|
|
الصفحة السابقةكلام الحكيم السبزواريّ في أصالة الوجود وعينيّة وجود الحقّوقد قال الحكيم في شرحه لهذا البيت : « لقد اختلف الحكماء بخصوص القولين ، وذلك أوّلاً أنّ الاصالة في التحقّق هي للوجود وأنّ الماهيّة هي أمر اعتباريّ ومفهوم يُشير إليه ويتّحد معه ، وهذا هو قول المحقّقين من المشّائين والصفوة من أصحابنا . وثانياً أنّ الاصالة تكمن في تحقّق الماهيّة وأنّ الوجود إنّما هو أمر اعتباريّ لا غير ، وهو قول شيخ الإشراق شهاب الدين السهرورديّ قدّس الله سرّه » [1] . وعلی كلّ حال ، فإنّ هذا البحث متعلّق بالموجودات التي تحمل كلتا الصفتين ، أي الوجود والماهيّة ، أمّا ما يخصّ الذات المقدّسة للحقّ تعالي فإنّ ماهيّتها هي عين وجودها ولا ماهيّة لها خارج عينيّة وإنّيّة الوجود ونفس تحقّق الكينونة حتّي يُطلق علیها ماهيّةً في مقابل وجوده تعالي كما قال : وَالـحَـقُّ مَـاهِـيَّـتُــهُ إنِّـيَّـتُـهْ إذْ مُقْتَضَي العُرُوضِ مَعْلُولِيَّتُهْ ويقول في شرح البيت المذكور : «لَكِنَّا إذَا قُلْنَا إنَّهُ حَقٌّ فَلاِ نَّهُ الوَاجِبُ الَّذِي لاَ يُخَالِطُهُ بُطْلاَنٌ ، وَبِهِ يَجِبُ وُجُودُ كُلِّ بَاطِلٍ ؛ * أَلاَ كُلُّ شَيءٍ مَا خَلاَ اللَهَ بَاطِلُ * انتهي ( قول المعلّم الثاني ) . «مَاهِيَّتُهُ» أَيْ مَا بِهِ هُوَ هُوَ «إنِّيَّتُهُ» إضَافَةُ الإنِّيَّةِ إلَيْهِ تَعَالَي إشَارَةٌ إلَي أَنَّ المُرَادَ عَيْنِيَّةُ وُجُودِهِ الخَاصِّ الَّذِي بِهِ مَوْجُودِيَّتُهُ ، لاَ الوُجُودُ المُطْلَقُ المُشْتَرَكُ فِيهِ ؛ لاِ نَّهُ زَائِدٌ فِي الجَمِيعِ عِنْدَ الجَمِيعِ . فَهُوَ صِرْفُ النُّورِ وَبَحْتُ الوُجُودِ الَّذِي هُوَ عَيْنُ الوَحْدَةِ الحَقَّةِ وَالهُويَّةِ الشَّخْصِيَّةِ . [2] الاحسائيّ معتقد بثنويّة «يزدان» و«أهريمن» في لباس الوجود والماهيّةولعلّ أبرز الإشكالات التي تعترض مسألة توحيد الحقّ تعالي هي الشرور ، فتارة تُناقش هذه المسألة من ناحية صفة العدل وتارة من ناحية حكمته . ويروي لنا التأريخ أنّ الإيرانيّين كانوا من أوائل الشعوب التي رأت أنّ حلّ تلك الإشكالات يكمن في وجود مبدأين في عالم الخلقة والتكوين وفي عالم صفة الذات الازليّة القديمة فاعتقدت بالثنويّة في الوجود . [3] وهو الامر نفسه الذي كان الشيخ أحمد الاحسائيّ يرزح تحت وطأته هو الا´خر ، ولهذا رأينا كيف أ نّه كان يؤمن بأصلين أصيلين وركنين شديدين وأساسين قويمين أزليّين في حلّه مسألة الشرور في مقابل الخيرات ، وكان يُقرِن الماهيّة والوجـود جنباً إلي جنب في هذه المسـألة ؛ ثمّ لجـأ في نهاية الامـر إلي الاعتقاد بـ يزدان [4] و أهريمن [5] باسـم الوجود و الماهيّة . ولا شكّ أنّ هذه المسألة هي من أوضح المسائل موضع نقاش في الإسلام وأبلغها دلالة وأسطعها برهاناً حتّي أنّ المجوس في الماضي تقبّلوا فكرة التوحيد التي يعالجها القرآن بالرغم ممّا عُرف عنهم من تصلّب في عقيدة الثنويّة وبالرغم كذلك من وجود حكماء وفلاسفة ذوي شأن لديهم في هذه المسألة ، مضافاً إلي ما كانوا يمتلكونه من عقل ودراية وكياسة . ثمّ تغيّر ذلك الدين القويم والمعتقد العميق الجذور الذي كان راسخاً بينهم لا´لاف من السنين ومتأصّلاً فيهم ، بحيث خرج فيهم فلاسفة مشهورون بحثوا مسألة التوحيد والقرآن منذ بداية ظهور الإسلام حتّي أصبحوا بذلك أمثلة يُحتذي بها . والحقّ أنّ نبيّ الله زرادشت لم يستطع أن يستأصل جذور الثنويّة في بداية دعوته ، ومع أ نّه كان يدعو إلي التوحيد ، ويعزي مصدر الشرور إلي أهريمن الذي هو أحد مخلوقات الله ، واعتبار اهورْ مَزْدا المؤثّر الوحيد في الخلقة والصفات ؛ إلاّ أ نّه وبالرغم من ذلك لم تمض علی شريعته فترة طويلة حتّي تغيّرت بشكل جذريّ بعد وفاته وعاد عامّة الناس من جديد إلي الثنويّة التي كانت معتقدهم الاوّل والمتجذّر فيهم ، فبدلّوا شريعة زرادشت وحرّفوها ما استطاعوا إلي ذلك سبيلاً . والحقّ أنّ إعجاز القرآن وكرامته وأصالته ورسالة نبيّنا كان لهما أبلغ الاثر في نفوس قدماء الإيرانيّين والفرس الاوائل ممّا جعلهم يتقبّلون مذهب التوحيد وأُشربوا في قلوبهم هذا الدين الجديد ، وطووا صفحة أهورمَزْدا وأهريمن ( يزدان وديو = الإله والشيطان ) وإلي الابد . فخرّجوا للعالم علماء ذوي شأن وحكماء فطاحل ومؤرّخين يحملون فكرة التوحيد ، وأخيراً ذوي عزّة ومقام ومجاهدين صادقين . ولعلّ من المناسب واللائق أن نورد هنا مزيداً من البيان والتوضيح حول جذور الثنويّة مقتبسين بعضاً من كلام الصديق العزيز المرحوم آية الله الحاجّ الشيخ مرتضي المطهّريّ أعلی الله مقامه إحياءً لاسمه وتخليداً لذكراه ، مادمنا هنا نبحث مسألة الثنويّة ونبذها من وجهة نظر الإسلام وذلك لإبطال عقيدة أصالة الوجود والماهيّة ومذهب الشيخيّة ، بعد أن قمنا بتفنيد أُصول معتقداتهم في هذه المسألة وبيّنا أنّ جميع الكوارث الثقافيّة والعقائديّة التي رمت بالشيخ الاحسائيّ في أحضان الثنويّة المتهرّئة والفاسدة منشأها جهله بمسائل الحكمة والاُصول المتقنة للفلاسفة والنهج الصحيح للعرفاء بالله وأوليائه ، بسبب تعنّته وتشبّثه بآرائه الشخصيّة في دخوله معترك مسائل المعقول بحيث لم يستطع النجاة بنفسه من هذا المستنقع . فبعد أن يناقش ( الشيخ المطهريّ ) بعض الاسئلة المطروحة من قبل المادّيّين والشيوعيّين ، وبعض الافراد الذين يجهلون مسائل التوحيد وذلك فيما يخصّ الشرور والاضرار والا´لام والمصائب والامراض والوفيّات والجراثيم والزلازل والفيضانات والمعوّقين علی الاخصّ وأنسالهم ، يقول : « هذه بعض الاسئلة التي تُطرح حول مسألتي العدل والظلم . ومهما يكن من أمر فإنّه يمكن طرحها مع قليل من الاختلاف تحت عناوين أُخري والتي هي الاُخري تنطوي تحت لواء مسائل الإلهيّات تماماً كمسألتَي العدل والظلم ، من مثل الغايات في العلّة والمعلول ، ومسألة العناية الإلهيّة عند بحث صفات الواجب ... . وهذه المسائل نفسها يمكن طرحها عند بحث مسألة التوحيد مع اختلاف طفيف تحت عنوان « الخير والشر » . ويكمن الإشكال في أنّ : هناك مبدأ ثُنائيّاً يتحكّم بالطبيعة ، وعلیه يلزم أن يكون للمسألة أصلان . في الواقع ، أنّ مسألة الخير والشرّ تُبحث أحياناً في باب التوحيد لتفنيد شبهة الثنويّة ، وتُبحث أحياناً أُخري في باب العناية الإلهيّة التي ترجع إلي مسألة الحكمة البالغة . وهنا يقال : إنّ العناية الإلهيّة تستوجب أن ننسب كلّ حدثٍ إلي الخير والكمال ، وإنّ النظام الموجود هو النظام الامثل ؛ ولذا فمن المفروض أن لا تكون هناك شرور ونقائص تُنزل بالنظام الامثل أذيً كبيراً ، في حين أ نّنا نشهد وجود هذه الشرور والنقائص موجودة ... . مسألة الشرور : إنّ الإشكال المزدوج الوارد علی العدل والحكمة الإلهيّين يكمن في وجود المصائب والمحن ، وبعبارة أدقّ « مسألة الشرور » . ويمكن إدراج مسألة الشرور في باب الظلم ، أي باعتبارها مثلباً موجّهاً إلي العدل الإلهيّ ؛ ويمكن أن تدرج كذلك في باب الظواهر العبثيّة كنفي للحكمة الإلهيّة البالغة . ومن هذا المنطلق ، يمكن اعتبارها أيضاً سبباً للانحراف نحو المادّيّة . فمثلاً عندما نعتبر التحصينات الدفاعيّة والامنيّة للكائنات الحيّة ضدّ الاخطار شاهداً ودليلاً علی النظام والحكمة الإلهيّين ، يطرح هذا السؤال نفسه وهو : لماذا يوجد هناك خطر أساساً حتّي تبرز الحاجة إلي اتّخاذ أنظمة دفاعيّة وأمنيّة ؟ ما الهدف من وجود جراثيم ضارّة حتّي تتمّ محاربتها بواسطة الكريّات البيض ؟ لماذا تُخلق الوحوش المفترسة لتكون هناك حاجة إلي امتلاك أرجل قويّة للفرار أو قروناً قويّة للدفاع ؟ ففي عالم الحيوان نري مثلاً أنّ الحيوانات الضعيفة المعرّضة للافتراس من قِبل الوحوش والحيوانات القويّة تتميّز بالخوف والجفول وغريزة الفرار ، في حين تتّسم الاخيرة بالوحشيّة وصفة الافتراس . ويواجه بنو البشر سؤالاً محيّراً وهو : لماذا كلّ أسباب الهجوم والاعتداء تلك حتّي يكون هناك بالمقابل وسائل دفاعيّة مصمّمة علی أساس محسوب ومدروس ؟ وكما ذُكر آنفاً فإنّ مسألة الشرور تصطدم ببحوث الإلهيّات في مكان آخر كذلك ؛ وأعني بذلك مسألة : التوحيد والثنويّة . حسب النقل التأريخيّ : كان الإ يرانيّون الآريّون يقولون بالثنويّةالثنويّة . صنّف البشر ، وخصوصاً الجنس الا´ريّ ، منذ أقدم العصور ، الظواهر في العالم إلي قسمين ( الخير والشرّ ) . فكانوا يعتبرون النور والمطر والشمس والارض وأشياء أُخري كثيرة في عداد الخير أو الحسنات ؛ في حين عدّ الظلمة والجدب والقحط والفيضان والزلازل والامراض والوحوش المفترسة والعظائيّات في عداد السيّئات والشرور . والواقع ، فإنّ البشر كان يتّخذ من نفسه مقياساً لهذا التصنيف ومحوراً له ؛ أي أ نّه كان يصنّف كلّما يدرّ علیه بالخير والفائدة في قائمة الخير ، وفي المقابل كان يطلق علی كلّ ما يجلب له الضرر شرّاً . حتّي خطرت هذه المسألة في أذهان الاوائل من البشر وهي هل يكون خالق الحسنات والخيرات هو نفسه الخالق للسيئات والشرور ، أم أنّ للخيرات خالق وللسيّئات موجداً آخر غيره ؟ وهل يكون الخالق للخير والشرّ واحد أم يجب القول بوجود مبدأين في هذا العالم ؟ فاعتقد البعض أنّ ذلك يعتمد علی الخالق نفسه ، فإمّا أن يكون خيراً وخيّراً ، أو أن يكون شرّاً وشرّيراً . فإن كان خيراً أحجم عن خلق الشرور ، وإذا كان شرّاً امتنع عن إيجاد الخيرات والحسنات . فاضطرّوا ، نتيجة لذلك ، إلي الاعتقاد بمبدأين وخالقين في هذا العالم . وهنا ظهرت الثنويّة في إيران القديمة ، وهي عبادة إلهينِ معاً ، فآمنوا بوجود إلهين هما اهورامَزْدا وأهريمن اللذين عُبّر عنهما فيما بعد بيزدان وأهريمن . ويروي لنا التأريخ أنّ الجنس الا´ريّ ذهب بعد استقراره في بلاد إيران إلي عبادة مظاهر الطبيعة ـ مظاهر الخير بالطبع كالنار والشمس والمطر والتراب والريح . ويعتقد المؤرّخون أنّ الإيرانيّين لم يعبدوا الشرور ؛ إلاّ أ نّه كان هناك شعبٌ غير الجنس الا´ريّ يعيش جنباً إلي جنب معه وكان هذا الشعب هو الذي يعبد السيّئات والشرور كذلك حيث كان الهدف من عبادته تلك إرضاء الارواح الخبيثة . فما كان موجوداً في إيران القديمة يتمثّل بالاعتقاد بأصلَيْن وخالِقَيْن وليس عبادة إلهَيْن معاً . أي أنّ الإيرانيّين كانوا يقولون بـ « الشرك في الخَلْق » لا « الشرك في العبادة » . كون زرادشت موحّداً من الا´ثار الإ سلاميّة وليس من تحقيق المؤرّخينثمّ ظهر زرادشت بعد ذلك ؛ ولا يُعرَف بوضوح من الناحية التأريخيّة علی الاقلّ فيما إذا كانت دعوة زرادشت هذا في الاصل دعوة توحيديّة أو دعوة ثنويّة . مضافاً إلي ذلك فإنّ كتاب الاوِسْـتا الموجـود في حوزتنا حاليّاً لم يتكفّل برفع تلك الشبهة أو إزالة ذلك الغموض ، ويرجع السبب في هذا إلي وجود اختلاف وتناقض كبيرَيْن بين أجزائه وفصوله المختلفة . فالقسم المسمّي منه بالـ « وَنْديداد » ينطق صراحة بالثنويّة ، في حين لا يمكن العثور علی ذلك في القسم الذي يبدأ فيه من الـ « گاتا » [6] بجلإ ، بل العكس من ذلك فإنّ بعض المحقّقين يجيز لنفسه الادّعاء باستنباط آثار واضحة المعالم حول التوحيد في هذا