بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الروح المجرد/ القسم التاسع: معني الولاية، زيارة الامام الرضا في شهر رجب، العلة فی عدم استجابة بعض أدعیة الناس

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

 وأمّا المسألة‌ الثالثة‌: العلاقة‌ بين‌ زيارته‌ عليه‌ السلام‌ وزيارة‌ بيت‌ الله‌ في‌ شهر رجب‌ المرجّب‌

فقد روي‌ في‌ « فروع‌ الكافي‌ »: أَبُو عَلِيٍّ الاَشْعَرِي‌ّ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الكُوفِي‌ِّ، عَنِ الحُسَيْنِ بْنِ سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ:

 سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَیهِ السَّلاَمُ عَنْ رَجُلٍ حَجَّ حِجَّةَ الإسْلاَمِ، فَدَخَلَ مُتَمَتِّعاً بِالعُمْرَةِ إلی الحَجِّ، فَأَعَانَهُ اللَهُ عَلَي‌ عُمْرَتِهِ وَحَجِّهِ، ثُمَّ أَتَي‌ المَدِينَةَ فَسَلَّمَ عَلَي‌ النَّبِي‌ِّ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ ] وَسَلَّمَ [ ثُمَّ أَتَاكَ عَارِفاً بِحَقِّكَ؛ يَعْلَمُ أَ نَّكَ حُجَّةُ اللَهِ عَلَي‌ خَلْقِهِ وَبَابُهُ الَّذِي‌ يُؤْتَي‌ مِنْهُ، فَسَلَّمَ عَلَیكَ، ثُمَّ أَتَي‌ أَبَا عَبْدِ اللَهِ الحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اللَهِ عَلَیهِ فَسَلَّمَ عَلَیهِ، ثُمَّ أَتَي‌ بَغْدَادَ وَسَلَّمَ عَلَي‌ أَبِي‌ الحَسَنِ مُوسَي‌ عَلَیهِ السَّلاَمُ، ثُمَّ انْصَرَفَ إلی بِلاَدِهِ، فَلَمَّا كَانَ فِي‌ وَقْتِ الحَجِّ رَزَقَهُ اللَهُ الحَجَّ؛ فَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ: هَذَا الَّذِي‌ قَدْ حَجَّ حِجَّةَ الإسْلاَمِ يَرْجِعُ أَيْضاً فَيَحُجُّ، أَوْ يَخْرُجُ إلی خُرَاسَانَ إلی أَبِيكَ عَلِي‌ِّ بْنِ مُوسَي‌ عَلَیهِ السَّلاَمُ فَيُسَلِّمَ عَلَیهِ؟!

 قَالَ: ] لاَ [ بَلْ يَأْتِي‌ خُرَاسَانَ فَيُسَلِّمُ عَلَي‌ أَبِي‌ الحَسَنِ عَلَیهِ السَّلاَمُ أَفْضَلُ؛ وَلْيَكُنْ ذَلِكَ فِي‌ رَجَبٍ؛ وَلاَ يَنْبَغِي‌ أَنْ تَفْعَلُوا ] فِي‌ [ هَذَا اليَوْمِ؛ فَإنَّ عَلَینَا وَعَلَیكُمْ مِنَ السُّلْطَانِ شُنْعَةً [122].

 ويروي‌ شيخ‌ الطائفة‌ المقدّم‌ المتوفّي‌ سنة‌ 367: أبو القاسم‌ جعفر بن‌ محمّد بن‌ قولَوَيْه‌ هذه‌ الرواية‌ المباركة‌ بسند صحيح‌ آخر في‌ كتابه‌ النفيس‌ المعتبر: «كامل‌ الزيارات‌» نقلاً عن‌ أبيه‌ وعن‌ محمّد بن‌ الحسن‌ وعلي‌ّ بن‌ الحسين‌ جميعاً، عن‌ سعد بن‌ عبد الله‌ بن‌ أبي‌ خلف‌، عن‌ الحسن‌ بن‌ علي‌ّ بن‌ عبد الله‌ بن‌ المغيرة‌، عن‌ الحسين‌ بن‌ سيف‌ بن‌ عميرة‌، عن‌ محمّد بن‌ أسلم‌ الجبلي‌ّ، عن‌ محمّد بن‌ سليمان‌ قال‌: سألتُ أبا جعفر عليه‌ السلام‌... ثمّ يورد الرواية‌ بنفس‌ العبارة‌ التي‌ أوردناها عن‌ « الكافي‌ ».

 بَيدَ أنّ العلاّمة‌ الشيخ‌ عبد الحسين‌ الاميني‌ّ رحمه‌ الله‌ يقول‌ في‌ هامشه‌ علي‌ الكتاب‌: وردتْ عبارة‌ ثُمَّ أَتَاكَ بهذه‌ الكيفيّة‌ في‌ نُسخ‌ الكتاب‌، كما رواها المشهدي‌ّ في‌ « المزار الكبير » بإسناده‌ بنفس‌ الطريق‌ الذي‌ ورد في‌ الكتاب‌. وكذلك‌ رواها الشيخ‌ الصدوق‌ أيضاً بنفس‌ السند، لكنّه‌ أورد مكان‌ قوله‌: ثُمَّ أَتَاكَ إلي‌ قوله‌: ثُمَّ أَتَي‌ عبارة‌: ثُمَّ أَتَي‌ أَبَاكَ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلَیهِ السَّلاَمُ عَارِفاً بِحَقِّهِ يَعْلَمُ أَ نَّهُ حُجَّةُ اللَهِ عَلَي‌ خَلْقِهِ وَبَابُهُ الَّذِي‌ يُؤْتَي‌ مِنْهُ، فَسَلَّمَ عَلَیهِ ثُمَّ أَتَي‌ ـ إلي‌ آخره‌؛ ورواية‌ الصدوق‌ تلك‌ أقرب‌ للصواب‌ [123].

 الرجوع الي الفهرس

البحث‌ عن‌ المراد بـ «هَذَا اليَوْمِ» في‌ خبر محمّد بن‌ سليمان‌

 وتبدو هناك‌ في‌ تفسير ذيل‌ هذا الحديث‌ المبارك‌ وجهتا نظر:

 الاُولي‌: أنّ المراد بـ هَذَا اليَوْمِ زمن‌ خلافة‌ الخليفة‌ الجائر في‌ ذلك‌ الوقت‌، وعليه‌ فإن‌ معني‌ الحديث‌ سيصبح‌: أنّ الزيارة‌ ينبغي‌ الإتيان‌ بها في‌ رجب‌، ولكن‌ عليكم‌ أن‌ لا تقوموا بها في‌ هذا الوقت‌، والعصر الذي‌ يُخشي‌ فيه‌ علينا وعليكم‌ من‌ تشنيع‌ السلطان‌، وعليكم‌ أن‌ تصبروا حتّي‌ ينقضي‌ هذا الزمن‌، ثمّ زوروا آنذاك‌ في‌ شهر رجب‌.

 والإشكال‌ الذي‌ يرد علي‌ هذا الاحتمال‌ أنّ هذه‌ الخلافة‌ الجائرة‌ ربّما دامت‌ إلي‌ سنوات‌ عديدة‌ فلم‌ تتصرّم‌ ولم‌ ينتهِ أمدها، فلِمَ منع‌ جواد الائمّة‌ عليه‌ السلام‌ ذلك‌ الرجل‌ من‌ الحجّ في‌ موسمه‌ مع‌ عدم‌ تمكنه‌ ـ حسب‌ الفرض‌ من‌ زيارة‌ الإمام‌ علي‌ّ بن‌ موسي‌ الرضا عليه‌ السلام‌؟!

 الثانية‌: أنّ المراد بـ هَذَا اليَوْمِ هو يوم‌ الحجّ وموسم‌ الحجّ، فيكون‌ عليه‌ السلام‌ قد قال‌ لهذا الرجل‌ إنّه‌ إذا أتي‌ موسم‌ الحجّ ودار الامر بين‌ أن‌ يحجّ أو يزور أبي‌ فالزيارة‌ مقدَّمة‌، لكنّه‌ ينبغي‌ ألاّ يذهب‌ في‌ أيّام‌ الحجّ وموسمه‌ إلي‌ خراسان‌ ليزور، لانّ الخليفة‌ سيقول‌ إنّ هؤلاء قد جعلوا حجّهم‌ زيارة‌ قبر الإمام‌ الرضا؛ ومن‌ المشهود في‌ موسم‌ الحجّ أنّ جميع‌ زائري‌ بيت‌ الله‌ الحرام‌ يغادرون‌ أوطانهم‌ متوجّهين‌ إلي‌ مكّة‌، فلو سافر آنذاك‌ أحد إلي‌ خراسان‌ للزيارة‌ فسيكون‌ سفره‌ المستلفت‌ للانظار مشخّصاً ومميّزاً، وسيقول‌ الخليفة‌ إنّ هؤلاء يُعرضون‌ عن‌ عمل‌ الحجّ مع‌ أهمّيّته‌ الكذائيّة‌ ويقصدون‌ مكاناً آخر هو قبر إمامهم‌ فيحجّون‌ إليه‌! وعليكم‌ لذلك‌ أن‌ لا تذهبوا للزيارة‌ في‌ موسم‌ الحجّ، وأن‌ تصبروا إلي‌ وقت‌ يغاير موسم‌ الحجّ ويقابله‌ وهو شهر رجب‌، شهر الله‌ الاصبّ الذي‌ له‌ الشرف‌ والفضيلة‌ كي‌ تزوروا فيه‌، ليزول‌ عنكم‌ احتمال‌ التشنيع‌ وتكونوا آنذاك‌ قد زرتم‌ ولم‌ تثيروا شكّ السلطان‌ فيكم‌ واتّهامه‌ لكم‌!

 وهذا الوجه‌ من‌ الاحتمال‌ مناسب‌ جدّاً وخال‌ من‌ الإشكال‌ والإيراد، مضافاً إلي‌ أنّ الخوف‌ من‌ التشنيع‌ حسب‌ البيان‌ السابق‌ يختصّ بزيارة‌ الرضا عليه‌ السلام‌ في‌ موسم‌ الحجّ لا مطلق‌ الزيارة‌ ولو حصلت‌ في‌ شهر رجب‌، وذلك‌ لانّ زيارة‌ الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ بشكل‌ مطلق‌ كانت‌ رائجة‌ ودارجة‌ في‌ تلك‌ الازمان‌، وكان‌ من‌ المتعارف‌ والمعهود من‌ الشيعة‌ أن‌ يقوموا بزيارة‌ قبور أئمّتهم‌.

 وعلي‌ أي‌ٍّ من‌ الاحتمالَينِ السابقَينِ فإنّ عبارة‌ الرواية‌ كانت‌ بلفظ‌ رجب‌ بالجيم‌ المعجمة‌، بَيدَ أنّ أحد الاصدقاء، وهو سماحة‌ آية‌ الله‌ الحاجّ السيّد موسي‌ الشُّبيري‌ّ الزنجاني‌ّ دامت‌ بركاته‌ قال‌: إنّ كلمة‌ رجب‌ في‌ نُسخة‌ « الكافي‌ » التي‌ طُبعت‌ بتصحيح‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الشهيد الشيخ‌ فضل‌ الله‌ النوري‌ّ أعلي‌ الله‌ مقامه‌ قد ضبطت‌ بالحاء المُهملة‌. وقد رجّح‌ أحد الآيات‌ العظام‌ دامت‌ بركاتهم‌ في‌ كتاب‌ أ لّفه‌ في‌ باب‌ زيارة‌ الإمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌ هذا الضبط‌، وقال‌: إنّ عبارة‌ « رَحْب‌ » تعني‌ أنّ عليكم‌ القيام‌ بالزيارة‌ في‌ سعة‌، وأن‌ تمتنعوا عنها في‌ زمن‌ الشدّة‌ والضيق‌ خوفاً من‌ تشنيع‌ السلطان‌؛ وعليه‌ فلا خصوصيّة‌ لزيارة‌ الإمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌ في‌ شهر رجب‌، لانّ مناط‌ توهّم‌ الخصوصيّة‌ هذه‌ الرواية‌ فقط‌، وهذا المناط‌ يزول‌ بعد معرفة‌ أنّ عبارة‌ الرواية‌ كانت‌ بلفظ‌ رَحْب‌ لا رَجَب‌.

