بسم الله الرحمن الرحيم

کتاب ولایه الفقیه فی حکومه الاسلام/ المجلد الاول/ القسم السادس: تفسیر آیات حول لزوم تعبد رسول الله صلی الله علیه و آله، ال...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

الدرس‌ الثامن‌:

 سعة‌ ولاية‌ رسول‌ الله‌ عين‌ العبوديّة‌ والتسليم‌ لا إظهار الرأي‌ في‌ مقابل‌ الحقّ

 

بسْـمِ اللَهِ الـرَّحْمَنِ الـرَّحِيمِ

و صلَّي‌ اللهُ علي‌ محمد و ءاله‌ الطَّاهرين‌

و لعنة‌ اللَه‌ علي‌ أعدائهم‌ أجمعين‌ من‌ الآن‌ إلي‌ قيام‌ يوم‌ الدين‌

 و لا حول‌ و لا قوّة‌ ألاّ باللَه‌ العليّ العظيم‌

 

 وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَینَا بَعْضَ الاْقَاوِيلِ * لاَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَـ'جِزِينَ. [1]

 الوتين‌ عرق‌ في‌ القلب‌ يسري‌ منه‌ الدم‌ الي‌ جميع‌ البدن‌، و جمعه‌ أوتينَة‌ و وُتُن‌.

 لو قال‌ النبيّ شيئاً من‌ عند نفسه‌ لاخذنا بيد القدرة‌ و قضينا عليه‌ بشكل‌ كامل‌. فنحن‌ لم‌ نفوّض‌ إليه‌ سلطتنا لكي‌ يأمر و ينهي‌ بحسب‌ مزاجه‌ و مشتهياته‌، و إنّما هو عبد مأمور بكل‌ ما للكلمة‌ من‌ معني‌. كما إنّه‌ لم‌ يقيم‌ بأي‌ إظهار للنظر من‌ عند نفسه‌ بنحو ينسبه‌ إلينا، كما انّه‌ لم‌ يخرج‌ من‌ تحت‌ ولايتنا، و يستند إلي‌ ولاية‌ نفسه‌، فولايته‌ عين‌ ولايتنا.

 وَ إِنْ كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي‌´ أَوْحَيْنَآ إلَیكَ لَتَفْتَرِي‌´ عَلَینَا غَيْرَهُ وَ إِذَاً لآتَّخَذُوكَ خَلِيلاً * وَ لَو لآ أَن‌ ثَبِّتْنَـ'كَ لَقَدْ كِدْتَّ تَرْكَنُ إلَیهِمْ شَيئاً قَلِيلاً * إذاً لاَّذَقْنَـ'كَ ضِعْفَ الْحَيَـ'وةِ وَ ضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ تَجِدُ لَكَ عَلَینَا نَصِيراً. [2]

 الرجوع الي الفهرس

 تفسير آية‌: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَینَا بَعْضَ الاَْقَاوِيلِ، وآية‌: وَإِن‌ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ...

هذه‌ الآيات‌ وفقاً للتافسير الواردة‌، و خصوصاً تفسير أستاذنا ءاية‌ الله‌ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ رضوان‌ الله‌ عليه‌ «الميزان‌»، راجعة‌ الي‌ أنّ كفّار قريش‌ في‌ مكّة‌ أتوا الي‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌، و مهما سعوا لإرجاع‌ النبيّ عن‌ هذه‌ النيّة‌ (الدعوة‌ الي‌ التوحيد) لم‌ يتوصلّوا الي‌ نتيجة‌، لذا فانهم‌ قالوا: الآن‌ نفترح‌ عليك‌ أنّه‌ إذا أردت‌ دعوة‌ الناس‌ الي‌ التوحيد فلا مانع‌ من‌ ذلك‌، و لن‌ نمنعك‌ من‌ القيام‌ بأي‌ عمل‌ تريده‌، لكنّ عليك‌ اجتناب‌ هذين‌ الامرين‌ فقط‌: الاوّل‌: لاتسب‌ آلهتنا، و الثاني‌: أنّ اعتباراتنا و شؤوننا تقتضي‌ أن‌ م‌يُشارك‌ الاشخاص‌ الفقراء و الموالي‌ و الضعفاء في‌ مجالسنا، فأنت‌ أيضاً لا تخالطهم‌ عندنا.

 و بالطبع‌ فأنّ هذا الكلام‌ كان‌ بصورة‌ كلام‌ جميل‌ وقور. و لو كان‌ موجّهاً لايّ شخص‌ منّا لصدّقه‌ و قال‌: ما الإشكال‌ في‌ الامر، ندعو الناس‌ الي‌ التوحيد ثمّ اننا نوافق‌ أيضاً هذين‌ الاقتراحين‌ من‌ أجل‌ تقدّم‌ الإنجاز و العمل‌، و من‌ أجل‌ أن‌ يقترب‌ الإسلام‌ من‌ هدفه‌، لتمهيد السبيل‌ للاهداف‌ الاهم‌ من‌ خلال‌ استمالة‌ المشركين‌ بالقبول‌ المؤقت‌ لهذين‌ الشرطين‌ الي‌ حين‌ هضج‌ الإسلام‌ و وصوله‌ الي‌ القوّة‌ و القدرة‌. ثم‌ نبادر الي‌ الطريقة‌ المقبولة‌ المرضيد بعد استيلإ الإسلام‌ علي‌ الشرك‌ و استحكام‌ أركان‌ التوحيد.

 لقد كان‌ هذان‌ همام‌ اطلبان‌ اللذان‌ طلبوهما من‌ النبيّ، و هذه‌ الآية‌ أيضاً لاتقول‌ أنّك‌ قد وعدتهم‌ و قبلت‌، و أنّما تقول‌: لَقَدْ كِدّتَّ تَرْكَنُ إلَیهِمْ شَيئاً قَلِيلاً. أي‌ أنّكَ أو شَكت‌ أن‌ تلتفت‌ و تركن‌ اليهم‌ قليلاً، و لو لم‌ نحفظك‌ فاقتربت‌ منهم‌ قليلاً، لاخذناك‌ بالعذاب‌ الشديد. و لاذقناك‌ ضعف‌ العذاب‌ الذي‌ نعذبه‌ للآخرين‌، أو للانبياء في‌ الحياد و الممات‌، و هنا ينبغي‌ الإلتفات‌ الي‌ حقيقة‌ المسألة‌.

 وَ لَئِن‌ شِئنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي‌ أَوْحَيْنَا إلَیكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَینَا وَكِيلاً [3]

 وَ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن‌ يَغُلَّ وَ مَن‌ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَـ'مَةِ ثُمَّ تُوَفَّي‌' كُلُّ نَفْسٍ مٍّا كَسَبَتْ وَ هُمْ لاَ يُظْلَمُونَ. [4]

 فليس‌ من‌ شأن‌ أي‌ نبيّ و لا من‌ دأبة‌ أن‌ يكون‌ له‌ غلّ أو غشّ في‌ عمله‌.

 ( الغلول‌ يعني‌ إظهار الباطل‌ حقّاً، و الحقّ باطلاً. والغش‌: يعني‌ المكر و الحيلة‌).

 و ليس‌ هناك‌ نبيّ «جنس‌ النبيّ» ينسجم‌ مع‌ هذه‌ المادّة‌ ] أي‌ مع‌ الغلول‌ [، و من‌ يغلّ و يعضّ يأتي‌ بما غلّ يوم‌ القيامة‌، ثم‌ توفيّ كل‌ نفس‌ مكتسباتها و يعاد اليها عملها الذي‌ اجترحته‌ دون‌ أن‌ يظلمهم‌ الله‌ تعالي‌.

 الرجوع الي الفهرس

تفسير آية‌: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن‌ يَكُونَ لَهُ و´ أَسْرَي‌' حَتَّي‌' يُثْخِنَ فِي‌ الاَْرْضِ

 وَ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن‌ يَكُونَ لَهُ أَسْرَي‌´ حَتَّي‌' يُثْخِنَ فِي‌ الاْرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَهُ يُرِيدُ الاْخِرَةَ وَاللَهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَّوْ لاَ كِتَـ'بٌ مِّنَ اللَهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا´ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. [5]

 لقد نزلت‌ هذه‌ الآية‌ في‌ غزوة‌ بدر، بعد أن‌ قاتل‌ المسلمون‌ و أخذوا سبعين‌ أسيراً من‌ الكفّار.

 يقول‌ الله‌ تعالي‌ في‌ هذه‌ الآية‌: إنّ وظيفد المسلمين‌ في‌ الحرب‌ مع‌ المشركين‌ هي‌ سفك‌ دماء هؤلإ، لا أسرهم‌ من‌ أجل‌ استرقاقهم‌ أو بيعهم‌ أو تحريرهم‌ مقابل‌ فدية‌. و بما أنّ المسلمين‌ في‌ هذه‌ الغزوة‌ عدا قتلهم‌ سبعين‌ شخصاً قد أسروا سبعين‌ شخصاً آخرين‌ أيضاً، لذا عاتبهم‌ الله‌ تعالي‌ علي‌ أخذهم‌ الامرٍ لاجل‌ مفاذاتهم‌ فيما بعد. بأنّ هذه‌ الفدية‌ متاع‌ و فائدة‌ دنيوية‌. و مظهر و زينة‌ للحياة‌ المنحطة‌ و الحيوانية‌ التي‌ لاتنسجم‌ مع‌ روح‌ تشريع‌ قانون‌ سفك‌ دماء المشركين‌، أي‌ أنّ أخذ الاسري‌ بالنسبة‌ لكم‌ لم‌ يكن‌ له‌ أي‌ مجوّز منذ البداية‌، لاأنّه‌ يجب‌ عليكم‌ بعد أسرهم‌ أن‌ تقتلوهم‌ و لا تفادوهم‌. فعبد الامر لا إلزام‌ تقبلّهم‌، و من‌ حقّكم‌ في‌ حالة‌ كهذه‌ أن‌ تفعلوا ما ترون‌ فيه‌ مصلحد لكم‌ من‌ قتلهم‌ أو تحريرهم‌ و أخذ الفدية‌ منهم‌. و أمّا اشتباهكم‌ فهو في‌ أنّكم‌ قد أسرتموهم‌ حتي‌ تصلوا الي‌ حالة‌ كهذه‌ و تواجهوا هذين‌ الطريقين‌. لقد كان‌ حقّ المسألة‌ منذ البداية‌ أن‌ تقتلوهم‌ و لا تأسروهم‌. و بناءً عيه‌ فجملة‌ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن‌ يَكُونَ لَهُ أَسْرَي‌' حَتَّي‌' يُثْخِنَ فِي‌ الاْرْضِ تُفهم‌ أنّه‌ كان‌ علي‌ المؤمنين‌ منذ الوهلة‌ الاُولي‌ أن‌ لا يأخذوا أمري‌ بنية‌ أخذ الفدية‌ مقابل‌ تحريرهم‌. و لا تفيد وجوب‌ قتلهم‌ و حرمة‌ أخذ الفدية‌ عنهم‌ في‌ حالة‌ المخالفة‌ و أخذ الاسري‌.

