بسم الله الرحمن الرحيم

رسالة حول مسألة روية الهلال / القسم الرابع: الجهة الشرعیة فی المسألة، موضوعیة الرؤیة

موقع علوم و معارف الإسلام الحاوي علي مجموعة تاليفات سماحة العلامة آية الله الحاج السيد محمد حسين الحسيني الطهراني قدس‌سره

 

 

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

الصفحة السابقة

البحث عن‌ الجهة‌ الشرعيّة‌ في‌ المسألة‌

 هذا كلّه‌ البحث‌ عن‌ الجهة‌ العلميّة‌ في‌ هذه‌ المسألة‌.

 وأمّا الجهة‌ الشرعيّة‌، فنقول‌:

 إنّ الموضوعات‌ العرفيّة‌ التي‌ هي‌ موضوعات‌ للاحكام‌ الشرعيّة‌، لابدّ وأن‌ يؤخذ معناها ومدي‌ نطاق‌ سعتها وضيقها وإطلاقها وتقييدها وسائر خصوصيّاتها، من‌ العرف‌؛ كالبيع‌ مثلاً.

 فإذا قال‌ الشارع‌: يَسْـَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ [56]، و شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي‌´ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ، و مَن‌ شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [57] شهر عند العرف‌.

 ونحن‌ نري‌ أنّ العرف‌ كان‌ يسمّي‌ الشهر وابتداءه‌ الذي‌ هو أوّل‌ دخول‌ الليل‌، عند ما وجد الهلال‌ المرئيّ فوق‌ الاُفق‌ ولو بعد ساعات‌ من‌ خروجه‌ عن‌ تحت‌ الشعاع‌.

 فبناءً عليه‌، ليلة‌ أوّل‌ رمضان‌ هو أوّل‌ ليلة‌ لم‌ يسبق‌ برمضان‌ ولو بساعة‌ واحدة‌.

 مثلاً إذا فرضنا أنّ القمر خرج‌ عن‌ تحت‌ الشعاع‌ ورئي‌ في‌ إسبانيا في‌ مادريد البعيدة‌ عن‌ طهران‌ بثلاث‌ ساعات‌ وأربعين‌ دقيقة‌ غرباً، وقد مضي‌ من‌ الليل‌ بافق‌ طهران‌ هذا المقدار، ومضي‌ من‌ البلاد الشرقيّة‌ بالنسبة‌ إليه‌ كبلاد الصين‌ واليابان‌ أكثر من‌ هذا المقدار جدّاً؛ فهذه‌ الليلة‌ تعدّ من‌ الشهر السابق‌.

 وربّما طلع‌ القمر في‌ إسبانيا أوّل‌ دخول‌ ليلهم‌، وقد طلع‌ الفجر في‌ تلك‌ البلاد الشرقيّة‌. فأهل‌ إسبانيا إذا رأوا هلال‌ رمضان‌ يصبحون‌ صائمين‌، وأهل‌ الصين‌ واليابان‌ يصبحون‌ مجوّزين‌ للاءفطار. وهؤلاء إذا رأوا هلال‌ شوّال‌ يصبحون‌ مفطرين‌، وهؤلاء يصبحون‌ صائمين‌.

 هذا مضافاً إلي‌ أنّ الشارع‌ في‌ ما اتّفق‌ الفريقان‌ بروايات‌ مستفيضة‌، صرّح‌ بأنّ المدار في‌ دخول‌ الشهر هو الرؤية‌ في‌ الصيام‌ والحجّ والعمرة‌ وقضاء الديون‌ وسائر الاُمور مثل‌ الاحكام‌ والمسنونات‌ المترتّبة‌ علي‌ الشهور كرجب‌ وشعبان‌ والمحرّم‌ وصفر وغيرها؛ فالخروج‌ عن‌ هذا والالتزام‌ بكفاية‌ خروج‌ القمر عن‌ تحت‌ الشعاع‌ في‌ مبدئيّة‌ الشهر و هو آن‌ واحد ولحظة‌ واحدة‌ في‌ جميع‌ العالم‌ يوجب‌ الخروج‌ عن‌ جميع‌ هذه‌ الاحكام‌ البالغة‌ إجمالاً حدّ الضرورة‌ من‌ الدين‌، والالتزامَ بفقه‌ جديد لايشبه‌ شي‌ منه‌ شيئاً من‌ الفقه‌، وقلبَ السنّة‌ ظهراً لبطن‌.

الرجوع الی الفهرس

مجعوليّة‌ الرؤية ‌، علي‌ سبيل‌ الموضوعيّة‌ لا الطريقيّة‌

 هذا مضافاً إلي‌ أنّ الالتزام‌ بكفاية‌ مجرّد خروج‌ القمر عن‌ تحت‌ الشعاع‌، يستلزم‌ العلم‌ بدخول‌ الشهر بسبب‌ العلم‌ بخروج‌ القمر ولو لم‌ تتحقّق‌ في‌ العالم‌ رؤية‌ أبداً، فتصير الرؤية‌ كاشفةً محضةً (مع‌ أنّ الروايات‌ تدلّ علي‌ موضوعيّتها). فإذاً لابدّ من‌ الحكم‌ بدخول‌ الشهر إذا علمنا خروجه‌ بالاءرصاد، و الآلات‌ الحديثة‌ التي‌ رئي‌ بها القمر في‌ ما إذا كانت‌ الرؤية‌ بالعيون‌ العاديّة‌ غير المسلّحة‌ محالاً، أو بحساب‌ المنجّم‌ الماهر الخبير المطّلع‌ من‌ الزيجات‌ الدقيقة‌، فهو يحسب‌ لنا دقيقاً أنّ خروج‌ القمر عن‌ تحت‌ الشعاع‌ إنّما يكون‌ بعد 29 يوماً و12 عةً و44 قةً من‌ الشهر الماضي‌ تقريباً[58]، ويدلّنا علي‌ هذه‌ الشهور واحداً بعد واحد إلي‌ عشرة‌ الآف‌ سنة‌ فنستريح‌ من‌ هذه‌ الضوضاء.

