بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب ولاية الفقيه/ المجلد الثالث/ القسم السادس: حدیث الرجوع الی رواة الاحادیث فی الحوادث الواقعة، دلالة عهد المالک علی ولا...

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

دلالة‌ الآية‌ علی أنَّ سبيل‌ ونهج‌ الحقّ الوحيد هو اتّباع‌ الاعلم‌

 وعلي‌ هذا الاساس‌، فالآية‌ المباركة‌ ليست‌ في‌ صدد القول‌: إنَّ تلك‌ الدرجة‌ من‌ علم‌ العالم‌ الذي‌ يصل‌ إلی درجة‌ الاعلميّة‌ ضائعة‌ وباطلة‌، وإنَّما تقول‌: إنَّ تلك‌ الدرجة‌ من‌ العلم‌ ضعيفة‌. فمفادها: أيّها العمّ آزر! مهما كان‌ مستوي‌ عالميّتك‌ فعلمك‌ ضعيف‌، وطريقك‌ غير مستوٍ، وهو ملتوٍ ومعوجّ، ومادمت‌ تسير في‌ طريقك‌ فلن‌ تصل‌ إلی المقصد أبداً. أمّا إذا تركت‌ طريقتك‌ وسرت‌ في‌ الصراط‌ السوي‌ّ والصراط‌ المستقيم‌، في‌ شعاع‌ نوري‌ّ وعلمي‌ّ، فسوف‌ تصل‌ إلی المقصد بسرعة‌.

 الرجوع الي الفهرس

التشابه‌ بين‌ مفاد الآية‌ ورواية‌: مَا وَلَّتْ أُمَّةٌ أَمْرَهَا رَجُلاً قَطُّ...

 وذات‌ الآية‌ الشريفة‌ كالرواية‌ التي‌ ننقلها عن‌ سلمان‌ الفارسي‌ّ وأميرالمؤمنين‌ والإمام‌ الحسن‌ المجتبي‌ والإمام‌ موسي‌ بن‌ جعفر علیهم السلام‌، وقد رواها الشيخ‌ سليمان‌ القندوزي‌ّ في‌ كتاب‌ « ينابيع‌ المودّة‌ »، والعلاّمة‌ الاميني‌ّ كذلك‌ في‌ « الغدير » عن‌ ابن‌ عُقدَة‌ من‌ أنَّ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیهوآله‌ وسلّم‌ قال‌:

 مَا وَلَّتْ أُمَّةٌ أَمْرَهَا رَجُلاً قَطُّ وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ، إلاَّ لَمْيَزَلْ أَمْرُهُمْ يَذْهَبُ سَفَالاً حَتَّي‌ يَرْجِعُوا إلَی مَا تَرَكُوا.

 فلم‌ يقل‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ علیهوآله‌ وسلّم‌: إنَّهم‌ سوف‌ يضيعون‌ ويفنون‌ بشكل‌ تامّ بحيث‌ إذا تولّي‌ قيادة‌ المجتمع‌ غير الاعلم‌ وقام‌ ب الإفتاء لهم‌ والحكم‌ والقضاء، فإنَّ ذلك‌ المجتمع‌ سوف‌ ينجرّ إلی الفناء والزوال‌، بل‌ إنَّهم‌ يسيرون‌ في‌ شعاع‌ نوره‌ أيضاً نحو الهدف‌، ولكن‌ ضمن‌ أُفق‌ أدني‌.

 وذلك‌ خلافاً لما لو تسلّم‌ زمام‌ الاُمور الاعلم‌، فإنَّه‌ يوصل‌ جميع‌ الناس‌ إلی طريق‌ الكمال‌ من‌ خلال‌ أُفق‌ أرقي‌ وأجواء أرفع‌، مع‌ فكرٍ أقوي‌.

 سَفال‌، من‌ سَفْل‌. أي‌ في‌ مرتبة‌ سُفلي‌، وهذا تعبير لطيف‌ جدّاً بأن‌ يقول‌ سَفالاً أي‌ أنَّ الناس‌ يسيرون‌ نحو المقصد فيستفيدون‌ من‌ نصيب‌ الحياة‌ كما يتمتّعون‌ بالنِّعَم‌ الإلهيّة‌، لكن‌ في‌ درجة‌ سفلي‌ ومنخفضة‌، وذلك‌ بحسب‌ رتبة‌ وكمال‌ وعدم‌ كمال‌ ذلك‌ الولي‌ّ القائد لهؤلاء القوم‌، وهذه‌ الاُمّة‌ وجميع‌ الاشخاص‌ أيضاً سوف‌ يسيرون‌ علی ذلك‌ النهج‌. أمّا لو تولّي‌ الاعلم‌ زمام‌ أُمور الاُمّة‌، فإنَّه‌ سيقود المجتمع‌ نحو الكمال‌ ضمن‌ أُفق‌ راقٍ. والآية‌ المباركة‌ أيضاً متّحدة‌ مع‌ تلك‌ الرواية‌ الشريفة‌ ـ التي‌ ذكرناهاـ في‌ كثير من‌ مفادها. أي‌ أنَّ كلتيهما تريدان‌ إفادة‌ مطلب‌ ومفاد واحد.

 وعلي‌ كلّ تقدير، فنحن‌ نريد أن‌ نستفيد من‌ هذه‌ الآية‌ المباركة‌ ونقول‌: إنَّ الآية‌ هي‌ في‌ صدد بيان‌ أنَّ العلم‌ نور، وحقّ، وحقيقة‌. وكما أنَّ جميع‌ الآيات‌ القرآنيّة‌ تدعونا إلی الحقّ مثل‌ الآية‌ الكريمة‌: أَفَمَن‌ يَهْدِي‌´ إلَی الْحَقِّ أَحَقُّ أَن‌ يُتَّبَعَ أَمَّن‌ لاَّ يَهِدِّي‌´ إِلآ أَن‌ يُهْدَي‌' [1]؛ والآية‌ الشريفة‌: فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلَـ'لُ [2] و أمثالهما: فهنا يقول‌ أيضاً: العلم‌ حقّ، وعلي‌ الناس‌ اتّباع‌ العالِم‌.

 وذلك‌ العلم‌ الذي‌ ليس‌ فيه‌ أي‌ّ شائبة‌ جهل‌ هو علم‌ الاعلم‌، أمّا علم‌ الاقلّ منه‌ فعلم‌ أُضيف‌ إليه‌ جهل‌؛ ذلك‌ العلم‌ الذي‌ ليس‌ فيه‌ أي‌ّ شائبة‌ بطلان‌، هو علم‌ الاعلم‌، وهو حقّ؛ بينما علم‌ الادون‌ منه‌ علم‌ أُضيف‌ إليه‌ ظلمة‌، ولذا فهو حقّ نسبي‌ّ، أي‌ حقّ مخلوط‌ بالظلمة‌.

 وهذه‌ الآية‌ بإطلاقها ودلالتها توضّح‌ لنا بشكل‌ جيّد أنَّ أصل‌ العلم‌ له‌ موضوعيّة‌، وأنَّ علی جميع‌ الناس‌ أن‌ يتحرّكوا علی أساس‌ العلم‌. ولازم‌ هذا الكلام‌ هو الرجوع‌ إلی الاعلم‌ في‌ جميع‌ المسائل‌.

 ويستفاد من‌ هذه‌ الآية‌ أنَّ علی الإنسان‌ أن‌ يرجع‌ إلی الاعلم‌ في‌ الآية‌، سواء في‌  الإفتاء أم‌ القضاء أم‌ الولاية‌. وهي‌ برهان‌ صريح‌ علی وجوب‌ تسلّم‌ الاعلم‌ في‌ الاُمّة‌ لزمام‌ الاُمور، وأن‌ يفتي‌ للناس‌ كذلك‌، يبيّن‌ لهم‌ المسائل‌، ويقوم‌ برفع‌ الخصومات‌ والمنازعات‌ بينهم‌. وكلّ هذا مستفاد من‌ الآية‌.

 الرجوع الي الفهرس

البحث‌ حول‌ حديث‌: أَمَّا الحَوَادِثُ الوَاقِعَةُفَارْجِعُوافِيهَاإلَي‌رُوَاةِ حَدِيثِنَا

 ومن‌ الادلّة‌ الاُخري‌ التي‌ تُذكر حول‌ وجوب‌ ولزوم‌ الرجوع‌ إلی الاعلم‌ ( في‌ مراحل‌ الولاية‌ الثلاث‌: القضاء، و الإفتاء، والحكومة‌ ) هي‌ الرواية‌ التي‌ ينقلها محدّثنا الجليل‌: الشيخ‌ محمّد حسن‌ الحرّ العامِلي‌ّ في‌ الجزء الثامن‌ عشر من‌ « وسائل‌ الشيعة‌ » الباب‌ الحادي‌ عشر من‌ « أبواب‌ صفات‌ القاضي‌ » عن‌ الشيخ‌ الصدوق‌ محمّد بن‌ علی ‌ّ بن‌ الحسين‌ في‌ كتاب‌ « إكمالُ الدِّين‌ وَإتمام‌ النِّعْمَة‌ » عن‌ محمّد بن‌ محمّد بن‌ عصام‌، عن‌ محمّدبن‌ يعقوب‌، عن‌ إسحاق‌ بن‌ يعقوب‌:

 قَال‌: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ العَمْرِي‌ِّ أَنْ يُوصِلَ لِي‌ كِتَاباً قَدْ سَأَلْتُ فِيهِ عَنْ مَسَائِلَ أُشْكِلَتْ عَلَی ‌َّ.

 فَوَرَدَ التَّوقِيعُ بِخَطِّ مَوْلاَنَا صَاحِبِ الزَّمَانِ عَلَیهِ  السَّلاَمُ: أَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ أَرْشَدَكَ اللَهُ وَثَبَّتَكَ ـ إلَی أَنْ قَالَ ] عَلَیهِ  السَّلاَمُ [:

 وَأَمَّا الحَوَادِثُ الوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إلَی رُوَاةِ حَدِيثِنَا فَإنَّهُمْ حُجَّتِي‌ عَلَی كُمْ وَأَنَا حُجَّةُ اللَهِ...[3]

 وسينصبّ بحثنا في‌ هذه‌ الرواية‌ من‌ جهتي‌: السند والدلالة‌.

 أمّا من‌ جهة‌ السند: فقد ذكر هذه‌ الرواية‌ الشيخ‌ الصدوق‌ في‌ « إكمال‌ الدين‌ وإتمام‌ النعمة‌ » والذي‌ يسمّي‌ أيضاً « كمال‌ الدين‌ وتمام‌ النعمة‌ ».

 كما أوردها أيضاً الشيخ‌ الطوسي‌ّ في‌ كتاب‌ « الغيبة‌ » عن‌ جماعة‌، عن‌ جعفربن‌ محمّد بن‌ قولويه‌، وعن‌ أبي‌ غالب‌ الزراري‌ّ وغيرهما، وجميعهم‌ عن‌ محمّدبن‌ يعقوب‌. ورواها الشيخ‌ الطبرسي‌ّ في‌ « الاحتجاج‌ » أيضاً.

 وقال‌ سيّدنا الاُستاذ آية‌ الله‌ الحاجّ السيّد محمود الشاهرودي‌ّ، تَغَمََّدَهُ اللَهُ بِرَحْمَتِه‌، في‌ « كتاب‌ الحجّ »: كَيْفَ كانَ، فَلا يَنْبَغي‌ الإشْكالُ في‌ اعْتِبارِ سَنَدِهِ؛ لِدَلالَةِ التَّوْقيعِ عَلَی عُلُوِّ شَأْنِ إسْحاقَ وَسُمُوِّ رُتْبَتِهِ بَعْدَ مُلاحَظَةِ ما في‌ مَتْنِ التَّوقِيعِ مِنْ شَواهِدِ الصِّدْقِ وَالصُّدورِ؛ فَتَدَبَّرْ وَلاحِظْ [4].