 الرجوع الي الفهرس

الإشكالات‌ الواردة‌ علي‌ احتمال‌ ضبط‌ «رَحْب‌» في‌ رواية‌ محمّد بن‌ سليمان‌

 أقول‌: يرد علي‌ هذا الاحتمال‌، أي‌ احتمال‌ ضبط‌ رَحْب‌ بالحاء المهملة‌ وجوه‌ من‌ الإيرادات‌:

 أوّلاً: أنّ المرحوم‌ المحدِّث‌ العلاّمة‌ المجلسي‌ّ روي‌ هذا الحديث‌ في‌ « بحار الانوار » عن‌ كتاب‌ « عيون‌ أخبار الرضا » بسندٍ آخر عن‌ ابن‌ المغيرة‌، عن‌ جدّه‌ الحسن‌، عن‌ الحسين‌ بن‌ سيف‌، عن‌ محمّد بن‌ أسلم‌، عن‌ محمّد بن‌ سليمان‌، عن‌ أبي‌ جعفر عليه‌ السلام‌، وقد ضبط‌ لفظ‌ رَجَب‌ في‌ الرواية‌ بالجيم‌ المعجمة‌.[124]

 وقال‌ في‌ آخر هذا الباب‌، ص‌ 226: وَقَدْ مَرَّ اسْتِحْبَابُ كَوْنِهَا فِي‌ رَجَب‌.

 وثانياً: أنّ المرحوم‌ المجلسي‌ّ ضبطها في‌ « تحفة‌ الزائر » بلفظ‌ رَجَب‌، حيث‌ يقول‌ في‌ هذا الكتاب‌ ضمن‌ ترجمة‌ هذا الحديث‌ الشريف‌: « وبايد كه‌ در ماه‌ رجب‌ باشد، ودر اين‌ زمان‌ مكنيد كه‌ بر ما وشما از خليفه‌ خوف‌ تشنيع‌ هست‌ » [125]. وقد أورد المرحوم‌ المحدِّث‌ القمّي‌ّ في‌ « هديّة‌ الزائرين‌ » عين‌ ترجمة‌ المجلسي‌ّ في‌ هذه‌ الفقرة‌ من‌ الحديث‌. [126]

 وثالثاً: روي‌ ابن‌ قولَوَيْه‌ عين‌ هذه‌ الرواية‌ بلفظ‌ رجب‌ بالجيم‌ المعجمة‌ في‌ « كامل‌ الزيارات‌ » بسنده‌ المتّصل‌ عن‌ أبيه‌ ومحمّد بن‌ الحسن‌ وعلي‌ّ بن‌ الحسين‌ جميعاً، عن‌ سعد بن‌ عبد الله‌ بن‌ أبي‌ خلف‌، عن‌ الحسن‌ ابن‌ علي‌ّ بن‌ عبد الله‌ بن‌ المغيرة‌، عن‌ الحسين‌ بن‌ سيف‌ بن‌ عُمَيرة‌، عن‌ محمّد بن‌ أسلم‌ الجبلي‌ّ، عن‌ محمّد بن‌ سليمان‌، عن‌ أبي‌ جعفر الجواد عليه‌ السلام[127]‌.

 وقد عقد في‌ « وسائل‌ الشيعة‌ » باباً تحت‌ عنوان‌ استحباب‌ اختيار زيارة‌ الرضا عليه‌ السلام‌ وخصوصاً في‌ رجب‌.[128]

 ورابعاً: أنّ المرحوم‌ الشيخ‌ فضل‌ الله‌ النوري‌ّ لم‌ يضبط‌ « رجب‌ » في‌ هذا الحديث‌ الشريف‌ بالحاء المهملة‌ ولم‌ يصرِّح‌ بمادّة‌ رَحْب‌، كلّ ما في‌ الامر، وكما هو مُلاحظ‌ من‌ الجزء الاوّل‌ لـ « فروع‌ الكافي‌ » ص‌ 326، أنّ العبارة‌ جاءت‌ بلفظ‌ رَحْب‌؛ ومن‌ ثمّ فبأي‌ّ دليل‌ يمكن‌ القول‌ إنّ هذا هو تصحيح‌ ذلك‌ المرحوم‌؟! بل‌ إنّ الظنّ القريب‌ من‌ اليقين‌ هو أنّ الكاتب‌ لم‌ يضع‌ نقطة‌ الجيم‌ أثناء الكتابة‌.

 وخامساً: لو شككنا في‌ الكلمة‌ أكانت‌ في‌ الاصل‌ رَحْب‌ أم‌ رَجَب‌، فإنّ أصالة‌ عدم‌ زيادة‌ النقطة‌ مقدَّمة‌ علي‌ أصالة‌ عدم‌ النقيصة‌، ولذا ينبغي‌ القول‌ بأنّ لفظ‌ رَجَب‌ هو الصحيح‌ في‌ النُّسخ‌ لا رَحْب‌.

 وسادساً: عدم‌ ملاءمة‌ معني‌ رَحْب‌ للمقام‌، لانّ رَحْب‌ بمعني‌ السعة‌ في‌ المكان‌ والمحلّ لا كلّ سـعة‌؛ ويشـاهد في‌ موارد اسـتعمالها الاسـتفادة‌ منها دوماً في‌ موارد سـعة‌ المكان‌ والمحلّ، وإذا ما وردت‌ أحيـاناً بمعني‌ مطلق‌ السـعة‌ فإنّ ذلك‌ يكون‌ بعناية‌ اسـتعمال‌ لفظ‌ خاصّ في‌ ذلك‌ المعني‌ المطلق‌ لها.

 يقول‌ في‌ «لسان‌ العرب‌»: وَالرَّحْبُ بِالفَتْحِ، وَالرَّحِيبُ: الشَّي‌ءُ الوَاسِعُ. تَقَولُ مِنْهُ: بَلَدٌ رَحْبٌ وَأرْضٌ رَحْبَةٌ. الازْهَرِي‌ُّ: ذَهَبَ الفَرَّاءُ إلی أَ نَّهُ يُقَالُ: بَلَدٌ رَحْبٌ وبلاَدٌ رَحْبَةٌ كَمَا يُقَالُ: بَلَدٌ سَهْلٌ وَبِلاَدٌ سَهْلَةٌ. وَقَدْ رَحُبَتْ تَرْحُبُ ورَحُبَ يَرْحُبُ رُحْباً ورَحَابَةً ورَحِبَتْ رَحَباً. قَالَ الاَزْهَرِي‌ُّ: وَأَرْحَبَتْ: لُغَةٌ بِذَلِكَ المَعْنَي‌. وَقِدْرٌ رُحَابٌ أَي‌ْ وَاسِعَةٌ... ابْنُ الاَعْرَابِي‌ِّ: والرَّحْبَةُ: مَا اتَّسَعَ مِنَ الاَرْضِ، وَجَمْعُهَا رُحَبٌ مِثْلُ قَرْيَةٍ وَقُريً إلی أَنْ قَالَ صَاحِبُ «لِسَانِ العَرَبِ»:

 وَرَحَبَةُ المَسْجِدِ وَالدَّارِ بِالتَّحْرِيكِ: سَاحَتُهُمَا وَمُتَّسَعُهُمَا. قَالَ سِيبَويْهِ: رَحَبَةٌ وَرِحَابٌ كَرَقَبَةٍ وَرِقَابٍ وَرَحَبٌ ورَحَبَاتٌ.

 الاَزْهَرِي‌ُّ: قَالَ الفَرَّاءُ: يُقَالُ لِلصَّحْرَاءِ بَيْنَ أَفْنِيَةِ القَوْمِ وَالمَسْجِدِ: رَحْبةٌ وَرَحَبَةٌ. وَسُمِّيَتْ الرَّحَبَةُ رَحَبَةً لِسَعَتِهَا. بِمَا رَحُبَتْ أَي‌ْ بِمَا اتَّسَعَتْ، يُقَالُ: مَنْزِلٌ رَحِيبٌ وَرَحْبٌ.

 ويقول‌ في‌ «صحاح‌ اللغة‌»: الرُّحْبُ ـ بِالضَّمِّ ـ: السَّعَةُ، تَقُولُ مِنْهُ: فُلاَنٌ رُحْبُ الصَّدْرِ. وَالرَّحْبُ ـ بِالفَتْحِ ـ: الوَاسِعُ، تَقُولُ مِنْهُ: بَلَدٌ رَحْبٌ وأَرْضٌ رَحْبَةٌ؛ وَقَدْ رَحُبَتْ ـ بالضَّمِّ ـ تَرْحُبُ رُحْباً وَرَحَابَةً. وَقَوْلُهُمْ: مَرْحَباً وَأَهْلاَ أَي‌ْ أَتَيْتَ سَعَةً وأَتَيْتَ أَهْلاَ فَاسْتَأْنِسْ ولاَ تَسْتَوْحِشْ. وَقَدْ رَحَّبَ بِهِ تَرْحِيباً إذَا قَالَ لَهُ: مَرْحَباً...

 وَقِدْرٌ رُحَابٌ أَي‌ْ وَاسِعَةٌ. وَالرُّحْبَي‌: أَعْرَضُ الاَضَلاعِ وَإنَّمَا يَكُونُ النَّاحِزُ فِي‌ الرَّحْبَيَيْنِ وَهُمَا مَرْجِعُ المِرْفَقَيْن‌، وَهُوَ أَيْضاً سِمَةٌ فِي‌ جَنْبِ البَعِيرِ. وَالرَّحِيبُ: الاَكُولُ. وَفُلاَنٌ رَحِيبُ الصَّدْرِ أَي‌ْ وَاسِعُ الصَّدْرِ. وَرَحَائِبُ التُّخُومِ: سَعَةُ أَقْطَارِ الاَرْضِ. وَرَحُبَتِ الدَّارُ وَأَرْحَبَتْ بِمَعْنَيً، أَي‌ِ اتَّسَعَتْ إلي‌ آخر ما أفاده‌.

 كما ورد في‌ « تاج‌ العروس‌ » ما يشبه‌ ذلك‌.

 ومحصّل‌ ما ذُكر أنّ هذا التوهّم‌ إنّما حدث‌ نتيجة‌ عدم‌ وضع‌ نقطة‌ رَجَب‌. وَبِمَا ذَكَرْنَا كُلَّهُ عَرَفْتَ أَ نَّهُ تَوَهُّمٌ بِلاَ مَوْرِدٍ؛ فَلاَ تَغْفُلْ.

 وسابعاًً: يتّضح‌ ممّا ذُكُر أخيراً في‌ معني‌ رَحْب‌ أنّ الرُّحب‌ بمعني‌ السعة‌، والرَّحب‌ بمعني‌ الواسع‌، وعليه‌ فإنّ هذه‌ الرواية‌ الشريفة‌ ـ علي‌ افتراض‌ صحّة‌ عدم‌ وجود النقطة‌ وورودها بالحاء المهملة‌ ينبغي‌ أن‌ تكون‌ بلفظ‌ رُحب‌ بالضمّ لا رَحْب‌ بالفتح‌؛ ولانّ الكلمة‌ قد وردت‌ في‌ نسخة‌ « الكافي‌ » المطبوعة‌ للمرحوم‌ الشيخ‌ بلفظ‌ رَحْب‌ بالفتحة‌ المشهودة‌ علي‌ الراء، لذا يتعيّن‌ حذف‌ النقطة‌ من‌ الجيم‌ المعجمة‌ سهواً، وليس‌ جعل‌ الضمّة‌ فتحة‌.