 الرجوع الي الفهرس

 تفسير العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ قدّس‌ الله‌ سرّه‌ حول‌ هذه‌ الآية‌

لقد سار اُستاذنا العلاّمة‌ (قدّس‌ الله‌ نفسه‌ الشريفة‌) في‌ تفسيره‌ علي‌ هذا المنهج‌ فقال‌: ءاية‌ حين‌ أخذوا الاسري‌ من‌ المشركين‌. ثمّ اقترحوا علي‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ أن‌ لا يقتلهم‌ و يأخذ منهم‌ الفداء ليصلح‌ به‌ حالهم‌ و يتقوّوا بذلك‌ علي‌ أعداءِ الدين‌.

 و قد شدّد سبحانه‌ في‌ العتاب‌ إلاّ أنّه‌ أحبابهم‌ الي‌ مقترحهم‌ و أباح‌ لهم‌ التصرّف‌ من‌ الغنائم‌، بما يشمل‌ الفداء.

 ثم‌ تيابع‌ المطلب‌ الي‌ أن‌ يقول‌: و قد اختلف‌ المفسّرون‌ في‌ تفسير الآيات‌ بعد اتّفاقهم‌ علي‌ أنّها أنّما نزلت‌ بعد وقعة‌ بدر تعاتب‌ أهل‌ بدر و... لهم‌ الغنائم‌.

 و السبب‌: في‌ اختلاف‌ ما ورد في‌ سبب‌ نزولها و معاني‌ جملها من‌ الاخبار المختلفة‌. و لو صحّت‌ الروايات‌ لكان‌ التأمّل‌ فيها قاضياً بتوسّعٍ عجيب‌ في‌ نقل‌ الحديث‌ بالمعني‌، حتي‌ ربما اختلفت‌ الروايات‌ كالاخبار المتعارضة‌.

 فاختلفت‌ التفاسير بحسب‌ اختلافها فمن‌ ظاهر في‌ أن‌ العتاب‌ التهديد متوجّه‌ الي‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ و المؤمنين‌ جميعاً، أو الي‌ النبيّ و المؤمنين‌ ما عدا عمر، أو ما عدا عمر و سعدبن‌ معاذ، أو الي‌ المؤمنين‌ دون‌ النبيّ، أو الي‌ شخص‌ أو أشخاص‌ أشاروا عليه‌ بالفداء بعد ما استشارهم‌. و من‌ قال‌ إنّ العتاب‌ أنّما هو علي‌ أخذهم‌ الفداء، أو علي‌ استحلالهم‌ الغنيمة‌ قبل‌ الإباحة‌ من‌ جانب‌ الله‌، و النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وءاله‌ و سلّم‌ يشاركهم‌ في‌ ذلك‌ لمّا أنّه‌ بدأ باستشارتهم‌، مع‌ أنّ القوم‌ إنّما أخذوا الفداء بعد نزول‌ الآيات‌ لا قبله‌ حتي‌ يعاتبوا عليه‌، و النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌ أجلّ من‌ أن‌ يجوز في‌ حقّه‌ استحلال‌ شي‌ء قبل‌ أن‌ يأذن‌ الله‌ سبحانه‌ له‌ فيه‌. و يوحي‌ بذلك‌ إليه‌ ـ و حاث‌ ساحة‌ الحقّ سبحانه‌ أن‌ يهدّد نبيّه‌ بعذاب‌ عظيم‌ ليس‌ من‌ شأنه‌ أن‌ ينزل‌ عليه‌ من‌ غير جرم‌ أجرمه‌ و قد عصمه‌ من‌ المعاصي‌، و العذاب‌ العظيم‌ ليس‌ ينزل‌ إلآ علي‌ جرم‌ عظيم‌، لا كما قيل‌: أنّ المراد به‌ الصغائر.

 فالذي‌ ينبغي‌ أن‌ يقال‌: إنّ قوله‌ تعالي‌: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن‌ يَكُونَ لَهُ أَسْرَي‌' حَتَّي‌' يُثْخِنَ فِي‌ الاْرْضِ أنّ السنّة‌ الجارية‌ في‌ الانبياء الماضين‌ عليهم‌ السّلام‌ أنّهم‌ كانوا إذا حاربوا أعدائهم‌ و ظفروا بهم‌ ينكّلونهم‌ بالقتل‌ ليعتبر به‌ مَن‌ وراءهم‌ فيكفّوا عن‌ محادَّة‌ الله‌ و رسوله‌.

 و كانوا لا يأخذون‌ أسري‌ حتي‌ يثخنوا في‌ الارض‌ و ستقرّ دينهم‌ بين‌ الناس‌، فلا مانع‌ بعد ذلك‌ من‌ الاسر، ثم‌... أو الفدا، كما قال‌ تعالي‌ فيما يوحي‌ الي‌ نبيّه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءآله‌ و سلّم‌ بعد ما علا أمر الإسلام‌ و استقرّ في‌ الحجاز و اليمن‌: فَإذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرواْ فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّي‌' إذَآ اَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُّدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمّا مَنّاً بَعْدُ وَ إِمَّا فِدَآءَ.[6]

و العتاب‌ علي‌ ما يهدي‌ إليه‌ سياق‌ الكلام‌ في‌ الآية‌ الاُولي‌ إنّما هو علي‌ أخذهم‌ الاسري‌، كما يشهد به‌ أيضاً قوله‌ تعالي‌ في‌ الآية‌ الثانية‌: لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ااي‌ في‌ أخذكم‌، و إنّما كانوا أخذوا عد نزول‌ الآيات‌ الاسري‌ دون‌ الفداء، و ليس‌ العتاب‌ علي‌ استباحة‌ الفداء أو أخذه‌ كما أحتمل‌.

 إلي‌ أن‌ يقول‌: فقد كانوا سألوا النبيّ صلّي‌ الله‌ عيه‌ و ءاله‌ أن‌ يُعطيهم‌ الغنائم‌ و يأخذ لهم‌ منهم‌ الفداء فعاتبهم‌ الله‌ من‌ رأس‌ علي‌ أخذهم‌ الاسري‌. ثم‌ أباح‌ لهم‌ ما أخذوا الاسري‌ لاجله‌ و هو الفداء، لا لانّ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ شاركهم‌ مني‌ استباحة‌ الفداء و استثارهم‌ في‌ الفداء و القتل‌ حتي‌ يشاركهم‌ في‌ العتاب‌ المتوجه‌ إليهم‌.

 و من‌ الدليل‌ من‌ لفظ‌ الآية‌ علي‌ أنّ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌ في‌ العتاب‌ أنّ العتاب‌ في‌ الآية‌ متعلّق‌ بأخذ الاسري‌، و ليس‌ فيها ما يُشعر بأنّة‌ استشارهم‌ فيه‌ أو رضي‌ بذلك‌. و لم‌ يرد في‌ شي‌ء من‌ الاثار أنّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و صّاهم‌ بأخذ الاسري‌، و لاقال‌ قولاً يُشعر بالرضا بذلك‌ بل‌ كان‌ ذلك‌ ممّا أقدمت‌ عليه‌ عامّة‌ المهاجرين‌ و الانصاري‌ علي‌ قاعدتهم‌ في‌ الحروب‌، إذا ظفروا يعدوّهم‌ أخذوا الاسري‌ للاسترقاق‌ أو الفداء.

 و قد ورد في‌ الاثار أنّهم‌ بالغوا في‌ الاسر، و كان‌ الرجل‌ يقي‌ أسيره‌ أن‌ يناله‌ الناس‌ بسوء إلاّ عليّ عيه‌ السلام‌ فقد أكثر من‌ قتل‌ الرجل‌ و لم‌ يأخذ أسيراً.

 فمعني‌ الآيات‌: ما كان‌ لنبيّ و لم‌ يعهد في‌ سُنَة‌ الله‌ في‌ أنبياءه‌ أَنّ يَكُونَ لَهُ أسْرَي‌' وَ يحقَّ له‌ أن‌ يأخذهم‌ و يستدّر علي‌ ذلك‌ شيئاً «حتّي‌ يُثْخِنَ» و يغلظ‌ «في‌ الاْرْضِ» و سيتقرّ دينه‌ بين‌ الناس‌. «تريدونَ» أنتم‌ معاشر أهل‌ بدر ـ و خطاب‌ الجميع‌ بهذا العموم‌ المشتمل‌ علي‌ عتاب‌ الجميع‌ لكون‌ أكثرهم‌ متلبسين‌ باقتراح‌ الفداء علي‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ ـ «عَرَضَ الدُّنْيَا» و متاعها السريع‌ الزوال‌، «و اللهُ يُرِيدُ الاخِرَة‌ي‌» يتشريع‌ الدين‌ و الامر بقتال‌ الكفار. ثم‌ في‌ هذه‌ السنّة‌ التي‌ أخبر بها في‌ كلامه‌؛ «واللَّهُ عَزِيزٌ» لايُغلب‌؛ و «حَكِيمٌ» لا يلغو في‌ أحكامه‌ المتقنة‌.

