|
|
الصفحة السابقةبركات وكرامات مشهد الإمام الرضا عليه السلام متّصلة ومستمرّة دوماًأمّا بالنسبة لقضاء حوائج الناس من قِبَلِ الإمام الرضا عليه السلام فلا يتّسع له الحصر والعدّ، والحقير يعرف بعض الارامنة في طهران من الذين كانوا ينذرون للإمام الرضا عليه السلام لقضاء حوائجهم ويذهبون إلي مشهد المقدّسة فيصحبون معهم سجّادة أو رأساً من الغنم أو قطعة من الذهب، لاداء نذرهم. يقول المرحوم المحدِّث القمّيّ: يقول المؤلّف: لقد ذُكرت في كتب المعجزات وخاصّة كتاب « عيون أخبار الرضا عليه السلام » تأليف الشيخ الصدوق عليه الرحمة كرامات ومعجزات كثيرة للروضة المقدّسة الرضويّة علي مشرّفها السلام، لا مجال لذكرها في المقام، علي أنّ المعجزات والكرامات التي تظهر في كلّ زمان هي بالقدر الذي يغني عن نقل الوقايع السابقة. [148] وأقول أيضاً: ولا ينبغي أن تستبعد هذا الامر، فتلك المعجزات والكرامات التي ظهرت من هذه المشاهد المشرّفة ووصلت حدّ التواتر هي أكثر من أن تُحصي. ولقد حصل في شهر شوّال السابق، لسنة ألف وثلاثمائة وثلاث وأربعين (هجريّة قمريّة) أن أشفي ثامن الائمّة الهداة وضامن الاُمّة العصاة مولانا أبو الحسن عليّ بن موسي الرضا صلوات الله عليه في الحرم المطهّر ثلاث نساء مقعدات بالشلل وغيره، كان الاطبّاء قد عجزوا عن علاجهنّ. وهذه المعجزات لذلك القبر المطهّر قد بانت وظهرت للملا ناصعة كالشمس في السماء الصاحية، وكان من شأنها انفتاح بوّابة النجف الاشرف أمام أعراب البادية. ولقد كانت هذه القضيّة من الوضوح والاشتهار بحيث صادق عليها الاطبّاء الذين كانوا قد اطّلعوا علي مرض هؤلاء النسوة بالرغم من تبيّنهم للامر ودقّتهم المتناهية فيه، بل إنّ بعضـهم كتب مصـادقته علي شـفائهنّ، ولولا مراعـاة الاختصـار وضـيق المجال لنقلنا قصّـتهن بالتفصـيل. وَلَقَدْ أَجَـادَ شَـيْخُنَا الحُـرُّ العَامِليُّ فِي أُرْجُوَزتِهِ: وَمَا بَدَا مِنْ بَرَكَاتِ مَشْهَدِهْ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَمْسُهُ مِثْلُ غَدِهْ وَكَشِفَاءِ العُمْيِ وَالَمْرضَي بِهِ إجَابَةُ الدُّعَاءِ فِي أَعْتَابِهِ [149] وكان من دأب الحقير في جميع كتاباتي أن أنقل ما رأيته بنفسي، أو ما ذكره لي بعض الثقات المعروفين والمشهورين بلا واسطة، لا أن أذكر ما سبق أن دوّنه السابقون شكر الله مساعيهم في كتبهم ودفاترهم؛ وبعبارة أُخري فقد اعتمدتُ الدراية والمشاهدة لا الرواية والمحاكاة. لذا فقد رغبت هنا في نقل قضيّتَين فقط من معجزات الإمام الرضا عليه السلام حصلتا لبعض أقاربنا القريبين، وقضيّتَين سمعتهما من الثقات الاعلام والاعاظم من الآيات والرجال. وأمّا القضيّتان المتعلّقتان بالاقرباء، فأُعرض عن ذكر إحداهما باعتبار أ نّها وقعت لشخص لا يزال بحمد الله ومنّته علي قيد الحياة، وأكتفي بذكر حكاية حال الشخص الآخر الذي انتقل إلي رحمة الله تعالي. معجزة الإمام الرضا عليه السلام في شفاء شابّ أعميلقد كان أحد أرحامنا القريبين شابّاً وسيماً وناجحاً، يفيض قوّةً ونشاطاً، وكان يتّجر في السوق، وحدث أن ابتلي فجأة بمرض في إحدي عينيه فَقَدَ علي أثره القدرة علي الإبصار. ومرّت الايّام دون أن تتحسّن حاله، فراجع الاطبّاء السابقين المعروفين في طهران، مثل الدكتور حسن العلويّ، والدكتور لشكري، والدكتور محسن زاده، والدكتور ضرّابي وأمثالهم، فاتّفقت كلمتهم علي أنّ العِرق الموجود في أدني نقطة من العين والذي يغذيّ العين بالدم، قد سدّت مجراه بقعة دمويّة متخثّرة نجمت من انقباض العرق وانبساطه، وهكذا فقد انقطعت الرابطة الحيويّة للعين في التغذية الدمويّة، وهي جلطة فيالعين لا علاج لها ولا عمليّة جراحيّة، وقالوا له: إنّك لو ذهبتَ إلي جميع أقطار العالم فإنّ الامر لن يتغيّر عمّا قلنا لك، إلاّ أنّ هناك احتمالاً ضعيفاً جدّاً وهو: أن تتحرّك هذه البقعة من مكانها بواسطة تسييل الدم وتقليل كثافته. لذا فقد منعوا هذا الشخص من تناول الاغذية التي تزيد كثافة الدم، كالبيض والسمن واللحم الاحمر وأمثالها، وأعطوه أقراصاً لتسييل الدم استعملها بانتظام مدّةً بدون أيّة فائدة. ثمّ ظهرت لديه تدريجيّاً عوارض أُخري: الاوّل: أنّ العين صارت تفقد حالتها العاديّة الاُولي، فصارت تنقبض وتتجمّع، وأخذت الاملاح تغطّي أطراف الاهداب؛ لقد كانت عينه تموت. وكان الاطبّاء قد قالوا باحتمال سريان هذا المرض إلي العين الاُخري، حيث بدأت أعراض هذا المرض وآثاره تظهر علي العين الاُخري. الثاني: أنّ انخفاض كثافة الدم وسيلانه بشكل غير عاديّ كان قد أدّي إلي ظهور نزيف دمويّ تحت اللثّة. والثالث: أ نّه صار يصاب بحالات تشنّج ورجفة، فكان يرتجف طوال اليوم، وبدنه يتشنّج بشدّة لخمس دقائق ولعشر دقائق ولنصف ساعة أحياناً. وهكذا فقد تداعي هذا الشابّ القويّ الثريّ متهالكاً في البيت، لا قوّة له، وكان بيته (بيت والده في ذلك الوقت) يضجّ بأصوات بكاء الاقارب والارحام ليلاً ونهاراً، فيرتفع نحيبهم حتّي يسمعه الجيران. وكان أقاربه وأرحامه يذهبون باستمرار لرؤيته، فكان مجلسهم أشبه بمجلس العزاء، لا تجفّ فيه دموع الواردين ولا أصحاب المنزل جميعاً. ولقد انهارت معنويّات هذا الشابّ بسبب هذه الاعراض، فلم يعد يستطيع أن يصمّم علي شيء أو يختار شيئاً، فكان يذهب حيثما أخذوه ويقبل ما يفعلونه به، وكان متزوّجاً وله أطفال. ثمّ عزم الافراد المحيطون به آنذاك علي إرساله إلي إسبانيا أو إلي النمسا، فقد كان في هذين البلدين طبيبان عالميّان مشهوران في أمراض العيون. ثمّ رجّحوا بعد التشاور إرساله إلي النمسا، وعملوا علي تهيئة جواز سفر له بسرعة، فأرسلوه من طهران إلي لندن بالطائرة بصحبة أحد الشباب الإيرانيّين الذين يدرسون هناك، إلي النمسا، وكانوا قد أخذوا موعداً من ذلك الطبيب. ولو أمكنكم أن تتخيّلوا كيف نُقل هذا الشابّ إلي مطار « مهرآباد » طهران ذلك اليوم وقد جاء أبوه العجوز وأقاربه ومعارفه وأصدقاؤه لتوديعه، وحاله في ضعفه ومرضه وعجزه عن صعود سلّم الطائرة، لامكنكم حقّاً تصوّر عظمة معجزة الإمام الرضا عليه السلام ممّا يصعب بيانه. يصل الشابّ إلي لندن، ثمّ يذهب بعد أيّام إلي النمسا فيرقد في أشْهَر مستشفيات العيون هناك تحت مراقبة ذلك الطبيب، لكنّه يقول هو الآخر: لا فائدة من إجراء عمليّة جراحيّة. ثمّ لجأوا إلي استخدام الاجهزة التي تنتزع العين فكانوا يقومون بصبّ الادوية في قعرها في محاولة لإزالة تلك البقعة الدمويّة بعمليّات أشبه بالعمليّات الفيزياويّة منها إلي العمليّات الكيمياويّة والدوائيّة، ولكن دون جدوي. ومرّ شهران كاملان قضاهما ذلك الشابّ هناك دون أيّة نتيجة، علي أنّ مرضاً آخر أُضيف إلي عينه، فلقد دارت حدقة العين في مكانها فصار سوادها إلي الداخل وبياضها إلي الخارج! وكان الطبيب يقول: إنّ كلّ ما يمكننا عمله بالمعالجة الطويلة هو أن نعيد العين إلي وضعها الاوّل، أمّا الإبصار وعودة النور فذلك من المحال بالنسبة لي. وهذه الاحداث نقلها الشابّ لي بعد عودته. وأنقل هنا نصّ كلامه، لبيان ما جري له: يقول الشابّ: كان جميع العاملات في تلك المستشفي من الراهبات النصاري اللواتي تركن الدنيا، وقد رققن لحالي، ولكن ما الذي كان بإمكان أُولئك المسكينات أن يفعلن؟! كلاّ، لم يكن باليد من حيلة. حتّي كانت ليلة ذهب فيها الشخص الذي كان يرافقني إلي لندن لقضاء أعماله الخاصّة ليعود فيعدّ مستلزمات عودتي. فنهضتُ ليلاً وصلّيت كثيراً، ثمّ قلت: يَا عَلِيَّ بْنَ مُوسَي الرِّضَا! أُشهدك أ نّي كنت أتوسّل إليك في المهمّات وأُكْثِرُ من زيارتك. ولو كان أمري بيدي لما جعلتُهم يأتون بي إلي مدينة المسيحيّين والكفّار هذه؛ ولجئتك حتماً فقبّلتُ أعتابك وأخذت حاجتي منك. أنت الذي فعلت بي كذا! وأنت الذي فعلت بي كذا! وأنت وأنت... وهكذا عدّدتُ الحوائج التي عجز عنها الجميع فقضاها الإمام لي، وغرقتُ في البكاء. وقلتُ له: لقد عُلِّمنا نحن الشيعة أنّ الإمام المعصوم يستوي لديه الموت والحياة، ويستوي لديه شرق الارض وغربها، فأنا الآن أري نفسي كأ نّي واقف في حرمك