 إن‌ قلتَ: إنّ الروايات‌ دلّت‌ علي‌ أنّ للرؤية‌ دخلاً في‌ الجملة‌ في‌ تحقّق‌ الحكم‌، فلا بدّ بعد خروج‌ القمر عن‌ تحت‌ الشعاع‌ من‌ أن‌ يري‌' في‌ ناحية‌ ما حتّي‌ نحكم‌ بدخول‌ الشهر.

 قلتُ: إنّا نعلم‌ علماً يقينيّاً أنّ خروج‌ القمر عن‌ تحت‌ الشعاع‌ في‌ أيّة‌ نقطة‌ من‌ نقاط‌ العالم‌ تحقّق‌، يراه‌ خلق‌ كثير من‌ أهالي‌ تلك‌ النواحي‌، فالرؤية‌ قد تحقّقت‌؛ ورؤيتنا علي‌ حسب‌ المدّعي‌ غير لازمة‌، فالشهر داخل‌ بلا رؤية‌ منّا في‌ آفاقنا القريبة‌، فتصير إناطة‌ الروايات‌ بالرؤية‌ لغواً لانّ الرؤية‌ الاءجماليّة‌ علي‌ أيّ حال‌ موجودة‌.

 إن‌ قلتَ: لايمكن‌ الالتزام‌ بذلك‌؛ لانّ ظاهر الاخبار هو الرؤية‌ الحاصلة‌ منّا أو الواصل‌ خبرها إلينا، فهي‌ الدخيلة‌.

 قلتُ: فإذاً لا مناص‌ من‌ رفع‌ اليد عن‌ الحكم‌ بدخول‌ الشهر بمجرّد الخروج‌ عن‌ تحت‌ الشعاع‌ مع‌ رؤية‌ ما.

 وهذه‌ التوالي‌ التي‌ أشرنا إلي‌ بعضها لاتكاد تخفي‌ علي‌ المتأمّل‌ في‌ حاقّ المسألة‌. ولذلك‌ لم‌ يذهب‌ أحد من‌ العلماء إلي‌ هذا؛ والذين‌ ذهبوا إلي‌ عدم‌ لزوم‌ الاشتراك‌ في‌ الآفاق‌ ذهبوا إلي‌ أنّ خروج‌ القمر عن‌ تحت‌ الشعاع‌ ورؤيته‌ ولو بعد ساعات‌ من‌ الليل‌ في‌ أُفق‌ ما دخيل‌ في‌ جعل‌ الليل‌ من‌ أوّله‌ من‌ الشهر الجديد بنحو الشرط‌ المتأخّر. وسيأتي‌ الكلام‌ في‌ عدم‌ نهوض‌ أدلّتهم‌ علي‌ هذا المرام‌ أيضاً.

 فإن‌ قيل‌: إذا خرج‌ القمر عن‌ تحت‌ الشعاع‌ ورئي‌ في‌ بلد ما، نحكم‌ بدخول‌ الشهر في‌ جميع‌ البلاد مبتدأً بالليل‌، ونلتزم‌ بأنّ الساعات‌ السابقة‌ عن‌ خروج‌ القمر تحسب‌ من‌ ذلك‌ الشهر.

 مثلاً إذا خرج‌ ورئي‌ في‌ إسبانيا في‌ مادريد ليلة‌ العيد، نحكم‌ بأنّ تلك‌ الليلة‌ التي‌ مضي‌ منها في‌ طهران‌ قدر ثلاث‌ ساعات‌ وأربعين‌ دقيقةً، كلّها ليلة‌ الفطر. وهكذا في‌ جميع‌ البلاد إلي‌ الصين‌ واليابان‌ نحكم‌ بأنّ جميع‌ الليلة‌ يحسب‌ من‌ الفطر، وإن‌ مضي‌ من‌ بعضها قدر تسع‌ أو عشر ساعات‌.

 قلنا: أوّلاً إنّه‌ دعوي‌ بلا دليل‌.

 وثانياً، إذا التُزم‌ بأنّ مناط‌ دخول‌ الشهر القمريّ هو نفس‌ خروج‌ القمر عن‌ تحت‌ الشعاع‌ وهو أمر واحد سماويّ في‌ جميع‌ العالم‌ لا ربط‌ له‌ بالارض‌ و مشارقها ومغاربها (و هذا عمدة‌ الدليل‌ الذي‌ ربّما يُتمسّك‌ به‌ مع‌ الاءطلاقات‌ علي‌ عدم‌ لزوم‌ الاشتراك‌ في‌ الآفاق‌ وكفاية‌ رؤيةٍ ما في‌ بلد ما لجميع‌ العالم‌) فإذاً إنّ ذلك‌ مناف‌ للدليل‌ وخروج‌ عن‌ البناء الذي‌ بُني‌، وهَدمٌ لاساسه‌ من‌ رأس‌.

 ثمّ إنّه‌ إذا خرج‌ القمر عن‌ تحت‌ الشعاع‌ [ وفرضنا بلداً واقعاً ] في‌ النصف‌ الآخر من‌ كرة‌ الارض‌ في‌ أوّل‌ نهاره‌ أو وسطه‌ أو آخره‌، فكيف‌ يمكن‌ الحكم‌ بأنّ هذه‌ المدّة‌ الطويلة‌ من‌ أوّل‌ الليل‌ إلي‌ هذا الحدّ من‌ الزمان‌ تكون‌ من‌ الشهر اللاحق‌.