 يقول‌: إنَّه‌ لا وجه‌ للإشكال‌ في‌ سند هذه‌ الرواية‌ علی الإطلاق‌. إنَّما يدور الكلام‌ حول‌ الذي‌ روي‌ هذه‌ الرواية‌ عن‌ محمّد بن‌ عثمان‌ العَمْري‌ّ لاغير، وهو إسحاق‌ بن‌ يعقوب‌، ولا إشكال‌ علی الإطلاق‌ في‌ اعتباره‌. فالتوقيع‌ قابل‌ للعمل‌ به‌ إذَن‌.

 لانـّه‌ بعد ملاحظة‌ المتن‌ العالي‌ والرفيع‌ للتوقيع‌ تظهر دلالة‌ علوّ شأن‌ إسحاق‌ وعلوّ رتبته‌، حيث‌ إنَّه‌ أخذ هذا الحديث‌ من‌ النائب‌ الخاصّ للإمام‌ علیه السلام‌ ونقله‌ عنه‌.

 أضف‌ إلی ذلك‌ أنـّه‌ عندما يعمل‌ بالحديث‌ أشخاص‌ أجلاّء مثل‌ الشيخ‌ الطوسي‌ّ والشيخ‌ الطبرسي‌ّ والشيخ‌ الصدوق‌ رحمهم‌ الله‌، ويذكرونه‌ في‌ كتبهم‌، فهذا يوجب‌ قوّة‌ الرواية‌. ولو تجاوزنا ذلك‌ كلّه‌ فالرواية‌ تعدّ من‌ الروايات‌ المشهورة‌ التي‌ قد عُمل‌ بمتنها أيضاً، وشهرتها الفتوائيّة‌ تضاهي‌ شهرتها الروائيّة‌.

 وذلك‌ لانَّ الاجلاّء قد ذكروها في‌ كتبهم‌ وتلقّوها بالقبول‌، ومن‌ بعدهم‌ أيضاً اعتبرها الآخرون‌ من‌ الروايات‌ المشهورة‌ واستدلّوا بها. فلامجال‌ للتأمّل‌ في‌ سندها إذَن‌.

 وأمّا من‌ جهة‌ الدلالة‌: فهذه‌ الرواية‌ تدلّ علی حجّيّة‌ قول‌ الفقيه‌ ورواة‌ الاحاديث‌ في‌ المراحل‌ الثلاث‌:  الإفتاء، والقضاء والحكومة‌. وذلك‌ لانَّ الإمام‌ علیه السلام‌ يقول‌: وَأَمَّا الحَوَادِثُ الوَاقِعَةُ، أي‌ علی الإنسان‌ أن‌ يرجع‌ في‌ كلّ حادثة‌ تقع‌ ولا يعرف‌ حقيقتها ـمهما كانت‌ـ إلی «رُوَاةِ حَدِيثِنَا» ويسألهم‌. وكذلك‌ الامر في‌ المنازعات‌ والمخاصمات‌ الحادثة‌ بينه‌ وبين‌ الآخرين‌. ولا يجب‌ أن‌ يرجع‌ إلی محاكم‌ الكفر أو الظلم‌. وكذا في‌ المسائل‌ الولايتيّة‌، ومسألة‌ أموال‌ مجهول‌ المالك‌، ونظائرها. وبشكل‌ عامّ، فيجب‌ الرجوع‌ إلی «رُوَاةِ حَدِيثِنَا» في‌ الاُمور المتأصّلة‌ في‌ المجتمع‌ التي‌ تحتاج‌ إلی الشؤون‌ الولايتيّة‌ وما يتعلّق‌ بها من‌ مسائل‌، كما يجب‌ الرجوع‌ إلی: «رُوَاةِ حَدِيثِنَا» في‌ تثبيت‌ أساس‌ إدارة‌ المجتمع‌ وحركته‌.

 ولا ولاية‌ للاجانب‌ البعيدين‌ عن‌ مسائل‌ الإسلام‌ والقرآن‌ والتفسير وسائر المسائل‌ ( وعلماء السنّة‌ كذلك‌ )، كما أنـّه‌ ليس‌ لهم‌ صلاحيّة‌ القضاء والفتوي‌ أيضاً؛ فطريق‌ الولاية‌ والإمارة‌ بالنسبة‌ لهم‌ مسدود.

 فالطريق‌ إذَن‌ منحصر بـ رُوَاةِ حَدِيثِنَا. ولذا، يجب‌ الرجوع‌ إليهم‌ في‌ جميع‌ المسائل‌، وبإمكاننا استفادة‌ حجّيّة‌ ولاية‌ الفقيه‌ من‌ هذه‌ الرواية‌، ومرجعيّة‌ الفقيه‌ في‌ الفتوي‌، والحكم‌ بقضائه‌ وصحّته‌ في‌ رفع‌ المنازعات‌ والخصومات‌. وبناء علی هذا، فهذا الحديث‌ الشريف‌ كافٍ ووافٍ في‌ المراحل‌ الثلاث‌ من‌ محلّ بحثنا.

 اللَهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد

 الرجوع الي الفهرس

الدرس‌ الحادي‌ والعشرون‌:

 عهد أمير المؤمنين‌ علیه السلام‌ لمالك‌ الاشتر

 

أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ

وصلَّي‌ اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلَی قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

 ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العَلِي‌ِّ العَظِيمِ

 من‌ الادلّة‌ التي‌ يمكن‌ الاستدلال‌ بها علی ولاية‌ الفقيه‌ هي‌ رسالة‌ أميرالمؤمنين‌ علیه السلام‌ إلی مالك‌ الاشتر النَّخَعِي‌ّ، المشهورة‌ باسم‌ عهد أميرالمؤمنين‌ علیه السلام‌ لمالك‌ الاشتر. وقد أوردها السيّد الرضي‌ّ رحمة‌الله‌ علیهفي‌ « نهج‌ البلاغة‌ » وهي‌ ما كتبه‌ أمير المؤمنين‌ علیه السلام‌ لمالك‌ الاشتر النخعي‌ّ لمّا ولاّه‌ علی مصر، حيث‌ تدلّ بعض‌ فقراتها علی هذا المعني‌؛ يقول‌ علیه السلام‌:

 ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي‌ نَفْسِكَ، مِمَّنْ لاَتَضِيقُ بِهِ الاُمُورُ، وَلاَ تُمْحِكُهُ الخُصُومُ، وَلاَ يَتَمَادَي‌ فِي‌ الزَّلَّةِ، وَلاَ يَحْصَرُ مِنَ الفَي‌ءِ إلَی الحَقِّ إذَا عَرَفَهُ، وَلاَ تُشْرِفُ نَفْسَهُ عَلَی طَمَعٍ، وَلاَ يَكْتَفِي‌ بِأَدْنَي‌ فَهْمٍ دُونَ أَقْصَـاهُ، وَأَوْقَفَهُمْ فِي‌ الشُّـبُهَاتِ، وَآخَـذَهُمْ بِالحُجَجِ، وَأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بَمُرَاجَعَةِ الخَصْـمِ، وَأَصْـبَرَهُمْ عَلَی تَكَشُّـفِ الاُمُورِ، وَأَصْـرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الحُكْمِ مِمَّنْ لاَ يَزْدَهِيهِ إطْـرَاءٌ، وَلاَ يَسْـتَمِيلُهُ إغْـرَاءٌ؛ وَأُولَئِكَ قَلِيلٌ [5].

 ويدور بحثنا في‌ هذه‌ الرواية‌ من‌ جهتين‌ أيضاً: الاُولي‌: من‌ ناحية‌ السند، والثانية‌: من‌ ناحية‌ الدلالة‌.

 أمَّا من‌ حيث‌ السند: فيكفي‌ في‌ سند « نهج‌ البلاغة‌ » انتهاؤه‌ إلی السيّد الرضي‌ّ، ومع‌ وجوده‌ فلا حاجة‌ لنا إلی سند آخر. لقد قال‌ البعض‌، إنَّ سند « نهج‌ البلاغة‌ » مقطوع‌، وقد نقل‌ السيّد الرضي‌ّ مطالبه‌ مرسلة‌، ولم‌يوصلها إلی الإمام‌ علیه السلام‌، ولذا فلا حجّيّة‌ لها.

 وهذا الكلام‌ سخيف‌ جدّاً، وساقط‌ تماماً عن‌ درجة‌ الاعتبار. فالسيّد الرضي‌ّ أعلَي‌ مَقاماً وَأرْفَعُ مَنْزِلَةً وَأجَلُّ شَأْناً من‌ أن‌ يَنسِبَ شيئاً بالقطع‌ واليقين‌ إلی أميرالمؤمنين‌ علیه السلام‌ دون‌ التثبّت‌ علماً ويقيناً. وعلي‌ هذا، فإتقان‌ سند « نهج‌ البلاغة‌ » ـ إضافة‌ إلی تفرّد المتن‌ والمضمون‌ به‌ الصادر عن‌ مقام‌ الولاية‌ علی التحقيق‌ـ يساوق‌ إتقان‌ السيّد الرضي‌ّ وعلمه‌، فكلّما وصل‌ المطلب‌ إلی « نهج‌ البلاغة‌ » فالبحث‌ عن‌ سنده‌ عندئذٍ كالبحث‌ عن‌ سند القرآن‌ المقطوع‌ به‌.

 الرجوع الي الفهرس

كلام‌ آية‌ الله‌ الحلّي‌ّ علی دلالة‌ عهد أمير المؤمنين‌ لمالك‌الاشتر

 أمّا من‌ حيث‌ الدلالة‌: فلم‌ يأخذ أُستاذنا المرحوم‌ آية‌ الله‌ العظمي‌ الشيخ‌ حسين‌ الحلّي‌ّ رضوان‌ الله‌ علیهـ في‌ بحث‌ الاجتهاد والتقليد الذي‌ قرّرته‌ بنفسي‌ ونسخته‌ الخطّيّة‌ موجودة‌ عندي‌ـ هذا الحديث‌ كدليل‌ من‌ أدلّة‌ الرجوع‌ إلی الاعلم‌ في‌ أدلّة‌ أخذ الفتوي‌.

 وقد كتبتُ في‌ تقريراتي‌ ما يلي‌: قَوْلُهُ عَلَیهِ  السَّلامُ في‌ «نَهْجِ البَلاغَةِ» في‌ عَهْدِ مالِكٍ الاَشْتَرِ: «ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي‌ نَفْسِكَ...».

 ويورد علی دلالة‌ هذا الحديث‌ في‌ لزوم‌ الرجوع‌ إلی الاعلم‌ في‌ باب‌  الإفتاء والاستفتاء إشكالين‌:

 أوّلاً: المراد من‌ الحكم‌ في‌ هذه‌ الفقرة‌ هو الحكم‌ في‌ مقام‌ الترافع‌ والخصومة‌، لا مجرّد  الإفتاء.