المبارك وأندبك أن تهب لعيني شفاءها! قلتُ هذا ثمّ رقدت ونمت نوماً مريحاً لساعات، ثمّ شاهدت قرب طلوع الفجر الإمام الرضا عليه السلام في عالم الرؤيا، لكأنّ حقيقة الإمام وروحه كانت تنزل وتهبط شيئاً فشيئاً من عوالم الملكوت والحُجب التي لا توصف، حتّي وقف بجانبي ببدنه وجسمه الخارجيّ وفي يده لوحة كُتبت عليها سطور خضراء تتوهّج بالنور، فأعطاني تلك اللوحة وقال لي: اقرأ! فشرعت بالقراءة، ثمّ استيقظت بعد أن قرأت منها شيئاً فوجدت أنّ عيني قد عادت إلي حالتها الطبيعيّة وأ نّها تبصر بشكل كامل! ثمّ نهضتُ للصلاة فصلّيتُ في ظلام الليل، ثمّ صلّيتُ صلاة الصبح وعُدت إلي سريري، وصمّمت في نفسي أن لا أبوح بشيء أبداً. ويبدو أ نّه قد أُشير عليه في عالم الرؤيا بأنّ هذا من الاسرار فلا تُظهِرْ شيئاً، وكان ذلك المرحوم يقول: لقد بُحتُ بهذا السرّ، حتّي أ نّي أَطلعتُ عليه بعض الرفقاء والاصدقاء العاديّين، ولم يكن لي أن أفعل ذلك؛ وكان يُظهر الندم علي ذلك. وفي موعد الفطور جاءت الممرّضات لغسل العين فعجبن من الامر وأعلمنَ الاطبّاء بذلك، ومن ثمّ فقد انتهي الامر إلي ذلك الطبيب المعروف فجاء وفحص عيني؛ فكانت كلمتهم جميعاً متّفقة: أنّ هذا أمر خارق للعادة! هذه معجزة للمسيح! هذه معجزة! هذه معجزة! ولم أنبس ببنت شفة وقلتُ في نفسي: نعم، هي معجزة، ولكن لاُستاذ المسيح ومعلّمه وسيّده. وقد نقل الحقير، بعد مرور ثلاثين عاماً تفاصيل هذه الواقعة، إلي الصديق العزيز الكريم: الدكتور السيّد حميد السجّاديّ وفّقه الله تعالي وهو من أطبّاء العيون المعروفين في العالم، فقال: هذا صحيح! وكما تصفون فإنّ هذا المرض لا يمكن علاجه في العالم، ولا يمكن أن يكون لشفائه علّة إلاّ المعجزة. ثمّ أضاف: كان أحد مرضانا الرجال قد تجمّع في قزحيّة عينه ماء، وكنّا قد أعطيناه موعداً في يوم معيّن لإجراء عمليّة جراحيّة، لكنّه جاء قبل العمليّة فقال: لقد ذهبتُ عند مولاي الإمام الرضا عليه السلام وأخذتُ منه شفائي. فأعدنا فحص عينه ومعاينتها، فرأينا أن لا أثر لماء القزحيّة علي الإطلاق! وكان الدكتور يقول: يمكن أحياناً أن يزول ماء القزحيّة تلقائيّاً، ولكنّ ذلك يحصل خلال مدّة طويلة، ولم يكن قد سبق لي أن شاهدتُ أنّ ماء القزحيّة يزول في عدّة أيّام، لذا فلم يكن ذلك إلاّ معجزة لثامن الائمّة عليه السلام. معجزة ثامن الحجج عليه السلام حسب نقل آية الله الحائريّ رحمه اللهوأمّا القصّتان المنقولتان عن الاعلام، فالاُولي: قضيّة نقلها للحقير أُستاذنا المكرّم آية الله المرحوم الشيخ مرتضي الحائريّ قدّس الله سرّه في جلسة لقاء معه في مشهد المقدّسة، خلال سفره بين الثاني عشر من شهر رمضان المبارك إلي الثالث من شهر شوّال المكرّم لسنة 1400 هجريّة قمريّة. وقد تفضّل بالقول: حكي لي آية الله الحاجّ الشيخ آقا بزرگ الاراكيّ، وهو رجل مسنّ من علماء أراك البارزين يقرب عمره من التسعين سنة، ولا يزال علي قيد الحياة حتّي الآن، وهو الاخ الاكبر لا´ية الله الشيخ مجتبي الاراكيّ الساكن في قم، ومن رفقائنا المخلصين، ولا محلّ للشكّ في كلام هذين الاخوين. قال: لقد ابتُلِيَتْ زوجتي في شبابها وقبل زواجها بألمٍ شديد في عينيها، فعالجتهما مدّة في أراك وهمدان بلا فائدة، حيث يئس الاطبّاء هناك من تحسّنها وأعلنوا عجزهم عن معالجتها، وكانت عيناها تقتربان من العمي، حتّي أشرفت هذه الفتاة علي فقدان البصر. وكان والداها مضطرَبينِ قلقَينِ، فسمعا أنّ صاحب الحاجة لو سافر إلي مشهد المقدّسة، فأقام فيها أربعين يوماً بعنوان الزيارة وقضاء الحاجة لقضيت حاجته. فاصطحبا ابنتهما إلي أرض مشهد المقدّسة وقصدا الإقامة فيها أربعين يوماً، وكانا دوماً في حال اضطرار والتجاء، لا ينقضي تضرّعهما واستكانتهما. وصادف أن عينَيْ الفتاة لم يشاهد فيهما أيّ تحسّن، بل كانت القدرة علي الإبصار تتناقص فيهما شيئاً فشيئاً، فصارت تعجز عن التشرّف بالذهاب إلي الحضرة المطهّرة وتقضي الايّام حبيسة البيت. حتّي شارفت الاربعون يوماً علي الانتهاء، وكان الابوان حزينَينِ مهمومَينِ يقولان في ضجر وانفعال: وا أسفاه! لقد انقضت الاربعون يوماً بغير فائدة! وحدث في اليوم أو اليومين الاخيرين أن كانا مشغولَينِ بجمع أمتعتهم استعداداً للعودة، فسقط شيء من سقف الغرفة أشبه بقطعة من الجصّ أو ذرق طائر، فأُلهم قلباهما أنّ هذا هو دواء عينَيْ ابنتهما، فعمدا فوراً إلي طحنه وخلطه بالماء، ثمّ قطّراه في عينيها، فشفيت كَأَنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً! ثمّ بقوا عدّة أيّام أُخري للتشرّف بالزيارة مع ابنتهما، ثمّ حزموا الامتعة وعادوا إلي أراك. معجزة الإمام الرضا عليه السلام حسب نقل آية الله اللواسانيّوالقصة الثانية: نقل سماحة آية الله الحاجّ السيّد علي اللواسانيّ دامت بركاته ـ ابن المرحوم آية الله الحاجّ السيّد أبي القاسم اللواسانيّ وصيّ المرحوم آية الله السيّد أحمد الكربلائيّ الطهرانيّ للحقير يوم الاحد من شهر صفر الخير لسنة 1404 هجريّة قمريّة في منزل الحقير في مشهد المقدّسة الرضويّة علي مشرّفها السلام حكاية شيّقة من كرامات الإمام. وهذه الحكاية متعلّقة بابنة المرحوم السيّد علي النقي الحيدريّ صاحب كتاب « أُصول الاستنباط » ابن المرحوم آية الله السيّد مهدي الحيدريّ صاحب كتاب « جنگ إنگليس وعراق » [150] ابن المرحوم السيّد أحمد الحيدريّ باني الحسينيّة الحيدريّة في الكاظميّة. وكانت ابنة المرحوم السيّد علي النقي الحيدريّ قد تزوّجت قبل عشرة سنوات تقريباً فلم تنجب أطفالاً، فقدمت يوماً مع جمع من أرحامها وبدون زوجها مسافرة من الكاظميّة نحو أرض مشهد المقدّسة لزيارة القبر المطهّر للإمام عليّ بن موسي الرضا عليه السلام. ثمّ جاءت يوماً إلي بيتنا لزيارة الاهل، وكان لهم مع بعضهم علاقة ممتدّة، فرحّب بهم أهلنا؛ لكنّهم رأوا الهمّ والغمّ يكتنفهم، فسألوهم عن السبب فقالوا: لقد تزوّجت هذه الفتاة منذ سنين طويلة فلم تنجب حتّي الآن، وقد صمّم زوجها علي الزواج بأُخري، وحين علمت الفتاة بهذا النبأ تنكّد عيشها وصار مُرّاً، وصارت لا تميّز ليلاً من نهار؛ فهي قلقة مضطربة يغمرها الذبول والذهول. فقال لهم أهل بيتنا: إنّ مَن يأتي لزيارة الإمام الرضا عليه السلام فيطلب ثلاث حاجات فإنّ تلك الحوائج أو أحدها (الشكّ من الناقل) ستُقضي. فانهضي الآن وتوضّأي وتشرّفي بالذهاب إلي الضريح المطهّر واطلبي من الإمام أطفالاً! فنهضت الفتاة فتوضّأت وتشرّفت بالذهاب إلي الضريح المطهّر وابتهلت بالدعاء، ثمّ عادت هذه العائلة بعد زيارة مشهد المقدّسة إلي الكاظميّة. يقول آية الله الحاجّ السيّد علي اللواسانيّ: اعتدنا علي التشرّف بالذهاب لزيارة العتبات المقدّسة مرّة كلّ عام، وكنّا نقضي فصل الشتاء هناك. وحين تشرّفنا بالذهاب إلي الكاظميّة وذهبنا إلي منزل المرحوم الحيدريّ، سمعنا صراخ طفل رضيع وشاهدنا أهل البيت لا يتمالكون أنفسهم فرحاً وابتهاجاً، وقالوا لنا: حالما عدنا من أرض مشهد المقدّسة وقام زوج هذه المخدّرة بمضاجعتها فإنّها حملت منه علي الفور، وها قد انقضت أشهرٌ تسع فولد لها طفل هو أفضل وأحلي مواهب وعطايا ثامن الائمّة عليه السلام التي وصلتنا. ضيافة آية الله العظمي الحاجّ السيّد محمّد هادي الميلانيّلسماحة الحدّادكانت الليلة الاخيرة لتوقّف الحاجّ السيّد هاشم الموسويّ الحدّاد في مشهد المقدّسة في ضيافة أعدّها له سماحة آية الله العظمي الحاجّ السيّد محمّد هادي الميلانيّ في مدرسته، دامت من بعد صلاتي المغرب والعشاء إلي قدر من الليل. وقد حازت تلك الضيافة أهمّيّة كبيرة؛ فقد حضرها أوّلاً جميع رفقاء سفره ومعارفه من طهران وهمدان وإصفهان وشيراز، يقرب عددهم من سبعين إلي ثمانين نفراً، كان من بينهم آية الله الحاجّ الشيخ حسن علي نجابت الشيرازيّ مع جميع تلامذته في السلوك ومرافقيه، وكان حضور هذه الجماعة بهذا العدد من الاُمور المهمّة. وثانياً فقد حفلت المائدة التي بُسطت في ساحة المدرسة وقت العشاء بأنواع الاغذية علي أحسن وجه وأكمله، يصدق في شأنها: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الاْنفُسُ وَتَلَذُّ الاْعْيُنُ. وكان ذلك في الاوقات التي كان سماحته فيها مراقباً من قبل جهاز الامن (السافاك) أشدّ رقابة، فكان أحد مأموريهم يقف دائماً في وسط الزقاق والآخر في رأس الزقاق، يراقبان الواردين ويستفسران عن هويّة الداخلين عليه، فلم يكن ارتياد بيته من قِبَل عامّة الناس ممكناً، بل كان ذلك منحصراً بخصوص أفراد عائلته وأمثالهم. وكانت الصلاة ـ التي يقيمها في الصحن الواقع جهة قدمَي الإمام عليه السلام تحت المراقبة، وكان طريق عبوره للصلاة منحصراً عن طريق صحن المتحف، لئلاّ يقابل أحداً من الناس. ولهذا فقد كانت استضافته لسماحة السيّد الحدّاد بهذه الخصوصيّات مثيرة لاسئلة جهاز الامن: مَنْ يكون هذا السيّد؟ ولماذا حلّ في ضيافته؟ ومن هم هؤلاء الافراد من أهل العلم وغيرهم؟ أيجوز أن يكون لديهم خطّة للتآمر علي أمرٍ ما؟ ولذا، فقد قامت مديريّة الامن بمحاصرة المدرسة بمأموريها وقت تناول العشاء وبمراقبة جماعته عند خروجهم من المدرسة. حتّي قيل إنّ مسير سماحة السيّد الحدّاد من المدرسة إلي الفندق الواقع في سوق « حاجّ آقا جان » كان يمرّ من الصحن المطهّر، لذا فقد قام مأمورو الامن ـ بمجرّد دخول السيّد إلي الصحن بامتطاء درّاجاتهم وأسرعوا بالتوجّه إلي أبواب الصحن المختلفة لمعرفة خروجه ومحلّ إقامته، ثمّ جاءوا إلي الفندق بعد خروجه من باب سوق « سنگتراشها » المعاكس لجهة القِبلة، وظلّوا حتّي الصباح يتردّدون علي الفندق وباقي منازل المعروفين من مرافقيه. وفي الصباح، كان السيّد يقف مع رفقائه الطهرانيّين ومَن لحق بهم، وكان عددهم يقارب عدد ركّاب سيّارة ركّاب كبيرة (حافلة)، وكان عليهم أن يتحرّكوا للسفر من موقف السيّارات السابق في مشهد، وقد تواجد مأمورو الامن هناك أيضاً، حتّي أنّ رئيس دائرة الامن في مشهد جاء بنفسه إلي موقف السيّارات واستفسر من الشباب الشيرازيّين الذين جاؤوا للتوديع: مَن هذا السيّد؟ فكانوا يقفون صامتين في أدب دون أن يجيبوا علي سؤاله، لذا فقد كان هائجاً وعصبيّاً جدّاً. ثمّ تحرّكت سيّارتنا من مشهد إلي طهران، فوردت محطّة توقّف شركة نقليات « ميهن تور » في شارع ناصر خسرو بطهران، وبمجرّد أن هبطتُ من السيّارة شاهدتُ شخصاً مجهولاً يقترب منّي من جنب ساحة المحمولات ويسأل: مَنْ هذا السيّد؟ قلت: إنّ اسمه الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد، من الزوّار الكربلائيّين، وقد جاء للتشرّف بزيارة مشهد، وها هو يعود مع مصاحبيه. نعم! كان السيّد يقول: كان بلاء عجيب يلاحقنا تلك الليلة، وقد أزاله الله عنّا ببركة الإمام الرضا عليه السلام. [151] سفر سماحة الحدّاد لزيارة المرقد المطهّر للمعصومة سلام الله عليها وسفره لمدينة إصفهانتشرّف سماحة الاُستاذ الفقيد المرحوم الحاجّ السيّد هاشم الموسويّ خلال مدّة توقّفه في طهران ولعدّة مرّات بزيارة السيّد عبد العظيم الحسنيّ سلام الله عليه، والسيّد حمزة وهو أحد أبناء الائمّة، والشيخ الصدوق (ابن بابويه)، وكانت حركته من طهران صوبَ تلك البقاع المقدّسة بعد صلاة الصبح، وكان يقضي هناك الفترة بين الطلوعين وقدراً من الوقت بعد طلوع الشمس، ثمّ يعود إلي طهران بعد ساعة من بدء النهار تقريباً. هذا وقد عزم بعد عودته من مشهد المقدّسة علي زيارة السيّدة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسي بن جعفر عليهما السلام في مدينة قم، ومنها إلي إصفهان بناءً علي دعوة الاحبّة والاعزّاء من الاصدقاء الإصفهانيّين، ومن بينهم الحاجّ محمّد حسن شركت الإصفهانيّ، وكانوا قد دعوه لزيارتها ولزيارة مساجد وقبور العظماء في مقبرة « تخت فولاد ». وهكذا فقد كنّا في خدمته ابتداءً في قم لمدّة ثلاث ليالٍ، ومن ثمّ في إصفهان لليالٍ أربع، ثمّ لليلةٍ واحدة في قم أيضاً. وكانت زيارته لقبر السيّدة المعصومة سلام الله عليها في قم بعد طلوع بياض الفجر، أي أ نّه كان يتشرّف بالذهاب للحضرة المطهّرة بعد طلوع الفجر الصادق بقليل، فيصلّي عدّة ركعات للنافلة وصلاة التحيّة وصلاة الصبح. وبعد قدر من التفكّر والتأمّل يزور في زاوية الرواق فيما بين الطلوعين، ثمّ كان يأتي إلي بعض المقابر مثل مقبرة عليّ بن جعفر أو مقبرة « شيخان » أو مقبرة المرحوم الحاجّ الشيخ. ولم يكن ليدور بين القبور، بل كان يقف في زاوية فيتطلّع إلي المقبرة، بعمق ثمّ يقرأ الفاتحة ويستغفر لهم، ثمّ يعود إلي المنزل بعد طلوع الشمس بساعة تقريباً. ولمّا كان الفصل صيفاً والحوزة قد عطّلت دروسها، فلم يكن الكثير من أعاظم الحوزة وفضلائها موجودين آنذاك، لكن البعض ـ وقد علم بوجـوده جـاءَ لملاقاته. وكان سـماحة أُسـتاذنا العلاّمة الحاجّ السـيّد محمّد حسين الطباطبائيّ نوّر الله مرقده موجوداً لم يسافر وقتها، فقلتُ للسيّد الحدّاد: أتحبّون أن أُعلمه ليأتي للقائكم؟! أجاب: لي رغبة شديدة في لقائه، ولكنّنا سنتشرّف بالذهاب إليه، فلا تدعه يتكلّف بالقدوم بنفسه. لذا فقد قام الحقير بأخذ موعد من سماحة الاُستاذ، وتشرّفنا بالذهاب إليه قبل الظهر بساعتين تقريباً (عند الضُّحي). وبعد السلام والمعانقة والاستفسار عن أحوال بعضهما البعض والقيام بواجبات الاستقبال، فقد دام المجلس حدود ساعة واحدة لم يجر فيها تبادل الحديث، بل كان هذان الشخصان الجليلان يجلسان صامتَين. وكان هذا بالطبع ظاهر الامر، أمّا حديثهما المتبادل في باطنهما وما حصلا عليه من التطلّع إلي سيماء أحدهما الآخر، فهي حقائق تفوق مستوي أفكارنا وعلومنا، لا يطّلع عليها إلا الله المتعالي ورسوله وأولياؤه الحقيقيّون. وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَي اللَهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ و وَالْمُؤْمِنُونَ. [152] عظمة ونورانيّة قبر السيّدة المعصومة سلام الله عليهانورانيّة القبور الواقعة في مقبرة «شيخان» قموكان سماحة الحاجّ السيّد هاشم مبتهجاً كثيراً من المقبرة المعروفة بـ « شيخان » وكان يقول: إنّها تفيض بالنور والبركة، والله وحده يعلم ما هي النفوس الزكيّة والطيّبة التي دُفنت هنا. وليس هناك من مكان يماثل هذه المقبرة نورانيّة ورحمة ـ بعد القبر المطهّر للمعصومة الذي جعل فضاء قم وأطرافها رحباً وواسعاً ونورانيّاً يبعث علي النشاط، حتّي كأنّ بركاتها قد أزالت التعب والكآبة من أرض قم وترابها. يماثل هذه المقبرة نورانيّة ورحمة. ومن الجدير بالطلاّب وسائر الناس أن يهتمّوا بهذا المكان أكثر، ويستفيدوا من فضائله وفواضله المعنويّة والملكوتيّة، وأن لا يَدَعوا هذه الآثار تمّحي وتنالها يد النسيان والاندثار انتهي كلام الحدّاد. أعاظم قدماء المحدِّثين المدفونين في مقبرة قموتضمّ هذه المقبرة رفات الكثير من أعلام التشيّع كزكريّا بن إدريس وزكريّا بن آدم، ومحمّد بن قولويه، وأخيراً قبر المرحوم هيدجي السالك الواله المتحرِّر، وقبر المرحوم الحاجّ الميرزا جواد آقا الملكيّ التبريزيّ، وقبر المرحوم الحاجّ الميرزا علي آقا الشيرازيّ وأمثالهم، الذين كانوا يمثِّلون أساطين العظمة والجلال الراسخة. ولقد قال المرحوم الصديق العزيز آية الله الشيخ مرتضي المطهّريّ رحمة الله عليه للحقير: سمعتُ بنفسي القائد العظيم للثورة: آية الله الخمينيّ أعلي الله تعالي مقامه يقول: يرقد في مقبرة قم رجل وهو الحاجّ الميرزا جواد آقا التبريزيّ [153]. وسمعته أيضاً يقول: كان القاضي جبلاً في العظمة ومقام التوحيد. كلام المحدِّث القمّيّ في ذكر عدّة نفر من العلماء المدفونين في قمأجل، وبما أنّ الكلام قد وصل إلي هنا، فيجدر أن نذكر للإخوان في الدين والاخلاّء الروحانيّين مطالب عن المرحوم ثقة المحدِّثين المحدِّث القمّيّ لتكون دافعاً لزيادة الاهتمام وإدراك هذه القبور الشريفة، وليستفيض المقيمون في مدينة قم المقدّسة من الطلبة والزوّار وغيرهم من بركاتها. يقول المحدِّث القمّيّ في كتابه « هديّة الزائرين » [154]: نعم، وباعتبار امتلاء مقبرة بلدة قم الطيّبة بالعلماء والمحدِّثين، كما أشـار العلاّمة المجلسيّ، فإنّ من الاجدر تزيين