الرجوع الی الفهرس

التفصيل‌ بين‌ البلاد الواقعة‌ فوق‌ الارض‌ والواقعة‌ تحتها، لا يدفع‌ الاءشكال‌

 ومن‌ هذا يعلم‌ أنّ دفع‌ الاءشكال‌ بأنّ عدم‌ لزوم‌ الاشتراك‌ في‌ الآفاق‌ إنّما هو في‌ فوق‌ الارض‌ دون‌ تحتها، لا يدفع‌ المحذور أبداً بل‌ يزيد في‌ الاءشكال‌.

 فنسأل‌ أوّلاً: إذا حكم‌ بأنّ المناط‌ هو نفس‌ الخروج‌، وهو أمر وحدانيّ لايتغيّر بحركة‌ الارض‌ والمشارق‌ والمغارب‌؛ فكيف‌ الفرق‌ بين‌ فوق‌ الارض‌ وتحتها ؟ فهل‌ هذا إلاّ هدم‌ لاساس‌ الدليل‌ ؟

 وثانياً: أيّ مزيّة‌ في‌ جعلنا هذا الحكم‌ لفوق‌ الارض‌ دون‌ تحتها، بل‌ نجعله‌ لتحت‌ الارض‌ دون‌ فوقها؛ ومعلوم‌ أنّ الفوقيّة‌ والتحتيّة‌ أمران‌ إضافيّان‌ لايلتزم‌ بأحدهما دون‌ الآخر إلاّ بالدليل‌.

 ثمّ أين‌ مبدأ تمييز البلاد التي‌ تكون‌ فوق‌ الارض‌ دون‌ تحتها، وأيّ بلد من‌ البلاد هوالبلد الذي‌ جعل‌ مبدأً للحكم‌ ؟

 إذا جعلنا هذا البلد مثل‌ الصين‌ واليابان‌، فجميع‌ قارّة‌ آسية‌ وأُروبة‌ وإفريقيّة‌ يكون‌ مشمولاً للحكم‌؛ وأمّا إذا جعلناه‌ مثل‌ إيران‌ والعراق‌، فجميع‌ الممالك‌ الغربيّة‌ وبعض‌ الممالك‌ الامريكيّة‌ يكون‌ مشمولاً له‌؛ وإذا جعلناه‌ مثل‌ إسبانيا والبرتغال‌، فجميع‌ الممالك‌ الامريكيّة‌ يكون‌ مشمولاً له‌.

 هذا إذا أُريد ترتّب‌ الحكم‌ علي‌ عنوان‌ الفوقيّة‌، وأمّا إذا أُريد ترتّبه‌ علي‌ النواحي‌ القريبة‌ التي‌ يكون‌ اختلافها بالنسبة‌ إلي‌ محلّ الرؤية‌ ستّ ساعات‌ مثلاً دون‌ البعيدة‌ الواقعة‌ تحت‌ الارض‌ التي‌ يكون‌ اختلافها اثنتي‌ عشرة‌ ساعةً أو أكثر، ففيه‌:

 أيّ مناط‌ خارجيّ في‌ تعيين‌ محلّ القرب‌ والبعد؛ وأيّ دليل‌ شرعيّ لهذا الفرق‌ ؟ والاءطلاقات‌ إن‌ يؤخذ بها فلا مجال‌ فيها لهذا التفصيل‌، وإن‌ لم‌ يؤخذ بها فانصرافها إلي‌ البلاد التي‌ يكون‌ الهلال‌ فوق‌ أُفقها والمانع‌ من‌ رؤيته‌ أمر عارضيّ من‌ سحب‌ أو غيوم‌ المعبّر عنها بالبلاد المتّحدة‌ الآفاق‌، هو المتعيّن‌.

 وإذا أُريد أنّ الاءطلاقات‌ منصرفة‌ إلي‌ النواحي‌ المعمورة‌ من‌ الارض‌، وحيث‌ إنّ تحتها لم‌ يكن‌ معموراً في‌ ذلك‌ الزمان‌ لا يكون‌ الحكم‌ شاملاً له‌؛ ففيه‌: هلاّ يُلتزم‌ هذا في‌ الصلاة‌ والصوم‌ والحجّ وغيرها من‌ الاحكام‌، والتُزم‌ باختصاصه‌ بالنسبة‌ إلي‌ رؤية‌ الهلال‌ ومطالع‌ القمر ؟

 مع‌ أنّ سياق‌ جميع‌ إطلاقات‌ الاحكام‌ الواردة‌، من‌ هذه‌ الجهة‌ علي‌ نسق‌ واحد.

 والحقّ عدم‌ الفرق‌ في‌ المعمورة‌ وغيرها. لانـّه‌ مضافاً إلي‌ أنّ القدر المتيقّن‌ في‌ الخارج‌ أو في‌ مقام‌ التخاطب‌ لا يوجب‌ الانصراف‌؛ تدفعه‌ العمومات‌ المنصوصة‌ مثل‌ قوله‌ تعالي‌: وَ مَآ أَرْسَلْنَـ'كَ إِلاَّ كَآفَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَ نَذِيرًا [59]، وقوله‌ تعالي‌: وَ مَآ أَرْسَلْنَـ'كَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَـ'لَمِينَ [60]، وقوله‌ عليه‌ السلام‌: إنَّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَي‌ حُكْمًا يَشْتَرِكُ فِيهِ الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ؛ بلا فرق‌ بين‌ أهالي‌ الاراضي‌ المعمورة‌ وغيرهم‌ من‌ حيث‌ الشمول‌ والاءطلاق‌ والتقييد وسائر الجهات‌.