 الي‌ أن‌ يقول‌ رحمه‌ الله‌ في‌ بحثه‌ الروائي‌: قال‌ في‌ مجمع‌ البيان‌: و روي‌ عُبَيْدةُ السلماني‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ أنه‌ قال‌ لاصي‌ به‌ يوم‌ بدر في‌ الاساري‌: إن‌ شِئتُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ؛ وَ إن‌ شِئتُمْ فَادَيْتُمُوهُمْ؛ وَاستُشْهِدَ مِنكُمْ بعِدَّتِهِمْ و كانت‌ الاساري‌ سبعين‌. فقالوا:بل‌ نأخذ الفداء فنستمتع‌ به‌ و نتقوّي‌ به‌ علي‌ عدوّنا و ليستشهد منّا بعدّتهم‌. قال‌ عبيدة‌: طَلَبُوا الخِيرتَين‌ حكتيهما.  [7]فقتل‌ منهم‌ يو أحد سبعون‌.

 و في‌ كتاب‌ علي‌ بن‌ إبراهيم‌: لمّا قتل‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ و سلّم‌ للاضربن‌ حارث‌ و عُقبة‌ بن‌ أبي‌ مُعيط‌ خافت‌ الانصار أن‌ يقتل‌ الاساري‌، فقالوا: يا رسول‌ الله‌ قتلنا سبعين‌ و هم‌ قومك‌ و اُسرتك‌؛ اتجد اصلهم‌ ؟! فخذ يا رسول‌ الله‌ منهم‌ الفداء. و كانوا قد اُخذوا ما وجدوه‌ من‌ الغنائم‌ في‌ عسكر قريش‌، فلمّا طلبوا اليه‌ و سألوه‌ نزلت‌ الآية‌ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن‌ يَكُونَ لَهُ أَسْرَي‌'... الآيات‌، فأطلق‌ لهم‌ ذلك‌.

 الي‌ أن‌ يقول‌ رحمة‌ الله‌: قال‌ في‌ مجمع‌ البيان‌: و روي‌ أنّ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ كره‌ أخذ الفداء حتي‌ رأي‌ سعدبن‌ معاذ كراهية‌ ذلك‌ في‌ وجهه‌ فقال‌: يا رسول‌ الله‌ هذا أول‌ حرب‌ لقينا فئة‌ المشركين‌، و الإثخان‌ في‌ القتل‌ أحبّ إليَّ من‌ استبقاء الرجال‌. و قال‌ عمربن‌ الخطاب‌: يا رسول‌ الله‌ كذّبوك‌ و أخرجوك‌ فقدّمهم‌ و اضرب‌ أعناقهم‌، ولكنّ عليّاً من‌ عقيل‌ فيضرب‌ عنقه‌. و مكّني‌ من‌ فلان‌ أضرب‌ عنقه‌ فانّ هؤلإ أئمّة‌ الكفر.

 و قال‌ أبوبكر: أهلك‌ و قومك‌ استأن‌ بهم‌ و استبقهم‌ و خذ منهم‌ فدية‌ فيكون‌ لنا قوّة‌ علي‌ الكفّار. قال‌ ابن‌ زيد: فقال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌: لو نزل‌ عذاب‌ من‌ السماء ما نجا منكم‌ أحد غير عمر و سعد بن‌ معاذ.

 إلي‌ أن‌ يقول‌ رحمة‌ الله‌: قال‌: فجي‌ء بالعباس‌ فقيل‌ له‌: اقد نفسك‌ و اف‌ ابن‌ ابني‌ ] ابنيّ ظ‌ [ أخيك‌ فقال‌: يا محمد تتركني‌ أسال‌ قريشاً في‌ كفّي‌ ؟ فقال‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ له‌:

 أعطِ ممّا خلّفتَ عند أم‌ الفضل‌ و قلتَ لها إن‌ أصابني‌ شي‌ء في‌ وجهي‌ فأنفقي‌ علي‌ ولدك‌ و نفسك‌. قال‌: يا ابن‌ أخي‌ مَن‌ أخبرك‌ بهذا ؟

 فقال‌ رسول‌ الله‌: أتاني‌ به‌ جبرئيل‌.

 فقال‌: و محلفة‌ ما علم‌ بهذا الاّ أنا و هي‌. أشهدُ أنّك‌ رسول‌ الله‌ !

 قال‌: فرجع‌ الاساري‌ كلّهم‌ مشركين‌ الاّ العبّاس‌ و عقيل‌ و نوفل‌ ابن‌ الحارث‌، و فيهم‌ نزلت‌ هذه‌ الآية‌: قُلْ لِّمَن‌ فِي‌´ أَيْدِكُمْ مِّنَ الاْسْرَي‌'´ إِن‌ يَعْلَمِ اللَهُ فِي‌ قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. [8]

 كان‌ هذه‌ خلاصة‌ و مجل‌ تحقيقات‌ أستاذنا العلاّمة‌. [9] أمّا العلاّمة‌ السيد شرف‌ الدين‌ العاملي‌ فقد سلك‌ في‌ كتابه‌ «النصّ و الاجتهاد» طريقاً ءاخر، فقد ادّعي‌ أنّ ءاية‌ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَي‌' حَتَّي‌' يُثْخِنَ فِي‌ الاْرْضِ. ليست‌ حول‌ أسر غزوة‌ بدر، و انّما هي‌ حول‌ أسر قافلة‌ أبي‌ سُفيان‌ الذي‌ فرّ و انهزم‌ الي‌ مكّة‌ قبل‌ أن‌ يصل‌ إليه‌ أصحاب‌ رسول‌ الله‌.

 فهو يقول‌: إنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ كان‌ له‌ نظرة‌ محبّة‌ تجاه‌ عمّد العبّاس‌، و كان‌ قلقاً من‌ تشدّد عمر بقتله‌ بعد الاسر. و بشكل‌ عام‌ فانّ ما ورد في‌ هذا المجال‌ في‌ التفاسير والروايات‌ هو خلاف‌ شأن‌ النزول‌ و الروايات‌ مجهولة‌ و موضوعة‌ فرسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ كان‌ في‌ جميع‌ أفعاله‌ منطقاً من‌ الحكمة‌ و الحمية‌ و الرحمة‌، بينما كان‌ تشدّد عمر ناشئاً من‌ حسّ الانتقام‌ و الحقد، و ساحة‌ النبيّ الاكرم‌ برئية‌ من‌ ذلك‌.

 و بيان‌ كلامه‌ رحمه‌ الله‌ بهذا النحو: و ذلك‌ إنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ قال‌ لاصحابه‌ و قد حمي‌ الوطيس‌ يوم‌ بدر: عرفتُ رجالاً من‌ بني‌ هاشم‌ و غيرهم‌ أخرجوا. كرهاً لاحاجة‌ لهم‌ لقتالنا، فمن‌ لقي‌ أحداً من‌ بني‌ هاشم‌ فلا بقتله‌، و من‌ لقي‌ أبا البختري‌ بن‌ هشام‌ بن‌ الحارث‌ بن‌ أسد فلا يقتله‌، و من‌ لقي‌ العبّاس‌ بن‌ عبدالمطلب‌ عمّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ فلا يقتله‌، فانّه‌ خرج‌ مستكرهاً.

 تراه‌ صلّ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ نهي‌ عن‌ قتل‌ بني‌ هاشم‌ عامّة‌، ثمّ نهي‌ عن‌ قتل‌ عمّه‌ العباس‌ بالخصوص‌، تأكيداً للمنع‌ من‌ قتله‌، و تشديداً و مبالغة‌ في‌ ذلك‌، و لمّا أمر العباس‌ بات‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ ساهراً أرقاً، فقال‌ له‌ أصحابه‌ ـ كما نصّعليه‌ كلّ من‌ أرّخ‌ وقعة‌ بدر من‌ أهل‌ السير و الاخبار ـ يار رسول‌ الله‌ ما لك‌ لا تنام‌ ؟ قال‌ (ص‌): سمعت‌ تضّور عميّ العباس‌ في‌ وثاقه‌ فمنعني‌ النوم‌، فقاموا إليه‌ فأطلقوه‌، فنام‌ رسول‌ الله‌ صلّ) الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌.

 و عن‌ يحيي‌' بن‌ أبي‌ كثير: أنّه‌ لمّا كان‌ يوم‌ بدر أسر المسلمون‌ من‌ المشركين‌ سبعين‌ رجلاً، فكان‌ ممّن‌ أُسر العبّاس‌ عمّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌، فولِي‌' وثاقه‌ عمربن‌ الخطاب‌، فقال‌ العبّاس‌: أَما والله‌ يا عمر ما يحملك‌ علي‌ شدّ وثاقي‌ إلاّ لطمي‌ اياك‌ في‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌. قال‌: فكان‌ رسول‌ الله‌ صلّ) الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ يسمع‌ أنين‌ العباس‌ فلا يأتيه‌ النوم‌. فقالوا: يا رسول‌ الله‌ ما يمنعك‌ من‌ النوم‌ ؟ فقال‌ رسول‌ الله‌: كيف‌ أنام‌ و أنا أسمع‌ أنين‌ عميّ فأطلقه‌ الا8نصار.

 و كان‌ أصحاب‌ رسول‌ الله‌ كافّة‌ من‌ مهاجرين‌ و أنصار و غيرهم‌ يعلمون‌ ما ألي‌ الفضل‌ العباس‌ من‌ المنزلة‌ عند رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ و حب‌ السلامة‌ له‌ و الكرامة‌، و لمّا بلغه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ كلمة‌ أبي‌ حذيفة‌ بن‌ عبتة‌ بن‌ ربيعة‌ بن‌ عبد شمس‌ ـ و كان‌ معه‌ في‌ بدر ـ إذ قال‌: أنقتل‌ أباءنا و اخوننا و نترك‌ العباس‌، والله‌ لئن‌ لقيته‌ لالجمنّه‌ بالسيف‌، ساءه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ ذلك‌ من‌ أبي‌ حذيفة‌، فاستنجد بعمر يقول‌ له‌ مثيراً حفيظته‌: يَا أَبا حفص‌ أيضرب‌ وجه‌ عم‌ الرسول‌ بالسيف‌ ؟ قال‌ عمر: والله‌ إنّه‌ لاول‌ يوم‌ كنّاني‌ فيه‌ رسول‌ الله‌ بأبي‌ حفص‌.