هذا المقام بذكر عـدّة نفر من مشاهيرهم ممّن لهم مزار معروف ووُصفوا بكثرة الفضيلة وعلوّ الشأن؛ مثل الشيخ الجليل أبي جرير زكريا بن إدريس الذي صرّح علماء الرجال بجلالته ووثاقته والذي أدرك عدّة من الائمّة وروي عن الإمام الصادق والإمام موسي بن جعفر والإمام الرضا عليهم السلام. روي الشيخ الكشّيّ بسند صحيح عن زكريّا بن آدم القمّيّ قال: دخلتُ علي الرضا عليه السلام أوّل الليل في حدثان موت أبي جرير زكريا ابن إدريس، فسألني عنه وترحّم عليه، ولم يزل يحدّثني وأُحدِّثه حتّي طلع الفجر، ثمّ قام فصلّي صلاة الفجر. وعلي كلّ حال، فإنّ، جلالة شأن ذلك العظيم كبيرة، وقبره الشريف في وسط مقبرة المدينة: « شيخان بزرگ » مشهور ومعروف، وإلي جانبه قبور جملة من العلماء. ومثل الشيخ المعظّم النبيل الثقة الجليل القدر زكريّا بن آدم بن عبد الله بن سعد الاشعريّ القمّيّ من خواصّ أصحاب الإمام الرضا عليه السلام، أدرك عدّة من الائمّة عليهم السلام وروي عنهم الاحاديث. وقد رُويت الاخبار الكثيرة في فضله. وكان يجلس مع الإمام الرضا عليه السلام في السفر إلي مكّة في محملٍ واحد، وورد في حقّه حديث المَأْمُونُ عَلَي الدِّينِ وَالدُّنْيَا. روي الشيخ الكشّيّ بسند صحيح عن زكريّا بن آدم قال: قلت للرضا عليه السلام: إنّي أُريد الخروج عن أهل بيتي، أي أخرج من قم؛ فقد كثر السفهاءُ فيهم. فقال: لا تفعل! فإنّ أهل بيتك يُدفع البلاء عنهم بك كما يُدفع البلاء عن أهل بغداد بأبي الحسن الكاظم عليه السلام. وروي كذلك عن عليّ بن المُسَيِّبِ الهمدانيّ قال: قلت للرضا عليه السلام: شقّتي بعيدة ولست أصلُ إليك في كلّ وقت، فممّن آخذ معالم ديني؟ فقال: من زكريّا بن آدم القمّيّ، المأمون علي الدِّين والدنيا! وغيرها من الاخبار الدالّة علي سموّ فخامة شأن ذلك المعظَّم. وقبره الشريف معروف في المكان المشهور بـ شيخان بزرگ وله بقعة كبيرة، وقد دفن إلي جنبه جماعة من العلماء من بينهم العالم الفاضل الخبير الماهر الآخوند الملاّ محمّد طاهر القمّيّ مؤلّف كتاب « الاربعين » وكتاب « حكمة العين »[155] وغيرهما. ومثل الشيخ المعظّم الجليل النبيه عليّ بن بابويه القمّيّ الصدوق الاوّل، والد رئيس المحدِّثين الشيخ أبي جعفر محمّد الذي يُطلق عليه اسم الصدوق، وجلالة وعظمة هذين العالمَينِ الجليلَينِ معلومة وظاهرة للجميع. وقد ذكر في «احتجاج» الطبرسيّ أنّ الإمام العسكريّ عليه السلام كتب رسالة إلي عليّ بن بابويه؛ ورد فيها بعد الحمد والصلاة: أَمَّا بَعْدُ! يَا شَيْخِي وَمُعْتَمَدِي، يَا أَبَا الحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ القُمِّيِّ! وَفَّقَكَ اللَهُ لِمَرْضَاتِهِ وَجَعَلَ مِنْ صُلْبِكَ أَوْلاَداً صَالِحِينَ بِرَحْمَتِهِ إلي آخر التوقيع الشريف الذي حوي في فقراته الاخيرة عبارة: يَا شَيْخِي! وَأْمُرْ جَمِيعَ شِيعَتِي بِالصَّبْرِ. فما أحسن شرف العلم الذي يوصل صاحبه للدرجة التي يخاطبه الإمام عليه السلام فيها بهذه الالفاظ! وقبره الشريف في مقبرة قم معروف، وله بقعة كبيرة وقُبَّة عالية. ومزار نجله الشريف رئيس المحدِّثين في الريّ قرب بلد السيّد عبد العظيم وسط حديقة نضرة، وله بقعة وقبّة عالية ومزار يقصده عامّة الناس، رضوان الله عليهما. ومثل الشيخ الجليل المحدِّث محمّد بن قولَوَيه القمّيّ، الذي يقع قبره الشريف في مقبرة قم المعروفة وسط المنطقة المسيّجة المعروفة بـ شيخان صغير وهذا الشيخ المعظَّم هو والد الشيخ أبي القاسم جعفر بن قولويه [156] أُستاذ الشيخ المفيد والمدفون في الكاظميّة كما مرّ بيانه سابقاً. ومثل الشيخ الفاضل السديد قطب الدين سعيد بن هبة الله الراونديّ، وهو من مشاهير العلماء، وهو مؤلّف كتاب « الخرائج » وكتاب « قصص الانبياء »، ومزاره الشريف معروف في الصحن الجديد للسيّدة المعصومة في قم. ومثل خاتم الفقهاء والمجتهدين وأفضل المدقّقين والمحقّقين، حاوي المكارم والمفاخر، سماحة الآقا الميرزا أبي القاسم المعروف بالمحقّق القمّيّ صاحب كتاب « القوانين » وغيره الذي يعدّ فعلاً مصدراً لدراسة الفضلاء. يقع قبره الشريف قرب قبر زكريّا بن آدم وسط بقعة عليها قبّة عالية، وفي جوانبه وأطرافه قبور الكثير من العلماء والفضلاء لا يتّسع المجال لعدّهم. قبر أحمد بن إسحاق الاشعريّ، في حلوان: سر بل ذهابوهناك قبر يقع قرب بوّابة « معصومه شهر » في السوق، مقابل مسجد الإمام[157]، في بقعة عالية ومعروفة يقال إنّه قبر أحمد بن إسحاق الاشعريّ وكيل الإمام العسكريّ عليه السلام. وهو أمر مُستبعد، إذ إنّ موته حسبما يستفاد من الروايات قد وقع في حُلْوان، وقد ذكر كيفيّته في كتاب « النجم الثاقب ». وقال الشيخ أبو جعفر محمّد بن جرير ] الطَبَرسيّ [ في كتاب دلائله: وكان أحمد بن إسحاق القمّيّ الاشعريّ شيخ الصدوق وكيل أبي محمّد عليه السلام، فلمّا مضي أبو محمّد إلي كرامة الله عزّ وجلّ، أقام علي وكالته مع مولانا صاحب الزمان، تخرج إليه توقيعاته، وتُحمل إليه الاموال من سائر النواحي التي فيها موالي مولانا فيتسلّمها، إلي أن استأذن في المسير إلي قم، فخرج الإذن بالمضي، وذكر أ نّه لا يبلغ إلي قم وأ نّه يمرض ويموت في الطريق، فمرض بحُلْوان ومات ودُفن بها. وأقام مولانا عليه السلام بعد مضي أحمد بن إسحاق الاشعريّ بسُرّ مَن رَآهُ مدّة ثمّ غاب إلي آخره. ثمّ يقول الشيخ المرحوم ثقة الإسلام النوريّ طاب ثراه في كتابه ذلك بعد هذه الفقرة [158]: أحمد بن إسحاق الاشعريّ من كبار أصحاب الائمّة عليهم السلام وصاحب الدرجات العالية عندهم، وكان من الوكلاء المعروفين. وقد ذُكرت وفاته علي نحو آخر في حياة الإمام العسكريّ فأرسل الإمام عليه السلام خادمه كافور ومعه كفن إلي حُلْوان، فغسّله كافور (أو من يشابهه) وكفّنه بغير علم من كان معه، كما في الخبر الطويل لسعد بن عبد الله القمّيّ الذي كان معه في سفر وفاته، لكنّ النجاشيّ نقل عن البعض تضعيف هذا الخبر. و حُلْوان هي ذهاب المعروفة الواقعة في طريق كرمانشاهان إلي بغداد، و يقع قبر ذلك المعظّم قرب نهر تلك القرية المعروفة بـ سَرْ پُل بمسافة ألف قدم تقريباً إلي الجنوب، وعلي ذلك القبر بناءٌ محقّر صار كالخربة، وبقي بلا اسم وعنوان بسبب نقص همّة ومعرفة الاثرياء من أهالي تلك المنطقة، بل وأهالي كرمانشاهان والمتردّدين هناك، إذ لا يزوره شخص واحد من كلّ ألف من الزوّار؛ مع أنّ من الاولي أن يُعَامَل هذا الشخص الذي بعث الإمام عليه السلام خادمه إليه بطيّ الارض ليكفّنه ويجهّزه، والذي بُنِيَ مسجد قم المعروف بأمره، والذي كان وكيلاً للإمام سنين عديدة في تلك النواحي، أفضل من هذه المعاملة وأجمل، وأن يُجعل قبره مزاراً معتبراً لينالوا من بركة صاحب القبر وبوساطته من الفيوضات الإلهيّة انتهي كلام الحاجّ النوريّ[159]. نعم، لقد ذهبنا في معيّة الحاجّ السيّد هاشم الحدّاد قدّس الله نفسه أحد أيّام توقّفه لاداء الصلاة في مسجد جَمْكَران المعروف قبل الغروب بساعة، وقد أدّي سماحة السيّد في ذلك المحلّ الخاصّ صلاة تحيّة المسجد صلاة التوسّل بصاحب الزمان عجّل الله تعالي فرجه طبق الرواية التي أوردها الحاجّ النـوريّ في « النجم الثاقب » والمحدِّث القمّيّ في « هديّة الزائرين »؛ [160] ثمّ عاد إلي قم بعد صلاتي المغرب والعشاء. سفر سماحة الحدّاد من قم إلي إصفهانوبعد أن توقّف السيّد الحدّاد في مدينة قم المقدّسة ثلاثة أيّام للزيارة، اتّجه نحو مدينة إصفهان وورد علي منزل الحاجّ محمّد حسن شركت دام توفيقه. وكان غالباً ما يبقي في المنزل لملاقاة بعض المعارف والاصدقاء وللإجابة علي بعض أسئلة الواردين. ثمّ أشار لي يوماً ـ وقد اجتمعت جماعة هناك لاُبَيِّن تفسير القسم الاخير من سورة التوحيد، وقد نُفِّذ ذلك بحمد الله. وكان الرفقاء والاصدقاء قد امتدحوا كثيراً في محضر السيّد شخصيّة وكمالات المرحومة المخدّرة السيّدة العلويّة هاشميّ الإصفهانيّ، ونقلوا قصصاً عن مكاشفاتها العرفانيّة ودرجاتها التوحيديّة بوجه خاصّ، لذا فقد رغب في رؤيتها والتحدّث معها. وقد قام الحاجّ شركت