 فهذه‌ أُمور كلّما دقّق‌ فيها النظر، تزيد في‌ الاءشكال‌ والغموض‌؛ فرفعها لايمكن‌ إلاّ برفع‌ اليد عن‌ الحكم‌ المبحوث‌ عنه‌، وهو أتقن‌ وأسهل‌.

الرجوع الی الفهرس

 سبب‌ فتوي‌ المشهور هو موضوعيّة‌ الرؤية‌ ومدخليّة‌ البقاع‌ فيها

 وممّا ذكرنا تبيّن‌ أنّ ذهاب‌ المشهور إلي‌ لزوم‌ الاشتراك‌ في‌ البلدان‌ مبنيّ علي‌ دخالة‌ رؤية‌ القمر في‌ دخول‌ الشهر، وأنّ للمطالع‌ والمغارب‌ بالنسبة‌ إلي‌ القمر دخلاً في‌ دخول‌ شهر وخروج‌ شهر، وعدمِ كفاية‌ نفس‌ خروج‌ القمر عن‌ تحت‌ الشعاع‌ في‌ هذا الامر؛ لا علي‌ تخيّل‌ ارتباط‌ خروج‌ القمر عن‌ تحت‌ الشعاع‌ ببقاع‌ الارض‌ كارتباط‌ طلوع‌ الشمس‌ وغروبها بها.

 فإنّ من‌ الواضح‌ أنّ نفس‌ الخروج‌ لاصلة‌ لها ببقاع‌ الارض‌ مع‌ غمض‌ النظر عن‌ المحاذاة‌، ولكنّ الرؤية‌ بعد الخروج‌ الدخيلة‌ في‌ تكوين‌ الشهر القمريّ بما لها من‌ الاحكام‌، لها صلة‌ ببقاع‌ الارض‌.

 لانّ حالة‌ القمر، مع‌ وجود النواحي‌ الكثيرة‌ المختلفة‌ الاوضاع‌ في‌ الارض‌ وعدمها، وإن‌ كانت‌ سواء ولكنّ حالة‌ رؤية‌ القمر التي‌ هي‌ الاُسّ لم‌ تكن‌ مع‌ هذه‌ وعدمها سواء.

 وهذه‌ علّة‌ ذهاب‌ المشهور إلي‌ فتواهم‌.

الرجوع الی الفهرس

استدلال‌ القائلين‌ بعدم‌ لزوم‌ الاشتراك‌ مبني‌ّ علي‌ منع‌ اختلاف‌ المطالع‌

 ولذلك‌ تري‌ أنّ من‌ استشكل‌ علي‌ لزوم‌ الاشتراك‌ في‌ الآفاق‌، لم‌ يستدلّ بعدم‌ ارتباط‌ هذه‌ الحادثة‌ السماويّة‌ ببقاع‌ الارض‌؛ بل‌ كما ذهب‌ إليه‌ العلاّمة‌ في‌ أوّل‌ كلامه‌ في‌ «المنتهي‌»، وكما في‌ «الجواهر»[61] ـ بمنع‌ اختلاف‌ المطالع‌ في‌ الربع‌ المسكون‌؛ إمّا لعدم‌ كرويّة‌ الارض‌ بل‌ هي‌ مسطّحةً فلا تختلف‌ المطالع‌ حينئذٍ، وإمّا لكونه‌ قدراً يسيراً فلا اعتداد باختلافه‌ بالنسبة‌ إلي‌ علوّ السماء.

 كما أنّ صاحب‌ «الحدائق‌» الذي‌ أصرّ علي‌ عدم‌ لزوم‌ الاشتراك‌ إصراراً لم‌ نر مثله‌ لاحد في‌ هذه‌ المسألة‌، بني‌ لزوم‌ الاشتراك‌ في‌ الآفاق‌ علي‌ كرويّة‌ الارض‌؛ لكنّه‌ حيث‌ أبطل‌ كرويّتها واستدلّ علي‌ تسطيحها بالادلّة‌ السمعيّة‌ والاخبار النبويّة‌ ولوازم‌ كلّها بعيدة‌ عن‌ المقام‌، التزم‌ بعدم‌ لزوم‌ الاشتراك‌ في‌ الآفاق‌.[62]

 وكما قال‌ الشيخ‌ المحقّق‌ فخر الدين‌ في‌ شرحه‌ علي‌ «القواعد»:

 «ومبني‌ هذه‌ المسألة‌، علي‌ أنّ الارض‌ هل‌ هي‌ كرويّة‌ أو مسطّحة‌؛ والاقرب‌ الاوّل‌، لانّ الكواكب‌ تطلع‌ في‌ المساكن‌ الشرقيّة‌ قبل‌ طلوعها في‌ المساكن‌ الغربيّة‌، وكذا في‌ الغروب‌.

 وكلّ بلد غربيّ بَعُد عن‌ الشرقيّ بألف‌ ميل‌، يتأخّر غروبه‌ عن‌ غروب‌ الشرقيّ ساعةً واحدةً. وإنّما عرفنا ذلك‌ بإرصاد الكسوفات‌ القمريّة‌؛ حيث‌ ابتدأت‌ في‌ ساعات‌ أقلّ من‌ ساعات‌ بلدنا في‌ المساكن‌ الغربيّة‌، وأكثر من‌ ساعات‌ بلدنا في‌ المساكن‌ الشرقيّة‌، فعرفنا أنّ غروب‌ الشمس‌ في‌ المساكن‌ الشرقيّة‌ قبل‌ غروبها في‌ بلدنا، وغروبها في‌ المساكن‌ الغربيّة‌ بعد غروبها في‌ بلدنا؛ ولو كانت‌ الارض‌ مسطّحةً لكان‌ الطلوع‌ والغروب‌ في‌ جميع‌ المواضع‌ في‌ وقت‌ واحد.

