّفق عليه، وهكذا بالنسبة للثلاثة الآخرين: أبي جعفر و يعقوب وخلف علی الاصحّ. وكتاب « الإتحاف » هو أفضل الكتب المتأخّرة وأجمعها، وقد ذكر ذلك فقهاؤنا وعلماؤنا في الاُصول، ونقل كلماتهم في المقام يجرّنا إلی الإطالة. [34] [1] ـ «الاءتقان» ج 1، ص 94، الطبعة الاُولي؛ وج 1، ص 75، الطبعة الثالثة. [2] ـ كتاب «مدارك الاحكام» للسيّد محمّد حفيد الشهيد الثاني لابنته، ولهذا عبّر عنه بالجدّ. [3] ـ يعني آية الله أقا محمّد باقر البهبهانيّ أعلي الله مقامه. [4] ـ «جواهر الكلام» كتاب الصلاة، ص 257 و 258، طبعة الحاجّ موسي الملفّق؛ وج 9، ص 291 إلي 296، من طبعة النجف الاشرف الحروفيّة. [5] ـ «البيان في تفسير القرآن» ص 105 إلي 111، الطبعة الاُولي. [6] ـ ذيل الآية 69، من السورة 25: الفرقان. [7] ـ مقطع من الآية 10، من السورة 48: الفتح. [8] ـ مقطع من الآية 63، من السورة 18: الكهف. [9] ـ «الشمس الساطعة في ذكري العلاّمة الطباطبائيّ»، القسم الثاني، الابحاث التأريخيّة. [10] ـ «التذكرة» ج 1، كتاب الصلاة، البحث الرابع في القراءة، الطبعة الحجريّة. ويقول العلاّمة في نفس الموضع: «و يجبُ أن يقرأ بالمتواتر من الآيات، وهو ما تضمّنه مُصحفُ عليّ عليه السلام؛ لانّ أكثر الصحابة اتّفقوا عليه، وحَرقَ عثمان ما عداهُ». [11] ـ «الاءتقان في علوم القرآن» ج 1، ص 102، الطبعة الاُولي. [12] ـ الآية 162، من السورة 6: الانعام. [13] ـ مقطع من الآية 30، من السورة 2: البقرة. [14] ـ مقطع من الآية 6، من السورة 54: القمر. [15] ـ الآية 4، من السورة 89: الفجر. [16] ـ ذيل الآية 41، من السورة 2: البقرة. [17] ـ الآية 6، من السورة 109: الكافرون. [18] ـ مقطع من الآية 8، من السورة 54: القمر. [19] ـ صدر الآية 101، من السورة 2: البقرة. [20] ـ صدر الآية 52، من السورة 27: النمل. [21] ـ مقطع من الآية 236، من السورة 2: البقرة. [22] ـ ذيل الآية 21، من السورة 15: الحجر. [23] ـ صدر الآية 18، من السورة 23: المؤمنون. [24] ـ ذيل الآية 3، من السورة 65: الطلاق. [25] ـ الآية 11، من السورة 12: يوسف. [26] ـ صدر الآية 111، من السورة 7: الاعراف؛ وصدر الآية 36: من السورة 26: الشعراء. [27] ـ الآية 28، من السورة 27: النمل. [28] ـ مقطع من الآية 7، من السورة 39: الزمر. [29] ـ ذيل الآية 69، من السورة 25: الفرقان. [30] ـ ذيل الآية 10، من السورة 48: الفتح. [31] ـ تفسير «منهج الصادقين» ج 1، ص 8 إلي 10، المقدّمة، الطبعة الحروفيّة. [32] ـ إنّ القراءات التي لم تثبت بالتواتر ليست مقبولة حتّي لو كانت لاحد القرّاء السبعة، لانّ جميع قراءات القرّاء السبعة ليست متواترة. بمعني أ نّها لم تصلنا عن طريق التواتر. وأحد أمثلة شواذّ قراءات القرّاء السبعة، قراءة أبي عمرو بن العلاء للآية 87، من السورة 2: البقرة علي النحو التالي: وَءَايَدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُوسِ، بدلاً من: أَيَّدْنَـ'هُ؛ وعلي الرغم من كون أبي عمرو من القرّاء السبعة، فإنّ قراءته عدّت من الشواذّ التي لا يجوز قراءتها، لا نّها لم تُنقل بالتواتر. [33] ـ وهي علي التوالي: «التيسير»؛ «حرز الاماني في القراءات السبع» (= الشاطبيّة)؛ و«النَّشر في القراءات العشر». (م) ذکر بعض الإشکالات الواردة علی أمر تواتر القرآن، و الإجابة علیها[34] ـتفسير «منهج الصادقين» (بالفارسيّة) ج 