 و ما أن‌ وضعت‌ الحرب‌ أوزارها ـ و نصرالله‌ عبده‌، و أعزّ جنده‌، و قتل‌ من‌ الطواغيت‌ سبعين‌ و أسر سبعين‌ آخرين‌، و جي‌ء بهم‌ موثوقين‌ ـ حتي‌ قام‌ أبو حفص‌ يحرّض‌ علي‌ قتلهم‌ بأشدّ لهجة‌ قائلاً: يا رسول‌ الله‌ إنّهم‌ كذّبوك‌ و أخرجوك‌ و قاتلوك‌ فمكّني‌ من‌ فلان‌ ـ لقريب‌ أم‌ نسيب‌ له‌ ـ فأضرب‌ عنقه‌، و مكِّنْ علياً من‌ أخيه‌ عقيل‌ فيضرب‌ عنقه‌، و مكِّنْ حمزةَ من‌ أخيه‌ العباّاس‌ فيضرب‌ عنقه‌.

 الرجوع الي الفهرس

تفسير العلاّمة‌ السيّد شرف‌ الدين‌ العاملي‌ّ قدّس‌ الله‌ سرّه‌ حول‌ هذه‌ الآية‌

 يقول‌ ءاية‌ الله‌ العاملي‌ هنا: يا سبحان‌ الله‌ لم‌ يكن‌ عبّاس‌ و لاعقيل‌ ممّن‌ كذّبوا رسول‌ الله‌، و لا ممّن‌ أخرجوه‌، و لا ممّن‌ آذوه‌، و قد كانوا معه‌ في‌ الشعب‌ أيّام‌ حصرهم‌ فيه‌ يكابدون‌ معه‌ تلك‌ المحن‌، و قد اُخرجا الي‌ بدر كرهاً بشهادة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ لهما بذلك‌. و نهي‌ رسول‌ الله‌ عن‌ قتلهم‌ و الحرب‌ قائمة‌ علي‌ ساقها، فكيف‌ يقتلان‌ و هما أسيران‌ ؟ و إذا كان‌ تضوّر العبّاس‌ أقلق‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و ءاله‌ و سلّم‌ و منعه‌ النوم‌ فما ظنّك‌ بقتله‌ صبراً بلا مقتض‌ لذلك‌، فانّ العبّاس‌ كان‌ من‌ قبل‌ ذلك‌ مسلماً، و انّما كتم‌ إسلاحه‌ لحكمة‌ كان‌ لله‌ و رسوله‌ فيها رضاً، و له‌ للاُمة‌ فيها صلاح‌. [10]

 و يقول‌ ءاية‌ الله‌ العاملي‌ رحمة‌ الله‌ أيضاً:

 لمّا نصر الله‌ عزّوجلّ عبده‌ و رسوله‌ يوم‌ الفرقان‌ يوم‌ التقي‌' الجمعان‌ في‌ بدر، و جي‌ء بالاسري‌' إليه‌، علم‌ من‌ عزمه‌ أنّه‌ سيبقي‌ عليهم‌، أملاً بأن‌ يهديهم‌ الله‌ ـ فيما بعد ـ لدينه‌، و يوفّقهم‌ لما دعا اليه‌ من‌ سبيله‌ ـ كما قوع‌ ذلك‌ والحمدلله‌ ـ و هذا هو النصح‌ لله‌ تعالي‌ و لعباده‌.

 لكن‌ قرّر رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ ـ مع‌ العفو عنهم‌ ـ أخذ الفداء منهم‌ ليضعفهم‌ عن‌ مقاومته‌، وي‌ قوي‌ به‌ عليهم‌، و هذا هو الاصلح‌ في‌ الواقع‌ للفريقين‌، و فيه‌ النصح‌ لله‌ تعالي‌ و لعباده‌ أيضاً كما لايخفي‌ وَ مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوي‌'´ إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيُّ يُوْحَي‌' علي‌ أنّه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ كان‌ مطبوعاً علي‌ الرحمة‌ ما وجد إليها سبيلا.

 و كان‌ من‌ رأي‌ عمربن‌ الخطاب‌ أن‌ يقتلوا بأجمعهم‌، جزاءً بما كذّبوا و آذوا و همّوا بما لم‌ ينالوا، و أخرجوا و قاتلوا، و كان‌ قوي‌ العزيمة‌ شديد الشكيمة‌ في‌ استئصالهم‌ قتلاً بأيدي‌ أرحامهم‌ من‌ المسلمين‌، حتي‌ لايبقي‌' منهم‌ أحد.

 لكنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ مثل‌ فيهم‌ كلمته‌ التي‌ حكاها الله‌ تعالي‌ عنه‌ في‌ محلم‌ فرقانه‌ العظيم‌ ألا و هي‌ قوله‌: إِنْ اتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَي‌'´ إلَی إِنِّي‌ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي‌ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. [11]

 فخلّي‌ سبيلهم‌ ـ عفواً عنهم‌ و كرماً ـ بعد أن‌ أخذ منهم‌ الفداء، فكان‌ الجاهلون‌ بعصمته‌ و حمته‌ بعد ذلك‌ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي‌ يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ انّما كان‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ في‌ بقياه‌ عليهم‌، و أخذه‌ الفداء منهم‌ مجتهداً، و كان‌ الصواب‌ قتلهم‌ و استئصال‌ شأفتهم‌، محتجين‌ بأحاديث‌ مفتأتة‌ لايجيزها عقل‌ و لانقل‌.

 فمنها: أنّ عمر غدا علي‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ بعد أخذه‌ الفداء فإذا هو و أبوبكر يبكيان‌ فقال‌: ما يبكيكمان‌ فإن‌ وجدت‌ بكاء بكيت‌ و إلاّ بتاكيت‌ لبكائكما. فقال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌: إِن‌ كَادَ لَيَمَسُّنَا فِي‌ خِلاَفِ ابْنِ الْخطَّابِ عَذَابٌ عَظِيمٌ، وَ لَوْ نَزَلَ عَذَابٌ مَا أَفْلَتَ مِنْهُ إلاَّ ابْنُ الْخَطَّابِ. [12]

 قالوا: و انزل‌ الله‌ تعالي‌: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَي‌' حَتّي‌' يُثْخِنَ فِي‌ الاْرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَهُ يُرِيدُ الاْخِرَةَ وَاللَهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْ لاَ كِتَـ'بٌ مِّنَ اللَهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ.[13].... الآيات‌.

 يقول‌ السيد شرف‌ الدين‌ هنا: وَ مَا قَدَرُواْ اللَهَ حَقَّ قَدْرِهِ [14]  إذ أمعنوا في‌ا لتيه‌. فجوّزوا الاجتهاد علي‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ والله‌ تعالي‌ يقول‌: إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوْحَي‌'[15]´ و قد أوغلوا في‌ الجهل‌ إذ نسبوا إليه‌ الخطأ، و تسكعوا في‌ الضلام‌، إذ آتروا قول‌ غيره‌، واشتبهت‌ عليهم‌ ـ في‌ هذه‌ الآية‌ ـ معالم‌ القصد، و عميت‌ لديهم‌ ـ فيها ـ وجوه‌ الرشد، فقالوا بنزولها في‌ التنديد برسول‌ الله‌ و أصحابه‌، حيث‌ آثروا ـ بزعم‌ هؤلإ الحمقي‌ ـ عَرَضَ الدنيا علي‌ الآخرة‌ فاتّخذوا الاسري‌، و أخذوا منهم‌ الفداء قبل‌ أن‌ يثخنوا في‌ الارض‌، و زعموا.نّه‌ لم‌ يسْلَم‌ يومئذٍ من‌ هذه‌ الخطيئة‌ الاّ عمر، و أنّه‌ لو نزل‌ العذاب‌ لم‌ يفلت‌ منه‌ إلاّ ابن‌ الخطّاب‌.

 و كذب‌ من‌ زعم‌ أنّه‌ اتّخذ الاسري‌ و أخذ منهم‌ الفداء قبل‌ أن‌ يُثخن‌ في‌ الارض‌، فانّه‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ انّما فعل‌ ذلك‌ بعد أن‌ أثخن‌ في‌ الارض‌، و قتل‌ صناديد قريش‌ و طواغيتها كأبي‌ جهل‌ بن‌ هشام‌، و عتبة‌، و شيبة‌ بن‌ أبي‌ ربيعة‌، و الوليد بن‌ عتبه‌، و العاس‌ بن‌ سعيد...

 و بعد أن‌ يذكر صاحب‌ الكتاب‌ خسمة‌ و ثلاثين‌ من‌ أسماء المقتولين‌ واحداً بعد واحداً يقول‌: الي‌ سبعين‌ من‌ رؤساء الكفر و زعماء الشرك‌ كما هو معلوم‌ بالضرورة‌، فكيف‌ يمكن‌ بعد هذا أن‌ يكون‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ قد أخذ الفداء قبل‌ أن‌ يثخن‌ في‌ الارض‌ لو كانوا يعقلون‌ ؟ و كيف‌ يشاو له‌ هذا اللوم‌ بعد اثخانه‌ يا مسلمون‌ ؟! و قد تنزَّه‌ رسول‌ الله‌ و تعالي‌ الله‌ عن‌ ذلك‌ علوّاً كبيراً.