 ولانّ السائر علي‌ خطّ من‌ خطوط‌ نصف‌ النهار إلي‌ الجانب‌ الشماليّ، يزداد عليه‌ ارتفاع‌ الشماليّ وانخفاض‌ الجنوبيّ، وبالعكس‌. »[63] انتهي‌. (أي‌ ارتفاع‌ الكوكب‌ الشماليّ وانخفاض‌ الكوكب‌ الجنوبيّ.)

 وبالجملة‌ إنّ كرويّة‌ الارض‌ لمّا أصبحت‌ في‌ هذا العصر من‌ الاُمور البديهيّة‌ الواضحة‌ بما استدلّ عليه‌ هذا الشيخ‌ المحقّق‌ ونظائره‌ من‌ المحقّقين‌، وباستعمال‌ الآلات‌ الحديثة‌، وبأنّ السائر من‌ أيّة‌ نقطة‌ من‌ نقاط‌ الارض‌ علي‌ الخطّ المستقيم‌ إذا سار إلي‌ المشرق‌ ينتهي‌ إلي‌ نفس‌ النقطة‌ من‌ طرف‌ المغرب‌ وبالعكس‌، وكذا بسائر الادلّة‌ التي‌ ذُكر بعضها في‌ مقدّمة‌ تفسير «البيان‌»[64] علي‌ مؤلّفه‌ التحيّة‌ والاءكرام‌؛ لم‌ يكن‌ مجال‌ لاحتمال‌ عدم‌ لزوم‌ الاشتراك‌ في‌ الآفاق‌، والذهاب‌ إلي‌ القول‌ بكفاية‌ رؤية‌ ما في‌ الحكم‌ بثبوت‌ الشهر في‌ جميع‌ العالم‌.

 فما ذهب‌ إليه‌ صاحب‌ «الحدائق‌» ساقط‌ من‌ رأس‌.

الرجوع الی الفهرس

كلمات‌ العلاّمة‌ (قدّه‌) حول‌ المسألة‌

 وأمّا العلاّمة‌ في‌ «التذكرة‌»، فإنّه‌ وإن‌ نقل‌ هذا عن‌ بعض‌ علمائنا، لكنّه‌ صرّح‌ بلزوم‌ الاشتراك‌ في‌ الآفاق‌، ولم‌ يمل‌ إلي‌ عدم‌ اعتباره‌.

 بل‌ ردّ جميع‌ الادلّة‌ التي‌ أقامها بعض‌ الشافعيّة‌ وأحمد بن‌ حنبل‌ والليث‌ بن‌ سعد وبعض‌ علمائنا؛ قائلين‌ إنّه‌ يوم‌ من‌ شهر رمضان‌ في‌ بعض‌ البلاد للرؤية‌ وفي‌ الباقي‌ بالشهادة‌، فيجب‌ صومه‌، لقوله‌ تعالي‌: فَمَن‌ شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، وقوله‌ عليه‌ السلام‌ فَرَضَ اللَهُ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وقد ثبت‌ أنّ هذا اليوم‌ منه‌.

 ولانّ الدَّين‌ يحلّ به‌، ويقع‌ به‌ النذر المعلّق‌ عليه‌.

 ولقول‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌: فَإنْ شَهِدَ أَهْلُ بَلَدٍ ءَاخَرَ فَاقْضِهِ. وقال‌ عليه‌ السلام‌ في‌ من‌ صام‌ تسعةً وعشرين‌، قال‌: إنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ عَلَي‌ أَهْلِ مِصْرٍ أَنـَّهُمْ صَامُوا ثَلاَثِينَ عَلَي‌ رُؤْيَةٍ، قَضَي‌ يَوْماً.

 ولانّ الارض‌ مسطّحة‌، فإذا رئي‌ في‌ بعض‌ البلاد عرفنا أنّ المانع‌ في‌ غيره‌ شي‌ء عارض‌.

 ردّ العلاّمة‌ جميع‌ هذه‌ الادلّة‌ بقوله‌:

 « إنّ الهلال‌ ليس‌ بمحلّ الرؤية‌. ونمنع‌ كونه‌ يوماً من‌ رمضان‌ في‌ حقّ الجميع‌؛ فإنّه‌ المتنازع‌. ولا نسلّم‌ التعبّد بمثل‌ هذه‌ الشهادة‌؛ فإنّه‌ أوّل‌ المسألة‌. وقول‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ محمول‌ علي‌ البلد المقارب‌ لبلد الرؤية‌؛ جمعاً بين‌ الادلّة‌. ونمنع‌ تسطيح‌ الارض‌؛ بل‌ المشهور كرويّتها. » انتهي‌.[65]

 وأمّا في‌ «المنتهي‌» فلم‌ يصرّح‌ بهذه‌ الفتوي‌ كما توّهم‌. نعم‌، يظهر منه‌ البناء علي‌ تساوي‌ البلاد أوّلاً؛ ولكنّه‌ في‌ آخر كلامه‌ رجع‌ وأفتي‌ بأنّ عدم‌ تساوي‌ البلاد في‌ حكم‌ الرؤية‌ بناءً علي‌ كرويّة‌ الارض‌، هو الحقّ.

 فها نحن‌ ننقل‌ عين‌ عباراته‌ كي‌ يتّضح‌ المرام‌. قال‌ رحمة‌ الله‌ عليه‌:

 « إذا رأي‌ الهلال‌ أهل‌ بلد، وجب‌ الصوم‌ علي‌ جميع‌ الناس‌؛ سواء تباعدت‌ البلاد أو تقاربت‌. وبه‌ قال‌ أحمد والليث‌ بن‌ سعد وبعض‌ أصحاب‌ الشافعيّ.