بإخبارها بذلك وعُيِّن لذلك وقت للِّقاء. وهكذا فقد ذهب الحقير في معيّة السيّد والحاجّ شركت والحاجّ محمّد علي خلف زاده وهو من الرفقاء والاصدقاء وكان قد جاء من كربلاء للزيارة، فدخلنا منزل تلك المخدّرة الجليلة قبل الظهر بساعتين، وأُدخلنا في غرفة الاستقبال، ثمّ جاءت مخدّرة عفيفة محترمة ترتدي إزاراً أبيضاً فدخلت الغرفة، وكان لها آنذاك ثمانون سنة، فرحّبت بنا، ثمّ استفسرت بعد مراسم الاستقبال عن هويّة السيّد الحدّاد ومحلّ سكناه. ثمّ قال السيّد الحدّاد لي: فليكن الحديث مع هذه العلويّة المجلّلة حول التوحيد وليس حول العلوم والمسائل الفقهيّة والاُصوليّة والتفسيريّة أو المكاشفات المثاليّة والحالات النفسانيّة والتقارير عمّا سبق وما سيأتي. وكان يقصد بذلك عدم إتلاف وقت المجلس عبثاً بالكلام والمجاملات العاديّة، وأن يُشخّص في هذا المجلس مقدار درجاتها وسيرها التوحيديّ والعرفان العمليّ. لذا فقد فتح الحقير باب البحث حول التوحيد، فوجهتُ أسئلة أجابت عنها تلك المخدّرة بأجوبة مقبولة ومناسبة. ثمّ أشار السيّد لي: ادخل في البحث بدقّة أكثر! فبسط الحقير الكلام في كيفيّة اضمحلال السالك وفنائه بعد فناء الاسم في فناء الذات وأصل الوجود، وأخيراً عن حقيقة وواقعيّة نُقْطَة الوَحْدَةِ بَيْنَ قَوْسَيِ الاَحَدِيَّةِ وَالوَاحِدَيَّةِ، وسألتُ عن كيفيّة وحقيقة وحدة مقام الولاية الكلّيّة للائمّة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين مع الذات القدسيّة الإلهيّة وكيفيّة هو هويّتها؛ فتلجلجت تلك المخدّرة هنا وبدا اضطرابها في جوابها بشكل جليّ، فأشار السيّد لي أن: أقْصِرْ! وهكذا فلم أُتابع البحث الذي انقطع إلي هذا الحدّ. وباعتبار أنّ المخدّرة عَلِمَتْ بأن سماحة السيّد جاء للزيارة وأ نّه سيعود إلي العتبات المقدّسة، فقد سألته الدعاء لها هناك. ثمّ دعا لها السيّد بالتوفيق والتأييد وحسن العاقبة والترقّي في معارج الكمال ومدارجه، ثمّ وُدِّعنا بعد مرور ساعة تقريباً وانصرفنا. الصلاة في المساجد المعروفة، وزيارة أهل القبور في «تخت فولاد»وكان السيّد يصلّي صلاتي الظهر والعصر في المنزل، أمّا صلاتي المغرب والعشاء فكان يصلّيهما في أحد المساجد المعروفة؛ وهكذا فقد صلّي ليلة في مسجد المرحوم السيّد، وليلة في المسجد الجامع، وأُخري في مسجد الشاه سابقاً (الخمينيّ)، وليلة في مسجد الشيخ لطف الله. وقد حضر بعد أداء الصلاة في المسجدين الاوّلين عند مزار المرحوم السيّد والمرحومين المجلسيَّينِ ودعا إلي الله المتعالي لعلوِّ أرواحهم. وكان يذهب صباحاً بعد أداء صلاة الصبح وعند أوّل طلوع الفجر الصـادق لزيـارة أهل القبـور في مقبـرة « تخت فـولاد »، فيبقي مـدّة بين الطلوعين بأكملها هناك. وكانت المقبرة واسعة جدّاً فكان يذهب كلّ يوم إلي إحـدي نواحيها فقـط، فذهـب يوماً إلي أطـراف قبر المرحـوم مير فندرسـك، ويومـاً عند قبـر المرحـوم الحـاجّ آقـا محمّد البيد آبـاديّ[161] ويوماً عند قبر المرحوم الآخوند الكاشيّ والمرحوم جهانگيرخان. وكان يقول: إنّ هناك شيئَينِ حَفَظَا فضاء إصفهان صافياً: وجود الموحّدين والعارفين وحكماء الإسلام من أعاظم العلماء الذين يرقدون في هذه المقبرة منذ قرون متمادية، ووجود الفتيات الشابّات المعصومات والمتديّنات اللاتي يبسطن سجّاداتهنّ ليلاً وخاصّة قرب الصبح فيقفن عليها لعبادة الله في قيامهن وركوعهن وسجودهن. وكان يقول: لم أُشاهد في أيّ مكان آخر كثرة الفتيات المتعبّدات والمتهجّدات كما في إصفهان؛ إنّ نفوسهن الطاهرة تحيل فضاء إصفهان ليلاً إلي شكل آخر. حفظ قبور العلماء بالله وتوسّل الناس بها، من الواجبات الحتميّةولكن ويا للاسف! فهم يقومون بتخريب هذه المقابر. ليس في إصفهان وحدها، بل في شيراز وقم وسائر الاماكن الاُخري، أي أ نّهم يسقون الارض ويزرعون الاشجار فيحوّلونها إلي حديقة شعبيّة ومتنزّهات بالرغم من أنّ هناك نفوس طيّبة وطاهرة من العلماء الكبار والحكماء العظام والعرفاء ذوي القدر والاعتبار ترقد في هذه الاماكن، فذكر هؤلاء وأسمائهم وآثار قبورهم وزيارتهم والتردّد علي قبورهم ممّا يوجب الرحمة ونزول النعمة. صيانة روح العلم والتقوي تتمثّل في رعاية آثار العلماء وتعاهد قبورهمإنّ هؤلاء يمثّلون ذخائر علميّة وحياتيّة وكنوز معنويّة وروحيّة، ولقد كان هؤلاء ثرواتنا الحياتيّة والواقعيّة، فهم أساطين العلم والادب والتوحيد والمعرفة. فلو دُمّرت قبورهم، ومُحيت آثارهم وضاعت، وانقطع تردّد الناس علي مزارهم للتوسّل والاستفادة من نفوسهم، فلن يبق هناك بيننا من روح ومعنويّة أو طهارة وصفاء. إنّ زيارة القبـور ينبغي أن تذكِّـر الإنسـان بالآخـرة وبانعـدام عالم الطبيعة، من أجل أن لا يكون الإنسان مطلق العنان في هذه الدنيا في حين أنّ الحديقة والخضرة والماء والفَوَّارات هي من الحظوظ الدنيويّة ومتعها. ولو قام هؤلاء بتبديل الصحاري الواسعة الممتدّة إلي أماكن خضراء لما اعترض عليهم أحد، أمّا زراعة قبور الآباء والاُمّهات بالاشجار فلا يمثّل إلاّ غفلة عن الواقع والحقيقة. ما الضرر في أن تكون المقبرة داخل المدينة؟ وأن تكون هناك مقبرة خاصّة لكلّ محلّة؟ كي لا ينسي الناس ذِكر الموت فيبقي مجسّماً في ذهنهم علي الدوام. إنّ ذلك الموت يمثّل حقيقةً وأمراً واقعاً، وسيأتي إلينا شئنا أم أبينا. إنّنا سنقترب من الإسلام الحقيقيّ حين يقترب كلّ وجودنا منه، كما أن سياستنا ستصبح عين ديننا حين تكون العلاقة بين جسمنا وروحنا، دنيانا وآخرتنا، ظاهرنا وباطننا، حياتنا وموتنا؛ وأخيراً جميع جهاتنا واحدةً غير مجزّأة. إنّ علينا أن ننظر بصواب إلي أُصول الإسلام وسنّته ونهجه، لنري أنّ زيارة أهل القبور وتذكّر الموت هو عين تعاليمنا العمليّة والإسلاميّة، فذلك سيحدّ من شدّة طغيان نفوسنا الامّارة، ويقلّل بنسبة كبيرة من الجنايات والجرائم في المجتمع. أمّا لو تابعنا عبدة الدنيا، وتأبّيْنا أن نورد لابينا المتوفّي ذِكراً، فجعلنا قبره في نقطة بعيدة يتوجّب علينا طيّ الفراسخ للوصول إليها. وفي النتيجة فلو فصلناهم عنّا وفصلنا أنفسنا عنهم فجعلناهم نسياً منسياً وأودعناهم تراب النسيان، فسنواجه آنذاك خطراً عظيماً وضرراً كبيراً. وذلك لا نّنا قد نسينا نصفَ، بل مُعظمَ، بل أصل وجودنا وحياتنا، أعني الروح، وتجاهلنا النظرة الواقعيّة والتفكير الواقعيّ، في حين أنّ مسلكنا في الإسلام شيء آخر. إنّ الإسلام يعلّمنا ويربّي فينا روح النظرة الواقعيّة ورفض الوهميّات والتخيّلات والاُمور الاعتباريّة الواهية، ويجعل حياتنا توأماً مع الصلاة والصيام والعبادة والعبوديّة. ومن ثمّ فإنّنا سنكون قد اقتربنا من الإسلام الحقيقيّ حين تكون ثقافتنا قد اقتربتْ منه، وحين تكون روح النظر إلي الواقع والاصالة ورفض الباطل فينا قد اقتربت منه. وبغير ذلك، فلو اعتبرنا أنفسنا مسلمين، وكان سلوكنا ومسلكنا سلوك ومسلك الغافلين وعبدة الدنيا، ونهجنا ومنهجنا تابعاً لسيرة الكفار وأُسلوبهم؛ فلن نستفيد من الإسلام إلاّ الالفاظ والعبارات. نعم، إن المحافظة علي روح العلم والتقوي، وحراسة حقيقة الحكمة والعرفان، تتمثّل في رعاية آثار وقبور العلماء المتّقين والمحافظة علي قبور وأسماء وعلائم الحكماء والعرفاء بالله. ولو أُهمل هذا الامر المهم ـ لا سمح الله فإنّ علينا انتظار عذاب الله. إنّ الله سبحانه حين يريد إنزال نقمته بقوم فإنّه يرفع آثار رحمته واسم أوليائه من بينهم؛ ولقد رأينا أخيـراً في تعاليـم الإمام عليّ بن موسي الرضا عليه السلام لزكريّا بن آدم أ نّه قال له حين استأذنه بالخروج من قم: لا تفعل! فإنّ أهل بيتك يُدفع البلاءُ عنهم بك كما يُدفع البلاءُ عن أهل بغداد بأبي الحسن الكاظم عليه السلام. [162] إنّ هناك بيننا الكثير من هذه الارواح الطيّبة والمجاهدة في سبيل الله بالجهاد الاكبر، والاحرار في عالم التوحيد لا نفطن لقدْرهم وقيمتهم، ولا نسعي لحفظ آثارهم وتعاهد قبورهم؛ في حين أنّ كلاّ منهم دُرّة وجوهرة ثمينة لا نظير لها، بل هم أعلي من أن يُقيَّموا بشيء، يزيد قدْرهم وقيمتهم علي الدنيا