1، مقتطفات من الصفحات 11 و 12 و 13، المقدّمة. يقول العالـم الجليل والمنصـف الخبيـر الشـيخ محمـود أبو ريّة المصـريّ في كتابه النفيس القيّم: «أضواء علي السنّة المحمّديّة» ص 253 إلي 256، الطبعة الثانية، تحت عنوان تعقيبٌ لابدّ منه: وإذا كانوا ـ كما قلنا ـ قد أوفوا علي الغاية من التحقيق في كتابة القرآن الكريم وحفظه حتّي لا يستطيع أحد أن يُماري في ذلك. أو يحيك بصدره شيء من الريب فيه، فقد قامت حول هذا الامر الخطير أُمور سمّوها مشكلات، نري من الواجب أن نشير إلي بعضها حتّي لا يأخذ علينا أحد أ نّنا قد أغفلنا شيئاً ممّا يجب أن يعلمه قرّاء كتابنا عن الرواية وما جنت، وهو ما يتّصل بموضوعنا وَفِي كُلِّ وَادٍ أَثَرٌ مِنْ ثَعْلَبَة! قال العلاّمة طاهر الجزائريّ في كتابه «التبيان» وهو يتكلّم عن وجوب تواتر القرآن وما ورد علي ذلك من مشكلات: وهنا مشكلات ترد علي أصل وجوب تواتر القرآن نذكرها مع الجواب عنها: المشكل الاوّل: نقل عن ابن مسعود أ نّه كان ينكر سورة الفاتحة والمعوّذتين من القرآن، وقد أنكر صحة النقل عنه كثير من العلماء. قال النوويّ في «شرح المهذّب»: أجمع المسلمون علي أنّ المعوّذتين والفاتحة من القرآن وأنّ من جحد شيئاً منها كفر. وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح. وقال ابن حزم في كتاب «القدح المعلّي تتميم المحلّي» هذا كذب علي ابن مسعود وموضوع، وإنّما صحّ عنه قراءة عاصم عن زرّ عنه. وفيها المعوّذتان والفاتحة. وقال ابن حجر في «شرح البخاريّ» قد صحّ عن ابن مسعود إنكار ذلك فأخرج أحمد وابن حيّان عنه أ نّه كان لا يكتب المعوّذتين في مصحفه ـ وبعد أن أورد كلّ الروايات التي جاءت في أنّ ابن مسـعود كان يحكّ المعـوّذتين من مصاحفه قال (ابن حجر): فقول من قال إنّه كذب عليه مردود، والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل!! وقال ابن قتيبة في «مشكل القرآن»: ظنّ ابن مسعود أنّ المعوّذتين ليستا من القرآن، لا نّه رأي النبيّ صلّي الله عليه وآله وسلّم يعوّذ بهما الحسن والحسين فأقام علي ظنّه، ولا نقول إنّه أصاب في ذلك وأخطأ المهاجرون والانصار. وأمّا إسقاطه الفاتحة من مصحفه فليس لظنّه أ نّها ليست من القرآن؛ معاذ الله! ولكنّه ذهب إلي أنّ القرآن إنّما كتب وجمع بين اللوحين مخافة الشكّ والنسيان، والزيادة والنقصان، ورأي أنّ ذلك مأمون في سورة الحمد لقصرها ووجوب تعلّمها علي كلّ أحد... المشكل الثاني: نقل عن زيد بن ثابت أ نّه قال في أثناء ذكره لحديث جمع القرآن في المصحف ـ وهو الجمع الاوّل وكان ذلك في عهد أبي بكر الصدّيق: فقمتُ فتتبّعت القرآن أجمعه من الرقاع والاكتاف والعسب وصدور الرجال حتّي وجدت من سورة التوبة آيتين مع أبي خزيمة الانصاريّ، لم أجدهما مع أحد غيره: لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم... إلي آخرها (الآية 128، من السورة 9: التوبة) ونقل عنه أ نّه قال: لمّا نسخنا المصحف في المصاحف فقدت آية من سورة الاحزاب، كنت أسمع رسول الله صلّي الله عليه وآله يقرؤها لم أجدها مع أحد إلاّ مع خزيمة الانصاريّ الذي جعل رسول الله صلّي الله عليه وآله شهادته شهادة رجلين: مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَـ'هَدُوا اللَهَ عَلَيْهِ (الآية 23، من السورة 33: الاحزاب)؛ وقد وقع هذا في الجمع الثاني، وكان ذلك في عهد عثمان. وقد اختلف