 وقال‌ الشيخ‌ قدّس‌ سرّه‌: إن‌ كانت‌ البلاد متقاربةً لا تختلف‌ في‌ المطالع‌ كبغداد والبصرة‌ كان‌ حكمها واحداً، وإن‌ تباعدت‌ كبغداد ومصر كان‌ لكلّ بلد حكم‌ نفسه‌؛ وهو القول‌ الآخر للشافعيّ.

 واعتبر بعض‌ الشافعيّة‌ في‌ التباعد مسافة‌ التقصير وهو ثمانية‌ وأربعون‌ ميلاً فاعتبر لكلّ بلد حكم‌ نفسه‌ إن‌ كان‌ بينهما هذه‌ المسافة‌. وروي‌ عن‌ عِكرِمة‌ أنّه‌ قال‌: لاهل‌ كلّ بلد رؤيتهم‌؛ وهو مذهب‌ القاسم‌ وسالم‌ وإسحق‌.

 لنا: أنّه‌ يوم‌ من‌ شهر رمضان‌ في‌ بعض‌ البلاد للرؤية‌ وفي‌ الباقي‌ بالشهادة‌، فيجب‌ صومه‌؛ لقوله‌ تعالي‌: فَمَن‌ شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، وقوله‌ عليه‌ السلام‌: فَرَضَ اللَهُ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ؛ وقد ثبت‌ أنّ هذا اليوم‌ منه‌.

 ولانّه‌ يحلّ به‌ الدَّين‌ ويجب‌ به‌ النذر ويقع‌ به‌ الطلاق‌ والعتاق‌ المختلفان‌ به‌ عندهم‌، فيجب‌ صيامه‌.

 و لانّ البيّنة‌ العادلة‌ شهدت‌ بالهلال‌، فيجب‌ الصوم‌؛ كما لو تقاربت‌ البلاد.

 ولانّه‌ شهد برؤيته‌ من‌ يُقبَل‌ قوله‌، فيجب‌ القضاء لو فات‌؛ لما رواه‌ الشيخ‌ عن‌ ابن‌ مُسكان‌ والحلبيّ جميعاً، عن‌ أبي‌ عبد الله‌ عليه‌ السلام‌؛ قال‌ فيها: إلاَّ أَنْ يَشْهَدَ لَكَ بَيِّنَةٌ عُدُولٌ؛ فَإنْ شَهِدُوا أَنـَّهُمْ رَأَوُا الْهِلاَلَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَاقْضِ ذَلِكَ الْيَوْمَ.

 وفي‌ رواية‌ منصور بن‌ حازم‌، عنه‌ عليه‌ السلام‌: فَإنْ شَهِدَ عِنْدَكَ شَاهِدَانِ مَرْضِيَّانِ بِأَنّهُمَا رَأَيَاهُ فَاقْضِهِ.

 وفي‌ الحسن‌ عن‌ أبي‌ بصير عن‌ أبي‌ عبد الله‌ عليه‌ السلام‌، أنّه‌ سئل‌ عن‌ اليوم‌ الذي‌ يُقضي‌ من‌ شهر رمضان‌؛ فقال‌: لاَ تَقْضِهِ إلاَّ أَنْ يَشْهَدَ (يَثْبُتَخ‌ ل‌) شَاهِدَانِ عَدْلاَنِ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الصَّلَوةِ مَتَي‌ كَانَ رَأْسُ الشَّهْرِ. وَقَالَ: لاَ تَصُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي‌ يُقْضَي‌ إلاَّ أَنْ يَقْضِيَ أَهْلُ الاْمْصَارِ، فَإنْ فَعَلُوا فَصُمْهُ.

 علّق‌ عليه‌ السلام‌ وجوب‌ القضاء بشهادة‌ العدلين‌ من‌ جميع‌ المسلمين‌؛ وهو نصّ في‌ التعميم‌ قرباً وبعداً، ثمّ عقّبه‌ بمساواته‌ لغيره‌ من‌ أهل‌ الامصار ولم‌ يعتبر عليه‌ السلام‌ القرب‌ في‌ ذلك‌.

 وفي‌ حديث‌ عبد الرحمن‌ بن‌ أبي‌ عبد الله‌ عن‌ أبي‌ عبد الله‌ عليه‌ السلام‌: فَإنْ شَهِدَ أَهْلُ بَلَدٍ ءَاخَرَ فَاقْضِهِ؛ و لم‌ يعتبر القرب‌ أيضاً.

 وفي‌ الصحيح‌ عن‌ هشام‌ بن‌ الحكم‌ عن‌ أبي‌ عبد الله‌ عليه‌ السلام‌، قال‌ في‌ من‌ صام‌ تسعةً وعشرين‌؛ قال‌: إنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ عَلَي‌ أَهْلِ مِصْرٍ أَنـَّهُمْ صَامُوا ثَلاَثِينَ عَلَي‌ رُؤْيَةِ الْهِلاَلِ، قَضَي‌ يَوْماً.

 علّق‌ عليه‌ السلام‌ قضاء اليوم‌ علي‌ الشهادة‌ علي‌ مصر، وهو نكرة‌ شائعة‌ يتناول‌ الجميع‌ علي‌ البدل‌؛ فلا تخصيص‌ في‌ الصلاحيّة‌ لبعض‌ الامصار إلاّ بدليل‌.