 الرجوع الي الفهرس

إنّ هذه‌ الآية‌ حول‌ أسر وعير وقافلة‌ أبي‌ سفيان‌، لا حول‌ النفير والاسر

 و الصواب‌ أنّ الآية‌ أنّما نزلت‌ في‌التنديد بالذين‌ كانوا يودّون‌ العير و أصحابه‌ علي‌ ما حكاه‌ الله‌ تعالي‌ عنهم‌ في‌ قوله‌ ـ عن‌ هذه‌ الواقعة‌ ـ عزّ من‌ قائل‌: وَ إذّ يَعِدُكُمْ اللَهُ إِحْدَي‌' الطَّائِفَتَيْنِ أَتَتْهَا لَكُمْ وَ تَودُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَ يُرِيدُ اللَهُ أَن‌ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَـ'تِهِ وَ يَقْطَعَ دَابِرَ الْكَـ'فِرينَ.[16]

 

 و كان‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ قد أستشار أصحابه‌ فقال‌ لهم‌: إنّ القوم‌ قد خرجوا علي‌ كلّ صعب‌ و ذلول‌ فما تقولون‌ ؟ العير أحبّ إليكه‌ أم‌ النفير ؟ قالوا: بل‌ العير أحبُّ إلينا من‌ لقاء العدوّ.

 و قال‌ بعضهم‌ حين‌ رآه‌ صلّ) الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ مصرّاً علي‌ القتال‌: هلّ أذكرت‌ لنا القتال‌ لتتأهب‌ له‌ ؟ إنّا خرجنا للعير لا للقتال‌، فتغيّر وجه‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌، فأنزل‌ الله‌ تعالي‌: كَمَآ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَ أَنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤمِنينَ لَكَـ'رِهُونَ * يُجَـ'دِلُونَكَ فِي‌ الْحَقَّ بَعْدَ مَا يَتَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إلَی‌ الْمَوْتِ وَ هُمْ يَنظُرُونَ.[17]

 و حيث‌ أراد الله‌ عزّوجلّ أن‌ يقنعهم‌ بمعذرة‌ النبي‌ صلّ) الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ في‌ إصراره‌ علي‌ القتال‌، و عدم‌ مبالاته‌ بالعير و أصحابه‌ قال‌ عزَّ من‌ قائل‌ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ من‌ الانبياء المرسلين‌ قبل‌ نبيّكم‌ محمّد صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَي‌' حَتّي‌' يُثْخِنَ فِي‌ الاْرْضِ فنبيّكم‌ لا يكون‌ له‌ أسري‌ حتّي‌ يثخن‌ في‌ الارض‌ علي‌ سنن‌ غيره‌ من‌ الانبياء الذين‌ اتّخذوا أسري‌ و لذلك‌ لم‌ يبال‌ اذ قام‌ اسري‌ ـ أبي‌ سفيان‌ و أصحابه‌ حين‌ هربوا بعيرهم‌ الي‌ مكّة‌، لكنّكم‌ أنتم‌ تُريدُونَ إذ تودّون‌ أخذ العير و أسر أصحابه‌ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَهُ يُرِيدُ الاْخِرَةَ باستئصال‌ ذات‌ الشوكة‌ من‌ أعدائه‌ وَاللَهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ والعزّة‌ و الحكمة‌ تقتتضيان‌ يومئذٍ اجتثاث‌ عزّ العدوّ، و إطفاء جمرته‌، ثمّ قال‌ تنديداً بهم‌ لَوْ لاَ كِتَـ'بٌ مِّنَ اللَهِ سَبَقَ في‌ علمه‌ الاذلي‌ بأن‌ يمنعكم‌ من‌ أخذ العير و أسر أصحابه‌ لاسرتم‌ القوم‌ و أخذتم‌ عيرهم‌، و لو فعلتم‌ ذلك‌ لَمَسَّكُمْ فِيمَآ أَخَذْتُمْ قبل‌ أن‌ تثخنوا في‌ الارض‌ عَذَابٌ عَظِيمٌ.

 ويقول‌ هنا آية‌ الله‌ العاملي‌: هذا معني‌ الآية‌ الكريمة‌، و م‌ يصحّ حملها علي‌ غيره‌، علي‌ أنّي‌ لا أعلم‌ أحداً سبقني‌ إليه‌، إذ أوردت‌ الآية‌ و فسّرتها في‌الفصل‌ الثامن‌ من‌ «الفصول‌ المهمّة‌» [18]

 ذهب‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ وب‌ دعوة‌ عبدالله‌ بن‌ أبيّ الي‌ عيادة‌ أبيه‌ عبدالله‌ بن‌ أبي‌ و صلّي‌ عليه‌ بعد موته‌ أيضاً و طلب‌ له‌ المغفرة‌، فنزلت‌ عندها هذه‌ الآية‌:

 مَا كَانَ لِلنَّبِيّ وَالَّذِينَ ءَامَنُو´ا أَن‌ يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كَانُواْ أَوْلِي‌ قُرْبَي‌' مِن‌ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَـ'بُ الْجَحِيمِ. [19]

 يَـ'أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمْ مَآ أَحَلَّ اللَهُ لَكَ تَبْتَغِي‌ مَرْضَاتَ اَزْوَاجِكَ وَاللَهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. [20]

 استأذنت‌ حَفْصة‌ يوماً من‌ رسول‌ الله‌ و خرجت‌ الي‌ بيت‌ أبيها، فجاءت‌ مارية‌ القبطية‌ جارية‌ رسول‌ الله‌ الي‌ حجرة‌ حفصة‌ ـ و قد ذكرنا سابقاً خصوصيّات‌ قصّة‌ مارية‌ القبطية‌ ـ و قد قام‌ رسول‌ الله‌ طبقاً لبعض‌ الروايات‌ بمضاجعة‌ مارية‌ هناك‌، و في‌ هذه‌ الاثناء رجعت‌ حفصة‌ الي‌ حجرتها فوجدت‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ مع‌ مارية‌، فقامت‌ بالصياح‌ و العويل‌ متهمة‌ النبيّ بأنّه‌ قد أهانها و حفّر شأنها و منزلتها إذ أنّه‌ مناجع‌ جارية‌ في‌ حجرتها و التي‌ هي‌ حقّها.

 انظر الآن‌ الي‌ هذا الصياح‌ و الضجيج‌ و البكاء مع‌ ذلك‌ الحياء الذي‌ كان‌ معروفاً عن‌ النبيّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌، والذي‌ ورد في‌ الاحاديث‌ و التواريخ‌ بشكل‌ مستفيض‌، عندها سوف‌ ترون‌ أي‌ وضع‌ قد مرَّ علي‌ النبيّ، و نتعرّض‌ لذلك‌ الامر بشكل‌ مختصر ثمّ نتجاوز عنه‌.

 طلب‌ النبي‌ هنا ـ وفقاً لبعض‌ الروايات‌ ـ من‌ حفصة‌ أن‌ تسكت‌.

 و نقلو: أفي‌ مضاجعة‌ الإنسان‌ جاريته‌ ذنبَ ؟ و أنتِ من‌ أين‌ جئت‌ بهذا البيت‌ ؟ فهل‌ وصل‌ إليك‌ من‌ ملك‌ أبيك‌ ؟ انّ هذا البيت‌ هو بيت‌ النبي‌، و الحجرة‌ هي‌ له‌، ثمّ انّك‌ لم‌ تكوني‌ في‌ حجرتك‌، بل‌ كنت‌ قد ذهبت‌ الي‌ منزل‌ أبيك‌، ثم‌ عدت‌ ـ الآن‌ من‌ غير سبب‌، علي‌ أنّ مضاجعة‌ الإنسان‌ لجاريته‌ حلال‌، و أيّ ذنب‌ في‌ ذلك‌ ؟ لاحظوا أيّة‌ مصائب‌ مرّت‌ علي‌ النبيّ، انّ هؤلإ هم‌ الذين‌ أخرجوا مارية‌ من‌ المدينة‌ لكي‌ لايستطيع‌ النبيّ الوصول‌ إليها بشكل‌ من‌ الاشكال‌.

 الرجوع الي الفهرس

تفسير آية‌:  يَـ'´أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللَهُ لَكَ تَبْتَغِي‌ مَرْضَاتَ أَزْوَ ' جِكَ

 و علي‌ كلّ حال‌، فقد طلب‌ النبيّ منها عدم‌ إحداث‌ أي‌ ضجيج‌ و عاهدها أن‌ لا يضاجع‌ مارية‌ مرّة‌ اُخري‌. و لذا حرَّم‌ مارية‌ علي‌ نفسه‌، فنزلت‌ الآية‌:

 يَـ'أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللَهُ لَكَ، انّ جاريتك‌ حلال‌ لك‌ فلِمَ حرّمتها علي‌ نفسك‌ ؟! تَبْتَغِي‌ مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ * وَاللَهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ.

 عَفَا اللَهُ عَنكَ لِمَ أَذِنِتَ لَهُمْ حَتَّي‌' يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ تَعْلَمَ الْكَـ'ذِبِينَ. [21]

 عندما خرج‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ الي‌ غزوة‌ تبوك‌ أمر بالتعبئة‌ العاقة‌ (حيث‌ انّ قصّة‌ و مسألة‌ المنافقين‌ طويلة‌ جدّاً، إذ انّ الذهاب‌ الي‌ الحرب‌ كان‌ صعباً عليهم‌ للغاية‌، فقد كان‌ الفصل‌ صيفاً، و الهواء حارّاً، و المسافة‌ بعيدة‌، و الذهاب‌ و الرجوع‌ عسير جدّاً، و كانت‌ التعبئة‌ أيضاً تعبئة‌ عامّة‌). فجاء بعض‌ المنافقين‌ الي‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ و تمسّكوا بمختلف‌ الاغدار، فقال‌ بعضهم‌: أنا عريض‌ و لا استطيع‌ المجيّ معكم‌ فأذن‌ لي‌ يا رسول‌ بالبقاء بالمدينة‌، و جاء آخر و تعلّل‌ بعذر ءاخر للنبيّ بشكل‌ مفصّل‌، مقدّماً و مؤخّراً، مبيّناً عدم‌ طاقته‌ علي‌ ذلك‌، و أن‌ ضعف‌ بدنه‌ يمنعه‌ من‌ المشاركة‌، و أنّه‌ لا يتمكّن‌ طيّ كل‌ تلك‌ المسافة‌ الطويلة‌. و خلاصة‌ الامر فانّ هؤلإ المنافقين‌ المعروفين‌، و الذين‌ لم‌ تكن‌ أعدادهم‌ كثيرة‌ جدّاً بالطبع‌، لكنّهم‌ كانوا جماعة‌ معتدّاً بها. حين‌ جاءوا الي‌ النبيّ و استأذنوه‌ بترك‌ الذهاب‌، فأذن‌ لهم‌ النبيّ بإشارة‌ من‌ رأسه‌، فنزلت‌ الآية‌:

 عَفَا اللَهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّي‌' يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَ تَعْلَمَ الْكَـ'ذِبِينَ.