والآخرة معاً. وهكذا فإنّ القحط والشحّة، والسيول المفاجئة، والزلازل المدمّرة، والحروب بلا داع وبلا أساس، والإسراف والترف والإفراط بلا سبب الذي يجرّ الإنسان إلي الطغيان، هي كلّها نتيجة وردّ فعل لنكران الجميل هذا، ولهذا الاُسلوب من إهانة المقدّسات العلميّة والدينيّة والآثار المذهبيّة والإسلاميّة للتشيّع [163]؛ هذه المصائب التي يتحيّر لها الإنسان عند حلولها وورودها، فيبحث هذا المسكين عن العلل الطبيعيّة والفيزيائيّة ويحاول أن يقف بهذه التجارب أمام المقدّرات السماويّة، لكنّه لم يقرأ هذه الآية: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ. [164] لقد سافر المرحوم آية الحقّ والعرفان آية الله الشيخ محمّد جواد الانصاريّ الهمدانيّ أواخر عمره إلي باكستان بالرغم من توارد الضعف الشديد ووهن القلب، وكان ذلك أمراً شاقّاً وعسيراً لعدم توفّر وسائل النقل آنذاك كما هي عليه اليوم. ولم يذكر المرحوم علّة سفره لاحد، فجري الحديث عن سبب سفره في محافل الاصدقاء ومجالسهم، فكان كلٌّ يتكلّم بحدسه وظنّه، حتّي سألتُ عن ذلك يوماً من سماحة السيّد الحدّاد بعد مرور سنين طويلة وبعد وفاة ذلك المرحوم فقال: إنّ سفر أمثال هؤلاء الاجلاّء لا يخلو من أحد أمرَينِ: الاوّل: أن يكون هناك في تلك النواحي والديار عاشق واله ومتحمّس ومتحرّر، فيكون علاج داء هجرانه في عالم التوحيد علي يدي هذا الرجل، فيأمره الله تعالي بالذهاب إلي ذلك العاشق للاخذ بيده ومساعدته ومعالجة دائه. والثاني: أن يكون الله قد قدّر، وفق المقدّرات العامّة والكلّيّة، إنزال عذاب علي تلك النواحي، فيأمر الله عبده هذا بالعبور إلي جميع تلك النواحي، ليرفع الله بأثر بركة ورحمة النفس الرحمانيّة لهذا العبد عذابَه عن أُولئك القوم. ارجاعات [149] ـ «مفاتيح الجنان» ص 149 و 150، طبعة الاءسلاميّة، بخطّ طاهر خوشنويس، سنة 1379، أعمال الليلة السابعة والعشرين من رجب. وقد ضُبطت أبيات المرحوم الشيخ الحرّ العامليّ بلفظ وكَشِفَا العِمَي، وربّما أخطأ الناسخ في الكتابة لانّ الصواب هو وَكَشِفَاءِ العُمْي، لانّ شفاء بالمدّ لا بالقصر: شَفَي يَشْفِي شِفَاءً، وعُمْي ـ علي وزن حُمْر: جمع أَعْمَي؛ يشهد علي ذلك عطف كلمة مَرْضَي وهي جمع مريض علي كلمة العُمْي. [150] ـ «الحرب الاءنجليزيّة العراقيّة». [151] ـ كان السيّد يقف في محطّة السيّارات في مشهد ينتظر ركوب السيّارة والتحرّك إلي طهران، ولم يكن أحد ليعلم ما كان يدور في ضميره وباطنه في وداعه للاءمام الرضا عليه السلام. وكان الحقير يقف إلي جانبه فسمعته يتمتم بهذا البيت عدّة مرّات: فَأَنْتُمُ المَلاَ الاَعْلَي وَعِْندَكُمُ عِلْمُ الكِتَابِ وَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّوَرُ وهو من جملة أبيات أنشدها أبو نواس في مدح الاءمام عليّ بن موسي الرضا، وهي موجودة في تأريخ «وفيّات الاعيان» لابن خلّكان، ج 3، ص 271؛ وتمام الابيات: مُطَهَّرُونَ نَقِيَّاتٌ جُيُوبُهُمُ تَجْرِي الصَّلاَةُ عَلَیهِمْ أَيْنَمَا ذُكِرُوا مَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَويَّاً حِيَن تَنْسِبُهُ فَمَا لَهُ فِي قَدِيم الدَّهْرِ مُفْتَخَرُ اللَهُ لَمَّا بَرَا خَلْقاً فَأَتْقَنَهُ صَفَّاكُمُ وَاصْطَفَاكُمْ أَيُّهَا البَشَرُ فَأَنْتُمُ المَلاَ الاَعْلَي وَعِْنَدكُمُ عِْلمُ الكِتَابِ وَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّوَرُ وكذلك فقد أنشد في مدحه عليه السلام هذه الابيات حسب رواية كتاب «النقض» ص 245، و«وفيّات الاعيان» في أحوال الاءمام الرضا عليه السلام، ج 3، ص 270: قِيلَ لِي أَنْتَ أَشْعَرُ النَّاسِ طُرَّاً إذْ تَفَوَّهْتَ بِالكَلاَمِ البَدِيهِ لَكَ مِنْ جَوْهَرِ الكَلاَمِ قَرِيضٌ يُثْمِرُ الدُّرَّ فِي يَدَيْ مُجْتَنِيهِ فَلمَاذَا تَرَكْتَ مَدْحَ ابْنِ مُوسَي وَالخِصَالَ الَّتِي تَجَمَّعْنَ فِيهِ قُلْتُ: لاَ أَهْتَدِي لِمَدْحِ إمَامٍ كَانَ جِبْرِيلُ خَادِماً لاَبِيهِ [152] ـ صدر الآية 105، من السورة 9: التوبة. [153] ـ المرحوم الحاجّ الميرزا جواد آقا التبريزيّ من أعاظم تلامذة المرحوم آية الحقّ وسند التوحيد، المعلّم الربّانيّ الحاجّ الشيخ حسين قلي الهمدانيّ رضوان الله عليهما. وكتبه هي: «لقاء الله»، «أسـرار الصلاة»، «المراقبات» و«أعمال السـنة». وهي حقّـاً غنيّة عن التعريف، وخاصّـة كتاب «لقاء الله» الذي يتميّـز بحرقة خاصّـة، ويمثّل مفتاحـاً ودليلاً للموفقيّة في فتح الباب للسالكين إلي الله. ونكتفي هنا بذكر واحد من الاءرشادات من كتابه «أسرار الصلاة» ص 46، الطبعة الحجريّة؛ يقول: ثمّ إنّي سألتُ بعض مشايخي الاجلّة الذي لم أرَ مثله حكيماً عارفاً ومعلّماً للخير حاذقاً وطبيباً كاملاً: أيّ عمل من أعمال الجوارح جرّبتم أثره في تأثّر القلب؟ قال: سجدة طويلة في كلّ يوم يديمها ويطيلها جدّاً ساعة أو ثلاثة أرباعها، يقول فيها: لاَ´ إِلَـ'هَ الآ أَنتَ سُبْحَـ'نَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّـ'لِمِينَ؛ مشاهداً نفسه مسجوناً في سجن الطبيعة، ومقيّداً بقيود الاخلاق الرذيلة، ومنزّهاً للّه تعالي بأ نّك لم تفعل بي ظلماً، وأنا ظلمتُ نفسي وأوقعتها في هذه المهلكة العظيمة؛ وقراءة القدر في ليالي الجمعات وعصرها مائة مرّة. قال قُدِّس سرّه: ما وجدتُ شيئاً من الاعمال المستحبّة يؤثّر تأثير هذه الثلاثة. وقد ورد في الاخبار ما حاصله أ نّه ينزل يوم الجمعة مائة نفحة أو رحمة؛ تسع وتسعين منها لمن قرأها مائة مرّة في عصرها، وله نصيب في الواحدة أيضاً انتهي. [154] ـ الكتاب بالفارسيّة، وقد أوردنا الفقرات المنقولة عنه مترجمة. (م) [155] ـ ضبط المرحوم الشيخ آقا بزرگ اسم الكتاب بـ «حكمة العارفين» في «الذريعة» ج 7، ص 58؛ وكذا ضبطه المرحوم المحدِّث القمّيّ بنفس ما ذكره صاحب «الذريعة» في «الفوائد الرضويّة» ص 548. [156] ـ صاحب الكتاب المعتبر النفيس: «كامل الزيارات» الذي طبع بالمساعي الجميلة للعلاّمة الامينيّ رحمه الله ومع تعليقته. [157] ـ ورد في كتاب «مرآت البلدان ناصري» أنّ المسجد المعروف بمسجد الاءمام عليه السلام والواقع في قم، قد بناه أحمد بن إسحاق الاشعريّ، وكيل موقوفات الاءمام الحسن العسكريّ عليه السلام بأمر من الاءمام منه عُفي عنه. (أي التعليقة من المحدِّث القمّيّ رضوان الله عليه). [158] ـ الكتاب بالفارسيّة، وقد أوردنا فقراته مترجمة. (م) [159] ـ «هديّة الزائرين» للمحدِّث القمّيّ، ص 359 إلي 362، الطبعة الحجريّة. [160] ـ ذكر المرحـوم النـوريّ في كتاب «النجم الثاقب» ص 5 إلي 7 الطبعة الحجـريّة الرحليّة، سـنة 1308 هجريّة قمريّة، الباب السـابـع، في ذكـر أُولئك الذين تشـرّفوا برؤية الاءمام في الغيبة الكبري، في الحكاية الاُولي بشأن بناء مسجد جمكران؛ وكذلك في كتاب «هديّة الزائرين» ص 363؛ وذكر في حاشية «مفاتيح الجنان» طبعة الاءسلاميّة، بخطّ طاهر خوشـنويـس، سـنة 1379 ه. ق، كتاب «الباقيات الصـالحـات» ص 254 فما بعد، الباب الثاني، ضـمـن صـلاة الاسـتغاثة، كيفـيّـة صـلاة المسـجد في جمكـران الواقـع علـي بعد فرسـخ واحـد من بلدة قـم الطيّبة بأمـر إمـام الزمـان عجّل الله تعالي فرجـه الشـريف بهـذه الكيفيّة: لِيصَلُّوا فيه أربع، ركعتان منها لتحيّة المسـجد، يقرأ في كلّ ركعة منها الحمد مرّة و قُلْ هُوَ اللَهُ أَحَدٌ سبع مرّات، ويسبح سبعاً في كلّ ركوع وسجود؛ وركعتان منها صلاة الحجّة عليه السلام، يقرأ المُصَلِّي في الاُولي سورة الفاتحة، فإذا بلغ الآية: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ كرّرها مائة مرّة، ثمّ أتمّ الفاتحة، ويفعل مثل ذلك في الركعة الثانية، ويُسَبِّح سبعاً في كلّ ركوع وسجود؛ فإذا أتمّ الصلاة هلّل وسبّح تسبيح الزهراء صلوات الله وسلامه عليها، فإذا فرغ من التسبيح سجد وصلّي علي النبيّ وآله مائة مرّة. وهذه الكلمة مرويّة بنصّها عنه عليه السلام قال: فَمَنْ صَلاَّهُمَا فَكَأَ نَّمَا صَلَّي فِي البَيْتِ العَتِيقِ انتهي. أقول: يلزم