القسم . وبسبب هذا التباين والاختلاف الكبير يعتقد أهل البحث والتحقيق : أنّ كتاب الاوِسْتا الموجود حاليّاً ليس من نتاج شخص واحد ، بل إنّ كلّ جزء منه يعود لشخص معيّن . والبحوث التأريخيّة في هذا الحقل غير وافيه ، لكنّنا وطبقاً للتصورّات الإسلاميّة التي نحملها عن المجوس نستطيع أن نستنبط بأنّ الديانة الزرادشتيّة كانت في البداية شريعة توحيديّة . لانّ الزرادشتيّين ، وحسب اعتقاد غالبيّة العلماء المسلمين ، يدخلون تحت لواء أهل الكتاب . ويؤيّد الباحثين من المؤرّخين كذلك هذه الفكرة ويضيفون بأنّ تأثيرات الثنويّة كانت موجودة في الدين الزرادشتيّ حتّي قبل ظهور زرادشت نفسه فيما يخصّ عقيدة عبادة إلهينِ عند الجنس الا´ريّ . ويجب الإشارة هنا إلي أ نّه يمكننا اعتبار شريعة زرادشت إحدي الشرائع التوحيديّة فقط عن طريق منهج التعبّد ، أي من خلال الا´ثار الإسلاميّة ، فمن الناحية التأريخيّة أو الا´ثاريّة التي تُنسب إلي زرادشت ، لا يمكننا الاستناد إلي الـ « گاتا » فحسب واعتبارها معياراً للبتّ فيما إذا كان دين زرادشت توحيديّاً أم لا ، وذلك لانّ أقصي ما توصّل إليه الباحثون في باب التوحيد بالاستناد إلي الـ « گاتا » هو أنّ زرادشت كان مؤيّداً للتوحيد الذاتيّ ، أي أ نّه كان يقول بوجود موجود واحد قائمٍ بذاته ذلك هو « أهورامَزْدا » وأنّ جميع الموجودات ـ بما فيهم أهريمَنْ أنگره مئنيو « أنگْرَه مَئْنْيَوَهَ » هي مخلوقات أهورامَزْدا . أي أ نّه لم يقل بغير أصل واحد لشجرة الوجود ، إلاّ أ نّه كان ثنويّاً بمعني الكلمة من جهة التوحيد في الخالقيّة ، إذ يستفاد من تلك التعاليم أنّ القطب المخالف لـ « انگره مئنيو » ( = الفكرة الخبيثة ) هو « سپنت مئنيو » ( = الفكرة المقدّسة ) فـ « سپنت مئنيو » هو مصدر الاشياء الحسنة ، أي تلك الاشياء النابعة من الخير والتي يجب أن تكون كذلك . في حين أنّ « انگره مئنيو » أو « أهريمَن » هو مصدر الشرّ ، أي مصدر الاشياء التي ما كان من الواجب أن تُخلَق : وأهورامَزْدا ليس مسؤولاً عن خلق هذه الاشياء ، بل المسؤول هو « أنگره مئنيو » . وطبقاً لهذه الفكرة فإنّ الوجود ذو شعبتين وإن كان ليس ذا أصلين . أي أنّ الوجود الذي ينبثق عن أهورامَزْدا ينقسم إلي شعبتين : شعبة الخير التي تمثّل « سپنت مئنيو » وآثاره الحسنة ، وشعبة الشرّ التي تمثّل « انگره مئنيو » وكلّ مخلوقاته وآثاره الشرّيرة . لم يستطع زرادشت أن يقضي علی الثنويّة ، وجاء الإ سلام فقضي علیهافلو اتّخذنا ال « گاتا » ، وهو الكتاب المعتبر الوحيد الذي بحوزتنا من زرادشت ، معياراً فإنّنا سنري أ نّه قد وقع في خمس أو ستّ حالات متناقضة من الخير والشرّ وأنّ النظام الموجود ليس بالنظام الامثل الذي ينسجم والحكمة البالغة . ولعلّ هذه هي الصفة الوحيدة التي تفصله عن قافلة الانبياء . وبسبب هذا النقص وأُمور أُخري لم يتمكّن دين زرادشت من محاربة الثنويّة ؛ بحيث إنّها ( الثنويّة ) عادت من جديد بين الإيرانيّين بعد وفاة زرادشت لتقول بأصلين اثنين للوجود ، وكان أتباع الدين الزرادشتيّ في العهد الساسانيّ والمانويّة والمزدكيّة ( اللتين يعتبرهما الإيرانيّون شعبتين من الزرادشتيّة ) يمثّلون ذروة الثنويّة . والواقع أ نّه يجب القول : إنّ دين زرادشت فشل في استئصال أُصول الشرك وجذور الثنويّة من قلوب الإيرانيّين ولو في حدود التعاليم الـ « گاتا » ، بل يمكن القول أيضاً إنّه هو نفسه أصبح أسير العقيدة الخرافيّة والتحريف . في حين اسـتطاع الإسـلام وحـده طرد هذه الخـرافة من عقول الإيرانيّين والتي كانت راسخة فيهم لا´لاف السنين بفضل كلمة لاَ إِلَهَ إلاَّ الله . هذه هي إحدي مظاهر عَظَمة الإسلام وتأثيره العميق في روح الإيرانيّين حيث تمكّن من إنقاذهم من براثن الثنويّة التي كانت معجونة في دماءهم وكانوا مُكبّلين بقيود هذه الخرافة التي اضطرّتهم حتّي إلي تحريف دينهم في سبيلها ـ لدرجة حَدَت ببعض المستشرقين ( أمثال دومزيل ) إلي الاعتقاد بأنّ الثنويّة هي أساس الفكر الفارسيّ . نعم ، إنّه الإسلام الذي صنع من الإيرانيّين شعباً موحّداً بعد أن كان يؤمن بالثنويّة ، وقد استولي علیهم حبُّ الله والخليقة والوجود والعالم وملا كلّ كيانهم بفضل كلمة الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَـ'وَ تِ وَالاْرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَـ'تِ وَالنُّورَ [7] والاعتقاد بـ : الَّذِي´ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ، [8] والإيمان وإدراك حقيقة أنّ: رَبُّنَا الَّذِي´ أَعْطَي' كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ و ثُمَّ هَدَي' ؛ [9] حتّي أنشدوا في مدح نظام الوجود قائلين : به جهان خرّم از آنم كه جهان خرّم از اوست عاشقم بر همه عالم كه همه عالم از اوست به ارادت بخورم زهر كه شاهد ساقي است به جَلادت بكشم درد كه درمان هم از اوست [10] ولم يكتفِ الإيرانيّون بعدم القول بأنّ الشرور أصلٌ موازٍ للّه ، بل آمنوا بتلاشي الشرور وذلك من زاوية عرفانيّة راقية ، فقالوا : لا وجود للشرّ أساساً أو : إنّ الشرّ عدم . [11] قال الغزّاليّ : لَيْسَ فِي الإمْكَانِ أَبْدَعُ مِمَّا كَانَ ، أي أ نّه لا يمكن أن يوجد نظاماً أجمل من النظام الموجود . إنّه الإنسان الذي تربّي في مدرسة الإسلام ، والذي صار يتملك هكذا تفكير لطيف وسامٍ ، وهو وحده يري كلّ البلايا والمصائب والمعاناة التي تبدو قبيحة وغير مرغوب فيها ، جميلة وإنّها لُطف وذلك من زاوية أسمي وأعمق . بر كار هيچكس منه