|
|
الصفحة السابقهقضيّة مدرسة الفيضيّة ونظرة المؤلِّف في مراحل التدابير السياسيّةوعلي كلّ تقدير، فقد كانت إحدي وجهات نظري المخالفة له هي قضيّة الحزب، والاُخري هي قضيّة مدرسة الفيضيّة التي اقتحمتها القوّات الخاصّة، فقد قاموا أثناء منبر المرحوم الانصاريّ وردّدوا الشـعارات، وارتكبوا الجنايات، وقلعوا أشجار المدرسة، وقاموا بضرب الطلبة بعيدان الاشجار والهراوات وكان يوماً عصيباً؛ ومن جملة المشاركين في المجلس، الذين شملهم الضرب والإيذاء آية الله الكلبايكانيّ، حيث رقد في بيته أيّاماً بعد الحادثة للمعالجة والنقاهة؛ وقد تورّم من الضرب المبرّح ـ ولعدّة أشهر كتف آية الله الحاجّ علي الصافي الكلبايكانيّ ـ وهو من أبناء أُخته، أي أ نّه الاخ الاكبر لآية الله الحاجّ لطف الله الصافي الكلبايكانيّ. كان ذلك اليوم عصيباً، وكان يؤتي بكلّ مَن يُقبض عليه من الطلبة إلي حافّة الحوض فيقال له: قُل: يحيا الملك! فإن لم يستجب، نال منهم الضرب المبرّح بقصد قتله. ولقد ضربوا الطـلبة بتلك العصي الخشـبيّة فأدموا الرؤوس والوجوه، بل شجّوا رؤوس الطلبة بالحجارة، وحطّموا الزجاج، وجمعوا الكتب من غرف الدراسة وبعثـروها في ساحة المـدرسة؛ وقصّة مدرسة الفيضـيّة معلومة. وقد طرق سمعنا يوماً ـ بعد تلك القضيّة أ نّه تقرّر دعوة الراغبين من المسلمين للذهاب إلي مصرف الصادرات لدفع تومان واحد ـ لا أكثر عن كلّ منهم لتعمير مدرسة الفيضيّة، وكان هذا الإجراء بمثابة استفتاء عامّ ضدّ الملك والجهاز الحاكم؛ فإذا جاء كلّ مسلم ـ في إيران إلي المصرف لدفع هذا المبلغ لتعمير مدرسة الفيضـيّة ـ وعددهم معلوم فهذا يعني أنّ جميع أهل البلد قد جاؤوا إلي ذلك المصرف، ويعني كذلك أنّ جميع أفراد الاُمّة قد أعلنوا مخالفتهم للملك؛ ولذلك فقد شهدت شعبة المصرف المذكور صفوفاً بالآلاف المؤلّفة، وكلٌّ ينتظر دوره لدفع المبلغ، فقامت الدولة بأشدّ الاساليب الاحترازيّة لمنع الناس من المجيء إلي المصرف. ولو لم يتّخذ الجهاز الحاكم الإجراء الحازم الحاسم في ذلك لَقُرِي عليه السلام؛ نعم، فقد كان ذلك الإجراء استفتاءً عامّاً ضدّ الملك، وبطبيعة الحال فقد كان ذلك الإجراء صحيحٌ أصالةً، لكنّ تنفيذ الخطوات كان ينبغي أن يكون تدريجيّاً، لذا كان هذا الإجراء متسرّعاً سبق وقته المناسب، فباء بالفشل، لا نّهم تمكّنوا من الحيلولة أمام تنفيذه. ثمّ سمعنا أنّ ذلك الإجراء لم يكن من رأي آية الله الخمينيّ، بل من قِبَل بعض أصدقائه المؤيّدين له من أهالي طهران، وذكروا منهم فلاناً وفلاناً، فقد فكّر هؤلاء مع أنفسهم في: ما الذي يجب عمله؟ فقالوا: من الافضل أن يكون العمل هكذا: علي أيّ شخص يرغب في المشاركة لتعمير مدرسة الفيضيّة أن يدفع توماناً واحداً في مصرف الصادرات؛ ومن ثمّ ذهبوا إلي المصرف وفتحوا حساباً خاصّاً باسمهم دون علمه، ثمّ أطلعوه بعد ذلك علي ما فعلوا. أرأيتم! لقد كان هذا الإجراء في ذلك الوقت غير مناسب أبداً، حيث ينبغي تهيئة المقدّمات اللازمة له أوّلاً، ثمّ تنفيذه في المرحلة اللاحقة، وكانت هذه مسألة أُخري من مسائل الاختلاف. عموماً، فقد قال المرحوم المطهّريّ رحمة الله عليه: كان آية الله الخمينيّ يتحرّك في هذه الاُمور بسرعة فائقة، ولابدّ لمن يريد اللحاق به أن يطوي عدّة مراحل. ثمّ ضرب مثالاً عن نادر شاه، وهو: كانت عادة الملوك عبر التأريخ إذا راموا القتال، أن يقدّموا إحدي وحداتهم العسكريّة إلي الامام لتمشيط المنطقة، ثمّ تتقدّم مقدّمة الجيش، ويتبعها الملك أو القائد المعيَّن لتلك المعركة مع جيشه لبدء الحرب. أمّا نادر شاه، فكان يتقدّم لوحده ـ إذا أراد الحرب فيسبق وحداته العسكريّة بعدّة مراحل، ثمّ يتحصّن في مكانٍ ما لاستطلاع المنطقة وجمع المعلومات ودراسة طبيعة الظروف المحيطة بمنطقة الاشتباك؛ فلا يصل إليه الجيش إلاّ بعد ساعات عديدة قد تصل إلي نصف يوم. وذات يوم، أراد نادر شـاه الحـرب، فذهـب لوحـده علي جـواده ـ كعادته لاستطلاع المنطقة، وبينما هو في طريقه إذ رأي طاحونة فاقترب منها وقال للطحّان: أُريد ماءً؛ فجاءه الطحّان بالماء، فلمّا شرب الماء قال: حسناً؛ أحسّ الآن بالتعب، وسأنام هنا، وإذا جاء الجيش فقل لهم بأنّ نادر شاه هنا. فقال الطحّان: نادر! نادر! نادر! ثمّ هوي إلي الارض صريعاً من شدّة الرعب الذي دخله. قال المرحوم المطـهّريّ: كان فكر آية الله الخـمينيّ نافـذاً، وكان يُقدم علي الاُمور بسرعة، وكان يدرس ويحلّل الحوادث والوقائع بكلّ احتمالاتها قبل وقوعها؛ وبالنتيجة فقد كان المرء يجد نفسه متخلّفاً عنه بعدّة مراحل، وكانت هذه المسألة من ميزاته. اغتيال منصورومن المسائل التي شعرنا فيها أنّنا أمام أمرٍ قد قُضي وانتهي: عمليّة اغتيال منصور، إذ إنّ الاغتيال لا يجدي نفعاً مرجوّاً، وعمليّة الإصلاح لا تتمّ باغتيال شخص، لا نّهم سيضعون شخصاً آخراً مكانه علي الفور، ولا شكّ أنّ الشخص الثاني سيكون أسوأ من الاوّل بمئات الاضعاف، أي أ نّهم سيتّخذون من عمليّة الاغتيال ذريعة في اتّخاذ الشدّة من أجل تنفيذ مآربهم. علي الإنسان أن يقلع الاصل والجذر، وأن يكون كفاحه ونضاله مبدئيّاً. فلا فائدة من القتل في هذه الحال، لانّ الإسلام لا يقرّ الاغتيال، والإسْلاَمُ قَيَّدَ الفَتْكَ. فالذي يريد أن يقتل أحداً، فعليه قتله بعد محاكمته علنيّاً، أو أن يقتله علناً في حال الحرب أو الغلبة. ولم تكن عملية الاغتيال قد نفّذت بإقرار من آية الله الخمينيّ، ولم يكن تنفيذها بتوجيه منه، وقد صرّح بذلك بعد مدّة، وكنت علي معرفة بمنفّذي عمليّة اغتيال منصور من خلال تردّدهم علَيَّ في بعض الاوقات، وصحيح أ نّهم ليسوا من رجالنا إلاّ أ نّهم من الافراد الغيورين، والمتديّنين الجادّين؛ وباختصار كانوا يعملون ضمن مسار التيّار الدينيّ، لكنّ الجموح قد غلب عليهم نوعاً ما، وكان من الصعب صدّهم عمّا عزموا عليه. وجاءنا في تلك الايّام بعض الشباب الغيور وطلبوا الانتماء والانضواء بين صفوفنا علي أن يقدّموا أرواحهم وأنفسهم فداء للإسلام والقرآن، وأن يكونوا رهن إشارتنا ملبّين طائعين ـ ولا زال البعض منهم علي قيد الحياة كأحمد التوكّليّ، والسيّد حسين المحتشميّ، والسيّد محمود المحتشميّ ( قيل إنّ السيّد حسين هو والد السيّد المحتشميّ وزير الداخليّة الحالي )، وامتاز أُولئك الرجال بالوعي والغيرة والسلوك الحسن، وعلي الاخص السيّدان حسين ومحمود المحتشميّان والتوكّليّ، إذ كانوا من أهل الفكر الثاقب ومن المثابرين؛ وكانت تربطنا وإيّاهم رابطة عمل مشترك، وأمدّونا بالعـون في بعض المقاطـع المهـمّة من العمل، لكنّـهم لم يكـونـوا ضمن أفرادنا. ومن أفرادنا العاملين بحركيّة فاعلة الحاجّ السيّد مرتضي المقدسيّ الذي جلدوه ستّين سوطاً من أجل الثورة، ومنهم أيضاً الحاجّ أيّوب الحشمتيّ، والمرحوم علي والد الحاجّ علي أكبريّ، وكذلك الحاجّ إسماعيل مهدوي نيا، والحاجّ إبراهيم إسلاميّة وغيرهم. ومن أفرادنا الجيّدين جدّاً آية الله الحاجّ صدر الدين الحائريّ الشيرازيّ من علماء شيراز اليوم، وهو الاخ الاكبر لسماحة الحاجّ الشيخ محي الدين إمام صلاة جمعة شيراز؛ وهو رجل صادق، نزيه، مخلص ومتنوّر، وقد لاقي الامرّين في سجون العهد البائد، وأُصيبت عيناه بمثل ما أصاب عيني ـ أي تمزّق الشبكيّة من جرّاء ضربة تعرّض لها في السجن، ولم تسعفه العمليّة الجراحيّة بشيء، ففقد إحدي عينيه، ولا زال علي قيد الحياة رجلاً واعياً غيـوراً متديّـناً، ومن الراسخـين المضـحّين، ومن مصاديق: وَلاَ يَخَافُونَ فِي اللَهِ لَوْمَة لاَئِمٍ، ومنهم أيضاً المرحوم آية الله الشهيد الحاجّ السيّد عبد الحسين دستغيب الذي قضيت معه أيّاماً وليالٍ لا تنسي، وكم كان طيّباً ومجاهداً وصامداً رحمة الله عليه رحمةً واسعةً. وزبدة القول: فقد جاءني أُولئك السادة وقالوا: نحن خمسون شخصاً؛ فقلتُ لهم: ألا تريدون العمل معنا؟ قالوا: بلا. قلتُ: وتحت أمرنا ونهينا؟ قالوا: نعم، مائة بالمائة، ومستعدّون لكلّ ما تأمرونا به. قلتُ: أتعلمون أنّ من نتائج هذا الامر أنّ عليكم الطاعة في جميع الاحوال، حتّي في حال فرض أخْذ أحد الصالحين إلي خشبة الإعدام، فقلتُ لكم لا تدافعوا عنه، إذ ليس من المصلحة أن تفعلوا شيئاً! فهل أنتم علي استعداد لتنفيذ ذلك؟! قالوا لا! إنّك لا تجد بيننا شخصين ينفّذان ما تقولون. قلتُ: إذا لم أجد ذلك، فعملكم معنا غير صائب، إنّكم تطلبون الانضواء بين صفوفنا، وتطرحون ثقتكم بي بكلّ ما للكلمة من معني، لدرجة أنّ عليكم الانصياع لكلّ ما أقوله لكم! فإذا قلتم تارةً سمعاً وطاعة، وتمرّدتم تارة أُخري، وعددتم انقيادكم مصلحة تارةً، وخلافاً للمصلحة تارةً أُخري، فهنا تكمن الخطورة. وهؤلاء السادة هم: العراقيّ والامانيّ والبخارائيّ الذين قاموا باغتيال منصور، وكانوا في الواقع مسلمين جيّدين ومن أفضل الافراد، لكنّهم كانوا يتحرّكون في بعض المواقع بالشكل الذي لا يعلم بتحرّكاتهم حتّي آية الله الخمينيّ نفسه، أو يقومون بأعمال لا يرتضيها. ولذلك فقد عادت عمليّة اغتيال منصور بالضرر، يعني: أ نّهم عيّنوا حكومة أمير عبّاس هويدا، فخضعت المملكة لمدّة ثلاث عشرة سنة تحت قبضة هذا الرجل البهائيّ فسلّمها للبهائيّين، حتّي بلغت الحال حدّاً صار معه يبعث مع قوافل زائري العتبات المقدّسة إلي كربلاء أحد البهائيّين بعنوان طبّاخ للقافلة؛ وأضحي رؤساء أغلب دوائر الدولة من الفاسدين، وقُرئت الفاتـحة علي الدين والدنـيا والثـروة؛ وحسـب قول آية الله الخـمينيّ رحمة الله عليه: فقد أفرغوا البلد وأنضبوه، فلا من رأس مالٍ قد بقي، ولا من نفط، ولا من وجدان، ولا من مالٍ، ولا من عزّة، ولا من شرف، ولم يتركوا شيئاً في مكانه! وكان القصد من ذلك تشكيل دولة بهائيّة في إيران علي غرار دولة إسرائيل، وقد مهّدت عملية اغتيال منصور تحقيق الخطوات العمليّة لهذه الخطّة. ولذا، فاغتيال منصور ليس أكثر من تنحية فرد، وتنحية فرد لا يحقّق الغاية المتوخّاة، وعلي من يريد العمل حقّاً الانطلاق في حدود الضوابط الشرعيّة، والإسلام لا يقرّ الفتك والاغتيال، والمسلمون يحملون السيف ويأتون إلي عدوّهم وجهاً لوجه لمقاتلته، أو ينفّذوا حكم القتل بعد إصدار حكم الحاكم عن طريق المحاكمة، أمّا القتل بالخفاء أو غفلة وغيلة فليس له في الإسلام أصل. ومضافاً إلي ما تقدّم فإنّ أضرار الاغتيال أكثر من فوائده بكثير، وكما لاحظنا في عمليّة اغتيال منصور فإنّ مديريّة الامن ضاعفت من ممارساتها التعسّفيّة متذرّعة بمواجهة الإرهاب! فازداد أُوار الحملات الامنيّة بحيث فاقت فترة الثلاث عشرة سنة الاخيرة وزادت علي ما كانت عليه في عهد رضا خان؛ ويعلم العلماء والمتديّنون عنفها وشدّتها. واستـمرّت الحال علي هذا المـنوال إلي أن وطئـت قدم آية الله الخمينيّ ـ وللّه الحمد أرض طهران قادماً من باريس، وربّما سأتعرّض يوم غد إن شاء الله إلي شيء من تلك الاحداث. والله؛ لو دامت حكومة هويدا لما بقي للإسلام من اسم ولا رسم، لما بقي للإسلام من شيء أبداً، وفي هذا دلالة علي أنّ لنا وليّاً، وإماماً، وإلهاً، وهو يهتمّ بأُمورنا وأحوالنا. اللهمّ صلِّ علي محمّد وآل محمّد
أَعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ بِسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ وَصَلَّي اللَهُ عَلَي سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ وَلَعْنَةُ اللَهِ عَلَي أَعْدَائِهِمْ أَجْمَعِينَ
ذكرنا بأ نّه بعد مجيء علماء إيران والوجوه المؤثِّرة والمجتهدين من المدن إلي طهران وإمضائهم علي مرجعيّة آية الله الخمينيّ، فإنّ الجهاز الحاكم لم يستطع الاستمرار في اعتقاله، ولم يُجْدِه الاتّهامات التي سطّرها له، ولذلك فبعد ثلاثة أشهر من اعتقال آية الله الخمينيّ في « قيطريّة »، اضطرّوا لإطلاق سراحه فعاد إلي مدينة قم، وبعد عودته إلي قم تنسّم الناس بعض الوقت شيئاً من نسيم الحرّيّة، حيث كانت الضرورة تستدعي إفساح المجال للناس بعقد مجالـس الوعظ في المساجد والحسـينيّات، لكنّـهم شدّدوا علي عدم التحدّث ببنت شفة في أيٍّ من الاُمور الثلاثة التالية: الاوّل: يجب عدم التعرّض إلي الملك والبلاط والعائلة المالكة في المنشورات والخطب، ولا مانع من انتقاد ما دون ذلك، كأن يكون الانتقاد موجّهاً إلي رئيس الوزراء أو هيئة الدولة أو أيّ عضو من أعضاء المجلس. والثاني: القرآن والإسلام؛ فلا يقال: إنّ الإسلام والقرآن في خطر، وينبغي عدم التحدّث بهذا الموضوع بأيّ شكل من الاشكال. وإذا كان ثمّة اعتراض، فقولوا: أوضاع البلد متدهورة، الموادّ الغذائيّة قليلة، العدالة غير مطبّقة؛ وإيّاكم أن تقولوا: القرآن والإسلام في خطر! الثالث: موضوع الصهيونيّة وإسرائيل؛ فحذارِ أن تهاجموهما. انتقدوا مَن تريدون، وأيّ نهج تشاؤون، ولكن لا تتعرّضوا للصهيونيّة بسوء. وقد تشـدّدوا في هذه الاُمور الثلاثة، أي أنّ كلّ مَن يذكر اسم الصهيونيّة أو إسرائيل بلسانه فسيتعرّض إلي الاخطار؛ كما إذا قال شخص مثلاً: القرآن في خطر، فسيسحق بشدّة وعنف، حتّي حصل اغتيال منصور الذي سبق أن تحدّثنا عنه. فحادثة اغتيال منصور ـ كما قدّمنا ـ قد أدّت إلي أضرار فادحة، ولم تكن العمليّة في الواقع دفاعاً في قبال الكفر، بل أدّت إلي إزالة شخص، وسرعان ما حلّ مكانه شخص آخر أشدّ وطأة؛ ولم يحصل عنها إلاّ تغيير أشخاص ووجوه مع بقاء الحكومة علي ما كانت عليه. إمضاء الامتيازات الاجنبيّة وموقف آية الله الخمينيّنفي آية الله الخمينيلقد تمّ تطبيق الامتيازات الاجنبيّة في دولة منصور بشكل سرّيّ مهول، إذ كان مجلس الشيوخ معطّلاً، فَدُعِيَ إلي جلسة طارئة، وتمّ التصديق عليه في الساعة الثانية عشرة ليلاً، ثمّ تمّ التصديق عليه في مجلس الشوري، علي أن يتمتّع جميع مستشاري الجيش الاميركيّ بالحصانة وإعفاءهم من الخضوع للضوابط القانونيّة الجارية في إيران. جري ذلك