 والعلّة‌ في‌ تعيين‌ الإمام‌ الجواد عليه‌ السلام‌ لشهر رجب‌ ـ مضافاً إلي‌ ما ذكرنا هي‌ أنّ زيارة‌ جميع‌ الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ مستحبّة‌ في‌ شهر رجب‌ وحائزة‌ لفضيلة‌ تفوق‌ فضيلتها في‌ سائر الشهور، كما يقول‌ في‌ « الإقبال‌ » بشأن‌ استحباب‌ زيارة‌ كلّ من‌ المشاهد المشرّفة‌ في‌ شهر رجب‌: رَوَيْنَاهَا بِإسْنَادِنَا إلی جَدِّي‌ أَبِي‌ جَعْفَرٍ الطُّوسِي‌ِّ رَحِمَهُ اللَهُ فِيمَا ذَكَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي‌ جُبَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَهِ عَنْ مَوْلاَنَا ـ يَعْنِي‌ أَبَا القَاسِمِ بْنِ رُوحٍ رَضِي‌َ اللَهُ عَنْهُ قَالَ: زُرْ أَي‌َّ المَشَاهِدِ كُنْتَ بِحَضْرَتِهَا فِي‌ رَجَبٍ، تَقُولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي‌ أَشْهَدَنَا مَشْهَدَ أَوْلِيَائِهِ فِي‌ رَجَبٍ وَأَوْجَبَ عَلَینَا مِنْ حَقِّهِمْ مَا قَدْ وَجَبَ إلي‌ آخر الزيارة‌ الشريفة‌ الواردة‌. [129]

 والنصّ علي‌ استحباب‌ زيارة‌ ثامن‌ الحُجج‌ عليه‌ السلام‌ في‌ شهر رجب‌ ينحصر في‌ هذه‌ الرواية‌، فليس‌ لدينا رواية‌ غيرها، ولكن‌ باعتبار قوّة‌ سندها، فإنّها كافية‌ لعقد باب‌ استحباب‌ زيارته‌ عليه‌ السلام‌ في‌ شهر رجب‌.

 الرجوع الي الفهرس

المثوبات‌ المترتِّبة‌ علي‌ زيارة‌ ثامن‌ الحجج‌ عليه‌ السلام‌

 والروايات‌ في‌ فضيلة‌ زيارته‌ عليه‌ السلام‌ بوجه‌ مطلق‌ كثيرة‌ جدّاً، وقد وُعِدَ الزائر في‌ بعضها بالجَنَّة‌، وعُدَّت‌ في‌ بعضها عِدْلاً لشهادة‌ شهداء بدر، وذُكر لبعضها ثواب‌ ألف‌ حجّ وألف‌ ألف‌ حجّ يترتَّب‌ عليها[130].

 يروي‌ جعفر بن‌ محمّد بن‌ قولويه‌، عن‌ الحسن‌ بن‌ عبد الله‌، عن‌ أبيه‌ عبد الله‌ بن‌ محمّد بن‌ عيسي‌، عن‌ داود الصَّرْمي‌ّ [131]، عن‌ أبي‌ جعفر الثاني‌ (الإمام‌ محمّد التقي‌ّ) عليه‌ السلام‌ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ زَارَ قَبْرَ أَبِي‌ فَلَهُ الجَنَّةُ.

 ويروي‌ أيضاً عن‌ أبيه‌، عن‌ سعد بن‌ إبراهيم‌ بن‌ ريّان‌ قال‌: حدّثني‌ يحيي‌ بن‌ الحسن‌ الحسيني‌ّ قال‌: حدّثني‌ علي‌ّ بن‌ عبد الله‌ بن‌ قُطْرب‌، عن‌ أبي‌ الحسن‌ موسي‌ عليه‌ السلام‌:

 قَالَ: مَرَّ بِهِ ابْنُهُ وَهُوَ شَابٌّ حَدَثٌ وَبَنُوهُ مُجْتَمِعُونَ عِنْدَهُ، فَقَالَ: إنَّ ابْنِي‌ هَذَا يَمُوتُ فِي‌ أَرْضِ غُرْبَةٍ. فَمَنْ زَارَهُ مُسَلِّماً لاِمْرِهِ عَارِفاً بِحَقِّهِ كَانَ عِنْدَ اللَهِ عَزَّ وَجَلَّ كَشُهَدَاءِ بَدْرٍ[132].

 ويروي‌ أيضاً عن‌ أبيه‌ وعن‌ محمّد بن‌ يعقوب‌، عن‌ علي‌ّ بن‌ إبراهيم‌ ابن‌ حَمْدان‌ بن‌ إسحاق‌ قال‌: سمعتُ أبا جعفر عليه‌ السلام‌، أو حكي‌ لي‌ رجل‌ عن‌ أبي‌ جعفر عليه‌ السلام‌ (الشكّ من‌ علي‌ّ بن‌ إبراهيم‌) أنّ أبا جعفر عليه‌ السلام‌ قال‌:

 مَنْ زَارَ قَبْرَ أَبِي‌ بِطُوسٍ غَفَرَ اللَهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ.

 قَالَ: فَحَجَجْتُ بَعْدَ الزِّيَارَةِ فَلَقِيتُ أَيُّوبَ بْنَ نُوحٍ فَقَالَ لِي‌ ] قَالَ ظ [ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَیهِ السَّلاَمُ: مَنْ زَارَ قَبْرَ أَبِي‌ بِطُوسٍ غَفَرَ اللَهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَبَنَي‌ لَهُ مِنْبَراً بِحِذَاءِ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ وَآلِهِ وَعَلِي‌ٍّ عَلَیهِ السَّلاَمُ حَتَّي‌ يَفْرُغَ اللَهُ مِنْ حِسَابِ الخَلاَئِقِ.

 فَرَأَيْتُ أَيُّـوبَ بْنَ نُـوحٍ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَـدْ زَارَ فَقَالَ: جِئْـتُ أَطْلُـبُ المِنْبَرَ [133].

 ويروي‌ أيضاً عن‌ محمّد بن‌ الحسن‌، عن‌ محمّد بن‌ الحسن‌ الصفّار، عن‌ أحمد بن‌ محمّد بن‌ عيسي‌، عن‌ أحمد بن‌ محمّد بن‌ أبي‌ نصر البزنطي‌ّ؛ قَالَ:

 قَرَأْتُ فِي‌ كِتَابِ أَبِي‌ الحَسَنِ الرِّضَا عَلَیهِ السَّلاَمُ: أَبْلِغْ شِيعَتِي‌: إنَّ زِيَارَتِي‌ تَعْدِلُ عِنْدَ اللَهِ أَلْفَ حَجَّةٍ.

 قالَ: فَقُلْتُ لاِبِي‌ جَعْفَرٍ عَلَیهِ السَّلاَمُ: أَلْفَ حَجَّةٍ؟!

 قَالَ: إي‌ وَاللَهِ؛ وَأَلْفَ أَلْفِ حَجَّةٍ لِمَنْ زَارَهُ عَارِفاً بِحَقِّهِ.[134]

 الرجوع الي الفهرس

العلاقة‌ بين‌ زيارة‌ الإمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌ مع‌ حجّ بيت‌ الله‌ الحرام‌

 نعم‌، ربّما سيتّضح‌ بما ذُكِر سرّ استحباب‌ زيارة‌ ثامن‌ الائمّة‌ عليه‌ السلام‌ في‌ شهر رجب‌ المرجّب‌، والارتباط‌ القويم‌ لتلك‌ الزيارة‌ مع‌ زيارة‌ بيت‌ الله‌ الحرام‌. وذلك‌ لانّ شهر رجب‌ من‌ الاشهر الحُرُم‌، انفرد لوحده‌ خلافاً لباقي‌ الاشهر الحُرُم‌ الثلاثة‌ ـ ذي‌ القعدة‌ الحرام‌ وذي‌ الحجّة‌ الحرام‌ ومحرم‌ الحرام‌ التي‌ توالت‌ وتعاقبت‌، فالحرب‌ في‌ شهر رجب‌ حرام‌، هذا مضافاً إلي‌ الخصائص‌ والاعتبارات‌ التي‌ تُمَيِّزه‌ عن‌ باقي‌ الشهور، فهو شهر الله‌، وكثيراً ما يحصل‌ في‌ هذا الشهر فتح‌ باب‌ لسالكي‌ طريق‌ الله‌، كما أنّ وقوع‌ ولادة‌ أمير المؤمنين‌ وبعثة‌ رسول‌ الله‌ صلوات‌ الله‌ وسلامه‌ عليهما فيه‌ موجب‌ لمزيد التكريم‌ والتشريف‌ لهذا الشهر.

 وعليه‌، فليس‌ أيّاً من‌ أقسام‌ العمرة‌ كالعمرة‌ الرجبيّة‌، العمرة‌ التي‌ تدنو في‌ فضيلتها إلي‌ فضيلة‌ الحجّ بفارق‌ درجة‌ واحدة‌. وقد شاهدنا في‌ هذه‌ الرواية‌ الاخيرة‌ أنّ ثواب‌ زيارة‌ الإمام‌ الثامن‌ للشيعة‌ المخلَصين‌ والعارفين‌ بمقامه‌ ومنزلته‌ وحقّه‌ تعدل‌ في‌ ثوابها ألف‌ حجّة‌، بل‌ ألف‌ ألف‌ حجّة‌. ولا استبعاد في‌ الامر مطلقاً، لانّ حياة‌ الكعبة‌ بالولاية‌؛ ولذا فإنّ هذه‌ الولاية‌ هي‌ المحور والمركز، والكعبة‌ في‌ حكم‌ محيط‌ الدائرة‌. ألا تري‌ كيف‌ يطوف‌ الناس‌ حول‌ الكعبة‌ التي‌ وُلد علي‌ّ فيها؟! فهم‌ ـ شاءوا أم‌ أبوا، طوعاً أم‌ كرهاً مضطرّون‌ إلي‌ التسليم‌ للواقع‌ ولهذه‌ الحقيقة‌.

 إنّ جميع‌ المسلمين‌، الشيعة‌ منهم‌ والعامّة‌، يجلسون‌ إلي‌ مائدته‌ عليه‌ السلام‌، لانّ تلك‌ المائدة‌ متّسعة‌ بالقدر الذي‌ لا يُتصوّر فيها وجود لمائدة‌ أُخري‌.

 بل‌ إنّ جميع‌ العالم‌ يتمتّعون‌ من‌ البركات‌ الوجوديّة‌ لذلك‌ الإمام‌ ومن‌ ولايته‌ التكوينيّة‌ والوجوديّة‌. وينبغي‌ لذلك‌ أن‌ لا تستبعد كيف‌ يكون‌ ثواب‌ زيارة‌ واحدة‌ للإمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌ للعارف‌ بحقّه‌ تعادل‌ ثواب‌ ألف‌ ألف‌ حجّة‌ لبيت‌ الله‌. فهناك‌ كعبة‌ الظاهر، وهنا كعبة‌ الباطن‌. هناك‌ التكليف‌، وهنا المحبّة‌. وهناك‌ الجسم‌، وهنا الروح‌.

 نعم‌، لو شئنا التوسّع‌ في‌ الكلام‌ في‌ هذا المجال‌ لجرّنا ذلك‌ إلي‌ الإطالة‌، فطرف‌ هذا الامر في‌ أيدينا وطرفه‌ الآخر في‌ اللامتناهي‌. وعلينا آنذاك‌ أن‌ نوسِّع‌ الكلام‌ ونبسطه‌، ليس‌ فقط‌ ليشمل‌ الدنيا، بل‌ ليشمل‌ عالم‌ البرزخ‌ والمثال‌، بل‌ في‌ سعة‌ القيامة‌ والجنّة‌ والنار، وأعلي‌ من‌ ذلك‌ وأسمي‌. ومن‌ ثمّ فإنّ من‌ الصلاح‌ الاكتفاء بهذا القدر كي‌ لا يتحطّم‌ القلم‌ في‌ يدي‌، ولا تتشرّد أنت‌ عن‌ بيتك‌ ودكّانك‌ ومحلّ استقرارك‌ ودعتك‌!