انگشت اعتراض آن نيست كلكِ صُنع كه خطِّ خطا كشد [12] وقد بيّن الشاعر حافظ هذه الحقيقة كذلك بنظمٍ ذي معنيين غامض : پير ما گفت خطا بر قلم صُنع نرفت آفرين بر نظر پاك خطا پوشش باد [13] ويقصد بذلك أنّ الشيخ الكبير والمُسنّ يعتبر جميع الاخطاء زائلة ومحجوبة وذلك من وجهة نظر راقية ورؤية سامية ؛ وهناك سوف لن تري العين أيّ خطأ . فعين الشيخ تري جميع الاشياء جميلة وزاهية ، فكلّ الاخطاء بالنسبة لها نسبيّة وقياسيّة ، وهي ( الاخطاء ) لا تُري إلاّ من خلال نظرة متدنيّة ومستوي واطي . ولا جرم أنّ هذا النمط من التفكير ولّد خصلة حميدة في الاخلاق الإسلاميّة قوامها الرضا بالقضاء وتقبّل الانظمة الكونيّة . يقول المولويّ : عاشقم بر لطف وبر قهرش به جد اين عجب ، من عاشق اين هر دو ضد [14] بحث الحكيم السبزواريّ في الردّ علی شبهة الثنويّةوللحكيم الباحث السبزواريّ قدّس سرّه بحث موجز وشامل حول شبهة الثنويّين في كيفيّة تأثير الموجودات الخبيثة والمضرّة وا لتي يُعبّر عنها بـ « الشرور » فهو يقول : غُرَرٌ فِي دَفْعِ شُبْهَةِ الثَّنَوِيَّةِ ، بِذِكْرِ قَواعِدَ حِكْمِيَّةٍ : ثُـمَّ الـوُجُـودَ اعْـلَـمْ بِـلاَ التِـبَـاسِ خَـيْـراً هُـوَ النَّفْـسِـيُّ وَالقِـيَـاسِـي وَالخَـيْـرُ كَالـشَّـرِّ احْـتِـمَـالاً حَـوِيَا المَـحْـضَ وَالكَـثِـيـرَ وَالمُـسَـاوِيَا فَالمَـحْـضُ كَالعُـقُـولِ وَالَّـذِي كَثَرْ خَـيْـرَاتُـهُ مِـثْـلُ المَـعَـالِيـلِ الاُخَرْ إذِ الكَـثِـيـرُ الخَـيْـرِ مَـعْ شَــرٍّ أَقَـلْ فِي تَـرْكِـهِ شَـرٌّ كَـثِـيـرٌ قَـدْ حَصَـلْ تَرْجِـيـحُ مَـرْجُـوحٍ وَمَـا تَـمَـاثَـلاَ شَـرَّاً كَـثِـيـراً مَـعْ مُـسَــاوٍ أَبْـطَـلاَ وَالشَّـرُّ أَعْـدَامٌ فَكَـمْ قَـدْ ضَـلَّ مَنْ يَـقُـولُ بِالـيَــزْدَانِ ثُـمَّ الاَهْــرِمَـنْ وَإنْ عَلَیـكَ اعْـتَـاصَ تَأْثِـيـرُ العَدَمْ مِزْ سَلْبَ قَرْنٍ مِنْكَ عَنْ سَلْبِ النِّعَمْ الوجود خير ؛ والخيران المحض والغالب موجودان في عالم الخارجوفيما يلي موجز ما ورد في شرح هذه الابيات والتعلیق علیها : « ونذكر هذا البحث لدفع شبهة الثنويّة ( القائلين بأصلين وعبادة الازل ) . فهم يقولون : إنّنا نري الخيرات والشرور في عالم الوجود مثل الجدب والقحط والغلاء والوباء والامراض والفتن والمحن ونحو ذلك ، ولا يُجيز لنا عقلنا أن نعتبر هذه الشرور نابعة من مبدأ الخير المحض الذي يوصف بالسلامة والرحمة والغني عن العالمين ؛ وعلی هذا يجب القول إنّه نابع من مبدأ شرّير غير مبدأ الخيرات وناشي عنه . ويدعون ذلك بـ « أهريمَنْ » . ويعتقد القائلون بأصلين وإلهين أ نّه « أي أهريمَنْ » قديم وفعّال ويمتلك حرّيّة واستقلالاً تامّين لإيجاد الشرور وخلقها . وبواسطة عقيدة القِدَم والاستقلال هذه انفصل أرباب الشرائع والملل الإلهيّة عن مذهبهم . وذلك ، لانّ الشيطان لا هو قديم ولا هو يمتلك استقلالاً في العمل ، بل هو مخلوق من مخلوقات الله لا يمتلك فاعلیة استقلاليّة ، لانّ الوجودات الإمكانيّة ، بشكل عامّ وكلّيّ ، مجعولة ومخلوقة من قِبل الله تعالي . لكنّ الوجود في ذاته وبالنسبة إلي الغير هو خير من الناحيتين . فالوجود الذاتيّ هو الوجود الذي يمكن ملاحظته في حدّ نفسه ويطلقون علیه اسم الوجود النفسيّ . والوجود النسبيّ هو الوجود الذي لا يمكن ملاحظته إلاّ بإضافته ونسبته إلي الغير ، ويسمّونه بالوجود الإضافيّ . وعلینا أن نعلم أنّ الوجود خيرٌ علی الإطلاق ، سواء أكان وجوداً نفسيّاً أم وجوداً إضافيّاً . ولا يمكن تصوّر الشرّ في الوجود النفسيّ ، وأمّا في الوجود الإضافيّ يمكن ملاحظة شرٌّ قليل في بعض الاشياء التكوينيّة التي تقبل الفساد ، وذلك عند مقارنتها مع الموجودات التي تكون من نفس طبقتها وصنفها ومقايستها بها . وأمّا قولنا عند مقارنة تلك الموجودات مع موجودات أُخري من نفس طبقتها ، فالسبب في ذلك هو أ نّنا نقوم في بعض الاحايين بقياس الموجودات الإضافيّة مع عللها ، وفي هذه الحالة لا نري انعدام الشرّ فيها وحسب ، بل نري أنّ جميع المعلولات متطابقة مع عللها التي أوجدتها ومنسجمة معها . وهناك الموجودات الإضافيّة والنسبيّة قياساً إلي الموجودات الاُخري من نفس الطبقة ، حيث تصدر عنها أحياناً بعض الشرور . وهنا يبقي أمامنا أن نجيب ونبرهن علی أنّ تلك الشرور هي خير وأنّ وجودها فرض ، أي أ نّها أمر عدميّ ولا وجود لها في عالم الكينونة أصلاً . فاختار أرسطو طاليس الجواب الاوّل في حين آثر أفلاطون الجواب الثاني . فأمّا جواب أرسطو المنقول عن كتب الحكمة فهو : أ نّنا ننيط الشبهة في ذلك إلي الخير والشرّ في تقسيمنا للوجود ، ونتّخذ من هذا النمط من التقسيم نفسه لدفع الشبهة . علی أساس أنّ : كلاّ من الخير والشرّ يمكنه أن يكون محضاً أو كثيراً أو مساوياً من جهة الاحتمال العقليّ ، وذلك لانّ الشيّء الخارجيّ أو الخير هو محضٌ مَثَلُهُ كَمَثل العقول ؛ لا نّها لا تمتلك قابليّة ولا تأهّباً ، بل هي فعلیة محضة وكلمات إلهيّة تامّة لاَ تَنفَدُ وَلاَ تَبِيدُ ؛ وهي أيضاً كالفلكيّات . وعلی هذا فإنّ هذا النوع من الموجودات هي خير محض بالمعنيين النفسيّ والنسبيّ ، وهي موجودة في الخارج ومنوطة بالحقّ تعالي وتقدّس ومربوطة ومعلولة به . فإذا تغلّب خيرها علی شرّها فهي كثيرة الخير مع شرٍّ قليل مثل باقي المعلولات والموجودات في عالم الكون والفساد والطبيعة . وفي هذه الصورة يجب أن تكون موجودة حتماً لانّ الخير والشرّ نقيضان : الخير = اللا شرّ ؛ والشرّ = اللا خير . ولمّا