بشكل سرّيّ في المجلسَين، ومارست جميع وسائل الإعلام عمليّة التعتيم الإعلاميّ المطبق استغفالاً منهم للرأي العامّ الإيرانيّ؛ ولا يفوتنا أن نذكر هنا أنّ دولة أسد الله عَلَم هي التي مهّدت لهذا القرار، ثمّ جرت المصادقة عليه في دولة منصور بإلحاق مادّة واحدة في خصوص مستشاري الجيش الاميركيّ وكلّ ما يرتبط بهم. أجل، دعت دولة منصور ـ ودون أيّ تصريح سابق في صحيفة أو ما شاكلها مجلس الشيوخ في يوم شديد الحرارة لعقد جلسة طارئة ـ مع أنّ المجلس كان في عطلته فعُقدت جلسة تحت عنوان مناقشة الميزانيّة، واستمرّت منذ الساعة السابعة صباحاً حتّي الساعة الثانية عشرة ليلاً، وعلي حين غرّة تمّت المصادقة علي القرار المذكور؛ كما تمّت المصادقة علي الامتيازات الاجنبيّة في مجلس الشوري أيضاً، وحملوا الشعب الإيرانيّ علي الرضوخ لسياسة الامر الواقع! ومعني الامتيازات الاجنبيّة مع إضافة مادّة واحدة هو أنّ مستشاري الجيش الاميركيّ مع كافّة الاعضاء والهيئات والعوائل والموظّفين الاميركان في إيران يتمتّعون بالحصانة الكاملة، فمثلاً ليس من حقّ دولة إيران ملاحقة أيّ أميركيّ وإن ارتكب جريمة ما، لانّ محاكمة الاميركيّ في إيران قد خرجت عن إطار القانون الإيرانيّ، وأضحت من صلاحيّة المحاكم الاميركيّة، وإذا حُكِمَ الاميركيّ بعقوبة ما، فسوف لا تُطبَّق عليه في إيران، بل في نفـس أميركا؛ فقوانين إيران غير حاكمة عليـهم، وقوانينهم هي الحاكمة، والامر بأيديهم في مسألة تنفيذ الحكم أو العفو عن المجرم! وعليه، فمفاد الكلام هو: إذا أجرم أيّ أميركيّ في إيران، فليس من حقّ دولة ومحاكم إيران ملاحقته، فهذا الامر موكول إلي الاميركان أنفسهم، ولهم الخيار في محاكمته أو معاقبته أو العفو عنه، وبناء علي هذا فإنّ كلّ فرد أميركيّ سواء كان صاحب منصب رفيع كأن يكون رئيساً لمستشاري الجيش، أم كان أحد المستخدمين العاملين، أم كلبه ( لا نّهم يكنّون للكلب احتراماً خاصّاً وقد شمله قانونهم بالرعاية والاهتمام )، إذا أجرموا في حقّ أيّ إيرانيّ، مهما كانت جريمتهم، كأن يسرقوا أموال الناس، أو يخـتطـفوا بناتـهم، أو يهتـكوا حرماتـهم، أو يعـتدوا علي أعراضهم، أو يهدموا المدن والقري بالمدافع والقنابل، أو يحرقوا القري والقصـبات... وهكـذا، فليـس من حقّ إيـران الاعتـراض علـي هـذه الممارسات، لا نّهم يتمتّعون بالحصانة! وهم الذين سيقرّرون ما إذا كانت تلك الاعمال جرائم أو لا، حسب ما تقتضيه قوانينهم بحقّ رعاياهم في إيران! أمّا حال الإيرانيّ في قبال الاميركيّ فعلي العكس من ذلك تماماً، فليس من حقّه الاعتداء علي الاميركيّ، وإلاّ سيق إلي الاعتقال. ولو افترضنا أن قام أحد عمّال أو فلاّحي أو جنود أميركا ـ حيث كانوا بأعداد كبيرة في تلك البرهة، ويملؤون الثكنات العسكريّة الاميركيّة بجريمة ما، فهو حُرٌّ، وإن اعتدي علي أشرف مَن في البلد، ولو جاء واحد منهم وتناول سماحة آية الله البروجرديّ بالسباب والكلام البذيء، أو صفعه، فليس من حقّ أحد ملاحقة ذلك الجاني، كما ليس من حقّ مركز الشرطة أن يستجوبه أو يتعرّض له. وعلي آية الله البروجرديّ أن يعلم بأنّ ذلك الاميركيّ يتمتّع بالحصانة، وإذا أراد أن يأخذ حقّه فعليه أن يُقَدِّم شكايته إلي السفارة الاميركيّة للنظر فيها، لا يُسـتثني من ذلك الوزير والمحـامي والمحـافظ، فلا فرق في هذا الشأن في المناصب، ولا بين رجال الدين وغيرهم. وعلي العكس من ذلك فيما لو تعرّض آية الله البروجرديّ أو رئيس مجلس إيران أو أحد الوزراء لاحد العمّال الاميركيّين، بل لو تعرّضوا لكلب أميركيّ، فسيعتقل المُتعرِّض علي الفور ويُستجوب عن السبب الذي دعاه إلي ذلك. فهذا هو معني إمضاء الامتـيازات الاجنبـيّة لرعاية المسـتشـارين العسكريّين الذي أقرّه المجلس. ومن الواضح جدّاً أنّ العلاقة بين أميركا وإيران لم تبقَ مستترة تحت واجهة الاستعمار والاستعباد والاستغلال، بل أضحت العبوديّة والرقّ جهاراً، وربّما أدني من ذلك؛ ولا يمكن تصوّر أكثر من هذا الذلّ والاستخفاف بالشعب الإيرانيّ من هذا القانون. فقد افتَرَضُوا أنّ الشعب الإيرانيّ عبارة عن حيوانات، ووضعوا أنفسهم بمثابة الصيّاد الذي يحمل بندقيّته ليقتل فريسته ثمّ يلتهمها، لماذا؟ لا نّهم يتمتّعون بالحصانة، تلك الحصـانة التي استأصلت الظاهر والباطن؛ فلم يبقوا لنا من ظاهر ولا باطن، لا عنوان ولا اسم، فقد كان لنا في إيران حرّيّة شكليّة، فجاءت الامتيازات الاجنبيّة فقوّضت كلّ شيء. ومن هنا ارتفع صوت آية الله الخمينيّ مرّة أُخري، بعدما عمّ الهدوء والسكينة كلّ من قم وطهران، فقد ألقي كلمة مهمّة بعد المصادقة علي ذلك القانون الجائر؛ وقد وصلني شريط التسجيل لتلك الكلمة بعد ساعتين أو ثلاث من قِبَل رفقائنا الذين يقومون بدور الرابط فيما بيني وبينه، فاستمعت إلي ذلك الشريط، الذي كان ـ علي الرغم من وجازته مثيراً جدّاً، طافحاً بالغيرة والحميّة؛ وممّا جاء في ذلك الشريط: أيّها المسلمون! أيّها الإيرانيّون! إلي متي الخنوع؟ إلي متي تريدون الصبر؟ فلقد استحوذوا علي كلّ شيء. ولا قي هذا الشريط رواجاً، مع أ نّه ليس من تلك الاشرطة التي يمكن الحصول عليها بسهولة، فأقلّ ما سيصيب مقتنيه في حال العثور عليه هو إلقاء القبض عليه وطمره في أماكن مجهولة، فقد كانت هذه المسألة مهمّة جدّاً. ولذلك، وتعقيباً لهذا الشريط وهذه الخطبة، فقد اعتقلوا آية الله الخمينيّ وأخذوه إلي نقطة مجهولة. لقد اعتقلوه من قم؛ ولكن أين أخذوه؟ لا أحد يعلم أبداً. هل أودعوه السجن؟ هل أبعدوه؟ في أيّة مدينة من إيران؟ في أيّ نقطة من طهران؟ هل أبعدوه إلي خارج الوطن؟ لا أحد يعلم، حتّي أخصّ الخاصّة، إلي أن انقضت مدّة علي ذلك. ولقد حاولنا كثيراً معرفة مكانه دونما جدوي، إلي أن تناقلت الاخبار ـ بعد مدّة أ نّهم أبعدوه في بادي الامر إلي أنقرة واسطنبول ـ عاصمة تركيا ثمّ نقلوه إلي مدينة بُرْسا ووضعوه في أحد بيوتها سجيناً. وقال آية الله الخمينيّ: لقد أسكنوني في غرفة قد أُسدلت ستائرها، فلا أري منها السماء حتّي في النهار. وكان سجّانه من رجال المخابرات الإيرانيّة؛ وبقي في مدينة بُرْسا لمدّة سنة تحت الإقامة الجبريّة. وعلي أثر اعتقال وإبعاد آية الله الخمينيّ حدثت ضجّة وموجة من الاستياء عمّت جميع الناس، وكانوا يقولون: لماذا أبعدوا مرجعنا؟ ولماذا أبعدوه خارج الوطن؟ وبعث الآيات والمراجع من قم ومشهد وطهران ببرقيّات إلي تركيا، وكان من جملتها رسالة بعثها علماء طهران إلي السفير التركيّ الاعظم، وأوصوه فيها بعدم التغاضي عن شموخ مقام آية الله الخمينيّ، وأطلعوا الدولة التركيّة علي مكانته الرفيعة، وأوجبوا عليها أن تُعْلِم الجميع بخبر سلامته، وأمضي هذه الرسالة عشرون شخصاً من علماء طهران، وكنتُ من جملتهم. وقد أورد نصّ الرسالة سماحة العالم حجّة الإسلام الحاجّ الشيخ علي الدوانيّ في كتابه الموسوم بـ « نهضت روحانيون ايران » ( = نهضة روحانيي إيران ) في الجزء الخامس، ص 39. وامتصاصاً للنقمة العامّة فقد لجأت المخابرات الإيرانيّة إلي نقل آية الله الخمينيّ من تركيا إلي النجف إجباراً وقالوا: سيكون هناك تحت نظرنا ونظر دولة العراق، مضافاً إلي كون النجف مدينة دينيّة؛ وحاولوا بهذا الإجراء تخفيف حدّة العواطف الهائجة في إيران، إذ سيفكّر الناس أن: الحمد للّه، فقد أُطلق سراحه وتشرّف بالإقامة في النجف، فليس من قلق عليه الآن، لا نّه سينهمك بزيارة أمير المؤمنين عليه السلام والدرس والبحث وإمامة الصلاة. وقد أدّي هذا الإجراء إلي تخفيف حدّة التوتّر كما توقّعوا، يعني أنّ حالة الهياج والغليان الكامنة في نفوس الناس قد خمدت شيئاً فشيئاً؛ وأضحي الناس يذهبون بين الفينة والاُخري لزيارة العتبات المقدّسة في العراق ويعطفون علي زيارته، لكنّه كان تحت الرقابة الشديدة، فكلّ مَن يدخل بيت آية الله الخمينيّ في النجف يكون عرضة لعيون جهاز المخابرات المشدّدة؛ فتحقّق لهم في خاتمة المطاف ما أرادوه، حيث لا زالوا يتربّعون علي كرسي الحكم، وهدأت الاوضاع عموماً، وهذا ما كانوا يطمحون إليه. وقد شدّد الجهاز الامنيّ في ممارساته القمعيّة ضدّ الناس خلال فترة إبعاد آية الله الخمينيّ إلي النجف بصورة لا يمكن للمرء وصفها، بل يتساءل معها المرء: أيمكن للقبح أن يصل إلي هذا المستوي من الانحطاط؟! فحالة الانفلات قد عمّت، وتهيّأت الارضيّة لمجيء البهائيّة علي شكل انقلاب يستلمون خلاله مقاليد البلد، وتمثّلت باكورة هذه الحالة بمجيء أمير عبّاس هويدا البهائيّ وتسنّمه منصب رئاسة الوزراء. قال لي أحد السناتورات ـ وهو السيّد جلال الدين الطهرانيّ، ويُعدّ إلي حدٍّ ما من المفكّرين المتديّنين، وتربطه علاقة بآية الله البروجرديّ، وهو ذات الشخص الذي ذهب إلي باريس من قِبَل مجلس الوصاية علي العرش للالتقاء بآية الله الخمينيّ، حيث قال له آية الله الخمينيّ: لا أُقابلك إلاّ بعد أن تستقيل عن سمتك؛ فقدَّم استقالته وحظي بذلك اللقاء قال: لقد جلبوا هذا البهائيّ لرئاسة الوزراء، وكنتُ حينها سناتوراً وعضواً في مجلس الشيوخ، فقدّمت بطاقة غامقة، أي: عدم الموافقة علي تنصيبه، وإثر ذلك استجوبوني عن سبب الرفض، وأنا الآن منذ عشر سنوات أو اثنتي عشرة سنة جليس البيت بعد إحالتي علي التقاعد. يعني أ نّه أُحيل إلي التقاعد مع كونه رجلاً عالماً، ومتخصّصاً في الرياضيّات، وفي علم الهيئة، ورجلاً مسلماً، وكان قد شغل منصب محافظ خراسان مدّةً، فأدّي وظيفته علي أحسن وجه. ومن الإنصاف أن نقول عنه إنّه أحسن مَن أدّي وظيفته كمحافظ في العهد البهلويّ، حتّي أ نّه قال لي: قال لي الملك مرّةً: عليك أن تُقَسِّم أراضي خراسان! فقلتُ: إنّ يدي لا تتطاول علي أملاك أبي، والإمام عليّ ابن موسي الرضا عليه السلام هو أبي، فأنا لا أقوم بهذا العمل؛ وقلتُ له: لو أعطوك مِلك أبيك وقالوا: خُنْهُ، فهل تفعلون ذلك؟ قال: لا. قلتُ: حسناً، فهذا ملك أبي. ولذلك لم يدعهم يقسِّموا أراضي خراسان مادام هو المسؤول عنها. وكان يقول: عندي خطط وبرامج لإعمار البلاد أفضل بكثير من هذه الخطط الحاليّة التي هي قيد التنفيذ، لكنّهم لم يولوه أُذناً صاغية، لانّ خططهم تأتي من خارج الحدود. ولنعُد إلي صُلب الموضوع، فقد قال: لقد أعطيتُ رأياً سلبيّاً في التصويت، فأجبروني علي الاستقالة، وأنا الآن منذ عشر سنوات أو اثنتي عشرة سنة جليس البيت، قد طرق سمعي أخيراً أ نّه قد وافته المنيّة عن عمر ناهز المائة سنة. علي أيّة حال، فقد أُبقي آية الله الخمينيّ في النجف تحت الإقامة الجبريّة، حتّي زادت الضغوط البعثيّة في النجف الاشرف بشدّة، وطرحوا علي آية الله الخمينيّ شروطاً، فأجابهم بالرفض وقال: سأُغادر العراق. فقالوا: تفضَّل! فتحرّك باتّجاه الكويت، وكما تعلمون فإنّ دولة الكويت لم تسمح له بدخول أراضيها، فذهب إلي فرنسا ثمّ عاد إلي إيران، وأنتم علي اطِّلاع بالاحداث الحاصلة أخيراً. ورد آية الله الخـميـنيّ طهـران فحـلّ ضيـفاً في مدرسة علـوي ( = المدرسة العلويّة ) علي سماحة الحاجّ الشيخ محسن سعيديان وسماحة السيّد عبد الصاحب ( سيّد علي أكبر الحسينيّ ) وسائر مدرّسي المدرسة، فذهبتُ لرؤيته ـ طبعاً في اليوم المخصَّص لكلّ العلماء فحضر بعد صلاتي المغرب والعشاء، وجلس في صالة المدرسة، وتحدّث لمدّة ثلاثة أرباع الساعة تقريباً؛ فقلتُ للسادة: خذوا لنا منه وقتاً خاصّاً لمدّة نصف ساعة، وقد تلطّف علينا بالموافقة، فعيّنوا لنا وقتاً بعد يوم أو يومين في الصباح مبكّراً، فذهبت إليه، وجلسنا نتجاذب الحديث لمدّة نصف ساعة تقريباً. ولم تكن الجلسة خاصّة بتمام المعني، حيث جاء شخصان آخران، ولكنّ العدد لم يتجاوز أربعة أو خمسة أشخاص؛ ولم تكن الدولة البهلويّة قد سقطت حينذاك، يعني أنّ لقاءنا به قد حصل قبل الثاني والعشرين من بهمن، وأذكر أنّني ذهبت بعد خروجي لزيارة أحد السادة العلماء من الوافدين من المدن الاُخري، وكان منزله في شارع وليّ العصر الحالي، وكانت سيّارتنا تمرّ بين إطلاق النيران في الذهاب والإياب. وهكذا انتفض الشعب ضدّ الدولة، وكانت لهم مناوشاتهم مع الجيش، وما أن حلّ عصر اليوم الثاني حتّي سقطت الحكومة بحمد الله؛ وعمّت نداءات التكبير تصدح من كلّ مكان، فهجمت الجموع الغفيرة رجالاً ونساءً علي محل إقامته للحضو بلقائه، وكان الازدحام مذهلاً ممّا أدّي لإصابة الكثير من الناس بحالة الإغماء من شدّة الزحام، ولا يسعنا المجال للخوض في تفاصيل ذلك الحدث ( ومَن أراد ذلك فجميع التفاصيل عند سماحة الحاجّ الشيخ محسن ). لقاء المؤلِّف مع آية الله الخمينيّ محمّلاً باقتراحات أساسيّةلم يُطِل آية الله الخمينيّ المكث في طهران أكثر من عدّة أيّام، حيث عاد إلي قم؛ ولم ألتقِ به في طهران أكثر من مرّتين، ففكّرت في زيارته وهو في قم لاُبارك له العودة إلي مدينته التي هي مقرّه ومستقرّه؛ وأخيراً ذهبت ذات يوم مع ولدي الحاجّ السيّد محمّد صادق إلي قم، فذهبنا إليه صباحاً وحصلنا علي فرصة لقاء خاصّ. كنّا قد حصلنا علي موافقة الالتقاء به علي انفراد، ولكنّ ذلك لم يدم أكثر من نصف ساعة، فبينما كنّا منشغلين بالحديث وإذا بالباب يفتح علي حين غرّة فتدخل عائلة الشهيد الفريق الاوّل قرني، وهم زوجة الشهيد وأولاده وإخوته، وهم في حالة من البكاء والعويل، وكان الفريق الاوّل قرني قد اغتيل حديثاً، فجاءت عائلته بعد إتمام مراسم التشييع والدفن في قم، فواساهم بتقديم التعازي. وباختصار، فقد تمّ اللقاء المذكور علي هذا المنوال ولم نتمكّن من التحدّث إلاّ في بعض الاُمور العامّة. وكنتُ قد ذهبت إلي قم من أجل طرح مسألتين، الاُولي أنّني قلت: من اللازم الآن إقامة صلاة الجمعة، لما لها من أهمّيّة مضاعفة علي غيرها حاليّاً؛ والاُخري: العفو العام، إذ لابدّ من إعلان العفو عن القابعين في السجون بسبب سياسة وحكم الملك في العهد الطاغوتي، طبعاً بغضّ النظر عن أُولئك المتّهمين