المتكلّمون في ذلك، فقال بعضهم: إنّ هذا الخبر، وإن كان مخرجاً في الصحيحين (البخاريّ ومسلم) غير صحيح، لاقتضائه أنّ الآيات الثلاث المذكورة قد ثبتت بغير طريق التواتر، وهو خلاف ما يقتضيه الدليل المذكور، وقال بعضهم: ليس في الخبر المذكور ما يقتضي ثبوت الآيات المذكورة بغير طريق التواتر، لاحتمال أن يكون زيد قد أراد بقوله: لم أجدها مع غير فلان: لم أجدها مكتوبة عند غيره، وهو لا يقتضي أ نّه لم يجدها محفوظة عند غيره. وقال بعضهم: إنّ الدليل المذكور إنّما يقتضي كون القرآن قد نقل علي وجه يفيد العلم ـ وإفادة العلم قد تكون بغير طريق التواتر، فإنّ في أخبار الآحاد ما يفيد العلم، وهي الاخبار التي احتفّت بها قرائن توجب ذلك وعلي هذا فنحن لا نستبعد أن يكون في القرآن ما نقل علي هـذا الوجـه، وذلـك كالآيات الثلاث المذكـورة، إذ المطـلـوب حصول العلم علي أيّ وجه كان، وقد حصل بهذا الوجه. وهذا القول في غاية القوّة والمتانة، ولا يرد عليه شيء ممّا يرد علي مَن أفرط في هذا الامر أو فرّط عليه. المشكل الثالث: روي البخاريّ عن قتادة أ نّه قال: سألت أنس بن مالك، مَن جمع القرآن علي عهد رسول الله صلّي الله عليه وآله؟ فقال: أربعة كلّهم من الانصار، أُبيّ بن كعب، و معاذ بن جبل، و زيد بن ثابت، و أبو زيد. قلت: مَن أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي، وروي من طريق ثابت عن أنس أ نّه قال: مات النبيّ صلّي الله عليه وآله ولم يجمع القرآن غير أربعة، أبو الدرداء، و معاذ بن جبل، و زيد بن ثابت، و أبو زيد. وفيه مخالفة لحديث قتادة من وجهين: التصريح بصيغة الحصر في الاربعة، والآخر ذكر أبا الدرداء بدل أُبيّ بن كعب. وقد استنكر جماعة من الائمّة الحصر في الاربعة. وقال المازريّ: لا يلزم من قول أنس لم يجمعه غيرهم، أن يكون الواقع في نفس الامر كذلك، لانّ التقدير أ نّه لا يعلم أنّ سواهم جمعه، وإلاّ فكيف الاءحاطة بذلك مع كثرة الصحابة وتفرّقهم في البلاد، وهذا لا يتمّ إلاّ إن كان لقي كلّ واحد منهم علي انفراده، وأخبره عن نفسه أ نّه لم يكمل له جمع القرآن في عهد النبي صلّي الله عليه وآله، وهذا في غاية البعد في العادة، وإذا كان المرجع إلي ما في علمه، لم يلزم أن يكون الواقع كذلك.... وأخرج النسائيّ بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو أ نّه قال: جمعتُ القرآن فقرأت به كلّ ليلة فبلغ النبيّ صلّي الله عليه وآله فقال: اقرأه في شهر ـ الحديث. وأخرج ابن أبي داود بسند حسن عن محمّد بن كعب القرظيّ قال: جَمع القرآن علي عهد رسول الله صلّي الله عليه وآله خمسة من الانصار، معاذ بن جبل، و عبادة بن الصامت، و أُبيّ بن كعب، و أبو الدرداء، و أبو أيـّوب الانصاريّ. وقد اعترض الاءسماعيليّ علي إخراج حديثَي أنس معاً في الصحيح مع اختلافهما فقال: هذان الحديثان مختلفان، ولا يجوز أن يكونا في الصحيح مع تباينهما، بل الصحيح أحدهما. وجزم البيهقيّ بأنّ ذكر أبي الدرداء وَهْم والصواب أُبيّ بن كعب. وقال الداوديّ: لا أري ذكر أبي الدرداء محفوظاً، والصحيح هو الرواية الاُولي. وأمّا الرواية الثانية فالظاهر أنّ بعض الرواة «رواها بالمعني» فزاد فيها الحصر لتوهّمه أ نّه مراد وذهل في ذكر الاسماء، فأبدل اسم أُبيّ بن كعب باسم أبي الدرداء! ومَن أمعن النظر في أمر الرواية بالمعني ـ لم يستبعد ذلك انتهي ما نقلناه من كتاب التبيان. |
|
|