 والاحاديث‌ كثيرة‌ بوجوب‌ القضاء إذا شهدت‌ البيّنة‌ بالرؤية‌، ولم‌ يعتبروا قرب‌ البلاد وبعدها. »

 ثمّ نقل‌ روايةً عامّيّةً[66]، دليلاً علي‌ القول‌ الآخر إلي‌ أن‌ قال‌:

 « ولو قالوا: إنّ البلاد المتباعدة‌ تختلف‌ عروضها؛ فجاز أن‌ يري‌ الهلال‌ في‌ بعضها دون‌ بعض‌، لكرويّة‌ الارض‌.

 قلنا: إنّ المعمورة‌ منها قدر يسير، وهو الرُّبع‌؛ ولا اعتداد به‌ عند السماء.

 وبالجملة‌، إن‌ علم‌ طلوعه‌ في‌ بعض‌ الاصقاع‌ (الصفائح‌ خ‌ ل‌) وعدم‌ طلوعه‌ في‌ بعضها المتباعد عنه‌، لكرويّة‌ الارض‌، لم‌ يتساو حكماهما؛ أمّا بدون‌ ذلك‌ فالتساوي‌ هو الحقّ. » انتهي‌.[67]

 هذا ما أفاده‌ العلاّمة‌ في‌ «المنتهي‌»، نقلناه‌ بطوله‌؛ وآخره‌ كما تري‌ ينافي‌ أوّله‌ صريحاً، كما اعترف‌ به‌ صاحب‌ «الجواهر» قدّس‌ سرّه‌.[68]

 لانّ ما ذكره‌ أوّلاً من‌ الاستدلال‌، فهو من‌ قبيل‌ احتمالات‌ الفقيه‌ في‌ بدء بحثه‌ حول‌ المسألة‌، وإيراد غاية‌ ما يمكن‌ أن‌ يستدلّ به‌ المخالف‌ في‌ نقيض‌ المطلوب‌؛ ثمّ يختار ما عنده‌ بحسب‌ رأيه‌.

 ولذلك‌ تري‌ أنّ ما أفاده‌ أوّلاً، هو عين‌ ما نقل‌ في‌ «التذكرة‌» عن‌ بعض‌ الشافعيّة‌ والليث‌ بن‌ سعد وأحمد بن‌ حنبل‌ وبعض‌ علمائنا، ثمّ ردّ كلّ واحد من‌ هذه‌ الوجوه‌؛ و«التذكرة‌» هو أتقن‌ كتب‌ العلاّمة‌ وأحسنها. وممّا يشهد علي‌ ذلك‌ أنـّه‌ أدخل‌ في‌ جملة‌ أدلّته‌ نفس‌ ما تمسّك‌ به‌ المخالفون‌ من‌ حلول‌ الطلاق‌ والعتاق‌ به‌ ومعلوم‌ أنـّه‌ مناف‌ لمذهبه‌، لمكان‌ مانعيّة‌ التعليق‌ فيهما.

 وبالجملة‌، اختيار العلاّمة‌ في‌ «المنتهي‌» هو عدم‌ تساوي‌ البلاد؛ إن‌ علم‌ طلوع‌ القمر في‌ بعض‌ الاصقاع‌ وعدم‌ طلوعه‌ في‌ بعضها المتباعد عنه‌، لكرويّة‌ الارض‌. وأمّا بدون‌ ذلك‌، أي‌ إن‌ لم‌ نقل‌ بكرويّة‌ الارض‌ كما إذا فرض‌ تسطيحها أو علم‌ عدم‌ طلوعه‌ في‌ بعضها الغير المتباعد بجهة‌ أُخري‌ غير كرويّة‌ الارض‌، مثل‌ ما إذا كانت‌ السماء متغيّمةً غير مصحية‌؛ فالتساوي‌ هو الحقّ.

 وهذا بعينه‌ مذهب‌ المشهور.

الرجوع الی الفهرس

كلام‌ صاحب‌ الحدائق‌ (ره‌) في‌ المقام‌

 لكنّ صاحب‌ «الحدائق‌» المصرَّ علي‌ عدم‌ لزوم‌ الاشتراك‌ في‌ الآفاق‌، بانياً علي‌ مذهبه‌ من‌ تسطيح‌ الارض‌، والرادَّ علي‌ الفاضل‌ الخراسانيّ (ره‌) في‌ «الذخيرة‌» ردَّه‌ علي‌ العلاّمة‌ ما استدلّ به‌ في‌ أوّل‌ كلامه‌؛ أوَّلَ ما استدرك‌ به‌ العلاّمة‌ في‌ كلامه‌ الاخير، حيث‌ قال‌:

 « وأمّا قوله‌ أخيراً: وبالجملة‌ إلي‌ آخره‌، فالظاهر أنـّه‌ إشارة‌ إلي‌ منع‌ ما ادّعوه‌ من‌ الطلوع‌ في‌ بعض‌ وعدم‌ الطلوع‌ في‌ بعض‌ للتباعد، وأنـّه‌ غير واقع‌. لما ذكره‌ أوّلاً من‌ أنّ المعمورة‌ من‌ الارض‌ قدر يسير لااعتداد به‌ بالنسبة‌ إلي‌ سعة‌ السماء، وأنـّه‌ لو فرض‌ حصول‌ العلم‌ بذلك‌ فالحكم‌ عدم‌ التساوي‌؛ فلا منافاة‌ فيه‌ لاوّل‌ كلامه‌ كما استدركوه‌ عليه‌.

 وملخّصه‌ أنّا نقول‌ بوجوب‌ الصوم‌ أو القضاء مع‌ الفوات‌، متي‌ ثبتت‌ الرؤية‌ في‌ بلد آخر قريباً أو بعيداً؛ وما ادّعوه‌ من‌ الطلوع‌ في‌ بعض‌ وعدم‌ الطلوع‌ في‌ آخر، بناءً علي‌ ما ذكروه‌ من‌ الكرويّة‌ ممنوع‌. » انتهي‌.[69]

 وأنت‌ خبير بأنّ هذا تأويل‌ لم‌ يَرض‌ به‌ صاحبه‌.