هنا ذكر نكات ثلاثة، الاُولي: أنّ المرحوم الحاجّ النوريّ رحمة الله عليه نقل في كتاب «نجم ثاقب» قصّة إحضار حسن مُثلة الجمكرانيّ عند صاحب الزمان أرواحنا فداه عن الشيخ الفاضل حسن بن محمّد بن حسن القمّيّ المعاصر للصدوق في كتاب «تأريخ قم» عن كتاب «مؤنس الحزين في معرفة الحقّ واليقين» وهو من مصنّفات الشيخ أبي جعفر محمّد بن بابويه القمّيّ، ثمّ يذكر شرح القضيّة مفصّلاً، ولا يبدو في السند ولا في المتن إشكال مخالف للاُصول. والثانية: أنّ قصّة تشرّفه طبق متن الكتاب كانت ليلة الثلاثاء السابع عشر من شهر رمضان المبارك لسنة ثلاث وتسعين ومائتين (293 ه. ق). وباعتبار أنّ بقيّة الله سلام الله عليه قد ولد سنة 255 ه. ق، فإنّه كان له آنذاك 38 سنة. ولا نّنا نعلم أنّ وقوع الغيبة الكبري كان في سنة 329 ه. ق، لذا ينبغي اعتبار تشرّف حسن مُثلة في زمرة الذين تشرّفوا برؤية الاءمام ولقائه فيالغيبة الصغري. والثالثة: أنّ المرحوم النوريّ قدّس الله سرّه قال في ذيل القصّة: وفي النسخة الفارسيّة لـ «تأريخ قم» وفي نسخته العربيّة التي نقل العالم الجليل محمّد عليّ الكرمانشاهيّ مختصر هذه القصّة عنها، فإنّ المير مصطفي قد ذكر في «حواشي الرجال» في باب حَسَن أنّ تأريخ القصّة سنة ثلاث وتسعين، أي سنة ثلاث وتسعين ومائتين، ويبدو أ نّه قد اشتبه علي الناسخ، وكان أصله سبعين، لانّ وفاة الصدوق كانت قبل سنة تسعين. أقول: صحيح أنّ وفاة الصدوق كانت قبل سنة تسعين، لكنّها كانت قبل القرن الرابع لا القرن الثالث، فقد توفّي المرحوم الصدوق سنة 381 هجريّة قمريّة، وهو من مسلّمات التأريخ وليس سنة 281 ه. ق، أي قبل قرن من وفاته. لذا فإنّ نقله لقضيّة حسن مُثلة الجمكرانيّ كان بعد وقوع القصّة بعشرات السنين ـ لا قبلها ليحتاج إلي تصحيح التسعين إلي سبعين. وبصرف النظر عن ذلك، فقد ورد في متن الحكاية أنّ حسن مُثلة قال: كان هناك شابّ يجلس علي أريكة (إمام الزمان عليه السلام) في سنّ الثلاثين، وهذا السنّ يناسب السنّ الحقيقيّ للاءمام حيث كان عمره الشريف آنذاك 38 عاماً، في حين أ نّنا لو اعتبرنا تأريخ ذلك في السبعين، أي 273 ه. ق فإن عمره الشريف سيكون آنذاك 18 عاماً، فلا يشبه عندئذٍ رجلاً في الثلاثين. [161] ـ آقا محمّد البيد آباديّ من العرفاء المشهورين، وله مقامات ودرجات، وكانت رحلته سنة 1197 هجريّة قمريّة، وقد ذهب الحقير لزيارة قبره مراراً. والمراد من البيد آباديّ مطلقاً هو هذا الشيخ، أمّا آقا محمّد جواد البيد آباديّ فهو من عرفاء العصر المتأخّر وأُستاذ والد الصديق المكرّم الحاجّ محمّد حسن شركت. وقد قال الحاجّ محمّد حسن دام توفيقه: كان المرحوم أبي يقول: إنّ أحداً لم يعرف آقا محمّد جواد البيد آباديّ. وكان المرحوم البيد آباديّ قد أنشد بيتاً دوّنه عنه أبي: صد گنج نهان بود مرا در دل و ياران ناديده گرفتند كه اين خانه خراب است يقول: «إنّ لديّ مائة كنز مخبوء في القلب، لكنّ أصحابي أهملوها فزعموا أنّ هذا البيت خَرِب» رسالة موجزة في السير والسلوك للمرحوم البيد آباديّوللمرحوم آقا محمّد البيد آباديّ المعروف بالبيد آباديّ الكبير مطالب شيقّة كان الحقير قد استنسخها لنفسه حين كنتُ في النجف الاشرف، ثمّ تبيّن أنّ المرحوم العلاّمة الطهرانيّ الشيخ آقا بزرگ أُستاذ الحقير في فنّ الدراية والحديث والاءجازات قد ذكرها في كتاب «الذريعة» ج 12، ص 283، الطبعة الاُولي، مطبعة الجامعة، سنة 1380 ه. ق، تحت عنوان «رسالة في السير والسلوك * فارسيّة لا´غا محمّد البيد آباديّ أيضاً كتبها مراسلة إلي بعض تلاميذه». وباعتبار أ نّها مختصرة من جهة، وحاوية لمطالب عميقة من جهة أُخري، لذا نوردها بعينها هنا للمزيد من الفائدة للمطالعين الكرام: بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين يقول البيد آباديّ: يَا أَخِي وَحَبِيِبي! إنْ كُنَتَ عَبْدَ اللَهِ فَاْرْفَعْ هِمِّتَكَ، وَكِلْ عَلَي اللَهِ أَمْرَ مَا يُهِمُّكَ! اجعل همّتك عالية ما أمكنك لاِنَّ المَرْءَ يَطِيرُ بِهِمَّتِهِ كَمَا أَنَّ الطَّيْرَ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ. غلام همت آنم كه زير چرخ كبود ز هر چه رنگ تعلق پذيرد آزاد است يقول: «تسترقّني همّةُ مَن يعيش تحت فلك السماء الزرقاء حرّاً لا يعلق به أيّ لون واعتبار». هر چه در اين خانه نشانت دهند گر نستاني به از آنت دهند يقول: «كلّ ما أروك في هذه الدنيا، إن لم تأخذه فستُعطي خيراً منه». يعني: أخلِ قلبك عن غير الحقّ تعالي بالتأمّلات الصحيحة وكثرة ذكر الموت. أنّ لك قلباً واحداً فليكْفك حبيبٌ واحد! أَلَيْسَ اللَهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ. مَا جَعَلَ اللَهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ. در دو عالم گر تو آگاهي از او از چه بد ديدي كه درخواهي از او يقول: «إن كنتَ تعيه في كلا العالمَينِ، فأيّ شيء ساءك كي تطلب منه غيره؟!». إلهي زاهد از تو حور ميخواهد قصورش بين به جنت ميگريزد از درت يا رب شعورش بين يقول: «إلهي! انظر قصور الزاهد حين يطلب منك الحور! وانظر إلي فهمه وشعوره حين يهرب من بابك إلي الجنة». ما عَبَدْتُكَ خَوْفاً مِنْ نارِكَ وَلاَ طَمَعاً فِي جَنَّتِكَ، بَلْ وَجَدْتُكَ أَهْلاً لِلْعِبادَةِ فَعَبَدْتُكَ. أخلينا القلب الضيّق بالمرّة من كلا العالَمَينِ ليصبح مكاناً لك. ولا يمكن تحصيل هذا العمل بالهوس، بل إنّك إنْ لم تتخطَّ الهوس لما أمكنك تحصيل ذلك. أَبَي اللَهُ أَنْ يُجْرِيَ الاُمُورَ إلاَّ بِأَسْبَابِهَا. وَالاَسْبَابُ لاَبُدَّ مِنْ اتِّصَالِهَا بِمُسَبِّبَاتِهَا، وَالاُمُورُ العِظَامُ لاَ تُنَالُ بِالمُنَي وَلاَ تُدْرَكُ بِالهَوَي. وَاسْتَعِينُوا فِي كُلِّ صَنْعَةٍ بِأَرْبَابِهَا، وَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا. فَإنَّ التَّمَنِّي بِضَاعَةُ الهَلْكَي. آئينه شو جمال پري طلعتان طلب جاروب كن خانه و پس ميهمان طلب يقول: «كن مرآةً ثمّ ابحث عن جمال الوجوه الملائكيّة، اكنس بيتك ثمّ ابحث عن الضيف». چو مستعدّ نظر نيستي وصال مجوي كه جام جم نكند سود وقت بي بصري يقول: «إن لم تكن مؤهّلاً للنظر فلا تبحث عن الوصال، فالمرآة التي تبدو فيها الدنيا لا تُجدي مع العمي». لابدّ لك أوّلاً أن تطلب الهداية من المرشد العامّ والهادي إلي السبل، وأن تتمسّك بأذيال المتابعة لائمّة الهدي عليهم السلام. وأعرِضْ عن الدنيا وحصِّل العشق. قُلِ اللَهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ. عشق مولي كي كم از ليلي بود محو گشتن بهر او أولي بود يقول: «مَتي كان عشق المولي أدني من عشق ليلي؟! ولقد كان المحو فيه أجمل وأولي». حاصل عشق همان بس كه اسير غم او دل به جائي ندهد ميل به جائي نكند يقول: «يكفي في عشقه أن يصبح المرء أسير غمّه وحبّه، فلا يهب قلبه لاحد ولا يرغب في مكان». فاجعل همومك همّاً واحداً، وضع قدمك بجدٍّ واجتهاد علي جادّة الشريعة، واطلب مَلَكة التقوي! أي ينبغي اجتناب الحرام والشبهة والمباحات قولاً وفعلاً وحالاً وخيالاً واعتقاداً لنيل الطهارة الصوريّة والمعنويّة التي هي شرط للعبادة، كي يكون هناك أثر للعبادة، فلا تكون صورةً محضة. إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. وَلَن تُقْبَلَ نَفَقَاتُكْم إن كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ. وَمَا مَنَعَهُ عَن قَبُولِ صَدَقَاتِهِمْ إلاَّ كَوْنُهُمْ فَاسِقِينَ. لَن يُقْبَلَ عَمَلُ رَجُلٍ عَلَیهِ جِلْبَابٌ مِنْ حَرَامٍ. مَنْ أَكَلَ حَـرَاماً لَن يَقْبَلَ اللَهُ مِنْهُ صَـرْفاً وَلاَ عَدْلاً. وَتَـرْكُ لُقْمَةٍ حَرَامٍ أَحَبُّ إلی اللَهِ مِنْ أَلْفَيْ رَكْعَةٍ تَطَوَّعاً، وَرَدُّ دَانِقٍ مِنْ حَرَامٍ تَعْدِلُ سَبْعِينَ حِجَّةٍ مَبْرُوَرةٍ. وهكذا فإنّ سعة الفهم ستزداد تدريجيّاً. وَمَن يَتَّقِ اللَهَ يَجْعَلْ لَهْ فُرْقَاناً **. وَاتَّقُوا اللَهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَهُ. وينبغي أن لا يقصّر دقيقةً واحدة