 و ثانياً: ليس‌ المراد من‌ الافضليّة‌ هنا الاعلميّة‌، بل‌ المراد الافضليّة‌ في‌ الاخلاق‌ الحميدة‌ والملكات‌ الفاضلة‌ التي‌ يحتاج‌ إليها القاضي‌ في‌ مقام‌ الترافع‌. والشاهد علی هذا المعني‌ نفس‌ تفسيره‌ علیه السلام‌، حيث‌ يقول‌ في‌ هذه‌ الكلمة‌: مِمَّنْ لاَ تَضِيقُ بِهِ الاُمُورُ وَلاَ تُمْحِكُهُ الخُصُومُ، وَلاَيَتَمَادَي‌ فِي‌ الزَّلَّةِ، وَلاَ يَحْصَرُ مِنَ الفَي‌ءِ إلَی الحَقِّ إذَا عَرَفَهُ؛ إلی آخر كلامه‌. حيث‌ إنَّ هذه‌ الجمل‌ تدلّ علی وجوب‌ تحلّي‌ القاضي‌ بالصبر، وسعة‌ الصدر، والتأمّل‌، وأن‌ تكون‌ له‌ قدرة‌ علی التحمّل‌ لكي‌ لا تتعبه‌ الاُمور الواردة‌ علی ه‌، ولكي‌ يستطيع‌ القيام‌ بمسؤوليّة‌ القضاء بالنحو الافضل‌.

 ثمّ يجيب‌ عن‌ هذا الإشكال‌ بقوله‌: لكن‌ يمكن‌ أن‌ يقال‌: إنَّ مراد الإمام‌ من‌ قوله‌: أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ؛ الافضليّة‌ من‌ جميع‌ الجهات‌، أي‌ أنَّ هذه‌ الكلمة‌ لها إطلاق‌، ومن‌ جملة‌ مصاديق‌ الافضليّة‌، الافضليّة‌ في‌ العلم‌ والفقاهة‌، وكون‌ الإمام‌ علیه السلام‌ قد فسّر الافضليّة‌ بتلك‌ الصفات‌ الخاصّة‌ المذكورة‌ في‌ هذه‌ الرسالة‌، فلا يوجب‌ حصر دائرة‌ الافضليّة‌ في‌ تلك‌ الصفات‌، لانـّه‌ أراد بيان‌ أنَّ الافضليّة‌ تشمل‌ هذه‌ الصفات‌ أيضاً. وأمّا الافضليّة‌ في‌ مقام‌ العلم‌ والفقاهة‌ فهي‌ ملحوظة‌ بشكل‌ مسلّم‌. فعلي‌ القاضي‌ إذَن‌ امتلاك‌ الافضليّة‌ في‌ العلم‌ والفقاهة‌ أيضاً.

 ويحتمل‌ قويّاً أن‌ يكون‌ السبب‌ في‌ عدم‌ ذكر الإمام‌ للافضليّة‌ في‌ العلم‌ والفقه‌، بعد ذكره‌ الافضليّة‌ وبيان‌ بعض‌ مصاديقها، لاعتباره‌ أنَّ هذا الامر من‌ المسلّمات‌ البديهيّة‌. أي‌ أنَّ الذي‌ يكون‌ أعلم‌ وأفقه‌ هو الافضل‌ بالبديهة‌، وهذا لا يحتاج‌ إلی بيان‌، بينما سائر الصفات‌ التي‌ بيّنها الإمام‌ علیه السلام‌ ممّا تحتاج‌ إلی تنبيه‌ وبيان‌. ولقد أورد هذا الاحتمال‌ وارتضاه‌، وختم‌ المطلب‌ هنا. ولو أنصفنا نقول‌: إنَّ هذا المطلب‌ راقٍ وتامّ. وقال‌ كذلك‌: المراد من‌ الافضليّة‌ هنا الافضليّة‌ من‌ جميع‌ الجهات‌، ومنها الاعلميّة‌. فالافراد الذين‌ يختارهم‌ للقضاء يجب‌ أن‌ يكونوا الاعلم‌، بالإضافة‌ لامتلاكهم‌ جميع‌ الصفات‌ الآنفة‌ الذكر أيضاً.

 الرجوع الي الفهرس

دلالة‌ العهد علی لزوم‌ الاعلميّة‌ في‌ باب‌ مرجعيّة‌ الإفتاءوالولاية‌

الدلالتان‌ المقاليّة‌ والمقاميّة‌ لمفاد العهد علی لزوم‌الاعلميّة‌في‌...

 أمّا حول‌ إمكان‌ استفادة‌ لزوم‌ الاعلميّة‌ في‌ مقام‌  الإفتاء والمرجعيّة‌ وبيان‌ الاحكام‌ من‌ هذه‌ الرواية‌ أو عدمه‌، فيقول‌ الشيخ‌ في‌ تتمّة‌ المطلب‌: إنَّ هذه‌ الرواية‌ قد وردت‌ في‌ مورد القضاء، وليس‌ هناك‌ أي‌ّ وجه‌ للتعدي‌ بها إلی مقام‌  الإفتاء. فقد ذكر الإمام‌ علیه السلام‌ هذه‌ الصفات‌ بالنسبة‌ للقاضي‌ فقط‌، ومرحلة‌ القضاء غير مرحلة‌  الإفتاء. ولذا، لم‌ يبحث‌ عن‌ هذا المطلب‌ بعد ذلك‌، فبقي‌ إشكاله‌ في‌ استفادة‌ لزوم‌ الرجوع‌ إلی الاعلم‌ في‌ مرحلة‌  الإفتاء والاستفتاء من‌ هذه‌ الرواية‌ قائماً في‌ محلّه‌.

 ولكن‌ يجب‌ القول‌: إنَّه‌ كما استفدنا الاعلميّة‌ في‌ القضاء من‌ هذه‌ الرواية‌، فنستطيع‌ استفادة‌ الاعلميّة‌ في‌ المرجعيّة‌ أيضاً. أي‌ أنَّ هذه‌ الرواية‌ تفيد وجوب‌ أن‌ يكون‌ الفقيه‌ الذي‌ بيده‌ الولاية‌ أعلم‌ الاُمّة‌ كذلك‌، ووجوب‌ كونه‌ حائزاً لجميع‌ تلك‌ الصفات‌ المذكورة‌.

 وتقريب‌ هذا الاستدلال‌: الاوّل‌: من‌ طريق‌ الدلالة‌ المقاليّة‌؛ والثاني‌: بالدلالة‌ المقاميّة‌.

 أمّا الدلالة‌ المقاليّة‌، فهي‌ من‌ قول‌ الإمام‌ علیه السلام‌: ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ فِي‌ نَفْسِكَ؛ فإذا كان‌ اللازم‌ أن‌ يحكم‌ في‌ رفع‌ المنازعة‌ والخصومة‌ بين‌ شخصين‌ أفضل‌ الرعيّة‌ وأعلم‌ الاُمّة‌، فبطريق‌ أولي‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ الشخص‌ الماسك‌ لزمام‌ الولاية‌ والزعامة‌ لجميع‌ الاُمور أعلم‌ مَن‌ في‌ الاُمّة‌ بالاولويّة‌ القطعيّة‌، لانـّه‌ المشرف‌ علی جميع‌ أُمور الناس‌، وإدارة‌ شؤون‌ الناس‌ بيده‌.

 وهذه‌ هي‌ دلالة‌ المنطوق‌ لا المفهوم‌، كالآية‌ المباركة‌ التي‌ تقول‌: فَلاَتَقُل‌ لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا [6]. فما نفهمه‌ من‌ قوله‌ لاَ تَقُل‌ لَّهُمَآ أُفٍّ: أي‌ لاتَضْرِبْهُما؛ بطريق‌ أولي‌. مع‌ أنَّ كلمة‌ لاَ تَضْرِبْهُما ليست‌ موجودة‌ في‌ عبارة‌ لاَ تَقُل‌ لَّهُمآ أُفٍّ، لا بالتضمّن‌ ولا بالمطابقة‌، لكنَّ العرف‌ يفهم‌ من‌ هذه‌ الجملة‌: أنَّ الذي‌ لا ينبغي‌ أن‌ يقال‌ له‌ أُفّ، فبطريق‌ أولي‌ ينبغي‌ أن‌ لايُضرَب‌. وهذا المطلب‌ لا يحتاج‌ إلی بيان‌ آخر، لما في‌ قوله‌ لاَتَقُل‌ لَّهُمَآ أُفٍّ من‌ إفادة‌. وهذه‌ الدلالة‌ هي‌ دلالة‌ المنطوق‌ لا المفهوم‌.

 فتستفاد الفحوي‌ إذَن‌ ( يعني‌ ما يفيده‌ المنطوق‌ ) والاولويّة‌ في‌ الطرف‌ الموافق‌ من‌ نفس‌ الكلام‌؛ بخلاف‌ مفهوم‌ المخالفة‌ الذي‌ يسمّي‌ بدلالة‌ المفهوم‌.

 والاولويّة‌ القطعيّة‌ ـ التي‌ نحن‌ الآن‌ بصدد إثباتها في‌ هذه‌ الرواية‌ـ ليست‌من‌ مفهوم‌ الكلام‌ بحسب‌ الاُصول‌، وإنَّما هي‌ من‌ المنطوق‌؛ فلو قلنا مثلاً: إنْ طَلَعَتِ الشَّمسُ فَالنَّهارُ مَوْجود؛ يستفاد من‌ مفهوم‌ المقارنة‌ أنـّه‌: إنْ لَمْ تَطْلُعِ الشَّمسُ فَالنَّهارُ لَيْسَ بِمَوْجود. أو إذا قلنا: إنْ جاءَ َزيْدٌ فَأَكْرِمْهُ؛ يُستفاد منه‌: إنْ لَمْ يَجِي‌ْ زَيْدٌ فَلا يَجِبُ عَلَی كَ إكْرامُه‌. وهذه‌ الدلالة‌ هي‌ دلالة‌ المفهوم‌، حتّي‌ لو كان‌ ذلك‌ المفهوم‌ يُستفاد من‌ حاقّ هذا اللفظ‌، إذ لايقال‌ عرفاً: فُلانٌ نَطَقَ أو يَنْطِقُ بِالكَلام‌؛ وإنَّما يقال‌: يُسْتَفادُ مِنْ كَلامِهِ هَذا.

 ويسمّي‌ هذا المفهوم‌. فمفهوم‌ المخالفة‌ مفهومٌ، بينما المنطوق‌ يشمل‌ الموافقة‌ أيضاً، فمفهوم‌ الموافقة‌ من‌ منطوق‌ الكلام‌. ولذا يقولون‌: فالآية‌ تقول‌: لا تضربهم‌، لا المستفاد من‌ الآية‌ معني‌ كهذا.

 وهذه‌ الدلالة‌ التي‌ استفدناها من‌ عبارة‌ «ثُمَّ اخْتَرْ لِلحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِكَ» إنَّما استفدناها بالدلالة‌ المنطوقيّة‌، أي‌ أنَّ هذا الكلام‌ يدل‌ بالاولويّة‌ القطعيّة‌ المُستفادة‌ من‌ ظاهر اللفظ‌، علی: أنَّ نفس‌ الوالي‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ أعلم‌ من‌ كلّ الجهات‌ من‌ ( حيث‌ المسؤوليّة‌ والسيطرة‌ والولاية‌ التي‌ ينبغي‌ أن‌ تكون‌ للقاضي‌، حيث‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ مسيطراً علی جميع‌ أعماله‌ وتصرّفاته‌ ).