بجرائم شخصيّة عاديّة، إذ لابدّ لهكذا أشخاص من أن ينالوا عقوبة ما اقترفت أيديهم، ولا فرق هنا بأن تكون الحكومة إسلاميّة أو كافرة؛ وإنّما العفو العامّ بسبب انتقال الحكم من حال الكفر إلي الإسلام، ولا يصدق في ظلّ حكـومة الإسلام إطلاق اسم « جريمة » علي كثـير من الممارسات التي كانت تعدّ جرائم في العهد الكافر. فالذين كانوا يحملون عناوين مدير الماليّة أو قائد الجيش وما شابه، كانوا يمارسـون أعمالاً مخالفة لقانـون الإسلام، وهم مجـرمون يجب محاكمتهم، في حين أنّ قانون الكفر لا يتعرّض لهم، بل يُطلق لهم العنان فيما يمارسونه. أمّا أُولئك الذين ثبت عليهم إجرامهم، سواء في العهد البائد أم في عهد حكومة الإسلام، أي أصحاب الملفّات الجنائيّة كالقاتل أو السارق، أو ثبوت أخذ الرشوة علي مدير الماليّة، أو ارتكاب القتل العمديّ من قبل قائد الجيش؛ فينبغي أن يحاكموا علي ما جنت أيديهم. أمّا بخصوص صلاة الجمعة، فقد قال آية الله الخمينيّ: لا؛ إنّ عقيدتي في صلاة الجمعة أ نّها غير واجبة، بل بنظري أنّ وجوبها حتّي في زمان رسول الله تخييريّ. ولا أذكر تماماً هل قلتُ له هذه الجملة أو لا ـ فقد كان في نيّتي أن أذكرها له وخلاصتها أ نّني أردت القول: أقيموا صلاة الجمعة لاربعة جُمَع متتالية، وعندها ستعلمون هل هي واجب عينيّ أو لا! يعني أ نّكم ستلمسون الفوائد الكثيرة المترتّبة علي إقامتها بحيث تجعلكم تعيدون النظر في أمرها. وأمّا بخصوص العفو العامّ، فقد قال: إنّ حكومة الإسلام كانت ولا زالت في كِلا العهدين، سوي أنّ قوانين الإسلام في عهد الطاغوت كانت معطّلة عمليّاً، ويجب علي جميع هؤلاء أن يُحاكموا علي أساس القانون الإسلاميّ؛ وليس ثمّة من معني للعفو العامّ. وأخيراً، فالوقت لم يسمح لنا لإتمام الحوار بسبب دخول عائلة الشهيد قرني من جهة، وبسبب ضياع بعض الوقت المقرّر أثناء دخولهم عليـنا، وهكذا مرّ الوقـت سريعاً، فنهضـنا وودّعناه وتهيّئـنا للعـودة إلي طهران. وكان المرحوم المطهّريّ في ذلك الوقت علي قيد الحياة حيث تمّ هذا اللقاء قبل اغتياله بأُسبوع وكانت تربطني به علاقة وثيقة، وقلت له ذات يوم: أتدري ما القضيّة؟ القضيّة المهمّة هي صلاة الجمعة، ولابدّ من إقامتها فوراً، وإلاّ فالبلد مهدّد بأخطار عنيفة تداهمه، لانّ جميع الاحزاب والمنظّمات منشغلة الآن في عرض أفكارها ومناهجها لاستقطاب الناس وتوسيع رقعة قواعدهم الجماهيريّة؛ ففي ذكري وفاة الدكتور مصدّق ـ مثلاً تحرّكوا بثلاثين ألف شخص من مؤيّديهم في طهران متوجّهين إلي أحمد آباد، ومن هناك أطلقوا الشعارات الوطنيّة للتعبير عن معارضتهم لجهاز آية الله الخمينيّ، لما يُضفي علي جهازه من القدسيّة والروحانيّة. وثمّة نشاطات وتحرّكات لاحزاب أُخري في هذا الميدان، وإذا لم تقم صلاة الجمعة فسوف ينهار كلّ شيء، أمّا إذا أُقيمت صلاة الجمعة، فسوف لن تختصّ المسألة بمائة شخص أو خمسمائة، وإنّما ستشمل الاُمّة برمّتها. كنّا نتحدّث في هذا الكلام في وقت لم تكن فيه صلاة الجمعة في طهران قد أُقيـمت بعدُ، يعـني لم يكن لها من أثر يُذكـر، وكنّا بدورنا قد بدأنا في مسجد القائم بمناقشة وبحث مسألة وجوب صلاة الجمعة العينيّ التعيينيّ، أي: وجوب صلاة الجمعة تعيينيّاً. كما كنّا نبحث ذات المسألة في جلساتنا الاُسبوعيّة، حيث قلتُ ذات ليلة في إحدي الجلسات: أنا علي استعداد للحوار والمناقشة مع أيّ كان في مسألة وجوب صلاة الجمعة من علي الشاشة الصغيرة ( التلفاز )، والقيام بمباحثة فقهيّة، لبيان وجوب صلاة الجمعة، هل هو تعيينيّ أو لا؟ وقلتُ للمرحوم الشهيد المطهّريّ: إذا ذهبتُم إلي قم والتقيتم آية الله الخمينيّ، فقولوا له: إنّ الطهرانيّ عنده عشرين مادّة يري ضرورة طرحها عليكم؛ وإحداها هي الوجوب العينيّ التعيينيّ لصلاة الجمعة. فآية الله الخمـينيّ من الفقـهاء، وقد حضر دروس آية الله سماحة الحاجّ الشـيخ عبد الكريم الحائريّ ودروس آية الله البروجرديّ، ولربّما درس صلاة الجمعة لعدّة دورات. وليس ثمّة شبهة اليوم في وجوب صلاة الجمعة التعيينيّ العينيّ علي ضوء تلك الموازين الكلّيّة، وعليه بمباشرة أداء صلاة الجمعة. المسألة الثانية: مسألة زواج الشباب والشابّات. أري أ نّه لابدّ من تعميم تزويج الشابّ حال بلوغه سنّ الخامسة عشر من عمره في جميع أرجاء البلاد. وعلي الدولة أن تضع برنامجاً شاملاً ومنظّماً، تُقدِّم فيه غرفة صغيرة لكلّ مَن يُقْدِم علي الزواج في هذه السنّ، فيتمتّع الجميع بحياة مستقرة، كلٌّ حسب موقعه ومجال عمله، فالكاسب يبقي علي كسبه، والفلاّح في مزرعته، والعامل في عمله، والتلميذ في دراسته، ويُعطي لكلٍّ واحد من هؤلاء تسهيلات للزواج، ويبقي الطالب يزاول دراسته، إذ أين العـيب في أن يكون للجامـعيّ زوجة؟ فليـذهب للجامعة لتكملة مشواره الدراسيّ وثمّة زوجة تنتظره في بيته، فالجامعيّ المتـزوِّج كالجامـعيّ الاعزب الذي حين يعـود إلي منـزله يري والديه باستقباله، وغذاءه مُعدّاً، بفارق أن المتزوِّج يتناول طعامه مع زوجته ثمّ يذهب لوظيفته. فلابدّ من تعميم الزواج المبكّر للشباب والشابّات في أوائل بلوغهم في كافّة أرجاء البلاد. وتناولت المسألة الثالثة الحجاب التي قدّمها هو بعنوان تحفة إلي إيران، إذ لابدّ وأن يكون الحجاب وفق ضوابط معيّنة تؤول إلي ستر المرأة، دون أن يضايقها في تحرّكها ومزاولتها الاعمال براحة ويسر، في حال حملها للطفل، وعند ذهابها للسوق وعند ركوبها في الحافلة، ولابدّ من مراعاة كيفيّة الحجاب بحيث لا يقع من علي رأسها في جميع ما تقدّم. وينبغي أن يكون الحجاب بأكمام طويلة مع سروال طويل وعريض، وبلون موحَّد ( واللون المتعارف هو الكحليّ أو الرماديّ )، ويري بعض الفقهاء أنّ كشف الوجه والكفّين جائزٌ، وهو كذلك؛ لكنّ بعض الفقهاء يحتاطون في ذلك، فعلي مقلّداتهم أن يغطّين وجوههنّ وأكفّهنّ عن الاجانب، مع مقنعة طويلة في حكم الجلباب علي الرأس، وهو في هذه الصورة أفضل من الإزار المستعمل اليوم في الصلاة، لا نّه بمثابة العباءة التي تحفظ النساء وتسترهنّ في حال خروجهنّ. أمّا الحجاب الذي هو بدون حزام، والمفتوح من الامام الذي يُجبر المرأة علي استعمال كلتا يديها لحفظه مُغلقاً ـ والذي إذا انفتح في بعض الاحيان أو ضربته الريح، أضحي جميع بدن المرأة عرضة للآخرين فإنّه ليس بالحجاب الصحيح، مضافاً إلي عدم إمكانها العمل والحركة عند ارتدائه. وأخيراً فلابدّ لهذين ( الجبّة والسروال ) من أن يكونا واسعَين وفق ضوابط معيّنة وثابتة ومتعارفة عند الجميع، بحيث لو ذهبت المرأة إلي بائع الالبسة، وقالت له: أُريد حجاباً لخارج البيت، فقياسات القماش اللازم معلوماً لديه، أشبه بالقماش اللازم لخياطة العباءة المعروفة قياساته لدي جميع الباعة، كأن يكون ستّة أمتار مثلاً؛ فترتدي جميع نساء إيران هذا الزيّ الموحَّد، وينبغي أن يكون الحـذاء بسـيطاً جدّاً مريحاً وبدون كعب عالٍ. بعد ذلك، يُقارن التلفاز بين إحدي المتبرِّجات بالملابس الطاغوتيّة وبين إحدي النساء المحجّبات بهذا الحجاب، فيقال: أيّها المسلمون! أيّهما الافضل من أجل الحرّيّة، الشرف، من أجل الذهاب إلي العمل، بل حتّي من أجل راحة المرأة؟ فأيّهما التي يمكن لها مزاولة أعمالها؟ طبعاً، هذا إجمال الامر، وقد قلتُ: سيكون هذا الامر مقبولاً في حال تعميمه لكافّة الناس، وأنّ عليه أن يبدأ أوّلاً في تطبيقه علي أفراد عائلته، لا أن يدعو لارتدائه مجرّد دعوة. ليطلب من النساء الايرانيّات أن يقتدين، فيجعلن حجابهنّ علي هذا النحو، وذلك باعتباره علي رأس المتصدّين، وأنّ أحكامه نافذة علي الجميع، مضافاً إلي كونه رئيساً للبلاد والمجتمع، فكلامه نافذ ومُطاع، وليس ككلام الآخرين من أمثالي. المسألة الرابعة: ضرورة الاهتمام بالمقاومة الوطنيّة، والاهتمام بالشـباب الثـوريّ الملتزم بالإسلام، من خلال إعدادهم ضمـن دورات تدريبيّة منظّمة علي فنون القتال، ليكونوا علي أُهبّة الاستعداد لحماية المدن، والدفاع عن البلاد والمرابطة علي حدودها؛ وهذا غير القوّات العسكريّة النظاميّة، فكلٌّ له استقلاليّته ووظائفه الخاصّة به. ونتيجة هذا الإعداد هي إيجاد روح النشاط في الدفاع عن الحقوق المسلّمة، وحفظ وحراسة كيان وشخصيّة الإنسان المسلم. وعلي هذه القوّات أن تنتشر في كافّة بقاع البلاد، وتكون علي استعداد تامّ في جميع الاوقات؛ وإذا ما حدثت هجمة مضادّة أو حدث ثمّة إحساس بخطر داهم، فسوف تتحرّك هذه الفصائل الثوريّة للسيطرة علي الوضع بيُسر. قال المرحوم المطهّريّ: ( لقد طُبِّق هذا الامر بصورة مصغّرة في طهران، ويوجد الآن عشرة آلاف شابّ يتلقّون تدريبات عسكريّة، وقد هيّأت الدولة ميزانيّة خاصّة لهذا الغرض، وهناك جهود مبذولة لرفع عددهم إلي عشرين ألفاً ). أجل، فتلك التشكيلة هي اللبنة الاُولي لمنظمة الحرس الثوريّ وتعبئة المستضعفين، التي رأينا أ نّها قد وصلت إلي المليون، بل وتجاوزت ذلك؛ وبحقّ فقد أدّي هؤلاء دورهم علي أحسن وجه في الحفاظ علي الاراضي، والدفاع عن حدود دولة الإسلام. المسألة الخامسة: لزوم تكليف عامّة الناس بالتدريب علي السلاح، لانّ الدفاع والجهاد في الإسلام لا يختصّ بالشباب دون غيرهم. فعلي الجميع أن يكونوا مجاهدين في سبيل الله، من حنظلة غسيل الملائكة ذلك الشابّ الحديث البلوغ حتّي عمّار بن ياسر ذلك الشيخ المسنّ الذي بلغ الرابعة والتسعين من عمره. وعليه، فعلي عهدة الحكومة أن تضع برنامجاً تدريبيّاً علي مختلف أنواع الفنون العسكريّة الحديثة يشمل كافّة الناس علي شكل وجبات، بأن يدخل البعض في دورات خاصّة يتناولون فيها كلّ خصائص ودقائق الفنون العسكريّة الحديثة، ويدخل البعض الآخر في دورات عامّة تشمل أوّليّات الإعداد والتـدريب علي كيفـيّة استخـدام الاسلحـة والرمي؛ ويتـمّ التحاق الناس بهذه الدورات بشكل دوري مستمرّ، ويشمل الافراد الذين تتراوح أعمارهم ما بين خمس عشرة سنة إلي الاربعين، فيمثّلون مجموعات عسـكريّة إسلامـيّة تذود عن حياض الإسـلام، وعلي أُهْبَة الاسـتعـداد للمساهمة في حسم الموقف في أيّ حدث طاري. الجهاد عبارة عن تجهيز الجيش وتسييره تحت قيادة حكومة الإسلام إلي البلدان غير الإسلاميّة وغير التابعة لحكومة الإسلام، من أجل جعل الكفّار والمشركين مسلمين، وهذا الجيش أيضاً علي استعداد دائم لصدّ أيّ عدوان محتمل من قِبَل الاعداء. وينبغي العلم بأنّ هذه المسألة غير المسألة السابقة، ومفادها أنّ جميع الافراد في الإسلام هم جنود للإسلام. المسألة السادسة: تجهيز علماء الإسلام وفقهائه وفضلائه بالسلاح الشخصيّ. والمتعارف اليوم أنّ العلماء لا يحملون السلاح ـ وفي الحقيقة أ نّهم قد جُرِّدوا من السلاح وباعتبار أنّ العلماء آمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، فلابدّ لهم من التزوّد بالسلاح الذي يضمن لهم أداء مهامهم. وكما أ نّه لابدّ للضابط والشرطيّ من استحصال إجازة حمل السلاح، فعلي العلماء وطلبة الحـوزة العلميّة الملتـزمين كذلك، وربّما كان حمل السلاح بالنسـبة إليهم أكثر لزوماً من غيـرهم. ولا يعني حمل الاسـلحة الشـخصيّة أن تكون يد الشـخص علي الزناد في كلّ وقـت، بل هو لاءخافة مَن يخالف القانون، كما نري بأنّ مِن الضـبّاط مَن لم يسـتخدم سلاحه الشخصيّ علي مدي خدمته ولو لمرّة واحدة، ولكنّ حمل السلاح يمنحهم اعتباراً عمليّاً وفعليّاً، فحمل السلاح بالنسبة للعلماء والفقهاء من الضرورات اللازمة، لا نّهم ضامنو الوظائف المادّيّة والمعنويّة للناس، ومن أجل نفوذ كلمتهم واعتبار أمرهم ونهيهم ولمحاربة الفحشاء والمنكر. أجل، قدّمتُ هذه الموادّ العشرين إلي المرحوم الشهيد المطهّريّ؛ فقال سماحته في خصوص حجاب النساء وتغيير زيّه إلي الصورة الصحيحة: كيف سأقول له ذلك، هل أذكره نقلاً عنكم؟ قلتُ: افعلوا ذلك! ثمّ ذهب الشيخ إلي قم للالتقاء بآية الله الخمينيّ، فقدّم اقتراحه بخصوص صلاة الجمعة، فقال آية الله: إنّ سماحة الحاجّ الشيخ محمّد علي الاراكيّ يقيم الصلاة في قم، فماذا سأقول له؟ فقال سماحة المطهّريّ: إنّه سيقدّمكم في الصلاة؛ فقال آية الله الخمينيّ: وكيف سأخرج من البيت؟ فالجماهير المحتشـدة سوف تجعل سيّارتي قطعة قطـعة ( لانّ علاقة الجماهير بقائدها في تلك البرهة كانت في ذروتها، وبحمد الله فقد استمرّت تلك العلاقة علي امتداد هذه السنين المنصرمة، ولذلك لم يتمكّن من الخروج من البيت؛ وقد شاهدتم ما صنعت الجماهير في تشييع جنازته، حتّي أنّ الجنازة قد تعرّضت لخطر الضياع بين الايدي والاقدام وفقدان أثرها! ). علي أيّة حال، فقد قال: كيف أخرج من البيت؟ فقال المرحوم المطهّريّ: ليس هذا مهمّاً، إذ توجد طرق عديدة لحلّ هذه المسألة، أقيموا أنتم الصلاة، ولو لمرّة واحدة، ومن ثمّ دعوا غيركم يقيمها فليس من الضرورة أن تؤمّوا الناس بنفسكم، لكن إمامتكم في هذا المقطع لازمة، وعيّنوا لإمامة الجمعة في المدن مَن ترونه لائقاً لذلك. وأخيراً اتّخذ قراره بخصوص صلاة الجمعة بعد مضي عدّة أشهر؛ إذ إنّ المرحوم المطهّريّ قد استشهد بعد أُسبوع من ذلك اللقاء، وأُقيمت أوّل صلاة جمعة في طهران في ساحة جامعة طهران بأمر آية الله الخمينيّ بإمامة المرحوم السيّد محمود الطالقانيّ، ولم يُمهل الموت المرحوم الطالقانيّ لاكثر من شهر واحد، فأُوكلت إمامة صلاة الجمعة في طهران لآية الله المنتظريّ، وجاء بعده سماحة السيّد الخامنئيّ، وما زالت صلاة الجمعة مقامة لحدّ الآن وللّه الحمد. أجل، فإنّ صلاة الجمعة مهمّة جدّاً، ولا يمكن تصوّر حكومة الإسلام بدون صلاة الجـمعة، وكلّ مَن استلم زمان السـلطة ـ منـذ عهد رسول الله إلي يومنا الحاضر قد أقام صلاة الجمعة؛ ومن الناحية الاُصوليّة فإنّ صلاة الجمعة واجبة علي الجميع، لا فرق في ذلك سواء كان الزمان زمان حكومة الإسلام أم زمان غير حكومة الإسلام؛ والناس في زمان غير حكومة الإسلام مذنبون؛ وإذا سألتهم: لماذا لم تصلّوا صلاة الجمعة؟ يقولون: لا نّنا لا نستطيع ذلك؛ ولابدّ من قيام حكومة الإسلام. ويقولون: لابدّ أن تقوموا بتشكيل حكومة الإسلام لنتمكّن من أداء صلاة الجمعة. فصلاة الجمعة ـ والحال هذه من ثمرات تشكيل حكومة الإسلام، فيكون من الواجب علي الجميع تشكيل حكومة الإسلام، ليتمكّنوا من إقامة صلاة الجمعة؛ ونحن نري أنّ صلاة الجمعة قد غطّت علي أنشطة جميع تلك الاحزاب. وحين يشارك المليون والمليونان والثلاثة ملايين من المصلّين في طهران، فسيخجل ذلك الحزب المعارِض من الظهور في الشارع، لانّ قاعدته الجماهيريّة لا تتجاوز العشرة آلاف إلي عشرين ألفاً من الاتباع؛ أمّا في حال عدم إقامة صلاة الجمعة، فإنّ تلك الجموع المليونيّة ستقبع في بيوتها وسيُجهل حالها بسبب تفرّقها بين البيوت والمساجد، وبين التفرّج علي الشاشة الصغيرة، أو الاستماع لإحدي القصص، أو الذهاب إلي الملعب لمشاهدة مباراة بكرة القدم، فيأتي في هذه الحال الحزب الفلاني بقاعدته المؤلّفة من عشرة آلاف شخص فينزل إلي الشارع، وبانضمام بعض المتسكّعين وعدد المتفرّجين يزداد سواده، فيشعر ذلك الحزب بنشوة، ويدّعي أنّ القدرة والقوّة منحصرة في حوزته. والحمد للّه فقد أصبح مشروع صلاة الجمعة عمليّاً؛ وكان المرحوم المطهّريّ قد قال لي: لم تسنح الفرصة سوي لطرح بعض موادّكم علي آية الله؛ وقد أرجأت الموادّ المتبقّية إلي فرصة أُخري، لكنّه استُشهد بعد ذلك رحمة الله عليه. أجل، فقد كانت إحدي الموادّ المقترحة الاُخري هي: تنظيم الوقت الرسميّ في إيران علي ضوء المـوازين الإسلامـيّة، ليتمـكّن الناس من الاستفادة من أعمارهم علي أحسـن وجه. وقد نُظِّـمت السـاعة الفعـليّة المستعملة في إيران علي أساس منتصف الليل والزوال، وعليه فإنّ مقدارَي الليل والنهار سيكونان غير ثابتين. إنّ الليل مظـلمٌ للراحة والسـكن، والنهار مشرقٌ لليقظـة والنشـاط والحركة؛ يقول الاطبّاء: اليقـظة والعمل في الليل مضـرّان، كما أنّ النوم وعدم الحركة في النهار مضرّان أيضاً. وقد أُقيمت أحكام الشرع الإسلاميّ المقدّس علي أساس الفطرة، وجَعلتْ أحكامه علي أساس أنّ ساعات الليل للاستراحة والعبادة في الليل البهيم، وعلي أساس أنّ ساعات النهار لمزاولة الاعمال والتنقّل من أجل المعاش في وضوح اليوم وإشراقه. وتكون ساعات اليوم ابتداءً من الليل، فتتبع ساعاته الواحدة تلو الاُخري، حيث تقرّر لكلّ ساعة عمل معيَّن. ولدينا في هذا الخصوص الآية الكريمة: فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَعَلَ الَّيْلَ سَكَنًا، والآية: اللَهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا، والآية: أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا الَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا، والآيتين: وَجَعَلْنَا الَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا. فمن صلاتَي المغرب والعشاء، ثمّ تناول طعام العشاء، وبعده النوم في أوائل الليل لاستراحة البدن التامّة، ومن ثمّ اليقظة عند أوائل طلوع الفجر، ويتبع ذلك الوقت والزمان المعيّن بين الطلوعين حتّي شروق الشمـس، ثمّ تبدأ ساعات النهار المخـصّـصة للقيام بالاُمـور المهـمّة في الزراعة والصناعة والتجارة والسفر ومزاولة الانشطة الاجتماعيّة وغيرها إلي وقت الضحي، حيث ترتفع الشمس في كبد السماء فتنير المعمورة بشدّة إشراقها، حيث لا يبقي للزوال حينها سوي ساعتين تقريباً في فصل الصيف، وعندئذٍ يأتي وقت نومة القيلولة ـ وهي من المستحبّات وما أن يصل وقت زوال ظلّ الشمس حتّي يحين موعد صلاة الظهر، وبعد أن يزيد ظلّ الشاخص علي الضعف، فإنّه سيعني انقضاء نصف الفترة الزمنيّة ما بين الظهر والمغرب تقريباً، وعندئذٍ يحلّ وقت صلاة العصر؛ والوقت المتبقّي لصلة الارحام وتربية الاولاد والاُنس مع الزوجة، وتكملة أمور المعاش إن اقتضي الامر لذلك، ويستمرّ ذلك حتّي اختفاء الشمس تحت الاُفق، فيحلّ وقت صلاة المغرب، ويبدأ أوّل زمان الليل بالمثول. ونشاهد أوّلاً: أنّ الليل يكون مُقَدَّماً علي النهار دائماً، وليلة الجمعة تعني الليلة التي تسبق نهار يوم الجمعة، لا الليلة التي تليه، لانّ رؤية الشهر برؤية الهلال، ولابدّ للرؤية من أن تكون أوّل الليل، فلابدّ للرؤية إذَن من أن تكون بعد اختفاء الشمس. وثانياً: ينبغي ضبط الساعة علي الغروب، يعني أن تُجعَل الساعة الثانية عشرة في وقت غروب الشمس؛ وأن تكون عقاربها في ذلك الوقت منطبقة الواحدة فوق الاُخري، ومع كلّ ساعة تمرّ سنعلم كم مضي من الليل؛ فالساعة الثانية تعني أ نّه قد مضي من الليل ساعتين، والساعة الخامسة تعني أ نّه قد مضي من الليل خمس ساعات، وسيكون طلوع الفجر متغيّراً؛ وفي هذا الوقت مثلاً قد مضي من الليل تسع ساعات. وشروق الشمس متغيّر أيضاً، لانّ مقدار بين الطلوعَين بمقدار ثُمن ( 18 ) مقدار اليوم، لذا يصل ما بين الطلوعَين صيفاً في المناطق التي نعيش فيها إلي ما يقارب ساعتين، ويقلّ شتاءً حتّي يصل إلي ساعة وربع. والمسلم في هذا الوقت يقظ، ومنشغل في العبادة أو في قراءة القرآن، أو بالمطالعة، أو تراه منشغلاً في تدبير شؤون المنزل؛ حيث يذهب لمزاولة عمله في حدود الساعة الاُولي لطلوع الشمس، سواء كان تاجراً أم صاحب مهنة أم طبيباً أم طالباً أم فلاّحاً أم صاحب ماشية، وهو في ذلك الوقت الجيّد والاجواء المناسبة سيتمكّن بكلّ راحة من قضاء ستّ ساعات في العمل حتّي في فصل الصيف. وحينما تصل الشمس إلي وقت الضحي ويكون الجوّ حارّاً غير مناسب للعمل، فإنّ الفرد المسلم يكفّ عن العمل... حتّي الظهر والعصر، ثمّ تمرّ الساعات متتالية إلي انقضاء النهار. وفائدة هذا التوقيت، هي: استفادة الإنسان من وقته، ومُضي ساعات العمل وفق مزاجه في هدوء وعلي ما يرام، وأنّ الفرد سيعلم كم سيبقي من النهار، وكيف سيؤدّي ما علي عاتقه من واجبات حتّي غروب الشمس؛ لذا فإذا استيقظ المرء صباحاً ونظر إلي الساعة وشاهد أ نّها الحادية عشرة فسيعلم أ نّه بقي ثلاث عشرة ساعة من الوقت إلي الغروب، وإذا استيقظ عصراً وشاهد أ نّها الحادية عشرة، فسيعلم أنّ بينه وبين الغروب ساعة واحدة فقط. وسيعلم الناس في هذه الحالة مقدار نهارهم وسيعلمون كم بقي لهم من النهار، لانّ آخر النهار هو الساعة الثانية عشرة؛ بخلاف الليل الذي ليـس من الضـروري أن تعـلم عدد ساعاته المتبقّـية، لانّ الليل للنـوم والاستراحة، وما ينبغي للإنسان أن يعلمه من الليل هو كم مضي منه؟ وكم له أن ينام ويستريح؟ وفي حال تنظيم عقرب الساعة علي ساعة الغروب فسيكون معلوماً ـ بمجرّد رؤية الساعة كم سيبقي من الوقت للحركة والنشاط. ويستطيع الإنسان في هذه الحالة بنظرة سريعة أن يعلم بما بقي له من الليل أو النهار؛ ولكن معرفته بساعات الليل لا تدرّ عليه كبير فائدة، وإنّما الاساس بالنسبة له هو ساعات النهار، حيث إنّ المهمّ عنده أن يعلم كم بقي له من النهار، حيث ينبغي علينا القيام بوظائفنا خلال هذا القدر من الزمن المتبقّي، ولا يهمّنا كثيراً القدر الذي انقضي منه أمّا بالنسبة إلي الليل فالمهمّ لنا هو كم مضي منه؟ وهل لدينا الوقت الكافي للاستراحة والنوم أو لا؟ وهذه غير منوطة بما يليها من ساعات، بل مرتبطة بما سبقها من ساعات. أمّا الساعة المنظّمة علي توقيت الظهر، فلا تبدأ مع أوّل النهار ولا مع أوّل الليل، بل تبدأ مع منتصف الليل تقريباً. فالساعة الثانية عشرة، تعني منتصف الليل التقريبيّ، والساعة الواحدة صباحاً تعني انقضاء ساعة واحدة من منتصف الليل، ولا فائدة من ذلك، بل أضرارها كثيرة، فهي: أوّلاً: لا تُعيّن مقدار كلٌّ من الليل والنهار. ثانياً: لا تحسب الليل من أوّله، بل تعتبر نصفاً من الليل من اليوم المنصرم، والنصف الآخر من اليوم التالي، فتكون الليلة التامّة في هذه الحالة عبارة عن قطعة مُجَزَّأة، فيختلط آنذاك حابل الاحكام والوظائف الشرعيّة والعرفيّة بنابلها. كما أنّ الساعة الواحدة صباحاً لا تعني بداية النهار، فقد ينبغي مرور ستّ ساعات أُخري قبل الشروق، وعلي الرغم من ذلك فإنّ تلك الساعات محسوبة من ساعات الصباح. وثالثاً: يصاب الإنسان في الحـيرة والاضطراب في عمله وعبادته؛ فقد عُيِّن له منتصف الليل لبدء التوقيت، ولكن ما الفائـدة المتـوخّاة من ذلك؟ فليـس بالإمكان تنظـيم ساعات العـمل علي ضـوء هذا التـوقيت، ولا حتّي تنظيم أوقات الراحة. وعلي هذا الاساس نُظِّمَ التوقيت الحاليّ لساعات العمل الإداريّ والمدارس والجامعات والدولة وغيرها، فمثلاً: يكون التوقيت الرسميّ لبداية العمل هو الساعة الثامنة صباحاً؛ وتكون هذه الساعة بعد مدّة من شروق الشمس، وتصل تلك المدّة في الصيف إلي أربع ساعات كاملة، وقد مرّ علي الإنسان في هذه الحالة أربع ساعات من الجوّ المناسب لمزاولة الانشطة وهو رهين البيت، وعليه أن يتحرّك إلي عمله حين يدبّ أثر الحرارة بالفعل ويصبح الجوّ خانقاً؛ فيكون هكذا توقيت متلف للوقت النافع، لا نّه لم تُراعَ فيه احتياجات البدن والوضع الصحّيّ العامّ الموافق للمواصفات الصحّيّة العالميّة. إنّما جُعل ابتداء التوقيت من منتصف الليل حفظاً لمصالح أرباب المعامل الذين يعتبرون العمال جزءاً من آلات وأدوات الإنتاج، فهم لا يعيرون لنوم العامل وراحته ونهاره وصحّته أيّة أهمّيّة، ويوقعون البشر في تيه دوّامة الآلة من أجل ضمان مصالحهم المادّيّة. ويضطرّ الإنسان في هذه الحالة أن يبقي نائماً إلي ما يقارب الساعة الثامنة، فيحرم من فيوضات بين الطلوعَين، ولا يستفيد من يقظة السحر. وبطبيعة الحال، فالذي يذهب إلي العمل في الساعة الثامنة، فسيبقي إلي الساعة الثانية بعد الظهر، أو يبقي في العمل إلي أربع ساعات بعد الظهر، ثمّ يقضي أوّل ليله بالمطالعة والتسلية والتنزّه ويبقي يقظاً حتّي منتصف الليل، ويمتدّ نومه من آخر الليل حتّي الصباح، فيحرم في هذه الحالة من جميع المواهب الإلهيّة والصحّيّة. ينبغي أن ينظّم توقيت ساعات المعلّمين بالشكل الذي يتمّ فيه الحصول علي خير الثمرات في أفضل أجواء وظروف الصحّة والسلامة والتنعّم بالمواهب الطبيعيّة والمعنويّة. وقد تناولنا هذا الموضوع بشكل موجز في كتابينا « معرفة الإمام » ج 6، و « رسالة جديدة في بناء الإسلام علي الشهور القمريّة ». ومن المواضيع المقترحة: أن يختم منشوراته بذكر التأريخ القمريّ، لا نّه كان يفعل ذلك سابقاً، كما هو شأن جميع المراجع والفضلاء الذين يختمون رسالاتهم بالتأريخ القمريّ؛ وقد جاء هذا الاقتراح بعد ما شوهد في الفترة الاخيرة كتابته للتأريخ الشمسيّ المبتني علي أساس الهجرة النبويّة. قلتُ: إنّ التأريخ الشمسيّ ليس بالتأريخ الإسلاميّ، وعليكم بتذكيره بهذه الملاحظة. فتأمّل سماحة الشيخ المرحوم المطهّريّ رحمة الله عليه، ثمّ قال: أنا الذي قلـتُ له: عليـكم من الآن فصـاعداً أن تخـتموا رسائلـكم بالتأريخ الشمسيّ! فالتزمتُ الصمت ولم أُعقّب بشيء. وحين ذهبت للإقامة عند المشهد الرضويّ المقدّس، ألّفتُ رسالة مستقلّة تحت اسم « رسالة جديدة في بناء الإسلام علي الشهور القمريّة » وأهديتُ إليه أوّل نسخة مطبوعة منه؛ وبالمناسبة، فإنّ مواضيع الرسالة قد أُدرجت في الجزء السادس من كتاب « معرفة الإمام » وجاءت في تفسير آية النسيء، ضمن خطبة رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم في حجّة الوداع. ومن اقتراحاتي أيضاً، تغيير بزّة ضبّاط الجيش وقوّات الدرك والشرطة، وتغيير شكل النياشين والانواط، لا نّها صورة طبق الاصل لبزّة ونياشين وأنواط الجيش الاميركيّ، ولابدّ من تغييرها بما ينسجم والاعراف الإسلاميّة؛ فينبغي أن تكون ملابس الجندي والضابط، وكذا القبّعة والنوط والعلامة وفقاً لموازين الإسلام مائة في المائة. فحلق اللحي ولبس ربطة العنق من الواجبات علي الضبّاط والمراتب في ذلك العهد، وربطة العنق هي ذلك الرباط العاقد الموضوع علي العنق للدلالة علي الصليب، ويُطلق عليه بالفارسيّة ( چليپا ) أي: صليب النصاري، وهو من الملابس الخاصّة للنصاري، ويحرم لبسه علي المسلمين. وقد صار حلق اللحي في هذه الايّام غير إلزاميّ، ورُفعت ربطة العنق، أمّا هيئة البزّة العسكريّة فلا زالت علي حالتها الاُولي. وينبغي التأكيد علي أنّ المرحوم المطهّريّ قال لي ـ كما ذُكر سابقاً: لم أتمكّن من طرح أكثر من موردين أو ثلاثة من اقتراحاتكم العشرين؛ وثمّ إنّه نال شرف الشهادة بعد ذلك. أجل، كنّا لا نزال في الاشهر الاُولي من الحكومة الإسلاميّة حين تقرّر تشكيل مجلس لتدوين الدستور بعد إسقاط الحكومة الملكيّة وإبطال العمل بقانون العهد البائد وفقدان البلاد للدستور، لذا حكمت الضرورة بتشكيل مجلس تأسيسيّ للمصادقة علي هذا الدستور. هنا، تحرّك آية الله الخمينيّ بفراسة وحصافة وذكاء مفرط من خلال إيعازه بتشكيل مجلس باسم مجلس الخبراء لهذا الغرض، فحصل علي النتيجة المطلوبة بأسرع وقت؛ في حين كان البعض يري بتشكيل المجلس التأسيسيّ الذي يُنتخب أفراده من كلّ مدينة وناحية ـ ولو صاروا ألفاً ثمّ يجلسون لمناقشة الموادّ المطروحة مادةً مادة، فينشغلوا بالبحث والنقاش لمدّة سنتين أو أكثر، والله وحده العالِم بما ستؤول إليه النتيجة، ولربّما كانت الغلبة لآراء المنافقين المندسّين أو آراء الوطنيّين وما إلي ذلك، ثمّ يُسَنّ الدستور عموماً علي آراء أُولئك الافراد. ولذلك فقد رفض آية الله الخمينيّ مسألة تشكيل مجلس المؤسّسين، وقال: ينبغي اجتماع عدد معيّن من أهل الخبرة خلال مدّة معيّنة علي أن لا تتجاوز الثلاثة أشهر ليفصلوا في المسألة. ولم يكن ثمّة مجال للتآمر والمعارضة مِن قِبَل الاحزاب المناوئة والمنافقين؛ وبطبيعة الحال فقد تسـلّل إلي مجـلـس الخـبراء بعـض الافراد غير المـرغـوبين المعروفين من خلال آرائهم، وكان هؤلاء منزعجـين، ومن المخالفـين لمسألة ولاية الفقيه، ولكن وبحمد الله كانت الغلبة للفئة الاُخري.
|
|
|