من هذا الوقت عن الواجبات والطاعات المقرّرة الواجبة والمندوبة من أجل تقوية السرّ والروح القدسيّة. وَنَحْنُ نُؤَيِّدُ رُوحَ القُدْسِ بِالعَمَلِ الصَّالِحِ؛ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ بَعْضُهُ مَنْ بَعْضٍ. وكي ينال شرح الصدر، وكي يتبادل نور العبادات البدنيّة ونور الملكات النفسيّة تقوية بعضهما البعض فيصبحان نُوراً عَلَي نُورٍ؛ الطَّاعَةُ تَجُرَّ الطَّاعَةَ، فتصل الاحوال السابقة بأقلّ زمن إلي درجة المقام، وتُنال الملكات الحسنة والاخلاق الجميلة، وتصل العقائد الحقّة إلي الرسوخ الكامل، وتنبع ينابيع الحكمة من القلب فتجري علي اللسان، ويُعرض بشكل كامل عن غير الحقّ تعالي. فإن كان آنذاك من زمرة السابقين فإن جذبة العناية ستستقبله فتسلب منه ذاته، ويُعوَّض عنها بـ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذْنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَي قَلْبِ بَشَرٍ. ويشاهد بعينه حقيقة إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَل'كِنَّ اللَهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَإِنَّ هُدَي اللَهِ هُوَ الْهُدَي'، وسينجذب السالك ويُشاهد إذَا أَرَادَ اللَهُ بِعَبْدٍ خَيْراً فَتَحَ عَيْنَ قَلْبِهِ. إلَهي تَرَدُّدِي فِي الآثَارِ يُوجِبُ بُعْدَ المَزَارِ؛ فَاجْذِبْنِي بِجَذْبَةٍ تُوصِلُنِي إلی قُرْبِكَ، وَاسْلُكْنِي مَسَالِكَ أَهْلِ الجَذْبِ، وَخُذْ لِنَفْسِكَ مِنْ نَفْسِي مَا يُصْلِحُها. جَذْبَةٌ مِنْ جَذَبَاتِ الرَّبِّ تُوَازِي عَمَلَ الثَّقَلَيْنِ. إن أحداً لم يخسر في المعاملة مع الكبار. طالع اگر مدد كند دامنش آورم به كف ار بكشم زهي طرب ور بكشد زهي شرف يقول: «إن حالفني الطالع لتعلّقت بذيل ردائه، فإن جذبتُ كفاني طرباً، وإن جذبَ كفاني شرفاً». ما بدان مقصد عالي نتوانيم رسيد هم مگر لطف شما پيش نهد گامي چند يقول: «لقد كنّا عاجزين عن الوصول إلي ذلك الهدف الرفيع، لولا أنّ فضلك خطي إلينا أوّلاً خطواتٍ عدة». تا به دنيا فكر اسب و زين بود بعد از آنت مركب چوبين بود يقول: «مادام تفكيرك في هذه الدنيا بالجواد والسرج، فسيكون مركبك بعد ذلك تابوتاً خشبياً». حتّي يوصله هبوب نسمات الرحمة إلي إحدي الجزائر الخالدات في بحرَي الجلال والجمال التي تليق باستعداده وحسن سعيه وهمّته. إنَّ لِلَّهِ تَعَالَي فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، أَلاَ فَتَعَرَّضُوا لَها. وهذه المراتب المذكورة هي منازل السير إلي الله والمجاهدة في سبيل الله تعالي؛ يَـ'´أَيُّهَا الاْءنسَـ'نُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَي' رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَـ'قِيهِ. وبعدها: إنَّ الَّذِينَ جَاهَدُوا فِيَنا الذي سيكون سفر السير في الله تعالي؛ ولا ضرورة لذكر ذلك بل هو مضرّ. درِ دير مي زدم من ز درون صدا بر آمد كه تو در برون چه كردي كه درون خانه آئي يقول: «كنت أقرع باب الدير فجاء النداء من الداخل: ما الذي فعلته خارجاً حتّي تدخل هذا البيت؟!». الاءيمَانُ مَرَاتِبُ وَمَنَازِلُ لَوْ حُمِّلَتْ عَلَي صَاحِبِ الاثَنَيْنِ ثَلاَثَةٌ لَتَقَطَّعَ كَمَا تَقَطَّعَ البَيْضُ عَلَي الصَّفَا. رَحِمَ اللَهُ امْرُؤٌ ] امْرَءَاً [ عَرَفَ قَدْرَهُ وَلَمْ يَتَعَدَّ طَوْرَهُ. چون نديدي شبي سليمان را تو چه داني زبان مرغان را يقول: «ماذا تعلم من لسان الطيور ولغتها، وأنت لم ترَ سليمان ولو لليلة؟!». فَخُذْ مَآ ءَاتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّـ'كِرِينَ. و لَئِن شَكَرْتُمْ لاَزِيدَنَّكُمْ. با كه گويم اندرين ره زنده كو بهر آب زندگي پوينده كو آنچه من گفتم به قدر فهم توست مُردم اندر حسرت فهم درست يقول: «هل مِن حـيّ فأتحـدّث له عن طريق السـرّ والباطن؟! أين الباحـث عن ماء الحياة؟! إنّ ما قلتُه هو بقدر فهمك وإدراكك، ولقد متُّ في حسرة الفهم الصحيح». رَحِمَ اللَهُ امْرَءاً سَمِعَ قَوْلِي وَعَمِلَ فَاهْتَدَي بِهِ. واعلم يقيناً أنّ من شرع في السلوك بالنحو المذكور فأدركه الاجل الموعود في مرحلة من المراحل فسـيُحشـر في زمـرة وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَـاجِرًا إِلَي اللَهِ وَرَسُـولِهِ ثُمَّ يُدْرِكهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ و عَلَي اللَهِ. فإن كنت رجل السفر فقد دللتُك علي الدرب. وَاللَهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ. دوّنتُ بقلمي ما كان بخاطري لعلّ من ينتفع! هر كس كه ز شهر آشنائي است داند كه متاع ما كجائي است يقول: «إنّ كلّ من له معرفة بالمدينة، يعلم أين نحطّ الرحال!». يا حاجّ! إنّ درب الهدي ـ والله ليس إلاّ العشق. وقد قلنا: وأنت لا تعلم مدي نشوة هذه الخمرة حتّي تذوقها. وَالسَّلَـ'مُ عَلَي مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَي'. * ـ ذكر صاحب «الذريعة» هذه الرسالة برقم 1905، وأورد في الرسالة التي سبقتها برقم 1904 هذه العبارة: «رِسَاَلةٌ فِي السَّيْرِ وَالسُّلُوكِ» لِجَمَالِ السَّالِكِينَ العَالِمِ العَارِفِ المُتَشَرِّعِ الحَكِيمِ الآغَا مُحَمَّدٍ الِبيْد آبَادِيِّ الاءصْفَهَّانِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ رَفِيعِ الجِيلاَنِيِّ الاَصْلِ، المَوْلُودِ بِإصْفَهَانَ وَالمُتَوَفَّي بِهَا 1197 ه. ق، كَتَبَهَا جَوَاباً عَمَّا كَتَبَهُ إلَيْهِ المُحَقِّقُ القُمِّيُّ صَاحِبُ «القَوَانِين» يَسْأَلُهُ فِيهِ عَنْ بَيَانِ مَا هُوَ لاَزِمٌ لَهُ فِي السُّلُوكِ. أَوَّلُها: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَمَّرِ بِيَدَيْ جَلاَلِهِ وَجَمَالِهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً طِينَةَ الاءنَسانِ، وَأَوْدَعَ فِيِه أَسْرَارَ الاَسْمَاءِ كُلِّهَا وَعَلَّمَهُ المَعَانِي وَالبَيَانَ. ** ـ مقتبس من الآية 29، من السورة 8: الانفال: يَـ'´أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو´ا إِن تَتَّقُوا اللَهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا؛ والآية 2، من من السورة 65: الطلاق: وَمَن يَتَّقِ اللَهَ يَجْعَل لَّهُ و مَخْرَجًا. [162] ـ مرّ ذكره، نقلاً عن كتاب «هديّة الزائرين» للمرحوم الحاجّ الشيخ عبّاس المحدِّث القمّيّ أعلي الله مقامه. [163] ـ يقول أمير المؤمنين عليه السلام كما ورد في «نهج البلاغة»: لاَ يَتْرُكُ النَّاسُ شَيْئاً مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ لاِسْتِصْلاَحِ دُنْيَاهُمْ إلاَّ فَتَحَ اللَهُ عَلَیهِمْ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْهُ. (الحكمة 106، وفي طبعة مصر وتعليق الشيخ محمّد عبده: ج 2، ص 161). ويقول محيي الدين بن عربي في كتابه «محاضرة الابرار ومسامرة الاخيار» ج 2، ص 166، الطبعة الاُولي، مطبعة السعادة، مصر، سنة 1324 ه. ق. قال الشاطبيّ: كان سبب موت هذا السيّد ] عليم بن هاني العمريّ [ أ نّه اضطرّ إلي الاجتماع بالسلطان في نازلة نزلت به فسار إليه. فلمّا جاء البلد الذي فيه السلطان، خلا بنفسه في ليلة جمعة فصلّي بسورة فيها سجدة، فلمّا سجد سأل ربّه الموت وأن لا يجتمع بالسلطان فانقطع كلامه وهو ساجد فرفع وهو كذلك فلبث يومين وهو لا يتكلّم ومات. وكان هذا الشيخ قد نهبت داره فجعل يبكي، فاجتمع إليه الفقهاء والاُدباء يصبّرونه ويهوّنون عليه ما جري، فقال لهم: ما أبكي لما جري من ذهاب الدنيا لكن فيما روي عن النبيّ صلّي الله عليه ] وآله [ وسلم أ نّه قال: مَا اسْتَخَفَّ قَوْمٌ بِعالِمِهِمْ وَانْتَهَكُوا حُرْمَتَهُ إلاَّ سُلِّطَ عَلَیهِمُ العَدُوُّ. وتُوفّي الشيخ من عامه كما ذكرنا وسُلّط العدوّ علي البلد في العام الذي بعده فأخذهم شرّ أخذة وبقوا حديثاً شنيعاً علي وجه الدهور، علي أ نّه كان لهم عدد عظيم ومدد جسيم فلم يغن عنهم ذلك شياء وظهر فيهم ما ذكره الشيخ رضي الله عنه. [164] ـ ذيل الآية 76، من السورة 12: يوسف. |
|
|