 والشاهد علی هذا المطلب‌: أنَّ الإمام‌ علیه السلام‌ يأمر مالكاً هنا بـ: لزوم‌ مراجعة‌ عمل‌ القضاة‌ أيضاً ليري‌ كيفيّة‌ عملهم‌ في‌ قضائهم‌، وبعدم‌ تركهم‌، ولزوم‌ التصدّي‌ لمتابعة‌ أعمالهم‌. فقد ذكر الإمام‌ علیه السلام‌ هنا أصنافاً: الجنود، وكتّاب‌ الخاصّة‌، وكتّاب‌ العامّة‌، وأهل‌ الإنصاف‌ ورفق‌ الديوان‌، وأصحاب‌ الصناعات‌ والتجارات‌، وأهل‌ الخراج‌، والضعفاء. فقد عدَّ الإمام‌ علیه السلام‌ جميع‌ هذه‌ الاصناف‌ وعيّن‌ وظائفهم‌، ومن‌ ثمّ خاطب‌ مالك‌ الاشتر فأمره‌ بلزوم‌ مراجعة‌ أعمالهم‌.

 فإذا كان‌ ذلك‌ القاضي‌ الذي‌ علی مالك‌ أن‌ يعارض‌ أعماله‌ أفضل‌ الرعيّة‌ فيجب‌ أن‌ يكون‌ مالك‌ الذي‌ له‌ سيطرة‌ علی ذلك‌ القاضي‌ أفضل‌ الرعيّة‌ وأعلم‌ الاُمّة‌ بطريق‌ أولي‌. لانَّ مالكاً ولي‌ّ، وقد نصب‌ كذلك‌ من‌ قِبَل‌ الإمام‌، فهو يمتلك‌ مقام‌ الولاية‌، والقضاة‌ الذين‌ تحت‌ يده‌ إنَّما يتصدّون‌ لرفع‌ الخصومات‌ فقط‌. وهذه‌ هي‌ الدلالة‌ المقاليّة‌.

 وأمّا الدلالة‌ المقاميّة‌، فهي‌: أنَّ الإمام‌ علیه السلام‌ قد كتب‌ هذه‌ الرسالة‌ لمالك‌ الاشتر، وقد نصب‌ مالك‌ نفسه‌ للولاية‌. وعلي‌ هذا، فعندما يقول‌ الإمام‌ علیه السلام‌ لمالك‌ المنصوب‌ من‌ طرفه‌ بهذه‌ الصفة‌ اختر للحكم‌ بين‌ الناس‌ أفضل‌ رعيّتك‌ (فِي‌ نَفْسِكَ) ويكون‌ هذا الاختيار وهذه‌ الولاية‌ بيد مالك‌، فهو إنَّما يقوم‌ بهذا الاختيار بولايته‌ أيضاً، وينتخب‌ أعلم‌ الاُمّة‌ لاجل‌ القضاء. فهذا المقام‌ واختيار الإمام‌ علیه السلام‌ لمالك‌ لكي‌ يقوم‌ بانتخاب‌ الاعلم‌ يدلّ علی أنَّ نفس‌ مالك‌ في‌ الوهلة‌ الاُولي‌ واجد لهذه‌ الدرجة‌، فلا يستطيع‌ الإمام‌ أن‌ يعيّن‌ مالكاً ـ الذي‌ ليس‌ هو بأعلم‌ وأفضل‌ـ علی الناس‌، ومن‌ ثمّ يطلب‌ منه‌ أن‌ يكون‌ مسؤولاً ومسلّطاً علی جميع‌ القضاة‌ الذين‌ هم‌ أعلم‌ من‌ جميع‌ الاُمّة‌!

 وعلي‌ هذا الاساس‌، فنصب‌ الإمام‌ علیه السلام‌ مالكاً في‌ هذا المقام‌ هو بنفسه‌ شاهد وقرينة‌ قطعيّة‌ علی أنَّ مالك‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ ممتلكاً لصفة‌ « الافضليّة‌ » هذه‌، وأنـّه‌ قد كان‌ كذلك‌، وإلاّ لما نصبه‌ الإمام‌ للولاية‌ أصلاً. ومالك‌ الذي‌ كان‌ علیهمن‌ ناحيته‌ تدبير أُمور الجنود وأصحاب‌ الصناعات‌ وأرباب‌ الخراج‌ ومسؤولي‌ الديوان‌ والمتصدّين‌ لاُمور الناس‌ وكتّاب‌ الخاصّة‌ وكتّاب‌ العامّة‌ وغيرهم‌، وأن‌ يكون‌ له‌ ولاية‌ وسيطرة‌ علی هم‌ جميعاً، يجب‌ أن‌ يكون‌ ـوهو بهذه‌ المسؤوليّة‌ وقبل‌ كلّ شي‌ءـ أعلم‌ لكي‌ يستطيع‌ أن‌ يعرف‌ الاعلم‌ وينصبه‌ في‌ مراكز القضاء ورفع‌ المنازعات‌ والخصومات‌ بين‌ الناس‌ هذه‌.

 فلو أُريد ـ مثلاًـ تنصيب‌ أُستاذ طبّ لرئاسة‌ الجامعة‌ بأمر شخص‌ ما لكي‌ يقوم‌ بتربية‌ الطلاّب‌ في‌ مختلف‌ المجالات‌، فينبغي‌ أن‌ يكون‌ المنصوب‌ أعلم‌ الجميع‌، وليس‌ من‌ الصحيح‌ أن‌ يقال‌، لا ضرر في‌ تعيين‌ أُستاذ جامعي‌ّ لتحمّل‌ مسؤوليّة‌ الطلبة‌ وهو فاقد للاهليّة‌ اللازمة‌ لهذا الامر.

 فمن‌ الممكن‌ إذَن‌ استفادة‌ لزوم‌ الاعلميّة‌ من‌ الرواية‌ في‌ ولاية‌ وفقاهة‌ مالك‌ بالقرينة‌ المقاميّة‌ ( أي‌ نصب‌ مالك‌ لولاية‌ مصر من‌ قِبل‌ أميرالمؤمنين‌ علیه السلام‌، بل‌ وتدلّ الرواية‌ بشكل‌ قطعي‌ علی ولاية‌ الفقيه‌، وعلي‌ أعلميّته‌ أيضاً.

 ومن‌ الآيات‌ التي‌ يمكن‌ الاستدلال‌ بها علی لزوم‌ ووجوب‌ الفتوي‌ هي‌ آية‌ «النَّفْر» المباركة‌. ولم‌ يستدلّ أحد بهذه‌ الرواية‌ علی ولاية‌ الفقيه‌. ونحن‌، لاجل‌ إثبات‌ هذا الامر، أي‌ عدم‌ دلالة‌ الآية‌، نذكر حولها بعض‌ التوضيحات‌ المختصرة‌.

 لقد أعلن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیهوآله‌ وسلّم‌ التعبئة‌ العامّة‌ في‌ المدينة‌ في‌ غزوة‌ تبوك‌ التي‌ وقعت‌ في‌ السنة‌ التاسعة‌ للهجرة‌، وكان‌ علی الجميع‌ التحرّك‌ للمشاركة‌ في‌ الحرب‌. وقد وقعت‌ غزوة‌ تبوك‌ في‌ الصيف‌، فكان‌ الهواء حارّاً، والمشاكل‌ كثيرة‌، كما صادف‌ وقت‌ نضوج‌ ثمار الاشجار وحصاد الزرع‌ ممّا يعرّض‌ كلّ ذلك‌ للتلف‌ فيما لو تركوها وخرجوا للحرب‌. ومن‌ جهة‌ أُخري‌، فقد تمّ تبليغ‌ حكم‌ الله‌ بواسطة‌ رسول‌الله‌ صلّي‌الله‌ علیهوآله‌ وسلّم‌ في‌ ضرورة‌ صرف‌ النظر عن‌ جميع‌ هذه‌ الاُمور والسير نحو العدوّ.

 فشارك‌ جميع‌ المسلمين‌ في‌ هذا القتال‌ عدا قليل‌ من‌ المنافقين‌ الذين‌ تعلّل‌ كلّ منهم‌ بعذر ما ( وقد بيّن‌ الله‌ تعالي‌ أحوالهم‌ بالتفصيل‌ في‌ سورة‌ التوبة‌ ). ولم‌ يتخلّف‌ عن‌ هذا القتال‌ من‌ غير المنافقين‌ إلاّ ثلاثة‌ أشخاص‌، وهم‌: كَعْب‌ بن‌ مالِك‌، مُرَارَة‌ بن‌ ربيع‌ وهِلال‌ بن‌ أُمَيَّة‌. فنزلت‌ فيهم‌ هذه‌ الآية‌[7]:

 وَعَلَی الثَّلَـ'ثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّي‌'´ إِذَا ضَاقَتْ عَلَیهِ مُ الاْرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَیهِ مْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّو´ا أَن‌ لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَهِ إِلآ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَیهِ مْ لِيَتُوبُو´ا إِنَّ اللَهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ[8].

 وقصّتهم‌ طويلة‌، وخلاصتها: قام‌ أهل‌ المدينة‌ بعد ذلك‌ باجتنابهم‌ والامتناع‌ عن‌ مكالمتهم‌، بينما لجأوا من‌ جهتهم‌ إلی الإنزواء والعزلة‌، حتّي‌ أشرفوا علی الموت‌، وأوشكوا علی الهلاك‌ حزناً، إلی أن‌ تابوا، وقبل‌ الله‌ توبتهم‌ واحداً بعد الآخر. وحيث‌ إنَّنا لسنا بصدد بحث‌ هذه‌ الآية‌ من‌ جميع‌ الجهات‌ فنكتفي‌ بهذه‌ الإشارة‌.

 والشاهد هو: كان‌ جميع‌ أهل‌ المدينة‌ في‌ غزوة‌ تبوك‌ مأمورين‌ بالمشاركة‌ في‌ الحرب‌، ومن‌ جملتهم‌ معلّمي‌ القرآن‌ والاحكام‌، وكان‌ النبي‌ّ قد أمرهم‌ بتعليم‌ القرآن‌ والاحكام‌ للذين‌ كانوا في‌ المدينة‌، أو الذين‌ كانوا يأتون‌ من‌ سائر القري‌ والقصبات‌ إلی المدينة‌ ممّن‌ أسلموا، لكي‌ يعودوا إلی ديارهم‌ حاملين‌ المعارف‌ الإسلاميّة‌ التي‌ تعلّموها.

 فكان‌ هؤلاء الاشخاص‌ مأمورين‌ بتعليم‌ المسلمين‌ جميع‌ القرآن‌ ـ عدا الآيات‌ التي‌ نزلت‌ في‌ غزوة‌ تبوك‌ـ فما أن‌ استعدّ هؤلاء الاشخاص‌ للسير كباقي‌ المسلمين‌ حتّي‌ نزلت‌ الآية‌ وأمرتهم‌ بالبقاء في‌ المدينة‌ وتعليم‌ الاحكام‌ وسنّة‌ النبي‌ّ، وهي‌ قوله‌ تعالي‌:

 وَمَا كَانَ الْمُوْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن‌ كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآءِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي‌ الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُو´ا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [9].