كان رفع هذين النقيضين أمراً محالاً فإنّ عدم وجود كثير الخير وقليل الشرّ = وجود كثير الشرّ وقليل الخير . أي أنّ عدم وجود موجود كثير الخير أو قليل الشرّ يلزم وجود موجود قليل الخير وكثير الشرّ . ولمّا كنّا نعلم أنّ هكذا موجود محال وجوده من جانب العلّة الاوّليّة ، أي الحقّ تعالي ، وذلك بواسطة لزوم ترجيح المرجوح ؛ فعلی هذا محال أن يوجد هكذا موجود ، ومن جانب آخر يكون نقيضه ، أي المعلولات الكثيرة الخير والقليلة الشرّ ، لازم الوجود . كان علی افتراض أن يكون خيرها كثيراً وشرّها قليلاً . وأمّا إذا كان كِلا خيرها وشرّها متساويين ومتناظرين ، لزم أن يكون ذلك ممتنع التحقّق في الخارج كذلك بسبب استحالة الترجيح من دون مرجّح . أي أنّ إيجادها وخَلقها من لدن الحقّ تعالي محال ، لانّ خيرها وشرّها في كفّتين متساويتي الوزن والاعتبار . وأمّا إذا كان شرّها كثيراً وخيرها قليلاً أو كانت شرّاً محضاً ، ففي كلتا الصورتين يكون إيجادها من لدن المبدأ تعالي مستحيلاً . ففي الصورة الاُولي بسبب يكون ذلك بسبب ترجيح المرجوح ، في حين يرجع السبب في الصورة الثانية إلي الاولويّة في عدم الإيجاد ، وذلك لا نّنا إذا اعتبرنا صورة قليل الخير وكثير الشرّ مُحالة ، وأنّ صدورها من المبدأ الفيّاض صاحب الرحمة غير ممكن ، فمن باب أولي أن يكون إيجاد موجود هو شرٌّ محض مستحيلاً . الشرّ أمر عدميّ ، كعدم الملَكةوأمّا ما يقوله الحكماء إنّ : الوجود خيرٌ بذاته ، فذلك لانّ ديدن الوجود طرد العدم ونفيه ، ورفع القوّة والاستعداد وإزالتهما وإضفاء الفعلیة ، وهو النور الصريح والظهور البيّن وعين الحبّ المطلوب . ألا ترَ إلي النملة كيف تنقبض وتنكمش فوراً إذا ما نَخَستَ رأسها بطرف الشوكة المدبّب ؛ فتولّي هاربة خوفاً من مفارقة معشوقها الذي هو وجودها والذي هو مقوّم وجودها وقيّوم حقيقتها . وسبب ربطنا عنوان الشرّ ببعض الاشياء الكونيّة القابلة للفساد في أوقات قصيرة هو أن لا وجود للشرّ في الافلاك والفلكيّات ، فما بالك بوجوده في عالم الفعلیات والعقليّات . وذلك إمّا أن يكون الشرّ معدوم الذات ، أو غير مكتمل الذات ؛ كفقدان أصل البدن أو فقدان صحّته ، وكعدم وجود الفاكهة أو كعدم وجود اللون والطعم المتوقّع منها بسبب عروض البرد وغيره . ولهذا فلا مجال لتحقّق الشرّ في العالم العلويّ الذي لايأتيه الفساد من بين يديه ولا من خلفه . نعم ، يمكن توقّع النقص وتحقّقه في جميع ما سوي الله ، إلاّ أ نّنا يجب أن نعلم أنّ النقص غير الشرّ إلاّ إذا استخدمنا الشرّ مجازاً في الناقصات . وأمّا سبب قولنا بالاوقات القصيرة ، وذلك مثلاً إذا قسنا تضرّر زيد في بدنه وأمواله بسبب مجاورته للنار مع مقدار انتفاعه بها سواء من ناحية قوام وجوده الاصليّ أم من ناحية تكامله ؛ سنري أنّ نسبة ذلك مع المنافع التي لا تُحصي والتي يمكنه استغلالها قليلة جدّاً ، فما بالك بمقارنة تضرّره مع المنافع التي تحصل علیها جميع الموجودات في عالم التركيب وغيرها من النار . وأمّا اقتصار الموجودات في العالم بالخير المحض وبكثير الخير فلانّ كلّ واحد من هذين العنوانين ( الخير والشرّ ) ينقسم إلي أربع صور باعتبار تجويز العقل هي : المحض ، الاكثر بالنسبة إلي العنوان المقابل ، والاقلّ بالنسبة إلي العنوان المقابل ، ( وأخيراً ) المساوي . ومن الصور الثمان هذه فإنّ صورة الاكثريّة لكلّ واحد بالنسبة إلي المقابل تستلزم الاقليّة لكلّ واحد بالنسبة إلي ذلك ؛ وعلی هذا تسقط تلك الصورتان . ويضحي عنوان ( المساوي ) كذلك الذي هو مكرّر واحداً ، فيكون الباقي خمس صور فقط . صورتان موجودتان في الخارج هما صورة الخير المحض وكثير الخير . [15] وثلاث صور أُخري هي صورة الشرّ المحض وكثير الشرّ والمساوي المُمتَنِع . لا ريب أنّ تقسيم الخير والشرّ في الوجود علی هذه الشاكلة يتمّ بحسب الفرض العقليّ واحتماله ؛ وإلاّ فقد علمنا أنّ ما هو متحقّق في الخارج لا يتعدّي أن يكون إحدي صورتين فقط . هذا هو منهج أرسطو في حلّ المسألة بهذه الطريقة ، وذكروا أ نّه كان يفتخر في دفع الشبهة بهذه الطريقة ، لا نّه جعل مناط دفع الشبهة هو نفسه مناط الشبهة التي تمثّل تقسيم الوجود إلي الخير والشرّ ؛ ولكن مع هذا فإنّ المنهج الذي انتهجه أفلاطون يبدو أكثر استقامة وسلاسة وحلاوة . الشرّ أمر عدميّ ، وعلّته انعدام علّة الوجوديقول أفلاطون : ليس للشرّ وجود خارجيّ علی الإطلاق ، بل هو عدم . بمعني الشرور القليلة التي تقع في الخارج لا تحتاج إلي علّة الموجود ، لا نّها تعود إلي العدم ، كما أنّ الوجود يعود إلي الوجود . ومحصّل هذا الكلام هو : الوجود علّة الوجود ، والعدم علّة العدم ، أي أنّ علّة الاشياء الموجودة يجب أن تكون موجودة حتماً ، في حين يكفي عدم تحقّق علّة الوجود في الاشياء المعدومة ؛ إذاً فعلّة العدم عبارة عن عدم علّة الوجود . وعلینا أن نعلم أنّ الشرور التي تحدث في الخارج ليست كسائر الاُمور العدميّة فتكون نافية للإيجاب ، بل إنّها معدومة المَلَكة ، ولا حظّ للوجود في معدوم المَلَكة . وعلی هذا يجب أن لا يستعصي علی الإنسان فَهْم تأثير العدم في إيجاد الشرّ . وتشبه حالة معدوم المَلَكة حالة العدم في الشيء الذي يمتلك المقوّمات والعوامل اللازمة لان يوجد ولكن لا يتحقّق هذا الوجود ، كالعمي الذي هو أمر عدميّ ، لكنّ حالة عدم الإبصار هذه موجودة في إنسان يمتلك عينين وكان يمكن له الرؤية بواسطتهما . فإذا أُصيب شخص ما بالعمي فهذا يعني أنّ شرّاً ما قد حصل ، لا نّه إنسان يمتلك قابليّة الإبصار