 وأكتفي‌ بذكر إحدي‌ الرؤيا الصادقة‌ لإحدي‌ أخوات‌ الحقير ثمّ أختم‌ الموضوع‌.

 الرجوع الي الفهرس

الرؤيا الصادقة‌ لاُختي‌، في‌ العلاقة‌ بين‌ الحجّ وزيارة‌ الإمام‌ الثامن‌

لقد كنت‌ قبل‌ تشرّفي‌ بالذهاب‌ إلي‌ النجف‌ الاشرف‌ قد تشرّفت‌ بزيارة‌ ثامن‌ الائمّة‌ عليه‌ السلام‌ لثلاث‌ مرّات‌ فقط‌، وباعتبار أنّ محطّ دروسنا التحصيليّة‌ لم‌ يكن‌ مطالعة‌ الاخبار والاحاديث‌، فلم‌ أكن‌ أعلم‌ أنّ زيارة‌ ذلك‌ الإمام‌ تعدل‌ ثواب‌ حجّ بيت‌ الله‌، وخاصّة‌ زيارته‌ المخصوصة‌ في‌ شهر رجب‌. وكنت‌ أُراجع‌ ـ في‌ مدّة‌ إقامتي‌ في‌ النجف‌ والتي‌ دامت‌ سبع‌ سنين‌ أحاديثَ زيارة‌ أمير المؤمنين‌ وسيّد الشهداء عليهما السلام‌ التي‌ كانت‌ محلّ الابتـلاء، لكنّي‌ لم‌ أُراجـع‌ أحاديثَ ثـواب‌ زيـارة‌ الإمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌.

 وعند الرجوع‌ من‌ النجف‌ الاشرف‌ وعلي‌ الرغم‌ من‌ شدّة‌ شوقي‌ للزيارة‌، إلاّ أنّ التوفيق‌ لم‌ يحالفني‌ إلاّ بعد سنة‌ كاملة‌، حتّي‌ كان‌ في‌ أواسط‌ شهر رجب‌ لسنة‌ 1378 هجريّة‌ قمريّة‌، حيث‌ عزمتُ علي‌ التشرّف‌ بالزيارة‌ مع‌ عدد من‌ أصدقاء السلوك‌، وبناء علي‌ دعوتهم‌ وطلبهم‌. ولم‌ يكن‌ قد طرق‌ سمعي‌ حتّي‌ ذلك‌ الوقت‌ أنّ زيارته‌ عليه‌ السلام‌ تعدل‌ ثواب‌ الحجّ، وأنّ لها خصوصيّة‌ في‌ شهر رجب‌، فوقع‌ سفرنا في‌ شهر رجب‌ بلا تعمّد ولا قصد.

 هذا وقد ذهبت‌ قبل‌ يوم‌ أو يومين‌ من‌ السفر لتوديع‌ كبار العائلة‌ والاقارب‌ والارحام‌، فزرتُ منزل‌ أُختي‌ التي‌ تصغرني‌، فلما عَرَفَتْ بعزمي‌ علي‌ السفر لتقبيل‌ أعتاب‌ الإمام‌ الثامن‌، قالت‌: سُبَحَانَ اللَهِ! سُبْحَانَ اللَهِ! لقد رأيتُكَ ليلة‌ أمس‌ في‌ منامي‌ مرتدياً لباس‌ الإحرام‌ وعازماً علي‌ السفر إلي‌ بيت‌ الله‌!

 قلتُ: حسناً، وأين‌ العجب‌ في‌ هذه‌ الرؤيا؟

 قالت‌: إنّ تفسيره‌ واضح‌: إنك‌ عازم‌ علي‌ زيارة‌ الإمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌؛ فقد ورد في‌ الرواية‌ أنّ من‌ زاره‌ عليه‌ السلام‌ كأ نّه‌ قام‌ بالحجّ والعمرة‌، فقد كنتَ ـ بعزمك‌ علي‌ السفر للزيارة‌ مرتدياً لباس‌ الإحرام‌ في‌ عالم‌ الرؤيا وقاصداً بيت‌ الله‌ الحرام‌!

 ولقد عجبتُ أنا الآخر من‌ هذه‌ الرؤيا، وقلتُ لها: لم‌ أكن‌ لاعلم‌ حتّي‌ الآن‌ أن‌ لزيارته‌ عليه‌ السلام‌ علاقة‌ بالحجّ والعمرة‌.

 وعلي‌ الإجمال‌ فإنّ هذه‌ الحقيقة‌ يمكن‌ استفادتها من‌ أشعار السيّد بحر العلوم‌ التي‌ تصف‌ كربلاء في‌ مرتبة‌ أعلي‌، ودرجة‌ أفضل‌ من‌ الكعبة‌، ثمّ يضع‌ في‌ البيت‌ اللاحق‌ باقي‌ المشاهد المشرّفة‌ في‌ درجة‌ كربلاء ومنزلتها:

  أكْثِرْ مِنَ الصَّلاَةِ فِي‌ المَشَاهِدِ خَيْرِ البِقَاعِ أَفْضَل‌ المَعَاِبدِ

 لِفَضْلِهَا اخْتِيَرتْ [135] لِمَنْ بِهِنَّ حَلّْ                    ثُمَّ بِمَنْ قَدْ حَلَّهَا سَمَا المَحَلّْ

 وَالِّسرُّ فِي‌ فَضْلِ صَلاَةِ المَسْجِدِ        قَبْرٌ لِمَعْصُومٍ بِهِ مُسْتَشْهَدِ

 بِرَشَّةٍ مِنْ دَمِهِ مُطَهَّرَهْ                                  طَهَّرَهُ اللَهُ لِعَبْدٍ ذَكَرَهْ

 َهْي‌َ بُيُوتٌ أَذِنَ اللَهُ بِأَنْ                                  تُرْفَعَ حَتّي‌ يُذْكَرَ اسْمُهُ الحَسَنْ

 وَمِنْ حَدِيثِ كَرْبَلاَ وَالكَعْبَهْ                  لِكَرْبَلاَ بَانَ عُلِوُّ الرُّتْبَهْ [136]

 وَغَيْرُهَا مِنْ سَائِرِ المَشَاهِدِ                أَمْثَالُهَا بِالنَّقْل‌ ذِي‌ الشَّوَاهِدِ

 فَأَدِّ فِي‌ جَمِيعِهَا المُفْتَرَضَا                 وَالنَّفْلَ وَاقْضِ مَا عَلَیكَ مِنْ قَضَا

 وَرَاعِ فِيهِنَّ اقْتَرابَ الرَّمْسِ                 وَآثِرِ الصَّلاَةَ عِنْدَ الرَّأْسِ

 وَالنَّهْي‌ُ عَنْ تَقَدُّمٍ فِيَها أَدَب    ْ وَالنَّصُّ فِي‌ حُكْمِ المُسَاوَاة‌ اضُطَرَبْ

 وَصَلِّ خَلْفَ القَبْرِ فَالصَّحِيحُ                 كَغَيْرِهِ فِي‌ نَدْبِهَا صَرِيحُ

 وَالفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ القُبُورِ                     وَغَيْرِهَا كَالنُّورِ فَوْقَ الطُّورِ

 فَالسَّعْي‌ُ لِلصَّلاَةِ عِنْدَهَا نُدِبْ  وَقُرْبُهَا بَلِ اللُّصُوقُ قَدْ طُلِبْ

 وَالاتِّخَاذُ قِبْلَةً وَإنْ مُنِعْ                       فَلَيْسَ بِالدَّافِعِ إذْناً قَدْ سُمِعْ [137]

 وكان‌ سماحة‌ الحاجّ السيّد هاشم‌ بعد الزيارة‌ والطَّواف‌ يُصَلِّي‌ بحذاء الرأس‌ الشريف‌ إن‌ وَجَدَ مكاناً خالياً، وإلاّ فكان‌ يصلّي‌ في‌ أي‌ّ موضع‌ خال‌ في‌ الحضرة‌ بحيث‌ لا يزاحم‌ أحداً؛ وكانت‌ هذه‌ هي‌ طريقته‌ في‌ جميع‌ المشاهد المشرّفة‌ كالنجف‌ وكربلاء والكاظميّة‌ وسامرّاء.

 الرجوع الي الفهرس

 بيان‌ سماحة‌ الحاجّ السيّد هاشم‌: نفس‌ وجود الإمام‌ أكبر معجزة‌ إلهيّة‌

 في‌ ذكر المعجزات‌ والكرامات‌ الصادرة‌ من‌ الإمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌

 لم‌ تحصل‌ معجزة‌ خاصّة‌ للإمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌ خلال‌ تلك‌ الايّام‌ العشرة‌ لتوقّف‌ السيّد الحدّاد في‌ أرض‌ مشهد المقدّسة‌ ليدوّنها الحقير هنا، لكنّ الكثير من‌ أصحاب‌ الحوائج‌ كانوا قد جاؤوا من‌ المناطق‌ البعيدة‌ واجتمعوا فشدّوا أنفسهم‌ إلي‌ شبّاك‌ الضريح‌ أو شبّاك‌ الصحن‌ الكبير طلباً للشفاء من‌ أمراضهم‌. هذا وقد دار الحديث‌ يوماً مع‌ السيّد بشأن‌ المعجزات‌ الخاصّة‌ بثامن‌ الائمّة‌ عليه‌ السلام‌، فتفضّل‌ بإبداء بيان‌ أذكر خلاصته‌:

 أنّ وجود الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ أنفسهم‌ هو أكبر معجزة‌، كما أنّ أفعالهم‌ أحياءً وأمواتاً هي‌ كلّها معجزة‌، وينبغي‌ أن‌ لا يبحث‌ الإنسان‌ عن‌ إعجازهم‌ في‌ الموارد الاستثنائيّة‌ فقط‌، أو ينظر إلي‌ عظمتهم‌ من‌ نافذة‌ وزاوية‌ واحدة‌.

 إنّ مَن‌ يصل‌ إلي‌ مقام‌ الولاية‌ عمليّاً لا علميّاً، فيصبح‌ وليّاً للّه‌ ويكون‌ الله‌ وليّه‌، فإنّ جميع‌ أعماله‌ وسنّته‌ وصفاته‌ تصبح‌ فعل‌ الله‌ وسنّته‌ وصفاته‌. ولا يعني‌ هذا أن‌ يصبح‌ هو الله‌، أو أن‌ يفصل‌ الله‌ عن‌ ذاته‌ المقدّسة‌ شيئاً فيعطيه‌ له‌، أو أ نّه‌ لا يفصل‌ عن‌ ذاته‌ شيئاً لكنّه‌ يتكرّم‌ عليه‌ بمثل‌ ما يمتلكه‌ هو، فهذه‌ بأجمعها تصوّرات‌ خاطئة‌ وغير صحيحة‌؛ بل‌ إنّ العبد قد تخطّي‌ وجوده‌ المجازي‌ّ والاعتباري‌ّ بواسطة‌ شدّة‌ الصفاء والخلوص‌ الذي‌ حصل‌ عليه‌ وجوده‌ فصار فانياً في‌ ذات‌ الله‌ وتجلّي‌ الله‌ سبحانه‌ فيه‌. أي‌ أنّ وجوده‌ وسرّه‌ وواقعيّته‌ صار مرآة‌ محضة‌ لتمام‌ الذات‌ الاحديّة‌ وكمالها وجمالها وجلالها، وصار مظهراً لتجلّي‌ الله‌.