 الرجوع الي الفهرس

دلالة‌ آية‌ «النفر» والسنّة‌ علی إعفاء الطلاّب‌ من‌ خوض‌الحرب‌

 فيستفاد من‌ آية‌: مَا كَانَ الْمُوْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَآفَةً، أنّـه‌: أوّلاً: إعفاء طلاّب‌ العلوم‌ الدينيّة‌ المشتغلين‌ بالتحصيل‌ من‌ الخدمة‌ العسكريّة‌ والحضور في‌ جبهات‌ القتال‌، وحتّي‌ في‌ حالات‌ التعبئة‌ العامّة‌ التي‌ تشمل‌ الجميع‌؛ إذ لاينبغي‌ أن‌ يقتل‌ الطلاّب‌. نعم‌؛ لا إشكال‌ في‌ أخذهم‌ للجبهة‌ لغرض‌ الوعظ‌ والإرشاد وترويج‌ الدين‌ وبيان‌ المسائل‌ والاحكام‌ الشرعيّة‌، ولكن‌ يجب‌ أن‌ يكونوا في‌ أمان‌ من‌ خطّ النار. فيجب‌ أن‌ يدرسوا بشكل‌ جيّد ويحصّلوا المسائل‌ والقرآن‌ والاحكام‌ بشكل‌ أفضل‌. وذلك‌ لانَّ زوال‌ هؤلاء يؤدّي‌ إلی زوال‌ الإسلام‌ من‌ الوجود. فالإسلام‌ قائم‌ علی هذا القرآن‌، وإذا قُتل‌ حرّاس‌ القرآن‌ والسنّة‌ وحفظتهما، فإنَّ أصل‌ القرآن‌ والسنّة‌ يزولان‌ من‌ الوجود بشكل‌ كامل‌.

 ولذا استثني‌ معلّمو القرآن‌ والاحكام‌ من‌ تلك‌ المعركة‌ المهمّة‌، وأمرهم‌ النبي‌ّ بلزوم‌ البقاء في‌ المدينة‌ وتعليم‌ الناس‌ القرآن‌، مع‌ أنـّه‌ عندما رفض‌ المشاركة‌ ثلاثة‌ من‌ الناس‌ نزلت‌ تلك‌ الآيات‌ الشديدة‌، وقاطعهم‌ النبي‌ّ والمسلمون‌ إلی أن‌ تابوا.

 ويمكن‌ أن‌ نستفيد ـوبشكل‌ جيّدـ مسألة‌ ذهاب‌ الطلاّب‌ إلی الحرب‌ وقتلهم‌ وبقاء مكانهم‌ شاغراً من‌ الآية‌: مَا كَانَ الْمُؤمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَآفَّةً.

 الرجوع الي الفهرس

دلالة‌ آية‌ «النفر» علی ‌وجوب‌تحصيل‌العلوم‌الإسلاميّة‌وتعليمها

 ثانياً: يستفاد من‌ هذه‌ الآية‌ الوجوب‌ الكفائي‌ّ لقيام‌ عدد من‌ الاشخاص‌ بتحصيل‌ العلم‌ وتدريس‌ القرآن‌ وسنّة‌ النبي‌ّ وأحكام‌ الدين‌ والتفسير والفقه‌ والاخبار الواردة‌ عن‌ الائمّة‌ علیهم السلام‌. ووجوب‌ تعليم‌ الاخلاق‌ والسير والسلوك‌ إلی الله‌ وعلم‌ الكلام‌ والحكمة‌ والعرفان‌ الإلهي‌ّ، لانـّه‌ لم‌ يقل‌: إنَّ علی الجميع‌ الرحيل‌ إلی المدينة‌، وإنَّما قال‌: فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن‌ كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآءِفَةٌ. أي‌ ليأتي‌ من‌ كلّ فرقة‌ جماعة‌ لكي‌ يعودوا فيما بعد ويتكفّلوا بجميع‌ الاُمور. فتحصيل‌ العلم‌ إذَن‌ واجب‌ بالوجوب‌ الكفائي‌ّ بالمقدار الذي‌ ترتفع‌ به‌ حاجة‌ تلك‌ الجماعة‌ من‌ ناحية‌ التعليم‌ والتعلّم‌ الدينيّين‌ بنحو يبقي‌ الناس‌ محتاجين‌ بعد ذلك‌.

 وشاهدنا هنا هو: أنَّ هذه‌ الآية‌ تدلّ علی لزوم‌ الاجتهاد والتقليد، وذلك‌ لانـّها تقول‌: لِمَ لا تأتي‌ مجموعة‌ من‌ الناس‌ إلی المدينة‌؟ أي‌: من‌ الواجب‌ أن‌ تأتي‌ طائفة‌ من‌ الناس‌ إلی المدينة‌، إلی المركز العلمي‌ّ للإسلام‌ لتعلّم‌ القرآن‌ والسنّة‌ ومن‌ ثمّ يعودوا إلی بلادهم‌، وعلي‌ الناس‌ أن‌ يرجعوا إليهم‌، وعليهم‌ أيضاً أن‌ يعرّفوا الناس‌ علی تلك‌ المسألة‌ التي‌ تعلّموها. فالمستفاد من‌ الآية‌: وجوب‌ رجوع‌ الجاهل‌ إلی العالم‌ والمرجعيّة‌ في‌ الفتوي‌.

 كما يستفاد من‌ هذه‌ الآية‌ الشريفة‌ مسألة‌ القضاء والفصل‌ في‌ الخصومات‌، أي‌ أنَّ فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن‌ كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآءِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي‌ الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُو´ا إِلَيْهِمْ، تشمل‌ مورد الفصل‌ في‌ الخصومة‌ ورفع‌ النزاع‌ بين‌ المتخاصمين‌ أيضاً. فعليهم‌ إذَن‌ بيان‌ الاحكام‌، وعلي‌ المتنازعين‌ أن‌ يكتفوا بحكمهم‌، ويخافوا الله‌ ويقنعوا بحقّهم‌.

 ولا يستفاد من‌ هذه‌ الآية‌ حتميّة‌ لزوم‌ كون‌ المتولّي‌ لاُمور الناس‌ فقيهاً. ولهذا، لم‌ نأتِ بهذه‌ الآية‌ في‌ كتاب‌ « رسالة‌ بديعة‌ » في‌ تفسير الآية‌ الشريفة‌: الرِّجَالُ قَوَّ ' مُونَ عَلَی النِّسَآءِ باعتبارها من‌ أدلّة‌ ولاية‌ الفقيه‌، الذي‌ تضمّنته‌ الرسالة‌.

 ومن‌ جملة‌ الادلّة‌ التي‌ ذكروها علی ولاية‌ الفقيه‌ ثلاث‌ طوائف‌ من‌ الروايات‌:

 الطائفة‌ الاُولي‌: الروايات‌ التي‌ تقول‌: العلماء ورثة‌ الانبياء.

 الطائفة‌ الثانية‌: الروايات‌ التي‌ تدلّ علی أنَّ العلماء أُمناء الله‌.

 الطائفة‌ الثالثة‌: الروايات‌ التي‌ تقول‌: العلماء والفقهاء حصون‌ وقلاع‌ الإسلام‌.

 فلنر هل‌ يمكن‌ الاستدلال‌ بهذه‌ الروايات‌ علی ولاية‌ الفقيه‌، أو لا؟

 الرجوع الي الفهرس

روايتا: العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الاَنْبِيَاءِ؛ الفُقَهَاءُ أُمَنَاءُ الرُّسُلِ مَا لَمْ يَدْخُلُوا...

 أمّا الروايات‌ التي‌ تدلّ علی أنَّ العلماء ورثة‌ الانبياء، فمنها: صحيحة‌ أبي‌ البَخْتَري‌ّ التي‌ يرويها عن‌ محمّد بن‌ يعقوب‌ الكليني‌ّ في‌ « الكافي‌ »، عن‌ محمّدبن‌ يحيي‌، عن‌ أحمد بن‌ محمّد بن‌ عيسي‌، عن‌ محمّد بن‌ خالد، عن‌ أبي‌ البختري‌ّ، عن‌ الإمام‌ الصادق‌ علیه السلام‌، أنـّه‌ علیه السلام‌ قال‌: إنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الاَنْبِيَاءِ؛ وَذَاكَ أَنَّ الاَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِرْهَماً وَلاَ دِينَاراً وَإنَّمَا أَوْرَثُوا أَحَادِيثَ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ فَمَنْ أَخَذَ بِشَي‌ءٍ مِنْهَا فَقَدْ أَخَذَ حَظَّاً وَافِراً؛ فَانْظُرُوا عِلْمَكُمْ هَذَا عَمَّنْ تَأْخُذُونَهُ؟ فَإنَّ فِينَا أَهْلَ البَيْتِ فِي‌ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولاً يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الغَالِينَ، وَانْتِحَالَ المُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الجَاهِلِينَ [10].

 أي‌ أنـّهم‌ يصرفونهم‌ عن‌ ذلك‌ الطريق‌ المنحرف‌، ويُبعدون‌ تحريف‌ الغالين‌ وانتحال‌ المبطلين‌ وتأويل‌ الجاهلين‌.

 وثمّة‌ رواية‌ أُخري‌ يرويها الكليني‌ّ عن‌ محمّد بن‌ الحسن‌ و علی ‌ّبن‌ محمّد، عن‌ سَهْل‌ بن‌ زياد؛ ومحمّد بن‌ يحيي‌، عن‌ أحمد بن‌ محمّد، وكلاهما عن‌ جعفر بن‌ محمّد الاشعري‌ّ، عن‌ عبد الله‌ بن‌ ميمون‌ القدّاح‌، وعلي‌ّبن‌ إبراهيم‌، عن‌ أبيه‌، عن‌ حَمّاد بن‌ عيسي‌، عن‌ القَدّاح‌، عن‌ الإمام‌ الصادق‌ علیه السلام‌، أنـّه‌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ  وآلِهِ وَسَلَّم‌:...وَإنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الاَنْبِيَاءِ؛ إنَّ الاَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَاراً وَلاَ دِرْهَماً وَلَكِنْ وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ [11].

 وسند هذه‌ الرواية‌ صحيح‌. ومفادها نفس‌ مفاد الرواية‌ الاُولي‌.

 فالروايات‌ الآنفة‌ الذكر تدلّ علی أنَّ العلماء ورثة‌ الانبياء.

 وأمّا الطائفة‌ الاُخري‌ من‌ الروايات‌ التي‌ تدلّ علی أنَّ الفقهاء أُمناء الرسل‌ وأُمناء الله‌، فمن‌ قبيل‌: الرواية‌ التي‌ رواها الكليني‌ّ في‌ « الكافي‌ » عن‌ علی ‌ّبن‌ إبراهيم‌، عن‌ أبيه‌، عن‌ النَّوفَلي‌ّ، عن‌ السَّكوني‌ّ، عن‌ الإمام‌ الصادق‌ علیه السلام‌:

 قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَیهِ  وَآلِهِ وَسَلَّمَ: الفُقَهَاءُ أُمَنَاءُ الرُّسُلِ مَا لَمْ يَدْخُلُوا فِي‌ الدُّنْيَا.

 قِيلَ يَا رَسُولَ اللَهِ: وَمَا دُخُولُهُمْ فِي‌ الدُّنْيَا؟ قَالَ: اتِّبَاعُ السُّلطَانِ. فَإذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَاحْذَرُوهُمْ عَلَی دِينِكُمْ [12].

 والمراد باتّباع‌ السلطان‌ هو اتّباع‌ حاكم‌ الجور والدخول‌ في‌ أجهزته‌ واتّباعهم‌ وإمضاء أعمالهم‌ وتصرّفاتهم‌، وهو ما لا يجوز مطلقاً تحت‌ أي‌ّ عنوان‌ أو شغل‌ كان‌. ففي‌ كلّ زمان‌ قام‌ العلماء بذلك‌، أي‌ اتّبعوا السلطان‌، فاحذروهم‌ علی دينكم‌ واجتنبوا عنهم‌، لانـّهم‌ يحرقون‌ دينكم‌ بالنار، ويفسدونه‌ ويقضون‌ علیه. لانـّهم‌ قد فسدوا باتّباع‌ السلطان‌، ولانـّهم‌ لايتّبعون‌ السلطان‌ ولا يرتضون‌ ذلك‌ إلاّ بعد أن‌ تفسد قلوبهم‌ وتسودّ، وبعد أن‌ يميلون‌ إلی جانب‌ السلطان‌ بنحو ذلك‌ السواد والفساد في‌ قلوبهم‌ باستمرار ويكثر إلی أن‌ ينحرفوا عن‌ الحقّ بشكل‌ كامل‌. وعليه‌، فلاتتّبعوا هؤلاء، لانـّهم‌ سوف‌ يفسدونكم‌.