 انظر الي‌ حالة‌ الحياء والخجل‌ و الجلالة‌ و سعته‌ الصدر عند النبيّ، ففي‌ نفس‌ الوقت‌ الذي‌ كان‌ يريد فيه‌ الذهاب‌ الي‌ معركة‌ تبوك‌، الحرب‌ التي‌ وقع‌ جميع‌ مسؤوليتها علي‌ عاتقه‌، جاءه‌ شخص‌ طالباً منه‌ الاّذن‌ متلّلاً بمرض‌ أو عذر فلو لم‌ يسمح‌ له‌ النبيّ لقا كم‌ هو قاسي‌ القلب‌ و عديم‌ الرحمة‌ هذا الرجل‌ فهو يأخذ الجميع‌ الي‌ الحرب‌ حتّي‌ انّي‌ ـ أنا المريض‌ ـ أطلب‌ منه‌ الإذن‌ للبقاء في‌ المدينة‌ فيمتنع‌ عن‌ ذلك‌.

 و من‌ جهة‌ أخري‌ فانّه‌ ما إن‌ يأذن‌ لهؤلإ الاشخاص‌ المعدودين‌ حتي‌ يصل‌ هذا الخطاب‌ العجيب‌ عَفَا اللَهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ.

 فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَ مَن‌ تَابَ مَعَكَ وَ لاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْلَمُونَ بَصِيرٌ. [22]

 الرجوع الي الفهرس

تفسير آية‌: وَإذْ أَخَذْنَا مِن‌ النَّبِيِّــِنَ مِّيثَـ'قَهُمْ وَمِنكَ وَمِن‌ نُّوحٍ وَإِبْر ' هِيمَ وَ...

 و قد ورد في‌ الرواية‌ أنّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ قال‌: شَيَّبَتَنِي‌ هُودٌ وَ أَخَوَاتُهَا (سوره‌ هود و أخواتها التي‌ تشتمل‌ علي‌ لفظ‌ اسْتَقِمْ ») لقد كان‌ لفظ‌ «استقمْ» مهمّاً الي‌ هذه‌ الدرجة‌ التي‌ شيّبني‌ فيه‌.

 وَإذْ أَخَذْنَا مِن‌ النَّبِيِّئِنَ مِّيثَـ'قَهُمْ وَ مِنكَ وَ مِن‌ نُّوحٍ وَ إِبْراهِيمَ وَ مُوسَي‌' وَ عِيسَي‌' ابْنِ مَرْيَمَ وَ أَخَذْنَا مِنهُمْ مِّيثَـ'قاً غَلِيظاً * لِّيَسْئَلَ الصَّـ'دِقِينَ عَن‌ صِدْقِهِمْ وَ أَعَدَّ لِلْكَـ'فِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً. [23]

 إن‌ الانبياء ليسوا اشخاصاً عاديّين‌ بل‌ انّهم‌ جاوزوا مراتب‌ حتي‌ لايتخطّوا شيئاً لا في‌ الظاهر و لا في‌ الباطن‌ و لا في‌ المدركات‌ و لا في‌ المخيّلات‌ و يجب‌ أن‌ يكونوا في‌ جميع‌ المراتب‌ صادقين‌ مستقيمين‌ الي‌ جدّ يكونوا معلّمين‌ لعالم‌ الانسانية‌ الي‌ يوم‌ القيامة‌.

 مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن‌ يُؤْتِيَهُ اللَهُ الْكِتَـ'بَ وَالْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِّي‌ مِن‌ دُونِ اللَهِ وَ لَـ'كِن‌ كُونُوا رَبَّـ'نِيِّنَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتـ'بَ وَ بِمَا كُنتُمْ تَدْرِسُونَ. [24]

 جميع‌ الانبياء يقولون‌ أطيعوا أمرالله‌، و حيثما قالوا أطيعوا أمرنا نحن‌، فذلك‌ لانّ أمرهم‌ أمرالله‌، و إذ قال‌ نبيّ أطيعوا أمري‌، و قام‌ بفصل‌ أمره‌ عن‌ الله‌، و كان‌ حين‌ قوله‌ «اطيعوا أمري‌» ملتفتاً الي‌ نفسه‌، فإنّ أمره‌ يكون‌ خلاف‌ النبوّة‌ و الحكم‌ و الكتاب‌ الذي‌ وهبه‌ الله‌ إيّاه‌.

 و أساساً فانّ الإنسان‌ الذي‌ أعطاه‌ الله‌ الكتاب‌ و الحكم‌ و النبوّة‌، له‌ ذلك‌ الشأن‌ و الموقع‌ ليقول‌ للناس‌ كونوا عباداً لي‌، نفذّوا أمري‌، و نهي‌ أنا سلطانكم‌ و حاكمكم‌ و ملككم‌، و أنّي‌ نبيّ فانّ عليكم‌ أن‌ تكونوا عباداً و أرقاً إلي‌. كلاّ أبداً فالامر ليس‌ كذلك‌.

 و عليه‌ فانّ علماء اليهود والنصاري‌ الذين‌ دعوا الناس‌ الي‌ عبادتهم‌ و جعلوا أنفسهم‌ القادة‌ و جعلوا الناس‌ أتباعاً لهم‌ انّما عملوا خلافاً لموسي‌ و عيسي‌ و سائر الانبياء عليهم‌ السلام‌، و انّهم‌ خالفوهم‌ في‌ سنّتهم‌. إنّة‌م‌ ـ و من‌ طريق‌ منحرف‌ ـ دعوا الناس‌ الي‌ عبادتهم‌ بدلاً من‌ دعوتهم‌ الي‌ عبادة‌ الله‌ سبحانه‌ و إطاعته‌.

 وَ لَـ'كِنْ كُونُوا رَبَّـ'نِيّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَـ'بَ وَ بِمَا كُنتُمْ تُدْرُسُونَ.

 الرّباني‌ لها معنيان‌: الاول‌ بمعني‌ المربّي‌، و الآخر منسوب‌ الي‌ الربّ، فالربّاني‌ يعني‌: إلهيّ. فكونوا أنتم‌ يا علماء اليهود و النصاري‌' ربّانيين‌، أي‌ علماء منسوبين‌ الي‌ الله‌، علماء إلهيين‌، و لا تصيروا علماء شقاوة‌ و فرعنة‌ و مصدر أمر و نهي‌ لانفسكم‌، تدعون‌ الناس‌ ليسجدوا لكم‌ و لتعظيم‌ أوامركم‌؛ فهذا غلط‌.

 أو كونوا مربّيين‌ لانّكم‌ تعلّمون‌ الكتب‌ السماوية‌ و تعرفون‌ مضامينها، فبناءً عليه‌ قوموا بتربية‌ الناس‌ و ادعوهم‌ الي‌ الحقّ.

 كانت‌ هذه‌ المجموعة‌ من‌ ءايات‌ القرآن‌ ذكرناها لكي‌ نتعرف‌ علي‌ حقيقة‌ النبيّ و موقعيته‌ و أمره‌ و نهيه‌ و ولايته‌. و لا نتوهم‌ و العياذ بالله‌ ـ أنّ كون‌ النبيّ له‌ ولاية‌ فهذا يعني‌ أنّه‌ يستطيع‌ أن‌ يقوم‌ بأي‌ عمل‌ موافق‌ لذوقه‌ و مزاجه‌، وي‌ قوم‌ بأصدار أي‌ أمر و نهي‌، فهذا غلط‌. فجميع‌ أعمال‌ النبيّ قائمة‌ علي‌ الدقّة‌ و محسوبة‌، و هو مطيع‌ لامر الله‌ بنحو لاينحاز به‌ عن‌ موقعه‌ قيد شعرد، و لا يحصل‌ في‌ داخله‌ أي‌ تردّد، و لا يحدث‌ في‌ هذا الماء الصافي‌ أنّه‌ أمواج‌، و حالة‌ السكون‌ و الهدوء التي‌ حصّلها نتيجة‌ ارتباطه‌ بعالم‌ الغيب‌ لا تواجه‌ أي‌ اختلال‌ و اضطراب‌ إنّ النبيّ عبد أمام‌ أوامر الله‌، يأمر و ينهي‌ بما يأمر و ينهي‌ الله‌ تبارك‌ و تعالي‌'. و هذه‌ هي‌ حقيقة‌ ولاية‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌ كما انّ ولاية‌ أميرالمؤمنين‌ و الائمّة‌ عليهم‌ السلام‌ بهذه‌ الصورة‌، فولاية‌ المعصوم‌ هي‌ ولاية‌ الله‌، و ليس‌ لهم‌ من‌ أنفسهم‌ أمر و نهي‌.

 نعم‌ لقد كان‌ النبيّ نفسه‌ مصدراً للتشريع‌ في‌ جزئيات‌ الاحكام‌، لكنّ الائمّة‌ ليسوا مصدراً للتشريع‌، و أوامرهم‌ منحصرة‌ بالاوامر الاجتماعية‌ و الولايتة‌ و بيان‌ سنّة‌النبيّ والقرءان‌ و تفسيره‌ و تأويله‌ فقط‌. و جميع‌ الاوامر الصادرة‌ عنهم‌ هي‌ نفس‌ أوامر النبيّ و أوامر الله‌ سبحانه‌، و ناشئة‌ عن‌ عبودية‌ محضة‌. إنّ الائمّة‌ عبيد لله‌ و متواضعون‌ إلي‌ درجة‌ انّهم‌ يجلسون‌ علي‌ التراب‌، و لا يُعقل‌ في‌ وجودهم‌ ذرّة‌ من‌ الانانيّة‌ والشخصيّة‌ و الإنيّة‌ والإحساس‌ بشي‌ء من‌ أنفسهم‌، و إلاّ لكانوا كسائر أفراد الناس‌، و لم‌ يكن‌ ثمّة‌ فرق‌ بينهم‌ و بين‌ الناس‌. و هذا المقام‌ مقام‌ كريم‌ جدّاً جدّاً، و هو متعلّق‌ بالائمّة‌ الاثني‌ عشر الذين‌ وردت‌ أسمائهم‌ في‌ الروايات‌، فانّهم‌ خصوصاً مصدر لمقام‌ العصمة‌ و الولاية‌ الكليّة‌ المطلقة‌ الإلهيّة‌، و قد تجاوزوا جميع‌ شؤون‌ أنفسهم‌ و تحقّقوا بالحقّ.