 ولا ريب‌ أنّ ممكن‌ الوجود مهما سمي‌ وترقّي‌، فمن‌ المحال‌ أن‌ يكتسب‌ شيئاً من‌ الله‌ فينسبه‌ لنفسه‌، بل‌ إنّ معني‌ الترقّي‌ والسموّ لا يعني‌ غير التخلّص‌ والتنزّه‌ من‌ شوائب‌ الوجود، والخلوص‌ والإخلاص‌ في‌ سبيل‌ الله‌ وطي‌ّ درجات‌ ومراتب‌ الفَناء في‌ الله‌؛ ولا يعني‌ إلاّ التحقّق‌ بحقيقة‌ معني‌ العبوديّة‌ المحضة‌ والسجدة‌ المطلقة‌ والتواضع‌ بلا قيد ولا حدّ.

 الرجوع الي الفهرس

معني‌ الولاية‌ العبوديّة‌ المحضة‌ والمحو والفَناء في‌ ذات‌ الله‌

 فليست‌ الولاية‌ بمعني‌ حيازة‌ الصفات‌ الإلهيّة‌ بالاستقلال‌ ومع‌ عزّة‌ الشخصيّة‌، فهذا الفرض‌ خاطي‌ ثبوتاً وإثباتاً، وليست‌ أيضاً بمعني‌ المشاركة‌ والمساهمة‌ مع‌ صفاته‌، فهذا أيضاً خاطي‌ ثبوتاً وإثباتاً؛ بل‌ الولاية‌ بمعني‌ العبوديّة‌ المحضة‌ مقابل‌ ربوبيّته‌ المطلقة‌، وبمعني‌ الذلّة‌ المحضة‌ مقابل‌ عزّته‌ المطلقة‌. فالولاية‌ المطلقة‌ والكاملة‌ والتامّة‌، يعني‌ تحقّق‌ جميع‌ مراتب‌ العبوديّة‌ والاندكاك‌ والفَناء المحض‌ في‌ ذاته‌ القدسيّة‌؛ أمّا الولاية‌ المقيّدة‌ والجزئيّة‌ فتعني‌ تحقّق‌ بعض‌ مراحل‌ العبوديّة‌ والاندكاك‌ في‌ الفعل‌ أو الاسـم‌ والصفة‌، أو الاندكاك‌ الإجمالي‌ّ والمؤقّت‌ في‌ ذاته‌ والذي‌ لم‌ يصـل‌ بعدُ إلي‌ مرحلة‌ الفعليّة‌ التامّـة‌ ولـم‌ يتخـطَّ بعدُ بشـكل‌ كامـل‌ مراحـلَ القـوّة‌ والاستعداد.

 وفي‌ هذه‌ الحال‌، فإنّ ولي‌ّ الله‌ الذي‌ تحقّقت‌ فيه‌ الولاية‌ التامّة‌ لا يمتلك‌ بنفسه‌ رغبة‌ وإرادة‌ وطلباً واختياراً، فما يُشاهَد منه‌ من‌ رغبة‌ وطلب‌ وإرادة‌ واختيار ليس‌ إلاّ نفس‌ صفات‌ وأسماء الله‌ التي‌ ظهرت‌ فيه‌، كما ينعكس‌ شعاع‌ الشمس‌ ونورها في‌ الماء الصافي‌ أو في‌ المرآة‌ الصقيلة‌. وهذا المعني‌ هو الصحيح‌ في‌ باب‌ الولاية‌.

 فلهذا فإنّ الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ الذين‌ يمتلكون‌ مقام‌ الولاية‌ المطلقة‌ والكلّيّة‌ لا تعني‌ ولايتهم‌ أ نّهم‌ يقدرون‌ علي‌ فعل‌ ما يشاؤون‌ بأنفسهم‌ مهما كان‌ ذلك‌، منفصلاً ومستقلاّ عن‌ مشيئة‌ الله‌ سبحانه‌، كما لا تعني‌ أ نّهم‌ يمتلكون‌ بأنفسهم‌ إرادة‌ تشبه‌ إرادة‌ الله‌، فيمكنهم‌ ـ بتلك‌ الإرادة‌ التي‌ منحها الله‌ لهم‌ أن‌ يحقّقوا ما يريدون‌ في‌ عالم‌ الخارج‌، بصورة‌ منحازة‌ ومستقلّة‌؛ بل‌ إنّها تعني‌ أن‌ لا وجود في‌ الخارج‌ إلاّ لإرادة‌ واختيار ومشيئة‌ واحدة‌، وهي‌ إرادة‌ واختيار ومشيئة‌ الله‌ لا غير.

 إنّ جميع‌ الناس‌ المحجوبين‌ والعميان‌ والذين‌ يشكون‌ من‌ عشو البصر أو رمد العين‌ يرون‌ العالم‌ مفرّقاً مجزّءاً مشتّتاً، فيشاهدون‌ لكلّ واحد من‌ الموجودات‌ وجوداً مستقلاّ ويقولون‌ بوجود الإرادة‌ والعلم‌ والقدرة‌ والحياة‌ المستقلّة‌، أمّا هؤلاء الخواصّ الذين‌ استيقظوا من‌ غفلتهم‌ وأفاقوا من‌ سكرة‌ الطبع‌ والطبيعة‌ والشهوة‌ والغضب‌ والوهم‌، وكحّلوا العيون‌ الرمداء بكحل‌ التبصّر والتطلّع‌ إلي‌ الحقيقة‌، فقد تبيّن‌ لهم‌ بجلاء أنْ: لاَ مُؤَثِّرَ فِي‌ الوُجُودِ إلاَّ اللَهُ، وَلاَ عَالِمَ فِي‌ الوُجُودِ إلاَّ اللَهُ، وَلاَ قَادِرَ فِي‌ الوُجُودِ إلاَّ اللَهُ، وَلاَ حَي‌َّ فِي‌ الوُجُودِ إلاَّ اللَهُ، وَلاَ ذَاتَ مُسْتَقِلَّةً فِي‌ الوُجُودِ إلاَّ اللَهُ.

 وباعتبار أنّ جميع‌ إرادتهم‌ واختيارهم‌ وعلمهم‌ وقدرتهم‌ هي‌ عين‌ إرادة‌ واختيار وعلم‌ وقدرة‌ الله‌ سبحانه‌، فقد كانت‌ جميع‌ الموجودات‌ ابتداء من‌ الموجودات‌ السفليّة‌ إلي‌ العلويّة‌، ومن‌ المُلكيّة‌ إلي‌ الملكوتيّة‌ ومن‌ الجسميّة‌ إلي‌ الروحيّة‌، ومن‌ الظاهريّة‌ إلي‌ الباطنيّة‌، ومن‌ الدنيويّة‌ إلي‌ الاُخرويّة‌، ومن‌ موجودات‌ عالم‌ الطبع‌ والطبيعة‌ من‌ الهيولي‌ الاوليّة‌ وصولاً إلي‌ آخر نقطة‌ للفعليّة‌ والكمال‌، وما وُجد وما سيوجد؛ هي‌ بأجمعها مخلوقاتهم‌ ومقدوراتهم‌ ومعلوماتهم‌ هم‌، وذلك‌ لا نّها جميعاً مخلوقات‌ الله‌ وحده‌، وليس‌ هناك‌ في‌ هذه‌ المرحلة‌ من‌ الولاية‌ شيئاً متصوّراً إلاّ الله‌، فهم‌ معدومون‌، أمّا الموجود فهو الله‌ سبحانه‌، وهذا هو الوجود المحض‌ في‌ مقام‌ الفَناء المحض‌.

يكي‌ قطره‌ باران‌ ز ابري‌ چكيد      خجل‌ شد چو پهناي‌ دريا بديد

 كه‌ جائيكه‌ درياست‌ من‌ كيستم‌؟            گر او هست‌ حقّا كه‌ من‌ نيستم‌

 چو خود را به‌ چشم‌ حقارت‌ بديد            صدف‌ در كنارش‌ به‌ جان‌ پروريد

 سپهرش‌ به‌ جائي‌ رسانيد كار               كه‌ شد نامور لؤلؤ شاهوار

 بلندي‌ از آن‌ يافت‌ كو پست‌ شد              درِ نيستي‌ كوفت‌ تا هست‌ شد [138]

 * * *

 

 بزرگان‌ نكردند در خود نگاه‌                     خدا بيني‌ از خويشتن‌ بين‌ مخواه‌

 بزرگي‌ به‌ ناموس‌ و گفتار نيست‌            بلندي‌ به‌ دعوي‌ و پندار نيست‌

 تواضع‌ سر رفعت‌ افرازدت‌                       تكبّر به‌ خاك‌ اندر اندازدت‌

 ز مغرور دنيا ره‌ دين‌ مجوي                    ‌ خدا بيني‌ از خويشتن‌ بين‌ مجوي‌ [139]

 الرجوع الي الفهرس

ولاية‌ ولي‌ّ الله‌ مقام‌ رفيع‌ لا تناله‌ العقول‌ والافكار

 ولذلك‌ ينبغي‌ أن‌ لا ينحصر الانتظار من‌ مقام‌ الولاية‌ في‌ القيام‌ ببعض‌ الكرامات‌ النادرة‌ وبعض‌ المعجزات‌ القاهرة‌، فارجع‌ البصر إلي‌ السماء والارض‌ والنجوم‌ والافلاك‌ والشجر والحجر والمدر والإنسان‌ والحيوان‌ والنبات‌ والجماد والمَلَك‌ والجنّ والشيطان‌، فإنّ كلّ ما تري‌ وتسمع‌ هو جميعاً من‌ الولاية‌ ومن‌ آثار الولاية‌ ومن‌ شؤون‌ الولاية‌.

 افتح‌ عينيك‌ وانظر إلي‌ الجنين‌ في‌ بطن‌ أُمّه‌ وإلي‌ نموّه‌ وعقله‌ وكماله‌، وانظر إلي‌ حركة‌ الشمس‌ والارض‌ والقمر وسائر السيّارات‌ والثوابت‌ والمجرّة‌ والمجرّات‌ جميعاً في‌ نظمها البديع‌ المحيّر، فهي‌ جميعاً من‌ الولاية‌ وخواصّها.

 افتح‌ عينيك‌ وانظر إلي‌ نفسك‌، إلي‌ بدايتك‌ ونهايتك‌ وسيرك‌ وظاهرك‌ وباطنك‌ ونومك‌ واستيقاظك‌ وسكونك‌ وحركتك‌ وعلمك‌ وقدرتك‌ وحياتك‌، فهي‌ جميعاً من‌ لوازم‌ الولاية‌ وخصائصها.

 الرجوع الي الفهرس

الناس‌ المحجوبون‌ يرون‌ الولاية‌ الكلّيّة‌ الإلهيّة‌ في‌ المعجزات‌ النادرة‌ فقط‌

 فما أشدّ قصور نظرنا وضحالته‌ وتفاهته‌ إن‌ نحن‌ نظرنا إلي‌ الولاية‌ في‌ مسائل‌ شقّ القمر، أو تسبيح‌ الحصي‌، أو حنين‌ الاسطوانة‌ الحنّانة‌، أو إحياء أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ الموتي‌، أو سائر المعجزات‌ التي‌ نُقلت‌ عن‌ الائمّة‌ المعصومين‌ صلوات‌ الله‌ وسلامه‌ عليهم‌ أجمعين‌! تماماً كنملة‌ تسير في‌ حديقة‌ السلطان‌ بين‌ ورودها ورياحينها وخدمها وحشمها، ومع‌ عزّة‌ السلطان‌ وجلالته‌ وسعة‌ سلطانه‌ ونفوذه‌ وأمره‌ ونهيه‌؛ لكنّها لا تري‌ لطفه‌ إلاّ في‌ حَبّة‌ تسحبها إلي‌ بيتها، ولا تعرف‌ من‌ غضبه‌ وقهره‌ إلا الندي‌ الذي‌ يتسرّب‌ إلي‌ بيتها!