وعلی أن يكون ذا عينين . ويقال لهذا العدم أي عدم وجود علّة الإبصار شرّاً . لانّ مرجعه هو انعدام تحقّق علّة وجود الإبصار . وواضح أنّ انعدام علّة الإبصار تسبّب في العمي . إذاً علّة الشرّ هنا كانت أمراً عدميّاً وهو عدم تحقّق علّة الإبصار في الخارج . وعلی هذا لا يُسمّي الجدار الذي لا عين له أعمي وذلك لفقدانه قابليّة امتلاك العين . واستناداً إلي هذا ، فإنّ عدم امتلاك الجدار للعين لا يُعتبر شرّاً بالنسبة له سوي أ نّه سُلِب هذا العنوان ، أي عدم امتلاكه للعين كسائر الاُمور العدميّة . فإذا تأمّلتَ جيّداً ستري أ نّك لا تمتلك قروناً ! وهذا ليس بشرٍّ أو عيب أو ضرر لك ، وذلك لانّ الإنسان ليست له قابليّة امتلاك القرون ، ولم تُخلَق في وجوده تلك القابليّة أصلاً حتّي يتسبّب فقدانها في إيجاد منقصة أو عيب أو ضرر فيه . في حين أ نّك لو ألفيتَ نفسك أصمّاً أو أعمي أو أبكماً فهذا هو الشرّ والضرر والعيب بعينه ، لانّ ذلك حصل في حالة امتلاك لحاسّة السمع والبصر والنطق . ولهذا يبدو واضحاً لك أنّ علّة الصمم تكمن في عدم وجود علّة السمع ، وعلّة العمي في عدم وجود علّة البصر ، وعلّة البكامة في عدم وجود علّة النطق وحسب ، لا أمراً وجوديّاً آخر غير ذلك . وعلی هذا الاساس ، فإنّ علّة جميع أقسام العدميّات هي العدم ؛ أي عدم علّة الوجود . وأمّا فيما يخصّ مسألة الشرور فإنّ هذا العدم يتّخذ لنفسه صبغة خاصّة وعدم مَلَكَة ، لا نّه متحقّق في موضوع كان له قابليّة الوجود في حين كان يفتقدها . فما أضلّ أُولئك الذين كانوا يقولون بأصلين لهذا العالم ( يزدان ) و ( أهريمن ) . إنّ الله سبحانه وتعالي هو وحده خالق الوجود ولا علّة للاعدام سوي العدم . فلم يخلق الله سبحانه في الاعمي علّة الإبصار ، وعلی هذا فعلّة ذلك عدم إيجاد علّة الوجود ، لا أن يكون للعمي علّة خاصّة به في مقابل البصر . كون الشرّ عدماً هو أمر بديهيّ لا يحتاج إلي برهانوما أكثر وضوح مسألة انتماء مسألة الشرور إلي الاُمور العدميّة حتّي تمّ اعتبارها من البديهيّات . أي أ نّهم اعتبروا خيريّة الوجود وشرّيّة العدم من البديهيّات ، وعلی هذا فهي لا تحتاج إلي برهان . ومع ذلك فقد ذكر العلاّمة الشيرازيّ دليلاً قويّاً وبرهاناً ساطعاً علی ذلك في شرح « حكمة الإشراق » . ولذا فإنّ أُولئك الذين قاموا بقدح العلماء والإشكال علیهم قائلين : لقد اكتفوا بذكر الامثلة العديدة لهذه المسألة ولم يبرهنوا ذلك ووقعوا في الخطأ ، مع أنّ لهذه المسألة أهمّيّة قصوي في التوحيد . ومن جملة الامثلة التي ذكروها في هذا الباب ، هذا المثال وهو إذا قام أحدٌ بقتل شخص ما ، فلا جَرَم أنّ الضرر والشرّ قد وقعاً للمقتول في عمليّة القتل هذه . وعلیه يجب البحث والتقصّي في هذه المسألة للعثور علی مكمن علّة الضرر والشرّ ؟ فهل يكمن العيب والضرر والشرّ في قدرة القاتل وحركة يده ، أم في حدّة سيفه ، أم يكمن في تقبّل عضو الشخص المقتول وضعفه الذي أدّي إلي قبول القطع ؟ أم أنّ ذلك يكمن في أُمور وجوديّة أُخري غيرها ؟ وبقليل من التأمّل والدقّة نتبيّن أنّ كلّ تلك الاشياء هي خيرات وحسنات ؛ ولكلٍّ منها أثرها الصحيح والجذّاب في عالم الوجود ، بحيث لو كانت غير ذلك لكانت خراباً وعيباً . فالشرّ في هذه القصّة يرجع فقط إلي عدم تعلّق الروح بجسد المقتول وذلك أمر عدميّ . أي أنّ دوام العمر واستمراره فيه كان مطلوباً ، وقد تسبّب هذا السيف في قطعه فقَصُر بذلك عمره . أيّ أنّ وجود عمره « أي المقتول » ودوامه وطوله مطلوب ؛ فتسبّب هذا القتل في عدم وجود ذلك في هذا المقطع الزمنيّ . وأمّا المثال الا´خر فهو : أنّ البرد الذي يصيب الفواكه ويتسبّب في فسادها إنّما هو خير من جهة أ نّه كيفيّة وجوديّة وقوّة فعلیة لها أثر كبير في تنظيم عالم الكون وهو مضافاً إلي ذلك واسطة الجود والفيض للوجود الربّانيّ . وقبول الفواكه للون الاسود في ظروف كهذه علی أساس الفعل والانفعال والتأثير والتأثّر في العالم كلّ ذلك هو خير . ويكمن الشرّ في عدم حلاوة الثمر هنا في حين يمتلك ذلك الثمر القابليّة والاستعداد لذلك . وعدم الحلاوة هذا هو شرّ ؛ أي عدم وجود علّة الحلاوة في الفواكه .[16] وأعتقد أنّ أفضل مثال ضربه الحكماء هو مثال الظلّ والشمس . فإذا وضعنا في الارض عموداً نري أنّ الجهة المعاكسة للشمس مظلمة ؛ ويقال لهذه الظلمة ظلاّ . فالظلّ هو عدم النور ؛ وكلّما ازداد العدم ، أي كلّما ابتعدت الشمس أكثر صار الظلُّ أكثر ظُلمة ؛ حتّي يغدو كالليل المدلهمّ حين تكون الارض واقعة في الظلّ المخروطيّ الشكل للشمس فتصل ظُلمة الليل أوجها . والواقع أنّ حقيقة الدَرْف الذي يقال له الظلّ هو فقدان النور ، وليس هناك أكثر من مبدأ وجوديّ واحد للنور والظلّ وهو الشمس . فالبقاع المضيئة علی الارض تستمدّ نورها من الشمس ويرجع السبب في استنارتها إلي تشعشع الشمس نفسها . في حين أنّ الظلّ لا يملك مبدأ آخر لكي يبعث بشعاع ظلّه من هناك وإيصاله إلي جميع البقاع الظليلة ، وذلك لانّ نور الشمس يخالط العدم ( أي النور الضعيف ) فيبرز علی أثره ظلاّ فاتح اللون ؛ وأمّا إذا زال نور الشمس فجأة وظهر الليل فستكون النتيجة ظهور ظلٍّ غامق وستَغمرُ العالَم ظلمة بحتة وديجور صرف . فمبدأ الظلّ الذي هو أمر عدميّ ، هو مبدأ عدميّ أيضاً : أي عدم وجود علّة النور . ارجاعات ـ «المنظومة» ص 5 و 6 . [2] ـ «المنظومة» ص 16 . [3] تبع الإ يرانيّون القدماء دين زرادشت ؛ فقالوا بأصلين : خير وشر (ت) ـ ورد في كتاب «تاريخ الشعوب» ص 51 إلي 54 ، في القسم