 الرجوع الي الفهرس

وصيّة‌ أمير المؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ أن‌: اضربوا قاتلي‌ ضربة‌ واحدة‌ فقط‌

 و أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ مع‌ كلّ تلك‌ القدرة‌ وا لمُكْنة‌ و السيطرة‌ و الامر و النهي‌ و الاصحاب‌ المصخّين‌ الذين‌ كانوا يسلّمون‌ لامره‌ و نهيه‌ من‌ أعماق‌ أرواحهم‌ و قلوبهم‌ لم‌ يعمل‌ مطلقاً بغير سنّة‌ النبيّ و كتاب‌ الله‌، و لم‌ يتخطَّ عنها أبداً.

 فهو يوصي‌: إن‌ أنا قُتلت‌ فاقتلوا قاتلي‌ فقط‌ و إن‌ شئتم‌ فاعنوا عنه‌ أيضاً، و إن‌ عفوتم‌ فهو أفضل‌ لكم‌ لانّ الله‌ يجبّ أهل‌ العفو، و إن‌ نجوتُ من‌ هذه‌ الضربة‌ ر.يتُ فيه‌ رأيي‌، فإن‌ شئت‌ أن‌ أقاصّه‌، فضربةُ بضربة‌، و إن‌ شئت‌ أن‌ اعفو عنه‌ عفوت‌، و شاعفو عنه‌ بالطبع‌.

 و هذه‌ أيضاً عبارة‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ أيضاً التي‌ قالها في‌ حياته‌، لقد جاء اليه‌ البعض‌ مراراً و طلب‌ منه‌ قتل‌ ابن‌ ملجم‌ حيث‌ يعلم‌ يقيناً أنّه‌ قاتله‌. فكان‌ جوابه‌ عليه‌ السلام‌: إنّه‌ لم‌ يصدر منه‌ جناية‌ بعد، و لايمكن‌ الاقتصاص‌ من‌ الإنسان‌ قبل‌ وقوع‌ الجناية‌.

 هذا بلحاظ‌ الحكم‌ الظاهري‌، و أمّا بلحاظ‌ الحكم‌ الباطني‌: ءَأقْتُلُ قَاتِلِي‌ ؟ فهل‌ يمكن‌ تصوّر هذا المعني‌ أساساً ؟ إذا كان‌ ابن‌ ملجم‌ هو قاتلي‌ فانّني‌ لا استطيع‌ أن‌ أقتله‌، فهو الذي‌ يجب‌ أن‌ يقتلني‌، فلو قتلته‌ لم‌ يكن‌ هو قاتلي‌ و إنّما أنا قاتله‌، و أكون‌ قد قتلت‌ شخصاً برئياً. و هذا هو برهان‌ أميرالمؤمنين‌ الذي‌ ورد في‌ روايات‌ مختلفة‌.

 و في‌ جميع‌ الموارد التي‌ رأينا فيها أنّ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ يصدر حكماً فانّما كان‌ حكمه‌ علي‌ أساس‌ الكتاب‌ و السنّة‌.

 الرجوع الي الفهرس

 مفاد ومعني‌: إنَّا لَمْ نُحَكِّمِ الرِّجَالَ وَإنَّمَا حَكَّمْنَا القُرآنَ

في‌ قضيّة‌ تحكيم‌ الحكمين‌ أشكل‌ عليه‌ البعض‌: إنّك‌ قد حكّمت‌ فلان‌. فقال‌ عليه‌ السلام‌: إنّا لم‌ نُحَكِّم‌ الرِّجَالز، و إِنَّمَا حَكَّمْنَا الْقُرءانَ، وَ هَذَا القُرْءَانُ إنَّما هُوَ خَطُّ مُسْتُورٌ بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ لاَ يَنْطِقُ لِلِسَانٍ وَ لاَبُدَّ لَهُ مِنْ تَرْجُمَانٍ [25]

 قال‌ السيّد الرضي‌ رضوان‌ الله‌ عيه‌: رُوِيَ أَنَّ أميرُالمُؤمِنينَ عَلَیهِ السَّلامُ كَانَ جَالِساً فِي‌ أصْحَابِهِ فَمَرَّتْ بِهِمْ إمْرَأةٌ جَمِيلَةٌ فَرَمَقَهَا الْقَوْمُ بِأبْصَارِهِمْ. فَقَالَ عَلَیهِ السَّلامُ: إِنَّ أَبْصَارَ هَذِهِ الْفُحُولِ طَوامِحُ، [26] وَ إنَّ ذَلِكَ سَبَبُّ هَبَابِهَا. أي‌ أن‌ كون‌ هذه‌ الابصار طوامح‌ يوجب‌ هيجانهم‌ النفسي‌ و الفكري‌، و أنّهم‌ تبعاً للخواطر التي‌ حملوها حينما مرّت‌ هذه‌ المرأة‌ سوف‌ يتعرضون‌ للاثارة‌.

 فَإذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إلَي‌ إمْرَأة‌!ٍ تُعْجِبُهُ فَلْيُلاَمِسْ أَهْلَهُ، فَإنَّمَا هِيَ إمْرَةٌ كَامْرِأَةٍ

 و هذا أمر عجيب‌ ؟ أي‌ أنّه‌ بمجرّد ملامسته‌ أهله‌ فانّ جميع‌ هذه‌ الخواطر و جميع‌ هذا الهيجان‌ سيتلاشي‌.

 فَقَالَ رَحُلٌ مِنَ الْخَوارِجِ: قَاتَلَهُ اللَّهُ كَافِراً مَا أَفْقَهَهُ ؟ فزوَثَبَ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ. فَقَالَ عَلَیهِ السَّلاَمُ: رُوَيْداً ! إنَّمَا هُوَ سَبٌ بِسَبِّ أَوْ عَفْوٌ عَنْ ذَنْبٍ. [27]

 فأكرمْ به‌ إماماً ! تأمّلوا علمه‌ و درايته‌ و كيف‌ أوضح‌ الامر بحُسن‌ و جلإ و هذا هو السبب‌ في‌ أنّ الإسلام‌ قد بالغ‌ في‌ التوصيّة‌ بالنكاح‌ والزواج‌، فكل‌ مَن‌ يتزوّج‌ يُحفظ‌ من‌ جيمع‌ المفاسد، أيّاً كانت‌ المرأة‌ التي‌ يتزوجها، فانّ المرأة‌ عصمة‌ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَ أَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ.[28]  المرأة‌ لباس‌ و عطاء للرجل‌، والرجل‌ لباس‌ و ساتر لعيوب‌ للمرأة‌. و الشخص‌ المتزوّج‌ لايسرح‌ فكره‌ بأي‌ اتجاه‌، و م‌ تعود تنطبق‌ عليه‌ عبارة‌ إنَّ أبْصَارَ هَذِهِ الْفُحُولِ طَوَامِحٌ. أمّا إذا شُدَّ طريق‌ الزواج‌ و تخلّي‌ الناس‌ عن‌ ذلك‌ و أرادوا عندها ترتيب‌ الامر بالمناهج‌  الدستورية‌  فانّ  ذلك‌  غير  ممكن‌ ،  و  ستظل‌  القافلة‌  واقفة‌  الي‌  الحشر.

 يقول‌ عليه‌ السلام‌ ل معقل‌ بن‌ قيس‌ الرياحي‌ في‌ وصيّة‌ له‌ عند ما أرسله‌ علي‌ رأس‌ ثلاثد ءآلاف‌ رجل‌ في‌ مقدمة‌ جيشه‌ الي‌ الشام‌: اتَّقِ اللَهَِ الَّذِين‌ لاَبُدَّ لَكَ مِنْ لِقَائِهِ وَ لاَ مُنْتَهَي‌' لكَ دُونَهُ، وَ لاَ تُقَاتِلَنَّ إلاَّ مَنْ قَاتَلَكَ. [29]

 و يقول‌ كذلك‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌ وصيّة‌ الطويلة‌ للإمام‌ الحسن‌ و الإمام‌ الحسين‌ و جيمع‌ المؤمنين‌ حين‌ ضربته‌: يَا بَني‌ عَبْدِالْمُطَّلِبِ لاَ أُلْفِيَنَّكُمْ تَخُوضُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ خَوْضاً ! تَقُولُونَ: قُتِلَ أَمِيرُالْمُومِنينَ، أَلاَ لاَ تَقْتُلُنَّ بِي‌ إلاَّ قَاتِلِي‌ !