 پشّه‌ كِيْ داند كه‌ اين‌ باغ‌ از كِيْ است‌             كو بهاران‌ زاد و مرگش‌ در ديْ است‌ [140]

 بلي‌، يصدق‌ هنا كلام‌ مولانا في‌ شأن‌ نظر الناس‌ المحجوبين‌ عن‌ الولاية‌ الكلّيّة‌ الإلهيّة‌:

 حقّ آن‌ شه‌ كه‌ تو را صاف‌ آفريد             كرد چندان‌ مشعله‌ در تو پديد

 آن‌ چنان‌ معمور و باقي‌ داشتت            ‌ تا كه‌ دهري‌ در [141] أزل‌ پنداشتت‌

 شكر دانستيم‌ آغاز تو را             أنبيا گفتند آن‌ راز تو را [142]

 آدمي‌ داند كه‌ خانه‌ حادث‌ است‌             عنكبوتي‌ ني‌ كه‌ در وي‌ عابث‌ است‌

 پشّه‌ كِيْ داند كه‌ اين‌باغ‌ از كِيْ است‌                  كو بها ران‌ زاد و مرگش‌ در ديْ است‌

 كرم‌ كاندر چوب‌ زائيد است‌ حال‌             كي‌ بداند چوب‌ را وقت‌ نهال‌

 ور بداند كرم‌ از ماهيّتش‌                       عقل‌ باشد، كرم‌ باشد صورتش‌

 عقل‌ [143] خود وا مي‌نمايد رنگ‌ها                        چون‌ پريّ دور است‌ از آن‌ فرسنگها

 از مَلك‌ بالاست‌ چه‌ جاي‌ پري‌                 تو مگس‌ پرّي‌ به‌ پستي‌ مي‌پري‌ [144]

 گرچه‌ عقلت‌ سوي‌ بالا مي‌پرد               مرغ‌ تقليدت‌ به‌ پستي‌ مي‌چرد

 علم‌ تقليدي‌ وبال‌ جان‌ ماست‌               عاريه‌ است‌ و ما نشسته‌ كان‌ ماست‌

 زين‌ خرد جاهل‌ همي‌ بايد شدن                        ‌ دست‌ در ديوانگي‌ بايد زدن‌

 هر چه‌ بيني‌ سود خود زان‌ مي‌گريز        زهر نوش‌ و آب‌ حيوان‌ را بريز

 هر كه‌ بستايد تو را دشنام‌ ده‌                سود و سرمايه‌ به‌ مفلس‌ وام‌ ده‌

 ايمني‌ بگذار و جاي‌ خوف‌ باش               ‌ بگذر از ناموس‌ و رسوا باش‌ فاش‌

 آزمودم‌ عقل‌ دور انديش‌ را    بعد از اين‌ ديوانه‌ سازم‌ خويش‌ را [145]

  أو ما ذكره‌ في‌ المقدِّمة‌ الرائعة‌ القيّمة‌ لكتابه‌ الشريف‌، والتي‌ لها حكم‌ براعة‌ الاستهلال‌ لجميع‌ أبيات‌ الديوان‌:

 من‌ به‌ هر جمعيّتي‌ نالان‌ شدم‌              جفت‌ بدحالان‌ و خوش‌حالان‌ شدم‌

 هر كسي‌ از ظنّ خود شد يار من‌                       وز درون‌ من‌ نجست‌ أسرار من‌

 سرّ من‌ از نالة‌ من‌ دور نيست‌                ليك‌ چشم‌ و گوش‌ را آن‌ نور نيست‌

 تن‌ ز جان‌، و جان‌ ز تن‌ مستور نيست‌                 ليك‌ كس‌ را ديد آن‌ دستور نيست‌ [146]

 ولذلك‌ فإنّ عمل‌ أولياء الله‌ هو عمل‌ الحقّ، فهم‌ قادرون‌ علي‌ القيام‌ بجميع‌ الاعمال‌ من‌ شفاء المرضي‌ وإحياء الموتي‌ وإظهار المعجزات‌ والكرامات‌ وخوارق‌ العادات‌ والتصرّف‌ في‌ موادّ الطبيعة‌ والقيام‌ بالاعمال‌ التي‌ لا تنسجم‌ أبداً مع‌ العقل‌ التجريبي‌ّ الحسّي‌ّ.

 لكنّ النكتة‌ المهمّة‌ هنا، أ نّهم‌ لا يصدر عنهم‌ عمل‌ غير صحيح‌، ولا يفعلون‌ ما يخالف‌ الحكمة‌ والمصلحة‌، ولا يخطون‌ خطوة‌ في‌ إلحاق‌ الضرر والاذي‌ بالبشر، وذلك‌ لا نّهم‌ بالفرض‌ اسم‌ الله‌؛ والله‌ لا يفعل‌ شيئاً عبثاً ولغواً ولهواً. إنّ عمل‌ أولياء الله‌ الحقيقيّين‌ من‌ اللطافة‌ والدقّة‌ والظرافة‌ وفقدان‌ الاسم‌ والاثر والظهور، بالقدر الذي‌ يحصل‌ أحياناً بدون‌ أن‌ يعلموا هم‌ أنفسهم‌ بأفعالهم‌، فهم‌ يفعلون‌ ذلك‌ لكنّ نفوسهم‌ ومُثُلهم‌ تفتقد الاطِّلاع‌ علي‌ ذلك‌. ولو حدثَ أن‌ قطّعت‌ ولي‌َّ الله‌ إرباً إرباً، أو فصلت‌ مفاصله‌ واحدة‌ واحدة‌، ولو سلختَ جلده‌ عن‌ بدنه‌ حال‌ حياته‌، لما فعل‌ شيئاً خلاف‌ رضا الله‌ سبحانه‌. ولذلك‌ نري‌ أنّ الائمّة‌ الطاهرين‌ صلوات‌ الله‌ عليهم‌ أجمعين‌، مع‌ هذه‌ السعة‌ في‌العظمة‌ والامتداد في‌ القدرة‌ الروحيّة‌ والتكوينيّة‌، لا يستجيبون‌ لجميع‌ طلبات‌ الناس‌ وأدعيتهم‌، وذلك‌ لعدّة‌ أسباب‌:

 الرجوع الي الفهرس

العلّة‌ في‌ عدم‌ استجابة‌ بعض‌ أدعية‌ غالبيّة‌ الناس‌

 الاوّل‌: أنّ أغلب‌ أدعية‌ الناس‌ غير جادّة‌، ولا تصدر من‌ أعماق‌ قلوبهم‌. فما أكثر أدعية‌ الناس‌ التي‌ تصدر للعادة‌ والتقليد والاستناد علي‌ الاسباب‌ الظاهريّة‌ والاعتماد علي‌ الاُمور الاعتباريّة‌، وفي‌ هذه‌ الحال‌ فإنّ حقيقة‌ الدعاء لا تنبع‌ من‌ ضمائرهم‌ وقلوبهم‌؛ ولولا ذلك‌ فإنّ هذه‌ الادعية‌ والرغبات‌ كانت‌ ستستجاب‌ في‌ حال‌ الاضطرار والانقطاع‌ الكامل‌.

 أَمَّن‌ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّو´ءَ. [147]

 الثاني‌: أنّ الادعية‌ تنصبّ غالباً علي‌ المنافع‌ الشخصيّة‌ مع‌ الإعراض‌ عن‌ المنافع‌ العامّة‌. أي‌ أنّ الشخص‌ الذي‌ يدعو، يطلب‌ لنفسه‌ شيئاً خاصّاً لو استجيب‌ له‌ فيه‌ لاستلزم‌ ذلك‌ سلب‌ ذلك‌ الشي‌ء منه‌.

 فقد يتوسّل‌ امرؤ بالإمام‌ مثلاً فيدعو بإصرار من‌ أجل‌ أن‌ يرتفع‌ عنه‌ ظلم‌ جاره‌، مع‌ أ نّه‌ نفسه‌ يُلحق‌ في‌ بيته‌ وباستمرار ظلماً أشدّ بزوجته‌ لا يعلم‌ عنه‌ أحد شيئاً؛ فإن‌ استجاب‌ الله‌ دعاءه‌ بحقّ جاره‌ فأهلكه‌، فإنّه‌ سيكون‌ قد ألحق‌ الظلم‌ والحيف‌ بامرأة‌ هذا الظالم‌، وذلك‌ لانّ ظلمه‌ لزوجته‌ سيدوم‌. ولو استجاب‌ الله‌ بشأن‌ جميع‌ الظَّلَمة‌ بمقتضي‌ سعة‌ أسمائه‌ الجلاليّة‌ لتوجّب‌ من‌ ذلك‌ أن‌ يهلك‌ في‌ الوهلة‌ الاُولي‌ نفس‌ هذا الرجل‌، لا نّه‌ يظلم‌ امرأته‌ في‌ بيته‌!

 لكنّ الإنسان‌ يُحسن‌ الظنّ بنفسه‌ دوماً فلا يعد ظلمه‌ قبيحاً، بل‌ لا يري‌ ظلمه‌ ظلماً وتعدّياً، وحينذاك‌ يدعو لرفع‌ ظلم‌ الغير. ومن‌ ثمّ فإنّ أمثال‌ هذه‌ الادعية‌ لا تستجاب‌ لانّ مـآلها هلاك‌ جميع‌ الظلمة‌ من‌ جملتهم‌ نفس‌ الداعي‌.

 الرجوع الي الفهرس

أغلب‌ طلبات‌ الناس‌، بخلاف‌ مصالحهم‌ الحقيقيّة‌

 الثالث‌: أنّ أدعية‌ الناس‌ هي‌ غالباً خلاف‌ مصلحتهم‌، أي‌ أ نّهم‌ يطلبون‌ وفق‌ فكرهم‌ وتعقّلهم‌ شيئاً ويلحّون‌ في‌ طلبه‌، فإن‌ استجيب‌ لهم‌ فيه‌ كان‌ فيه‌ ضررهم‌. لكنّهم‌ ـ باعتبار وقوعهم‌ في‌ ستار الحجاب‌ وعدم‌ اطِّلاعهم‌ علي‌ الاسرار يتخيّلون‌ في‌ الغالب‌ منفعتهم‌. ولذا فإنّ الناس‌ غافلون‌ عن‌ المصالح‌ والمفاسد المعنويّة‌ والحقيقيّة‌ ويتصوّرون‌ المصلحة‌ والمفسدة‌ علي‌ أساس‌ الإفراط‌ في‌ الشهوة‌ والتمتّع‌ باللذائذ الدنيويّة‌ الخسيسة‌، واكتناز المال‌ والثروة‌ وما أشبه‌ ذلك‌، سواء أدّي‌ ذلك‌ إلي‌ استقرار بالهم‌ أم‌ إلي‌ تعكيره‌، وسواء أبقي‌ ذلك‌ علي‌ تحرّر روحهم‌ أم‌ لم‌ يبقِ، وسواء أتعبَ ذلك‌ نفوسهم‌ أم‌ لم‌ يتعبها؛ وبشكل‌ عامّ سواء زاد ذلك‌ في‌ درجتهم‌ ومقامهم‌ العلمي‌ وقربهم‌ من‌ الله‌ سبحانه‌ أم‌ لم‌ يزد؛ في‌ حين‌ أنّ هذا النمط‌ من‌ التفكير خلاف‌ صالحهم‌. فكم‌ من‌ ملعقة‌ من‌ الحلويات‌ اللذيذة‌ كانت‌ باعثاً علي‌ إيجاد السمّ القاتل‌ في‌ أبدانهم‌! وكم‌ ساقتهم‌ زيادة‌ الثروة‌ واكتناز الذهب‌ إلي‌ الطغيان‌ والتمرّد! وما أكثر ما دعتهم‌ صحّة‌ مزاجهم‌ وعافيتهم‌ إلي‌ الغفلة‌ والمرح‌ والفخر! وما أكثر ما دعتهم‌ قدرتهم‌ البدنيّة‌ والبطوليّة‌ إلي‌ تمريغ‌ منافسهم‌ في‌ التراب‌، وأدخلتْ إلي‌ نفوسهم‌ العُجب‌ والغرور! وأمثال‌ ذلك‌ كثير. فهم‌ سيكونون‌ حينذاك‌ قد جَنَوْا منفعة‌ قليلة‌ ومؤقّتة‌ أعقبتهم‌ مضرّة‌ كثيرة‌ ودائمة‌ دون‌ أن‌ يعلموا بذلك‌. وعند ذلك‌ يذهب‌ هؤلاء المساكين‌ إلي‌ اللهو واللعب‌، ويسمّرون‌ أنظارهم‌ علي‌ اللذّات‌ الفانية‌ لا يتعدّونها، جاهلين‌ بالتعب‌ والنَّصَب‌ والتداعي‌ الروحيّ الذي‌ لحقهم‌.