 ومثل‌ الرواية‌ الاُخري‌ التي‌ يرويها الكليني‌ّ أيضاً عن‌ محمّدبن‌ يحيي‌ عن‌ أحمدبن‌ محمّد بن‌ عيسي‌ عن‌ محمّد بن‌ سنان‌ عن‌ إسماعيل‌ بن‌ جابر عن‌ الإمام‌ الصادق‌ علیه السلام‌ أنـّه‌ قال‌: العُلَمَاءُ أُمَنَاءُ، وَالاَتْقِيَاءُ حُصُونٌ، وَالاَوصِيَاءُ سَادَةٌ [13].

 « العلماء أُمناء الله‌ ». أي‌ أنَّ من‌ يرجع‌ إليهم‌ فإنَّما يرجع‌ إلی شخص‌ أمين‌، ويدخل‌ في‌ الامان‌. ويُحفظ‌ من‌ شرّ الحوادث‌ والوساوس‌ والخطرات‌ الشيطانيّة‌، أي‌ كما يُسلِّم‌ الشخص‌ الذي‌ يكون‌ عازماً علی السفر بيته‌ لشخص‌ أمين‌، ليقوم‌ ذلك‌ الامين‌ بالمحافظة‌ علی زوجته‌ وأولاده‌ وأمواله‌ وشرفه‌ واعتباره‌ إلی أن‌ يعود من‌ السفر، فالعلماء أيضاً أُمناء الله‌. «وَالاَتْقِيَاءُ حُصُونٌ» أي‌ أنَّ الاشخاص‌ الاتقياء والمطهّرين‌ هم‌ قلاع‌ الإسلام‌ التي‌ تحفظه‌ من‌ الحوادث‌ والشرور التي‌ تصل‌ إليه‌ من‌ الخارج‌ التي‌ تطيل‌ الاُمّة‌ الإسلاميّة‌. «وَالاَوصِيَاءُ سَادَةٌ» أي‌ سادة‌ الاُمّة‌ وقادتها ورؤساؤها.

 أمّا تلك‌ الروايات‌ التي‌ تدلّ علی أنَّ المؤمنين‌ والفقهاء حصون‌ الإسلام‌ فمن‌ قبيل‌ الرواية‌ التي‌ ينقلها الكليني‌ّ عن‌ محمّد بن‌ يحيي‌، عن‌ أحمدبن‌ محمّد عن‌ ابن‌ محبوب‌، عن‌ علی ‌ّ بن‌ أبي‌ حمزة‌ أنـّه‌ قال‌: سمعت‌ الإمام‌ موسي‌ بن‌ جعفر علیه السلام‌ يقول‌: إذَا مَاتَ المُوْمِنُ بَكَتْ عَلَیهِ  المَلائِكَةُ وَبِقَاعُ الاَرْضِ الَّتي‌ كَانَ يَعْبُدُ اللَهَ عَلَی هَا وَأَبْوَابُ السَّمَاءِ الَّتِي‌ كَانَ يُصْعَدُ فِيهَا بِأَعْمَالِهِ وَثُلِمَ فِي‌ الإسلامِ ثُلْمَةٌ لاَ يَسُدُّهَا شَي‌ءٌ؛ لاَنَّ المُؤْمِنِينَ الفُقَهَاءَ حُصُونُ الإسلامِ كَحِصْنِ سُورِ المَدِينَةِلَهَا[14].

 فالمؤمنون‌ الذين‌ يكونون‌ فقهاء هم‌ حصون‌ وقلاع‌ الإسلام‌، وإذا كُسرت‌ القلعة‌ يفقد أهلها كلّ أمان‌. فيتوقّف‌ حفظ‌ وصيانة‌ النساء والاطفال‌ والاموال‌ وكلّ من‌ يعيش‌ في‌ القلعة‌ علی تلك‌ الجدران‌ التي‌ تحيط‌ بها. فتلك‌ الجدران‌ إذَن‌ هي‌ الحافظة‌ لاهل‌ القلعة‌، وإذا هُدِّمَتْ الجدران‌ فسوف‌ يتعرّض‌ الجميع‌ للاعتداء من‌ الخارج‌ باستمرار، وسيتعرّضون‌ لهتك‌ العرض‌ والإغارة‌ علی المال‌ وسلب‌ العزّة‌ والشرف‌.

 «لاَنَّ المُوْمِنِينَ الفُقَهَاءَ حُصُونُ كَحِصْنِ سُورِ المَدِينَةِ لَهَا»

 واستدلّ البعض‌ للولاية‌ والقضاء بهذه‌ الفقرة‌ «الفُقَهَاءُ حُصُونُ الإسلامِ» وبتلك‌ الجملتين‌ السابقتين‌ «الفُقَهَاءُ أُمَنَاءُ الرُّسُلِ» و «العُلَمَاءُ وَرَثَةُ الاَنْبِيَاءِ». فوراثة‌ الانبياء تشمل‌ جميع‌ مناصب‌ المورّث‌. والوراثة‌ تعني‌ أنَّ الوارث‌ يرث‌ من‌ جميع‌ مناصب‌ المورّث‌. ومن‌ جملة‌ مناصب‌ الانبياء: الولاية‌ والقضاء. كما أنـّهم‌ أُمناء وحصون‌ الإسلام‌ أو أنـّهم‌ أُمناء رسل‌الله‌ كذلك‌.

 الرجوع الي الفهرس

النتيجة‌ الحاصلة‌ والمستفادة‌ من‌ هذه‌ الروايات‌

 وَلَكِنَّ الإنْصافَ عَدَمُ دَلالَةِ رِواياتِ الوِراثَةِ عَلَی ذَلِك‌؛ لانَّ روايات‌ الوراثة‌ هي‌ في‌ مقام‌ بيان‌ فضيلة‌ العالم‌. والشاهد علی هذا المطلب‌ ذيل‌ ذينك‌ الحديثين‌ اللذين‌ نقلناهما. فذلك‌ الذيل‌ صريح‌ في‌ أنَّ المراد من‌ الإرث‌ هو إرث‌ العلوم‌ والاحاديث‌، لانـَّه‌ علیه السلام‌ قال‌ في‌ ذيل‌ الرواية‌ الاُولي‌: وَذَاكَ أَنَّ الاَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِرْهَماً وَلاَ دِينَاراً وَإنَّمَا أَوْرَثُوا أَحَادِيثَ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ فَمَنْ أَخَذَ بِشَي‌ءٍ مِنْهَا فَقَدْ أَخَذَ حَظَّاً وَافِراً. كما في‌ ذيل‌ الرواية‌ الثانية‌: وَلَكِنْ وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ. فهاتان‌ الروايتان‌ إذَن‌ واردتان‌ في‌ مقام‌ بيان‌ وراثة‌ العلم‌ لا نستطيع‌ أن‌ نتعدّي‌ منه‌ إلی مقام‌ القضاء والولاية‌.

 وأمّا: الفقهاء حصون‌ الإسلام‌، والفقهاء أُمناء الرسل‌، فهذا جيّد؛ وَلاَبَأْسَ بِالاَخْذِ بِإطلاقِهِما في‌ كُلِّ ما يَرْجِعُ إلَی حِفْظِ الإسلامِ وَمَناصِبِ الرُّسُلِ مِنَ الوَلايَةِ وَالقَضاءِ وَ الإفتاء.

 ونستطيع‌ أن‌ نستفيد من‌ هذه‌ الروايات‌ ذلك‌ التقرير الذي‌ بيّنّاه‌ في‌ المراحل‌ الثلاث‌: القضاء و الإفتاء والولاية‌. ( فكما أنَّ حصن‌ المدينة‌ وسورهايحفظ‌ أهلها علی نحو الإطلاق‌، فكذلك‌ الفقهاء يحفظون‌ أهل‌ الإسلام‌ من‌ الحوادث‌ الخارجيّة‌. وكذلك‌ الامين‌ أمينٌ في‌ جميع‌ مَا يَرْجِعُ إلَيهِ المَأْمونُ مِنَ المَناصِبِ؛ مِن‌ مَناصِبِ الرِّسالَةِ وَالنُّبُوَّة‌. فهؤلاء العلماء الذين‌ هم‌ أُمناء وعُرِّفوا من‌ قِبَل‌ الانبياء بصفة‌ أُمناء الرسل‌، يجب‌ أن‌ يقوموا بالحراسة‌ والسعي‌ في‌ حفظ‌ الامانة‌ في‌ جميع‌ الجهات‌ التي‌ ترجع‌ للانبياء، الاعمّ من‌ الولاية‌ والقضاء و الإفتاء ). وعلي‌ هذا، فنستطيع‌ استفادة‌ ولاية‌ الفقيه‌ من‌ روايات‌ « حُصون‌ الإسلام‌، وأُمناء الرسل‌ »، ولا يمكننا استفادة‌ ذلك‌ من‌ روايات‌ « ورثة‌ الانبياء ».

 اللَهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد

 الرجوع الي الفهرس

 

الدرس‌ الثاني‌ والعشرون‌:

 الدليل‌ العقلي‌ّ القطعي‌ّ علی لزوم‌ تشكيل‌ الحكومة‌

 

أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

بِسْـمِ اللَهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِـيـمِ

وصلَّي‌ اللَهُ عَلَی سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

ولَعْنَةُ اللَهِ عَلَی أعْدَائهِمْ أجْمَعِينَ مِنَ الآنَ إلَی قِيامِ يَوْمِ الدِّينِ

 ولاَ حَولَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَهِ العَلِي‌ِّ العَظِيمِ

حاجة‌ المجتمع‌ إلی الحافظ‌ للامانات‌ الإلهيّة‌والقائم‌بهداية‌الناس‌

 من‌ الروايات‌ التي‌ يمكن‌ الاستدلال‌ بها علی ولاية‌ الفقيه‌ هي‌ الرواية‌ التي‌ يرويها الصدوق‌ رحمة‌ الله‌ علیهفي‌ « علل‌ الشرائع‌ » بإسناده‌ عن‌ الفضل‌بن‌ شاذان‌، عن‌ أبي‌ الحسن‌ الرضا علیه السلام‌ [15]، إلی أن‌ قال‌:

 فَإنْ قَالَ قَائِلٌ: وَلِمَ جَعَلَ أُولِي‌ الاَمْرِ وَأَمَرَ بِطَاعَتِهِم‌؟

 قِيلَ: لِعِلَلٍ كَثِيرَةٍ.