 انْظُرُوا إذَا أَنَا مُتُّ مِنْ ضَرْبَتِهِ هَذِهِ، فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَةً بِضَرْبَةٍ، وَ لاَ يُمَثَّلُ بِالرَّجُلِ، فَإنّي‌ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَهِ صَلَّي‌ اللهُ عَلَیهِ وَ آلهِ وَ سَلَّمَ يَقُولُ: إِيَّاكُمْ وَالْمُثْلَةَ وَ لَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ. [30]

 مع‌ أنّ أميرالمؤمنين‌ علي‌ فراش‌ الموت‌، و في‌ تلك‌ الحال‌، مع‌ تلك‌ الجريمة‌ العظيمد التي‌ ارتكبها ابن‌ ملجم‌ حين‌ قضي‌' علي‌ حياته‌، و الخلاصة‌ أنّ جميع‌ هذه‌ الفتن‌ و جميع‌ هذا الفساد هو في‌ عنق‌ ابن‌ ملجم‌ و في‌ مسؤوليته‌، و مع‌ هذا يقول‌ أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌: انّي‌ اُريد أن‌ أطيع‌ حكم‌ الله‌ و حكم‌ رسوله‌، فإنّي‌ خاضع‌ لشريعة‌ و أمر رسول‌ الله‌ و لا اتجاوزه‌، قال‌: «ضَرْبَةً بِضَرْبَةٍ» إنّ قاتلي‌ ضربني‌ ضربة‌ واحدة‌ يجب‌ أن‌ أضربه‌ ضربد واحدة‌، فأنا أميرالمؤمنين‌، و أنا سيّد الوصييّن‌، و أنا زوج‌ البتول‌ فاطمة‌ الزهراء، أنا الشافع‌ الاكبر و لواء الحمد يوم‌ القيامة‌ بيدي‌، لكنّ هذه‌ المسائل‌ لا توجب‌ أن‌ اتعدّي‌ سنّة‌ رسول‌ الله‌، أو أتخطّي‌ حقّي‌ الذي‌ هو قتل‌ قاتلي‌، لقد ضربني‌ ضربة‌ فلا يحق‌ لكم‌ أن‌ تضربوه‌ ضربتين‌، كما لايحقّ لكم‌ أن‌ تقتلوا بي‌ غير قاتلي‌

 و من‌ وصيّة‌ عليه‌ السلام‌ لجيشه‌ قبل‌ بدء معركة‌ صفّين‌:

 لاَ تُقَاتِلُوهُمْ حَتَّي‌ يَبْدَؤُكُمْ؛ فَإنَّكُمْ بِحَمْدِ اللَهِ عَلَی‌ حُجَّةٍ؛ وَ تَرْكُكُمْ إيَّاهُمْ حَتَّي‌ يَبْدُْكُمْ حُجَّةٌ أُخْرَي‌ لَكُمْ عَلَیهِمْ !

 فَإذَا كَانَتِ الْهَزِيمَةُ بِإِذْنِ اللَهِ، فَلاَ تَقْتُلُوا مُدْبِراً، وَ لاَ تُصِيبُوا مَغْوِرأ، وَ لاَ تُجْهِرُوا عَلَی‌ جَرِيحٍ.

 وَ لاَتَهِيجُوا النِّسَاء بَأَذَيً وَ إِنْ تَشَمْنَ أَعْرَاضَكُمْ، وَ سَبَبْنَ أُمَرَاءَكُمْ، فَإنَّهُنَّ ضَعِيفَاتُ الْقُوَي‌' وَالاَنْفُسِ وَالْعُقُولِ. إِنْ كُنَّا لَنُوْمَرُ بِالْكَفِّ عَنْهُنَّ وَ إنَّهُنَّ لَمُشْرِكَاتٌ...

 فقد كانت‌ النساء علي‌ ظاهر الإسلام‌، و لايجوز إيذائهنَّ قطعاً، فلا شأن‌ لكم‌ مع‌ النساء، و شأنكم‌ مع‌ الرجال‌.

 وَ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَتَنَاوَلُ الْمَرأَةَ فِي‌ الْجَاهِلِيَّةِ بِالْفِهْرِ أَوِ الْهِرَاوَةِ فَيُعيَّرو بِهَا وَ عَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ. [31]

 أنتم‌ الآن‌ بحمدالله‌ مسلمون‌، و عليه‌ فلا شأن‌ لكم‌ بالنساء، و انّما توجهوا و قوموا بعملكم‌ و دعوا النساء تسبّكم‌، و حتي‌ إذا قمن‌ بسبّي‌ و شيتي‌. ـ أنا عليّ ـ فلا تتعرّضوا لهن‌، بل‌ قوموا لعملكم‌.

 إنّ جيش‌ الإسلام‌ يعمل‌ علي‌ أساس‌ العقل‌ لا علي‌ أساس‌ الانفعالات‌، و منطق‌ العقل‌ لدي‌ المسلم‌ يحكم‌ علي‌ منطق‌ الانفعالات‌.

 منطق‌ الانفعال‌ هو أن‌ يقوم‌ الإنسان‌ تحت‌ تأثير الانفعال‌ بردّ القول‌ السيّ بإساء القول‌ لمن‌ يوجدّ له‌ ذلك‌. و عندها يُنسي‌' الله‌، و يظهر فيه‌ الحسن‌ الانتقامي‌ و الإنانيّة‌ كذلك‌.

 أمّا إذا كان‌ العمل‌ علي‌ أساس‌ منطق‌ العقل‌ فانه‌ يلتزم‌ بما يدعو اليه‌ العقل‌ و يقوم‌ باكمال‌ العمل‌ الذي‌ أُمر به‌ الي‌ نهايته‌ و بشكل‌ حسن‌ ايضاً و لو تجاوز احاسيسه‌ اثناء العمل‌ فلو اساؤ اليه‌ القول‌ او شتموه‌ فلاينبغي‌ له‌ ان‌ يتجاوز موضعه‌ و إنما عليه‌ أن‌.... علي‌ وقاره‌ و احترامه‌.

 و لقد كان‌ هذا نهج‌ اميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ في‌العمل‌ فتري‌ انه‌ لم‌ يتخط‌ اوامره‌ الولايتة‌ أبداً، و كان‌ يري‌ نفسه‌ عبداً مأمورا لله‌ لا يميل‌ الي‌ هذه‌ الجهة‌.و تلك‌ أبداً أي‌ لا (افراط‌ و لا تفريط‌)، و إنّما كان‌ يخطو علي‌ مرارد الحق‌ و صلب‌ الواقع‌ و يسير بالناس‌ علي‌ خطي‌ النبيّ لكي‌ يوصلهم‌ الي‌ السعادة‌ الابدية‌.

 اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی‌ مُحَمَّدٍ وَ ءَالِ مُحَمَّد

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1]  ـ الآية‌  44 ، إلي‌'  47 ، من‌ السورة‌  69: الحاقة‌

[2] ـ الآية‌  73  إلي‌'  75 ، من‌ السورة‌  17: الإسراء

[3] ـ الآية‌  86 ، من‌ السورة‌  17: الإسراء

[4] ـ الآية‌  161 ، من‌ السورة‌  3: آل‌ عمران‌.

[5] ـ الآية‌  67  و  68 ، من‌ السورة‌  8: الانفال‌

[6] صدر الآية‌  4 ، من‌ السورة‌  47: محمّد

[7] ـ قال‌ العلاّمة‌ في‌ التعليقة‌: لكنّ قوله‌ تعالي‌ في‌ عتابهم‌  «تريدون‌ عرض‌ الدنيا» يخطي‌ء عبدية‌ في‌ قوله‌ الميزان‌ ص‌  9  ص‌  138

[8]  ـ الآية‌  70 ، من‌ السورة‌  8: الانفال‌

[9] ((المیزان فی تفسیر القرآن)) ج9،ص136إلی143.

[10]  ـ «النصّ و الاجتهاد» الطبعة‌ الثانية‌، ملّخصاً من‌ ص‌  239  الي‌ ص‌  245 ، المورد 47  و  48  من‌ موارد الاجتهاد في‌ مقابل‌ النصّ.

[11] ـ ذيل‌ الآية‌  15 ، من‌ السورة‌  10: يونس‌

[12] ـ «النص‌ والاجتهاد» طبع‌ دار النهج‌ لبنان‌، ص‌  243 ، نقلاً عن‌ الجزء الاول‌ من‌ «السيرة‌ النبوية‌» للدحلاني‌، ص‌  512. و تجد غير هذا اللفظ‌ ممّا هو في‌ معناه‌ في‌ السيرة‌ النبوية‌ للدحلاني‌ و في‌ السيرة‌ الحلبية‌ و في‌! البداية‌ و النهاية‌ لابن‌ كثير نقلاً عن‌ كلّ من‌ الإمام‌ أحمد و مسلم‌ و أبي‌ داود و الترمذي‌ بالإسناد الي‌ عمر بن‌ الخطّاب‌.

[13] ـ الآية‌  67  و  68 ، من‌ السورة‌  8: الانفال

[14] ـ صدر الآية‌  91 ، من‌ السورة‌  6: الانعام‌

[15]- الآیه4، من السوره53: النجم.

[16] ـ الآية‌  7 ، من‌ السورة‌  8: الانفال‌

[17] ـ الآية‌  5  و  6  من‌ السورة‌  8: الانفال‌

[18] ـ النص‌ و الاجتهاد: الطبعة‌ الثانية‌، ص‌  238  الي‌ ص‌  241 ، المورد  47  من‌ موارد الاجتهاد في‌ مقابل‌ النص‌.

[19]  ـ الآية‌  113 ، من‌ السورة‌  9: التوبة‌

[20] ـ الآية‌  1 ، من‌ السورة‌  66: التحريم‌

[21] ـ الآية‌  43 ، من‌ السورة‌  9: التوبة‌

[22] ـ الآية‌  112 ، من‌ السورة‌  11: هود

[23] ـ الآية‌  7  و  8 ، من‌ السورة‌  33: الاحزاب‌

[24] ـ الآية‌  79 ، من‌ السورة‌  3: آل‌ عمران‌

[25]  ـ «نهج‌ البلاغة‌» تعليقد الشيخ‌ محمّد عبده‌، طبع‌ مصر، الخطبة‌  123

[26] ـ اي‌ ان‌ نظراتهم‌ نبعث‌ من‌ القلب‌ و شَخَصَت‌.

[27] ـ «نهج‌ البلاغة‌» الحكمة‌  420

[28] ـ جزء من‌ الآية‌  187 ، من‌ السورة‌  2: البقرة‌

[29] ـ «نهج‌ البلاغة‌» باب‌ الرسائل‌، الرسالة‌  12

[30] ـ «نهج‌ البلاغة‌» باب‌ الكتب‌، الرسالة‌  47

[31] ـ «نهج‌ البلاغة‌» باب‌ الرسائل‌، الرسالة‌  14

 الرجوع الي الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com