 كان‌ سماحة‌ السيّد الحدّاد قدّس‌ الله‌ سرّه‌ يقول‌: أري‌ الناس‌ في‌ جميع‌ المشاهد المشرّفة‌ يُلصقون‌ أنفسهم‌ بالضريح‌ ويضرعون‌ باكين‌ بالدعاء فيقولون‌: أضفْ خرقة‌ إلي‌ خرق‌ لباسنا المتهرّي‌ ليصبح‌ أثقل‌. وليس‌ هناك‌ مَن‌ يقول‌: خذ هذه‌ الخرقة‌ منّي‌ ليخفّ كاهلي‌ وليصبح‌ ردائي‌ أبسط‌ وألطف‌ وأرقّ!

 إنّ حاجات‌ الناس‌ تنصبّ غالباً علي‌ الاُمور المادّيّة‌ ولو كانت‌ مشروعة‌، كأداء دَين‌، أو الحصول‌ علي‌ رأس‌ مال‌ للتجارة‌ والكسب‌، وشراء بيت‌، والزواج‌ من‌ فتاة‌، وشفاء مريض‌، والقيام‌ باستضافة‌ الناس‌ وإطعامهم‌ في‌ شهر رمضان‌ وأمثال‌ ذلك‌. وهذه‌ الاُمور جيّدة‌ لو أدّت‌ إلي‌ قرب‌ الإنسان‌ وتجرّده‌، لا إلي‌ زيادة‌ شخصيّته‌ وأنانيّته‌ وتقوية‌ وجوده‌. لانّ تقوية‌ الوجود هذه‌ ستؤدّي‌ إلي‌ ثقل‌ النفس‌ وبُعدها عن‌ سبيل‌ الله‌، لا إلي‌ خفّة‌ النفس‌ وانبساطها وقربها.

 إنّ العمل‌ الصالح‌ للبشر وصلاحه‌ الحقيقي‌ّ هو الذي‌ يؤدّي‌ إلي‌ قُربه‌ من‌ الله‌ تعالي‌ وإلي‌ تحرير نفسه‌، سواء اقترن‌ بالمنفعة‌ الطبعيّة‌ والطبيعيّة‌ أم‌ لم‌ يقترن‌.

 وبعبارةٍ أُخري‌ فإنّ مجموعة‌ الإنسان‌ ليست‌ كمجموعة‌ الحيوان‌ والنبات‌ والجماد ليلحظ‌ فيها البدن‌ فقط‌، بل‌ إنّ الإنسان‌ يمتلك‌ نفساً ناطقة‌ وقابليّة‌ للارتقاء إلي‌ أعلي‌ علّيّين‌. فإن‌ قَصَرَ عنايته‌ علي‌ البدن‌ وأبهج‌ بذلك‌ نفسه‌، فقد أصابه‌ الضرر وأيّما ضرر! فهو قد باع‌ حقيقة‌ وجوده‌ وثمرة‌ حياته‌ بثمن‌ بخس‌، وبقي‌ محروماً في‌ ميدان‌ اللهو الدنيويّ. ولو أراد الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ في‌ مثل‌ هذه‌ الافتراضات‌ أن‌ يقضوا حاجات‌ الجميع‌ ويستجيبوا لجميع‌ الادعية‌ لكانوا قد ساروا خلاف‌ مصالحهم‌.

 إنّ الائمّة‌ هم‌ مصلحو عالم‌ البشريّة‌، فهم‌ في‌ حكم‌ الطبيب‌ الذي‌ يصف‌ للمريض‌ الاغذية‌ والادوية‌ المُرَّة‌ أحياناً، ويجري‌ له‌ العمليّة‌ الجراحيّة‌ والتزريق‌، وينصحه‌ بالامتناع‌ عن‌ بعض‌ الاغذية‌، ويداويه‌ بالجوع‌ أحياناً أُخري‌. أمّا العقلاء فيُدركون‌ ذلك‌ ولا يتمرّدون‌ علي‌ تعاليم‌ الطبيب‌، وأمّا الجهلة‌ وعبدة‌ الشهوات‌ أو الاطفال‌ الذين‌ لا كافل‌ لهم‌، فلا يُعيرون‌ ذلك‌ أُذناً صاغية‌، ويقومون‌ من‌ ثمّ بحفر قبورهم‌ بأيديهم‌.

 وبالطبع‌ فإنّ نفس‌ الالتجاء والدعاء يمتلك‌ المحبوبيّة‌، وهؤلاء المتوسّلون‌ والداعون‌ يحصلون‌ علي‌ أجر معنويّ، ويحسّون‌ ببهجة‌ ونشاط‌ وصفاء في‌ هذه‌ العتبات‌ المشرّفة‌ ويتمتّعون‌ بلذّة‌ الدنيا والعبادة‌. ونحن‌ نشاهد أحياناً أنّ حاجاتهم‌ تقضي‌ حين‌ تقتضي‌ المصلحة‌ ذلك‌، فيشفي‌ المرضي‌ المشرفون‌ علي‌ الموت‌ والعميان‌ والمشلولون‌، فيعودون‌ إلي‌ أوطانهم‌ وقد نالوا مرادهم‌ وقضيت‌ حاجاتهم‌.

 كما أ نه‌ لا اختصاص‌ بقضاء الحاجات‌ بالاعتاب‌ المباركة‌ لثامن‌ الائمّة‌ عليه‌ السلام‌، فهذا الامر عامّ في‌ جميع‌ العتبات‌ المباركة‌ الاُخري‌، ولقد سمعنا في‌ حياتنا من‌ كرامات‌ كلّ واحد من‌ هؤلاء العظام‌ في‌ كلّ مكان‌ بالقدر الذي‌ يضيق‌ علي‌ الحصر والعدّ، حتّي‌ أنّ هذا الحقير حين‌ كان‌ منزلنا في‌ طهران‌ كان‌ يتشرّف‌ كثيراً بزيارة‌ السيّد عبد العظيم‌ الحسني‌ّ سلام‌ الله‌ عليه‌، وكنت‌ أدعو في‌ ذلك‌ المحلّ المبارك‌، فلا أذكر أ نّي‌ دعوت‌ بشي‌ء ولم‌ يُستجب‌ لي‌ فيه‌.

 ولقد كان‌ منزلنا يقع‌ في‌ زقاق‌ « حمّام‌ وزير »، وكان‌ هناك‌ رجل‌ يعمل‌ في‌ خياطة‌ الاحذية‌ وإصلاحها، وكنا نُصلح‌ أحذيتنا عنده‌. وأذكر جيّداً أ نّه‌ جاء إلي‌ منزلنا يوماً باكياً وشرح‌ لوالدي‌ الذي‌ كان‌ عالِم‌ المحلّة‌ تفصيل‌ ما وقع‌ له‌، وكنت‌ آنذاك‌ صغيراً.

 قال‌: إنّ من‌ عادتنا نحن‌ الحذّائين‌ أن‌ نضع‌ في‌ فمنا قدراً من‌ المسامير التي‌ نريد تثبيتها في‌ الاحذية‌، ثمّ نستخرجها واحداً فواحداً فنسمّرها في‌ الحذاء. وكنتُ يوماً قد وضعتُ في‌ فمي‌ قدراً من‌ هذه‌ المسامير السوداء (المسامير الطويلة‌ المدبّبة‌ المعهودة‌ في‌ إصلاح‌ الاحذية‌) وذلك‌ لتثبيتها في‌ أحد الاحذية‌. فجاء أحد الاشخاص‌ فجأة‌ وشرع‌ بالتحدّث‌ معي‌، وهكذا غفلت‌ عن‌ المسامير في‌ فمي‌ فابتلعتُها فجأة‌.

 لقد تجسّد الموت‌ آنذاك‌ أمام‌ ناظري‌، فها هي‌ معدتي‌ وأمعائي‌ ستتقطّع‌ إرباً إرباً، فما كان‌ منّي‌ إلاّ أن‌ أغلقت‌ دكّاني‌ بلا تأخير وهرعت‌ إلي‌ السيّد عبد العظيم‌ عليه‌ السلام‌ والتجأت‌ إلي‌ ضريحه‌ فألصقت‌ نفسي‌ به‌ وضرعتُ إليه‌: أيّها السيّد الكريم‌! أنت‌ تعلم‌ أنّ لدي‌ّ عائلة‌ كبيرة‌، وها أنا قصدتُك‌ أُريد شفائي‌ منك‌!

 كان‌ وضعي‌ منقلباً حينها، وهكذا خرجت‌ من‌ حضرته‌ وجلست‌ إلي‌ جانب‌ الحوض‌ وسط‌ الصحن‌، فأحسست‌ فجأة‌ بحالة‌ تقيّؤ تعتريني‌، فخرج‌ ما في‌ معدتي‌ ورأيتُ فيه‌ جميع‌ تلك‌ المسامير!

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[121] ـ «نجم‌ ثاقب‌» (= النجم‌ الثاقب‌) ص‌ 152 و 153، الباب‌ 9، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[122] ـ «فروع‌ الكافي‌» ج‌ 4، ص‌ 584، الحديث‌ 2، كتاب‌ الحجّ والمزار، باب‌ فضل‌ زيارة‌ أبي‌ الحسن‌ الرضا عليه‌ السلام‌، طبعة‌ مكتبة‌ الصدوق‌، سنة‌ 1391.

[123] ـ «كامل‌ الزيارات‌» ص‌ 305، الباب‌ 101: ثواب‌ زيارة‌ أبي‌ الحسن‌ علي‌ّ بن‌ موسي‌ الرضا عليه‌ السلام‌ بطوس‌، طبعة‌ المطبعة‌ المرتضويّة‌، النجف‌، سنة‌ 1357 ه. ق‌.

[124] ـ «بحار الانوار»، ج‌ 22، ص‌ 225، كتاب‌ المزار، طبعة‌ الكمباني‌ّ.

[125] ـ الترجمة‌ الفارسيّة‌ للفقرة‌: وَلْيَكُنْ ذلِكَ في‌ رَجَبٍ. وَلا يَنْبَغي‌ أنْ تَفْعَلوا ] في‌ [ هَذا اليَوْمِ فَإنَّ عَلَینا وَعَلَیكُمْ مِنَ السُّلْطانِ شُنْعَةً، الواردة‌ في‌ الرواية‌ الشريفة‌؛ «تحفة‌ الزائر» ص‌ 402، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[126] ـ «هديّة‌ الزائرين‌» ص‌ 238، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[127] ـ «كامل‌ الزيارات‌» ص‌ 306، طبعة‌ المطبعة‌ المرتضويّة‌، النجف‌، سنة‌ 1357 ه. ق‌.

[128] ـ «وسائل‌ الشيعة‌» ج‌ 2، ص‌ 410، طبعة‌ أمير بهادر.

[129] ـ «إقبال‌ الاعمال‌» ص‌ 631، في‌ باب‌ أعمال‌ رجب‌، الطبعة‌ الحجريّة‌ الرحليّة‌.