الثاني الخاصّ بـ «تاريخ إيران» ، الطبعة الحجريّة ، بحثاً حول مذهب الإيرانيّين القدماء . وننقل أدناه تفصيل ذلك البحث : «الدين» : صنّف الإيرانيّون القدماء ، كما بيّنا ذلك في تأريخ الاقوام الآريّة ، بادي ذي بدء الظواهر والقوي الطبيعيّة إلي مجموعتين من الموجودات ، شريرة وخيّرة ، واعتقدوا كذلك بوجود صراع دائميّ بين هاتين المجموعتين . ولهذا كانوا يقدّسون النور والنار والريح والمطر والسماء حيث كانوا ينسبونها إلي المجموعة الاُولي ، ولكي يأمنوا شرّ الظلمة والشتاء والجدب والامراض والكـوارث وغير ذلك والتي كانـوا يعتقـدون بأ نّها تنـسب إلي المجموعة الثانية فقد كانوا يقومون بتلاوة الادعية والتعاويذ . وكما قلنا سابقاً فإنّ هذه العقائد مهّدت لوجود الخرافات وانتشار السِّحر والشعوذة ولهذا أعلن زرادشت حرباً علي تلك العقائد . و زرادشت أو زراتُشترا هذا هو ابن پور شَسب واختُلف في مكان ولادته وتأريخ ظهوره ؛ فنسبه البعض إلي أُورميّة (في آذربايجان) في حين نسبه آخرون إلي بلخ الغربيّة (شمال أفغانستان الحاليّة) . وأمّا ظهوره فقد اختُلف فيه أيضاً حيث اعتقد البعض أ نّه ظهر قبل حوالي ستّة آلاف سنة قبل الميلاد ، بينما قال البعض بظهوره في حوالي سنة ستمائة قبل الميلاد . وقد بُعث زرادشت نبيّاً من قبل الله وهو في سنّ الثلاثين وأُمِر بدعوة الناس إلي عبادة الله الواحد ، فأبدي زرادشت جلّ سعيه في هذا الامر وقام بتعديل وإصلاح معتقد قدماء الإيرانيّين إلاّ أ نّه جوبه بمعارضة بعض رجال الدين والسَّحَرة الذين عقدوا العزم علي قتله . فاضطرّ إلي الهجرة إلي شرق إيران وقام بالدعوة إلي دينه في منطقة سيستان وأفغانستان الحاليّة ، وبسبب من معارضة الملا له هناك لم يفلح في نشر دعوته ، فلجأ إلي بلاط جُشتاسب (ويشتاسب) ملك بلخ فتبنّي الاخير دعوته وقويت شوكته بمساعدة جاماسب وزير الملك . إلاّ أ نّه قُتِل في المعركة التي جرت بينه وبين شعب توران بقيادة أرجاسب . الافستا : ويُدعي كتاب الزرادشتيّين المقدّس بـ «أَوِستا» ويبدو أنّ تدوين هذا الكتاب تمّ في عصر الماديّين . وكانت هناك نسختان رسميّتان من كتاب الاوِسْتا في زمان الملوك الهخامنشيّين ، الاُولي في تخت جمشيد ] وهي من الآثار الإيرانيّة القديمة المنسوبة إلي الملك جمشيد في مدينة استخر الواقعة شمالي شيراز . (م) [ حيث أُحرِقت في هجوم الإسكندر الذي أشعلَ النار في القصور الملكيّة ؛ وأمّا النسخة الثانية فقد وقعت بأيدي اليونانيّين الذين قاموا بترجمة محتوياتها من العلوم الطبّيّة والفَلك والنجوم وغيرها إلي اليونانيّة ، ثمّ قاموا بإحراقها . هذا وكان الملك الاشكانيّ بلاش الاوّل قد أمر ، كما سنأتي علي ذكر ذلك لاحقاً ، بجمع الاوِسْتا مرّة أُخري ، كما كَلّف أردشير بابكان (رأس السلالة الساسانيّة) أحد رجال الدين والمفكّرين الإيرانيّين بتنظيم الاوِسْتا وترتيبها ، ثمّ تمكّن ابنه شاپور الاوّل بعد ذلك من جمع ما اقتبسه اليونانيّون والهنود وسائر الشعوب من الاوِسْتا في مجال الطبّ والنجوم والفلسفة وغير ذلك . وقد كُتِب تفسير للاوِسْتا في عهد الساسانيّين باللغة البهلويّة حيث دُعيَ بالـ «زَند» . وتجدر الإشارة إلي أنّ رُبعاً من كلّ كتاب الاوِسْتا الاصلي موجود اليوم في أيدينا وأمّا الباقي فقد طواه التأريخ في سلّة مجهولاته . ومن كلام زرادشت أ نّه كان يقول : يستند العالَم كلّه إلي مبدأين اثنين هما : الخير والشرّ أو النور والظُّلمة وهما في صراع مستمرّ . فأمّا الخيرات فنابعة من أهورا مزدا ، وأمّا الشرور فمن أنْگْرَه مَيْنْوَ أو أهريمَن . فـ أهورامزدا أو (هرمزد) يُدير العالَم بمعونة ستّة ملائكة والمُسَمَّوْنَ بـ أمِشاسْپَنْدان ومعناها (الاطهار الخالدون) ، وأسماء تلكم الملائكة هي : بَهْمَن ، أُرْدِيبهشت ، شَهريور ، اسفَندارند ، خُرداد وأمرداد ، ويُدير كلّ مَلَك من هؤلإ جزءاً معيّناً من عالَم الموجودات ، ثمّ هنالك المزيد من الملائكة تحت إمرة كلّ مَلك من الملائكة الستّة . وأمّا أهريمن فتوجد تحت سلطانه كذلك ستّة عفاريت والذين يُعينه علي أعمال الشرّ ويُؤازرون الاشرار من المخلوقات . وممّا اعتقد به زرادشت أيضاً هو أنّ : أهورامزدا يقود العالَم ويهديه بواسطة النور واليُمن والخير ؛ ولكي يتغلّب الخير في الكون علي الشرّ ويَفني أهريمن رمز ذلك الشرّ ، يتحتّم علي أفراد البشر محاربة جُند أهريمن ومساعدة أهورامزدا . ومن هنا يتوجّب علي أُولئك البشر ممارسة الزراعة وتربية الحيوانات الداجنة كالخروف والكلب والديك وما شابه وهي مخلوقات خلقها أهورامزدا وفي المقابل عليهم إبادة الحيوانات الضارّة والمؤذية كالحيّة والفراشة والحشرات وكلّ الحيوانات التي تتسبّب في إيجاد الآفات الزراعيّة إذ هي مخلوقات قام أهريمن بإيجادها . وعلي البشر إبعاد الماء والنار والتراب والرياح عن أيّ تلوّث أو دَنَس ، وكذا اجتناب تلويث النار والماء بأجساد الاموات . علي الجميع أن يسعوا في اكتساب الفكرة الحسنة والكلام الطيّب والافعال الحميدة ، والابتعاد عن الكذب وتعويد النفس علي الخُلُق الحَسَن والصدق والخير . [4] ـ إله و هو بصيغة الجمع ، و أصله إيزد (فارسيّة) . [5] ـ إله الشرّ في ديانة زرادشت ، ويقابله أُرمُزد . [6] ـ هو الفصل المنظوم من أغاني زردشت .