 مِنْهَا: أَنَّ الخَلْقَ لَمَّا وُقِفُوا عَلَی حَدٍّ مَحْدُودٍ، وَأُمِرُوا أَنْ لاَيَتَعَدَّوا تِلكَ الحُدُودَ لِمَا فِيهِ مِن‌ فَسَادِهِمْ، لَمْ يَكُنْ يَثْبُتُ ذَلِكَ وَلاَ يَقُومُ إلاَّ بِأَنْ يَجْعَلَ عَلَیهِ مْ فِيهَا أَمِيناً يَأْخُذُهُمْ بِالوَقْتِ عِنْدَمَا أُبِيحَ لَهُمْ، وَيَمْنَعُهُمْ مِنَ التَّعَدِّي‌ عَلَی مَا حَظَرَ عَلَیهِ مْ؛ لاَنـَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَكَانَ أَحَدٌ لاَ يَتْرُكُ لَذَّتَهُ وَمَنْفَعَتَهُ لِفَسَادِ غَيْرِهِ فَجُعِلَ عَلَیهِ مْ قَيِّمٌ يَمْنَعُهُمْ مِنَ الفَسَادِ وَيُقِيمُ فِيهِمُ الحُدُودَ وَالاَحْكَامَ.

 هذه‌ إحدي‌ علل‌ جعل‌ أُولي‌ الامر.

 وَمِنْهَا: أَنَّا لاَ نَجِدُ فِرْقَةً مِنَ الفِرَقِ وَلاَ مِلَّةً مِنَ المِلَلِ بَقُوا وَعَاشُوا إلاَّ بِقَيِّمٍ وَرَئِيسٍ لِمَا لاَبُدَّ لَهُمْ مِنْهُ فِي‌ أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا؛ فَلَمْ يَجُزْ فِي‌ حِكْمَةِ الحَكِيمِ أَنْ يَتْرُكَ الخَلْقَ مِمَّا يَعْلَمُ أَنـَّهُ لاَبُدَّ لَهُمْ مِنْهُ، وَلاَ قِوَامَ لَهُمْ إلاَّ بِهِ، فَيُقَاتِلُونَ بِهِ عَدُوَّهُمْ، وَيُقَسِّمُونَ بِهِ فَيْئَهُمْ ( الغنائم‌ والمنافع‌ والفوائد )، وَيُقِيمُونَ بِهِ جُمُعَتَهُمْ وَجَمَاعَتَهُمْ، وَيُمْنَعُ ظَالِمُهُمْ مِنْ مَظْلُومِهِمْ.

 وَمِنْهَا: أَنـَّهُ لَوْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ إمَاماً قَيِّماً أَمِيناً حَافِظاً مُسْتَوْدَعاً لَدَرَسَتِ المِلَّةُ، وَذَهَبَ الدِّينُ، وَغُيِّرَتِ السُّنَنُ وَالاَحْكَامُ، وَلَزَادَ فِيهِ المُبْتَدِعُونَ، وَنَقَصَ مِنْهُ المُلْحِدُونَ، وَشَبَّهُوا ذَلِكَ عَلَی المُسْلِمِينَ؛ إذْ قَدْ وَجَدْنَا الخَلْقَ مَنْقُوصِينَ مُحْتَاجِينَ غَيْرَ كَامِلِينَ، مَعَ اخْتِلاَفِهِمْ وَاخْتِلاَفِ أَهْوَائِهِمْ وَتَشَتُّتِ حَالاَتِهِمْ؛ فَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ فِيهَا قَيِّماً حَافِظاً لِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ الاَوَّلُ لَفَسَدُوا عَلَی نَحْوِ مَا بَيَّنَّاهُ وَغُيِّرَتِ الشَّرَائِعُ وَالسُّنَنُ وَالاَحْكَامُ وَالإيمَانُ، وَكَانَ فِي‌ ذَلِكَ فَسَادُ الخَلْقِ أَجْمَعِينَ. [16]

 وهذه‌ هي‌ العلّة‌ الثالثة‌ التي‌ يذكرها الإمام‌ الرضا علیه السلام‌ لجعل‌ أُولي‌ الامر ونصبهم‌.

 فمستودع‌ يعني‌ مخزن‌، أي‌ يجب‌ أن‌ يكون‌ قلب‌ الإمام‌ وصدره‌ مخزناً للاسرار الإلهيّة‌، وأن‌ يري‌ الله‌ ذلك‌ الصدر والقلب‌ والفكر والإدراك‌ ذا سعة‌ وقابليّة‌ لكي‌ يضع‌ فيه‌ تلك‌ الاسرار كوديعة‌، فيقوم‌ قلب‌ ذلك‌ الولي‌ّ والإمام‌ بحفظها وحراستها دون‌ أن‌ يفقد تلك‌ الامانات‌ الإلهيّة‌ أو يضيّعها.

 ورد في‌ « أقرب‌ الموارد » في‌ مادّة‌ «وَدَعَ»: اسْتَوْدَعَهُ مالاً، أي‌ اسْتَحْفَظَهُ إيّاهُ، أي‌ دَفَعَهُ لَهُ وَديعَةً يَحْفَظُهُ؛ يُقالُ: اسْتَوْدَعْتُهُ الوَديعَةَ وَالوَدائِع‌.

 فيجب‌ إذَن‌ أن‌ يكون‌ الإمام‌ هكذا.

 وأورد هذه‌ الرواية‌ خالنا الاكرم‌ الحاجّ الملاّ أحمد النراقي‌ّ قدّس‌الله‌ نفسه‌ في‌ كتابه‌ الشريف‌ « عوائد الايّام‌ » لإثبات‌ ولاية‌ الفقيه‌.

 أقول‌: الاَولي‌ أن‌ نجعل‌ هذه‌ الرواية‌ الشريفة‌ من‌ أدلّة‌ ولاية‌ الإمام‌ علیه السلام‌، لانـّها وردت‌ في‌ بيان‌ علل‌ احتياج‌ الناس‌ لاُولي‌ الامر. ونحن‌ نعلم‌ أنَّ الائمّة‌ علیهم السلام‌: هُمُ المَخْصوصونَ بِهَذا العِنْوان‌.

 وأُولوالامرفي لسان‌القرآن‌هم‌الائمّة‌فقط‌،والآخرون‌ليسواواجدين‌ لمقام‌ العصمة‌. وقد حدّد النبي‌ّ عدد أُولي‌ الامر، وورد ذلك‌ في‌ كتب‌ الشيعة‌ والسنّة‌، بل‌ وورد ذكر أُولي‌ الامر الاثني‌ عشر جميعاً في‌ كتب‌ صحاح‌ أهل‌ السنّة‌. والآن‌، لو سألتم‌ أيّاً من‌ علمائهم‌: من‌ هم‌ هؤلاء الاثناعشر خليفة‌ الذين‌ ذكرتموهم‌ في‌ كتبكم‌ نقلاً عن‌ النبي‌ّ « الخلفاء من‌ بعدي‌ اثنا عشر » [17]؟ فلن‌ تجد لديهم‌ جواباً! إذَن‌ فديننا ليس‌ ديناً مختلقاً!

 لقد جعل‌ القرآن‌ وجوب‌ الإطاعة‌ لعنوان‌ أُولي‌ الامر. ولا نستطيع‌ أن‌ نطلق‌ أُولي‌ الامر ـطبقاً لتفسير نفس‌ القرآن‌ والاخبار المستفيضة‌ـ علی غيرالإمام‌ المعصوم‌. وعلي‌ هذا، فإنَّما يمكن‌ الاستدلال‌ بهذه‌ الرواية‌ علی وجوب‌ إطاعة‌ وقيمومة‌ وإمامة‌ المعصوم‌ فقط‌.

 اللَهُمّ إلاَّ أن‌ يُقال‌: إنَّ هذه‌ العلل‌ المذكورة‌ في‌ هذه‌ الرواية‌ للناس‌ المحتاجين‌ إلی قيّم‌، لكي‌ يقيم‌ الصلة‌ بينهم‌، ويؤسّس‌ مجتمعهم‌، ويوقفهم‌ عند حدودهم‌، ولا يسمح‌ لهم‌ بالتجاوز عن‌ تلك‌ الحدود أو بالإضرار بمصالح‌ بعضهم‌ من‌ أجل‌ زيادة‌ لذّاتهم‌ وشهواتهم‌، ولكي‌ يسير بهم‌ في‌ الصراط‌ المستقيم‌ والمنهاج‌ القويم‌ في‌ الدين‌ والدنيا، وهذه‌ العلل‌ موجودة‌ أيضاً في‌ زمان‌ الغيبة‌ بِعَيْنِ ما هِي‌َ مَوْجودَةٌ في‌ زَمَنِ الحُضور.

 وبناءً علی هذا، فيجب‌ أن‌ يُعيِّن‌ الإمام‌ علیه السلام‌ أشخاصاً من‌ الاُمّة‌، إمَّا علی وجه‌ التنصيص‌ الخاصّ، أو علی وجه‌ العموم‌، لكي‌ يتولّوا أُمور الناس‌ وتكون‌ لهم‌ ولاية‌ علی هم‌. وليس‌ هؤلاء إلاّ الفقهاء العدول‌ المأمونين‌ علی دين‌ الناس‌ ودنياهم‌، والحافظين‌ للشريعة‌ الإلهيّة‌ الغرّاء والخبراء بالوقائع‌ وأهل‌ البصيرة‌ بالاُمور.

 ولذا، نستطيع‌ بواسطة‌ هذا المتمّم‌ للبيان‌ والبرهان‌ أن‌ نستفيد من‌ هذه‌ الرواية‌ في‌ ولاية‌ الفقيه‌ في‌ زمان‌ الغيبة‌ أو زمان‌ الحضور، حيث‌ يكون‌ الإمام‌ في‌ السجن‌ أو في‌ النفي‌ أو يعيش‌ متخفّياً ولايستطيع‌ الناس‌ أن‌ يصلوا إليه‌.

 ومضمون‌ هذه‌ الرواية‌ العالي‌ التي‌ يذكرها الإمام‌ علیه السلام‌ هنا هو نفس‌ مضمون‌ ذلك‌ الاستدلال‌ العقلي‌ّ الذي‌ كنّا نذكره‌ لكثير من‌ الاصدقاء، ولاسيّما في‌ بداية‌ الثورة‌، حيث‌ كان‌ كثير من‌ الاشخاص‌ الذين‌ لايفقهون‌ معني‌ ولاية‌ الفقيه‌ يراجعون‌ ويسألون‌ عن‌ هذا الإسلام الذي‌ يجب‌ أن‌ يقام‌ علی أساس‌ ولاية‌ الفقيه‌، كيف‌ سيكون‌؟ وماذا يعني‌ أن‌ يأتي‌ من‌ يلبس‌ العمامة‌، لكي‌ تكون‌ له‌ الحكومة‌ علی جميع‌ الناس‌؟ وما هو تفسير ذلك‌؟ ونحن‌ لانفهم‌ معني‌ لولاية‌ الفقيه‌، فكنّا نجيب‌ علی أسألتهم‌ من‌ خلال‌ شرح‌ مقتضب‌، وكانوا يقنعون‌ به‌ جميعاً، وبيان‌ ذلك‌:

 الرجوع الي الفهرس

أنواع‌ الحكومات‌ البشريّة‌، ووجود الحكومة‌ بين‌ المتوحّشين و...

 نري‌ أنـّه‌ لو رأيت‌ أيّة‌ طائفة‌ أو جماعة‌ في‌ العالم‌ أن‌ تقوم‌ بعمل‌ جماعي‌ّ فإنَّها تحتاج‌ إلی رئيس‌، إذ من‌ الصحيح‌ أنَّ القيام‌ بالاعمال‌ الفرديّة‌ والشخصيّة‌ لا يحتاج‌ إلی قيّم‌، مثل‌ الاكل‌ أو الصلاة‌، ولكنَّ الاعمال‌ التي‌ تمارس‌ بشكل‌ جماعي‌ّ بخلاف‌ ذلك‌، فالاشخاص‌ الذين‌ يريدون‌ الذهاب‌ إلی الحجّ يحتاجون‌ إلی مدير للحملة‌ أو أمير للحاجّ يقوم‌ بترتيب‌ أُمورهم‌ وتنظيمها، ويكون‌ علیهفي‌ هذا السفر أن‌ يجمعهم‌ علی أساس‌ واحد ويبدّل‌ تشتّتهم‌ إلی تجمّع‌ منظّم‌ بحسن‌ إدارته‌ وقوّة‌ تفكيره‌.