[130] ـ يقول‌ العلاّمة‌ الشيخ‌ عبد الحسين‌ الاميني‌ّ رحمة‌ الله‌ عليه‌ في‌الهامش‌: الصَّرْمِي‌ُّ بِفَتْحِ الصَّادِ المُهْمَلَةِ ـ وَقِيلَ بِكَسْرِهَا وَبَعْدَهَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ، يُنْسَبُ إلی بَنِي‌ صَرْمَةَ بْنِ كَثِيرٍ: بَطْنٌ مِنْ عُذْرَةَ بْنِ زَيْدٍ اللاَّتِ مِنَ القُحْطَانِيَّةِ، أَوَ إلی صَرْمَةَ بْنِ مرَّةَ حَي‌ٌّ مِنْ ذُبْيَانَ. وَدَاوُدُ هَذَا هُوَ دَاوُدُ بْنُ مَافِئَةِ الصَّرْمِي‌ّ بِقَرِيَنةِ أَحْمَدَ بْنِ عِيسَي‌، لاَ دَاوُدُ الصَّرْمِي‌ُّ الَّذِي‌ مِنْ أَصْحَابِ الهَادِي‌ِّ عَلَیهِ السَّلاَمُ، يَرْوِي‌ عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي‌ عَبْدِ اللَهِ. وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضٌ إلی اتِّحَادِهِمَا.

[131] ـ «كامل‌ الزيارات‌» ص‌ 303 الباب‌ 101.

[132] ـ «كامل‌ الزيارات‌» ص‌ 305، الباب‌ 101.

[133] ـ «كامل‌ الزيارات‌» ص‌ 305، الباب‌ 101.

[134] ـ «كامل‌ الزيارات‌» ص‌ 306، الباب‌ 101.

[135] ـ يرجع‌ الضمير في‌ «اختيرت‌» إلي‌ البقاع‌ والمشاهد لا إلي‌ الصلاة‌، وبناء عليه‌ فإنّ اللام‌ الاُولي‌ تكون‌ للتعليل‌ واللام‌ الثانية‌ للاختصاص‌. ولا نّنا قد فسّرنا هذه‌ الابيات‌ في‌ ج‌ 11، ص‌ 255 من‌ «معرفة‌ الاءمام‌» (دورة‌ العلوم‌ والمعارف‌ الاءسلاميّة‌) وأرجعنا الضمير في‌ «اختيرت‌» إلي‌ الصلاة‌، لذلك‌ يجب‌ أن‌ يصحّح‌ ذلك‌ التفسير ويحلّ مكانه‌ هذا التفسير.

[136] ـ قال‌ آية‌ الله‌ المحقّق‌ السيّد محمود الطباطبائي‌ّ قدّس‌ الله‌ سرّه‌ في‌ كتاب‌ «المواهب‌ السنيّة‌ في‌ شرح‌ الدُّرَّة‌ الغَرَويّة‌» («الدرّة‌ الغرويّة‌» للعلاّمة‌ السيّد مهدي‌ بحر العلوم‌) ص‌ 215، في‌ شرح‌ هذا البيت‌:

 فَفِي‌ خَبَرِ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي‌ جَعْفَرٍ عَلَیهِ السَّلاَمُ قَالَ: خَلَقَ اللَهُ كرَبْلاَءَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقُ الكَعْبَةَ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ عَامٍ، وَقَدَّسَهَا وَبَارَكَ عَلَیهَا، فَمَا زَالَتْ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللَهُ الخَلْقَ مُقَدَّسَةً مُبَارَكَةً لاَ تَزَالُ كَذَلِكَ، جَعَلَهَا اللَهُ أَفْضَلَ الاَرْضِ فِي‌ الجَنَّةِ.

 وَيُمْكِنُ الاسْتِنَادُ فِي‌ ذَلِكَ إليَ الاَخْبَارِ الوَارِدَةِ فِي‌ فَضْلِ زِيَارَتِهِ صَلَوَاتُ اللَهِ عَلَیهِ عَلَي‌ الحَجِّ والعُمْرَةِ مِرَاراً، مَعَ أَنَّ فِيِهمَا الطَّوَافَ بِالبَيْتِ... إلي‌ آخر ما أفاده‌ في‌ الشرح‌ علي‌ طوله‌.

[137] ـ منظومة‌ العلاّمة‌ السيّد مهدي‌ بحر العلوم‌ المعروفة‌ بـ «الدُّرَّة‌ النجفيّة‌».

[138] ـ «كلّيات‌ سعدي‌» مختارات‌ من‌ ص‌ 122 إلي‌ 124، بوستان‌، الباب‌ الرابع‌ في‌ التواضع‌، طبعة‌ محمّد علي‌ فروغي‌.

 يقول‌: «هطلت‌ من‌ غيم‌ السماء قطرة‌ مطر، فذابت‌ حياء إذ رأت‌ سعة‌ البحر الممتدّ.

 فقالت‌: مَن‌ أنا مقابل‌ هذا البحر الخضمّ؟ إنّني‌ لست‌ في‌ الحقيقة‌ أمام‌ وجوده‌ إلاّ عدماً.

 ولا نّها نظرت‌ باستصغار إلي‌ نفسها، تسامت‌ لها الاصداف‌ التي‌ كانت‌ حولها فغذّتها بروحها.

 وهكذا أوصلتها الصدفة‌ إلي‌ أن‌ صارت‌ لؤلؤة‌ ملكيّة‌ نادرة‌ المثال‌.

 تواضع‌ تجد السموَّ والعلو والرفعة‌، وكن‌ عدَمَاً تصبح‌ الوجود مدي‌ الدهر».

[139] ـ يقول‌: «إنّ الكبار لم‌ ينظروا إلي‌ ذواتهم‌ وأنفسهم‌، فلا تطلب‌ رؤية‌ الله‌ ممّن‌ يتطلّع‌ إلي‌ نفسه‌.

 وليس‌ الجلال‌ بالشرف‌ والاقوال‌، ولا السموّ بالادّعاء والخيال‌.

 بل‌ إنّ التواضع‌ هو أساس‌ الرفعة‌ والشموخ‌، كما أنّ التكبّر هو الذي‌ يهبط‌ بالمرء إلي‌ التراب‌.

 فلا تبغِ سبيل‌ الدين‌ عند المغرور بالدنيا، ولا تبحث‌ عن‌ معرفة‌ الله‌ في‌ الانانيّة‌ والتطلّع‌ للنفس‌».

 [140] ـ يقول‌ «: أ نّي‌ للبعوضة‌ أن‌ تعرف‌ متي‌ وُجِدَ هذا الحقل‌، فقد وُلدت‌ في‌ الربيع‌ وستموت‌ عند الخريف‌».

[141] ـ في‌ النسخة‌ الاُخري‌ ورد لفظ‌ «از».

[142] ـ «مثنوي‌ مولـوي‌» ج‌ 2، ص‌ 155 و 156، السـطر 23 فما بعد، طـبعة‌ آقـا ميـرزا محمود الحجريّة‌.

يقول‌: «بحقّ ذلك‌ الذي‌ خلقَكَ بهذا الصفاء، وجعل‌ فيك‌ مشاعلَ متوهّجة‌.

 والذي‌ حفظك‌ باقياً معموراً، حتّي‌ ظنّك‌ الدهري‌ُّ أزليّاً.

 شكراً للّه‌ إذ علّمنا بدايتك‌، وأطلعنا الانبياءُ علي‌ سرّك‌».

[143] ـ المراد هو العقل‌ الجزئي‌ّ، أي‌ عقل‌ المعاش‌.

[144] ـ يقول‌: «يعلم‌ الآدمي‌ّ حدوثَ البيت‌ الذي‌ يقطن‌ فيه‌، لكنّ العنكبوت‌ العابث‌ فيه‌ لا يعلم‌ بهذا السرّ.

 وأ نّي‌ للبعوضة‌ أنّ تعرف‌ متي‌ وُجِدَ هذا الحقل‌، فقد وُلِدَتْ في‌ الربيع‌ وسـتموت‌ عند الخريف‌.

 وكيف‌ ومتي‌ سـتعلم‌ الدودة‌ التي‌ وُلدت‌ في‌ ثنايا الخشـب‌، أ نّه‌ كان‌ يـوماً ما غرسـاً يافعاً؟

 وإن‌ أمكن‌ للدودة‌ أن‌ تدرك‌ من‌ ماهيّة‌ الخشب‌ أ نّه‌ كان‌ غرساً صغيراً، عندئذٍ فهي‌ ليست‌ إلاّ عقلاً تصوّر بشكل‌ دودة‌.

 إنّ العقل‌ يظهر بصور مختلفة‌، لكنّه‌ بعيد عنها بفراسخ‌ شأنه‌ في‌ ذلك‌ شأن‌ الجنّ.

 فهو أعلي‌ من‌ الملائكة‌ فضلاً عن‌ الجانّ، أمّا أنت‌ فقد أشبهتَ الذبابَ بطيرانك‌ لا نّك‌ تنظر دوماً إلي‌ الاسفل‌».

[145] ـ يقول‌: «ومع‌ أنّ عقلك‌ يحلّق‌ إلي‌ الاعالي‌، لكنّ طائر التقليد لديك‌ مشغول‌ بالاجترار في‌ العوالم‌ السفلي‌.

 إنّ العلم‌ التقليدي‌ّ بلاء علي‌ روحنا، ومع‌ أ نّه‌ ليس‌ إلاّ عارية‌ لكنّنا نظنّ أ نّه‌ يعود إلينا.

 لذا ينبغي‌ التبرّي‌ من‌ هذا العلم‌ والعقل‌، فلنصبح‌ جهّالاً منه‌ ولندّعِ الجنون‌.

 اهربْ من‌ كلّ ما رأيتَ أ نّه‌ ينفعك‌، واجرع‌ السمّ وأرِقْ ماء الحياة‌ علي‌ الارض‌.

 واشتمْ مَنْ مدحكَ وبجّلك‌، وأقرضْ المفلس‌ رأس‌ مالك‌ وربحك‌.

 أعرِضْ عن‌ الامان‌ وعِشْ في‌ خوفٍ وهلع‌، وأغضض‌ عن‌ الناموس‌ واختر الفضيحة‌.

 لقد جرّبتُ هذا العقل‌ المتفكّر، وسأختار الجنون‌ بعد هذا لنفسي‌».

[146] ـ «مثنوي‌ مولوي‌» ج‌ 1، ص‌ 1، السطر 4، طبعة‌ آقا ميرزا محمود.

 يقول‌: «علا صوت‌ أنيني‌ في‌ كلّ نادٍ وجمع‌، ورافقت‌ ذوي‌ الاحوال‌ السيّئة‌ والحسنة‌.

 فخُيّل‌ لكلّ منهم‌ أ نّه‌ صار رفيقي‌ وصاحبي‌، بَيدَ أنّ أحداً لم‌ يطّلع‌ علي‌ سرّي‌ ومكنون‌ ضميري‌.

 إنّ سرّي‌ مودع‌ في‌ أنيني‌ وشجوي‌ لا ينفكّ عنهما، لكنّ أعين‌ الآخرين‌ وآذانهم‌ ينقصها ذلك‌ النور فقصرت‌ عن‌ أن‌ تسمع‌ أو تري‌.

 لقد اقترن‌ البدن‌ بالروح‌ فلم‌ يغبْ أحدهما عن‌ الآخر أو يستتر عنه‌ يوماً، ولكن‌ لم‌ يُعهد من‌ أحد أن‌ يري‌ الروح‌ عياناً».

[147] ـ صدر الآية‌ 62، من‌ السورة‌ 27: النمل‌.

[148] ـ «هديّة‌ الزائرين‌» ص‌ 284 و 285 (بالفارسيّة‌)، الطبعة‌ الحجريّة‌، في‌ فضيلة‌ زيارة‌ الاءمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌، وقد أوردنا في‌ المتن‌ الترجمة‌ العربيّة‌.

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com