 العلاّمة‌ كان‌ ينادي‌ صريحاً، بأنـّه‌ إذا احتمل‌ كون‌ الهلال‌ فوق‌ الاُفق‌ وأمكن‌ الرؤية‌، لتسطيح‌ الارض‌، أو لكرويّتها لكن‌ لكون‌ المعمورة‌ منها بالنسبة‌ إلي‌ سعة‌ السماء قليلةً لا تمنع‌ من‌ رؤيته‌؛ ففي‌ هاتين‌ الصورتين‌ فالحقّ هو التساوي‌. وأمّا إذا فرضنا كرويّتها وقلنا بأنّ الكرويّة‌ تمنع‌ من‌ الرؤية‌، ففي‌ هذه‌ الصورة‌ لم‌ يكن‌ الهلال‌ فوق‌ الاُفق‌ في‌ البلاد المتباعدة‌ بل‌ يخفي‌ تحت‌ قوس‌ الارض‌؛ فلا يحكم‌ بدخول‌ الشهر.

 وهذا بعينه‌ مذهب‌ المشهور.

 ثمّ أين‌ في‌ كلامه‌ إنكار الكرويّة‌ ؟ مع‌ أنّه‌ في‌ «التذكرة‌» صرّح‌ بمنع‌ التسطيح‌، وأنّ المشهور كرويّة‌ الارض‌. وذكرنا أيضاً استدلال‌ ولده‌ فخر المحقّقين‌ في‌ شرحه‌ علي‌ «القواعد» علي‌ كرويّتها.

 ثمّ إنّه‌ علي‌ فرض‌ ذهاب‌ العلاّمة‌ إلي‌ مذهب‌ غير المشهور بانياً علي‌ عدم‌ كرويّة‌ الارض‌، كيف‌ يمكن‌ أن‌ يورَد كلامه‌ تأييداً لخلاف‌ مذهب‌ المشهور؛ حيث‌ إنّ الكرويّة‌ ثابتة‌ قطعاً، فلا مجال‌ لبقاء حكمه‌ المبنيّ علي‌ عدم‌ الكرويّة‌ أيّ مجال‌.

 هذا مع‌ أنّه‌ في‌ «القواعد» ذهب‌ إلي‌ الحكم‌ بلزوم‌ التقارب‌ في‌ البلاد بلا احتمال‌ خلاف‌.[70]

الرجوع الی الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

پاورقي


[56] ـ الآية‌ 217، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[57] ـ الآية‌ 185، من‌ السورة‌ 2: البقرة‌.

[58] ـ إنّما قيّدناه‌ بالتقريب‌ لانّ ما هو الثابت‌ غير المتغيّر دائماً وهو 29 يوماً و 12 عةًو 44 قةً، إنّما هو الفصل‌ بين‌ مقارنتي‌ النيّرين‌؛ ولكن‌ حيث‌ كان‌ زمان‌ الخروج‌ عن‌ تحت‌ الشعاع‌ متغيّراً فالفصل‌ بين‌ الخروجين‌ يكون‌ هذا المقدار علي‌ سبيل‌ التقريب‌ منه‌ عفي‌ عنه‌.

[59] ـ الآية‌ 28، من‌ السورة‌ 34: سبأ.

[60] ـ الآية‌ 107، من‌ السورة‌ 21: الانبياء.

[61] ـ «جواهر الكلام‌» ج‌ 16، كتاب‌ الصوم‌، ص‌ 361.

[62] ـ «الحدائق‌ الناضرة‌ في‌ أحكام‌ العترة‌ الطاهرة‌» ج‌ 13، كتاب‌ الصوم‌، ص‌ 266 و 267.

[63] ـ نقله‌ في‌ «الحدائق‌» ج‌ 13، ص‌ 263 و 264؛ ورد في‌ « إيضاح‌ الفوائد في‌ شرح‌ إشكالات‌ القواعد» ج‌ 1، كتاب‌ الصوم‌، ص‌ 252؛ وفيه‌: «ارتفاع‌ القطب‌ الشماليّ»، بدل‌ قوله‌ «ارتفاع‌ الشماليّ».

[64] ـ تفسير «البيان‌» ص‌ 55 إلي‌ ص‌ 58.

[65] ـ «تذكرة‌ الفقهاء» الطبعة‌ الحجريّة‌، ج‌ 1، الفصل‌ السابع‌.

[66] ـ وهي‌ رواية‌ كريب‌ و ستجي‌ء في‌ ص‌ 83.

[67] ـ «المنتهي‌ المطلب‌» كتاب‌ الصوم‌، البحث‌ السابع‌، الطبعة‌ الحجريّة‌، ج‌ 2، ص‌ 592 و 593؛ نقله‌ في‌ «الحدائق‌» ج‌ 13، ص‌ 264 إلي‌ ص‌266.

[68] ـ «جواهر الكلام‌» ج‌ 16، كتاب‌ الصوم‌، ص‌ 361.

[69] ـ «الحدائق‌» ج‌ 13، ص‌ 266.

[70] ـ «قواعد الاحكام‌» الطبعة‌ الحجريّة‌، كتاب‌ الصوم‌، ص‌ 69 المطلب‌ الثاني‌ من‌ المقصد الثاني‌.

الرجوع الی الفهرس

تتمة النص

الصفحة الاولي للموقع فهرس الكتب الفهرس الموضوعي الفحص

 

.

معرفي و راهنما

كليه حقوق، محفوظ و متعلق به موسسه ترجمه و نشر دوره علوم و معارف اسلام است.
info@maarefislam.com