 وعلي‌ هذا، فالسيرة‌ العقلائيّة‌ الضروريّة‌ ـحسب‌ ما يشير إليه‌ التأريخ‌ـ قائمة‌ علی أنَّ كلّ جماعة‌ تجتمع‌ تحت‌ راية‌ معيّنة‌ أو تقصد الذهاب‌ إلی الحرب‌ أو دفع‌ عدوٍّ ما علی ها أن‌ تختار رئيساً يكون‌ الاصلح‌ في‌ إدارة‌ الحرب‌ ودفع‌ المعتدين‌، وينبغي‌ أن‌ يكون‌ أشجع‌ من‌ الجميع‌، وأقلّهم‌ خوفاً، وأفضلهم‌ فكراً وحزماً في‌ كيفيّة‌ المواجهة‌ مع‌ العدوّ. ووجود هكذا رئيس‌ ضرورة‌ ملحّة‌.

 وكذلك‌ لو أراد أهالي‌ منطقة‌ ما تشكيل‌ مدرسة‌، فإنَّهم‌ يختارون‌ لتلك‌ المدرسة‌ رئيساً ليدير أُمور الاشخاص‌ علی اختلاف‌ أفكارهم‌. وهذه‌ سيرة‌ مستمرّة‌ بين‌ جماعات‌ الناس‌، ولم‌ نَرَ جماعة‌ بدون‌ رئيس‌ في‌ جميع‌ أنحاء العالم‌، وحتّي‌ متوحّشي‌ إفريقيا والغابات‌ ثمّة‌ رئيس‌ بينهم‌، ممّا يدلّ علی أنَّ قضيّة‌ وجود رئيس‌ والخضوع‌ لولايته‌ أمر مستمرّ، سواء كان‌ ذلك‌ الرئيس‌ إنساناً عاقلاً ومخلصاً أم‌ مستبدّاً، فأكثر الملوك‌ مستبدّون‌، لكنّهم‌ رؤساء لاقوامهم‌، وبيدهم‌ كلّ مجاري‌ الاُمور الاجتماعيّة‌ لاقوامهم‌ من‌ أمر ونهي‌.

 فهذه‌ إحدي‌ طرق‌ إدارة‌ المجتمع‌، وثمّة‌ طريقة‌ أُخري‌ هي‌ الطريقة‌ الجمهوريّة‌، حيث‌ يكون‌ مركز القرار الاخير بعد اللتيا والتي‌ وانعقاد المجالس‌ المتعدّدة‌، وطرح‌ الآراء والافكار المختلفة‌ هو نفس‌ رئيس‌ الجمهوريّة‌ أيضاً، فما لم‌ يأمر لا يتمّ التنفيذ، ومنه‌ يصدر الامر وينزل‌ إلی باقي‌ الطبقات‌.

 ومن‌ أقسام‌ الحكومة‌ أيضاً، الحكومة‌ الدستوريّة‌، حيث‌ لاتعطي‌ للملك‌ فيها مسؤوليّة‌، بل‌ تكون‌ المسؤوليّة‌ للمجلس‌، ويُعطي‌ الملك‌ حقّ التقرير، فلاينفّذ ما يقرّه‌ المجلس‌ دون‌ إقرار الملك‌ لذلك‌. فيكون‌ تقرير الملك‌ الجزء الاخير من‌ العلّة‌ التامّة‌ في‌ صدور ذلك‌ الامر ولزومه‌، ويكون‌ الامر أمر الملك‌.

 وتجري‌ الاُمور في‌ الإسلام علی أساس‌ هذه‌ السيرة‌ العقلائيّة‌ أيضاً، وذلك‌ لانَّ الاساس‌ هو أساس‌ النبوّة‌ والحكومة‌ العادلة‌، وأنَّ الدُّنْيَا مَزْرَعَةُ الآخِرَةِ، و الدُّنْيَا مَتْجَرَةُ الآخِرَةِ؛ وهو قائم‌ علی التضحية‌ والإيثار والتسامح‌، وعلي‌ هداية‌ جميع‌ البشر، والجهاد علی أساس‌ الحدود الإنسانيّة‌، وعلي‌ التقوي‌ والتعاون‌، وعلي‌ الفقاهة‌ والعلم‌. فالقرآن‌ كتاب‌ يدعو إلی العلم‌، ويسير بالمجتمع‌ علی أساس‌ العلم‌، ومن‌ الطبيعي‌ّ وجوب‌ كون‌ ذلك‌ الشخص‌ الذي‌ يعيّنه‌ الإسلام علی المسلمين‌ هو أعقل‌ من‌ في‌ الاُمّة‌، وأعلمهم‌، وأكثرهم‌ فقهاً بكتاب‌ الله‌، وأعرفهم‌ بسنّة‌ النبي‌ّ ونهجه‌، وأكثرهم‌ تقوي‌ واجتهاداً في‌ الإعراض‌ عن‌ الدنيا، وأوسعهم‌ صدراً، وأعلاهم‌ همّة‌ وشجاعة‌، وأقواهم‌ نفساً، وأقدرهم‌ تدبيراً، متجاوزاً لهوي‌ نفسه‌، ومتّصلاً بعالم‌ الغيب‌، عابراً للجزئيّة‌ وواصلاً إلی الكلّيّة‌، وذلك‌ لانـّه‌ يريد أن‌ يسير بالناس‌ في‌ صراط‌ الدين‌.

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

ارجاعات


[1] ـ قسم‌ من‌ الآية‌ 35، من‌ السورة‌ 10: يونس‌.

[2] ـ قسم‌ من‌ الآية‌ 32، من‌ السورة‌ 10: يونس‌.

[3] ـ  «وسائل‌ الشيعة‌» ج‌ 18، ص‌ 101 أبواب‌ صفات‌ القاضي‌، حديث‌ 9.

[4] ـ «كتاب‌ الحجّ» ج‌ 3، ص‌ 348، طبعة‌ النجف‌.

[5] ـ«نهج‌ البلاغة‌» باب‌ الرسائل‌، رسالة‌ 53؛ وفي‌ «نهج‌ البلاغة‌» طبعة‌ مصر بتعليقة‌ الشيخ‌ محمّد عبده‌، ج‌ 2، ص‌ 94.

[6] ـقسم‌ من‌ الآية‌ 23، من‌ السورة‌ 17: الاءسراء.

[7] ـ «المغازي‌» للواقدي‌ّ، ج‌ 3، ص‌ 1073 و 1075.

[8] ـالآية‌ 118، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[9] ـالآية‌ 122، من‌ السورة‌ 9: التوبة‌.

[10] ـ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 1، كتاب‌ فضل‌ العلم‌، باب‌ 2، ص‌ 32، طبعة‌ المطبعة‌ الحيدريّة‌ بطهران‌.

[11] ـ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 1، كتاب‌ فضل‌ العلم‌، باب‌ 4، ص‌ 34.

[12] ـ  «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 1، ص‌ 46.

[13] ـ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 1، باب‌ صفة‌ العلم‌ وفضله‌ وفضل‌العلماء، ص‌ 33، حديث‌ 5، طبعة‌ المطبعة‌ الحيدريّة‌.

[14] ـ «ـ «أُصول‌ الكافي‌» ج‌ 1، باب‌ فقد العلماء، ص‌ 38، حديث‌ 3، طبعة‌ المطبعة‌ الحيدريّة‌.

[15] ـ هذه‌ الرواية‌ طويلة‌ جدّاً، وهي‌ في‌ كتاب‌ «علل‌ الشرائع‌» ج‌ 1، حديث‌ 9، باب182 «علل‌ الشرائع‌ وأُصول‌ الاءسلام‌» ص‌ 251 إلي‌ 275 يعني‌ قد استوعبت‌ 24 صفحة‌ تقريباً من‌ صفحات‌ القطع‌ الوزيري‌ّ، وفقرات‌ مورد الاستشهاد في‌ ص‌ 253. وأصل‌ الرواية‌ هكذا: حَدَّثَني‌ عَبْدُ الواحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدوسِ النَّيْسابوري‌ِّ العَطَّارِ، قالَ: حَدَّثَني‌ أبوالحَسَن‌ عَلِي‌ُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ قُتَيبَةِ النَّيْسابُوري‌ُّ، قالَ: قالَ أبو مُحَمَّدٍ الفَضْلُ بنُ شاذانَ النَّيْسابوري‌ٌّ: إن‌ سَأَلَ سائِلٌ فَقَالَ: أَخْبِرنِي‌... وهنا يذكر الفضل‌ بن‌ شاذان‌ بنفسه‌ هذا الحديث‌ المطوّل‌ بكامله‌، وفي‌ نهايته‌ يروي‌ الشيخ‌ الصدوق‌ ـوالذي‌ هو راوي‌ هذا الحديثبنفس‌ هذا السند عن‌ علي‌ّ بن‌ محمّدبن‌ قتيبة‌ النيسابوري‌ّ أنـّه‌ قال‌: قلت‌ للفضل‌ بن‌ شاذان‌ لما سمعت‌ منه‌ من‌ هذه‌ العلل‌: أخبرني‌ عن‌ هذه‌ العلل‌ التي‌ ذكرتها عن‌ الاستنباط‌ والاستخراج‌ وهي‌ من‌ نتائج‌ العقل‌ أو ممّا سمعته‌ ï ïورويته‌؟فقال‌ لي‌: ما كنت‌ أعلم‌ مراد الله‌ بما فرض‌، ولا مراد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌ بما شرّع‌ وسنّن‌، ولا أُعلِّل‌ ذلك‌ من‌ ذات‌ نفسي‌، بل‌ سمعنا من‌ مولاي‌ أبي‌ الحسن‌ علي‌ّبن‌ موسي‌ الرضا عليه‌ السلام‌ مرّة‌ بعد مرّة‌، والشي‌ء بعد الشي‌ء فجمعتها. فقلت‌: فأُحدِّث‌ بها عنك‌ عن‌ الرضا عليه‌ السلام‌؟ فقال‌: نعم‌.

 [16]ـذكر آية‌ الله‌ الحاجّ الملاّ أحمد النراقي‌ّ قدَّس‌ اللهُ سِرَّه‌ تلك‌ الفقرات‌ التي‌ أوردناها هنا من‌ الروايات‌ في‌ كتابه‌ «عوائد الايّام‌» ص‌ 187، حديث‌ 19، باب‌ تحديد ولاية‌ الحاكم‌، الطبعة‌ الحجريّة‌.

[17] ـ وردت‌ روايات‌ كثيرة‌ في‌ كتب‌ الخاصّة‌ والعامّة‌ في‌ انحصار الائمّة‌ والخلفاء بعد النبي‌ّ باثني‌ عشر شخصاً، أُشير إلي‌ عدد منها في‌ «بحار الانوار» ج‌ 36، ص‌ 226 إلي373 الباب41 من‌ أبواب‌ تأريخ‌ أمير المؤمنين‌، طبعة‌ الآخوندي‌ّ؛ وفي‌ «ينابيع‌ المودّة‌» ص440 إلي447، البابان‌ 76 و 77، طبعة‌ إستانبول‌.

 

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com