(م) [7] ـ صدر الآية 1 ، من السورة 6 : الانعام . [8] ـ صدر الآية 7 ، من السورة 32 : السجدة . [9] ـ الآية 50 ، من السورة 20 : طه : قَالَ رَبُّنَا... ـ الآية . [10] ـ يقول : «إنّي سعيد ومُبتَهج بهذا العالَم لانّ العالَم كلّه سعيد ومُبتَهج به هو ؛ وأنا عاشقٌ لكلّ العالَم لانّ العالَم كلّه آتٍ منه (ومخلوق من قِبَله) . إنّي لاشرب السمّ بفرح ورغبة إذ إنّ ساقي ذلك هو الحبيب ؛ وأتحمّل الالم والمعاناة بجَلَد وشكيمة (لا نّي أعلَمُ) أنّ العلاج والشفاء بيده هو» . ديوان «سعدي» (التعليقة) . [11] ـ وردت في كتاب «أمثال وحِكَم دهخدا» ج 1 ، ص 399 ، باب «ب د ا» ، بعد بيان هذا المثال ، عبارة : «راجع الوجود خيرٌ وراجع : أبلهي ديد ... شود» وفي ص 280 وردت عبارة : « الوجود خيرٌ . نظير : الشرّ عدم . راجع أبلهي ديد ... شود» . وقال في ص 79 و 80 : ابلهي ديد اشتري به چرا گفت نقشت همه كژ است چرا ؟ گفت اشتر كه اندرين پيكار عيب نقّاش ميكني هش دار در كژيّم مكن به عيب نگاه تو ز من ، راه راست رفتن خواه (السنائيّ) يقول : «رأي أحمق جملاً يرعي في المرعي ؛ فقال : لماذا كلّ هذا الاختلاف والتشوّه في شكلك وخلقتك ؟ فقال الجمل ؟ هل تعيب الخالق والصانع بكلامك هذا ؟ فلا تنظر إلي شكلي وخلقتي ؛ بل انظر إلي سَيري ومشيتي المستقيمة» . ومثله : هر چيز كه هست آنچنان ميبايد آن چيز كه آنچنان نميبايد نيست (الخيّام) وقد نسب البعض هذه الرباعيّة كذلك إلي الخواجة الطوسيّ (التعليقة) . يقول : «إنّ كلّ ما هو موجود هكذا قُدّر له أن يكون ؛ وكلّ ما ليس مقدّر له أن يكون ليس موجوداً» . * ليسَ في الإمكانِ أبدعُ ممّا كان * (الغزّاليّ) Tout est au mieux dans le meilleur des mondes Possibles (التعليقة) . * هر چيز بجاي خويش نيكوست * يقول : «كلّ شيءٍ حسنِ في موضعه» (الشبستريّ» . هر چيز كه هست آنچنان ميبايد ابروي تو گر راست بدي كج بودي يقول : «إن كلّ ما هو موجود هكذا قُدّر له أن يكون ؛ فلو كان حاجباك مستقيمين لبدوتَ شاذّاً وقبيحاً» . * اندرين ملك چو طاووس به كار است مگس * يقول : «إنّ الذبابة شأنها شأن الطاووس ، فهي مشغولة بعملها (ولها واجبات وحقوق معيّنة لها كما هو الحال مع الطاووس)» (السنائيّ) . لا مُعطَّلَ في الوجود . شـاه را چـون خـزانـه آرايـد چيز بد هـم چـو نيـك دربـايـد (السنائيّ) يقول : «إذا نظّمَ السلطان خزانته ؛ فإنّ الطيّب والخبيث علي السواء يكون فيها مُنظَّماً» . اژدها گر چه عمر كاهان است هم نگهبان گنج شاهان است مار اگرچه به خاصيت نه نكوست پاسبان درخت صندل اوست مرگ هر چند بد نكوست ترا مال وميراث جمله زوست ترا مرگ ، اين را هلاك وآنرا برگ زهر اين را غذا وآنرا مرگ (السنائيّ) يقول : «إنّ التنانين وإن كانت تهدّد حياة الناس ؛ فإنّها في نفس الوقت تحرس كنوز الملوك والسلاطين . والحيّة وإن كانت غير مرغوبة لذاتها ؛ لكنّها ترعي شجرة الصندل . والموت وإن كان نذير شؤم لك ؛ فإنّه يورّثك المال والثروة . والموت يهلك واحداً ويُغني آخراً ، كالسمّ هو غذاء للبعض وهلاك للبعض الآخر» . مدان بد هر آن بدنمائي كه هست كه آن نيز نيكوست جائيكه هست سيه مار كز كفچه شد زهرسنج زر پخته هم بخشد از ديگ گنج همان زهر كو دشمن جان بود بسي دردها را كه درمان بود (أمير خسرو) يقول : «لا تحسبّن السيّي ما يبدو سيئاً ؛ فإنّ ذلك (السيّي) حسن وجميل في المكان الذي خُلِق له . رُبّ أفعي سوداء مفلطحة ذات سمّ قاتل دلّت علي الذهب كذلك . فإنّ ذلك السمّ الذي هو عدوّ للروح وقاتلها ؛ قد يكون ترياقاً ودواءً وعلاجاً ناجعاً لكثير من الاوجاع والامراض» . اهل هنر گر بشماري درند بي هنران نيز بكاري درند ني كه تهي رويد از خاك رود گر بدمد باد سر آيد سرود قهقهه زد كبك به رفتار زاغ كز چه نهي پاي پريشان به باغ زاغ بدو گفت كه پرواز كن گر گرو از من ببري ناز كن هيچكسي نيست ز زيبا وزشت كش نه حكيم از پي كاري سرشت (عن «زُهَر الرياض») يقول : «إذا وضعت أهل الصنعة والحرفة والمهارة كلاّ في موضعه ؛ فسيكون لاُولئك الذين لا حرفة لهم ولا صنعة مكانٌ أيضاً ينشغلون به . فحتّي القصبة التي تراها جوفاء ووحيدة تنمو في الارض ؛ يكون لها صفير عند هبوب الريح عليها . سَخِر السماني من مشية الزاغ قائلاً : فيم حضورك وتجوالك في هذا البستان ؟ فأجاب الزاغ : تعال نتباري في الطيران ؛ فإذا غلبتني حينئذٍ يحقّ لك الدلال . فلا فضل لاحد علي أحد لا في الجمال ولا في القبح ؛ فذاك صنع الحكيم وله في ذلك حكمة» . [12] ـ يقول : «لا تعترض علي عمل أيّ أحد ؛ فليس قلم الخالق الصانع ـ الذي يجرّ خطّ البطلان علي الاشياء بيدك» . [13] ـ يقول : «قال شيخنا ومُرشدنا إنّ قلم الصنع والخلقة لم يخطي ، فمرحي للنظر النزيه الستّار للعيوب !» . [14] ـ يقول : «إنّي أعشق لطفه وغضبه ؛ وهذا عجب أن أكون عاشقاً لشيئين نقيضين أو ضدّين» . «العدل الإلهيّ» ص 13 ، إلي 21 ، منشورات حسينيّة الإرشاد ، ذي الحجّة الحرام 1390 ه . [15] ـ وليس مناسباً أن يُهمل الخالِق الحكيم كثير الخير وقليل الشرّ في حالة وجوده ولايخلقه. فلا يجب إهمال وجود النار في الخارج أو حذفها من قائمة المخلوقات لمجرّد شرّها القليل الذي لايمكن إعارته أهمّيّة تُذكَر مع كلّ ما تحمله في طيّاتها من خيرات لاتحصي ولا تُعَدّ. ومضافاً إلي ذلك فهي مجعولة بالعَرَض لكونها مؤدّية إلي شرور قليلة، ومجعولة بالذات لكونها ملزومة بالخيرات الكثيرة . ولهذا وخصومة العدوّ الجزئيّة لا للخوف من الميّت أو خشية عدم وصول الرزق ، إلاّ بالعَرَض . ويمكن قياس باقي أمثلة الشرور علي هذه الامثلة أيضاً. (التعليقة) [16] ـ «شرح منظومة الحكمة» للسبزواريّ ، ص 148 إلي 150 ، المقصد الثالث : في الإلهيّات بالمعني الاخصّ ، طبعة ناصري . |
|
|